مضى سحلول دون أن يعيرهما التفاتة.
28
في الصباح الباكر غادر نور الدين داره ليفتح دكانه .. وجد عند الدكان فتاة محجبة كأنما تنتظر .. عليها رداء من القز الدمشقي يفصح عن هوية سامية .. تطلعت إليه باهتمام ثم ندت عنها آهة عميقة .. عجب لشأنها وتلقى من قلبه نبضات موحية بإلهامات غامضة .. ما لبثت أن أسفرت عن وجه مضيء ورنت إليه بثبات واستسلام وشغف .. مر دهر وهما غائبان عن الوجود وغائصان في حلم ينفث السحر والوجد .. رقت نسائم الربيع، خف وزنهما، أفعما بشذا الزرقة السماوية .. أنستهما السعادة الهابطة ذكريات العذاب والحيرة، فحل السلام بالأرض، وتلاحمت الأيدي بحركة عفوية مثل غناء الطير .. هتف: كائن وحي، حقيقة لا حلم، هنا في هذه الساعة من الزمان.
فهمست بصوت متهدج: نعم .. أنت نور الدين وأنا دنيازاد! - أي رحمة هدتك إلى مقامي؟
فتدافعت الكلمات من ثغرها تروي المأساة والفرج، فقال بنشوة: كان علينا أن نطمئن إلى أن المعجزة لا تقع عبثا. - ولكن الرعد أقوى من هديل الحمام.
فقال بإصرار: معا وإلى الأبد. - كان ذلك قدرا مقدورا. - لنذهب إلى السلطان.
فانطفأت شعلة حماسها، وهي تقول: ولكني متزوجة من كرم الأصيل.
فقال بحدة: وعد السلطان أقوى.
فقالت بأسى: والعثرات لها قوتها أيضا.
ولكنه كان من السكر في غاية.
Página desconocida