وتجري في يناير 1924 أول انتخابات لمجلس النواب في ظل الدستور الجديد، ويفوز الوفد المصري فوزا ساحقا، ويدعى رئيسه سعد زغلول باشا لتأليف الوزارة.
وتفصل الوزارة الجديدة بعض مديري الأقاليم، وينسب إلى سعد باشا أنه قد صرح بأنه يريد حكومة «زغلولية اسما ولحما ودما»، ويضيق طه حسين بهذا التصريح، ويهاجم صاحبه هجوما عنيفا، وكذلك يهاجم الدكتور هيكل نفس التصريح فتحقق معه النيابة العامة، وتنشر جريدة السياسة فصلا عما أجرته النيابة مع هيكل من تحقيق، وتقرر الوزارة مصادرة عدد جريدة السياسة الذي نشر أخبار التحقيق على أن يعرض أمر المصادرة على المحكمة في اليوم التالي، وفي اليوم التالي يحضر توفيق دوس بك المحامي عن جريدة السياسة وكان أخوه قد توفي في نفس اليوم، فيقول لمن دهش لحضوره: «لقد تركت مأتم أخي وجئت أشهد مأتم الحرية»، ثم يستدرك بكلمة يحفظها الناس في مصر زمنا طويلا وهي «ولن يكون للحرية مأتم وفي مصر قضاة»، وتقضي المحكمة في أمر المصادرة بأنه «إجراء تحكمي لا مسوغ له ...»
تبدأ وزارة سعد باشا زغلول في بحث إمكان التفاوض مع الإنجليز في موضوع التحفظات الأربعة التي تقيد الاستقلال، ومنها تحفظ الإنجليز بشأن السودان.
ولكن الصحف المصرية تنقل في شهر يونيو 1924 تصريحا ألقي في لندن في مجلس اللوردات مضمونه أن إنجلترا لا تنوي الجلاء عن السودان، وبعد أيام تنشر مضمون تصريح مماثل ألقاه رئيس الوزارة مستر رامزي ماكدونالد، وهو زعيم حزب العمال الذي كانت تتعلق به آمال الوطنيين المصريين، فلا يكذب ماكدونالد التصريح ولكنه يسارع بدعوة سعد باشا إلى لندن للتباحث، ويرفض سعد أي تفاوض على أساس التصريحات التي ألقيت في مجلس اللوردات والعموم، ويقدم استقالته فترفض تحت ضغط الرأي العام، ثم يتم الاتفاق على صيغة مقبولة للدعوة فيسافر سعد إلى لندن في 25 سبتمبر 1924، وسرعان ما تفشل المفاوضات ويعود سعد فيقدم استقالته وترفض الاستقالة تحت ضغط الرأي العام أيضا، وتقوم المظاهرات في السودان؛ في الخرطوم وعطبرة وبور سودان، وتشتعل الثورة في مصر من جديد.
وفي 19 نوفمبر 1924 يقتل سير «لي ستاك» سردار الجيش المصري وحاكم السودان في القاهرة في وضح النهار، فيتقدم الإنجليز بإنذار يتضمن سبعة طلبات منها ما لا علاقة له بهذه الجريمة على الإطلاق، فتقبل الوزارة السعدية أربعة منها، ويصر الإنجليز على قبول طلباتهم الباقية كلها بما فيها إخلاء السودان من الجيش المصري، وعندما ترفض الوزارة يهاجم الإنجليز بقواتهم العسكرية جمرك الإسكندرية ويحتلونه، ويقومون بأنفسهم بالقبض على بعض من اتهموهم بالاشتراك في مقتل السردار، وتقبل استقالة وزارة سعد زغلول ويدعى أحمد زيور باشا لتأليف وزارة «لإنقاذ ما يمكن إنقاذه» تقبل كل طلبات الإنجليز، وتقرر تأجيل انعقاد البرلمان إلى أجل غير مسمى، ثم تقرر حل البرلمان. •••
وتجري الانتخابات الجديدة في الربيع، ونتيجة لها يجتمع البرلمان الجديد في مارس 1925، وكانت الحكومة تعتقد أنها قد أنجحت عددا كافيا من المستقلين سوف يتمكنون من انتخاب مرشح الحكومة لرياسة المجلس، ولكن النواب ينتخبون سعد زغلول رئيسا لهم بأغلبية كبيرة ويهزم مرشح الحكومة فلا يتردد الملك في حل مجلس النواب من جديد. وتؤلف لجنة برئاسة إسماعيل صدقي باشا لتعديل قانون الانتخابات.
وفي مايو 1924 تنتهي محاكمة المتهمين بمقتل السردار ويحكم بالإعدام على سبعة منهم وبالأشغال الشاقة المؤبدة على واحد، وينفذ حكم الإعدام بشنق الشبان السبعة فعلا.
طه حسين - مثل بقية الوطنيين - غاضب أشد الغضب لتصرفات الإنجليز ولما يفرضونه على مصر من سيطرة، وما يظهرونه في معاملتها من غطرسة، يستنكر غطرسة اللورد «فيلد مارشال اللنبي» الذي لا يطيق أن تخالف أوامره في مصر ونواهيه، وطه حسين يدعو حزب الأحرار الدستوريين إلى مشاركة الوفديين في غضبهم وفي معارضتهم للوزارة القائمة، وبريطانيا تدرك خطورة الحالة في مصر، فلا يمر شهران حتى يضطر اللورد اللنبي للاستقالة ولمبارحة البلاد.
ويصل المندوب السامي الجديد لورد لويد، إنه سوف يبدأ سياسة جديدة، فهو يطلب إلى الملك أن يقصي حسن نشأت باشا، الذي كان أداة السراي في حكم البلاد، عن الديوان وعن مصر كلها، فيعين نشأت باشا سفيرا لمصر في مدريد.
وعندما يبدأ العام الجامعي «1925-1926» ويكون حديث الطلبة عن هذه الانتخابات التي تقرر أن تجري والتي يقال إنها ستكون انتخابات حرة، وعن موقف مصر والوفد من بريطانيا ومن السراي، يقولون إن البلاد متعطشة إلى الاستقلال الكامل مصممة عليه وإنها متعطشة إلى الحكم الديمقراطي ومصممة على الوصول إليه. على أنهم يتفقون على أنه لا بد، لكي تحقق مصر ما تهدف إليه من استقلال ومن حرية ولتحافظ عليهما، من الجهاد أولا وقبل كل شيء لتحقيق النهضة في كل ميادين الحياة المصرية، ومن أهم هذه الميادين ميدان التعليم.
Página desconocida