Lessons by Sheikh Abdul Rahman Al-Sudais
دروس للشيخ عبد الرحمن السديس
Géneros
دور السيرة في تقويم السلوكيات والانحرافات
الحمد لله الذي منَّ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأثني عليه الخير كله، اللهم لك الحمد كله، ولك الخلق كله، ولك الأمر كله، وإليك يرجع الأمر كله، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد ببعثة خير الأنام، ولك الحمد بالمال والأهل والمعافاة، ولك الحمد على كل حال.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله للعالمين فضلًا منه ورحمة، وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، أرسله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، هدى به من الضلالة، وبصَّر به بعد الغواية، فتح الله به قلوبًا غلفًا، وأعينًا عميًا، وآذانًا صمًا، فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا أيها الإخوة المسلمون: اتقوا الله ﵎؛ اتقوه تفوزوا وتفلحوا، واتبعوا سنة نبيكم ﷺ تهتدوا، واقتفوا أثره وبنهجه تمسَّكوا توفقوا.
أيها الإخوة في الله: يا أحباب رسول الله ﷺ! السيرة العطرة؛ سيرة خير البرية عليه من الله أفضل صلاة وأزكى تحية بما فيها من شمائل نبوية، ومعجزات محمدية، ووقائع مصطفوية، كلها معين ثر، وينبوع صاف متدفق يرتوي من معينة كل من أراد السلامة من لوثات الوثنية، والنجاة من أكدار الجاهلية، بل هي الشمس الساطعة، والسنا المشرق، والمشعل الوضاء، والنور المتلألئ الذي يبدد ظلمات الانحرافات العقدية والسلوكية والاجتماعية وغيرها، وإن حاجة الأمة إلى معرفة سيرة الحبيب المصطفى ﷺ، والاقتباس من مشكاة النبوة فوق كل حاجة، بل إن ضرورتها إلى ذلك فوق كل ضرورة، فكل من يرجو الله واليوم الآخر يجعل الرسول قدوته، والمصطفى ﷺ أسوته؛ كما قال ﷿: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب:٢١].
لقد ولد ﵊ في تلك الربى والبطاح، وكانت ولادته إيذانًا ببزوغ فجر الحق وغروب شمس الباطل، وبُعث من تلك البقاع، وكانت بعثته انطلاقةً لأعظم حضارة عرفها التاريخ قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:١٠٧] حضارة أسعدت البشرية، وحررت الإنسانية من قيود الشرك والذل والوثنية؛ إلى ساحة الإيمان والعلم والحرية، زلزلت كيان الظلم والجاهلية، وحطمت عروش القياصرة، ودكت حصون الأكاسرة.
لقد نشأ ﵊ في هذا الحمى، وحفظه الله من أرجاس الوثنية ولوثات الجاهلية، ولقد قام ﷺ بتبليغ دعوة ربه كما أمره الله، وكم أوذي في الله فصبر حتى تحقق له ولأمته العز والنصر والتمكين.
جبله الله على أحسن الأخلاق والشمائل، وخصه بأزكى السجايا والفضائل، وحسبنا في ذلك ثناء ربنا عليه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم:٤] تقول خديجة ﵂: [[كلا.
والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق]].
هاجر ﷺ إلى المدينة ورفع راية الجهاد لإعلاء كلمة الله، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وبعد أن بلغ البلاغ المبين لحق ﵊ بالرفيق الأعلى قرير العين بجنة الله ورضوانه، عليه من الله أفضل الصلاة والسلام دائمًا وأبدًا إلى يوم الدين.
فيا عباد الله: هذه ملامح من السيرة العطرة لرسول الهدى ﷺ؛ يجب أن يتذكرها المسلمون في كل حين، وأن يجددوا العهد بها في كل أوان إلى الدوام.
إن أهل الإيمان الحق يستمدون من الهدي كل أمورهم، فلا تستوي الأمور وتستقيم السبيل إلا بذلك، فبهديه ﵊ يهتدون، وعلى ضوء سنته يسيرون، ومن معين نبوته يرتوون، ولأعلام هدايته يحملون، وتحت لوائها يجاهدون، أسقطوا الرايات المشبوهة، ودحضوا الشعارات الزائفة، ولم يبقوا إلا شعار التوحيد لله، والمتابعة لرسوله ﵊، عليه يحيون وعليه يموتون، وفي سبيله يكافحون، ومن أجله يوالون ويعادون، ويعطون ويمنعون، وعليه يلقون الله رب العالمين.
9 / 2