واغرورقت عينا إيفون بالدموع، فقال عباس: كنت أنتظر منها أن تشجعك لا أن تخيفك. - كيف؟! إنها واقعية، ترى الحقائق المجردة. - هل عرفت الحب؟ - إنها تحب زوجها. - وهل ما زالت تحبه؟
وامتقع وجه إيفون وقالت وقد جف ريقها من الخوف: وهل المفروض ألا تحبه بعد الزواج؟! - لا، لم أقصد، ولكن أعتقد أن الحب يقل بعد الزواج. - لماذا ... لماذا؟ - أعتقد أن النار تبرد بعض الشيء. - إذن، فقد بردت نارك! - وهل تزوجنا؟ - عباس ... حديثك يخفيني. - ماذا يخيفك؟ ماذا بك؟ - يخيل لي أنك نلت مني كل ما تريد. - إيفون كفي عن هذا الحديث. - لأنه الحق. - إيفون أرجوك. - أهو الحق؟ - تريدين أن تثيري شجارا، حسبنا، فأنا منصرف. - منصرف؟! بهذه السهولة؟! - ماذا أصنع معك؟ - أنت المسئول وحدك عما صرت إليه ، ولا بد أن تتحمل المسئولية؟ - يا إيفون الوقت لم يحن ...
وقبل أن يكمل عباس الجملة فتح باب الحجرة فجأة وبدا مرقص أفندي في جلبابه. وشمل الحجرة صمت مليء بالضجيج، بالثورة، بالخجل، بالرعب، بالأسى. لحظة مرت تجسم فيها الشقاء والعار والامتهان، صمت مرقص وظل ناظرا، وطال الصمت وطال حتى خيل للآخرين المطرقين في الأرض أن الصمت لن ينتهي. أحس عباس لأول مرة في حياته أن عقله لم يعد يفكر ... كل ما كان يفكر فيه لحظة ذاك أنه لم يعد يفكر. وأحست إيفون أنها لا تريد شيئا في لحظتها تلك إلا أن تسمع صوت أبيها، تريد أن تسمعه يقول أي شيء، ولا تدري لماذا أحست أنه لو تحدث ستستطيع أن تقول شيئا يرضيه. ثم أحست - ولا تدري لماذا - أنها لو ألقت بنفسها بين ذراعيه ستستطيع أن تنال منه قبلة. كأنما كانت تحس أن حضن أبيها لن يخذلها، ولكن هذا الصمت المليء بالضوضاء لا يريد أن ينقطع، وأبوها لا يريد أن يتكلم، لا يريد أن يقول شيئا، أي شيء.
وأخيرا انقطع الصمت ولكن لم يكن الأب هو من قطعة وإنما عباس: يا عم مرقص أفندي.
وكان مرقص أفندي قد تمالك نفسه فقاطع عباس في حزم: اخرس!
وقال عباس: المسألة ...
وقال مرقص: اخرس قلت لك! ... وامش ... انزل.
وقالت إيفون: يا بابا.
قال مرقص: لا تنطقي هذا الاسم مرة أخرى.
وقالت إيفون: إنه سيتزوجني.
Página desconocida