فقالت في نكد وهي تمشط شعرها المبتل: أنا تعيسة جدا!
فتساءل وهو يواصل الشراب: من يستطيع أن يحكم على الغد؟ - عملنا! - لا شيء، لا شيء مؤكد إلا قربك الذي لا غنى عنه. - أنت تقول هذا؟! - وأكثر، أنت جنة وسط الرصاص الذي يجد ورائي!
وتنهدت تنهيدة طويلة كمناجاة في الليل فقال: أنت طيبة جدا، أحب أن أعترف بذلك! - أنا تعيسة، لا أود إلا أن تبقى في السلامة. - ما تزال أمامنا فرصة. - الهرب! فكر في الهرب! - نعم .. ولكن لننتظر حتى يغمض الكلب عينيه.
فقالت بحدة: ولكنك تخرج بلا مبالاة، تود أن تقتل زوجتك والرجل الآخر، ولن تقتلهما ولكنك ستلقي بنفسك في الهلاك! - ماذا تسمعين في الخارج؟ - سائق تاكسي، دافع عنك بحرارة، ولكنه قال: إنك قتلت رجلا ضعيفا وبريئا.
ونفخ في غضب، ودارى ألمه الطافح بشربة مليئة، وأشار لها لتشرب، فرفعت الكوب إلى فيها، وتساءل: وماذا سمعت أيضا؟ - في العوامة التي سهرت فيها قال أحدهم عنك: إنك منبه مسل في الملل الراكد! - وأنت ماذا قلت؟
فلحظته بعتاب وقالت: ولا كلمة، أنا أحافظ عليك، أما أنت فلا تحافظ على نفسك، وأنت لا تحبني ولكنك أعز علي من النفس والحياة، وطول عمري لم أعرف السعادة إلا بين يديك ولكنك تفضل الهلاك على حبي!
وبكت، والكوب في يدها فطوقها بذراعه، وهمس في أذنها: ستجدينني عند وعدي، سنهرب ونعيش معا إلى الأبد!
الفصل الخامس عشر
يا للعناوين الضخمة والصور المثيرة، كأنه الحدث الأكبر الذي تتلقفه الصحف، وسألوا رءوف علوان فأجاب أن سعيد مهران كان خادما في عمارة الطلبة على عهد إقامته بها، وأنه كان يعطف عليه كثيرا، وأنه زاره بعد خروجه من السجن مستجديا فأعطاه مالا ليبدأ حياة جديدة، ولكنه حاول سرقة بيته في الليلة نفسها، فقبض عليه وعنفه، ولكنه أطلق سراحه رحمة به، وجاء أخيرا ليقتله ! واتهمته الصحف بالجنون؛ جنون العظمة والدم، لقد أفقدته خيانة زوجته عقله، فهو يطلق النار بلا وعي، ولم يصب رءوف علوان، ولكن البواب المسكين سقط، بريء ضعيف آخر.
وصاح سعيد وهو يقرأ الخبر: اللعنة!
Página desconocida