الشفاء من العليل، فيا لها روضة صدحت أطيارها فأطربت الأشجار، وألبستنا ثوب الخلاعة عند خلع العذار:
انْظُرْ إلى الرَّوضِ النَّضيرِ كأنَّما ... نُشِرَتْ عليه ملاءةٌ خضراءُ
أنِّى سَرَحْت بلحظِ عينيكَ لا ترى ... إلاَّ غديرًا جالَ فيه الماءُ
وترى بنفسِكَ عِزَّةً في دوحةٍ ... إذْ فوقَ رأسكَ حيثُ سِرْتَ لواءُ
والماء قد رق وراق، وتسلسل وهو في الإطلاق، وجرى فتكسر، وصفا ولم يتغير، وصاحب النسمات وحالفها، وقاطع الأغصان وخالفها، وأتته الرياح للزيادة من شعابها وهضابها، وسرق حلي الأغصان فضمنها في صدره وجرى بها، والعيون ترمقه في جريه ومسيره، وهو لا يفتر عن تصفيقه وخريره، حتى خشينا عليه التكسير من التمادي، ورجونا من ماء عينيه يروي كل صادي:
يا حُسْنَه من جدولٍ مُتدفِّقٍ ... يلهو برونقِ حُسْنِهِ مَنْ أبصرا
ما زِلتُ أُنذِرهُ عُيُونًا حوله ... خوفًا عليه أن يُصابَ فَيعْثَرا
فأبى وزادَ تماديًا في جَرْيِهِ ... حتَّى هوى من شاهقٍ فتكسَّرا
ولم يزل الطير يسعى بين النهر والغصن في الاتفاق، ويكرر ألحانه، ويراسل في الأوراق، ويجتهد في الصلح ويدعو إليه، ويحرص على الوفاء ويحرض عليه، وقام الشّحرور بينهما واعظًا وخطيبًا، فأجْدَتْ مواعظه، وكان قلب النهر صافيًا
وقريبًا، (فاصطلحا واتفقا، وتلازما واعتنقا)، وقام النَّسرِينُ من السرور على
1 / 10