255

Lessons from Sheikh Abdul Rahman Al-Mahmoud

دروس للشيخ عبد الرحمن المحمود

Géneros

أدلة مرتبة المشيئة
مرتبة الإرادة والمشيئة -الإرادة الكونية والمشيئة الكونية- المقصود بهذه المرتبة أنه يجب على المؤمن قضيتين: أن كل ما يقع في هذا الكون فهو بمشيئته ﵎ فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
وأنه لا يخرج شيء عن مشيئته مهما كان.
إذًا: مشيئة الله شاملة نافذة عامة في كل ما يقع في هذا الكون.
ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾ [المائدة:٤٨]، فلو شاء الله ﵎ لجعل الناس أمة واحدة لا يختلفون أبدًا؛ لكن شاء الله أن يبتلينا بالتفرق فنفذت مشيئته.
ويقول ﵎ في قصة شعيب لما قال له قومه: ﴿فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾ [هود:٣٢ - ٣٣].
وأيضًا يقول ﵎ عن موسى أنه قال: ﴿ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ [يوسف:٩٩]، وقال موسى: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ [الكهف:٦٩]، وقال الله تعالى لنبيه: ﴿وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف:٢٣ - ٢٤].
ويقول ﵎: ﴿قُلْ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران:٢٦].
ويقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران:٦].
ويقول ﵎ في باب الإرادة الكونية: ﴿فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام:١٢٥].
إذًا: هذه المشيئة والإرادة الكونية هي شاملة لكل شيء، ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْجَاهِلِينَ﴾ [الأنعام:٣٥]، كما قاله تعالى مخاطبًا رسول الله ﷺ.
ومن الأحاديث الواردة في ذلك قول النبي ﷺ -وهذا في صحيح البخاري -: (اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ﷺ ما شاء)، فأمر بالشفاعة، وأخبر أن الذي سيقع هو ما شاءه الله ﷾.
والنبي ﷺ أقر علي بن أبي طالب حين سأله الرسول هو وزوجه فاطمة ﵄ وقال لهما: (ألا تصليان؟ فأجابه علي بقوله: أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، قال علي: فانصرف حين قلت ذلك ولم يرجع إلي شيئًا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف:٥٤])، فالشاهد هنا إثبات المشيئة؛ لأن عليًا احتج بالمشيئة، لكن الرسول ﷺ كأنه لم يرض بهذا الاحتجاج وإن كان حقًا، ومن ثم قرأ: (﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [الكهف:٥٤]).
وللعلماء أقوال حول معنى هذا الحديث منها: أنه قال ذلك تسليمًا لعذرهما، وأنه لا عليهما.
ومنها: أنه تعجب من سرعة جوابه وعدم موافقته إلى آخره.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ أنه سمع النبي ﷺ يقول: (إن قلوب العباد -أو قلوب بني آدم- كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء، ثم قال رسول الله ﷺ: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).
وأيضًا لما قال رجل للنبي ﷺ: (ما شاء الله وشئت، قال له النبي ﷺ: أجعلتني لله ندًا؟ -وفي بعض الألفاظ: أجعلتني لله عدلًا؟ - بل ما شاء الله وحده)، فالنبي ﵊ ينفي أن تكون له مشيئة مع مشيئة الله، وإنما المشيئة هي مشيئة الله وحده، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
ويقول تعالى عن سائر العباد: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان:٣٠]، فمشيئة العباد إنما هي داخلة تحت مشيئة الله ﵎.

11 / 14