ويقولون: واروا الميت التراب؛ أي: واروه في التراب، فيحذفون الحرف ويبقون التراب مفعولا فيه وهو خطأ؛ لأن التراب من أسماء المكان المختصة فلا يصلح للظرفية. وقد ورد مثل هذا للحريري في مقامته الكوفية، وهو قوله: وخلدوها بطون الأوراق، وكأن الذي سول له صحة هذا التركيب ما جاء في سورة يوسف من قوله:
اطرحوه أرضا ، وهذا فضلا عن كونه من التراكيب التي لا يقاس عليها؛ فإنما سهل هذا الاستعمال فيه تنكير الأرض وتجريدها من الوصف، كما قاله الزمخشري، فنصبت نصب الظروف المبهمة، وقيل: إنها مفعول ثان لاطرحوه على تأويله بمعنى أنزلوه، وكلاهما على ما فيه لا يصح في عبارة الحريري.
ويقولون: هو يؤانس من فلان ميلا إليه؛ أي: يشعر منه بميل؛ فيأتون بالفعل من صيغة فاعل على ما يوهم لفظ ماضيه؛ لأنه بعد الإعلال يصير آنس بالمد، وإنما هو أفعل لا فاعل؛ لأن أصله أأنس بهمزتين، والصواب في مضارعه يؤنس، مثال يكرم.
ويقولون: ليس زيد ليفعل كذا؛ فيأتون باللام في خبر ليس على أنها لام الجحود مثلها في قولك: لم يكن ليفعل كذا، وهو خطأ؛ لأن هذه اللام لا تدخل إلا في خبر كان المنفية كما هو مقرر في كتب النحاة.
ويقولون: تم بينهما عقد الزيجة؛ يعنون الزواج، ولم يحك وزن فعلة من هذه المادة، وإنما هي من الألفاظ العامية.
ويقولون: زف فلان على فلانة - هكذا معدى بعلى - فيعكسون الاستعمال؛ لأنه يقال: زف العروس إلى بعلها؛ أي: أهداها إليه، ولا يقال زف الرجل إلى المرأة إلا أن يكون هذا من مقتضيات العصر الذي استنوقت جماله، وأصبح ونساؤه رجاله، حتى رأينا الرجل يأخذ المهر ورأينا المرأة تتطال إلى النهي والأمر، والأمر لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ويقولون: انظر إن كان زيد في داره، وسله إذا كان الأمر كذا، فيأتون بأن وإذا في هذا الموضع، وهو من التعريب الحرفي عن الإفرنجية، وكأن الذي استدرجهم إلى ذلك ما يرى في الكلام الفصيح من نحو قولنا: افعل هذا إن استطعت، وشتان ما بين الصيغتين وإن تشابهتا في بادي الرأي؛ لأن قولنا: افعل هذا هو في معنى الجواب لإن؛ فالعبارة على تأويل إن استطعت فافعل، وهذا بعيد في نحو المثالين المذكورين؛ لأنهما ليسا على معنى إن كان زيد في داره فانظر، وإذا كان الأمر كذا فسله، والصواب أن تبدل أداة الشرط في مثل هذا بهل، تقول: انظر هل هو في داره وسله هل الأمر كذا، وقس على ذلك ما أشبهه.
ويقولون: هذا الأمر يجعلني أن أفعل كذا؛ أي: يحملني على فعله، فيزيدون أن على ثاني مفعولي جعل، ولا وجه لزيادتها لتعذر السبك بالمصدر، والصواب يجعلني أفعل، وقد ورد من هذا قول ابن عبد الظاهر:
ما خلت من قبله سبحان خالقه
قضب الزمرد أن يحملن بلورا
Página desconocida