الرشيد بذلك . ففخرج جعفر حتى وافى تخوم افريقية . وكان بين مدينتها وبين الماء برية تكون عشرة فراسخ لاماء فيها ، ودونها جبل فيه عين كثيرة الماء . فكان أهل افريقية كلما أتاهم جيش خلوا له الطريق ، حتى إذا قطع هذه البرية ، خرجوا إليه وهم مستريحون ، والجيش تعب ظمآن لاماء له فيهزمونه .
فلما وافى جعفر طرف هذه البرية ، أقام على العين التى فى طريقها وخندق على عسكره خندقا وأدخل العين فى الخندق ، وجعل فيه الميرة . وأمر أصحايه بإراحة دوابهم ، وإدرار أرزاقهم . وشن بهم الغارات فى النواحى . وانتظر أهل افريقية أن يضجر فيقطع المفلزة إليهم فتقع به المكيدة . حتى إذا حد(1) أصحابه كراعه(2) جمع (من) فى عسكره من تجار افريقية وصناعهم وأوباشنهم فقسمهم اقساما ثلاثة . ثم رحل متوجها نحو مدينة افريقية ، وأرسل الثلث من أهلها إليها اول النهار ، نفخرجوا فوافوا المدينة ليلا ، فأعلموهم أنه قد رحل إليهم . فساروا جميعا بالسلاح ، وخرجوا من غد ذلك اليوم . ثم أرسل الثلث الثانى ضحوة ، وقد تعد أهل المدينة عنها نحوا م. ثلاثة فراسخ ، فأعلموهم أنه قد أقبل إليهم فتقدموا قليلا . ثم أطلق الثلث الثالث مع الليل ، فوافوا أهل افريقية نصف النهار، فأعلموهم أن جعفرا خلفهم ، فتقدم القوم أيضا حتى قطعوا أكثر البرية ، ووافاهم جعفر فى جيشه وهوريان مستريح ، وهم ظماء متعبون (3) ، لاماء خلفهم ولا معقل لهم . فأوقع بهم فقتل أكثرهم ، وصار إلى المدينة ولا امتناع بها ، فتلقى بالطاعة .
Página 26