247

Lessons by Sheikh Muhammad Hassan Abd Al-Ghaffar

دروس الشيخ محمد حسن عبد الغفار

Géneros

الأدلة على حرمة الاحتفال بالمولد النبوي
فإن قيل: ما هي الأدلة التي تدل على حرمة الاحتفال بالمولد النبوي؟ فنقول: الأدلة على ذلك كثيرة من الأثر ومن النظر.
أما من الأثر: فقول الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ﴾ [آل عمران:٣١]، أي: إن كنتم تتقربون إلى الله بمحبته وبمحبة رسوله فعليكم باتباع سنة النبي ﷺ، وليس من سنة النبي ﷺ هذا الاحتفال، ولو كان من سنته لعمله الصحابة أو عمله التابعون، أو عمل به الذين تابعوهم بإحسان إلى يوم الدين.
وأيضًا: قال الله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:٣٢]، فهل أمر الرسول بالاحتفال بمولده؟ وهل أمر الرسول ﷺ بالاجتماع له، وإطعام الطعام، وفعل ما يُفعل احتفالًا بمولده؟
الجواب
لا والله ما أمر الرسول بذلك! فنحن مأمورون بأن نأتمر بأمر النبي ﷺ، ولا نبتدع في دينه؛ لأن الله جل وعلا قال منكرًا على النصارى الذي يجتهدون في العبادة بدون أدنى دليل: ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا﴾ [الحديد:٢٧].
أيضًا من الأدلة الأثرية: ما جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقوله: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد).
قوله: (أحدث) أي: يتعبد لله بعبادة لم يأت بها، ولم يأمر بها في كتابه ولا سنة رسوله ﷺ.
والاحتفال بالمولد لم يأمر الله به في الكتاب، ولم يأمر به النبي ﷺ في السنة، فهو إذًا بدعة ضلالة مردودة على صاحبها.
ومن الأدلة أيضًا: قول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)، وفي رواية قال: (وكل ضلالة في النار).
فقوله ﷺ: (عليكم بسنتي)، أي: ألزمكم أن تأتموا بسنتي، أن تستنوا بسنتي ولا تتعدوها، وأن تستنوا بسنة أصحابي، ولذا لم يأمر النبي ﷺ باتباع سنة بعد سنته إلا سنة الصحابة رضوان الله عليهم، وبالأخص الخلفاء الراشدين، ولذلك قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ)، فهل الخلفاء الذين هم أخلص لرسول الله، وأحب لرسول الله ﷺ، وأتبع لسنته، وأطوع لأوامره احتفلوا بمولده؟ وهل أبو بكر ﵁ وأرضاه جمع الناس للاحتفال بمولد النبي ﷺ؟ وهل فعل ذلك عمر؟ وهل فعل ذلك عثمان؟ وهل فعل ذلك علي بن أبي طالب؟ وسعد بن أبي وقاص؟ والزبير وبقية العشرة المبشرين بالجنة؟ فإذا لم يفعلوا، ألا يسعكم ما وسع الصحابة؟ وهل أنتم أفقه بشرع رسول الله من صحابة رسول الله؟! وهل أنتم أخلص حبًا لرسول الله من صحابة رسول الله؟ لو كان خيرًا لسبقونا إليه: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف إن كنتم أفضل من أبي بكر وعمر وعثمان فأنتم وأنفسكم، وحسابكم على الله جل وعلا، وإن قلتم: لا، فيسعكم ما وسع الصحابة، فاجلسوا كما جلسوا، واحتفلوا كما احتفلوا بمولده ﷺ، وسنبين كيف احتفلوا بمولده ﵊.
ومن الأدلة التي تبين حرمة الاحتفال بالمولد النبوي: قول النبي ﷺ: (من تشبه بقوم فهو منهم)، فالعلاقة بين هذا الحديث وبين الاحتفال بالمولد النبوي علاقة وطيدة، إذ يقول النبي ﷺ مخبرًا منكرًا: (لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع)، وفي رواية: (حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول اللهَ! اليهود والنصارى؟ قال: فمن).
أي: فمن غير هؤلاء الناس؟! فالنبي ﷺ يقول: (من تشبه بقوم فهو منهم).
بل وحشر معهم، والنصارى هم الذين اخترعوا وابتدعوا في دينهم عيد ميلاد المسيح، ونحن إذا احتفلنا بعيد ميلاد النبي ﷺ فنكون قد تشبهنا بهم، ووقعنا في النهي الصريح الذي قال فيه النبي ﷺ: (من تشبه بقوم فهو منهم)، فإن هذا نهي صريح، وهو خبر يراد به الإنشاء، أي: لا تتشبهوا بهؤلاء.
وأما من النظر فمن وجهين: الوجه الأول: أن إيمان العبد لا يستقيم إلا بمحبة النبي ﷺ، والعبد إنما يتقرب إلى الله بمحبة النبي ﷺ، فهو الذي قال -كما في الصحيحين- (ثلاث من كن فيه وجد طعم الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما).
وقد حرص النبي ﷺ كل الحرص على أن يرشد الأمة إلى ما ينفعها وإلى ما يقربها إلى الله جل وعلا كما بين ذلك أكثر الصحابة، فإن النبي ﷺ ما ترك خيرًا يقربهم إلى ربهم إلا ودلهم عليه، وما ترك شرًا يبعدهم عن ربهم إلا حرم عليهم ذلك الشر، وأرشدهم إلى البعد عنه.
فهل يعقل أن النبي الكريم لا يرشد الأمة إلى تعظيمه ومحبته حتى يتقربوا بها إلى الله جل وعلا؟ فلو كان الاحتفال بمولد النبي ﷺ من مظاهر محبته ولم يرشدنا إليه فقد قصر ﷺ وحاشاه! ولو كان الاحتفال بمولد النبي يدل على محبة النبي ﷺ فقد قصر أبو بكر في محبة النبي ﷺ، وقد قصر عمر وعثمان وعلي.
فلما لم يُبلِّغ النبي ﷺ ويرشدنا إلى ذلك، ولما لم يفعل الصحابة ذلك دل على أنه ليس من مظاهر حب النبي ﷺ الاجتماع وإطعام الطعام والاحتفال بالمولد النبوي على هذه الطريقة المبتدعة المحدثة.
الوجه الثاني: باب سد الذرائع، وحسم المادة، وإغلاق الوسائل إلى المحرمات، فإن الاحتفال بالمولد النبوي يؤدي إلى اختلاط النساء والرجال، وهذا يفضي إلى مفسدة عظيمة، ويفضي إلى محرمات منكرة من وجوه: الوجه الأول: اختلاط الرجال بالنساء.
ويُعرف هذا في مصر التي هي من أكثر البلاد التي تعرف الموالد، فإنه يشتهر فيها اختلاط النساء بالرجال، مع شرب الدخان، والرقص والتمايل، والكلام الذي يغضب الرب جل وعلا، وهذا بدافع الاحتفال بمولد النبي، ومحبة وتعظيم النبي والولي.
الوجه الثاني: أنه ينتج عن هذه الاحتفالات الغلو في رسول الله ﷺ، ورفعة من مرتبة النبوة إلى مرتبة الربوبية.
فهم في يوم الاحتفال بالمولد النبوي يأتون بالقصائد والمدائح، ويغلون في النبي ﷺ، وقد قال رسول الله ﷺ: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله).
ولما قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا.
أو قالوا: أنت خيرنا وابن خيرنا.
قال النبي ﷺ: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستهوينكم الشيطان).
فمنع من الإطراء والغلو فيه ﷺ.
ولذلك تجد في الاحتفالات القصائد والمدائح التي فيها الغلو برسول الله إلى مقام الربوبية، بل إلى مقام الألوهية، وقصيدة البردة شاهدة على ذلك، وكثير منهم يتلو هذه القصيدة أمام الناس دون أدنى حياء من هذا الشرك المميت، يقول صاحب البردة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم قال ابن رجب معقبًا على قول هذا الرجل: ما ترك لله شيئًا! قوله: (من جودك الدنيا وضرتها) أي: أن الدنيا والآخرة -في زعمه- من جود النبي ﷺ.
وقوله: (ومن علومك علم اللوح) أي: اللوح المحفوظ والقلم، فأين علم الله جل وعلا؟! وأين ملك الله جل وعلا؟! فهذا غلو يصل بالنبي ﷺ إلى الربوبية، بل إلى الإلهية، ناهيك عن أنهم يقولون: بأن النبي لم يخلق من طين، فهو ليس كالبشر، بل خلق من نور، إلى آخر هذه المفاسد التي تصل بهم إلى الشرك، فهم يشركون بالنبي ﷺ، ويرتقون به من منزلة البشرية إلى منزلة الربوبية.
الوجه الثالث: أن الصلاة على النبي ﷺ، وتوقيره ومحبته لا تظهر إلا في يوم واحد، وهو اليوم الذي ولد فيه النبي ﷺ؛ ففي الاحتفال في شهر ربيع من كل عام تظهر محبة النبي، ويظهر تعظيم النبي ﷺ وتوقيره بإقامة السرادقات، وإطعام الطعام وإنشاد هذه القصائد والمدائح، ثم بعد ذلك لا سنة تتبع، ولا تعظيم للنبي ﷺ، ولا توقير لسنة النبي ﷺ، بل إذا جئت لأحدهم وقلت له: قال رسول الله كذا وكذا.
فإنك تجده يضرب بقول رسول الله ﷺ عرض الحائط، ويأخذ بقول شيخه والعياذ بالله! فأين محبة رسول الله؟ وأين تعظيم رسول الله ﷺ؟! وأين توقير رسول الله ﷺ؟! فهذه الأدلة الأثرية والنظرية تحرم الاحتفال بمولد الرسول ﷺ بهذه الطريقة: الاجتماع في المساجد، وإطعام الطعام، وإنشاد القصائد والمدائح، واختلاط النساء بالرجال.

22 / 5