Postmodernidad: Una introducción muy corta
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
نحن نميل إلى «أن نفضل» أو أن نعتمد على ما يطلق عليه دريدا «دلالات متسامية» خاصة، مثل «الإله»، و«الواقع»، و«فكرة الإنسان» كي ننظم خطابنا. إن المتضادات المفاهيمية التي نميل إلى استخدامها كي تؤدي هذا الدور التنظيمي - مثل الحديث مقابل الكتابة، الروح مقابل الجسد، المعنى الحرفي مقابل المعنى المجازي، الطبيعي مقابل الثقافي، الذكورة مقابل الأنوثة - تدفعنا إلى فهم العديد من العلاقات الأساسية فهما خاطئا، أو على الأقل فهما راسخا متصلبا أكثر من اللازم. نحن نميل على وجه التحديد إلى وضع أحد تلك المصطلحات في مرتبة أعلى من الآخر؛ فمثلا ينظر إلى «المرأة» على أنها أدنى منزلة من «الرجل» (و«الشرق» أدنى منزلة من «الغرب»)، لكن إذا تبنينا إطارا مفاهيميا أكثر نسبية، فسندرك أن هذه المصطلحات تعتمد «حقا» بعضها على بعض في تعريفها. بالتأكيد، كان لدى أتباع دريدا هوس فرويدي تام بفكرة أن المتناقضات الظاهرة يحتاج في الحقيقة بعضها إلى بعض، ودائما ما يشير كل منها ضمنا إلى الآخر؛ فالمرء لا يرى نفسه عقلانيا، وإمبرياليا يسعى إلى تحقيق العدل (مثل شخصية روني فيلدنج في رواية فورستر) «إذا» لم يكن الآخر في الوقت نفسه يرى إنسانا شرقيا مضطربا، مراوغا، وماكرا (مثل شخصية عزيز). إن الجانب التحرري والإبداعي في هذا النوع من تفكيك المتضادات يعمل على النحو التالي: عندما ننظر إلى أنظمة معينة كهذه الأنظمة - التي تدعي تقديم وصف دقيق للعالم - سيصبح في وسعنا إدراك أن المفاهيم التي «يميزها» النظام أو يجعلها محورية، والتدرجات الهرمية التي يستخدمها لترتيبها، أبعد ما تكون عن النسق «الصحيح» القاطع، وتتمتع باستقلال أكبر بمراحل مما كنا نعتقد.
في الواقع، يرى أتباع دريدا أن الكشف عن الاعتماد المتبادل الخفي لدى تلك الأنظمة سيؤدي إلى «تفكيكها»؛ إذ يمكن هدمها أو عكسها - لتعطي معنى متناقضا في أغلب الأحيان - وهكذا تصبح الحقيقة «في الواقع» نوعا من الوهم، وتصبح القراءة دائما شكلا من أشكال إساءة القراءة، وأهم من ذلك يصبح الفهم في جميع الأحوال نوعا من سوء الفهم؛ لأنه فهم غير مباشر دوما، وسيظل أبدا شكلا من أشكال التفسير الجزئي، غالبا ما يستخدم المعنى المجازي بينما يظن أنه يستخدم المعنى الحرفي. إن هذا الاستخدام الرئيسي للتفكيكية بهدف هدم ثقتنا في الأفكار المبتذلة السياسية والأخلاقية والمنطقية هو الأكثر ثورية وتمييزا لما بعد الحداثة.
يدفع هذا الزعم النسبي أننا حالما نرى أنظمتنا المفاهيمية بهذه الطريقة، سندرك أيضا أن العالم وأنظمته الاجتماعية وهويته الإنسانية ليست عطايا مهداة، تضمنها بطريقة ما لغة تتوافق مع الواقع، لكنها مفاهيم نخلقها «نحن» في اللغة، على نحو لا يمكن تبريره أبدا عبر الزعم بأن تلك هي «حقيقة» الأمور. فنحن لا نعيش داخل الواقع بل داخل تصوراتنا له (وهو ما يلخصه أتباع دريدا في الملحوظة الجانبية المشهورة التالية: «لا يوجد شيء خارج النص» باستثناء المزيد من النصوص التي نستخدمها في محاولة وصف أو تحليل ما تدعي النصوص الإشارة إليه).
نستمد من هذا كله الثقة اللازمة للتحرر من الامتثال لأي نظام «معطى»، وكي نؤمن بأن طريقة رؤيتنا للعالم لا يمكن تغييرها فحسب بل يجب تغييرها. قد يصل التفكيكيون والليبراليون والماركسيون إلى شكل من أشكال التحالف ها هنا، فيما يتعلق بإنكار استطاعة أي أيديولوجية مهيمنة أو لغة إمبريالية، تعميمية، كانطية، ما بعد تنويرية؛ وصف حقيقة الأشياء حقا.
التلاعب بالنص
حققت التفكيكية (ولا سيما كما مارسها النقاد الأدبيون) تأثيرها الثقافي الأقوى عندما رفضت أن تسمح لنشاط فكري أو نص أدبي أو تفسير لهذا النص بالخضوع للتنظيم عبر أي تسلسل هرمي تقليدي من المفاهيم، ولا سيما تلك التي قدمنا نماذج لها أعلاه. تمكنت التفكيكية من خلال اضطلاعها بتلك المهام من الإخلال بتنظيم النص، والطعن في صحة ما اعتبره البعض مجرد تحديدات «اعتباطية» لمعناه؛ لأن مفهوم «الاختلاف والإرجاء» - أو الاعتماد شبه الخفي لمفهوم ما على بقية المفاهيم المرتبطة به - هو مفهوم غير محدود. وهكذا يمكننا التجول عبر صفحات القاموس، سالكين المسارات المتفرعة من كلمة واحدة. إن فكرة المجال اللغوي المتداخل تداخلا حيويا وغير المحدود على الأرجح ساعدت في تكوين تحالف بين النظرية التفكيكية والاتجاهات التجريبية لدى الكثير من كتاب ما بعد الحداثة الطليعيين؛ إذ تأثر «الروائيون الجدد» في فرنسا وعدد من الكتاب التجريبيين الأمريكيين - أمثال والتر أبيش، ودونالد بارثلماي، وروبرت كوفر، وراي فيديرمان - بتلك الأفكار؛ ومن ثم، أصبحت اللغة وتقاليد النصوص (والصور والموسيقى) أمورا يمكن التلاعب بها؛ إذ لم يلتزم أولئك الكتاب بمناقشات أو أساليب سردية محدودة، فهم ليسوا سوى «ناشرين» للمعنى.
أعرف يا شباب ما الذي ستقولونه لاحقا. ماذا عن التمثيل؟ حقا ماذا عنه؟ التمثيل الدقيق والسليم للواقع! إلصاق الكلمات بالأشياء! إلصاق المعنى بالكلمات! (عبر/تعبير/معبر)، الاستخدام الدقيق لعلم الكتابة من أجل التفرقة بين التحدث والكتابة وبين الصياح والتمتمة!
نعم، أعرف رأيكم في الكتابة وأن هذا السؤال بالنسبة إليكم هو سؤال مهم (محوري)، لكننا قد ناقشنا ذلك كله من قبل وناقشنا أسلوبي على نحو ما (بل على النحو المنطقي إذا كان ذلك يرضيكم). أنا لا أبالي البتة ب «نظام الأشياء» لأني لا أحكي، لا أسرد، لا أتلو بترتيب كي أخلق نظاما، بل العكس!
على العكس، ما أفعله يتعلق بمشكلة القراءة أو الاستماع، ولا يتعلق بالكتابة! أنا أتحدث إلى الحواس ولا أحاول أن يبدو كلامي منطقيا بأي شكل من الأشكال. إن مجالي هو الهراء، مجالي هو ما فوق القص! بعبارة أخرى أنا أشق طريقي نحو استحالة القراءة، نحو القراءة الحرة، نحو القراءة الهذيانية، بطريقة ما أفضل القراءة بوصفها انتهاكا صارخا للسلام، كأن يقبض عليك متلبسا بالجريمة: بالجرم المشهود! أنا لا أضيع وقتي في التفاهات!
لكن حسنا، سأتوقف عن هذا الكلام الفارغ (مسافة مفردة، مسافة مزدوجة، مسافة ثلاثية) وجميع هذا اللغو المطبعي. في الحقيقة، الأمر يصيبني بالاشمئزاز بقدر ما يصيبك، لكن في بعض الأحيان يصبح التحدث عن تلك الأشياء (أو حتى الكتابة عنها) أمرا ضروريا، لا لسبب سوى أن نتمكن من تحديد المشكلة بدقة.
Página desconocida