وإنما يقال: أخفر ذمته أو خفر بها، ولا يقال: خفرها. وأغرب منه ورود مثل ذلك في كلام أناس من أهل الجاهلية؛ كقول عدي بن زيد العبادي:
ويلومون فيك يا ابنة عبد
الله والقلب عندكم موثوق
يريد موثق، وإنما وقع له ذلك لأنه كان قرويا كما ذكر الأصفهاني في ترجمته، قال: وقد أخذوا عليه في أشياء عيب فيها. ا.ه. وقد تقدم لنا ذكر طائفة من الأفعال التي يزيدون الهمزة في أولها خطأ، ولا بأس أن نزيد هنا أفعالا أخر توفية للفائدة. فمن ذلك أنهم يقولون: أرشاه؛ أي: أعطاه الرشوة، وآذن له بكذا؛ أي: أذن له فيه. ومنهم من يقول: آذنه بكذا فيعدونه بنفسه. وإنما يقال: آذنه بالأمر بمعنى أعلمه به وأشعره. ويقولون: أعاقه عن الأمر، وهذا أمر ملذ وأمر مشين وأمر محط بالشرف؛ أي: حاط للشرف، فيزيدون على المفعول باء، وقد تقدم مثله. وهو مصان من كذا، ومساق إلى كذا، وسلعة مباعة، وأحنى رأسه، وأذرف دمعه، وأهزل دابته، وأفسح له موضعا، وآيس من الأمر، وأنشد الضالة، وأسدل الحجاب. وفي كلام بعضهم أبصرت بالشيء كذا معدى بالباء، وإنما يقال: بصرت به (بضم الصاد وكسرها) وأبصرته، فالباء تعاقب الهمزة. ومن هذا القبيل قولهم: أغاظه وأشغله، والأفصح غاظه وشغله بالمجرد.
ويقولون: اعتدوا على بعضهم البعض وظلموا بعضهم البعض، ولا يتحصل لهذا التركيب معنى إلا بعناء وتكلف بعيد، وربما قالوا: تقاسموه بين بعضهم البعض، وهو أغرب وأبعد عن التأويل. والوجه: اعتدوا بعضهم على بعض، وظلموا بعضهم بعضا، وتقاسموه بينهم.
ويقولون: أداه حقه؛ فيعدون هذا الفعل إلى مفعولين، وهو تعبير عامي، والصواب أدى إليه حقه.
ويقولون: ثوب سميك؛ أي صفيق، ومصدره عندهم السمك والسماكة، وكل ذلك من كلام العامة، وإنما السمك في اللغة بمعنى الارتفاع؛ تقول: بنى جدارا سمكه كذا ذراعا، وهو من أعلاه إلى أسفله، وشيء سامك؛ أي: عال طويل، ولم يسمع سميك ولا سماكة.
ويقولون: خرج إلى المنتزه يعنون المتنزه، وهو المكان البعيد عن مستنقعات المياه ومجامع الناس، ولم يحك وزن افتعل من هذه المادة. على أنهم إذا ذكروا الفعل قالوا: خرج يتنزه ولم يقولوا: ينتزه، وكذلك سائر مشتقات هذه الكلمة، ولم يسمع لهم وزن افتعل إلا في اسم المكان المذكور، وهو غريب.
ويقولون: أدى إليه كذا لقاء عمله؛ أي: في مقابل عمله. ولم ينقل استعمال اللقاء بهذا المعنى.
ويقولون: تأمل منه خيرا؛ أي: رجاه وتوقعه. وإنما التأمل التثبت بالفكر أو بالنظر، ولا يجيء من الأمل في شيء. والصواب أمل بحذف التاء، وأمل بالتخفيف.
Página desconocida