224

Lessons of Sheikh Osama Suleiman

دروس الشيخ أسامة سليمان

Géneros

هجرة الأوطان فأنت تهجر الوطن عندما لا تأمن فيه على دينك، وتضطهد فيه في عقيدتك، ولا تظهر فيه شعائر الإسلام؛ ولذلك نبينا ﵊ أذن لأصحابه بالهجرة من مكة إلى المدينة. أذن لهم بالهجرة من مكة وهي أشرف بقاع الأرض، لكن حينما يضطهد المرء في دينه، ولا يستطيع أن يظهر الصلاة، ولا يستطيع أن يظهر شعائر الدين، فلابد -إن كان قادرًا- أن يهاجر، يقول ربنا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ [النساء:٩٧]. ولذلك الفرق بين دار الحرب، ودار الإسلام موضوع مهم جدًا، فما هي دار الكفر التي يجب على المسلم أن يتركها؟ يعرف العلماء -وهو الراجح-: دار الكفر: هي التي لا يأمن المرء فيها على دينه، يضطهد في عقيدته، لا يظهر الشعائر؛ ولذلك الفتوى الراجحة لمن تضطهد في دينها بعدم الحجاب الشرعي: إن كانت قادرة على الهجرة يجب عليها أن تهاجر، أو تلازم البيت؛ إلا إذا كانت مستضعفة ولا تملك حيلة. كذلك من الهجرة: هجرة مواطن السوء، وهذه نقطة مهمة جدًا، فلا ينبغي أن تكون في موطن يعينك على المعصية، ينبغي أن تهجر هذه المواطن إلى مواطن الطاعة، فإنه لما أراد الرجل الذي قتل مائة نفس أن يتوب إلى الله قال له العالم: لابد أن تهجر أرض السوء التي تقيم فيها، وهذه من شروط التوبة، إذ إن من شروط التوبة: أن تقلع وتعزم. وانظروا إلى حديث النبي ﷺ في حد الزاني البكر، إذا زنى وهو بكر قبل الزواج عقوبته الشرعية جلد مائة، وتغريب عام، يغرب عامًا حتى ينسى أرض المعصية، وتنساه أرض المعصية؛ ولذلك من حكمة الشرع: أنه لا ينبغي أن يعير العاصي بمعصيته، ولا أن ننشر معصية العاصي بين الناس؛ لأن هذا من قبيل إشاعة الفاحشة؛ ولذلك اشترط لثبوت جريمة الزنا شرعًا أربعة شهود، وهذا شرط صعب للغاية، فإنه ما أقيم حد الزنا في زمن النبي ﷺ بأربعة شهود، وإنما بالإقرار، كإقرار ماعز وإقرار الغامدية، فتوافر أربعة شهود صعب حتى نقضي على الفاحشة في مهدها، فما لأولئك القوم يكتبون ويسطرون في جرائدهم وفي صحفهم: أخبار الحوادث، أو جريمة زنا في مكان كذا تعريضًا؟ إن الله يقول عن الزانية والزاني: ﴿فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾ [النساء:١٦] ومعنى الإعراض: عدم تذكير العاصي بمعصيته. يقابلك الرجل من هؤلاء فيقول: أتذكر يوم أن كنت؟ هو يذكره، لكن الله قال: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:٣٨]. والتوبة تجب ما قبلها، ومن مضمون التوبة هجرة الأوطان، فيجب على المسلم أن يكون في الوطن الذي يعينه على طاعة الله، واليوم يسافر شبابنا من بلاد المسلمين إلى بلاد الكفر، والنبي ﷺ يقول: (أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين)، قال ذلك؛ لأن المجتمع الكافر سيساعده على المعصية. فمن العبث أن ترى المسلم في المسجد ثم تراه في مقهى، هل هذا الرجل يهجر الأوطان؟ هل هذا الرجل يهجر أوطان السوء؟ هل يكون في المسجد، ثم يكون في أماكن الفواحش؟! لا يمكن بحال، لذلك أذن النبي ﷺ لأصحابه بالهجرة. إن فتنة الدين تتمثل في السخرية والتضييق والاضطهاد، والصحابة خرجوا جميعًا وتركوا المال والولد مصداقية مع الله، أما نحن فنجيد رفع الشعارات فقط، ونجيد الهتافات، فإن من بلاء الصحابة: البلاء الأول: الاضطهاد. البلاء الثاني: ترك الوطن الذي يعيش فيه، وترك الولد أحيانًا، وترك البيئة التي ارتبط بها، فالجميع ما إن أذن لهم النبي ﷺ بالهجرة إلا وهبوا جميعًا للهجرة، وتركوا كل متاعهم خلف ظهورهم، فجاء أبو بكر إلى النبي ﷺ يقول: يا رسول الله! لم يبق في مكة إلا علي بن أبي طالب) والنبي ﷺ تركه لينام في فراشه ويرد ودائع المشركين، فطالما أمنونا عليها لا ينبغي أن نستحلها. كل الصحابة هاجروا سرًا إلا عمر هاجر جهرًا، وطاف بالبيت ثم قال للناس: من أراد أن تفقده أمه، وييتم أولاده، فليلقني خلف هذا الوادي، فما خرج إليه أحد. جاء الصديق إلى النبي ﷺ ليأذن له بالهجرة فقال بأدب: (يا رسول الله! ائذن لي. قال: يا أبا بكر! لعل الله يأمرني بالهجرة فانتظر فهي الصحبة)، فبكى أبو بكر من الفرح؛ لأنه سيكون صديق النبي ﷺ في رحلة الهجرة. تقول أمنا عائشة: كنت لا أعرف أن هناك من يبكي من الفرح إلا لما بكى أبي الصديق. يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بالعتيق صاحب النبي ﷺ في

12 / 3