¿Por qué se retrasaron los musulmanes? ¿Y por qué avanzaron otros?
لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم؟
Géneros
ولولا طروء الحرب العامة بعد ذلك بقليل لكان بوشر بمد الخط الحديدي من المدينة إلى مكة، فلما انتهت الحرب العامة واحتلت إنكلترة فلسطين وفرنسا سوريا كان أول ما توجهت إليه همم الإنكليز والفرنسيس هو تعطيل هذا الخط الحديدي الذي يربط القطر الشامي بجزيرة العرب ويقرب صلات المسلمين بعضهم ببعض.
وكم احتج المسلمون على تعطيل هاتين الدولتين لهذا الخط الحيوي للشام والحجاز، وكم أبدوا وأعادوا في أن هذه السكة الحديدية الحجازية كانت تركيا قد جعلتها من جملة أوقاف المسلمين فلا يحق لدولة أجنبية أن تعبث بأوقافهم! فلم يكن ذلك ليقنع تينك الدولتين بالاعتدال ورفع الاعتداء، ولا تزال هذه المؤامرة الفظيعة على هذا الحق المقدس من حقوق المسلمين نافذة إلى يوم الناس هذا، فإذا قام شخص مثلنا يذكرهم بهذا الاعتداء القبيح ضاقت صدورهم به ودس عليه الإنكليز في السر، وطعن عليه الفرنسيس في الجهر، ونعتوه «بعدو فرنسا» وما أشبه ذلك .
والحال أننا إنما نريد صلاح أحوال بلادنا، ولا نضمر لأحد سوءا، والشاهد الذي نقصده هنا هو ما سبق إنشاء سكة الحجاز من تشاؤم كثير من المسلمين، واستهزائهم واستنكارهم وتأكيد أنه خط محال إنشاؤه، ومشروع يكون من قلة العقل تعليق الأمل به، وهذا مثال من أمثلة كثيرة لا يمكن استقصاؤها من كثرتها؛ فقلما تدخل بلدا من بلدان الإسلام، ولا يوردون لك من هذه الأمثال.
وكما ظن المسلمون أنهم لا يحسنون شيئا من المشروعات العمرانية، وأنه لا بد لهم من الأوروبي حتى يدخلوا الإصلاح في بلادهم، وأنه من دون الإفرنجي لا يقدرون على أية عمارة ولا مرفق ذي بال، كذلك ذهبوا إلى أنه لا حظ لهم في الأعمال الاقتصادية أصلا، وأن كل مشروع اقتصادي إسلامي صائر إلى الحبوط إن لم تكن له أركان إفرنجية، وقد طال نومهم على هذه العقيدة الفاسدة حتى لم يبق في بلادهم شيء اسمه اقتصاد إلا كانت إدارته بأيدي الإفرنج أو اليهود، وحتى لو دعا منهم داع إلى تأليف شركة تجارية أو صناعية أو زراعية لم يدخلها صاحب رأس مال من المسلمين إلا إذا كانت إدارتها بيد إفرنجي أو يهودي، وكلمة الجميع عندهم: نحن لا يخرج من أيدينا عمل ولا نصلح لشيء.
وقد بقي اليهود والإفرنجة يتمتعون بخيرات بلاد الإسلام قرونا وحقبا طوالا دون مزاحم ولا مراغم، ويستدرون فيها أخلاف كل صنعة، ويستورون زناد كل مرفق إلا ما ليس له بال حتى ولو قدر ما ضاع على المسلمين في ظل هذا الوهم بالمليارات وعشرات المليارات ما كانت فيه مبالغة وكأن المسلمين لم يوجدوا في الدنيا إلا عملة أو أكرة يشتغلون بأيديهم، ولا يشتغلون بعقولهم.
وبهذا السبب خلا الميدان في بلاد الإسلام لأصناف الأجانب يركضون فيه جياد قرائحهم وعزائمهم، ويجمعون الثروات التي ليس وراءها متطلع لمزيد؛ وذلك على ظهور المسلمين ومن أكياسهم، وقد يكثر التحدث بما يصيب الأجانب من هذه المكاسب الطائلة التي كان أهل الإسلام أولى بها؛ لأنها من بلادهم ولا تحفزهم همة ولا تأخذهم غيرة فيجربون الخب في الحلبات الاقتصادية إلى أن نبغ في مصر محمد طلعت باشا حرب، فكان في هذا الباب أمة وحده، وأدرك بواسع عقله وثاقب فكره أن ليس في هذا الموضوع شيء يفوق طاقة المسلمين، ولا مما يتعذر وجود أدواته عندهم، وأن قصورهم فيه عن مباراة الأجانب لم يكن إلا من آثار ذلك التوهم القديم الذي هو أنهم لا يحسنون الجري في أي ميدان من ميادين الاقتصاد، وقد وجدت عند هذا الرجل في جانب رجاحة العقل وسداد الحكم همة بعيدة قعساء، ونزعة وطنية صافية من الأقذاء، سالمة من الأهواء، فاجتمعت فيه جميع الشروط اللازمة لمن شاء أن يبدأ بالشرق بنهضة اقتصادية تزاحم بالمناكب وثبات الأجانب، ومما يندر في الرجال الجمع بين الحساب الدقيق والخيال الواسع، وهما قد انتظما جنبا إلى جنب في دماغ طلعت باشا حرب، فكانت سعة خياله مساعدة له على الإقدام نحو المشروعات التي هي مظان الأرباح، وكانت دفة حسابه مساعدة له على نجاحها، وضمان أرباحها، وبالاختصار اقتحم طلعت حرب معركة هي الأولى من نوعها في المجتمع الشرقي.
وعندما باشر جمع رأس المال الذي كان حدده لإنشاء بنك مصر وهو 80 ألف جنيه عانى في ذلك أهوالا، ونحت جبالا؛ وذلك لما ران على عقول المسلمين من أنهم لا يقدرون على الاستقلال بعمل اقتصادي، وأن كل عمل منهم في هذا السبيل حابط من نفسه، هابط على أم رأسه، فلما أخذ طلعت باشا حرب يتقاضى أغنياء مصر المشاطرة في هذا المشروع لبوا نداءه؛ حياء منه، لا اعتقادا بأنه سيأتي بثمرة، وبقيت ثقتهم بأجمعها في بنوك الأجانب، وما زال معولهم عليها إلى أن شاهدوا بأعينهم النجاح الذي كاد يكون معجزة في نظرهم، وارتفع رأس مال بنك مصر من 80 ألف جنيه إلى مليون جنيه، واحتوت خزائنه من الودائع على عدة ملايين من الجنيهات، واشتمل على أملاك وملفات وشركات متعددة متنوعة تقدر بملايين أخرى من الجنيهات؛ بحيث زادت الأموال التي تحت تصرف البنك على عشرين مليون جنيه، وكل هذا في ثماني عشرة سنة أنشأ فيها طلعت باشا حرب ومدحت باشا يكن ورفاقهما على حساب بنك مصر شركة مصر للغزل والنسج التي معملها في المحلة هو من أكمل وأعظم معامل الغزل والنسيج في العالم يعمل فيه 18 ألف عامل يندر فيهم غير المصري، ويسد من المنسوجات القطنية ثلث حاجة القطر المصري بأجمعه، فيكون قد وفر على المملكة المصرية ثلاثة ملايين جنيه سنويا، كانت من قبل تخرج من جيوب المصريين لتدخل في جيوب الأوروبيين.
وهناك من توابع بنك مصر شركة مصر لنسج الحرير، وشركة مصر للتمثيل والسينما، وكل هذه نالت معروضاتها الجوائز الكبرى في المعرض الدولي الباريزي سنة 1937 ثم شركة مصر لمصايد الأسماك، وشركة مطبعة مصر، وشركة مصر للطيران، وشركة مصر للسياحة، وناهيك بشركة مصر للملاحة البحرية وما أنشأته من المنشآت الجواري كالأعلام؛ مثل: زمزم، والكوثر، والنيل، وغيرها؛ مما كاد يكون كالأحلام، فصار الحجاج يبلغون الحجاز على بواخر يرون بها أنفسهم في مثل قصور الملوك؛ فراهة، ورفاهة، وراحة، ونعيما، ومقاما كريما، وصار سياح مصر الكثيرون إلى أوروبا في فصل الصيف يركبون تحت العلم المصري الشريف بواخر لو قرنت ببواخر الأمم الأوروبية لحلت بينها في الصف الأول، هذا بعد أن قضينا كل الدهر نسير ونسري في البواخر الأجنبية ونؤدي إليها أموالنا بلا سبب سوى قصور هممنا عن إنشاء بواخر خاصة بأوطاننا؛ بها ركوبنا، وعليها نقل بضائعنا، وليس هنا محل تفصيل مشروعات طلعت باشا حرب باعث النهضة الاقتصادية في الشرق لنخوض في هذا العباب، ولا مقصدنا تمجيده والإشادة بمآثره ولو بالحقيقة، وإنما كان إيرادنا هذه القصة على سبيل المثال لما كان عليه المسلمون من الجبن في المواطن الاقتصادية إلى أن هب هذا الرجل مدير بنك مصر فأيقظهم من سباتهم، وأعلمهم أنهم رجال كما الأوروبيون رجال، وأنهم إذا شحذوا غرار عزائمهم وأعملوا أسنة قرائحهم قدروا على ما يقدر عليه الأجانب من الأعمال الاقتصادية الكبيرة.
وها نحن أولاء الآن نرى العاملين في بنك مصر وفي الشركات المضافة إليه ثلاثين ألف مستخدم وعامل كلهم مصريون؛ إلا النادر الأندر، وهكذا بدأ المسلمون يقتحمون معارك الحياة الاقتصادية في كل فن من فنونها، وتولدت عندهم في أنفسهم ثقة كانت محجوبة عنهم من قبل؛ بحيث إن أحمد حلمي باشا والسيد عبد الحميد شومان من فلسطين أسسا في القدس بنكا كل رأس ماله خمسة عشر ألف جنيه، وتوفقا - بحسن إدارتهما - إلى أن صيرا هذا البنك العربي الوحيد في القطر الشامي من البنوك المعدودة ذوي الفروع الكثيرة صار يشتمل على خمس مئة ألف جنيه.
وكذلك أسسا بنكا زراعيا شاطر في تأسيسه أكثر من خمسة آلاف مساهم من عرب فلسطين، وبلغ رأسماله نيفا ومئة ألف جنيه، فسدت بهذين البنكين الأمة العربية في فلسطين حاجتها، واستغنى ذوو الحمية منها عن الالتجاء إلى بنوك الأجانب، وفهم الناس أن هؤلاء ليسوا فوق الشرقيين، وأنهم لا يعجزون.
Página desconocida