قَالَ الْعِمَادِيّ وَهَذَا فصل يجب حفظه وَالنَّاس عَنهُ غافلون فَإِن الْعَادة فِيمَا بَين النَّاس أَن من كَانَ لَهُ على آخر حِنْطَة أَو شعير أَو مَا أشبه ذَلِك فصاحبها يَأْخُذ مِمَّن هِيَ عَلَيْهِ عِنْد غلاء السّعر خطا بِالذَّهَب أَو الْفضة بِثمن ذَلِك ويسمونه فِيهَا بَينهم تَقْوِيم الْحِنْطَة فَإِنَّهُ فَاسد لِكَوْنِهِمَا افْتَرقَا عَن دين بدين
وَفِي الذَّخِيرَة رجل ادّعى دَارا أَو عقارا آخر أَو مَنْقُولًا فِي يَد رجل ملكا مُطلقًا واقام الْبَيِّنَة على الْملك الْمُطلق يقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج عِنْد عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَة رَحِمهم الله تَعَالَى وَهَذَا إِذا لم يذكرَا تَارِيخا وَأما إِذا ذكرَاهُ إِن كَانَ سَوَاء فَكَذَلِك يقْضِي للْخَارِج وَإِن كَانَ تَارِيخ أَحدهمَا أسبق يقْضِي لأسبقهما تَارِيخا
وَلَو ادّعى حمارا وَقَالَ فِي دَعْوَاهُ هَذَا الْحمار غَابَ عني مُنْذُ شهر فَقَالَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ إِنِّي أقيم الْبَيِّنَة أَن هَذَا الْحمار ملكي وَفِي يَدي مُنْذُ سنة أَو مَا أشبه ذَلِك يقْضِي للْمُدَّعِي وَلَا يلْتَفت إِلَى بَيِّنَة الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لِأَن مَا ذكره الْمُدَّعِي من التَّارِيخ تَارِيخ غيبَة الْحمار عَن يَده لَا تَارِيخ ملكه فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي الْملك مُطلقًا خَالِيا عَن التَّارِيخ وَصَاحب الْيَد ذكر التَّارِيخ إِلَّا أَن التَّارِيخ حَالَة الِانْفِرَاد لَا يعْتَبر عِنْد أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ دَعْوَى صَاحب الْيَد دَعْوَى مُطلق الْملك كدعوى الْخَارِج فَيَقْضِي بِبَيِّنَة الْخَارِج اه
وَفِي الْعِمَادِيّ الْخَارِج وَذُو الْيَد إِذا ادّعَيَا الشِّرَاء من وَاحِد وَأَقَامَا بَيِّنَة وَلم يؤرخا يقْضى لذِي الْيَد فَإِن أرخ الْخَارِج لَا يعْمل بِهِ لِأَن التَّارِيخ فِي حَقه خبر وَالْقَبْض فِي حق ذِي الْيَد معاين وَأَنه دَلِيل على سبق عقده والمعاينة أقوى من الْخَبَر إِلَّا إِذا أرخا وتاريخ الْخَارِج أسبق فَحِينَئِذٍ يقْضى للْخَارِج
وَفِي شرح أدب القَاضِي للحسام الشَّهِيد وَإِن ادّعى أَن اباه مَاتَ وَهُوَ وَارثه وَلَا وَارِث لَهُ غَيره وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَالَّذِي فِي يَده الدَّار يُنكر ذَلِك فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَة أَن الدَّار كَانَت لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأَنَّهُمْ لَا يعلمُونَ لِأَبِيهِ وَارِثا غَيره فَإِن الْحَاكِم يحكم لَهُ بِالدَّار لِأَنَّهُ أثبت سَبَب الْملك لنَفسِهِ بِالْحجَّةِ فَيَقْضِي لَهُ بِهِ
قَالَ وَلَو أَن رجلا مَاتَ وَله وَرَثَة فَحَضَرَ وَاحِد مِنْهُم وَادّعى وَفَاة أَبِيه وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاث لَهُ ولسائر وَرَثَة أَبِيه وهم فلَان وَفُلَان وَالَّذِي فِي يَده الدَّار يجْحَد هَذَا كُله فَأَقَامَ الابْن شَاهِدين على وَفَاة أَبِيه وعدة ورثته وَأَن هَذِه الدَّار لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُم وَلم يحضر مِنْهُم وَارِث غَيره فَإِن القَاضِي يقبل ذَلِك وَيحكم بِالدَّار لِأَبِيهِ وَيدْفَع إِلَى هَذَا الَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَة حِصَّته مِنْهَا لِأَن الْوَاحِد من الْوَرَثَة ينْتَصب خصما فِيمَا يثبت للْمَيت وعَلى الْمَيِّت وَأما حصص البَاقِينَ فَإِنَّهَا تتْرك فِي يَده فَكلما حضر وَاحِد مِنْهُم أَخذ حِصَّته مِنْهَا وَلَا يُكَلف إِعَادَة الْبَيِّنَة على أَنَّهَا كَانَت لِأَبِيهِ وَهَذَا قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى وَقَالَ أَبُو ويوسف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى يدْفع إِلَى الْمُدَّعِي حِصَّته مِنْهَا وينتزع الْبَاقِي من يَد الْمُدَّعِي عَلَيْهِ وَيجْعَل على يَد رجل عدل حَتَّى يحضر من بَقِي من الْوَرَثَة وَأَجْمعُوا على أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ لَو كَانَ مقرا دفع إِلَى الْوَارِث الْحَاضِر نصِيبه وَالْبَاقِي يتْرك فِي يَد ذِي الْيَد
إِذا حضر رجل وَادّعى دَارا فِي يَد رجل أَنَّهَا لِأَبِيهِ مَاتَ وَتركهَا مِيرَاثا لَهُ وَأقَام على ذَلِك بَيِّنَة وَلم يشْهدُوا على عدد الْوَرَثَة وَلم يعرفوهم وَلَكِن قَالُوا تَركهَا مِيرَاثا لوَرثَته فَإِنَّهُ لَا تقبل هَذِه الشَّهَادَة وَلَا يدْفع إِلَيْهِ شَيْء حَتَّى يُقيم بَيِّنَة على عدد الْوَرَثَة لأَنهم لما لم يشْهدُوا على عدد الْوَرَثَة لَا يصير نصيب هَذَا الْوَاحِد مَعْلُوما وَالْقَضَاء بِغَيْر الْمَعْلُوم مُتَعَذر
وَهَا هُنَا ثَلَاث فُصُول الأول هَذَا وَالثَّانِي لَو شهد الشُّهُود أَنه ابْنه ووارثه وَلَا نعلم لَهُ وَارِثا غَيره
1 / 230