فقال الحاكم محنقا: أي سجون يا هذا؟! أتريد أن تلزم بيت المال بإطعامهم؟، سقهم إلى الخلاء، استعن بالجند، وائتني بالمجرم قبل جثوم الليل.
8
انقض رجال الشرطة على الخرابات يقبضون على المتسولين والصعاليك، ثم يسوقونهم جماعات إلى الخلاء .. لم تجد شكوى ولا قسم ولم يستثن الشيوخ .. واستعمل معهم العنف حتى جأروا بالاستغاثة بالله ورسوله وآل البيت .. وراح صنعان الجمالي يتابع الأنباء بذهول وقلق .. إنه الجاني ما في ذلك من شك، ولكنه يمضي مطلق السراح مجللا بالوقار .. مئات من الأبرياء يتعذبون بفعلته النكراء، فكيف صار محور هذا الشقاء كله؟! .. وثمة مجهول يتربص به يهون بالقياس إليه جميع ما سلف .. وهو ضائع تماما ومستسلم بلا شروط .. أما صنعان القديم فقد مات واندثر .. لم يبق منه إلا ذاكرة حائرة تجتز ذكريات كالأوهام .. وانتبه على ضجة تجتاح الشارع التجاري .. ها هو علي السلولي حاكم الحي يخترق الطريق على رأس كوكبة من الفرسان .. إنه يذكر الناس بقوة الحاكم ويقظته ويتحدى البلبلة .. مضى يرد تحيات التجار عن يمين وشمال .. هذا هو الرجل الذي تعهد بقتله .. فاض قلبه بالخوف والمقت .. إنه سر عذابه .. ووقع الاختيار عليه هو ليحرر العفريت من سحره الأسود! .. هو العفريت دون سواه .. نجاته رهن بالقضاء عليه .. تسمرت عيناه في وجهه الغامق الريان ولحيته المدببة وجسمه المائل إلى القصر .. وعندما مر أمام دكان إبراهيم العطار هرع إليه المعلم إبراهيم فتصافحا بحرارة .. وعندما مر أمام دكانه حانت منه التفاتة نحوه فابتسم، فلم يجد صنعان بدا من العبور إليه والمصافحة! وإذا بالسلولي يقول له: سنراك قريبا بمشيئة الله!
رجع صنعان الجمالي إلى دكانه وهو يتساءل عما يعنيه .. هل يدعوه إلى مقابلة؟ .. لماذا؟ .. هل يجد السبيل ميسرا من حيث لم ينتظر؟ .. ربطت قشعريرة بين أعلاه وأسفله .. ردد قوله بذهول: سنراك قريبا بمشيئة الله!
9
ولما أخلد إلى النوم ليلا هيمن عليه الوجود الآخر وسمع الصوت يقول متهكما: تأكل وتشرب وتنام وعلي أنا الصبر!
فقال بتعاسة: إنها مهمة شاقة لا يدرك مشقتها من له مثل قوتك. - ولكنها أسهل من قتل البنت الصغيرة!
فتأوه قائلا: يا للخسارة ! .. طالما عددت من الصفوة الطيبة. - لا تخدعني المظاهر. - لم تكن مجرد مظاهر. - نسيت أشياء يندى لها الجبين.
فقال بارتباك: الكمال لله وحده! - لا أنكر أيضا مزاياك ولذلك رشحتك للخلاص!
فقال بجزع: لولا اقتحامك حياتي ما تورطت في الجريمة.
Página desconocida