82

Después de los días

ما بعد الأيام

Géneros

ويغادر العميد مصر في أول الصيف ليحضر اجتماع هيئة التعاون الفكري الدولية في جنيف.

يترك العميد مصر قلقة غير مستقرة، العلاقات بين الملك ووزارة محمد محمود تسوء رغم كل الجهود التي تبذلها الوزارة، والأمة ساخطة على السراي وعلى الوزارة معا، ساخطة على الإنجليز والألمان، متعطشة إلى يوم مأمول تتخلص فيه من ظلم الحكم المطلق، ومن عنف الاحتلال.

وفي شهر أغسطس 1939 يعلم طه حسين أن وزارة محمد محمود باشا قد سقطت، وأن الملك قد عين علي ماهر باشا رئيسا للوزارة، ويتلقى العميد خطابا من أحد أعضاء الوزارة الجديدة، وهو سابا حبشي باشا وزير الصناعة والتجارة، يقول فيه: «إن الحوادث لا تترك مجالا للتفكير في غير ما يتهدد البلاد من خطر.» وفي نفس الشهر يتلقى العميد خطابا من الدكتور محمد عوض محمد، الذي كان يزور ألمانيا، يقول فيه: «إن الحكومة الألمانية جادة في جمع الحديد القديم من جميع أرجاء البلاد.»

ويسأل السكرتير - الذي قرأ الخطاب على العميد: «ولماذا تجمع الحكومة الألمانية الحديد القديم؟!»

يقول العميد: «التوراة تحدثنا أنه في ظل السلام تصهر السيوف لتتحول إلى محاريث، وإذا كانت الحكومة النازية تجمع الآن الحديد القديم فذلك لتصهره وتحوله إلى مدافع، وأغلب الظن إذن أن الحرب توشك أن تندلع، ولا بد لنا الآن من الإسراع بالعودة إلى أرض الوطن.»

يقول السكرتير: «لقد كنت تريد أن ترسل برقية إلى الدكتور السنهوري تهنئه بتعيينه وكيلا لوزارة المعارف.» فيرد العميد: «بل الأفضل الآن إرسال خطاب.» ثم يملي على سكرتيره ما يلي:

أخي العزيز

تحققت أمس أنك أصبحت زعيما من زعماء التعليم أو قل الزعيم الثاني لشئون التعليم بعد معالي الوزير، فهممت أن أبرق إليك مهنئا ولكني استحييت من عامل البريد الفرنسي، فإن هذه الظروف التي نحن فيها لا تسمح للناس بأن يتبادلوا التهنئات مهما تكن أسبابها ومصادرها، واكتفيت بأن أرسل لك هذا الكتاب طائرا كما يقال، إن كانت الظروف العامة لا تزال تسمح للرسائل بأن تطير. وكل ما أتمناه الآن هو أن يظل السيف والمدفع صامتين ... وأن تظل الكلمة للعقل والقلب ...

ولكن الحرب أعلنت فسكت العقل ونطق المدفع، والقطارات المتجهة من باريس إلى مارسيليا غاصة بالجنود، والمدنيون يتسابقون إلى الخروج من باريس إلى الأقاليم فيسدون الطرقات، وطه حسين وزوجته وابنته وولده يضطرون إلى قضاء الليل جلوسا في محطة السكة الحديدية في مدينة «ليون» ينتظرون قطارا يصلون به إلى مارسيليا، ويصل القطار فيسرعون إلى الركوب فيه، ويصعدون إلى الباخرة المصرية «النيل»، فيمضون فيها أياما وهي لا تتحرك؛ لأن الحركة في البحر الأبيض المتوسط لا تكون في ذلك الوقت إلا بأمر من الأميرالية البريطانية.

وأخيرا تتحرك الباخرة مزدحمة بركابها، وقبطانها المصري المثقل بالمسئولية في تلك الظروف الشديدة يعمل مشكورا على توفير الراحة الممكنة لطه حسين وأسرته في رحلة العودة إلى الوطن العزيز.

Página desconocida