Lessons by Sheikh Saud Al-Shuraim
دروس للشيخ سعود الشريم
Géneros
فضل الذكر من القرآن والآثار
لقد حث الدين الحنيف على أن يتصل الإنسان بربه، ليحيي ضميره وتزكو نفسه ويتطهر قلبه، ويستمد منه العون والتوفيق، ولأجل هذا جاء في محكم التنزيل، والسنة النبوية المطهرة ما يدعو إلى الإكثار من ذ كر الله ﷿ على كل حال، فقال ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذ ِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ [الأحزاب:٤١-٤٢] وقال سبحانه: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:٣٥] وقال جل شأنه: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [الأنفال:٤٥] وقال تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة:١٥٢] .
وقال سبحانه: ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [العنكبوت:٤٥] وقال صلوات الله وسلامه عليه: ﴿كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم﴾ متفق عليه.
وقال صلوات الله وسلامه عليه: ﴿ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخيرًا لكم من إعطاء الذهب والورق، وخيرًا لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: ما هو يا رسول الله؟ قال: ذكر الله ﷿﴾ رواه أحمد.
وقال صلوات الله وسلامه عليه: ﴿من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة في الجنة﴾ رواه الحاكم وحسنه الترمذي وصححه.
عباد الله: ذكر الله تعالى منزلة من منازل هذه الدار يتزود منها الأتقياء، ويتجرون فيها، وإليها دائمًا يترددون، الذكر قوت القلوب، الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة الديار التي إذا تعطلت عنه صارت دورًا بورًا، وهو السلاح الذي يقاتل به قطاع الطريق، والماء الذي يقطع به لهب الحريق.
بالذكر -أيها المسلمون- تستدفع الآفات، وتستكشف الكربات، وتهون به المصائب والملمات، زين الله به ألسنة الذاكرين، كما زين بالنور أبصار الناظرين، فاللسان الغافل كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء، والذاكر الله لا تدنيه مشاعر الرغبة والرهبة من غير الله، ولا تقلقه أعداد القلة والكثرة، وتستوي عنده الخلوة والجلوة، ولا تستخفه مآرب الحياة ودروبها، ذكر الله ﷿ باب مفتوح بين العبد وبين ربه، ما لم يغلقه العبد بغفلته.
قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [[تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء: في الصلاة، وفي الذكر، وفي قراءة القرآن، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق]] .
إن الذنوب كبائرها وصغائرها لا يمكن أن يرتكبها بنو آدم إلا في حال الغفلة والنسيان لذكر الله ﷿؛ لأن ذكر الله تعالى سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في أتون الجحيم، أو غضب وسخط الرب العظيم، وعلى الضد من ذلك التارك للذكر، الناسي له؛ فهو ميت لا يبالي الشيطان أن يلقيه في أي مزبلة شاء، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف:٣٦] وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه:١٢٤] .
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: [الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس] وكان رجل رديف النبي ﷺ على دابة، فعثرت الدابة بهما فقال الرجل: تعس الشيطان! فقال له النبي ﷺ: ﴿لا تقل تعس الشيطان؛ فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت، ولكن قل: باسم الله؛ فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب﴾ رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح.
وحكى ابن القيم ﵀ عن بعض السلف أنهم قالوا: إذا تمكن الذكر من القلب، فإن دنا منه الشيطان صرعه الإنسي كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون: ما لهذا؟ فيقال: قد مسه الإنسي.
الإكثار من ذكر الله براءة من النفاق، وفكاك من أسر الهوى، وجسر يصل به العبد إلى مرضاة ربه وما أعده الله له من النعيم المقيم، بل هو سلاح مقدم على أسلحة الحروب الحسية التي لا تكلم؛ فقد ثبت عن النبي ﷺ في فتح القسطنطينية: ﴿فإذا جاءوها، نزلوا فلم يقاتلوا بالسلاح، ولم يرموا بسهم، قالوا: لا إله إلا الله، والله أكبر فيسقط أحد جانبيها، ثم يقولون الثانية: لا إله إلا الله والله اكبر، فيسقط جانبها الآخر، ثم يقولون الثالثة: لا إله إلا الله والله أكبر فيفرج لهم فيدخلونها فيغنمون﴾ الحديث رواه مسلم في صحيحه.
2 / 3