2
انبهرت عينا دنيازاد السوداوان .. إنه حفل زفاف سلطاني سيكون أحد أعاجيب الترف والأبهة .. القصر يموج بأضواء الشموع والقناديل، يتلألأ بجواهر المدعوين والمدعوات، يهزج بأغاني المطربين والمطربات .. حتى السلطان شهريار باركها، أهداها جوهرة الدخلة، قال لها: مباركة ليلتك يا دنيازاد.
وانتظرت في المخدع آخر الليل في ثوب محلى بالذهب والمرجان والزمرد .. ودعتها أمها وأختها شهرزاد، فانتظرت وحيدة في المخدع، وشرد ذهنها لا يشغلها إلا ترقبها القلق وقلبها الخفاق .. انفتح الباب .. دخل نور الدين في أبهى حلة دمشقية وعمامة عراقية ومركوب مغربي .. تقدم منها كالبدر في تمامه، وجلا القناع عن وجهها .. ركع على ركبتيه .. ضم ساقيها إلى صدره .. تنهد قائلا: ليلة العمر يا حبيبتي.
ومضى ينزع ملابسها قطعة قطعة في صمت المخدع المليء بالألحان الباطنية ..
3
فتحت دنيازاد عينيها وقد نضحت الستارة بالضياء .. وجدت نفسها مغموسة في ذكريات النبع المبارك .. شفتاها نديتان بالقبل، أذناها ثملتان بأعذب الكلمات، خيالها مفعم بحرارة التنهدات .. العناق لم يبرح جسدها ولا الحنان .. هذه هي الصباحية .. ولكن .. سرعان ما هبت عليها رياح الوعي الصارمة .. أين العريس؟ .. ما اسمه؟ .. متى تمت مقدمات الزفاف؟ .. رباه! .. لم تخطب ولم تزف ولم يجر في القصر حفل .. إنها تنتزع من الحلم كمن يساق إلى النطع .. أكان حلما حقا؟ ولكن العهد بالأحلام أن تتلاشى لا أن ترسخ وتتجسد حتى لتلمس وتشم .. ما زالت ترى العريس رؤية العين وتستشعر مسه وحنانه .. ما زالت الحجرة معبقة بأنفاسه .. وثبت إلى الأرض فاكتشفت عريها، اكتشفت حبها المسفوح .. انقضت عليها رعدة نافذة مرعبة .. هتفت في يأس: إنه الجنون.
ونظرت فيما حولها بذهول، وهتفت مرة أخرى: إنه الهلاك.
ولاح لها الجنون كوحش يطاردها.
4
أما صحوة نور الدين فكانت غاضبة ثائرة عندما رأى حجرة نومه البسيطة بمسكنه القائم فوق دكانه بحي العطور .. أكان حلما؟ .. لكنه حلم عجيب له قوة الحقيقة وثقلها .. ها هي ذي العروس بجمالها حقيقة لا يمكن أن تنسى أو تمحى من القلب .. ومتى وكيف تجرد من ملابسه؟ .. ما زال يشم الشذا الطيب الذي لا نظير له بين عطوره .. ما زال يرى المخدع الفاخر بستائره ودواوينه وسريره العجيب. - ما معنى العبث مع مؤمن صادق مثلي؟
Página desconocida