Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Al-Dedew Al-Shanqeeti
دروس للشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي
Géneros
موقف المعاصرين من المسائل الاجتهادية
ومثل هذا في اجتهادات المعاصرين والمتأخرين الذين يخالفهم كثير من الناس، فيشنون عليهم حربًا ضروسًا، فتسمعون الآن كثيرًا من علماء الإسلام الذين اشتهروا في العالم ونفع الله بهم كثيرًا وانتشرت أقوالهم، يجتهدون في بعض المسائل فيخالفهم من سواهم، كالشيخ يوسف بن عبد الله القرضاوي حفظه الله، فله اجتهادات كثيرة جدًا، وهو من عمالقة هذا العصر في المجال الفقهي، ومع ذلك فيخالفه كثير من الناس في اجتهاداته، ونحن نخالفه في كثير من اجتهاداته، لكن ليس معنى ذلك أننا نطعن فيه إذا خالفناه في الاجتهاد، بل نرى أننا إذا خالفنا مالكًا وهو أكبر فكيف لا نخالف القرضاوي! فمن هنا نعلم أن الجميع يخطئون ويصيبون، وأن ما أصابوا فيه لهم فيه أجران، وما أخطئوا فيه لهم فيه أجر، وهم معذورون في الخطأ الذي حصل منهم فيه، ولا نطعن في أحد منهم.
وقد قال ابن القيم ﵀: زلات العلماء أقذار وهم بحار، وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.
ومن هنا فكثير من فقهائنا في هذه البلاد يفتون بعض الفتاوى التي لا نوافقهم عليها، لكنها لا تنقص احترامنا لهم بوجه من الوجوه، فنحن نقدرهم تقديرًا عظيمًا ونعلم أنهم أهل للتقدير؛ لأن الله ائتمنهم على وحيه وجعلهم يفتون الناس في دينهم، فكيف يأتمنهم الله على الوحي وهو لا يأتمن المفلسين على دينه أبدًا، ونطعن نحن فيهم؟! فنحن نحترمهم ونقدرهم ونقدر العلم الذي يحملونه ونخدمهم بما نستطيع، لكن نعلم أنهم غير معصومين ولا نوافقهم في أخطائهم، ونعلم أننا نحن أيضًا نخطئ وأنهم يخالفوننا في أخطائنا ولا نلومهم إذا خالفونا.
ولذلك قال البويطي ﵀: لما ألف الشافعي كتابه سلمه إلي فقال: خذ هذا الكتاب على خطأ كثير فيه، قال: قلت: يا أبا عبد الله أصلحه لنا، قال: كيف وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا﴾ [النساء:٨٢] أبى الله العصمة إلا لكتابه.
ومن هنا فكل الكتب المؤلفة فيها أخطاء، والكتاب الوحيد الذي ليس فيه خطأ هو القرآن الكريم المنزل من عند الله، أما ما عداه من الكتب حتى لو كان صحيح البخاري الذي تجاوز القنطرة، فلابد أن تلقى مسائل فيه هي محل إشكال، يختلف فيها الناس في فهمها وفي معناها، مثلًا في قوله: (وأجاز عمر بن الخطاب الشهادة على الشهادة في الحدود أو في الجارودي)، روايتان في صحيح البخاري، وكلتاهما روايتان صحيحتان عن البخاري ﵀ أدرجهما في صحيحه؟! ومثل ذلك: (أن عمر بن عبد العزيز أجاز الكتاب في السن)، وكذلك: أن عمر قال: (إن من الربا أبوابًا لا تخفى ومنها السلم في السن).
ما معنى السن في الموضعين؟ محل خلاف، كل شراح صحيح البخاري اختلفوا فيها وما عرفوا وجه الصواب فيها؛ فإذا كنت لا تأخذ كتابًا إلا إذا كان صوابًا مائة في المائة فلن تأخذ إلا القرآن وستنبذ كل ما سواه.
ومن هنا فإن من يقرأ هذه الكتب لابد أن يكون غير متعصب، فإذا رأى فيها صوابًا أخذ به، وإذا رأى فيها خطأً نقله من غير أن يأخذ به وبين خطأه، ومن هنا فالذين يسألون كثيرًا اليوم عن دراسة الفروع الفقهية غير مقرونة بالأدلة وعن الحكم بذلك، إنما حصل الخطأ في فهمهم من هذا الوجه، حيث ظنوا أن هذه الفروع عزلت عن الكتاب والسنة وجعلت ندًا لهما، والواقع أن هذا حاصل لدى بعض الناس، فبعض البلهاء قرءوا تلك الفروع مجردة؛ فتوهموا أنها هي زبدة الكتاب والسنة، وأن الكتاب والسنة قد مخضا فلم تبق فيهما فائدة نسأل الله السلامة والعافية.
وهذا خطأ في الفهم وابتعاد عن الشرع، وإذا راجع الإنسان نفسه عرف أنه خطأ كبير، وأنه لا يمكن أن يقول به أحد من المسلمين، ولذلك تجدون كثيرًا من الناس يقولون: إنه لا يجوز العمل اليوم بالكتاب والسنة، من قال هذا؟ هل أرسل أحد بعد النبي ﷺ من عند الله؟! هل نزل كتاب بعد القرآن؟! كيف يقال: لا يجوز العمل بالقرآن؟! القرآن يأمرنا بالعمل به، الله يأمرنا بالعمل به، والسنة هي آخر ما جاء من عند الله من الوحي منزلًا على محمد ﷺ، ولذلك حصلت لي قضية مع إمام من الأئمة، كانت لدي محاضرة في مسجده، وسئلت فيها عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟ فذكرت أن هذا الأمر لم يقع في عصر الصحابة ولا في عصر التابعين ولا في عصر أتباع التابعين، وأن قاعدة أهل السنة: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، وهي مخالفة لقاعدة المشركين الذين يقولون: لو كان خيرًا ما سبقونا إليه، ونحن نقول: لو كان خيرًا لسبقونا إليه، وأنها إنما عرفت في القرن الرابع الهجري في بدايته في أيام العبيديين، فالشيخ هذا تقدم للتعقيب فقال: فعلًا هي سنة، ولكنها تأخرت مشروعيتها فشرعت في القرن الرابع من الهجرة، فقلت: الإمام يحدث عن جبريل لأنه نزل في القرن الرابع الهجري، وتعرفون أن الحكم في الشرع خطاب ربنا، وكل طلاب العلم درسوا في منظومة ابن عاشر الحكم الشرعي خطاب ربنا، فإذًا كيف تكون المشروعية في القرن الرابع الهجري؟! إن هذا من الأمور المضحكة التي يعجب لها الإنسان.
ومثل ذلك ما يحصل في المقابل أيضًا من أن بعض الناس يتعصب ضد هذه الفروع الفقهية التي جمعت ويسرت وسهلت وهي خدمة للكتاب والسنة، وفي المقابل لا يستطيع هو أن يوجد بديلًا عنها، إذا سألته عن تصحيح صلاة أو عقد نكاح أو عقد بيع أو أي عقد من العقود ليس لديه حل؛ لأنه لم يقرأ من الشرع إلا أحاديث محصورة فقط، ليكن في أحسن الأحوال قرأ العمدة وهي أربعمائة حديث في الأحكام، لكن يا أخي! بقي الكثير، فأحاديث النبي ﷺ التي وصلت إلينا أكثر من ثلاثمائة ألف حديث تقريبًا، وأحاديث الأحكام منها أحد عشر ألف حديث تقريبًا، وأنت ما درستها كلها ولا أحطت بها، فلذلك لو لم تطلع على دليل فرع من الفروع فليس معنى ذلك أنه لا وجود له، ومن القواعد المسلمة في الفقه: أن عدم العلم بالشيء ليس علمًا بعدمه، أي: إذا لم تعلم أنت بهذا الشيء فليس معنى ذلك أنك تعلم عكسه، ومن هنا فيمكن أن تقول: لم أطلع على دليل الفرع الفلاني، لكن لا يمكن أن تقول: الفرع الفلاني ليس عليه دليل، وهذا ما يتجاسر عليه كثير من صغار الطلبة يقولون: المسألة الفلانية قالها خليل في المختصر، أو ابن أبي زيد في الرسالة وليس عليها دليل، أقول: يا أخي! من أين لك أنها ليس عليها دليل؟! حسنًا نحن عرفنا أنك لا تعرف دليلها، ولكن ما يدريك أنها ليس عليها دليل؟! هل أحطت بكل الأدلة؟! إن مثل هذا النوع هو من الجسارة والشناعة في الدين التي تؤدي إلى التطرف والتعصب، وهذا النوع هو الذي ينبغي أن يسمى بالتزمت في زماننا هذا، إذا كان التزمت موجودًا فالتزمت مقصود به نبذ الاجتهاد في محل الاجتهاد، أو محاربة الدليل في محل الدليل، والطعن في الدليل عند وجوده هو من التزمت والبقاء مع تقليد آخرين، وأنا أضرب مثلًا للتقريب هو: أن الصبي الصغير إذا مر من حوله إنسان تعلق بثيابه يريد أن يحمله؛ لأنه ضعيف عن المشي عاجز عنه فيريد من يحمله للمسافة، كذلك الجاهل يقلد غيره ويتعلق به؛ لأنه عاجز عن أن يأخذ الحكم من الدليل فيتعلق بغيره فيمسك ثيابه يريد أن يحمله، فهي عادة صبيانية مازالت موجودة ينشأ عليها بعض الصبيان وتستمر معهم طيلة حياتهم، ولا ننكر أن بعض الناس عليهم أن يسألوا أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون، لكن مع هذا ينبغي لمن سأل أهل الذكر في مسألة أن يسأل عن دليلها حتى يأخذ على بينة ويترك على بينة.
1 / 14