Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud
دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود
Géneros
اهتمام أهل السنة والجماعة ببيان الأخلاق وأهميتها
القضية الثالثة: هي مسألة مدى اهتمام أهل السنة والجماعة في بيان هذه الأخلاق وأهميتها، وهذا جزء أصيل من منهجهم.
فأهل السنة والجماعة -وعلى رأسهم القائد القدوة رسولنا محمد بن عبد الله ﷺ ثم أصحابه من بعده، ثم التابعون لهم- بينوا لنا هذه الأخلاق وشرحوها.
ومن هنا فإن عائشة ﵂ وأرضاها لما سئلت عن خلق رسول الله ﷺ أتت بكلمة جامعة، ما قالت: كان خلقه الصدق، وخلقه الحياء، وخلقه الشجاعة.
لا، بل أرجعتهم إلى مصدر أصيل في الأخلاق، فقالت: (كان خلقه القرآن) ﵊.
إذًا -معنى ذلك أن من أراد أن يبحث عن خلق رسول الله ﷺ فليتمسك بالقرآن فسيجد فيه تفصيلًا لأخلاقه ﷺ، ومن ثم ليقتد بها، ثم إنه ﷺ كان مثال الخلق الرفيع ﵊.
لقد دون أهل العلم وأهل الحديث رحمهم الله تعالى سنة النبي ﷺ، وكان مما دونوه واهتموا به بيان الأخلاق والسلوك.
لقد دونوا العقائد، ودونوا الأحكام الشرعية، ودونوا أيضًا الأخلاق والسلوك وبوبوها وفصلوها، وذكروا فيها الأحاديث والروايات الواردة، وانظر إلى أي كتاب من كتب السنة، فإنك ستجد تلك الأبواب مخصصةً لبيان الفضائل والأخلاق.
فـ البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه كتاب اسمه (كتاب الأدب)، وكتاب اسمه (كتاب الرقائق)، وكتاب اسمه: (الزهد)، بل إنه رحمه الله تعالى ألف كتابًا منفردًا لم يحصره في الصحيح سماه (كتاب الأدب المفرد).
وسمي (المفرد) لأنه أفرد عن صحيح البخاري، وهذا اهتمام منه رحمه الله تعالى بهذه القضية المهمة؛ لأنها أساسية في حياة المؤمن، وفي حياة الداعية، وفي حياة واعي حديث رسول الله ﷺ، وكذلك أيضًا الإمام مسلم وأصحاب السنن رحمهم الله تعالى، ومن جمع في هذا الباب سواء على طريقة تبويب الأبواب كـ البخاري ومسلم وأصحاب الكتب الستة، أو على طريقة المسانيد والمعاجم كالإمام أحمد والطبراني وغيرهما فإنهم يذكرون في ثنايا معاجمهم ومسانيدهم الأحاديث الدالة على الفضائل.
وهكذا اهتم العلماء في بيان هذا وألفوا كتبًا مفردة في الآداب والزهد والرقائق وغير ذلك، بينوا ما يجب على المؤمن من خلق، ونحن يجب أن نعلم أننا لا نتحدث عن تفاصيل الأخلاق حديثًا مفصلًا، وإنما نذكر كيف كان أهل السنة والجماعة يؤصلون هذه الأخلاق ويبينونها، بل إن ابن أبي الدنيا رحمه الله تعالى -وهو من علماء الحديث المشهورين- جمع أجزاءً حديثيةً تزيد على مائتي جزء، وهذه الأجزاء تجدها في الغالب أحاديث في باب الأخلاق، جزء في باب التواضع، وجزء في باب الصمت، وجزء في باب الصحبة، وجزء في باب الصدق، وجزء في باب التزكية، وهكذا، وجمع فيها بين الأحاديث المرفوعة وبين الآثار عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإن كان فيما يرويه من الروايات المسندة المرفوعة إلى النبي ﷺ ما هو مظنة الضعف ويحتاج إلى تحقيق وتمحيص حديثي.
2 / 5