La duodécima noche: o lo que quieras
الليلة الثانية عشرة: أو ما شئت!
Géneros
Francois Laroque, Shakespeare’s Festive World: Elizabethan Seasonal Entertainment and the Professional Stage.
أقول إن باربر لا يقتصر على رصد التعارض البسيط بين هذا وذاك، بل يؤكد «لحظات فشل» الاحتفالية وكيف ساهمت في تعديل مفهوم العلاقات القائمة بين اللغة والفعل باعتبارها مفتاح التعبير عن الشخصية، إذ يقول:
كان شيكسبير يكتب مسرحياته في الوقت الذي كانت فيه الطبقة المتعلمة من المجتمع تدخل بعض التعديلات على المفهوم الاحتفالي والطقسي للحياة الإنسانية؛ حتى تخلق مفهوما تاريخيا وسيكلوجيا. والحق أن الدراما التي أبدعها كانت من العوامل المهمة في إحداث التغيير والتحول من مفهوم إلى مفهوم؛ لأنها قدمت مسرحا يمكن النظر فيه إلى حالات فشل الطقوس نظرة مستقلة بحيث تبدو تاريخا في ذاتها، وقدمت أساليب جديدة لتصوير العلاقات بين اللغة والفعل ابتغاء التعبير عن الشخصية (ص15).
والذي يقصده باربر بحالات فشل الاحتفالية والطقوس هو أن النظرة القروسطية التي كانت تعلي من شأن الألفاظ إلى الحد الذي يوحي بقطع علاقاتها بالأفعال، سواء في العبادة أو في الحياة اليومية، كانت تمثل عبئا أدركه رواد عصر النهضة الأوروبية، وحاولوا إحلال مفهوم جديد مكانه يشكك في قيمة الألفاظ ويدعو إلى إعادة النظر في قيمتها لا في دلالاتها فحسب، ولما كانت الاحتفالية تقوم على الألفاظ الطقسية (المحفوظة والمتوارثة دون غوص في معانيها) سواء في العبادات أو في الأغاني و«التهريج»، فإن شيكسبير يدعونا هنا أيضا إلى التشكك فيما يقوله المعربدون المحتفلون دائما، مؤكدا أن احتفالهم ليس احتفالا حقا بالحياة، بل هو كما يقول المهرج عبث وتهريج و«إفساد» للألفاظ! بل إن سير توبي يدرك أن الفخ الذي أوقع فيه مالفوليو مكيدة حقيرة، ويتمنى حتى أثناء حبس مالفوليو تخليصه من تلك الورطة (4 / 2 / 67-70)، فالحبس في غرفة مظلمة عقاب أقسى مما ينبغي على التزمت الأخلاقي، وإصابة السير توبي والسير أندرو بجروح في رأسيهما تنقل العبث والتهريج إلى مستوى الواقع الأليم، وتخرج ذلك العبث من جو المرح البريء الذي تفترضه الاحتفالية. وكما يقول باربر، فإن «الألعاب» و«سحر العطلات»، تتعرض للتعقيد بسبب ما يخرج من كوامن الشخصية الإنسانية على المسرح، وخصوصا نزوع الفرد إلى إطلاق خياله في التمثيل واستخدام الإيماءات والحركات الجسدية المعبرة، وهو ما قد «يفسد» الهزل إذ يحوله إلى جد مؤلم.
وربما كانت هذه النظرة الحديثة من وراء ميل المخرجين المحدثين في بريطانيا وأمريكا إلى الإيحاء بجو «خريفي» أو «شتوي» للمسرحية، وهو ما يوحي بإيمانهم بفشل الاحتفالية، واستعراض ألوان الإخراج المسرحي في الثلاثين عاما الأخيرة يدعم هذا القول، كما يبين سيلفان بارنيت (
Sylvan Barnet ) في دراسته عن إخراج المسرحية في المسرح والسينما (ص166-165). كما يؤكد بارنيت (ص171) المفهوم «القائم» للمسرحية الذي حل محل المفهوم القديم، فلم يعد في وسع أحد، كما يقول، أن يعتبر المسرحية لهوا خالصا، والنهاية «السعيدة» للعشاق ليست سعيدة لمالفوليو الذي يهدد من آذوه بالعودة للانتقام منهم.
ومثلما اكتشف المحدثون قصور أي مفهوم يزعم أن المسرحية لا تزيد عن احتفالية «كرنفالية» مرحة، اكتشفوا أن القول بأنها تدور حول الحب «الرومانسي» قول قاصر. و«ما الحب حقا؟» كما يتساءل فيسته في أغنيته التي تصب في جوهر موضوع المسرحية. الإجابة التي جاءت بها الأعوام الأخيرة من القرن العشرين تعتمد على عدة مذاهب فكرية مثل التاريخية الجديدة، والتمييز بين الجنسين، ونظرية المثلية الجنسية والأداء، ومن ثم فهي تقول إنه شيئا واحدا؛ أي لا يقتصر على الرومانس البتراركي بين الجنسين فحسب، بل هو التنويعات التي لا تكاد تحصى، فيما يبدو، للانجذاب الجسدي والروحي بين شخصين مهما يكونا؛ رجل وامرأة، أو رجل ورجل، أو امرأة وامرأة! وقد وجدت الناقدات النسويات في المسرحية مجالا لتأكيد ما ألمحت إليه حين عرضت وجهة نظر كاثرين بلسي آنفا، ووجدت التأكيد في الدراسة التي كتبها ستيفن جرينبلات بعنوان «الخيال والاحتكاك» في كتابه «مفاوضات شيكسبيرية» (1988م)، وهو الذي يتيح لنا اليوم الدخول بطرق غير مباشرة إلى عالم القرن السادس عشر، حتى ندرك كيف كان الناس ينظرون إلى قضايا التمييز بين الجنسين والحياة الجنسية، وأن نرى كيف يمكن ترجمة ذلك الفكر أو تلك النظرة، «للاستهلاك الجماهيري» كما يقول، إلى محاولات المسرحية استكشاف حقيقة الفروق المتخيلة بين الجنسين، و«تلاعبها بالألفاظ» تلاعبا يصب في هذه القضية (ص90).
والتلاعب بالألفاظ من مظاهر إبراز قضية اللغة وقدرة اللغة على التعبير أو عجزها عن ذلك، كما يقول المهرج فيسته (على نحو ما ذكرنا آنفا)، وكانت قضية عجز اللغة عن التعبير عن الحقيقة أو الواقع من القضايا التي شغلت عصر النهضة الذي قام على التشكك في العلاقة بين القول والفعل كما ذكرت في هذا القسم من المقدمة، وهو التشكك الذي أصبح يمثل فكرة شائعة لدى كل شاعر يرى أن رؤاه لا تستطيع التجسد كما يبغي (أو كما ينبغي) في الألفاظ، ومن منا لا يذكر ما قاله الشاعر الإنجليزي وليم وردزورث (
Wordsworth ) (1770-1850) في قصيدته «المقدمة» عن ذلك حين قال إنه يطلق اسم «الخيال» على قوة رهيبة تشرق في أعماق الروح؛ بسبب عجز لغة البشر عن وصفها عجزا يثير الأسى؟ وهذان هما البيتان:
Imagination - here the power so called
Página desconocida