Martín Lutero: Una Introducción Muy Corta
مارتن لوثر: مقدمة قصيرة جدا
Géneros
برز المزيد من جهود التعاون تلك أثناء ترجمة العهد القديم، فكان لوثر في عشرينيات القرن السادس عشر جزءا من فريق ضم ميلانشتون وماثيو أوروجالوس، الذي قدم إلى مدينة فيتنبرج عام 1521 لتدريس العبرية، وبلغ المدينة في الوقت المناسب للعمل على الترجمة. كان كل من ميلانشتون وأوروجالوس أكثر إلماما بالعبرية من لوثر، لكن إجادة الأخير لها كانت قد تحسنت مع إلقائه المحاضرات عن سفر المزامير مرتين، وإعداده ترجمة وشرح لمزامير التوبة السبع، والتي ظهرت في عام 1517. غير أنه تبين أن ترجمة العهد القديم تستغرق وقتا طويلا حتى مع أداء فريق من العلماء لها، فكانت مهمة ترجمة سفر أيوب بالغة الصعوبة، حتى إنه كان بالإمكان ترجمة 3 أسطر فقط من السفر كل 4 أيام، وبعض أسفار العهد القديم ظهرت وحدها قبل تضمينها في الإنجيل الألماني الكامل الذي نشر في فيتنبرج عام 1534. وبحلول ذلك الوقت كان سفر المزامير قد ظهر بالكامل في عدة طبعات، نشرت أفضلها عام 1531، بعد أن اجتمع فريق الترجمة لستة عشر عصرا وليلة لعمل التعديلات النهائية على الترجمة. وقال لوثر دفاعا عن ترجمته: «كانت ترجمتنا في بعض الأحيان حرفية، رغم أنه أمكننا أن نترجم المعنى على نحو أوضح بطريقة أخرى؛ لأن كل شيء يتوقف على الكلمات نفسها.» وساق مثالا على ذلك الآية الثامنة عشرة من الإصحاح الثامن والستين من سفر المزامير التي تقول: «قد صعدت إلى الأعالي، وسبيت الأسر.» والتي جرت طقوس العبادة الكنسية على الربط بينها وبين صعود المسيح إلى السماء، فرأى لوثر أن الألمانية الفصحى تقضي بترجمة الآية كالآتي: «قد أطلقت الأسرى.» لكن هذه الترجمة لا تعبر عن ثراء وجمال معنى العبرية الذي يدل على أن المسيح لم يطلق الأسرى وحسب، بل هزم قدرة الخطيئة على أسر الآثمين وأتى بالخلاص الأبدي.
طبعت أول نسخة كاملة من الإنجيل بالألمانية عام 1534 في ورشة هانز لوفت في فيتنبرج، وكانت طبعة عام 1541 هي أكثر طبعة أخضعها لوثر وفريقه للمراجعة الدقيقة من بين الاثنتي عشرة طبعة الإضافية التي أصدرتها مطبعة لوفت قبل عام 1546. ذهب الفضل الأكبر على هذه التراجم للوثر قبل وفاته وبعدها، فبعد وقت قصير من صدور الطبعة الأولى أعرب الإصلاحي أنتون كورفينوس عن حماسته لظهور إنجيل ألماني بترجمة منقطعة النظير «على يد لوثر العزيز»، وامتدح ميلانشتون لوثر في رثائه للأخير في جنازته؛ لأنه نقل الكتاب المقدس إلى الألمانية بهذا الوضوح الذي يهتدي به المزيد من القراء في المستقبل أكثر مما يهتدون بالشروح . وضم هذا الإنجيل الكامل أيضا مقدمات لوثر التمهيدية للعهدين القديم والجديد وأسفار الأبوكريفا، وللأسفار المتعددة في كلا العهدين القديم والجديد والأبوكريفا. وتشمل هذه المقدمات الكثير من أفضل تعليقاته حول قراءة الكتاب المقدس وتفسيره، وقد أتيحت لكل من اطلع على الكتاب المقدس، كما وجدت في الحواشي تعليقات بليغة، كتبها لوثر دفاعا عن ترجمته، وقدمت تفسيرا للنص، وأسهمت ورشة لوكاس كراناش في هذا الإنجيل الكامل بأكثر من 120 صورة توضيحية مطبوعة بكليشيه محفور على الخشب، وتظهر ملونة يدويا على نحو جميل في نسخة عام 2003 من إنجيل لوثر المكون من مجلدين.
شكل 4-1: العهد القديم والعهد الجديد. صفحة العنوان في الإنجيل الصادر باللغة الألمانية، 1545.
تتصل عبارة «إنجيل لوثر» أيضا بفهم الكيفية التي فسر بها لوثر الكتاب المقدس ونظر بها إلى سلطته، فقد ورث نهج القرون الوسطى في استنتاج المستويات المختلفة للمعنى من فقرات الإنجيل، غير أنه لم يطبق هذا النهج على الدوام. ففي بعض الأحيان كان يتبنى تفسيرا مجازيا، لكنه في الأغلب كان يتأرجح بين التفسير الحرفي والروحاني، وتتجلى تفسيراته الروحانية في إشارته - شأنه شأن كتبة أسفار العهد الجديد - إلى أن فقرات الكتاب المقدس بالعبرية كانت تشير إلى يسوع المسيح، وهذا التفسير ينبئ عن مذهب جليل في تناول كلا العهدين على أنهما كتاب مقدس واحد، لكنه لم يقدم إرشادات محددة عن الكيفية التي يجب أن يستجيب بها المسيحي لأوامر العهد القديم، كالأوامر الواردة في سفر اللاويين. فكان جوابه العام على ذلك منمقا وبسيطا؛ فيجب إجلال كلمات العهد القديم وردها إلى المسيح في المواضع التي تقدم فيها وعودا إلهية بالرحمة والخلاص، ويجب الالتفات إليها في المواضع التي تقدم فيها الأمثلة على الإيمان والكفر، أما في المواضع التي تقدم فيها الأحكام والقوانين، فيجب أن يتساءل القارئ هل تنطبق على المسيحيين، وأن يستخدمها كما يرتضي وفقا لمصلحته؟ وفيما يتصل بالتقاليد المسيحية رأى لوثر أن الوصايا العشر تتفق مع ناموس الطبيعة، وتمثل مرآة للحياة يرى الجميع فيها مواضع قصورهم، من ثم كانت الوصايا العشر موضوع عدد من عظات لوثر ، وشكلت شروحه لها الجزء الأول من الملخصات التي وضعها للعقيدة المسيحية في قالب سؤال وجواب.
كان المعيار الذي استخدمه لتفسيره للكتاب المقدس هو الإنجيل؛ الذي عرفه بأنه - «بمنتهى الاختصار» - «حديث عن المسيح، وعن كونه ابن الرب، وعن أنه صار بشرا من أجلنا، ومات وبعث ونصب سيدا لجميع الأشياء». كان الإنجيل هو «دليلنا ومرشدنا في الكتاب المقدس»، وقد استخدمه لوثر لتقدير مدى نفع الأسفار في كلا العهدين الأخرى، فصنف في مقدمته للعهد الجديد إنجيل يوحنا ورسائل بولس وبطرس في مرتبة تعلو على مراتب الأسفار الأخرى؛ إذ كشفت عن المسيح، وعلمت كل ما هو ضروري عن الخلاص. وفي هذه المقدمة نفسها وصف لوثر رسالة يعقوب بأنها «ليست ذات أهمية»؛ لأنها لا تمت للإنجيل بصلة. لكن رغم هذا التعليق المشين، لم يكن لوثر على استعداد لنبذ رسالة يعقوب من الإنجيل؛ فقد امتدح في المقدمة المخصصة لسفر يعقوب ويهوذا هذا السفر؛ لأنه أعلن بقوة قوانين الرب واشتمل على العديد من الأقوال الطيبة المأثورة، إلا أنه لم ير أن رسالة يعقوب كتبت على يد أحد حواريي يسوع، ولم يحصها من بين أسفار الإنجيل الرئيسة؛ ومن ثم فصل فهرس العهد الجديد الألماني، الذي صدر عام 1522، بين سفر يعقوب وثلاثة أسفار أخرى من جهة - هي سفر الرسالة إلى العبرانيين وسفر رسالة يهوذا وسفر رؤيا يوحنا - وبين الثلاثة والعشرين سفرا الأوائل من العهد الجديد من جهة أخرى، بمسافة كبيرة في أسفل صفحة الفهرس، وكان هذا الفصل هو أكثر ما أبرز بقوة العبارة التي اقتبست كثيرا عن لوثر: «كل الأسفار الأصيلة المقدسة تتفق في هذا الجانب: جميعها يعظ عن المسيح ويرسخه في الأذهان.»
لكن رغم ثقة لوثر الكبيرة ويقينه الظاهر حيال الكيفية التي يجب أن يفسر بها الكتاب المقدس؛ بدا أحيانا أنه مزعزع الثقة، ولين الجانب؛ فعندما نشرت أولى محاضراته عن رسالة أهل غلاطية بعد الكثير من المراجعات، أرسل إلى شتاوبيتس التعليق التالي:
حضرة الأب المبجل، أرسل إليك نسختين من ترجمتي الخرقاء لرسالة أهل غلاطية. لست راضيا عنها كما كنت في بادئ الأمر، وأعتقد أنه كان بإمكاني أن أقدم لها شرحا أكثر وضوحا ووفاء، لكن من ذا الذي يستطيع أن يفعل كل شيء في وقت واحد؟ ليس هناك في الواقع من يمكنه أن يقدم الكثير على الدوام، رغم هذا أنا واثق من أن رسالة بولس ترجمت بوضوح أكثر من ذي قبل، مع أنها لم ترق لذوقي بعد.
في عام 1521، كتب لوثر تعليقا مماثلا إلى ناخب ساكسونيا الأمير فريدريك حول محاضراته عن المزامير الاثنين والعشرين الأولى من كتاب المزامير، والتي وصفها بأنها مهمته الجارية. ومقرا بأنه لا يدري إن كان قد وقع على الدوام على التفسير الصحيح، رأى لوثر أن معاني المزامير لم يفها مفسر حقها تماما من التفسير من قبل، مهما بلغت شهرته، فكل شارح للإنجيل قصر عن ذلك رغم أن بعض الشارحين تفوقوا على غيرهم؛ فانتبه لوثر في كتاب المزامير إلى ما لم ينتبه إليه أوغسطين، وانتبه بعده آخرون إلى ما لم يكتشفه هو. كان السبيل الوحيد لشارحي الإنجيل هو أن يساعد أحدهم الآخر، وأن يغفروا لمن يقصر منهم، فالجميع - بما في ذلك لوثر - يقصرون في نهاية المطاف عن التفسير الوافي؛ فمن ذا الذي يجرؤ حقا على أن يزعم أنه فهم مزمورا واحدا فهما تاما؟ في هذا يقول لوثر - هنا وفي مواضع أخرى: «حياتنا تتألف من بداية ثم ازدهار، ولكن لا تصل أبدا إلى الاكتمال.» ولخص في مقدمته للمجلد الأول من أعماله الألمانية المجمعة لعام 1539 منهجه في تفسير الإنجيل في ثلاث كلمات تكشف تكوينه الرهباني: الدعاء والتأمل ثم التجربة؛ أي على المرء قبل الشروع في تفسير فقرات الإنجيل أن يتوجه بالدعاء إلى الروح القدس طلبا للإرشاد، وأن يرسخ في ذهنه كلمات النص بالتأمل، وألا يفر من أعبائه الشخصية أو نقد الآخرين له. أما التجربة، فسوف تعلمك «ليس فقط أن تعرف وتفهم، بل أن تختبر مدى صحة وحقانية وعذوبة وجمال وقوة وتشجيع كلمة الرب، إنها حكمة لا تضاهى». كان لوثر هنا يقصد تجربته مع البابوية وعلماء اللاهوت في النظام البابوي؛ إذ زعم أنه مدين لهم بشدة لهجومهم واضطهادهم وتضييقهم الشديد عليه إلى الحد الذي جعله «عالم لاهوت جيد إلى حد ما»، ولولا هذا لما كان كذلك.
بدا بفعل هذه التعليقات أن أحكام الكتاب المقدس خاضعة إلى حد ما للأهواء الشخصية، وقد كانت كذلك بالفعل؛ فعبارة «بالكتاب المقدس وحده» (
sola scriptura ) - التي أصبحت بالنسبة للبعض شعارا للبروتستانتية - لم تعن للوثر قط أن الإنجيل هو المرجع الوحيد في الشئون كافة، أو أنه يقدم جوابا قاطعا موضوعيا لجميع المسائل، لكنها عنت أنه المرجع الرئيس في جميع مسائل الكنيسة الخلافية. برز مذهب «بالكتاب المقدس وحده» في صراع لوثر مع النظام البابوي كتعبير عن رجحان سلطة أحكام الإنجيل على آراء علماء اللاهوت الأوائل، والقوانين الكنسية وأوامر المجالس الكنسية والبابوات، فقد استعان كلا الطرفين بهذه السلطات في وقت أو آخر، فاقتبس لوثر في دفاعه عن موقفه أمام الكاردينال كاييتان في عام 1518 أقوال أوغسطين، وأقوال برنارد راهب دير كليرفو، وبعض فقرات الكتاب المقدس، إلا أن لوثر رأى أن الدليل القاطع المؤيد لموقفه يأتي من الكتاب المقدس، فيقول: «الحقيقة الإلهية ممثلة في الكتاب المقدس تعلو فوق البابا، ولا أرتقب أحكام البشر بعدما عرفت أحكام الرب.» وقد فسر في مناظرته مع جون إيك كلمات المسيح إلى الحواري بطرس في إنجيل متى في الإصحاح السادس عشر، وإنجيل يوحنا في الإصحاح العشرين كدليل قاطع في قضيته، ينفي انحدار البابوية من أصول إلهية. وفي فورمس، اختتم لوثر خطبته بالاحتكام، ليس فقط إلى الكتاب المقدس، بل إلى الحجج المقنعة أيضا وإلى ضميره. إذن ما المرجعية الحقيقية التي استند إليها هنا؟ هل هي الكتاب المقدس، أم الحجج المنطقية، أم الضمير؟ الإجابة الصحيحة هي كل ما سبق؛ إذ رأى أن الإنجيل في المواضع التي تتصل بمنبع الخلاص وكيفية الفوز به اتسم بالوضوح المطلق، إلا أنه أيضا وعى أن الحجج المقنعة يجب أن تبين هذا الوضوح في جميع المسائل الخلافية؛ حتى ينحاز الضمير إلى الاستقامة. فبالنسبة للإصلاحيين، مرجعية الكتاب المقدس لها شق ذاتي وشق موضوعي.
Página desconocida