72

هذه الدعوات أوسع نطاقا من أن يحاط بها في مقال، ولكنها تقترب من الحصر المستطاع إذا جمعناها في أدوارها الإنسانية العامة، التي توشك أن تكون أمواجها دورية في هذا المحيط الزاخر؛ إذ هي عالقة بطبيعة الإنسان في جملتها، وطبيعة الإنسان واحدة - كما قيل - في كل زمان ومكان.

ونحن نعلم أن أبقراط حصر الطبائع الجسدية في أربعة أمزجة، وهي المزاج الدموي والمزاج الصفراوي، والمزاج البلغمي والمزاج السوداوي ، ثم جاء العلامة بافلوف يعد تقسيم خصائص الأجسام بين الهرمونات وعائلات الدم، وودائع الوعي الباطن والوعي الظاهر أقساما لا تنفد ولا تحصى - فعاد إلى الأمزجة الأبقراطية تيسيرا للفوارق العامة، وجعلها أساسا لتجاربه النفسية التي تعد إلى هذه الساعة من إحدى تجارب العلماء.

فنحن على هذه الوتيرة نقسم الذوق الفني في الإنسان إلى أقسامه الخالدة حين نقول: إن الناس كانوا منذ فطروا واقعيين وخياليين، ومحافظين على القديم وطلابا للجديد، أو أنهم كانوا - إذا اكتفينا بقسمتهم إلى قسمين اثنين - صنفا يمشي في وسط القطيع وصنفا ينزع إلى الأطراف، أمام ووراء، وعلى كلا الجناحين من اليمين واليسار ... وقد تفكه بعض العلماء الجادين، فأطلق على الصنف الأول اسم فريق الضأن، وعلى الصنف الثاني اسم فريق المعيز ...

ونرى من تاريخ الأمم الغربية منذ ملكت حرية التفكير أنها دارت دورتها بين مذاهب الأدب خلال القرون الثلاثة الأخيرة، وأنها نزعت في دعواتها المتعاقبة كل نزعة طبيعية تستلزمها أطوار الحياة بعد عصر الجمود والتقليد.

ففي فترة اليقظة الأولى كان من الطبيعي أن ينزع الإنسان إلى استقلال «الشخصية الإنسانية» في وجه التقاليد العتيقة، والأحكام التي تطاع بغير فهم، بل بغير شعور في أكثر الأحوال ... وهذه هي النزعة التي سميت بنزعة الإبداع و«الحرية الشخصية»

Romanticism .

ومن الطبيعي أن ينتهي هذا الإبداع من كل جانب على غير هدى متفق عليه - إلى شيء من الفوضى والشرود يستحب معه التوقف إلى حين، وهنا ظهرت دعوة العود إلى الاتباع والاطراد على نحو جديد يناسب مطالب الزمن، فنشأت من ثم دعوة الاتباع أو الاطراد الجديد

New Classicism .

وإذا حكم اختلاف الطبائع حكمه بين أنصار الواقع وأنصار الخيال، فهنا مجال الاختلاف بين الواقعيين

Realists

Página desconocida