Postmodernidad: Una introducción muy corta
ما بعد الحداثة: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
يعتمد النقاش المحوري في التفكيكية على مبدأ النسبية؛ أي الرأي القائل بأن الحقيقة في حد ذاتها نسبية؛ إذ تبنى دوما حسب وجهات النظر المختلفة والنظم الفكرية المعدة للشخص الذي يبدي رأيه. من الصعب إذن الزعم بأن التفكيكيين يلتزمون بأي شيء في وضوح الأطروحات الفلسفية. في الواقع، إن محاولة تعريف التفكيكية تتحدى أحد مبادئها الرئيسية؛ وهي إنكار إمكانية الوصول إلى تعريفات حقيقية أو نهائية؛ لأنه حتى أكثر التعريفات المرشحة معقولية سوف تستدعي دوما تلاعبا تعريفيا إضافيا باللغة. يرى أتباع المدرسة التفكيكية أن علاقة اللغة بالواقع هي علاقة مجهولة ولا يعتمد عليها، بما أن جميع الأنظمة اللغوية ليست إلا بنى ثقافية لا يعول عليها بطبيعتها.
رغم ذلك التزم دريدا وأتباعه على ما يبدو برأي تاريخي واضح نسبيا؛ وهو أن الفلسفة والأدب في التراث الغربي قد افترضا كذبا لفترة أطول من اللازم أن العلاقة بين اللغة والعالم كانت - على عكس زعم التفكيكين - علاقة راسخة ويعتمد عليها (بل علاقة يكفلها الإله في بعض الأديان أيضا). إن تلك الثقة الزائفة «المتمركزة حول العقل» في اللغة باعتبارها مرآة الطبيعة تنبع من توهم أن معنى أي كلمة يستمد جذوره من بنية الواقع ذاته؛ ومن ثم يؤدي إلى مثول حقيقة تلك البنية مباشرة في الذهن، ويصب هذا كله في «حضور ميتافيزيقي» زائف. ذلك هو ادعاء دريدا الكبير، الذي افترض على ما يبدو افتراضا خاطئا تماما يقضي بأن التراث الفلسفي الميتافيزيقي الغربي يخلو من أي تساؤل حول توافق اللغة مع العالم، رغم أن الفلسفة الاسمية طالما كانت على طرف النقيض من الفلسفة الجوهرية. (في الواقع، حاول فيتجنشتاين - محاولة معروفة - إيجاد علاقة ثابتة تماما وجديرة بالثقة بين اللغة والعالم في كتابه «الأطروحة الفلسفية المنطقية» (1922)، ثم تبرأ تماما من موقف الكتاب لصالح نظرية تتمحور حول ألاعيب لغوية قريبة نسبيا مما عرضناه، وذلك في كتابه «تحقيقات فلسفية» الذي نشر بعد موته عام 1953.)
رغم ذلك، حظيت شكوكية دريدا بجاذبية سياسية كبيرة، باعتبارها وصفا متمردا لثقافة أصبحت تعتمد أكثر فأكثر على تلك الادعاءات الزاعمة بوجود «توافق جيد» في العلم وفي التكنولوجيا الرأسمالية السائدة بلا منازع، التي من المفترض أن تتدفق من العلم وتبرره. وقد أتاحت لأتباعه مهاجمة من يؤمنون بأن الفلسفة أو العلم أو الرواية تقدم بالفعل تصويرا دقيقا للعالم، أو أن السرد التاريخي قد يتسم بالدقة.
اتهم أتباع دريدا أهل الأدب على وجه الخصوص بالثقة الساذجة فيما يطلق عليه لدواعي المفارقة «النصوص الواقعية الكلاسيكية»؛ فأولئك الأشخاص فشلوا ببساطة في إدراك طبيعة اللغة التي استقوا منها ثقتهم الزائفة.
على سبيل المثال، عند قراءة رواية جورج إليوت «ميدل مارش» (1882)، قد يتشكل لدينا اعتقاد وهمي (لم يخطر على بال جورج إليوت في الواقع) بأن الكاتبة تفتح لنا ببساطة نافذة على الواقع، وأن الخطاب الذي تستخدمه صالح تماما لوصف العالم الحقيقي. إن اعتمادنا على سرد إليوت ولغتها يضعنا في موقع مهيمن بل في موقع الإله، ولا سيما إذا اعتمدنا على التعميمات التي تطرحها؛ ومن ثم، نظن أننا نعرف الحقيقة عن دوروثيا بروك، بينما ما نعرفه حقا هو وصف إليوت لها. وعلى أي حال، ماذا سيحدث عندما نصادف مجازا لغويا؟ هل نعتبره «حقيقيا» أيضا؟ على سبيل المثال، عندما شعرت دوروثيا بالحيرة والضيق من خيبة أملها في زوجها كازابون، رأت أن حياتها: «قد أصبحت على ما يبدو مسرحية تنكرية حيث يرتدي الممثلون أزياء غامضة.» إن هذا المجاز اللغوي أو الاستعارة - بصرف النظر عن مشاكل تفسيرها - لن تصلح إلا في ثقافة لديها القدرة على إدراك ماهية المسرحيات التنكرية ووظائفها بطريقة معينة. إن وصف دوروثيا يصلح فحسب ضمن سياق الخطاب المدرك لماهية المسرحيات التنكرية والسائد ضمن مجموعة معينة من الناس؛ ومن ثم يرتبط به.
إذن يرغب أتباع مدرسة ما بعد الحداثة التفكيكية في إبراز الانحراف الذي سيصيب علاقة كانت محل ثقة سابقا، مثل العلاقة بين اللغة والعالم. وكأنهم يقولون: «إنها ليست سوى استعارة مضللة تضليلا منهجيا عن مسرحية تنكرية.» رغم ذلك، من الواضح منطقيا أننا لن نستطيع توضيح «الانحراف» الدائم الذي يصيب اللغة دون أن تكون لدينا «في الوقت نفسه» ثقة خفية ومتناقضة في اللغة؛ إذ كيف يمكننا - من دون مفهوم يقيني إلى حد ما عن الحقيقة - إظهار كون تعبير لغوي معين قد «انحرف» أو سقط في فخ التناقض؟ إنه لغز تعجيزي لأعداء التفكيكية، ومعضلة طويلة الأمد لدى من يعتنقون مبادئها.
لماذا إذن يرغب التفكيكيون في التشكيك في اعتمادنا على أدباء مثل إليوت، وفي جزء كبير من التراث الفلسفي السابق كذلك؟
أنظمة الرموز
أصر أتباع دريدا على أن جميع الكلمات لا بد أن تفسر فقط من منظور علاقتها بالأنظمة السابقة التي تشارك فيها؛ ومن ثم، أصبحنا جميعا على أفضل وجه خاضعين لمبدأ النسبية، وأسرى لأنظمة مفاهيمية (غير قابلة للقياس). لا يسعنا سوى «معرفة» ما سمحوا «هم» لنا بمعرفته. وأيا كان ما نقوله، فنحن أسرى نظام لغوي لا علاقة له بالواقع الخارجي على النحو الذي نتوقعه؛ لأن كل مصطلح ضمن كل نظام يشير كذلك إلى وجود (أو «أثر» على حد قول دريدا) مصطلحات أخرى غائبة ضمن النظام أو يعتمد على وجود تلك المصطلحات أو «أثرها». على سبيل المثال، تضم اللغة الإنجليزية مجموعة من الكلمات تعبر عن درجات من الغضب، بدءا من كلمة «منزعج» وانتهاء ب «يستشيط غضبا». ولدى اللغة الفرنسية مجموعة كلمات مختلفة خاصة بها للتعبير عن هذا الشعور البشري. تعتمد جميع الكلمات داخل كل مجموعة لغوية بعضها على بعض من أجل تقسيم نطاق «الغضب» لخدمة الناطقين بتلك اللغات. لكن كلا النظامين - الإنجليزي أو الفرنسي - على الرغم من اختلافهما الواضح لن يستطيعا بضمير مستريح زعم أنهما قدما في النهاية الرمز الذي يعبر عن «حقيقة» حالات الغضب في العالم. ولا يسع إليوت أن تزعم نجاحها في التعبير رمزيا في النهاية عن حقيقة خيبة أمل دوروثيا. وهكذا، يرى أتباع دريدا أن اللغة تقتصر على تحديد الاختلافات الجلية بين المفاهيم؛ أي إنها تكتفي في الواقع ب «إرجاء» - أو تنحية - شركائها داخل النظام لبعض الوقت؛ وعليه، تحدد مفاهيمنا - في رأي أتباع دريدا - «اختلافا وإرجاء» (ديفرانس)؛ أي ترجئ المعنى مثلما توضح اختلافه (يتلاعب المصطلح الفرنسي الجديد الذي ابتكره دريدا (ديفرانس) بالكلمتين «اختلاف» و«إرجاء»)؛ فالمعني ينسل إلى الأبد من كلمة إلى أخرى داخل التسلسل اللغوي.
ينطلق دريدا من هذا الشكل المهيب من أشكال النسبية المفاهيمية كي يقترح مناهج تصلح لنقد جميع النظم المفاهيمية حالما ننظر إليها بهذه الطريقة، مقدما مساهمة رئيسية في الاتجاه ما بعد الحداثي لا تعتمد إلى حد كبير على «دقة» موقفه الفلسفي أو خصائصه الفلسفية الأخرى؛ فهو يعتبر أن جميع الأنظمة المفاهيمية عرضة ل «تكوين هرمي» زائف ومشوه. ولا يقتصر الأمر على كون معرفتنا بالعالم ليست على نفس الدرجة من المباشرة كما يروق لنا أن نعتقد - فهي محملة بالمجازات وتتناسب كليا مع نطاق أنظمتنا المفاهيمية ومداها - بل إننا جميعا نضع ثقة مفرطة في أساليب عمل التصنيفات المركزية داخل تلك الأنظمة كي تنظم تجربتنا في الحياة. على سبيل المثال، تعتمد جورج إليوت بوضوح في الفقرة التي أشرت إليها على الفرق الواضح بين «المظهر» و«الحقيقة»، وبين الحالة التي يتصرف فيها الناس «على طبيعتهم» وتلك التي «يؤدون فيها دورا» ليس إلا (كما في المسرحية التنكرية أو في حالة ارتداء زي تنكري).
Página desconocida