ومنهم سعدون المجنون رضي الله تعالى عنه كان يجن ستة أشهر ويفيق ستة أشهر وكان إذا هاج صعد السطح ونادى بالليل بصوت رفيع يا نيام انتبهوا من رقدة الغفلة قبل انقطاع المهلة فإن الموت يأتيكم بغتة رضي الله عنه . ومنهم بهلول المجنون رضي الله تعالى عنه اجتمع به هارون الرشيد فقال له الرشيد كنت أشتهي رؤيتك من زمان فقال لكني أنا لم أشتق إليك قط ، فقال له عظني فقال بم أعظك هذه قصورهم وهذه قبورهم ثم قال : كيف بك يا أمير المؤمنين إذا أقامك الحق تعالى بين يديه فسألك عن النقير والفتيل . والقطمير وأنت عطشان جيعان عريان ، وأهل الموقف ينظرون إليك ويضحكون ! فخنقته العبرة وكان بهلول مجاب الدعوة وأمر له الرشيد بصلة فردها عليه ، وقال ردها إلى من أخذتها منه قبل أن يطالبك بها أصحابها في الآخرة فلا تجد لهم شيئا ترضيهم به فبكى الرشيد وكان رضي الله عنه ينشد : دع الحرص على الدنيا . . . وفي العيش ، فلا تطمع ولا تجمع من المال . . . فما تدري لمن تجمع فإن الرزق مقسوم . . . وسوء الظن لا ينفع فقير كل ذي حرص . . . غني كل من يقنع ومنهم أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه ابن مسعود بن بشر التميمي ثم اليربوعي خراساني المنشأ من ناحية مرو من قرية تعرف بقندين . مات بالحرم الشريف سنة سبع وثمانين ومائة رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه أهل الفضل هم أهل الفضل ما لم يروا فضلهم . وكان يقول من أحب أن يسمع كلامه إذا تكلم فليس بزاهد ، وكان يقول : إذا اغتابك عدو فهو أنفع لك من الصديق فإنه كلما اغتابك كان لك حسناته ، وكان رضي الله عنه يقول : سيد القبيلة في آخر الزمان منافقها ، وهناك يحذر منهم لأنهم داء لا دواء له ، وكان رضي الله عنه يقول : فر من الناس غير تارك للجماعة . وكان رضي الله عنه يقول : ليس هذا زمان فرح إنما هو زمان غموم وكان يقول لكل شيء ديباجة وديباجة القراء ترك الغيبة ، وكان يكره لقاء الإخوان مخافة التزين منه ومنهم . وكان يقول : من فهم معنى القرآن استغنى عن كتابة الحديث ، وكان رضي الله عنه يسقي على الدوام وينفق من ذلك على نفسه وعياله . وكان رضي الله عنه يقول : إذ أحب عبدا أكثر غمه في الدنيا ، وإذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه ، وكان يقول لو حلفت أني مراء كان أحب إلي من أن أحلف أني لست بمراء ، وكان يقول : لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون له حاجة عند أحد من الأمراء والأغنياء إنما ينبغي أن يكون حوائج الخلق إليه هو وكان رضي الله عنه يقول : تباعد من القراء جهدك فإنهم إن أحبوك مدحوك بما ليسر فيك وإن غضبوا شهدوا عليك زورا وقبل ذلك منهم . وجلس إليه سفيان بن عيينة فقال له الفضيل : كنتم معاشر العلماء سرجا للبلاد يستضاء بكم فصرتم ظلمة وكنتم نجوما يهتدي بكم فصرتم حيرة أما يستحي أحدكم من الله إذا أتى إلى هؤلاء الأمراء وأخذ من مالهم وهو لا يعلم من أين أخذوه ، ثم يسند بعد ذلك ظهره إلى محرابه ويقول : حدثني فلان عن فلان فطأطأ سفيان رأسه وقال نستغفر الله ونتوب إليه ، وكان يقول : قراء الرحمن أصحاب خشوع وذبول وقراء الدنيا أصحاب عجب وتكبر وازدراء للعامة وكان يقول : الغيبة فاكهة القراء واجتمع رضي الله عنه هو وشعيب بن حرب في الطواف فقال : يا شعيب إن كنت تظن أنه شهد الموقف والموسم من هو شر مني ومنك فبئس ما ظننت وكان رضي الله عنه يقول من طلب أخا بلا غيب صار بلا أخ ، وكان يقول : لا تؤاخ من إذا غضب منك كذب عليك ، وكان يقول : قد بطلت الأخوة اليوم كان الرجل يحفظ أولاد أخيه من بعده ويعولهم حتى يبلغوا رشدهم كأنهم أولاده ، وكان يقول : ليس بأخيك من إذا منعته شيئا طلبه غضب منك ، وكان يقول : كان لقمان قاضيا على بني إسرائيل مع كونه عبدا حبشيا لصدقه في الحديث وتركه ما لا يعنيه ، وكان يقول طول الصراط خمسة عشر ألف فرسخ فانظر يا أخي أي رجل تكون . وسأله إسحاق بن إبراهيم أن يحدثه فقال له الفضيل رضي الله عنه : لو طلبت مني الدنانير لكان أيسر علي من الحديث ولو أنك يا مفتون عملت بما علمت لكان لك شغل عن سماع الحديث وكان رضي الله عنه يقول : من قرأ القرآن سئل يوم القيامة كما تسأل الأساء عليهم الصلاة والسلام عن تبليغ الرسالة فإنه وارثهم ، وكان يقول عالم الآخرة علمه مستور وعالم الدنيا علمه منشور ، فاتبعوا عالم الآخرة واحذروا عالم الدنيا أن تجالسوه فإنه يفتنكم بغروره وزخرفته ودعواه الحمل من غير عمل أو العمل من غير صدق ، وكان رضي الله عنه يقول : لو أن أهل العلم زهدوا في الدنيا لخضعت لهم رقاب الجبابرة وانقادت الناس لهم ولكن بذلوا علمهم لأبناء الدنيا ليصيبوا بذلك مما في أيديهم فذلوا وهانوا على الناس ومن علامة الزهاد أن يفرحوا إذا وصفوا بالجهل عند الأمراء ومن داناهم وكان رضي الله عنه يقول : من عرف ما يدخل جوفه كان عند الله صديقا ، فانظر من أين يكون مطعمك يا مسكين . ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم بن منصور رضي الله عنه كان من كورة بلخ من أولاد الملوك ومن كلامه رضي الله عنه : من علامة العارف بالله أن يكون أكبر همه الخير والعبادة وأكثر كلامه الثناء والمدحة وكان رضي الله عنه يتمثل كثيرا بهذا البيت : للقمة بجريش الملح آكلها . . . ألذ من تمرة تخشى بزنبور قلت : ومعنى حشوها بزنبور أن يكون في باطنها علة كأن يعطاها لأجل دينه وصلاحه ولولا ذلك ما أعطاها له فمن أدب هذه أن ترد على صاحبها ولا يقبل إلا ممن يعلم منه أنه يحبه على أي حال كان فهذه هي التي ليس فيها زنبور والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : أثقل الأعمال في الميزان أثقلها على الأبدان وفي العمل وفي الأجر ومن لم يعمل رحل من الدنيا إلى الآخرة صفر اليدين . وصحب رضي الله عنه رجلا فلما أراد أن يفارقه قال له الرجل : إن كنت رأيت في عيبا فنبهني عليه فقال له إبراهيم : لم أر فيك يا أخي عيبا لأني لاحظتك بعين الوداد فاستحسنت كل ما رأيته منك فاسأل غيري وكان رضي الله عنه يقول : إني لأتمنى المرض حتى لا تجب علي الصلاة في جماعة ولا أرى الناس ولا ، يروني وكان يغلق بابه من خارج فيجيء الناس فيجدونه مغلقا فيذهبون وكان رضي الله عنه يقول في تفسير قوله تعالى : ' تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ' ' القصص : 83 ' من حب العلو أن تستحسن شسع نعلك على شسع نعل أخيك وكان يقول ثلاثة لا يلامون على ضجر : المريض والصائم والمسافر ، وكان يقول : بلغني أن العبد يحاسب يوم القيامة بحضرة من يعرفه ليكون أبلغ في فضيحته وكان يقول : ما صدق الله عبد أحب الشهرة بعلم أو عمل أو كرم ، وكان رضي الله عنه إذا لم يجد الطعام الحلال يأكل التراب ، ومكث شهرا يأكل الطين وقال : لولا أخاف أن أعين على نفسي ما كان لي طعام إلا الطين حتى أجد الحلال إلى أن أموت وكان يقلل الطعام والأكل ما استطاع ويقول لا يحتمل الحلال للصرف حتى كان يصلي خمس عشرة صلاة بوضوء واحد وكان رضي الله عنه يقول اطلبوا العلم للعمل فإن أكثر الناس قد غلطوا حتى صار علمهم كالجبال وعملهم كالذر وكنت إذا رأيته كأنه ليس فيه روح ولو نفخته الريح لوقع وقال له بعض العلماء عظني ، فقال : كن ذنبا ولا تكن رأسا فإن الذنب ينجو والرأس يذهب ، وكتب إليه الأوزاعي رحمه الله تعالى إني أريد أن أصحبك يا إبراهيم فكتب إليه إبراهيم رضي الله عنه إن الطير إذا طار مع غير شكله طار الطير وتركه والله أعلم . ومنهم أبو الفيض ذو النون المصري رضي الله تعالى عنه واسمه ثوبان بن إبراهيم وكان أبوه نوبيا توفي سنة خمس وأربعين ومائتين ، وكان رضي الله عنه رجلا نحيفا تعلوه حمرة وليس بأبيض اللحية . ولما توفي رضي الله عنه بالجيزة حمل في قارب مخافة أن ينقطع الجسر من كثرة الناس مع جنازته ورأى الناس طيورا خضرا ترفرف على جنازته حتى وصلت إلى قبره رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه : إياك أن تكون للمعرفة مدعيا أو بالزهد محترفا أو بالعبادة متعلقا وفر من كل شيء إلى ربك ، وكان يقول : كل مدع محجوب بدعواه عن شهود الحق لأن الحق شاهد لأهل الحق بأن الله هو الحق ، وقوله الحق ومن كان الحق تعالى شاهدا له لا يحتاج أن يدعي فالدعوي علامة على الحجاب عن الحق ، والسلام ، وكان يقول للعلماء أدركنا الناس وأحدهم كلما ازداد علما ازداد في الدنيا زهدا وبغضا وأنتم اليوم كلما ازداد أحدكم علما ازداد في الدنيا حبا وطلبا ومزاحمة وأدركناهم وهم ينفقون الأموال في تحصيل العلم وأنتم اليوم تنفقون العلم في تحصيل المال ، وكان يقول : يا معشر المريدين من أراد منكم الطريق فليلق العلماء بإظهار الجهل والزهاد بإظهار الرغبة والعارفين بالصمت . قلت وذلك ليزيده العلماء علما والزهاد زهدا والعارفون معرفة قال الله تعالى : ' إنما الصدقات للفقراء والمساكين ' ' التوبة : 60 ' الآية . وسئل رضي الله عنه عن السفلة من الخلق من هم فقال من لا يعرف الطريق إلى الله تعالى ولا يتعرفه وكان يقول سيأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى على الأكياس . قلت : والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله تعالى الأماني والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت وكان يقول لم يزل الناس يسخرون بالفقراء في كل عصر ، ليكون للفقراء رضي الله عنهم التأسي بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام وقال قد جاءتني امرأة فقالت : إن ابني أخذه التمساح فلما رأيت حرقتها على ولدها أتيت النيل وقلت اللهم أظهر السماح فخرج إلي فشققت عن جوفه فأخرجت ابنها حيا صحيحا فأخذته ومضت وقالت اجعلني في حل فإني كنت إذا رأيتك سخرت منك وأنا تائبة إلى الله عز وجل ، وكان يقول من علامة سخط الله تعالى على العبد خوفه من الفقر ، وكان يقول : لكل شيء علامة وعلامة طرد العارف عن حضرة الله تعالى انقطاعه عن ذكر الله عز وجل ، وقال رضي الله عنه : إذا تكامل حزن المحزون لم تجد له دمعة وذلك لأن القلب إذا رق سلا وإذا جمد وغلظ سخر وتذاكر الفقراء عنده يوما في المحبة فقال لهم كفوا عن هذه المسألة لئلا تسمعها النفوس فتدعيها ، وكان يقول : من القلوب قلب يستغفر قبل أن يذنب فيثاب قبل أن يطيع ، وكان يقول إن الله تعالى أنطق اللسان بالبيان وافتتحه بالكلام وجعل القلوب أوعية للعمل ولولا ذلك كان الإنسان بمنزلة البهيمة يومئ بالرأس ويشير باليد ، وكان يقول : كنا إذا سمعنا شابا يتكلم بالمجلس أيسنا من خيره وكان يقول من لم يفتش على الرغيفين من الحلال لا يفلح في طريق الله عز وجل ، وقال له رجل : إن امرأتي تقرأ عليك السلام فقال رضي الله عنه لا تقرءونا من النساء السلام وكان يقول : إياكم وكثرة الإخوان والمعارف وكان رضي الله عنه يقول : لحنا في العمل وأعربنا في الكلام فكيف نفلح . قلت : وكذلك كان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه يقول : من آنسه الله بقربه أعطاه العلم من غير طلب وكان يقول ليس بعاقل من تعلم العلم فعرف به ثم آثر بعد ذلك هواه على عمله ، وليس بعاقل من طلب الإنصاف من غيره لنفسه ولم ينصف من نفسه غيره ، وليس بعاقل من نسي الله في طاعته وذكر الله تعالى في مواضع الحاجة إليه ، وكان رضي الله عنه يقول : تواضع لجميع خلق الله تعالى وإياك أن تتواضع لمن يسألك أن تتواضع له فإن سؤاله إياك يدل على تكبره في الباطن وتواضعك له يكون له عونا على التكبر ، وكان يقول رضي الله عنه : من نظر في عيوب الناس عمى عن عيب نفسه وكان يقول من طلب مع الخبز ملحا لم يفلح في طريق القوم . وسئل رضي الله عنه عن كمال العقل وعن كمال المعرفة فقال : إذا كنت قائما بما أمرت تاركا لتكلف ما كفيت فأنت كامل العقل وإذا كنت بالله عز وجل متعلقا وغير ناظر إلى سواه من أحوالك وأعمالك فأنت كامل المعرفة ، وكان رضي الله عنه يقول : قد غلب على العباد والنساك والقراء في هذا الزمن التهاون بالذنوب حتى غرقوا في شهوة بطونهم وفروجهم وحجبوا عن شهود عيوبهم فهلكوا وهم لا يشعرون أقبلوا على كل الحرام ، وتركوا طلب الحلال ورضوا من العمل بالعلم يستحي أحدهم أن يقول فيما لا يعلم لا أعلم ، هم عبيد الدنيا لا علماء الشريعة إذ لو علموا بالشريعة لمنعتهم عن القبائح إن سألوا ألحوا وإن سئلوا شحوا لبسوا الثياب على قلوب الذئاب اتخذوا مساجد الله التي يذكر فيها اسمه لرفع أصواتهم باللغو والجدال والقيل والقال ، واتخذوا العلم شبكة يصطادون بها الدنيا فإياكم ومجالستهم . وسئل رضي الله عنه عن الحديث لم لا تشتغل به فقال للحديث رجال وشغلي بنفسي استغرق وقتي والحديث من أركان الدين ولولا نقص دخل على أهل الحديث والفقه لكانوا أفضل الناس في زمانهم ألا تراهم بذلوا علمهم لأهل الدنيا يستحلبون دنياهم فحجبوهم واستكبروا عليهم وافتتنوا بالدنيا لما رأوا من حرص أهل العلم والمتفقهين عليها فخانوا الله ورسوله وصار إثم كل من تبعهم في عنقهم جعلوا العلم فخا للدنيا وسلاحا يكسبونها بعد أن كان سراجا للدين يستضاء به وسئل رضي الله عنه عن العلماء بالقرآن فقال : هم الذين نصبوا الركب والأبدان . صحبوا القرآن بأبدان ناحلة وشفاه ذابلة ودموع وابلة وزفرات عالية أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وكان رضي الله عنه يقول : العجب كل العجب من هؤلاء العلماء كيف خضعوا للمخلوقين دون الخالق وهم يدعون أنهم أعلى درجة من جميع الخلائق ، وكان يقول : من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن تراه ساهيا لاهيا لاغيا معرضا عن ذكر الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : إن الله تعالى لم يمنع أعداءه المحبة بجلا وإنما صان أولياءه الذين أطاعوه أن يجمع بينهم وبين أعدائه الذين عصوه وكان يقول : العارف لا يدوم على حزن ولا يدوم على سرور ثم قال : مثل العارف في هذه الدار مثل رجل توج بتاج الكرامة وأجلس على سرير في بيته قد علق فوق رأسه سيف بشعرة وأرسل على بابه سبعان ضاريان فيشرف على الهلاك ساعة بعد ساعة فأني له السرور وأني له الحزن قال بعضهم السيف المعلق فوق رأسه الأحكام ، والضاريان اللذان على الباب الأمر والنهي وكان رضي الله عنه يقول : من تقرب إلى الله تعالى بتلف نفسه حفظ الله عليه نفسه ، وقال رضي الله عنه لما حملت من مصر في الحديد إلى بغداد لقيتني امرأة زمنة فقالت إذا دخلت على المتوكل فلا تهبه ولا تر أنه فوقك ولا تحتج لنفسك محقا كنت أومتهما لأنك إن هبته سلطه الله عليك وإن حاججت عن نفسك لم يزدك ذلك إلا وبالا لأنك باهت الله فيما يعلمه وإن كنت بريئا فادع الله تعالى أن ينتصر لك ولا تنتصر لنفسك فيكلك إليها فقلت لها سمعا وطاعة فلما دخلت على المتوكل سلمت عليه بالخلافة فقال لي : ما تقول فيما قيل فيك من الكفر والزندقة . فسكت فقال وزيره ، هو حقيق عندي بما قيل فيه ثم قال لي لم لا تتكلم ؟ فقلت يا أمير المؤمنين إن قلت لا كذبت المسلمين وإن قلت نعم كذبت على نفسي بشيء لا يعلمه الله تعالى مني فافعل أنت ما ترى فإني غير منتصر لنفسي فقال المتوكل : هو رجل بريء مما قيل فيه فخرجت إلى العجوز فقلت لها جزاك الله عني خيرا فعلت ما أمرتني به فمن أين لك هذا فقالت من حيث ما خاطب به الهدهد سليمان عليه السلام . وكان ذو النون المصري رضي الله عنه بعد ذلك يقول من أراد تجريد التوحيد وخالص التوكل فعليه بالنساء الزمني ببغداد وكان رضي الله عنه يقول ما شبعت من الطعام قط إلا عصيت أو هممت بمعصية وكان رضي الله تعالى عنه يقول كن عارفا خائفا ولا تكن عارفا واصفا رضي الله عنه . ومنهم أبو محفوظ معروف بن فيروز الكرخي رضي الله تعالى عنه وهو من جملة المشايخ المشهورين بالزهد والورع والفتوة مجاب الدعوة يستسقى بقبره وهو من موالي علي بن موسى الرضا رضي الله عنه صحب داود الطائي رضي الله عنه ومات ببغداد ودفن بها سنة مائتين وقبره ظاهر يزار ليلا ونهارا رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه إذا أراد الله بعبد خيرا فتح عليه باب العمل وأغلق عنه باب الجدل وإذا أراد الله بعبد شرا أغلق عليه باب العمل وفتح له باب الجدل ، وكان رضي الله عنه يقول ما أكثر الصالحين وما أقل الصادقين فيهم وكان رضي الله عنه يقول : لولا إخراج حب الدنيا من قلوب العارفين ما قدروا على فعل الطاعات ولو كان من حب الدنيا ذرة في قلوبهم لما صحت لهم سجدة واحدة ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف يرجع إلى الدنيا اضطرار والمفتون يرجع إليها اختيارا ، وكان يقول : إذا عمل العالم بالعلم استوت له قلوب المؤمنين ، وكرهه كل من في قلبه مرض وكان رضي الله عنه يقول : إذا أراد الله بعبد خيرا زوى عنه الخذلان وأسكنه بين الفقراء الصادقين ، وإذا أراد الله بعبد شرا عطله عن الأعمال الصالحة حتى تكون على قلبه أثقل من الجبال وأسكنه بين الأغنياء . ومنهم أبو نصر بشر بن الحارث الحافي رضي الله تعالى عنه أصله من مرو وسكن بغداد ومات بها عاشر المحرم سنة سبع وعشرين ومائتين رضي الله عنه . صحب الفضيل بن عياض رضي الله تعالى عنه وكان عالما ورعا كبير الشأن أوحد وقته علما وحالا ، ومن كلامه رضي الله عنه لا يجد حلاوة الآخرة رجل يحب أن يعرفه الناس يعني يحب اطلاع الناس على صفات كماله وكان رضي الله عنه يقول سيأتي على الناس زمان تكون الدولة فيه للحمقى والأرذال على أهل العقول والأكابر ، وكان رضي الله عنه يقول : دخلت داري يوما فإذا رجل جالس في الدار فقلت له : كيف دخلت داري بغير إذني فقال : أنا أخوك الخضر فقلت ادع الله تعالى لي فقال عليه السلام هون الله عليك طاعته فقلت زدني ، فقال وسترها عليك ، وكان رضي الله عنه يقول : قال لي رجل من المتصوفة يا أبا نصر انقبضت عن أخذ البر من أيدي الناس لإقامة الجاه فقال إن كنت متحققا بالزهد منصرفا عن الدنيا فخذ من أيديهم ليمحي جاهك عندهم ثم أخرج عما يعطونك إلى الفقراء وفرقه عليهم ولا تذق منه شيئا ، وكان بعد التوكل بأخذ قوتك من الغير ، فاشتد هذا القول على أصحابي فقلت له جزاك الله خيرا عني ولكن اسمع جوابي فقال : نعم فقلت له اعلم أن الفقراء ثلاثة فقير لا يسأل وإن أعطى لا يأخذ فذاك من الروحانين ، وفقير لا يسأل وإن أعطى قبل فذاك من أوسط القوم ، وفقير اعتقد الصبر ومدافعة الوقت فإذا طرقته الحاجة خرج إلى عبيد الله وقلبه إلى الله بالسؤال فكفارة مسألته صدقة في السؤال فقال الرجل : رضيت رضي الله عنك وكان رضي الله عنه يقول حسبك أقوام موتى تحيا القلوب بذكرهم وإن أقواما أحياء تقسو القلوب برؤيتهم ، وكان يقول : يا طالب العلم إنما أنت متلذذ متفكه بالعلم تسمع وتحكي لا غير ولو عملت بما علمت لتجرعت مرارة العلم ، ويحك إنما يراد بالعلم العمل فاسمع يا أخي وتعلم ثم اعمل واهرب ألا ترى إلى سفيان الثوري رضي الله عنه كيف طلب العلم وتعلم وهرب فاسمع ، ما أقول لك فإن طلب العلم إنما يدل على الهرب من الدنيا لا على حبها وكاد رضي الله عنة يقول : الصدقة أفضل من الجهاد والحج والعمرة لأن ذاك يركب ويجيء فيراه الناس وهذا يعطي سرا فلا يراه إلا الله عز وجل وكان يقول : إني لأجل الله تعالى أن أذكره عند من لا يعرفه ولا يتعرفه وكان رضي الله عنه يقول أمس قد مات واليوم في النزع وغد لم يولد فبادروا بالأعمال الصالحة وكان يقول : إذا راسلت أحدا بكتاب فلا تزخرفه بحسن الألفاظ فإني كتبت مرة كتابا فعرض كلام لي إن كتبته حسن الكتاب وكان كذبا تركته سمج الكتاب وكان صدقا فعزمت على ذكر الكلام السمج الصدق فنادى هاتف من جانب البيت ' يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ' وكان رضي الله عنه يقول من أراد أن يكون عزيزا في الدنيا سليما في الآخرة فلا يحدث ولا يشهد ولا يؤم قوما ولا يأكل لأحد طعاما وكان محمد بن يوسف يقول : سمعت رجلا يسأل بشر بن الحارث أن يحدثه فأبى عليه فجعل الرجل يتضرع إليه ويلح عليه فلم يجبه فلما أيس منه قال له الرجل : يا أبا نصر ما تقول لله تعالى إذا لقيته يوم القيامة وقال لك لم لا تحدث الناس فقال بشر رضي الله عنه : أقول يا رب قد أمرتني بمخالفة نفسي وإن نفسي كانت تشتهي الحديث والرياشة فخالفتها ولم أعطها سؤلها وكان رضي الله عته يقول للمريدين لا تؤثروا على حذف العلائق شيئا إني إن أجبت نفسي إلى ما تشتهي من المطعم والملبس خفت أن أكون مكاسا أو شرطيا وكان يقول : من لم يحتج إلى النساء فليتق الله تعالى ولا يألف أفخاذهن ، ولو أن رجلا جمع أربع نسوة يحتاج إليهن ما كان مسرفا وقيل له لم لا تتزوج وتخرج عن مخالفة السنة فقال رضي الله عنه : إني مشغول بالفرض عن السنة يعني بالفرض مجاهدة النفس تصفيتها من الأخلاق الرديئة وكان رضي الله عنه يقول : صحبة الأشرار تورث الظن بالأشرار وصحبة الأخيار تورث حسن الظن بالأشرار وإن الله عز وجل لا يسأل عبدا قط لم حسنت ظنك بعبادي وكان رضي الله عنه يقول في مرض موته كثيرا إلهي رفعتني فوق قدري ونوهت باسمي وشهرتني بين الناس ، فأسألك بوجهك الكريم ألا تفضحني غدا يوم القيامة ، وكان رضي الله عنه إذا رأى فقيرا يضحك وهو غافل يقول له ، احذر أن يأخذك الله تعالى على هذا الحال ، وكان يقول غنيمة الفقير في هذا الزمان غفلة الناس عنه وإخفاء مكانه عنهم فإن لقاء غالب الناس خسران وكان رضي الله عنه يقول : دخلت داري مرة فرأيت رجلا طويلا قائما يصلي فراعني ذلك لأن المفتاح كان معي فسلم من صلاته ثم قال لي لا تفرغ أنا أخوك الخضر فقلت له علمني شيئا ينفعني الله به فقال قل أستغفر الله عز وجل وأسأله التوبة من كل ذنب تبت منه ثم رجعت إليه وأستغفر الله عز وجل وأسأله التوبة من كل عقد عقدته لله على نفسي ففسخته ولم أوف به وأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه من كل نعمة أنعم بها على طول عمري واستعنت بها على معصيته وأسأله الحفظ والحمية من ذلك كله وكان رضي الله عنه يقول : لا يفلح فقير يقول بأي شيء آكل خبزي وكان يقول سكون النفس إلى قبول المدح لها أشد عليها من ذل المعصية ، ولا يضر الثناء من عرف نفسه وكان يقول : كان العلماء رضي الله عنهم موصوفين بثلاثة أشياء صدق اللسان وطيب المطعم وكثرة الزهد في الدنيا وأنا اليوم لا أعرف في هؤلاء أحدا فيه واحدة من هذه الخصال فكيف أعبأ بهم أو أبش في وجوههم وكيف يدعي هؤلاء العلم وهم يتغايرون على الدنيا ويتحاسدون عليها ويجرحون أقرانهم عند الأمراء ويغتابونهم كل ذلك خوفا أن يميلوا إلى غيرهم بسحتهم وحطامهم ويحكم يا علماء السوء أنتم ورثة الأنبياء وإنما ورثوكم العلم فحملتوه وزعتم عن العمل به وجعلتم علمكم حرفة تكسبون بها معاشكم أفلا تخفون أن تكونوا أول من تسعر به النار وكان رضي الله عنه يقول : مثل الذي يأكل الدنيا بالعلم والدين ، مثل الذي يغسل يديه من الزهومة بماء تنظيف السمك أو كمثل الذي يطفئ النار بالحلفاء قلت وميزان أكل الدنيا بالدين أن تنظر في نفسك فكل صفة أكرمت لأجلها قدر نفسك عند فقدها هل كنت تكرم أم لا فإن كنت تكرم مع فقدها فقد خلصت وإلا فلا وكان رضي الله عنه يقول : إذا قصر العبد فيما بينه وبين الله تعالى أخذ منه ما كان يؤنسه . اء غالب الناس خسران وكان رضي الله عنه يقول : دخلت داري مرة فرأيت رجلا طويلا قائما يصلي فراعني ذلك لأن المفتاح كان معي فسلم من صلاته ثم قال لي لا تفرغ أنا أخوك الخضر فقلت له علمني شيئا ينفعني الله به فقال قل أستغفر الله عز وجل وأسأله التوبة من كل ذنب تبت منه ثم رجعت إليه وأستغفر الله عز وجل وأسأله التوبة من كل عقد عقدته لله على نفسي ففسخته ولم أوف به وأستغفر الله عز وجل وأتوب إليه من كل نعمة أنعم بها على طول عمري واستعنت بها على معصيته وأسأله الحفظ والحمية من ذلك كله وكان رضي الله عنه يقول : لا يفلح فقير يقول بأي شيء آكل خبزي وكان يقول سكون النفس إلى قبول المدح لها أشد عليها من ذل المعصية ، ولا يضر الثناء من عرف نفسه وكان يقول : كان العلماء رضي الله عنهم موصوفين بثلاثة أشياء صدق اللسان وطيب المطعم وكثرة الزهد في الدنيا وأنا اليوم لا أعرف في هؤلاء أحدا فيه واحدة من هذه الخصال فكيف أعبأ بهم أو أبش في وجوههم وكيف يدعي هؤلاء العلم وهم يتغايرون على الدنيا ويتحاسدون عليها ويجرحون أقرانهم عند الأمراء ويغتابونهم كل ذلك خوفا أن يميلوا إلى غيرهم بسحتهم وحطامهم ويحكم يا علماء السوء أنتم ورثة الأنبياء وإنما ورثوكم العلم فحملتوه وزعتم عن العمل به وجعلتم علمكم حرفة تكسبون بها معاشكم أفلا تخفون أن تكونوا أول من تسعر به النار وكان رضي الله عنه يقول : مثل الذي يأكل الدنيا بالعلم والدين ، مثل الذي يغسل يديه من الزهومة بماء تنظيف السمك أو كمثل الذي يطفئ النار بالحلفاء قلت وميزان أكل الدنيا بالدين أن تنظر في نفسك فكل صفة أكرمت لأجلها قدر نفسك عند فقدها هل كنت تكرم أم لا فإن كنت تكرم مع فقدها فقد خلصت وإلا فلا وكان رضي الله عنه يقول : إذا قصر العبد فيما بينه وبين الله تعالى أخذ منه ما كان يؤنسه . وقال أبو جعفر المغازي رأيت على بشر بن الحارث قميصا خلقا فقلت له أعتق هذا القميص فقال حتى يعتق صاحبه . وسئل رضي الله عنه عن التصوف فقال : هو اسم لثلاث معان وهو أن لا يغطي نور معرفة العارف نور ورعه ، وأن لا يتكلم في علم باطن ينقضه عليه ظاهر الكتاب والسنة ، ولا تحمله الكرامات على هتك أستار محارم الله عز وجل . ومنهم أبو الحسن السري بن المغلس السقطي رضي الله تعالى عنه خال الجنيد وأستاذه رضي الله تعالى عنهما ، صحب معروفا الكرخي وكان أوحد أهل زمانه في الورع والأحوال السنية وعلم التوحيد وهو أول من يتكلم فيه ببغداد وإليه ينتمي أكثر المشايخ ببغداد ومات بها سنة إحدى وخمسين ومائتين وقبره بالشونيزية ظاهر يزار . ومن كلامه رضي الله عنه : من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه ويقل غمه من سماع الكلام الذي يغمه فليعتزل الناس لأن هذا زمان عزلة ووحدة وكان يقول : أقوى القوة أن تغلب نفسك ومن عجز عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز وكان يقول : من علامة الاستدراج للعبد عماه عن عيبه واطلاعه على عيوب الناس ، وكان رضي الله عنه يقول : كيف يستنير قلب الفقير وهو يأكل من مال من يغش في معاملته ، ويعامل الظلمة وأكلة الرشا لا سيما إن كان يسألهم بذلة وخضوع لعدم حرفة تكون بيده وقال علي بن الحسين ، بعثني أبي إلى السري رضي الله عنه بشيء من حب السعال لسعال كان به فقال لي كم ثمنه فقلت له لم يخبرني بشيء فقال : اقرأ عليه السلام وقل له نحن نعلم الناس منذ خمسين سنة ألا يأكلوا بأديانهم أفتراني اليوم آكل بديني ثم رده ولم يأخذ منه شيئا وكان رضي الله عنه يقول : من سكن إلى قول الناس فيه أنه ولي الله فهو في يد نفسه أسير وكان رضي الله عنه يقول : لو علمت أن جلوسي في البيت أفضل من خروجي إلى المسجد ما خرجت ولو علمت أن انفرادي عن الناس أفضل ما جالستهم وكان يقول ثلاثة من علامة سخط الله على العبد كثرة اللعب ، والاستهزاء والغيبة ، وكان رضي الله عنه يقول : إياكم ومجاورة الأغنياء وقراء الأسواق والأمراء ، فإنهم يفسدون كل من جالسهم وكان يقول لا تصح المحبة بين اثنين حتى يقول أحدهما للآخر : يا أنا وكان رضي الله عنه يقول : ما رأيت شيئا أحبط للأعمال ولا أفسد للقلوب ولا أسرع في هلاك العبد ولا أدوم للأحزان ، ولا أقرب للمقت ولا ألزم لمحبة الرياء والعجب والرياسة من قلة معرفة المجد نفسه ونظره في عيوب الناس لا سيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله وتربص في الأماكن الخفية بنفسه ، وسراديب الهوى وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم وقيل له إن العابد الفلاني يعظم فلانا ويعتقده والأمير الفلاني لا يقدم أحدا على فلان من الفقراء وأطبقت أهل بلده على اعتقاده فقال إنه لهلك مع الهالكين وكان رضي الله عنه يقول : الدنيا أفاعي قلوب العلماء وسحارة قلوب العباد والقراء تلعب بهم كما يلعب الصبيان بالأكرة ، وكان يقول خصلتان تبعدان العبد من الله تعالى أداء نافلة بتضييع فريضة : وعمل بالجوارح من غير صدق بالقلب وكان رضي الله عنه يبكي ويقول : قد توعرت طريق الصالحين وقل فيها السالكون وهجرت الأعمال وقل فيها الراغبون ورفض الحق ودرس هذا الأمر فلا أراه إلا في لسان كل بطال ينطق بالحكمة ويفارق الأعمال الصالحة قد افترش الرخص وتمهد التأويلات واعتل بذلك العاصون ثم يقول واغماه من فتنة العلماء واكرباه من حيرة الأدلاء وكان رضي الله عنه يقول : من أنس بربه في الظلام نشرت عليه غدا الأعلام ، وكان رضي الله عنه ينشد كثيرا ويقول : لا في النهار ولا في الليل لي فرح . . . فما أبالي أطال الليل أم قصرا لأنني طول ليلي هائم دنف . . . وبالنهار أقاسي الهم والفكرا رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله الحارث بن أسد المحاسبي رضي الله عنه وهو من علماء مشايخ القوم بعلوم الظاهر وعلوم الأصول وعلوم المعاملات له التصانيف المشهورة عديم النظير في زمانه وهو أستاذ أكثر البغداديين بصري الأصل . مات ببغداد سنة ثلاث وأربعين ومائتين رضي الله عنه ، ومن كلامه رضي الله عنه من صحح باطنه بالمراقبة والإخلاص زين الله تعالى ظاهره بالمجاهدة واتباع السنة وكان رضي الله عنه يقول خيار هذه الأمة هم الذين لا تشغلهم آخرتهم عن دنياهم ولا دنياهم عن آخرتهم وأنشدوا بين يديه مرة : أنا في الغربة أبكي . . . ما بكت عين غريب لم أكن يوم خروجي . . . عن مكاني بمصيب عجبا لي ولتركي . . . وطنا فيه حبيبي فقام وتواجد حتى رق له كل من حضره وسئل رضي الله عنه عن المتوكل هل يلحقه طمع من طريق الطباع فقال خطرات لا تضره شيئا ، وكان رضي الله عنه يقول : عملت كتابا في المعرفة وأعجبت فيه فبينما أنا ذات يوم أنظر فيه مستحسنا له إذ دخل علي شاب عليه ثياب رثة فسلم علي وقال يا أبا عبد الله المعرفة حق للحق على الخلق أو حق للخلق على الحق فقلت له : حق على الخلق للحق ، فقال هو أولى أن يكشفها لمستحقها ، فقلت بل حق للخلق على الحق فقال : هو أعدل من أن يظلمهم ثم سلم علي وخرج قال الحارث : فأخذت الكتاب وحرقته وقلت لا عدت أن أتكلم في المعرفة بعد ذلك وكان رضي الله عنه يقول : أول بلية العبد تعطل القلب من ذكر الآخرة وحينئذ تحدث الغفلة في القلب وقيل لأحمد بن حنبل رضي الله عنه إن الحارث المحاسبي يتكلم في علوم الصوفية ويحتج لها بالآي والحديث فهل لك أن تسمع كلامه من حيث لا يشعر فقال : نعم فحضر معه ليلة إلى الصباح ولم ينكر من أحواله ولا من أحوال أصحابه شيئا قال لأني رأيتهم لما أذن بالمغرب تقدم فصلى ثم حضر الطعام فجعل يحدث أصحابه وهو يأكل وهذا من السنة فلما فرغوا من الطعام وغسلوا أيديهم جلس وجلس أصحابه بين يديه وقال : من أراد منكم أن يسأل عن شيء فليسأل فسألوه عن الرياء والإخلاص وعن مسائل كثيرة فأجاب عنها واستشهد عليه بالآي والحديث فلما مر جانب من الليل أمر الحارث قارئا يقرأ فقرأ فبكوا وصاحوا وانتحبوا ثم سكت القارئ فدعا الحارث بدعوات خفاف ثم قام إلى الصلاة فلما أصبحوا اعترف أحمد رضي الله عنه بفضله وقال كنت أسمع من الصوفية خلاف هذا أستغفر الله العظيم رضي الله عنه . ومنهم أبو سليمان داود بن نصير الطائي رضي الله تعالى عنه كان رضي الله عنه كبير الشأن في باب الزهد والورع حتى إنهم دخلوا عليه في مرض موته فلم يجدوا في بيته شيئا غير دن صغير فيه خبز يابس ومطهرة ولبنة كبيرة من التراب هي مخدته ، وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه : إياكم أن يتخذ أحدكم في داره أكثر من زاد الراكب إلى البلاد البعيدة وقيل له مرة دلنا على رجل نجلس إليه فنربح فقال رضي الله عنه : تلك ضالة لا توجد وكان يقول إنما يطلب العلم للعمل به أولا فأولا وإذا أفنى الطالب عمره في جمعه فمتى يعمل به . ومكث رضي الله عنه أربعا وستين سنة أعزب فقيل له كيف صبرت عن النساء قال : قاسيت شهوتهن عند إدراكي سنة ثم ذهبت شهوتهن من قلبي وكان لا يسأل الله الجنة حياء منه ويقول : وددت أن أنجو من النار فأصير رمادا وكان يقول : قد مللنا الحياة لكثرة ما نفعل من الذنوب ، وكان رضي الله عنه يقول : من علامة المريد الزهد في الدنيا وترك كل خليط يرغب فيها جملة كافية يجالسه ولا يعوده والله تعالى أعلم . ومنهم أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي رضي الله تعالى عنه كان رضي الله عنه من مشايخ خراسان له لسان في التوكل حسن الكلام ، وقيل إنه أول من تكلم في علم الأحوال بكورة خراسان . صحب إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه طريقته وهو أستاذ حاتم الأصم رحمه الله وكان رضي الله عنه يقول : عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة فأصبته في حرفين وهما قوله تعالى : ' وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى ' وكان يقول : الزاهد هو الذي يقيم زهده بفعله ، والمتزهد هو الذي يقيم زهده بلسانه وكان رضي الله عنه يقول : اتق الأغنياء فإنك متى عقدت قلبك معهم ، وطمعك فيهم فقد اتخذتهم أربابا من دون الله . وسئل بأي شيء يعرف العبد بأن نفسه اختارت الفقر على الغنى فقال : إذا صار يخاف من حصول الغنى كما كان يخاف من حصول الفقر فقد اختار الفقر . وسئل ما علامة صدق الزاهد فقال : أن يصير يفرح بكل شيء فاته من الدنيا ، ويغتم لكل شيء حصل له منها ، وكان يقول : مثل المؤمن كمثل الرجل غرس نخلة وهو يخاف أن تحمل شوكا ، ومثل المنافق كمثل رجل غرس شوكا وهو يطمع أن يحصده رطبا هيهات ، وكان يقول : لقيت إبراهيم بن أدهم بمكة فقال لي : اجتمعت بالخضر عليه السلام فقدم لي قدحا أخضر فيه رائحة السكباج فقال لي : كل يا إبراهيم فرددته عليه فقال : إني سمعت الملائكة تقول من أعطى فلم يأخذ ، سأل فلا يعطي ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا كان العالم طامعا ، وللمال جامعا فبمن يقتدي الجاهل ، وإذا كان الفقير المشهور بالفقر راغبا في الدنيا ، والتنعم بملابسها ومناكحها فبمن يقتدي الراغب حتى يخرج عن رغبته . وإذا كان الراعي هو الذئب فمن يرعى الغنم رضي الله عنه . ومنهم أبو يزيد طيفور بن عيسى البسطامي رضي الله تعالى عنه مات سنة إحدى وستين ومائتين ومن كلامه رضي الله عنه مددت ليلة رجلي في محرابي فهتف بي هاتف من يجالس الملوك ينبغي له أن يجالسهم بحسن الأدب ، وكان رضي الله عنه يقول : اختلاف العلماء رحمة إلا في تجريد التوحيد ، ولقد عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا أشق على العبد من العلم ومتابعته . وكان رضي الله عنه يقول : عرفت الله بالله ، وعرفت ما دون الله بنور الله ، وكان يقول : خلع الله على العبيد النعم ليرجعوا بها إليه فاشتغلوا بها عنه ، وكان يقول إلهي إنك خلقت هؤلاء الخلق بغير علمهم ، وقلدتهم أمانة بغير إرادتهم فإن لم تعنهم فمن يعنهم ؟ وسئل رضي الله عنه عن السنة والفريضة فقال : السنة ترك الدنيا بأسرها ، والفريضة الصحبة مع الله تعالى ، وذلك لأن السنة كلها تدل على ترك الدنيا ، والكتاب كله يدل على صحبة المولى لأن كلامه صفة من صفاته تعالى ، والنعم أزلية فيجب أن يكون لها شكر أزلي . وكان يقول رأيت رب العزة في النوم فقلت يا رب كيف أجدك فقال فارق نفسك وتعال إلي . وسئل رضي الله عنه ما صفة العارف فقال صفة أهل النار لا يموت فيها ولا يحيا وقيل له : متى يكون الرجل متواضعا ، فقال : إذا لم ير لنفسه مقاما ولا حالا ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه . وكان يقول رضي الله عنه : إن أولياء الله تعالى مخدرون عنده في جنان الأنس لا يراهم أحد في الدنيا ولا في الآخرة ، وكان يقول : حظوظ كرامات الأولياء على اختلافها تكون من أربعة أسماء الأول والآخر والظاهر والباطن ، وكل فريق له منها اسم فمن فني عنها بعد ملابستها فهو الكامل التام فأصحاب اسمه الظاهر يلاحظون عجائب قدرته ، وأصحاب اسمه الباطن يلاحظون ما يجري في السرائر وأصحاب اسمه الأول شغلهم بما سبق ، وأصحاب اسمه الآخر متربصون بما يستقبلهم . فكل يكاشف على قدر طاقته إلا من تولى الحق تعالى تدبيره ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا سئل عن المعرفة : للخلق أحوال ولا حال لعارف لأنه محيت رسومه ، وفنيت هويته لهوية غيره وعييت آثاره لآثار غيره فالعارف طيار والزاهد سيار . وكتب يحيى بن معاذ إلى أبي يزيد إنني سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب إليه أبو يزيد رضي الله عنه غيرك شرب من بحور السماوات والأرض ، وما روي بعد ، ولسانه خارج يقول هل من مزيد . ودخل إبراهيم بن شيبة الهروي يوما على أبي يزيد فقال له : أبو يزيد وقع في خاطري أني أشفع لك إلى ربي عز وجل فقال : يا أبا يزيد لو شفعك الله في جميع المخلوقين لم يكن ذلك كثيرا ، إنما هم قطعة طين فتحير أبو يزيد من جوابه ودخل على أبي يزيد عالم بلده وفقيهها يوما فقال : يا أبا يزيد علمك هذا عمن وممن ومن أين ؟ فقال أبو يزيد علمي من عطاء الله وعن الله ومن حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' من عمل بما يعلم ورثه الله علم ما لم يعلم ' فسكت الفقيه . وسئل أبو علي الجوزجاني رضي الله عنه عن الألفاظ التي تحكي عن أبي يزيد فقال رحمه الله أبو يزيد نسلم له حاله ولعله بها تكلم على حد غلبة أو حال سكر ومن أراد أن يرتقي إلى مقام أبي يزيد فليجاهد نفسه كما جاهد أبو يزيد فهناك يفهم كلام أبي يزيد والله تعالى أعلم . ومنهم أبو محمد سهل بن عبد الله رحمه الله ابن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع التستري رضي الله عنه : هو أحد أئمة القوم ومن أكابر علمائهم المتكلمين في علوم الإخلاص والرياضات وغيوب الأفعال . صحب خالدا ومحمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري عند خروجه إلى مكة في سنة ثلاث وسبعين ومائتين ومات سهل سنة ثلاث وثمانين ومائتين ، ومن كلامه رضي الله عنه الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة ، وكان رضي الله عنه يقول : ما طلعت شمس ولا غربت على أهل الأرض إلا وهم جهال الله إلا من يؤثر الله على نفسه وزوجته ودنياه وآخرته ، وأدنى الأدب أن يقف عند الجهل وآخر الأدب أن يقف عند الشبهة ، وكان يقول : إن الله مطلع على القلوب في ساعات الليل والنهار ، فأيما قلب رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس ، وكان يقول : يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وصيانة فقره وأداء فرضه ، وكان رضي الله عنه يقول الله : قبلة النية والنية قبلة القلب والقلب قبلة البدن والبدن قبلة الجوارح والجوارح قبلة الدنيا ، وكان يقول : من سلم من الظن سلم من التجسس ، ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبة سلم من الزور ومن سلم من الزور سلم من البهتان ، وكان يقول : لا يستحق الإنسان الرياسة حتى يصرف جهله عن الناس ويحمل جهلهم ويترك ما في أيديهم ويبذل ما في يده لهم ، وكان يقول : من أخلاق الصديقين ألا يحلفوا بالله لا صادقين ولا كاذبين ، ولا يغتابون ولا يغتاب عندهم ولا يشبعون بطونهم وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وكان رضي الله عنه يقول : الفتنة على ثلاثة أقسام فتنة العامة دخلت عليهم من صناعة العلم ، وفتنة الخاصة دخلت عليهم من تأخير الحق الواجب إلى وقت آخر ، وأكل الحلال ، وكف الأذى ، واجتناب المعاصي ، والتوبة وأداء الحقوق . وكان يقول : من أحب أن يطلع الناس على ما بينه وبين الله فهو غافل ، وكان يقول لقد أيس العلماء في زماننا هذا من هذه الثلاث خصال ، ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق ، وكان يقول : العيش على أربعة أقسام عيش الملائكة في الطاعة ، وعيش الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في العلم ، وانتظار الوحي وعيش الصديقين في الاقتداء ، وعيش سائر الناس عالما كان أو جاهلا زاهدا كان ، أو عابدا في الأكل والشرب والضرورة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام والقوام للصديقين ، والقوت للمؤمنين ، والمعلوم للبهائم ، وكان رضي الله عنه يقول : ما عمل عبد بما أمره الله تعالى عند فساد الأمور وتشويش الزمان واختلاف الناس في الرأي إلا جعله تعالى إماما يقتدي به هاديا مهديا ، وكان غريبا في زمانه . وسئل عن الولي فقال : هو الذي تولت أفعاله على الموافقة . وسئل عن ذات الله عز وجل فقال : ذات موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ، ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا ، وهي موجودة بحقائق الإيمان من غير حد ولا حلول وتراه العيون في العقبى ظاهرا في ملكه وقدرته ، وقد حجب سبحانه وتعالى الخلق عن معرفة كنه ذاته ودلهم عليه بآياته ، فالقلوب تعرفه والأبصار لا تدركه ، ينظر إليه المؤمنون بالأبصار من غير إحاطة ولا إدراك نهاية . وكان رضي الله عنه يقول : إن الله تعالى خلق الخلق ولم يحجبهم عنه وإنما جاءهم الحجاب من تدبيرهم واختيارهم مع الله تعالى وذلك هو الذي كدر على الخلق عيشهم وكان رضي الله عنه يقول : مخالطة الولي للناس ذل ، وتفرده عنهم عز ، وقلما رأيت وليا لله عز وجل إلا منفردا . وكان رضي الله عنه ، يقول : ما من ولي لله صحت ولايته إلا ويحضر إلى مكة في كل ليلة جمعة لا يتأخر عن ذلك وكان رضي الله عنه يقول : أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة على أولياء زماني فبلغ ذلك أبا زكريا الساجي وأبا عبد الله الزبيري فذهبا إليه فقال له : أبو عبد الله الزبيري ، وكان جسورا لأنه ضرير بلغنا عنك أنك تقول أنا حجة الله على الخلق وأنا حجة الله على أولياء زماني فبماذا صرت . هل أنت نبي أو صديق ، فقال : سهل لم أذهب حيث ظننت ولست أنا نبيا إنما قلت هذا لأنني صححت أكل الحلال دون غيري ، فقال له : وأنت صححت الحلال قال : نعم لا آكل دائما إلا حلالا ، فقال له الزبيري : وكيف ذلك ، فقال له : سهل قسمت عقلي ومعرفتي وقوتي على سبعة أجزاء ، فأترك الأكل حتى يذهب عنها ستة أجزاء ، ويبقى جزء واحد فإذا خفت أن يذهب ذلك الجزء وتتلف معه نفسي أكلت بقدر البلغة خوفا أن أكون أعنت على نفسي ولترد على الستة الأخرى . فبهذا صح لي الحلال ، فقال الزبيري : نحن لا نقدر على المداومة على هذا ، ولا نعرف أن نقسم عقولنا ومعرفتنا وقوتنا على سبعة أجزاء اعترفا بفضل سهل رضي الله عنه ، وكان يقول : يأتي على الناس زمان يذهب الحلال من أيدي أغنيائهم وتكون أموالهم من غير حلها فيسلط الله بعضهم على بعض يعني بالأذى والمرافعات عند الحكام فتذهب لذة عيشهم ويلزم قلوبهم خوف فقر الدنيا ، وخوف شماتة الأعداء ، ولا يجد لذة العيش إلا عبيدهم ومماليكهم ، وتكون ساداتهم في بلاء وشقاء وعناء وخوف من الظالمين ، ولا يستلذ بعيش يومئذ إلا منافق لا يبالي من أين أخذ ولا فيما أنفق ولا كيف أهلك نفسه ، وحينئذ تكون رتبة القراء رتبة الجهال ، وعيشهم عيش الفجار وموتهم موت أهل الحيرة والضلال ، وكان رضي الله عنه يقول : اجتمعت بشخص من أصحاب المسيح عليه الصلاة والسلام في ديار قوم عاد فسلمت عليه فرد علي السلام فرأيت عليه جبة صوف فيها طراوة ، فقال لي : إنها علي من أيام المسيح فتعجبت من ذلك فقال يا سهل ، إن الأبدان لا تخلق الثياب إنما يخلقها رائحة الذنوب ، ومطاعم السحت فقلت له : فكم لهذه الجبة عليك فقال لها على سبعمائة سنة فقلت له : هل اجتمعت بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقال : نعم وآمنت به حين آمن به الجن الذين أوحى إليه في حقهم ' قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن ' قلت ومن هنا كان الخضر عليه السلام لا تبلى له ثياب لأنه لا يعصي الله تعالى ولا يأكل حراما وكما لا يبلى لآكل الحلال ثياب فكذلك لا يبلى له جسم بعد موته كما وقع لبعض الأولياء وجدناه طريا كما وضعناه بعد سنين والله تعالى أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : إياكم ومعاداة من شهره الله تعالى بالولاية وإنه كان بالبصرة ولي الله تعالى فعاداه قوم وآذوه فغضب الله عليهم فأهلكهم أجمعين في ليلة ، وكان يقول طوبى لمن تعرف بالأولياء ، فإنه إذا عرفهم استدرك ما فاته من الطاعات ، وإن لم يستدرك شفعوا عند الله فيه لأنهم أهل الفتوة ، وكان رضي الله عنه يقول : الدنيا حرام على صفوة الله من خلقه حرم عليهم أن ينالوا منها شيئا كما حرم الله على الخلق أن يأكلوا من صيد الحرم ومن كل منه لزمته الفدية كذلك من أكل من أهل صفوته شيئا من الدنيا ليس له فدية إلا ترك الطاعات ، وكان يقول إذا قام العبد بما لله تعالى عليه ، فحقيق على الله أن يقوم بما كان العبد قائما به لنفسه ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يكن مطعمه من الحلال لم يكشف عن قلبه حجاب ، وتسارعت إليه العقبات ولا تنفعه صلاته ولا صومه ولا صدقته ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما حجب الخلق عن مشاهدة الملكوت وعن الوصول بسوء المطعم وأذى الخلق ، وكان يقول لأصحابه ما دامت النفس تطلب منكم المعصية فأدبوها بالجوع والعطش ، فإذا لم ترد منكم المعصية فأطعموها ما شاءت ، واتركوها تنام من الليل ما أحبت . وسئل رضي الله عنه عن الذي لم يأكل طعاما أياما كثيرة أين يذهب لهب جوعه فقال يطفئه نور القلب وكان رضي الله عنه يقول : حياة القلوب التي تموت بذكر الحي الذي لا يموت ، وكان رضي الله عنه يقول : من كمل إيمانه لم يخف من شيء ، سوى الله تعالى وكان يقول : خيار الناس العلماء الخائفون وخيار الخائفين المخلصون الذين وصلوا إخلاصهم بالموت رضي الله تعالى عنهم . ومنهم أبو سليمان عبد الرحمن بن عطية الداراني رضي الله تعالى عنه وداريا قرية من قرى دمشق من بني عبس وكان كبير الشأن في علوم الحقائق والورع مات سنة خمس عشرة ومائتين . ومن كلامه رضي الله عنه : لا ينبغي لفقير أن يزيد في نظافة ثيابه على نظافة قلبه بل يشاكل ظاهره باطنه قال أحمد بن أبي الحواري ، وسمعت أبا سليمان يقول يوما ليت قلبي في القلوب مثل ثوبي في الثياب قال أحمد : وكانت ثيابه وسطى ، وكان رضي الله عنه يقول : من صارع الدنيا صرعته وإذا سكنت الدنيا في قلب ترحلت الآخرة منه وقال أحمد بن أبي الحواري قلت لأبي سليمان صليت أمس صلاة في خلوة فرأيت لها لذة فقال لي وأي شيء ألذ منها قلت كونه لم يرني أحد فقال يا أحمد إنك لضعيف حيث خطر بقلبك ذكر الخلق . وسأله رجل عن أقرب ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل فقال أن يطلع الله على قلبك وأنت لا تريد في الدارين غيره وكان رضي الله عنه يقول : الدنيا تهرب من الطالب لها وتطلب الهارب منها فإن أدركت الهارب منها جرحته ، وإن أدركها الطالب لها قتلته ، وكان يقول إنما يعجب بعمله القدرية الذين يزعمون أنهم يعملون أعمالهم أما الذي يرى أنه مستعمل فبأي شيء يعجب ، وكان رضي الله عنه يقول : لو اجتمع الناس على أن يضعوني كاتضاعي عند نفسي ما قدروا عليه ومن رأى لنفسه قيمة لم يجد حلاوة الخدمة ، وقال أحمد بن أبي الحواري قال لي أبو سليمان الداراني يا أحمد ما أنجب من أنجب إلا بالقبول من المعلمين وأنا أقول لك لا تفتح أصابعك في القصعة يا أحمد عهدت ناسا يعدون الجوع فيهم غنيمة بهما تعد أنت وأصحابك الصوفية الشبع غنيمة يا أحمد كيف تنير قلوبهم وكل شيء جيدونه من الشبهات يأكلونه إني لآكل الشبهة فأجد نارا على قلبي من الجمعة إلى الجمعة . وكان يقول : إن الله تعالى يفتح للعارف على فراشه ما لا يفتح له وهو قائم يصلي ورؤي أبو سليمان بعد موته فقيل له ما فعل الله بك قال : غفر لي وما كان شيء أضر علي من إشارات القوم لما في التكلم بدقائق العلوم من التمييز على الأقران وقال أحمد بن أبي الحواري قال لي أبو سليمان رضي الله عنه يا أحمد من أكل طعام أخيه ليسره بأكله لم يضره أكله شيئا وإنما يضره إذا آكل بشهوة نفسه وذلك لأن كل شيء قصد العبد به وجه الله تعالى عاقبته حميدة وكان رضي الله عنه يقول : من صغر المؤمن في عينه استخف بحرمته ومن لم يتلاش في قلبه ذكر كل شيء يضاد ذكر الله تعالى لم يجد صفوة ذكر الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول : إذا أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فعليك بالجوع ثم اسألها وذلك لأن الأكل يغير العقل رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد الفتح بن سعيد الموصلي رضي الله تعالى عنه وهو من أقران بشر بن الحارث والسري السقطي وكان كبير الشأن في باب الورع والمعاملات ومن كلامه رضي الله عنه من أدام ذكر الله تعالى بقلبه أورثه ذلك الفرح بالمحبوب ومن آثره على هواه أورثه ذلك حبه إياه ومن اشتاق إلى الله زهد فيما سواه وكان يقول القلب إذا منع من الطعام والشراب يموت ولو على طول . وسأل رجل المعافى بن عمران هل كان لفتح الموصلي رضي الله عنه كبير عمل فقال كفاك بعمله تركه للدنيا رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الرحمن حاتم بن علوان الأصم رضي الله تعالى عنه هو من قدماء المشايخ بخراسان من أهل بلخ صحب شقيقا البلخي وهو أستاذ أحمد بن حضرويه مات أبو عبد الرحمن سنة سبع وثلاثين ومائتين ودفن عند رباط يقال له سروند على جبل فوق واشجرد . ومن كلامه رضي الله عنه إذا رأيت المريد يريد غير مراده فاعلم أنه قد أظهر بذلته وقد مكر به ، وكان رضي الله عنه يقول : من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى خشية الله تعالى من غير ورع عن محارمه فهو كذاب ، ومن ادعى حب الجنة من غير إنفاق ماله في طاعة الله فهو كذاب ، ومن ادعى محبة النبي صلى الله عليه وسلم من غير محبة الفقر فهو كذاب ، وأرسل عصام بن يوسف رحمه الله شيئا إلى حاتم فقبله فقيل له لم قبلته فقال رأيت أن في قبوله ذل نفسي وفي رده عزها وكان يقول : مررت براهب فقال لي : من أين أنت فقلت من بلخ فقال : مع من كنت تجلس فقلت كنت أجالس شقيقا البلخي فقال : أيش سمعته يقول : فقلت سمعته يقول لو أن السماء من نحاس والأرض من حديد فلا السماء تمطر قطرة ، ولا الأرض تنبت حبة ، وكان عيالي ملء ما بين الخافقين ، لم أبال فقال الراهب هذا رجل سوء لا ينبغي الجلوس إليه فقلت لم فقال : لأنه يفكر فيما لم يكن كيف لو كان إنما ينبغي له أن يفكر فيما كان كيف كان لا تجالسه فإنه فاسد الفكر . ودخل حاتم محمد بن مقاتل عالم الري يعوده فرأى داره واسعة وفرشه وطيئة وغلمانا وخدما بين يديه فلم يسلم عليه وقال له يا محمد بمن اقتديت في بناء بيتك هذا وفرشك هذه وأمتعتك هذه أنا لنبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين والأئمة ، والصالحين أم بفرعون ونمروذ فسكت محمد فقال حاتم يا علماء السوء إنما مثلكم مثل الجاهل المتكالب على الدنيا الراغب فيها لا مثل العلماء العاملين بل أنتم فساد للعامة يقولون : إذا كان هذا محمد العالم على هذا الحال فأنا تبع له فازداد محمد بن مقاتل مرضا على مرضه من كلام حاتم رضي الله عنه ، ثم قال حاتم رضي الله عنه لمحمد أنا رجل أعجمي أريد منك أن تعلمني كيف الوضوء للصلاة فقال له توضأ ، وأنا أنظر فغسل حاتم ثلاثا في المضمضة والاستنشاق فلما جاء يده اليسرى غسل يده أربعا فقال له : أسرفت في غسل ذراعك أربعا فقال حاتم : سبحان الله تنكر على الإسراف في كف ماء ولا تنكر على نفسك في إسرافك في جميع ما أنت فيه فعلم محمد أن حاتما إنما قصد بطلبه تعليم الوضوء هذه القضية فتنبه لنفسه وخرج من دار وغلمانه ولحق بالفقراء رضي الله عنهم أجمعين . ؟ ومنهم أبو زكريا يحيى بن معاذ بن جعفر الواعظ الرازي رضي الله عنه كان أوحد وقته في زمانه ، له لسان في الرجاء خصوصا وكلام في المعرفة . أقام ببلخ مدة ثم عاد إلى نيسابور ومات بها سنة ثمان وخمسين ومائتين . ومن كلامه رضي الله عنه كيف يكون زاهدا من لا ورع له . تورع عما ليس لك ثم ازهد فيما لك وكان رضي الله عنه يقول : على قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق ، وكان يقول : جميع الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة فكيف تغتم عمرك فيها مع قلة نصيبك منها ، وكان يقول الزاهدون غرباء في الدنيا ، والعارفون غرباء في الآخرة ، وكان يقول لأصحابه اجتنبوا صحبة ثلاثة أصناف من الناس العلماء الغافلون ، والقراء المداهنون ، والمتصوفة الجاهلون الذين يتعبدون قبل تعلمهم فروض دينهم وكان يقول : من لم ينتفع بأفعال شيخه لم ينتفع بأقواله . وكان يقول لا يزال دين العبد متمزقا ما دام قلبه بحب الدنيا متعلقا وكان يقول : الجوع نور ، والشبع نار والشهوة الحطب يتولد منه الإحراق فلا تنطفئ ناره حتى يحرق صاحبه ، وكان رضي الله عنه يقول : ليس الصوف حانوت ، والكلام في الزهد حرفة ، وكان يقول : الولي لا يرائي ولا ينافق وما أقل صديقا هذا خلقه وكان يقول : الولي ريحان الله في الأرض يشمه الصديقون فتصل رائحته إلى قلوبهم فيشتاقون به إلى مولاهم ويزدادون برؤيته عبادة وكان يقول : بئس الأخ أخ تحتاج أن تقول له ادع لي وبئس الأخ أخ تحتاج أن تعتذر إليه عند زلتك وكان رضي الله عنه يقول : العلماء العاملون أرأف بأمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم قيل له : كيف ذلك قال : لأن آباءهم وأمهاتهم يحفظونهم من نار الدنيا والعلماء يحفظونهم من نار الآخرة وأهوالها وكان يقول : من صحب الأولياء بصدق ألهاه ذلك عن أهله وماله وعن جميع الاشتغال فماذا صح له ذلك معهم ترقى إلى مقام الاشتغال بالله فاشتغل به عمن سواه وإن لم يصح له هذا المقام مع الأولياء لا يشم رائحة الاشتغال بالله أبدا وكان رضي الله عنه يقول : العامة يحتاجون إلى أهل العلم في الجنة كما في الدنيا فقيل له كيف فقال : يقال للعامة في الجنة تمنوا فلا يدرون ما يقولون فيقولون نرجع لأهل العلم فنسألهم فيكون ذلك تمام مكرمة لأهل العلم ، وكان رضي الله عنه يقول : إياكم والركون إلى دار الدنيا فإنها دار ممر لا دار مقر الزاد منها والمقيل في غيرها . وكان يقول : لو أن رجلا في علم ابن عباس وهو راغب في الدنيا لنهيت الناس عن مجالسته فإنه لا ينصحك من خان نفسه وكان يقول : مثل الأولياء مثل الصيادين يصطادون العباد من أفواه الشياطين ولو لم يصد الوالي طول عمره إلا واحدا لكان قد أوتي خيرا كثيرا وكان يقول طلب الزهد فرارا من مشقة الأعمال الشاقة بطالة ولبس الصوف من غير إماتة النفس جهالة وترك المكاسب مع الحاجة إليها كسل والكسل مع وجود الاستغناء عنه كلفة والصبر على العزلة علامة وجود الطريق والتعبد مع تضييع العيال جهل وكان يقول : كم بين من يريد حضور الوليمة للوليمة وبين من يريد حضور الوليمة ليلتقي الحبيب في الوليمة وكان يقول : محاربة الصديقين لنفوسهم مع الخطرات ومحاربة الأبدال مع الفكرات ، ومحاربة الزهاد مع الشهوات ، ومحاربة التائبين مع الزلات ، وكان رضي الله عنه يقول في دعائه : إلهي لا أقوى على شروط التوبة فاغفر لي بلا توبة ، وكان يقول : لا يكون الرجل حليما حتى يلحظ النساء بعين الشفقة لا بعين الشهوة ، وكان يقول جالسوا الذاكرين فإنهم ملازمون باب الملك رضي الله عنهم . ومنهم أبو حامد أحمد بن حضرويه البلخي رضي الله تعالى عنه هو من أكابر مشايخ خراسان صحب أبا تراب النخشبي وحاتما الأصم ورحل إلى أبي يزيد البسطامي وزار أبا حفص الحداد ، وهو من المشهورين بالفتوة مات سنة أربعين ومائتين رحمه الله تعالى . ومن كلامه رضي الله عنه : ولي الله لا يرسم نفسه بسيما ولا يكون له اسم يتسمى به وكان يقول : من صبر على صبر فهو الصابر لا من صبر وشكا ، وكان يقول : بلغني أن شخصا من الأغنياء طلب زيارة شخص من الزهاد فدخل عليه فرآه يفطر في رمضان على خبز الشعير والملح فرجع التاجر إلى داره وأرسل للزاهد ألف دينار فردها وقال لغلامه : قل لمولاك هنا جزاء من أفشى سره على مثلك رضي الله عنهم . ومنهم أبو الحسين أحمد بن أبي الحواري رضي الله تعالى عنه ورحمه واسم أبي الحواري ميمون من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وجماعة من المشايخ . مات سنة ثلاثين ومائتين رضي الله عنه وكان الجنيد رحمه الله تعالى يقول أحمد بن أبي الحواري ريحانة الشام . ومن كلامه رضي الله عنه الدنيا مزبلة ومجمع الكلاب وأقل من الكلاب من علق عليها وخاصم أصحابه لأجلها ، فإن الكلب يأخذ منها حاجته وينصرف ، والمحب لها لا يتركها بحال وكلما بلغ منها مبلغا طلب ما بعده ، وكان رضي الله عنه يقول : علمني الخضر عليه السلام رقية للوجع فقال : إذا أصابك وجع فضع يدك على الموضع وقل : ' وبالحق أنزلنا هو بالحق نزل ' ، ' الإسراء : 105 ' فلم أزل أقولها على الوجع فيذهب لساعته وكان إذا اطلع أحد على شيء من أخلاقه الحسنة يلوم نفسه ويقول ما هذه الغفلة حتى ظهرت محاسنك للناس رضي الله عنه . ومنهم أبو حفص عمر بن سالم الحداد النيسابوري رضي الله عنه من قرية يقال لها كورذباذ بباب مدينة نيسابور على طريق بخارى . صحب عبد الله المهدي والنصر أباذي ورافق أحمد بن حضرويه البلخي وإليه ينتمي شاه بن شجاع الكرماني وكان أوحد الأئمة والسادة ومن كبار المشايخ المشار إليهم ، مات سنة سبعين ومائتين ، وكان إذا ذكر الله تعالى تغير عليه الحال ، حتى يعرف ذلك منه جميع من حضره . وكان رضي الله عنه يقول : من هوان الدنيا على أني لا أبخل بها على أحد وقيل له إن فلانا من أصحابك يدور حول السماع فإذا سمع بكى وصاح ومزق ثيابه ، فقال : أيش يعمل الغريق يتعلق بكل شيء يظن فيه نجاته ، وكان رضي الله عنه يقول : حرست قلبي عشرين سنة ثم وردت حالة فصرنا فيها جميعا محروسين وكان يقول : ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء ولمحه بقلبه وسئل مرة عن الولي فقال هو من أيد بالكرامات وغيب عن البدع ، وسئل مرة عن آداب الفقراء فقال : هو حفظ حرمات المشايخ وحسن العشرة مع الإخوان والنصيحة للأصاغر ، وترك الخصومات في الأرفاق وملازمة الإيثار ، ومجانبة الادخار وترك صحبة من ليس على طريقهم ، ومعاونة الإخوان في أمر دنياهم وآخرتهم فاعرض هذه الصفات على نفسك فإن وفيت بها فأنت فقير . وكان يقول كثيرا فساد الأحوال دخل من ثلاثة أشياء : فسق العارفين ، وخيانة المحبين ، وكذب المريدين قال أبو عثمان الحيري : فسق العارفين : إطلاق الطرف واللسان والسمع لأسباب الدنيا ومنافعها وخيانة المحبين : اختيار أهويتهم على رضا الله فيما يستقبلهم وكذب المريدين : أن يكون ذكر الخلق ورؤيتهم أغلب على قلوبهم من ذكر الله عز وجل ورؤيته ، وكان يقول : إذا رأيت ضوء الفقير في ثيابه فلا ترجو خيره رضي الله عنه . ومنهم أبو تراب عسكر بن الحسين النخشبي رضي الله تعالى عنه صحب حاتما الأصم وأبا حاتم العطار وهو من أجله مشايخ خراسان وكبارهم المشهورين بالعلم والفتوة والزهد والتوكل والورع . مات رحمه الله تعالى بالبادية فنهشته السباع سنة خمس وأربعين ومائتين . ومن كلامه رضي الله عنه : إن الله عز وجل ينطق العلماء في كل زمان بما يشاكل أعمال ذلك الزمان وكان رضي الله عنه يقول : من شغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعتها وكان يقول لا أعلم شيئا أضر بالمريدين من أسفارهم على متابعة نفوسهم بغير إذن أستاذهم ، وما فسد مريد إلا بالأسفار ومعاشرة الأضداد ، وكان يقول : لا ينبغي لفقير قط أن يضيف إلى نفسه شيئا من المال قط ألا ترى إلى موسى عليه السلام حيث قال : هي عصاي ، وادعى الملك لها قال الله عز وجل : ' ألق عصاك ' ' النمل : 10 ' فلما قلب العين فيها لجأ وهرب فقيل ارجع ولا تخف ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رجلا بالبادية فقلت له من أنت فقال أنا خضر الموكل بالأولياء أرد قلوبهم إذا شردت عن الله عز وجل يا أبا تراب التلف في أول قدم والنجاة في آخر قدم رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد عبد الله بن حنيف الأنطاكي رضي الله تعالى عنه صحب يوسف بن أسباط وهو من زهاد الصوفية الأكياس في أكل الحلال والورعين في جميع لأحوال ، أصله من الكوفة وطريقته في التصوف طريقة الثوري رضي الله عنه فإنه صحب صحابه رضي الله عنهم . ومن كلامه رضي الله عنه : إذا دنا الرجل القارئ من المعصية ناداه القرآن من صدره والله ما لهذا حملتني فلو أن العاصي سمع ذلك الصوت لمات حياء من الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : بلغنا أن حبرا من أحبار بني إسرائيل كان يقول : يا رب كم أعصيك ولم تعاقبني فأوحى الله تعالى إلى نبي من بني إسرائيل قل لفلان كم أعاقبك وأنت لا تدري ألم أسلبك حلاوة مناجاتي . وكان يقول : أنت لا تطيع من يحسن إليك فكيف تحسن إلى من يسيء إليك رضي الله عنه . ؟ ومنهم أبو علي أحمد بن عاصم الأنطاكي رضي الله عنه هو من أقران بشر بن الحارث الحافي والسري السقطي والحارث المحاسبي وكان أبو سليمان الداراني يسميه جاسوس القلوب لحدة فراسته رضي الله عنه وكان يقول : ما كنت أظن إني أدرك زمانا يعود الإسلام فيه غريبا فقيل له : وهل عاد الإسلام غريبا قال : نعم إن ترغب فيه إلى عالم تجده مفتونا بالدنيا يحب الرياسة والتعظيم ، ويكل الدنيا بعلمه ويقول : أنا أولى بها من غيري وإن تركب فيه إلى عابد معتزل في جبل تجده مفتونا جاهلا في عبادته مخدوعا لنفسه ولإبليس قد صعد إلى أعلى درجات العبادة ، وهو جاهل بأدناها فكيف بأعلاها فقد صارت العلماء والعباد سباعا ضاربة وذئابا مختلسة فهذا وصف أهل زمانك من أهل العلم والقرآن ورعاة الحكمة ' فاعتبروا يا أولي الأبصار ' وكان رضي الله عنه يقول : إذا جالستم أهل الصدق من الفقراء فجالسوهم بالصدق فإنهم جواسيس القلوب يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها وأنتم لا تشعرون رضي الله عنه . ومنهم منصور بن عمار الواعظ رضي الله تعالى عنه ورحمه هو من أهل مرو وأقام بالبصرة وكان من أحسن الواعظين ومن حكماء المشايخ كبير الشأن في التقلل والورع . كان رضي الله عنه يقول : إذا سخر الشيطان برجل ، جعله ينقل إلى الناس النميمة والقاذورات ، ولو أن إبليس كان يهابه ما حمله شيئا من ذلك وكان رضي الله عنه يقول : سبحان من جعل قلوب العارفين أوعية للذكر وقلوب أهل الدنيا أوعية للطمع ، وقلوب الفقراء أوعية للقناعة ، وكان يقول عجبت للقراء كيف يهجرون إخوانهم سنين على زلة وقعت ولا يحملونهم على القناعة والتوبة ، وإذا رأوا ظالما يأخذ ما لا بغير حق ثم يتوارى عنهم بجدار يقولون هذا حلال لاحتمال أن يكون بدله بغيره ولا يرون أن ذلك الواقع في الزلة تاب عن زلته بعد مدة والقاعدة واحدة رضي الله عنه . ومنهم حمدون بن أحمد القصار النيسابوري رضي الله تعالى عنه ورحمه وهو شيخ الملامتية بنيسابور ومنه انتشر مذهب الملامتية . صحب أبا تراب النخشبي والنصراباذي رضي الله عنهما وكان فقيها عالما يذهب مذهب الثوري رضي الله عنه وطريقته لم يأخذها عنه أحد من أصحابه كأخذ عبد الله بن محمد بن منازل صاحبه . مات حمدون سنة إحدى وسبعين ومائتين بنيسابور ودفن في مقبرة الحيدة ، وكان رضي الله عنه يقول : من ظن أن نفسه خير من نفس فرعون فقد أظهر الكبر ، وكان يقول : من نظر في سير السلف عرف تقصيره ، وتخلفه عن درجات الرجال وقيل له ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا فقال : لأنهم تكلموا لعز الإسلام ونجاة النفوس ورضا الرحمن ونحن نتكلم لعز النفوس ، وطلب الدنيا واعتقاد الخلائق لنا ، وكان يقول للفقهاء إذا أشكل عليكم علم فاسألوا عنه القوم لكن بذل النفوس وإظهار الضعف والاعتراف بالجهل يزيل عنكم الإشكال ، وكان رضي الله عنه يقول جمال الفقير في تواضعه فإذا تكبر فقد زاد على الأغنياء في الكبر وكان رضي الله عنه يقول : إذا صحبت فاصحب الصوفية فإن للقبيح عندهم وجوها من المعاذير وليس للحسن عندهم كبير موقع يعظمونك به رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن المقرئ رضي الله تعالى عنه كان يقول : لو عمل قارئ القرآن بالقرآن لم تحرقه نار الدنيا وكان يقول : يقبح على قارئ القرآن أن يعصي الله ولو مرة في عمره وكان يقول : أعظم الكبائر فساد العلماء ، وأشد المصائب زنا القراء ، وكان رضي الله عنه يقول : يأتي القرآن يوم القيامة ، وحوله المخلصون كالجمال البخت ويدور حوله قوم آخرون فيقول لهم : سحقا أضعتموني في الدنيا فلا تصحبوني في الآخرة . ومنهم السيد عبد الله من أولاد إبراهيم بن الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان رضي الله عنه يقول : رأيت جدي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله من أقرب الناس إليك من أمتك ؟ فقال : من ترك الدنيا وراء ظهره وجعل الآخرة نصب عينيه ولقيني وكتابه مطهر من الذنوب . ومات رضي الله عنه ودفن بالقرب من الإمام الليثي رضى الله عنه . ومنهم سيد الطائفة أبو القاسم الجنيد بن محمد الزجاج رضي الله عنه كان أبوه يبيع الزجاج فلذلك يقال له القواريري ، أصله من نهاوند مولده ومنشؤه بالعراق وكان فقيها يفتي الناس على مذهب أبي ثور صاحب الإمام الشافعي وراوي مذهبه القديم . صحب خاله السري السقطي والحارث المحاسبي ومحمد بن علي القصاب وكان من كبار أئمة القوم وسادتهم وكلامه مقبول على جميع الألسنة . مات رضي الله عنه يوم السبت سنة سبع وتسعين ومائتين وقبره ببغداد طاهر يزوره الخاص والعام . ومن كلامه رضي الله عنه : إن الله يخلص إلى القلوب من بره على حسب ما تخلص إليه القلوب من ذكره فانظر ماذا خالط قلبك ، وكان يقول : التصوف هو صفاء المعاملة مع الله تعالى ، وأصله الصرف عن الدنيا كما قال حارثة صرفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكان رضي الله عنه يقول : الغفلة عن الله تعالى أشد من دخول النار ، وكان يقول : إذا رأيت الفقير فلا تبدأه بالعلم وأبدأه بالرفق فإن العلم يوحشه ، والرفق يؤنسه ، وكان يقول : كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عن حضور وكلام الصديقين إشارات عن مشاهدات ، وكان يقول : من أشبار إلى الله تعالى وسكن إلى غيره ابتلاه بالمحن وحجب ذكره عن قلبه وأجراه على لسانه ، فإن انتبه وانقطع إلى الله وحده كشف الله عنه المحن وإن دام على السكون إلى غيره نزع الله من قلوب الخلائق الرحمة عليه ، وألبسه لباس الطمع فيهم فتزداد مطالبته منهم مع فقدان الرحمة من قلوبهم ، فيصير حياته عجزا وموته كمدا وآخرته أسفا ، ونحن نعوذ بالله من الركون إلى غير الله ، وكان يقول : أكثر الناس علما بالآفات أكثرهم آفات . وسئل رضي الله عنه عن العارف فقال : إن لون الماء لون إنائه أي هو بحكم وقته ، وكان يقول : مكابدة العزلة أيسر من مداراة الخلطة ، وسئل عن قرب الله تعالى ؟ فقال : بعيد بلا اقتراب قريب بلا التزاق وكان يقول . : من أراد أن يسلم له دينه ويستريح بدنه وقلبه فلا يلق الناس فإن هذا زمان وحشة فالعاقل من اختار فيه العزلة ، وجاءه رجل مرة بخمسمائة دينار فوضعها بين يديه وقال فرقها على جماعتك فقال : ألك مال غير هذا قال نعم قال : أتطلب زيادة على ما عندك قال : نعم فقال له الجنيد : خذها فإنك إليها أحوج منا ولم يقبلها ، وكان رضي الله عنة يقول : السكر فيه علة لأن الشاكر طالب لنفسه به المزيد فهو واقف مع الله تعالى على حظ نفسه بالشكر ، ولكن الشكر ألا ترى نفسك أهلا للرحمة ، وكان رضي الله عنه يقول : المريد الصادق غني عن علم العلماء وإذا أراد الله بالمريد خيرا أوقعه إلى الصوفية ومنعه صحبة القراء وكان يقول : التصوف أن تكون مع الله تعالى بلا علاقة وتارة يقول : هو عنوة لا صلح فيها ، وتارة يقول : هم أهل بيت لا يدخل معهم غيرهم وكان رضي الله عنه يقول : إذا رأيت الصوفي يعبأ بظاهره فاعلم أن باطنه خراب وكان يقول : لقيت إبليس يمشي في السوق عريانا وبيده كسرة خبز يأكلها فقلت له : أما تستحي من الناس فقال : يا أبا القاسم وهل بقي على وجه الأرض أحد يستحي منه من كان يستحي منهم تحت التراب قد أكلهم الثرى . وسئل رضي الله عنه مرة عن التوحيد الخالص فقال : أن يرجح العبد إلى قوله فيكون كما كان قبل أن يكون وكان يقول التوحيد الذي انفرد به الصوفية هو إفراد القدم عن الحدث والخروج عن الأوطان وقطع المحارب وترك ما علم وجهل ويكون الحق مكان الجميع ، وكان رضي الله عنه يقول : علم التوحيد قد طوى بساطه منه عشرين سنة ، والناس يتكلمون في حواشيه ، وسئل عن الإنسان يكون هادئا فإذا سمع السماع اضطرب فقال : إن الله تعالى لما خاطب الذرية في الميثاق الأول بقوله : ' ألست بربكهم ' ' الأعراف : 172 ' استقرأت عذوبة سماع كلام الأرواح فإذا سمعوا السماع حركهم ذكر ذلك وكان رضي الله عنه يقول : تنزل الرحمة على الفقراء في ثلاثة مواطن عند السماع فإنهم يسمعون إلا من حق ، ولا يقومون إلا عن وجد وعند أكل الطعام فإنهم لا يأكلون إلا عن فاقة ، وعند مجاراة العلم فإنهم لا يذكرون إلا أحوال الأولياء . وكان رضي الله عنه يقول : دخلت يوما على السري فوجدت عنده رجلا مغشيا عليه فقلت له ماله فقال : سمع آية من كتاب الله تعالى فقلت له : يقرأ عليه الآية مرة أخرى فقرئت فأفاق الرجل فقال السري : من أين علمت هذا ؟ فقلت له : إن قميص يوسف عليه السلام ذهب بسببه عينا يعقوب عليه السلام ثم عاد بصره به فاستحسن ذلك مني . وكان يقول : مبنى التصوف على أخلاق ثمانية من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : السخاء وهو لإبراهيم ، والرضا وهو لإسحاق ، والصبر وهو لأيوب والإشارة وهي لزكريا . والغربة وهي ليحيى ، ولبس الصوف وهو لموسى ، والسياحة وهي لعيسى ، والفقر وهو لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين . وحكي أنه لما حضرته الوفاة أوصى أن يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من علمه فقيل له ولم ذلك فقال : أحببت أن لا يراني الله تعالى وقد تركت شيئا منسوبا إلي وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر الناس وكان يقول لا تصفو القلوب لعلم الآخرة إلا إذا تجردت من الدنيا فانظر في ابتداء أمرك على إخراج الدنيا من سرك واحذر أن لا يبقى عليك منها دفين هوى كامن فيك فيوقفك ذلك عن النفاذ والترقي ولا يقدر شيخك ينقلك عن ذلك خطوة ما دمت كذلك فاسمع له وأطع . وسئل رضي الله عنه عن المعرفة بالله هل هي كسب ضرورة فقال رضي الله عنه : رأيت الأشياء تدرك بشيئين فما كان منها حاضرا فبالحسن ، وما كان منها غائبا فبالدليل ، ولما كان الحق تعالى غير باد لحواسنا كانت معرفته بالدليل والفحص إذ كنا لا نعلم الغيب والغائب إلا بالدليل ولا نعلم الحاضر إلا بالحس ، وكان رضي الله عنه يقول : ما رأيت أحدا عظم الدنيا فقرت عينه فيها أبدا إنما تقر فيها عين من حقرها ، وأعرض عنها ، وكان يقول : من فتح على نفسه باب نية حسنة فتح الله عليه سبعين بابا من التوفيق ، ومن فتح على نفسه باب نية سيئة ، فتح الله عليه سبعين بابا من الخذلان من حيث لا يشعر ، وكان رضي الله عنه يقول : ما احتشم صاحب من صاحبه أن يسأله حاجة إلا لنقص في أحدهما وكان يقول : إن للعلم ثمنا فلا تعطوه حتى تأخذوا ثمنه قيل له وما ثمنه قال : وضعه عند من يحسن حمله ولا يضيعه . وقيل له مرة ما بال أصحابك يأكلون كثيرا فقال : لأنهم يجوعون كثيرا قيل له : فما بالهم لا تهمهم قوة شهوة فقال : لأنهم لم يذوقوا طعم الزنا ويأكلون الحلال قيل له : فما بالهم إذا سمعوا القرآن لا يطربون قال : وأي شيء في القرآن يطرب في الدنيا القرآن حق نزل من عند حق لا يليق بصفات الخلق عند كل حرف منه على الخلق واجب لا يخرجهم منه إلا الوفاء لله عز وجل به ، فإذا سمعوه في الآخرة من قائله أطربهم قيل له : فما بالهم يسمعون القصائد والأشعار والغناء فيطربون ، فقال : لأنها مما عملت أيديهم ولأنه كلام المحبين قيل له : فما بالهم محرومين من أموال الناس فقال : لأن الله تعالى لا يرضى لهم ما في أيدي الناس لئلا يميلوا إلى الخلق فيقطعوا عن الحق تعالى فأفرد القصد منهم إليه اعتناء بهم . ولما حضرته الوفاة دخل عليه أبو محمد الجريري رضي الله عنه فقال : ألك حاجة قال : نعم إذا مت فغسلني وكفني وصل علي فبكى الجريري وبكى الناس معه ثم قال له الجنيد وحاجة أخرى فقال : وما هي فقال : تتخذ لأصحابنا طعام الوليمة ، فإذا انصرفوا من الجنازة رجعوا إلى ذلك حتى لا يقع لهم تشتيت ، فبكى الجريري ثم قال والله لئن فقدنا هاتين العينين ما اجتمع منا اثنان أبدا قال أبو جعفر الفرغاني فكان والله كذلك الأمر بعد وفاة الجنيد وإنما كان كذلك الاجتماع ببركة الشيخ ورؤيته رضي الله عنه . قال الجريري وكان في جوار الجنيد رجل مصاب في خربة فلما مات الجنيد رحمه الله تعالى ودفناه ورجعنا من جنازته تقدمنا ذلك المصاب فصعد موضعا عاليا وقال يا أبا محمد أتراني أرجع إلى تلك الخربة وقد فقدت ذلك السيد ثم أنشأ يقول : واأسفي من فراق قوم . . . هم المصابيح والحصون والمدن والمزن والرواسي . . . والخير والأمن والسكون لم تتغير لنا الليالي . . . حتى توفتهم المنون فكل جمر لنا قلوب . . . وكل ماء لنا عيون قال ثم غاب عنا فكان ذلك آخر العهد به رضي الله تعالى عنه . ومنهم أبو عثمان الحيري النيسابوري رضي الله تعالى عنه ورحمه أصله من الري صحب قديما يحيى بن معاذ الرازي وشاه بن شجاع الكرماني ثم رحل إلى نيسابور قاصدا أبا حفص الحداد رضي الله عنه فزوجه ابنته وأخذ عنه طريقته وكان رضي الله عنه أوحد المشايخ في سيرته ومنه انتشرت طريقة التصوف في نيسابور . مات رحمه الله سنة ثمان وتسعين ومائتين بنيسابور . ومن كلامه رضي الله عنه : لا يكمل الرجل حتى يستوي في قلبه أربعة أشياء المنع والعطاء والذل والعز وكان رضي الله عنه يقول : صحبت أبا حفص الحداد وأنا شاب فطردني مرة وقال : لا تجلس عندي فقمت ولم أوله ظهري ، فانصرفت إلى ورائي ووجهي إلى وجهه حتى غبت عنه وجعلت في نفسي أن أحتفر حفيرة على بابه ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى مني ذلك أدناني وجعلني من خواص أصحابه . وكان رضي الله عنه يقول : أصل العداوة من ثلاثة أشياء الطمع في المال وفي إكرام الناس وفي قبول الناس وكان يقول : الخوف من الله تعالى يوصلك إلى الله ، والكبر والعجب في نفسك يقطعك عن الله عز وجل ، واحتقار الناس في نفسك مرض عظيم لا يداوى ، وكان يقول أنت في سجن ما تبعت مرادك فإذا فوضت وسلمت استرحت ، وكان يقول : اصحبوا الأغنياء بالتعزز ، والفقراء بالتذلل ، فإن التعزز على الأغنياء تواضع والتذلل للفقراء شرف ، وقيل له : هل يمكن العاقل أن يقيم العذر لمن ظلمه فقال : نعم يعلم أن الله تعالى هو الذي سلطه عليه ، وكان يقول : من صحب أولياء الله تعالى وفق للوصول إلى الطريق إلى الله تعالى وكان يقول : لا يرى أحد عيب نفسه وهو يستحسن من نفسه شيئا وإنما يرى عيوب نفسه من يتهمها في جميع الأحوال . وكان رضي الله عنه يقول : الزهد في الدنيا هو ألا يبالي بمن أخذها وكان يقول : إن الله تعالى يعطي الزاهد فوق ما يريد ويعطي المستقيم موافقة ما يريد ، وكان يقول : من لم تصح إرادته لا تزيده الأيام إلا إدبارا عن الطريق طوعا أو كرها وكان رضي الله عنه يقول : إذا صحت المحبة تأكد على المحب ملازمة الأدب . وكان يقول : السماع على ثلاثة أقام : قسم منها للمبتدئين والمريدين يستدعون بذلك الأحوال الشريفة ولكن يخشى عليهم في ذلك الفتنة والرياء . والقسم الثاني للصادقين يطلبون به الزيادة في أحوالهم ويسمعون من ذلك ما وافق أوقاتهم . والقسم الثالث لأهل الاستقامة من العارفين رضي الله عنهم . ومنهم أبو الحسين أحمد بن محمد النوري رحمه الله تعالى ورضي عنه بغدادي المنشأ والمولد يعرف بابن البغوي وكان من جملة المشايخ وعلماء القوم لم يكن في وقته أحسن طريقة منه ولا ألطف كلاما منه ، صحب سريا السقطي ومحمد بن القصاب وكان من أقران الجنيد رحمه الله تعالى . مات سنة خمس وتسعين ومائتين . وكان يقول : أعز الأشياء في زماننا هذا شيئان عالم يعمل بعلمه وعارف ينطق عن حقيقة وكان يقول : الجمع بالحق تفرقة عن غيره والتفرقة عن غيره جمع به ، وكان يقول : ليس التصوف رسوما ولا علوما وإنما هو أخلاق ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يعرف الله تعالى في الدنيا لم يعرفه في الآخرة وكان يقول منذ عرفت ربي ما اشتبهت شيئا ولا استحسنت شيئا وكان يقول : من رأيته يركن إلى غير أبناء جنسه ويخالطهم فلا تقربن منه ومن رأيته يسمع القصائد ويميل إلى الرفاهية فلا ترج خيره ومن رأيته من الفقراء غافل القلب عند السماع فاتهمه وكان يقول : لكل شيء عقوبة وعقوبة العارف انقطاعه عن الذكر ، وكان يقول : هذا زمان المعروف فيه زلل والصواب فيه خطأ والوداد فيه دخل ولما وقع بينه وبين المعتضد ما وقع خرج إلى البصرة فأقام بها إلى أن توفي المعتضد بالله خوفا أن يسأل الشفاعة إليه في حاجة ، فلما مات المعتضد عاد النوري إلى بغداد . وأصل الوقعة أنه مر عليه أذنان من خمر فكسرها ، فحملوه إلى المعتضد فقال له المعتضد : من أنت وكان يسفه قبل كلامه فقال : محتسب فقال : من ولاك الحسبة قال : الذي ولاك الخلافة وأغلظ عليه القول ثم خرج من بلاده وكان يقول : وقفت على شيخ يضرب بالسياط فعددت عليه ألفا وهو ساكت فاستحسنت صبره مع كبر سنه فلما أدخل الرجل الحبس دخلت عليه فسألته عن صبره مع كبر سنه فقال : يا أخي إنما يحمل البلاء الهمم لا الأجسام قال التفليسي رحمه الله تعالى : وكان النوري إذا دخل مسجد الشونيزية انقطع ضوء السراج من ضياء وجهه ، فلذلك سمي النوري قال وكان إذا حضر معنا لا تؤذينا البراغيث رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن يحيى بن الجلاء رحمه الله تعالى ويقال أحمد وهو الأصح بغدادي الأصل أقام بالرملة ودمشق وكان من جملة المشايخ بالشام صحب أبان وذا النون المصري وأبا عبيد البسري وكان عالما وهو أستاذ محمد بن داود الرقي . ومن كلامه رضي الله عنه : من استوى عنده الذم والمدح فهو زاهد ، ومن حافظ على الفرائض في أول وقتها فهو عابد ، ومن رأى الأفعال كلها من الله سبحانه وتعالى فهو موحد ، وقيل له : ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد فقال : هذا من فعل رجال الله ، قيل فإن مات قال الدية على القاتل وكان يقول : من غيرة الحق تعالى أنه لم يجمل لأحد عليه طريقا ، ولم يؤيس أحدا من الوصول إليه وترك الخلق في مفازة البحر يركضون في بحار الظن يغرقون ، فمن ظن أنه واصل فاصله ومن ظن أنه فاصل واصله فلا وصول إليه ولا مهرب عنه ولا بد منه ، وكان يقول من علت همته على الأكوان وصلى إلى مكونها ومن وقف نفسه على شيء سوى الحق تعالى لأنه أعز من أن يرضى معه شريكا وكان رضي الله عنه يقول : لو أن رجلا عصى الله تعالى بين يدي ثم استتر عني بجدار لم يسعني من الله تعالى أن أعتقد عدم توبته لاحتمال أنه تاب رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد رويم بن أحمد رضي الله تعالى عنه هو بغدادي الأصل من جملة مشايخ بغداد وكان فقيها على مذهب داود الأصفهاني . مات رويم رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثلاثمائة ودفن بالشونيزية . ومن كلامه رضي الله عنه : من حكمة الحكيم أن يوسع على إخوانه في الأحكام ويضيق على نفسه فيها فإن التوسعة عليهم اتباع للعلم والتضييق على نفسه من حكم الورع ، وكان رضي الله عنه لا يعبأ بالمريد إذا لم يبذل روحه في الطريق ويقول : لا ينال هذا الأمر إلا ببذل الروح فإن أمكنك الدخول فيه على هذا قال فلا تشتغل بزخارف الكلام ، وكان يقول من قعد مع القوم وخالفهم في شيء مما يتحققون به نزع الله نور الإيمان من قلبه ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تزال الصوفية بخير ما تنافروا فإذا اصطلحوا هلكوا وسئل رضي الله تعالى عنه عن المحبة فقال : هي الموافقة في جميع الأحوال وأنشد : ولو قيل مت قلت سمعا وطاعة . . . وقلت لداعي الموت أهلا ومرحبا وقيل له مرة كيف حالك فقال : كيف حال من دينه هواه وهمته شقاء ليس بصالح تقي ولا عارف نقي ، وكان رضي الله عنه يقول : للعارف مرآة إذا نظر فيها تجلى له مولاه جل وعلا وكان يقول : لي منذ عشرين سنة لم يخطر في قلبي ذكر الطعام حتى يحضر ولي منذ عشرين سنة أصلي الغداة بوضوء العشاء الأخيرة رضي الله تعالى عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن الفضل البلخي رضي الله تعالى عنه ورحمه أصله من بلخ ولكنه أخرج منها بسبب المذهب وجاء إلى سمرقند واستوطنها ومات بها سنة تسع عشرة وثلاثمائة وكان من كبار المشايخ بخراسان وصحب أحمد بن حضرويه البلخي وغيره من المشايخ ولم يكن أبو عثمان الحيري يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه وكان رضي الله عنه يقول : لو وجدت في تفسير قوة لدخلت إلى أخي محمد بن الفضل سمسار الرجال ، وكان رضي الله عنه يقول : الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك تزهد في الدنيا وكان رضي الله عنه يقول : العجب ممن يقطع المفاوز حتى يصل إلى الكعبة والحرم لأن بهما آثار الأنبياء عليهم السلام كيف لا يقطع نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه لأن فيه آثار ربه عز وجل وكان رضي الله عنه يقول : إذا رأيت المريد يستزيد من الدنيا وأمتعتها فذلك من علامة إدباره وكان يقول : من الشقاء أن يرزق العبد صحبة الصالحين ولا يحترمهم وروي أن أهل بلخ لما نفوه من البلد دعا عليهم وقال اللهم امنعهم الصدق فلم يخرج من بلخ بعده صديق أبدا رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر نصر بن أحمد بن نصر الدقاق الكبير رضي الله عنه ورحمه كان من أقران الجنيد ومن كبار مشايخ مصر . قال الكناني : لما مات الدقاق انقطعت حجة الفقراء في دخولهم مصر وكان رضي الله عنه يقول : آفة المريد ثلاثة أشياء التزويج وكتابة الحديث ومعاشرة الضد ، وكان يقول : لا يصلح هذا الأمر إلا لأقوام قد كنسوا بأرواحهم المزابل على رضا منهم واختيار ، وكان يقول : عطشت مرة فاستقبلني جندي فسقاني شربة فعادت قساوتها في قلبي ثلاثين سنة رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله عمرو بن عثمان المكي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان ينتسب إلى الجنيد في الصحبة ولقي أبا عبد الله الناجي وأبا سعيد الخراز وغيرهما من المشايخ وكان شيخ القوم في وقته وإمام الطائفة في الأصول والطريقة وله كلام حسن وروى الأحاديث عن محمد بن إسماعيل البخاري وغيره . مات رحمه الله تعالى سنة إحدى وتسعين ومائتين وكان رضي الله عنه يقول : التوبة فرض على جميع المذنبين والعاصين صغر الذنب أو كبر وليس لأحد في ترك التوبة عذر وكان رضي الله عنه يقول : كلما توهمه قلبك أو سنح في مجاري فكرك أو خطر في معارضات قلبك من حسن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله عز وجل بخلاف ذلك كله هو أجل وأكبر وأعظم وكان رضي الله عنه بقول : لقد وبخ الله عز وجل التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا به عن الكفار أنهم قالوا : امشوا واصبروا على آلهتكم فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه . وحكى أنه رأى الحسين بن منصور الحلاج يوما وهو يكتب شيئا فقال : ما هذا فقال : هو ذا أعارض القرآن فدعا عليه وهجره قال الشيوخ فالذي أصاب الحلاج وحل به من البلاء كان من ذلك الدعاء رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص رحمه الله تعالى آمين سمى نفسه سمنونا الكذاب صحب السري السقطي وغيره ، وكان رضي الله عنه يتكلم في المحبة أحسن كلام ، وهو من كبار المشايخ رضي الله عنه مات بعد أبي القاسم الجنيد على ما قيل ومن كلامه رضي الله عنه لا يعبر عن شيء إلا بما هو أرق منه ولا شيء أرق من المحبة فبم يعبر عنها وقال علي بن الحسين رضي الله عنه رأيت سمنونا جالسا يوما على شاطئ الدجلة وبيده قضيب يضرب به ساقه وفخذه حتى تبدد لحمه ، وتناثر وهو ينشد ويقول : كان لي قلب أعيش به . . . ضاع مني في تقلبه رب فاردده على فقد . . . عيل صبري في تطلبه وأغث ما دام لي رمق . . . يا غياث المستغيث به وسئل مرة عن التصوت فقال : هو أن لا تملك شيئا ولا يملكك شيء وكان رضي الله عنه يقول : اجتمعت برجل فقير نقر له خشبة في البحر له فيها منذ ثلاثين سنة فقلت له : حدثني بأعجب ما رأيت في البحر فقال : هبت علي في بعض الليالي ريح عظيمة حتى أظلم البحر فداخلني من ذلك وحشة عظيمة فطلبت من الله شيئا يزيل تلك الوحشة وإذا بتنين عظيم فاتح فاه فألقتني الخشبة نحوه فدخلت في فيه وجلست على ناب من أنيابه وصليت ركعتين فزالت تلك الوحشة وحصل عندي أنس عظيم رضي الله عنه . ومنهم أبو عبيد البسري رضي الله تعالى عنه ورحمه هو من قدماء المشايخ صحب أبا تراب النخشبي . ومن كلامه رضي الله عنه : لا تدخل العلة إلا من الأمن ولا يوجد المزيد إلا من الحذر حذر أقوام فسلموا وأمن أقوام فعطبوا ، وكان يقول : ذكر الله تعالى باللسان دون القلب رياء رضي الله عنه . ومنهم أبو علي الحسن بن علي الجوزجاني رحمه الله تعالى كان من أكابر مشايخ خراسان له التصانيف المشهورة في علوم الأوفاق والرياضات والمجاهدات والمعارف صحب محمد بن علي الترمذي ومحمد بن الفضل رضي الله عنهم ومن كلامه رضي الله عنه : من علامة السعادة على العبد تيسير الطاعة عليه وموافقته للسنة في أفعاله ومحبته لأهل الصلاح وحفظ أخلاقه مع الإخوان وبذل معروفه للخلق ، واهتمامه بأمر المسلمين ، ومراعاته لأوقاته ، وعلامة الشقاوة على العبد أن يكون بالضد من هذه الصفات ، وكان رضي الله عنه يقول : أصح الطرق إلى الله تعالى وأعمرها وأبعدها عن الشبه اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وقصدا ونية ، لأن الله تعالى يقول : ' وإن تطيعوه تهتدوا ' فقيل له كيف الطريق إلى اتباع السنة فقال مجانبة البدع ، واتباع ما أجمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام ، والتباعد عن مجالس الكلام وأهله ، ولزوم طريق الاقتداء بمن سبق قال تعالى : ' واتبع ملة إبراهيم حنيفا ' ' النساء : 125 ' وكان رضي الله عنه يقول : الخلق كلهم في ميادين الغفلة يركضون وعلى الظنون يعتمدون وعندهم أنهم على الحقيقة يتقلبون وعن المكاشفة ينطقون رضي الله عنه . ومنهم أبو الفوارس شاه بن شجاع الكرماني ضي الله تعالى عنه كان من أولاد الملوك صحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيدة البسري وكان من أجل الفتيان وعلماء هذه الطائفة وله رسالات مشهورة . ومن كلامه رضي الله عنه : من صحبك ورافقك على ما يحب وخالفك فيما يكره فإنما صحبك لهواه فهو طالب بصحبتك راحة الدنيا لا غير ، وكان رضي الله عنه يقول لأهل الفضل : فضل ما لم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم ولأهل الولاية ولاية ما لم يروها ، فإذا رأوها فلا ولاية لهم ، وكان رضي الله عنه يقول : ما تعبد متعبد بأكثر من التحبب إلى أولياء الله تعالى ' ، فإذا أحب أولياء الله فقد أحب الله وإذا أحبه الأولياء فقد أحبه الله تعالى ، وكان يقول لا يعجب معجب بنفسه إلا وهو محجوب عن ربه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا كان العالم في هذا الزمان قد صار في ظلمة علمه ؛ فكيف بالجاهل المقيم في ظلمة جهله مع أن ظلمة العلم أشد لكونها غلبت نور العلم رضي الله عنه . ومنهم أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي رضي الله عنه شيخ الري والجبال في وقته وكان عالما أديبا وكان من طريقته إسقاط الجاه وترك التصنع واستعمال الإخلاص صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشبي . مات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة وكان رضي الله عنه يقول : لما علم القوم أن الله عز وجل يراهم استحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه ، وكان يقول في دعائه اللهم إنا نبات زرائع نعمتك فلا تجعلنا حصائد نقمتك ، وكان يقول : أرغب الناس في الدنيا أكثرهم ذما لها عند أبنائها لأن مذمتهم لها عندهم حرفة وما أقبحها حرفة يزهدهم فيها ، ثم يأخذها هو منهم في المجلس وكان يقول نظرت في آفات الصوفية فرأيتها في معاشرة الأضداد والليل إلى النسوان وكان رضي الله عنه يقول : للدنيا طغيان وللعلم طغيان فمن أراد النجاة من طغيان العلم فعليه بالعبادة ، ومن أراد النجاة من طغيان المال فعليه بالزهد فيه ، وكان رضي الله عنه يقول : بالأدب تفهم العلم وبالعلم يصح لك العمل وبالعمل تنال الحكمة وبالحكمة تغنم الزهد وتوفق له وبالزهد تترك الدنيا وبترك الدنيا ترغب في الآخرة وبالرغبة في الآخرة تنال رضا الله عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : في معنى حديث : ' أرحنا بها يا بلال ' أي أرحنا بالصلاة من أشغال الدنيا وحديثها لأنه صلى الله عليه وسلم كانت قرة عينه في الصلاة وكان يقول : إذا أردت أن تعرف العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال فإن قبله فاعلم أنه أحمق ، وكان يقول : إذا رأيت المريد يشتغل بالرخص وفواضل العلوم فاعلم أنه لا يجيء منه شيء ، وكان يقول : من وقع في بحار التوحيد لم يزدد على ممر الأيام إلا عطشا ، وكان رضي الله عنه يقول : توحيد الخاصة هو أن يكون بسره ووجده وقلبه كأنه قائم بين يدي الله يجزي عليه تصاريف تدبيره وأحكام قدرته في بحار توحيده بالفناء عن نفسه وذهاب حسه بقيام الحق تعالى له في مراده منه ، فيكون كما هو قبل أن يكون في جريان حكمه عليه . وكان رضي الله عنه يقول : في كل أمة وديعة أخفاهم الله تعالى عن خلقه فإن يكن منهم في هذه الأمة شيء فهم الصوفية وكان رضي الله عنه إذا سمع القرآن لا تقطر له دمعة وإذا سمع شعرا قامت قيامته ثم يلتفت إلى الحاضرين ويقول : أتلومون أهل الري على قولهم يوسف بن الحسين زنديق هم معذورون رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسين الترمذي الحكيم رضي الله عنه لقي أبا تراب النخشبي وصحب أبا عبد الله بن الجلاء ، وأحمد بن حضرويه ، وهو من كبار مشايخ خراسان وله التصانيف المشهورة وكتب الحديث ، وكان رضي الله عنه يقول : ما صنفت حرفا عن تدبير ولا لينسب إلي شيء من المؤلفات ، ولكن كان إذا اشتد علي وقتي أتسلى به ، وسئل مرة عن صفة الخلق فقال ضعف ظاهر ودعوى عريضة وكان رضي الله تعالى عنه يقول : من شرائط الخدام التواضع والاستسلام ، وكان يقول : كفى بالمرء عيبا أن يسره ما يضره ، وكان يقول : دعا الله الموحدين للصلوات الخمس رحمة منهم عليهم وهب لهم فيها ألوان الضيافات لينال العبد من كل قول وفعل شيئا من عطاياها سبحانه وتعالى ، فالأفعال كالأطعمة ، والأقوال كالأشربة ، وهم عرش الوحدانية ، وكان رضي الله عنه يقول : صلاح الصبيان في المكتب ، وصلاح قطاع الطريق في السجن ، وصلاح النساء في البيوت وكان رضي الله عنه يقول : المحدث والمتكلم إذا تحققا في درجتهما لم يخافا من حديث النفس ، كما أن النفوس محفوظة بالنسخ لإلقاء الشيطان كذلك محل المكالمة والمحادثة مصون عن إلقاء النفس محروس بالحق رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر محمد بن عمر الحكيم الوراق رضي الله عنه أصله من ترمذ وأقام ببلخ لقي أحمد بن حضرويه وصحب محمد بن سعد الزاهد ومحمد بن عمر البلخي له التصانيف المشهورة في أنواع الرياضات والآداب والمعاملات . ومن كلامه رضي الله عنه لو قيل للطمع من أبوك لقال الشك في المقدور ، ولو قيل له ما حرفتك لقال اكتساب الذل ، ولو قيل له ما غايتك لقال الحرمان . وكان رضي الله عنه يمنع أصحابه من السفر والسياحات ويقول مفتاح كل بركة التصبر في موضع إرادتك إلى أن تصح لك الإرادة فإذا صحت لك الإرادة فقد ظهر عليك أوائل البركة ، وكان يقول : الناس ثلاثة العلماء ، والفقراء ، والأمراء فإذا فسد الأمراء فسد المعاش ، وإذا فسد العلماء فسدت الطاعات ، وإذا فسد الفقراء فسدت الأخلاق ، وكان يقول : من اكتفى بالكلام من العلم دون الزهد والفقه تزندق ، ومن اكتفى بالزهد دون الكلام والفقه ابتدع ومن اكتفى بالفقه دون الزهد والورع تفسق ، ومن جمع هذه الأمور كلها تخلص وكان رضي الله عنه يقول : خضوع الفاسقين أفضل من صولة المطيعين ، وكان رضي الله عنه يقول : عوام الخلق هم الذين سلمت صدورهم ، وحسنت أعمالهم وطهرت ألسنتهم وفروجهم ، فإذا خلوا من هذا فهم من الفراعنة لا من العوام ، وكان يقول : إذا فسدت العلماء ظلت الفساق على أهل الصلاح والكفار على المسلمين والكذبة على الصادقية والمراءون على المخلصين ، وتلف الدين كله لأن العلماء رضي الله عنهم الزمام ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا غلب الهوى أظلم القلب ، وإذا أظلم القلب ضاق الصدر ، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق ، وإذا ساء الخلق أبغضه الخلق وبغضهم وجفاهم وهناك يصير شيطانا ، وكان يقول : الخلاف يهيج العداوة والعداوة تستنزل البلاء وكان يقول : ما عشق أحد نفسه إلا عشقه الكبر ، والحقد ، والذل والمهانة وكان يقول : ازهد في حب الرياسة والعلو في الناس إن أحببت أن تذوق شيئا من طريقة الزاهدين ، وكان يقول ولو أن أحدا يعلم علم العلماء ، ويفهم فهم الفهماء ، ويعرف سحر كل ساحر لا يستطيع أن يستر عورة من عورات نفسه إلا بالصدق فيما بينه وبين الله تعالى رضي الله عنه . ومنهم أبو سعيد أحمد بن عيسى الخراز رضي الله تعالى عنه ورحمه هو من أهل بغداد وصحب ذا النون المصري وسريا السقطي وبشرا الحافي وغيرهم ، وهو من أئمة القوم وأجلة المشايخ قيل إن أول من تكلم في علم الفناء والبقاء أبو سعيد الخراز . مات رضي الله عنه سنة تسع وسبعين ومائتين . ومن كلامه رضي الله عنه إن الله تعالى عجل لأرواح الأولياء التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم فعيش أبدانهم عيش الجثمانيين ، وعيش قلوبهم عيش الروحانيين ، ولهم لسانان ظاهر وبطن فلسان الظاهر يكلم أجسامهم ، ولسان الباطن يناجي أرواحهم ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف يستعين بكل شيء فإذا وصل استغنى بالله وارتفعت همته عن الوقوف عما سواه وافتقر الناس إليه وكان رضي الله عنه يقول : مثل النفس في الصفات كمثل ماء طاهر واقف صاف فإذا حركته ظهر ما تحته من الحمأ وكذلك النفس تظهر مرتبتها عند المحن ، والفاقة والمخالفة لاهوائها ، ومن لم يعرف ما طوي من الصفات في نفسه كيف يدعي معرفة ربه ، وكان يقول : العارفون خزائن الله أوح الله تعالى فيها علوما غريبة وأخبارا عجيبة يتكلمون فيها بلسان الأبدية ، ويخبرون عنها بعبارات أزلية ، وكان يقول : لولا أن الله تعالى أدخل موسى عليه السلام في كنفه لأصابه عليه السلام ما أصاب الجبل وكان يقول في قوله تعالى : ' لعلمه الذين يستنبطونه منهم ' المستنبط هو الذي يلاحظ الغيب أبدا فلا يغيب عنه شيء ولا يخفى عليه شيء وقال في قوله : ' لآيات للمتوسمين ' المتوسم هو الذي يعرف الوسم وهو العارف بما في سويداء القلوب والاستدلال والعلامات فيميز أولياء الله تعالى من أعداء الله وكان رضي الله عنه يقول : إذا أراد الله عز وجل أن يوالي عبدا من عبيده فتح له باب ذكره فإذا استلذ بالذكر فتح عليه باب القرب ، ثم رفعه إلى مجلس الأنس ، ثم أجلسه على كرسي التوحيد ثم رفع عنه الحجب فأدخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة ، فإذا وقع بصره على الجلال والعظمة بقي بلا هو فحينئذ ، صار العبد فانيا فوقع في حفظ الله وبرئ من دعاوى نفسه ، وكان يقول : أول مقام لمن وجد علم التوحيد وتحقق به فناء ذكر الأشياء عن قلبه وانفراده بالله وحده وسئل رضي الله عنه هل يصل العارف إلى حال يجفو عليه البكاء قال : نعم إنما البكاء في وقت سيرهم إلى الله عز وجل فإذا نزلوا إلى حقائق القرب وذاقوا طعم الوصول من بره تعالى زال عنهم البكاء ولذلك ورد ' فإن لم تبكوا فتباكوا ' أي تنزلوا في المقام ليقتدي بكم السائرون وكان لأبي سعيد ولد صالح فمات فرآه بعد وفاته فقال يا بني أوصني فقال لا تجعل بينك وبين الله تعالى قميصا ، فما لبس أبو سعيد قميصا منذ ثلاثين سنة وكان رضي الله عنه يقول : ينبغي للصوفي أن يكون لطيف اللبسة ملازما للخلوة ، حسن الصيانة فلا يطلب إلا عند وجود الفاقات ، وإلا فهو والكذابون سواء ، وكان يقول أبعد الناس من الله عز وجل من يدعي المعرفة والقرب وأكثرهم إليه إشارة أمقتهم عنده ، وكان يقول : وكان يقول : لقيت مرة شخصا متظاهرا بالجنون فناديته قف يا مجنون فالتفت لي وقال لي أتدري من المجنون فقلت له لا فقال المجنون من يخطو خطوة ولم يذكر ربه فيها ، وكان يقول : لا يتصف عبد بالشرف حتى تصير الأذكار غذاءه والتراب فراشه ، وكان يقول : لا تغتر بصفاء العبودية فإن فيها نسيان الربوبية فقيل له فما الخلاص قال أن يشهد صنع الربوبية في إقامة العبودية ، فينقطع عن نفسه ويسكن إلى ربه ، وهناك يسلم من الاستدراج وسئل رضي الله عنه عن سبب معاداة الفقراء وبغضهم لبعضهم بعضا مع أنه لا رياسة عندهم فقال : إنما قدر الله عليهم ذلك غيره منه عليهم أن يسكن بعضهم إلى بعض ولكن إذا وقع لهم كمال السير ذهبت البغضاء لأن الكامل لا يرى هناك من يرسل غضبه عليه من الخلق ، وكان رضي الله عنه يقول : أول علامة التوحيد خروج العبد عن كل شيء ورد الأشياء جميعا إلى بتوليها ، حتى يكون المتولي بالمتولي ناظرا إلى الأشياء قائما بها متمكنا فيها ، ثم يخفيهم عن أنفسهم في أنفسهم ويظهرهم لنفسه سبحانه وتعالى رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المغربي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان أستاذ إبراهيم الخواص وإبراهيم بن شيبان صحب علي بن رزين رضي الله عنهم وعاش مائة وعشرين سنة ودفن على جبل طور سيناء مع أستاذه علي بن رزين وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائتين وكان يأكل من أصول الحشيش دون ما وصلت إليه يد بني آدم رحمه الله تعالى ، ومن كلامه رضي الله عنه الفقير المجرد من الدنيا وإن لم يعمل شيئا من أعمال الفضائل أفضل من هؤلاء المتعبدين ومعهم الدنيا بل ذرة من عمل الفقير المجرد أفضل من الجبال من أعمال أهل الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول : إن لله تعالى عبادا أسبغ عليهم باطن العلوم وظاهرها ، وأخمل ذكرهم فلا يعدون قط مع العلماء ' أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ' ' الأنعام : 82 ' وكان يقول : ما فطنت إلا هذه الطائفة لكنها احترقت بما فطنت ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وكان يقول : اجتمعت بشخص من أصحاب أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام وقال : إنه ساكن في الهواء منذ رمى إبراهيم عليه الصلاة والسلام بالمنجنيق ، فقلت له : ما حملك في الهواء وأنت من بني آدم فقال : توكلي على الله عز وجل ، فقلت : وما التوكل قال النظر إلى الله تعالى دائما بلا عين تطرف والذكر له بلسان لا يتحرك والجولان في مصنوعاته بلا روح ، تغفل رضي الله عنه . ومنهم أبو العباس أحمد بن مسروق رضي الله تعالى عنه ورحمه من أفضل أهل طوس وسكن بغداد ومات بها سنة تسع وتسعين ومائتين صحب الحارث المحاسبي والسري وغيرهما وكان من كبار مشايخ القوم وعلمائهم وكان رضي الله عنه يقول : لا ينبغي للفقير سماع التغزلات إلا إن كان مستقيما في الظاهر والباطن قوي الحال إماما في العلم وأما أمثالنا فلا يليق بنا سماعها لأن قلوبنا لم تألف الطاعات إلا تكلفا ونخشى إن أبحنا لها رخصة أن تتعدى إلى رخص وكان رضي الله عنه يقول : من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله وكان يقول من كان مؤدبه ربه لا يغلبه أحد ، وكان يقول : الزاهد هو الذي لا يملك مع الله سببا ، وكان يقول : لا أزال أحن إلى بدو إرادتي وقوة همتي وركوبي الأهوال طمعا في الوصول وها أنا الآن في أيام الفترة أتأسف على أوقاتي الماضية ، وأتمنى صفاء وقت فلا أجده ، وكان يقول : المؤمن يتقوى بذكر الله تعالى كما وقع لسيدتنا فاطمة رضي الله عنه حين طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم خادما ليطحن معها فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقال : هن لك أحسن من خادم وأما المنافق فلا يتقوى إلا بالطعام والشراب فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وكان يقول : ما سر أحد بغير الحق إلا أورثه ذلك السرور الهموم والأحزان ، وجاءه مرة شخص فدخل داره لوليمة كانت عند أبي العباس بلا دعوة ، فقال أبو العباس : لله علي أن لا أدعه إلا على خدي حتى يجلس موضع الأكل ، فوضع خده على الأرض ومشى عليه الرجل إلى أن بلغ إلى موضع جلوسه ، وصار يقول : مثل هذا الرجل يتواضع لي ويحضر وليمتي بأي شيء أكافئه ، وكان يقول : رأيت القيامة قد قامت ورأيت موائد نصبت ، فأردت أن أجلس عليها فقالوا لي هذه للصوفية فقلت : أنا منهم فقال لي ملك : قد كنت منهم ولكن شغلك عن اللحوق بهم كثرة الحديث وحبك التمييز على الأقران ، فقلت تبت إلى الله تعالى واستيقظت فأقبلت على طريق القوم وقلت للحديث رجال غيري وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه عليكم بالتقلل من المآكل ، والملابس والنوم فقد كنت في بدء أمري ألبس المسوح والليف ، وكنت أجتمع بشيوخي في الجامع كل يوم جمعة فلا أنصرف إلا عليلا من تأثير كلامهم في وكانت رؤيتي لهم قوتي من الجمعة إلى الجمعة تغنيني عن الطعام والشراب وكان يقول كنت آوي إلى مسجد فيه سحرة يأوي إليها بلبلان فقد أحدهما صاحبه وبقي الآخر على غصن ثلاثة أيام لا ينزل يرعى ولا يلتقط من الأرض شيئا ، فلما كان آخر اليوم الثالث مر به بلبل فصاح فذكره صاحبه فسقط عن الغصن ميتا ، في رواية كان عند الشيخ أربعة من التلامذة فخروا موتى عند سماع هذه الحكاية رضي الله عنهم أجمعين . ومنهم أبو الحسن علي بن سهل الأصفهاني رحمه الله وهو من قدماء مشايخ أصفهان كان يكاتب الجنيد ويراسله وكان من أقرانه صحب بن معلان رضي الله عنه ولقي أبا تراب النخشبي وكان إذا بلغه عن أحد من المسلمين أن عليه دينا يرسل يوفي عنه الدين بغير علم المديون فيأتي صاحب الدين ، فيقول للمديون قد وفى الله عنك ولم يعلم الناس بذلك إلا بعد موته رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه : من لم يصح في مبادئ إرادته لا يسلم في منتهى عاقبته ، وكان يقول : حرام على قلب عرف الله تعالى أن يسكن إلى غيره ، فإن سكن عوقب ، وكان يقول : الناس من وقت آدم عليه السلام وإلى الآن يقولون القلب القلب وأنا أحب رجلا يصف لي أيش هو القلب فلا أرى وكان يقول الفقيه هو الذي لا يدخل تحت المنسوبات إليه ، وكان يقول لأصحابه تعوفوا بالله من غرور حسن الأعمال مع فساد بواطن الأسرار . وسئل رضي الله عنه عن حقيقة التوحيد فقال قريب من الطرائق بعيد عن الحقائق وكان يقول : لما استولى علي الشوق في بدايتي ألهاني ذلك عن الأكل والشرب والنوم رضي الله تعالى عنه . ومنهم أبو محمد أحمد بن محمد بن الحسين للجريري رضي الله تعالى عنه كان من أكابر أصحاب الجنيد رضي الله عنه صحب سهل بن عبد الله التستري وأقعد بعد موت الجنيد رحمه الله تعالى في موضعه لتمام حاله وصحة طريقته وغزارة علمه . مات رحمه الله تعالى سنة إحدى عشرة وثلاثمائة رضي الله عنه ومن كلامه رضي الله عنه : من استولت عليه نفسه صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى ، وحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ بكلام الله تعالى ، ولا يستحليه ، وإن قرأ كل يوم ختمة لأنه تعالى يقول : ' سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق ' ' الأعراف : 146 ' يعني أحجبهم عن فهمها وعن التلذذ بها وذلك لأنهم تكبروا بأحوال النفس والخلق والدنيا فصرف الله عز وجل عن قلوبهم فهم مخاطباته وسد عليهم طريق فهم كتابه وسلبهم الانتفاع بمواعظه وحبسهم في سجن عقولهم وآرائهم فلا يعرفون طريق الحق ، ولا يتعرفونه بل ينكرون على أهل الحق ، ويحرفون كلامهم إلى معان لم يقصدوها ، وغاب عنهم أن الله تعالى ما أعطاهم العلم إلا ليحتقروا نفوسهم ، ويذلوا للعباد إجلالا لمن هم عبيد له سبحانه وتعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يحكم بينه وبين الله التقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشف والمشاهدة فإن من لا تقوى عنده فوجهه مطموس ومن لا مراقبة له فحاله منكوس ، وكان رضي الله عنه يقول : قدمت من مكة فبدأت بأبي القاسم الجنيد لئلا يتعنى لي فسلمت عليه ثم مضيت إلى منزلي فلما صليت الصبح فإذا أنا به خلفي في الصف فقلت له : إنما جئتك أمس لئلا تتعنى لي فقال لي : ذلك فضلك وهذا حقك وقال في قوله تعالى : ' كونوا ربانين ' ' آل عمران : 79 ' أي سامعين من الله قائلين بالله وكان يقول : لو رآيت من يهجرني لله تعالى لوضعت له خدي وكان يقول : من قرأ القرآن بقصد الدرجات في الجنة فقد رضي بالقليل بدلا عن الكثير لأن الجنة مخلوقة والقرآن غير مخلوق ومعظم الفائدة في قراءة القرآن ، إنما هو وجود الرب وفهم خطابه فكيف بمن يطلب بقراءته عرضا من الدنيا ، ومن فعل ذلك فقد فاته خير القرآن كله وكان يقول : انكشف القمر ليلة الجمعة وأنا في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذ له أسود مكتوب في وسطه بالنور أنا وحدي فغشي علي إلى الصباح وقال في قوله تعالى : ' يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ' ' مريم : 23 ' إنما قالت مريم ذلك لأن الله تعالى أطلعها على أن عيسى عليه السلام سيعبد من دون الله فغمها ذلك فقالت : ' يا ليتني مت قبل هذا ' ' مريم : 23 ' ، أي ولم أحمل بمن يعبد من دون الله تعالى فأنطق الله عيسى عليه السلام إني عبد الله فلا يضرني أن يدعوا في الإلهية جهلا وكفرا ، رضي الله عنه . ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الآدمي رضي الله عنه كان من ظراف مشايخ الصوفية وعلمائهم له ، لسان في فهم القرآن مختص به صحب الجنيد وإبراهيم المارستاني ومن فوقهم من المشايخ وكان أبو سعيد الخراز رضي الله عنه يعظم شأنه حتى قال التصوف خلق وما رأيت من أهله إلا الجنيد وابن عطاء مات سنة تسع أو إحدى عشرة وثلاثمائة رضي الله عنه ، وسئل رضي الله عنه عن المروءة فقال : هي أن لا تستكثر لله عملا وكان رضي الله عنه يقول : خلق الله الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للمشاهدة لقوله تعالى : ' أو ألقى السمع وهو شهيد ' وخلق الأولياء رضي الله عنهم للمحاورة لقوله صلى الله عليه وسلم : ' عز جارك ' وخلق الصالحين للملازمة قال الله تعالى : ' وألزمهم كلمة التقوى ' ' الفتح : 26 ' وهي لا إله إلا الله وخلق العوام للمجاهدة قال تعالى : ' والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ' ' العنكبوت : 69 ' وكان رضي الله عنه يقول : من تأدب بآداب الصالحين صلح لبساط الكرامة ، ومن تأدب بآداب الأولياء صلح لبساط القربة ، ومن تأدب بآداب الصديقين صلح لبساط المشاهدة ، ومن تأدب بآداب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صلح لبساط الأنس والانبساط ، وكان رضي الله عنه يقول : لما عصى آدم عليه السلام بكى عليه كل شيء في الجنة إلا الذهب والفضة فأوحى الله تعالى إليهما لم لا تبكيان على آدم فقالا لا نبكي على من يعصيك فقال الله تعالى وعزتي وجلالي لأجعلن قيمة كل شيء بكما ولأجعلن بني آدم خدما لكما وكان يقول : السكون إلى مألوف الطباع يقطع صاحبه عن بلوغ درجات الحقائق ، وكان يقول : أدن قلبك من مجالسه الذاكرين لعله ينتبه من غفلته وإيامك أن تكون حاضرا عند الذاكرين ولا تذكر معهم فتمقت وكان يقول : في قوله تعالى : ' واسجد واقترب ' ' العلق : 19 ' أي اقترب إلى بساط الربوبية نعتقك من بساط العبودية انتهى والله أعلم . قلت : وفي هذا نظر لا يخفى ، وكان رضي الله عنه يقول : المحبة إقامة العتاب على الدوام وقال في قوله تعالى : ' ثم تاب عليهم ليتوبوا ' ' التوبة : 118 ' ما لم يعطف الرب على العبد بالرحمة لم يعطف العبد على الله بالطاعة وقال في قوله تعالى : ' هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ' ' طه : 125 ' إن آدم عليه السلام قال يا رب لم أدبتني وإنما أكلت من الشجرة طمعا في الخلود في جوارك فقال يا آدم طلبت الخلود من الشجرة لامني والخلود بيدي وملكي فأشركت بي وأنت لا تشعر ولكن نبهتك بالخروج حتى لا تنساني في وقت من الأوقات وكان رضي الله عنه يقول : يقول الله تعالى يا ابن آدم إن أعطيتك الدنيا اشتغلت بها عني وإن منعتكها إشتغلت بطلبها فمتى تتفرغ لي وكان يقول من حكم المبتدي أن يهتدي بالحقائق ويسير بالعلم ويجد في العمل ولا يقف ولا يلتفت وقال في قوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أي في الظواهر من الأخلاق الشريفة والعبادات المرضية دون البواطن والأسرار والإشارات ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق ' ألا كل شيء ما خلا الله باطل ' إشارة إلى الكون قال ما يليق بالكون إذ كل ما عون الله هو من الكون وأسراره صلى الله عليه وسلم لا يطيق حملها أحد من الخلق لأنه باين أمته بالمكان والمباشرة ومن أجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك رضي الله عنه : ' احفظ سري تكن مؤمنا ' وكان رضي الله عنه يقول : من صعب عليه خدمته لم يصل إلى قربه ومن لم يتنعم بذكره في الدنيا لم يتنعم برؤيته في الآخرة ، وكان يقول : الهيبة مقرونة بالورع فمن قل ورعه قلت هيبته ، وكان يقول : العارف يربح على ما مضى منه في معصية الله تعالى أضعاف ما يربح غيره على طاعة الله تعالى لأن ذنوبه دائما نصب عينيه لا يفتر عن ذكرها أبدا ، وكان يقول : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قام أبو بكر رضي الله عنه يسوس الخلق بقضيب مع قوة نسيم النبوة فلما توفي أبو بكر رضي الله عنه تقدم عمر رضي الله عنه على سياسة الناس فأقام حدود الله بدرته ولم يقدر عثمان على سياسة الناس بالدرة ، فأخرج السوط فلم يستقم له الأمر كما استقام لصاحبيه ، فلما استشهد لم يقدر علي رضي الله عنه على شيء يسوس به الخلق غير السيف إذ رأى ذلك صوابا وفي حكاية أخرى عنه قال : كان أبو بكر رضي الله عنه يشم نسيم الرسالة وعمر رضي الله عنه يشم نسيم النبوة وعثمان رضي الله عنه يشم نسيم الاصطفاء وعلي رضي الله عنه يشم نسيم المحبة ، فكان بيان إشاراتهم مما خصوا به من الكرامة في هجيرهم فكان هجير أبي بكر لا إله إلا الله وكان هجير عمر الله أكبر وكان هجير عثمان سبحان الله وكان هجير علي الحمد لله فكان أبو بكر رضي الله عنه لم يشهد في الدارين غير الله فكان يقول : لا إله إلا الله وكان عمر رضي الله عنه يرى ما دون الله صغيرا في جنب عظمة الله ، فيقول : الله أكبر وكان عثمان رضي الله عنه لا يرى التنزيه إلا لله تعالى إذ الكل قائم به غير معرى من النقصان والقائم بغيره معلول فكان يقول سبحان الله ، وكان علي رضي الله عنه يرى نعمة الله في الدفع والمنع والمحبوب والمكروه فكان يقول : الحمد لله ، وكان يقول : ما ارتفع من ارتفع بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا مجاهدة وإنما ارتفع بالخلق الحسن قال صلى الله عليه وسلم : ' أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم خلقا ' وكان يقول : ليس مهر من مهور الجنة أحب إلى الحور العين من إعراض العبد عن الدنيا وليس وسيلة للعبد عند الله تعالى أحب إليه من إعراضك عن نفسك وكان رضي الله عنه يقول : إنما ابتلى الخلق بالفراق لئلا يكون لأحد سكون مع غير الله عز وجل وكان يقول : قوام الإسلام وشرائعه بالمنافقين وقوام الإيمان وشرائعه بالعارفين بالله عز وجل وكان رضي الله عنه يقول : العارف سكوته تسبيح وكلامه تقديس ، ونومه ذكر ويقظته صلاة وذلك لأن أنفاسه تخرج على مشاهدة ومعاينة وكان يقول : العارف لا كطيف عليه أي لزوال التعب والنصب عنه فأفعاله الشاقة على غيره لا يتكلف لها بل هي كخروج النفس ودخوله . وسئل رضي الله عنه عن معنى الطهارة فقال : الطهارة بالنفوس والصلاة بالقلوب فبغسل الوجه يعرض عن الدنيا وبغسل يديه يكفي الخلق يمنة ويسرة وبمسح الرأس يبرأ عن نفسه وبغسل القدمين يقوم لمناجاة ربه فإذا كبر للصلاة خرج من جميع كليته لتصح له مناجاة ربه . وقيل له مرة إذا سمع الإنسان شيئا من العلم فسكنت نفسه إليه ولكن عنده اعتراض في نفسه هل يسكت أن يعترض حتى يتبين له الحق فيعمل به فقال لا يسكت بل يعترض حتى يتبين له الحق . قلت : ومعنى الاعتراض أن يقول لشيخه لا أفهم هذا ومقصودي تفهمه لي لا أنه يرد الكلام جملة والله تعالى أعلم ، وكان يقول تولد ورع الورعين من خوف مؤاخذاتهم بالذرة والخردلة والخطرة واللحظة ولولا ذلك ما صح لهم ورع راشد الورع ، أن يحاسب نفسه على مقادير الخردلة وأوزان الذرة ، وكيف يزكي نفسه من لا ينفك من الخسران ويخالط أهل العصيان والله تعالى يقول ' فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ' وكان رضي الله عنه يقول : من علامات الأولياء ثلاثة أشياء يصون سره فيما بينه وبين الله ، ويحفظ جوارحه فيما بينه وبين الناس ، ويداري الخلق على تفاوت عقولهم وكان يقول تاه بعض أصحابنا في البادية فورد على عين فإذا عليها جارية كالقمر فوقف عندها فقالت إليك عني فقال اشتغل كلي بك فقالت في تلك العين جارية أخرى لا أصلح أن أكون خادمة لها فالتفت إلى ورائه فقالت ما أحسن الصدق وأقبح الكذب زعمت أن الكل منك مشغول بي وأنت تلتفت إلى غيري ثم التفت فلم ير أحدا وكان يقول : القرآن كله شيئان مراعاة أدب العبودية وتعظيم حق الربوبية رضي الله عنه . ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن إسماعيل الخواص رضي الله تعالى عنه ورحمه هو من أجل من سلك طريق التوكل ، وكان أوحد المشايخ في وقته ، وكان من أقران الجنيد والنوري ، وله في الرياضات والسياحات مقام يطول شرحه . مات بجامع الري سنة إحدى وتسعين ومائتين مات بعلة البطن وكان كلما قام توضأ ركعتين فدخل الماء يوما فمات وسط الماء ، وكان يقول : إنما العلم لمن اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن ، وإن كان قليل العلم ، وكان يقول : التاجر برأس مال غيره مفلس ، وكان يقول : على قدر إعزاز المؤمن لأمر الله يلبسه الله من عزه ويقيم له العز في قلوب المؤمنين ، وكان يقول : من جهة الفقير ، أن تكون أوقاته مستوية في الانبساط صابرا على فقره ، لا تظهر عليه فاقة ولا تبدو منه حاجة أقل أخلاقه الصبر والقناعة ، مستوحشا من الرفاهية مستأنسا بالخشونات فهو بضد ما عليه الخليقة ليس له وقت معلوم ، ولا سبب معروف ، فلا تراه إلا مسرورا بفقره فرحا بضره مؤنثا على نفسه ثقيلة وعلى غيره خفيفة يعز الفقر ويعظمه ويخفيه بجهده ويكتمه حتى عن أشكالا يستره قد عظمت عليه من الله فيه المنة ، فلا يرى عليه من الله منه أعظم من خلو ليد من الدنيا . وكان يقول : أربع خصال عزيزة عالم يعمل بعلمه ، وعارف ينطق عن حقيقة فعله ، ورجل قائم لله بلا سبب ومريد ذهب عنه الطمع ، وكان يقول : لقيت الخضر عليه السلام في بادية فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي توكلي بالسكون إليه ففارقته وكان رضي الله عنه يقول : المفاخرة والمكاثرة يمنعان الراحة ، والعجب يمنع من معرفة قدر النفس ، والتكبر يمنع من معرفة الصواب والبخل يمنع من الورع ، وكان يقول : ليس من صفة الفقراء مؤالفة الأغنياء ولا من صفة أهل المعرفة مؤالفة أهل الغفلة ، وكان يقول : من دواعي المقت ذم الدنيا في العلانية واعتناقها في السر ، وكان يقول : الإنسان في خلقه أحسن منه في جديد غيره والهالك حقا من ضل في آخر سفره وقد قارب المنزل ، وكان يقول : يجب على المريد الاجتماع بمن يكشف له عن عيوبه ويدله على مواضع الزيادة ويكون نظره إليه قوة له على تهييج حاله ، وكان يقول : لم يؤت الناس من قلة الندم والاستغفار وإنما أتوا من قلة الوفاء بالعهد قال أبو الحسن النحراني : صاحب إبراهيم الخواص كنت شديد الإنكار على الصوفي في علومهم وأبغض كل من اجتمع بهم فدخلت بغداد وأنا أكتب الحديث ، فرأيت إبراهيم الخواص وحوله جماعة يتكلم عليهم ، فسمعت كلامه فدخل قلبي صدق قوله فرأيته علما صحيحا لا بد للخلق من استعماله ، فلزمته من ذلك المجلس ولم أفارقه وفرقت ما كنت جمعته من الكتب وكانت نحو حملين ، ومع هذا فلم يلتفت إلي ولم يكلمني بكلمة أياما كثيرة ، فلما عرف مني الصدق في طلبه أدناني وقربني رضي الله عنه ، وكان إبراهيم رضي الله عنه إذا دعى إلي دعوة فرأى فيها خبزا يابسا أمسك يده ولم يأكل ويقول : هذا خبز قد منع حق الله تعالى منه إذ يبيت ولم يخرج من يومه وقال في قوله تعالى : ' وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ' ' الزمر : 54 ' الآية ، الإنابة أن يرجع بك منك إليه التسليم أن تعلم أن ربك أشفق عليك من نفسك والعذاب عذاب الفراق وكان يقول آفة المريد ثلاثة حب الدرهم ، وحب النساء ، وحب الرياسة فيدفع حب الدرهم باستعمال الورع ، وحب النساء بترك الشهوات ، وترك الشبع ويدفع حب الرياسة بإثبات الخمول ، وكان يقول : المريد الصادق الله مراده ، والصديقون إخوانه والخلوة بيته والوحدة أنسه والنهار غمه والليل فرحه ، ودليله قلبه والقرآن معينه ، والبكاء ريه والجوع أدمه والعبادة نزهته والمعرفة قياده والحياة سفره والأيام مراحله والورع طريقه ، والصبر شعاره ، والسكون دثاره ، والصدق مطيته ، والعبادة مركبه وخوف الفوت خشيته ، وكان يقول : إذا تحرك العبد لإزالة منكر ، فقامت دونه الموانع ، فإنما ذلك لفساد العقد بينه ، وبين الله تعالى . فلو صحت عقيدته مع الله تعالى واستأذنه في إزالة ذلك المنكر ، واستعان به لم يقم دونه مانع قط وكان يقول : من شرب من كأس الرياسة ، فقد خرج من إخلاص العبودية ، وكان يقول : عطشت في بادية في طريق الحجاز ، فإذا براكب حسن الوجه على دابة شهباء فسقاني الماء وأبى دفني خلفه ، ثم قال : انظر إلى نخيل المدينة ، فانزل واقرأ على صاحبها مني السلام وقل أخوك الخضر يقرأ عليك السلام . وقيل له : ما بال الإنسان يتواجد عند سماع الأشعار ، ولا يتواجد عند سماع القرآن ، فقال : لأن سماع القرآن صدعة لا يمكن أحدا أن يتحرك فيها لشدة غلبتها ، وشدة الأشعار ترويح للنفس فتتحرك فيه والله أعلم . ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد الخراز رضي الله تعالى عنه من كبار مشايخ الري جاور بالحرم سنين كثيرة ، وكان من الورعين القائمين بالحق الطالبين قوتهم من وجه حلال صحب أبا عمران الكبير ، ولقي أبا حفص النيسابوري ، وأصحاب أبي يزيد وكانوا جميعا يكرمونه ويعظمون شأنه ، وحكي عن أبي حفص أنه قال رضي الله عنه : نشأ بالري فتى إن بقي على طريقته ، وسمته صار أوحد الرجال . مات رحمه الله قبل العشر والثلاثمائة ، ومن كلامه رضي الله عنه الجوع طعام الزاهدين والذكر طعام العارفين رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن بنان بن محمد بن أحمدان بن سعيد الجمال رضي الله عنه كان أصله من واسط سكن رضي الله عنه مصر ، واستوطنها ومات بها ، ودفن بالقرافة بالقرب من الجبل تجاه جامع محمود ، سنة ستة عشر وثلاثمائة ، وكان من جملة المشايخ القائمين بالحق ، والآمرين بالمعروف له المقامات المشهورة ، والكرامات المذكورة صحب أبا القاسم الجنيد ، وغيره من مشايخ الوقت وكان أستاذ النوري ومن كلامه رضي الله عنه : أجل أحوال الصوفية الثقة بالمضمون والقيام بالأمر والمراعاة للسر والتخلي من الكونين والتعلق بالحق تعالى وكان يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، قال لي : يا بنان فقلت : لبيك يا رسول الله فقال : من أكل بشره نفس أعمى الله عين قلبه ، فانتبهت ، وعقدت أن لا أشبع بعدها أبدا . وكنت قد أكلت تلك الليلة رغيفين ، وقصعة عدس وكان رضي الله عنه يقول : اجتمعت بأبي جعفر الحداد الفرجي رضي الله عنه ، بمصر فقلت له : اختصر لي من العلم كله كلمة واحدة أنتفع بها ، فقال : عليك بأخذ الأقل من الدنيا وارض فيها بالذل فقلت حسبي حسبي والله تعالى أعلم . ومنهم محمد وأحمد ابنا أبي الورد رضي الله تعالى عنهما آمين وهما من كبار مشايخ العراقيين ، وأقارب الجنيد ، ومن جلسائه وصحبا السري السقطي ، والحارث المحاسبي ، وبشرا الحافي وأبا الفتح الحبال وطريقتهما في الورع قريبة من طريقة بشر رضي الله عنه . ومن كلام محمد رحمه الله في ارتفاع الغفلة ارتفاع العبودية . قلت : والمراد بارتفاع الغفلة زوالها ، وبارتفاع العبودية علوها والله أعلم . والغفلة غفلتان غفلة نقمة وغفلة رحمة ، فأما الرحمة فإسدال حجاب العظمة دون العبادات إذ لو انكشف الغطاء لانقطعوا عن العبودية ، وأما التي هي نقمة فالغفلة عن طاعة الله عز وجل وكان رضي الله عنه يقول : الولي هو الذي يوالي أولياء الله ، ويعادي أعداءه ، وكان يقول : من كانت نفسه لا تحب الدنيا فأهل الأرض يحبونه ، ومن كان قلبه لا يحب الدنيا ، فأهل السماء يحبونه ، وكان يقول : من أدب الفقير تركه الملامة والتعبير لمن ابتلى بطلب الدنيا ، والرحمة ، والشفقة عليه ، والدعاء بأن الله تعالى يريده من التعب فيها . قلت : والمراد بالتعبير أن يقصد به نقصه بين الناس لا غير دون النصح ، والله أعلم . وكان يقول : هلاك الناس في حرفين اشتغال بنافلة ، وتضييع فريضة ، وعمل بالجوارح بلا مواطأة القلب عليه ، وإنما منعوا الوصول لتضييعهم الأصول ، وكان أحمد يقول : إنما بسط بساط المجد للأولياء ليأنسوا به ، ويرفع به عنهم حشمة بديهة المشاهدة ، وإنما بسط بساط الهيبة للأعداء ليستوحشوا من قبائح أفعالهم ، ولا يشاهدون ما يستريحون إليه من المشهد الأعلى ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا زاد في الولي ثلاثة أشياء زاد فيه ثلاثة أشياء إذا زاد خلقه زاد تواضعه ، وإذا زاد ماله زاد سخاؤه ، وإذا زاد عمره زاد اجتهاده رضي الله عنه . ومنهم أبو حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي البزار رحمه الله تعالى صحب السري السقطي ، وحسنا المسوحي ، وكان ينتمي إلى المسوحي أكثر ، وكان فقيها عالما بالقرآن ، وكان يتكلم ببغداد في مسجد الرصافة قبل كلامه في مسجد المدينة تكلم يوما في مسجد المدينة فتغير عليه حاله ، وسقط عن كرسيه ومات في الجمعة الثانية ، وكان موته قبل الجنيد ، وكان من رفقاء أبي تراب النخشبي في أسفاره ، وكان الإمام أحمد إذا جرى في مجلسه شيء من كلام القوم يقول لأبي حمزة رحمه الله تعالى ما تقول في هذا يا صوفي ، ودخل البصرة مرارا وصحب بشرا الحافي . مات رحمه الله تعالى سنة تسع وثمانين ومائتين رحمه الله ، ومن كلامه رضي الله عنه من المحال أن تحبه ، ثم لا تذكره ، ومن المحال أن تذكره ، ثم لا يوجدك طعم ذكره ، ومن المحال أن يوجدك طعم ذكره ، ثم يشغلك بغيره ، وكان رضي الله عنه يقول : وقفت على راهب في طريق الروم ، فقلت له : هل عندك شيء من خبر من مضى ، فقال : نعم فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، وكان يقول : حب الفقير شديد ، ولا يصبر عليه إلا صديق ، وكان يقول : إذا فتح الله عليك طريقا من طريق الخير فألزمه ، وإياك أن تنظر إليه ، أو تفتخر به ، واشتغل بشكر من وفقك لذلك فإن نظرك إليه يسقطك من مقامك واشتغالك بالشكر يوجب لك فيه المزيد قال الله تعالى : لئن شكرتم لأزيدنكم ، واكن يقول : من علم طريقة الحق هان عليه سلوكها ، وهو الذي علمها بتعليم الله إياه ، وأما من علمها بالاستدلال فمرة يخطئ ، ومرة يصيب ، ولا دليل على الطريق إلى الله تعالى إلا متابعة الرسول عليه الصلاة والسلام في أفعاله ، وأحواله ، وأقواله ، وكان رضي الله عنه يقول : قد يقطع بقوم في الجنة كما وقع آدم عليه السلام ، وهم الذين يقولون لهم ملائكة الحق ' كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية ' فإنه شغلهم عنه بالأكل ، والشرب ، ولا مكر فوق هذا ، ولا حسرة أعظم منها عند العارفين بالله تعالى . وروي أنه كان حسن الكلام فهتف به هاتف تكلمت ، فأحسنت بقي عليك أن تسكت فتحسن ، فما تكلم بعد ذلك حتى مات ، وسئل هل يتفرغ المحب لشيء سوى محبوبه فقال : لا لأن المحب في بلاء دائم ، وسرور منقطع ، وأوجاع متصلة لا يعرفها إلا من باشرها رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر محمد بن موسى الواسطي رحمه الله تعالى ورضي عنه أصله من فرغانة ، وكان من قدماء أصحاب الجنيد ، والثوري وكان من علماء مشايخ القوم لم يتكلم أحد في أصول التصوف مثل كلامه ، وكان عالما بأصول الدين ، والعلوم الظاهرة دخل خراسان ، واستوطن كورة مرو ومات بها بعد العشرين والثلاثمائة ، وكلامه عندهم ليس بالعراق ، منه شيء لأنه خرج منها ، وهر شاس ومشايخه أحياء ، وتكلم في خراسان في أبيورد ، ومرو وأكثر كلامه بمرو ، وكان يقول : ابتلينا بزمان ليس فيه آداب الإسلام ، ولا أخلاق الجاهلية ، ولا أحلام ذوي المروءة ، وكان يقول : أفقر الفقراء من ستر الحق حقيقة حقه عنه ، وكان يقول : الخوف حجاب بين الله تعالى ، وبين العبد ، وهو اليأس ، والرجاء فإن خفته بخلته ، وإن رجوته اتهمته كيف يرى الفضل فضلا من لا يأمن أن يكون ذلك مكرا . وكان يقول : الذاكر في ذكره أشد غفلة من الناسي لذكره لأن ذكره سواء ، وكان يقول : التقوى أن يتقي العبد من تقواه يعني من رؤية تقواه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا ظهر الحق على السرائر لا يبقى فيها فضلة خوف ، ولا رجاء ، وكان يقول : احذروا لذة العطاء ، فإنها غطاء لأهل الصفاء ، ولولا شهود نفسه مع الحق ما استلذ ، وكان يقول : في صفة الصوفية كان للقوم إشارات ثم صارت حركات ، ثم لم يبق إلا حسرات ، وكان يقول : من عرف الله انقطع بل خرس ، وانقمع ، ولا تصح المعرفة ، وفي العبد استغناء بالله أو افتقار إليه ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' لا أحصي ثناء عليك ' هذه أخلاق من بعد مرماهم فأما الذين نزلوا عن هذا الحد فقد تكلموا في المعرفة فأكثروا رضي الله عنه أجمعين . ومنهم أبو عبد الله الشجري رحمه الله تعالى آمين صحب أبا حفص الحداد ، وهو من كبار مشايخ خراسان قطع البادية مرارا على التوكل رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه : من لم يقدس فعله لم يقدس بدنه ، ومن لم يقدس بدنه لم يقدس قلبه ، ومن لم يقدس قلبه لم يقدس نيته ، والأمور كلها مبنية على النية ، وكان يقول : علامة الأولياء ثلاثة تواضع عن رفعة ، وزهد عن قدرة ، وإنصاف عن قوة ، وكان رضي الله عنه يقول : بئس العبد عبد عصى الله بقلبه ، وجوارحه ثم اعتذر إليه بلسانه من غير رجوع إليه . قلت : والمراد بالرجوع إلى الله تعالى انكشاف حجاب العبد عن عجزه بحيث يعلم أن الأمر من الله تقديرا لا محيص له عن فعله ، ولا قوة له على دفعه بقرينة حديث ' إذا أذنب العبد فعلم أن له ربا يغفر الذنب ، ويأخذ به ' الحديث ، والله أعلم . وكان يقول : لا تعير أحدا حتى تتيقن أن ذنوبك مغفورة ، وذلك لا يصح لك وكان يقول : أنفع شيء للمريد صحبة الصالحين ، والاقتداء بهم في أفعالهم ، وأقوالهم ، وأخلاقهم ، وشمائلهم ، وزيارات قبور الأولياء ، والقيام بخدمة الأصحاب ، والرفقاء وكان رضي الله عنه يقول : لا ينبغي لبس المرقعة إلا للفتيان قيل ، ومن هم قال : من لا يشغلهم شيء عن الله عز وجل رضي الله عنهم أجمعين . ومنهم محفوظ بن محمود النيسابوري رضي الله تعالى عنه من أصحاب أبي حفص النيسابوري ، وكان من قدماء مشايخ نيسابور ، وأجلتهم ، وصحب أبا عثمان الحيري إلى أن مات ، وكان من أورع المشايخ ، وألزمهم لطريقة المتقدمين ، وصحب أيضا حمدون القصار ، وسلاما الباروسي ، وعليا النصراباذي ، وغيرهم من المشايخ . مات سنة ثلاث أو أربع وثلاثمائة بنيسابور ، ودفن بجانب أبي حفص ، وكان يقول : التائب هو الذي يتوب عن طاعاته فضلا عن غفلاته ، وكان يقول : لا تزن الخلق بميزان نفسك تهلك إنما ينبغي لك أن تزنهم لتعلم فضل الناس ، وإفلاسك ، وكان يقول : من ظن بمسلم فتنة فهو المفتون ، وكان يقول : من أراد أن يبصر طريقا من طريق رشده ، فليتهم نفسه في الموافقات فضلا عن المخالفات والله أعلم . ومنهم طاهر المقدسي رضي الله تعالى عنه وهو من أجلة مشايخ الشام ، وقدمائهم رأى ذا النون المصري ، وصحب يحيى الجلاء ، وكان عالما وهو الذي سماه الشبلي رضي الله عنه حبر الشام . ومن كلامه رضي الله عنه إنما سميت الصوفية بهذا الاسم ، لاستتارها عن الخلق بلوائح الوجد ، وانكشافها بشمائل الفضل ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يطيب العيش إلا لمن وطئ على بساط الأنس ، وعلا على سرير القدس ، وغيبه الأنس بالقدس ، والقدس بالأنس ، ثم غاب عن مشاهدتهما بمطالعة القدوس وكان يقول : المفاوز إليه منقطعة ، والطرق إليه منطمسة فالعاقل من وقف حيث وقف العوام والسلام . وعنهم أبو عمرو الدمشقي رضي الله تعالى عنه وهو أوحد مشايخ الشام ، وكان علماء الشام كلهم يذعنون إليه لا سيما في علوم الحقائق صحب أبا عبد الله محمد بن الجلاء ، وأصحاب في النون وله كتاب في الرد على من قال بقدم الأرواح . مات سنة عشرين وثلاثمائة . ومن كلامه رضي الله عنه : إن الله تعالى افترض على الأولياء كتمان الكرامات لئلا يفتتن بها الخلق ، وأوجب على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إظهارها بيانا ، وبرهانا بالحق ، وكان يقول : التصوف غض الطرف عن كل ناقص ليشاهد من هو منزه عن كل نقص وكان يقول : مقام الخطرات بعيد عن مقام الوطنات لأن الخواطر تلمع ، ثم تخفى ، والوطنات تبدو ثم تثبت ، والدعاوى تتولد من الخواطر ، وذلك لأن المدعي يظن أن ما لاح ثبت ، ولا دعوى لصاحب الوطنات بحال ، وكان رضي الله عنه يقول : استحسان الكون على العموم دليل على صحة المحبة ، واستحسانه على الخصوص يؤدي إلى الفتن ، والظلمات والله أعلم . ومنهم أبو بكر بن محمد حامد الترمذي رضي الله عنه هو من أجل مشايخ خراسان ، وأطهرهم خلقا ، وأحسنهم سياسة لقي قدماء المشايخ ببلخ مثل أحمد بن حضرويه ، ومن دونه ، وله أصحاب ينتمون إليه . ومن كلامه رضي الله عنه إذا مكثت الأنوار في السر نطقت الجوارح بالبر ، وكان يقول : إنكار الآيات للأولياء في قلوب الجهال من ضيق صدورهم عن المصادر ، وبعد علومهم عن موارد الحكمة ، والقدرة ، وكان رضي الله عنه يقول : الولي دائما في ستر حاله ، والكون كله ناطق عن ولايته ، والمدعي ناطق بولايته ، والكون كله ينكر عليه ، وكان يقول الاستهانة بالأولياء من قلة المعرفة بالله ، وما وصل عبد إلى مقام ، وهو غير محترم لأهله إلا حرم بركته ، وكان ذلك استدراجا وكان يقول : لا يسمى عالما إلا من وقف عند حدود الله لم يتجاوزها في وقت من الأوقات وكان يقول : ما استصغرت أحدا من المسلمين إلا وجدت نقصا في إيماني ، ومعرفتي ، وكان يقول : ما منع القوم من الوصول إلا الاستدلال بغير الدليل ، والركض في الطريق على حد الشهوة ، وأكل الحرام ، والشبهات ، وكان يقول : مخالفة أوامر الله ، وترك المواظبة على مرور ذكر الله على القلب من اعوجاج الباطن ، وكان يقول : رأس مالك قلبك ، ووقتك ، وقد شغلت قلبك بهواجس الظنون ، وضيعت أوقاتك باشتغالك بما لا يعينك فمتى يربح من خسر رأس ماله ، والله أعلم . ومنهم أبو الحسن محمد بن سعيد الوراق رحمه الله تعالى آمين من كبار المشايخ ، وقدماء أصحاب أبي عثمان رحمه الله تعالى ، وله كلام على سنن كلامه ، وكان عالما بعلوم الظواهر ، والكلام في علوم دقائق المعاملات ، وعيوب الأفعال مات قبل العشرين والثلاثمائة ، ومن كلامه رضي الله عنه الكرم في العفو أن لا تذكر جناية أخيك بعدما عفوت عنه ، وكان يقول : اللئيم لا ينفك عن ضيق الصدر أبدا ، وكان يقول : حياة القلوب التي تموت في ذكر الحي الذي لا يموت ، وأهنأ العيش الحياة ، مع الله تعالى لا غير . وكان يقول : كانت أحكامنا في مبادئ أمرنا بمسجد أبي عثمان الحيري الإيثار ، بما يفتح علينا ، وأن لا نبيت على معلوم ، ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم منه لأنفسنا بل نعتذر إليه ، ونتواضع له ، وإذا وقع في قلبنا حقارة لأحد قمنا بخدمته ، والإحسان إليه حتى يزول ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يفن عن نفسه ، وغيره وروية الخلق لا يحيا سره بمشاهدة الخيرات ، والمنن وكان يقول : أنفع العلوم العلم بأمر الله ، ونهيه ، ووعده ووعيده ، وثوابه ، وعقابه ، وأعلى العلم العلم بالله وأسمائه ، وصفاته ، وكان يقول : خوف القطيعة أذبلت نفوس المحبين ، وأحرقت أكباد العارفين ، وكان يقول : والأنس بالخلق ، وحشة ، والطمأنينة إليهم حمق ، والسكون إليهم عجز ، والاعتماد عليهم ، وهن والثقة بهم ضياع ، رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن علي بن سهل الصائغ الدينوري رضي الله عنه كان من كبار المشايخ أقام بمصر ، ومات بها في سنة ثلاثين وثلاثمائة ، وكان كبير الهيبة يهابه كل من رآه ، وكان من المخلصين في معاملة الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : ينبغي للمريد أن يترك الدنيا مرتين الأولى : يتركها بنضارتها ، ونعيمها ، وألوان مطاعمها ، ومشاربها ، وجميع ما فيها ثم إذا عرف بترك الدنيا ، وبجل ، وأكرم بسبب تركها ينبغي له إذ ذاك أن يستر حاله بالإقبال على أهلها لئلا يكون تركه للدنيا هو أعظم من الإقبال عليها ، أو طلبها وأي فتنة أعظم منها ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا سئل عن الاستدلال بالشاهد على الغائب كيف يستدل بصفات من يشاهد ، ويعاين ، وذو مثل على صفات من لا يشاهد ، ولا يعاين ، ولا مثل له ، ولا نظير له ، وكان يقول : من تعرض لمحبة الله تعالى جاءته المحن ، والبلايا ، والآفات من سائر الأقطار ، وكان يقول : يجب على الإخوان كلما اجتمعوا أن يتواصوا بالحق ، ويتواصوا بالصبر لقوله تعالى : ' وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ' ' العصر : 3 ' وكان يقول : محبتك لنفسك هي التي تهلكها والله تعالى أعلم . ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن داود القصار الرقي رضي الله عنه من كبار مشايخ الشام ، ومن أقران الجنيد ، وابن الجلاء إلا أنه عمر عمرا طويلا ، وصحب أكثر المشايخ من الشام ، وكان رضي الله عنه ملازما مجردا فيه محبا لأهله . مات سنة ست وعشرين وثلاثمائة ، وكان يقول : حبك من الدنيا شيئان صحبة فقير ، وحرمة ولي ، وكان يقول : الأبصار قوية ، والبصائر ضعيفة والله أعلم . ومنهم ممشاد الدينوري رضي الله عنه كان من كبار المشايخ القوم صحب ابن الجلاء ، ومن فوقه من المشايخ عظيم المرمى في علوم القوم كبير الحال ظاهر الفتوة مات سنة سبع وتسعين ومائتين ، وكان يقول : طريق الحق بعيد ، والصبر مع الله شديد ، وكان يقول : لو جمعت حكمة الأولين ، والآخرين ، وادعيت أحوال الأولياء ، والمقربين لن تصل إلى درجات العارفين حتى يسكن سرك إلى الله تعالى ، وتثق بضمانه فيما وعدك ، وقسم لك ، وكان يقول : من يكن الله همته لم تستطعه الأقدار ، ولم تملكه الأخطار ، وكان يقول : ما دخلت على فقير قط إلا ، وأنا خال من جميع النسب ، والعلوم ، والمعارف أنتظر بركات ما يرد علي من رؤيته ، أو كلامه ، وذلك لأن من دخل على شيخ بحظ انقطع بحظه عن بركات رؤيته ، ومجالسته ، وأدبه ، وكلامه ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت في بعض سياحتي شيخا توسمت فيه الخير فقلت له : عظني بكلمة فقال همتك احفظها فإن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال والأحوال ، وكان يقول : أحسن الناس حالا من أسقط عن نفسه رؤية الخلق ، وراعى سره في الخلوات مع الله واعتمد عليه في جميع الأمور ، وكان رضي الله عنه يقول : أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، في حال الكشف ، والمشاهدة ، وأرواح الأولياء في القربة ، والاطلاع وكان رضي الله عنه يقول : فقدت قلبي منذ عشرين سنة مع الله تعالى ، وتركت قولي للشيء كن فيكون منذ عشرين سنة أدبا مع الله عز وجل قال بعضهم معناه أنه كان يرجع إلى قلبه ثم يرجع بقلبه إلى الله ومعنى تركت قولي للشيء كن فيكون أنه كان مجاب الدعوة كلما دعا أجيب ثم ارتفع عن ذلك إلى الله تعالى فصار بمراد الله لا بمراده فترك الدعاء ، وكان يقول : كان عندنا رجل أخذ في التقلل حتى وقف على نواة ثم صار قوته الماء ، وقيل له : إذا جاع الفقير أيش يعمل ؟ قال يصلي قيل : فإن لم يقدر قال ينام قيل له : فإن لم يقدر ينام قال : إن الله تعالى لا يخلي فقيرا عن إحدى ثلاث إما قوى ، وإما غذاء ، وإما أخذ والله أعلم . ومنهم أبو الحسين خير النساج رضي الله تعالى عنه أصله من أسر من رأى ، إلا أنه أقام ببغداد وصحب أبا حمزة البغدادي ولقي السري السقطي ، وهو من أقران النوري ، وعمر طويلا على ما قيل مائة وعشرين سنة وتاب في مجلسه الخواص ، والشبلي ، وكان أستاذا لجماعة ، ومن كلامه رضي الله عنه : الصبر من أخلاق الرجال ، والرضا من أخلاق الكرام ، وكان رضي الله عنه يقول : العمل الذي يبلغ فيه العبد إلى الغايات هو رؤية التقصير ، والعجز ، والضعف ، وكان رضي الله عنه يقول : قص موسى يوما في بني إسرائيل فزعق واحد من القوم فانتهره موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه يا موسى بطيبي باحوا ، وبوجدي صاحوا فلم تنكر علي عبادي ؟ ومنهم أبو حمزة الخراساني رحمه الله تعالى آمين يقال إن أصله من نيسابور من محلة ملقاباذ صحب مشايخ بغداد ، وهو من أقران الجنيد رضي الله عنه ، وسافر مع أبي تراب النخشبي وأبي سعيد الخراز ، وكان من أفتى المشايخ ، وأدينهم ، وأورعهم مات سنة تسع وثلاثمائة ، وكان الإمام أحمد رضي الله عنه إذا عرضت عليه مسألة تتعلق بطريق القوم يقول له : ما تقول في هذه المسألة يا صوفي ، وكان يقول : بقيت محرما في عباءة أسافر ألف فرسخ كل سنة كلما تحللت أحرمت جديدا سنين عديدة . قلت : وعري البدن للفقير إشارة للتجرد بالباطن عن الكون ، وقوله كلما تحللت أحرمت أي كلما ملت إلى شهوة جددت توية ، والله أعلم . ومنهم أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن أبي بكر الصنجي رضي الله عنه كان من كبار أهل البصرة مكث في سرب في داره لم يخرج منه ثلاثين سنة ، وكان اجتهاده متواليا لا يفتر حتى أخرجه أهل البصرة منها فخرج إلى السوس ، ومات بها ، وقبره هناك ظاهر يزار ، وكان عالما بعلوم القوم ، وبالأصول وكان صاحب ورع ولسان ، وكان رضي الله عنه يقول : السماع بالتصريح جفاء ، والسماع بالإشارة تكليف وألطف السماع ما يشكل إلا على مستمعه ، وكان رضي الله عنه يقول لا يقطعك شيء عن شيء إلا إذا كان القاطع أتم ، وكمل ، وأعلى عندك فإن كان مثله أو دونه فلا يقطعك فالحكم لما غلب على القلب ، والسلام وكان يقول : ابتلى الخلائق بأسرهم بالدعاوي العريضة في المغيب فإذا أظلتهم هيبة المشهد خرسوا ، وانقمعوا وصاروا لا شيء ، ولو صدقوا في دعاويهم لبرزوا عند المشاهدة كما برز نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للشفاعة دون غيره ، ويقول : أنا لها أنا لها ، ولم ترعه هيبة الموقف لما كان عليه من قدم الصدف ، وكان يقول : الغريب هو البعيد عن وطنه ، وهو مقيم فيه لقلة جنسه رضي الله عنه . ومنهم أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان رحمه الله تعالى هو من كبار مشايخ نيسابور صحب أبا عثمان ولقي أبا حفص ، وهو أحد الخائفين الورعين جاور بمكة في آخر عمره وعشرين سنة متوالية نعى بموت أبي بشر سنة سبع ، وثمانين ، وثلاثمائة ، وكان بمكة ، وكان أوحد مشايخ الحرم في وقته ، ومات أبو جعفر بن حمدان سنة إحدى عشرة ، وثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : تكبر المطيعين على العصاة بطاعتهم شر من معاصيهم ، وأضر عليهم منها كما أن غفلة العبد عن توبة ذنب ارتكبه شر من ارتكابه ، وكان يقول : أنت تبغض العاصي بذنب ، واحد تظنه ، ولا تبغض نفسك بذنوب كثيرة تتيقنها وكان رضي الله عنه يقول : من سكنت عظمة الله قلبه عظم كل من انتسب إلى الله تعالى بالعبودية ، وكان يقول : من علامة صدق من انقطع إلى الله تعالى أن يرد عليه قط ما يشغله عنه من مصائب الدنيا وغيرها رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر بن جحدر الشبلي رضي الله عنه ومكتوب على قبره جعفر بن يونس خراساني الأصل بغدادي المولد ، والمنشأ تاب في مجلس خير النساج كما مر ، وصحب أبا القاسم الجنيد ، ومن عاصره من المشايخ ، وصار أوحد أهل الوقت علما ، وحالا وظرفا . تفقه على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه ، وكتب الحديث الكثير . عاش سبعا وثمانين سنة ، ومات سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة ، ودفن ببغداد في مقبرة الخيزران ، وقبره فيها ظاهر يزار رضي الله عنه ، ورحمه ، وكانت مجاهداته في بدايته فوق الحد وكان رضي الله عنه يقول : اكتحلت بالملح كذا ، وكذا ليلة لأعتاد السهر ، ولا يأخذني النوم فلما زاد علي الأمر حميت الميل ، واكتحلت به . وكان يقول عن علم القوم : ما ظنك بعلم علم العلماء فيه تهمة . وقيل له : إن أبا تراب النخشبي جاع يوما في البداية فرأى البادية كلها طعاما فقال هذا عبد رفق به ولو بلغ إلى محل التحقيق لكان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني ' وقيل له متى يكون الشخص مريدا قال : إذا استوت حالاته في السفر ، والحضر والمشهد ، والمغيب وقيل له متى يكون الشخص مريدا قال : إذا استوت حالاته في السفر ، والحضر والمشهد ، والمغيب وقيل له مرة كيف الدنيا فقال : قدر يغلي ، وكنيف يملأ ، وكان يقول : في مناجاته أحبك الخلق لنعمائك وأنا أحبك لبلائك ، وكان رضي الله عنه يقول : رفع الله قدر الوسائط بعلو هممهم فلو أجرى على الأولياء ذرة مما كشف للأنبياء عليهم الصلاة والسلام لبطلوا ، وانقطعوا . وأخر مرة العصر حتى دنت الشمس إلى الغروب فقام وصلى ، وأنشد مداعبا ، وهو يضحك ، ويقول أحسن ما قال بعضهم : نسيت اليوم من عشقي صلاتي . . . فلا أدري عشائي من غدائي وكان يقول : كل صديق لا يكون له معجزة فهو كذاب فلما دخل البيمارستان دخل الوزير فقال : أين قولك كل صديق بلا معجزة كذاب فأين معجزتك أنت فقال معجزتي موافقة الله في أوامره ، ونواهيه وكان يقول : ليس للمريد فترة ، ولا للعارف علاقة ، ولا للمحب شكوى ، ولا للصادق دعوى ، ولا للخائف قرار ، ولا للخلق من الله فرار ، وكان يقول لأهل عصره أنتم قبور فقيل له لماذا فقال لأن كل واحد منكم مدفون في ثيابه فقال له رجل ، ونحن نعد في الأموات فقال : نعم العارفون نيام ، والجاهلون أموات ، وقيل له مزقت جميع ملبوسك ، والعيد قد أقبل ، والناس يتزينون ، وأنت هكذا فقال زينة الفقير فقره ، وصبره على فقره ، وكان يقول : إنما تصفر الشمس عند الغروب لأنها عزلت عن مكان التمام فاصفرت لخوف المقام ، وهكذا المؤمن إذا قارب خروجه من الدنيا اصفر لونه فإنه يخاف المقام ، وإذا طلعت الشمس طلعت مضيئة منيرة . كذلك المؤمن إذا خرج من قبره خرج ، ووجهه مشرق مضيء وقال له رجل مرة من أنت قال : النقطة التي تحت الباء فقال أنت شاهدي ما لم تجعل لنفسك مقاما وكان رضي الله عنه يقول : ذلي عطل ذل اليهود قال بعض العارفين في معناه أي لأن ذل الذليل على قدر معرفته بعظمة من ذل له ، والشبلي بلا شك أعرف بعظمة الله تعالى من اليهود فذله أعظم من ذل اليهود . وجاءه رجل فقال يا سيدي كثرت عيالي ، وقل حيلي فقال له : أدخل دارك فكل من رأيت رزقه عليك فأخرجه ، وكل من رأيت رزقه على الله تعالى فاتركه في الدار ، وكان إذا أعجبه صوف أو قلنسوة أو عمامة لفها وأدخلها النار فأحرقها ، ويقول كل شيء مالت إليه النفس دون الله تعالى وجب إتلافه فقيل له لم لا تتصدق به فقال : صورته باقية فربما تبعته النفس إذا رأته على الغير فكان الإحراق أسرع في إتلافه مبادرة للإقبال على الله عز وجل ، وقد بادر إبراهيم عليه السلام حين أمر بالختان إلى الفأس فاختتن بها فقيل له هلا صبرت حتى تجد الموسى فقال عليه السلام تأخير أمر الله عظيم وكان يقول : لا أستريح إلا إذا لم أر لله ذاكرا على وجه الأرض قال بعضهم مراده لا أستريح إلا إن دخلت حضرت الشهود لأنه لا ذكر فيها فإن الذكر إنما يكون مع الحجاب لأنه دليل فإذا شهد المدلول سقط الوقوف عن الدليل بل عن شهود الدليل ، ومروره على الخاطر . وقيل له : لم سميت الصوفية بهذا الاسم فقال : لبقية بقيت عليهم ، ولولا ذلك لما تعلقت بهم تسمية ، وكان يقول : من اطلع على ذرة من التوحيد ضعف عن حمل نبقة لثقل ما حمل ، وكان رضي الله عنه يقول : من طلبه به تعالى صح توحيده ، ومن طلبه بنفسه لم يصح له توحيد ، وكان أبو بكر الدينوري خادم الشبلي يقول : سمعت الشبلي يقول قبل موته : علي درهم واحد مظلمة ظلمته أيام ، ولايتي ، وقد تصدقت عن صاحبه بألوف ، وما على قلبي أعظم منه وسئل مرة عن المعرفة فقال أولها الله ، وآخرها ما لا نهاية له ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف لا يكون لغيره لاحظا ، ولا لكلام غيره لافظا ، ولا يرى لنفسه غير الله حافظا ، وكان يقول : المحب إذا لم يتكلم هلك والعارف إذا تكلم هلك ، وكان غيره يقول : العارف إذا تكلم أهلك غيره ، وإذا سكت أهلك نفسه فنجاة نفسه أولى ، وصلى مرة خلف إمام فقرأ : ' ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ' ' الإسراء : 86 ' الآية فزعق زعقة كادت روحه تخرج ، وقال هذا خطابه لأحبابه فكيف خطابه لأمثالنا ، ولاموه في قلة النوم فقال : سمعت الحق يقول لي من نام غفل ، ومن غفل حجب ، وكان هذا سبب اكتحالي بالملح حتى لا أنام ، وقال للحصري في بداية أمره إن خطر ببالك من الجمعة إلى الجمعة الثانية غير الله تعالى فحرام عليك أن تحضرني وكان يقول في بيت الله الحرام آثار خليله عليه السلام ، وفي القلب آثار الله عز وجل ، وللبيت أركان وللقلب أركان فأركان البيت من الصخر ، وأركان القلب من معادن أنوار معرفته . وكان رضي الله عنه يقول : قيل لمجنون بني عامر أتحب ليلى قال لا قيل ، ولم ؟ قال لأن المحبة ذريعة للوصلة ، وقد سقطت الذريعة فليلى أنا ، وأنا ليلى . وكان ابن بشار ينهى الناس عن الاجتماع بالشبلي ، والاستماع لكلامه فجاءه ابن بشار يوما يمتحنه فقال له ابن بشار : كم في خمس من الإبل فسكت الشبلي فأكثر عليه ابن بشار فقال له الشبلي في واجب الشرع شاة ، وفيما يلزم أمثالنا كلها فقال له ابن بشار هل لك في ذلك إمام قال نعم قال من . قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حيث أخرج ماله كله فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ' ما خلفت لعيالك ' قال الله ، ورسوله . فرجع ابن بشار ، ولم ينه بعد ذلك أحدا عن الاجتماع بالشبلي ، وقال في قوله تعالى : ' قل للمؤمنين ' يغضوا من أبصارهم قال أبصار الرؤوس عما حرم الله تعالى ، وأبصار القلوب عما سوى الله . وقال في قوله تعالى : ' إلا من أتى الله بقلب سليم ' ' الشعراء : 89 ' هو قلب إبراهيم عليه السلام لأنه كان سالما من خيانة العهد ، ومن السخط على مقدور كائنا ما كان ، وسئل رضي الله عنه عن حديث إذا رأيتم أهل البلاء فاسألوا ربكم العافية فقال أهل البلاء هم أهل الغفلة عن الله تعالى ، ولبس رضي الله عنه يوم عيد ثوبين جديدين فرأى الناس يسلم بعضهم على بعض لأجل ثيابهم فطرح ثوبيه في تنور فقيل له لم فعلت ذلك قال أردت أن أحرق ما يعبد هؤلاء ثم لبس ثيابا زرقا ، وسودا ، وكان إذا دخل عليه فقير يقول له : أعندك خبر أو عندك أثر ؟ ثم ينشد : أسائل عن ليلى فهل من مخبر . . . يخبرنا علما بها أين تنزل ثم يقول : وعزتك ، وجلالك ما غيرك في الدارين مخبر ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ظنك بشمس الشموس كلها فيها ظلمة . وحكي أن رجلا صاح في مجلس الشبلي فرمي به في دجلة ، وقال إن كان صادقا نجاه الله تعالى كما نجى موسى عليه السلام ، وإن كان كاذبا أغرقه الله كما أغرق فرعون ، وكان يقول : من طلب الحق بالمجاهدات فهو بعيد عن وصوله إلى مطلوبه ، ومن طلبه به تعالى ، وصل إليه ثم أنشد : أيها المنكح الثريا سهيلا . . . عمرك الله كيف يجتمعان هي شامية إذا ما استهلت . . . وسهيل إذا استهل يماني رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد المرتعش النيسابوري رحمه الله تعالى صحب أبا حفص وأبا عثمان ، والجنيد ، وأقام ببغداد حتى صار أوحد مشايخ العراق ، وكانوا يقولون : عجائب بغداد في التصوف ثلاثة الشبلي في الإشارات ، والمرتعش في المكاشفات ، وجعفر الخلدي في الحكايات ، وكان رحمه الله مقيما بمسجد الشونيزية مات ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، ومن كلامه رضي الله عنه سكون القلوب إلى غير الله عقوبة عجلها الله للعبد في الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول : ذهبت حقائق الأشياء ، وبقيت أسماؤها فالأسمار موجودة ، والحقائق مفقودة ، والدعاوى في السرائر مكنونة ، والألسنة بها فصيحة ، وعن قريب تفقد هذه الألسن ، وهذه الدعاوى فلا يوجد لسان ناطق ، ولا مدع صائب ، وكان يقول : المسلم محبوب إلى الخلق ، والمؤمن غني عن الخلق ، واعتكف مرة قي العشر الأخير من رمضان فرأى المتعبدين يتهجدون ، والقراء يقرءون فقطع الاعتكاف ، وخرج فقيل له في ذلك فقال : لما رأيت تعظيمهم لطاعتهم واعتمادهم على عبادتهم لم يسعني إلا الخروج خوفا من نزول البلاء عليهم رضي الله عنه . ومنهم أبو علي الروذباري ، واسمه أحمد بن محمد رضي الله تعالى عنه هو من ذرية كسرى ، وهو من أهل بغداد وسكن مصر ، وكان شيخها ، وبها مات سنة اثنتين وعشرين ، وثلاثمائة ، ودفن بالقرافة قريبا من ذي النون المصري رحمه الله تعالى . صحب الجنيد والنوري ، وأبا حمزة البغدادي ، وكان حافظا للحديث ظريفا عارفا بالطريقة ، وكان يفتخر . بمشايخه فيقول : شيخي في التصوف الجنيد ، وفي الفقه أبو العباس بن سريج ، وفي الأدب ثعلب ، وفي الحديث إبراهيم الحربي رضي الله عنهم أجمعين . وكان رضي الله عنه يقول : الإشارة الإبانة عما يتضمنه الوجد من المشار إليه لا غير ، وفي الحقيقة إن الإشارة تصحبها العلل ، والعلل بعيدة عن الحقائق ، وسئل عمن يسمع الملاهي ، ويقول : هي لي حلال لأني قد ، وصلت إلى درجة لا تؤثر في الاختلاف فقال : نعم قد ، وصل ، ولكن إلى سقر ، وكان يقول : لو تكلم أهل التوحيد بلسان التجريد لما بقي محب إلا مات ، وكان يقول : كيف تشهده الأشياء ، وبه فنيت بذواتها عن ذواتها أم كيف غابت الأشياء عنه ، وبه ظهرت بصفاتها فسبحان من لا يشهده شيء ، ولا يغيب عنه شيء ، وكان يقول : لما تشوقت القلوب إلى مشاهدة ذات الحق ألقى عليها الأسامي فسكنت وركنت إليها ، والذات متسترة إلى أوان التجلي ، وذلك قوله تعالى : ' ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ' ' الأعراف : 180 ' الآية أي قفوا معها على إدراك الحقائق ، وكان يقول : أظهر الحق الأسامي ، وأبداها للخلق ليسكن لها قلوب المحبين ويؤنس بها قلوب العارفين له ، وكان يقول المشاهدات للقلوب ، والمكاشفات للأسرار ، والمعاينات للبصائر والمرئيات للأبصار ، وكان يقول : من نظر إلى نفسه مرة عمي عن النظر إلى شيء من الأكوان على وجه الاعتبار ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ادعى أحد قط إلا لخلوه عن الحقائق ، ولو تحقق في شيء لنطقت عنه الحقيقة ، وأغنته عن الدعاوى ، وكان يقول : التصوف هو الإناخة على باب الحبيب ، وإن طرد وسئل رضي الله عنه عن التصوف مرة أخرى فقال : هو صفوه القرب بعد كدورة البعد ، وكان رضي الله عنه يقول : أدركنا الناس ، وكانوا يجتمعون لا عن مواعدة ، ويفترقون لا عن مشورة ، وكان إذا شاوره فقير بالذهاب يعرض عنه بالجواب ، وكان يقول : من علامة مقت الله للعبد أن يتقلق من مجلس الذكر إذا طال لأنه لو أحبه لكان الألف سنة في حضرته كلمح البصر . وكان يقول : لا ينبغي أن يربي الأحداث إلا الكمل الذين استولت عليهم هيبة الله تعالى وقد كان أحدهم يربي الحدث حتى تطلع لحيته لا يعلم بذلك إلا من الناس قال : وكان عندنا ببغداد عشرة فتيان معهم عشرة أحداث كل واحد منهم معه حدث ، وكانوا مجتمعين في موضع . فوجهوا واحدا من الأحداث ليأخذ لهم حاجة فأبطأ عليهم فغضبوا لتأخيره عنهم ثم أقبل ، وهو يضحك ، وبيده بطيخة يقلبها فقالوا له : كم اشتريتها فقال : بعشرين درهما فقالوا له : ما السبب في غلوها فقال : رأيت فقيرا ، وضع يده عليها فالتمست لكم البركة بوضع يده عليها فرضوا منه ذلك ، وتقاسموها ، وقالوا زادك الله تعظيما لأهل الطريق فما مات الحدث حتى صار من أكابر أهل الطريق ، وكان يطعم الفقراء الحلواء ، واتخذ مرة أحمالا من السكر الأبيض ، ودعا جماعة من الحلوانيين حتى عملوا من ذلك السكر جدارا ، وعليه شرفات ، ومحاريب على أعمدة منقوشة كلها من السكر ثم دعا الصوفية فهدموها ، وكسروها ، وانتهبوها وهو يتبسم رضي الله عنه . ومنهم أبو علي محمد بن عبد الوهاب الثقفي رحمه الله تعالى لقي أبا حفص ، وحمدون القصار ، وكان إماما في أكثر علوم الشرع مقدما في كل فن منه ثم عطل أكثر علومه ، واشتغل بعلم الصوفية ، وتكلم عليه أحسن الكلام ، وبه ظهر التصوف بنيسابور ، وكان أحسن المشايخ كلاما في عيوب النفس ، وآفات الأفعال مات سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وكان يقول : كمال العبودية هو العجز ، والقصور عن تدارك معرفة علل الأشياء بالكلية ، وكان رضي الله عنه يقول : من صحب الأكابر من غير طريق الخدمة حرم فوائدهم ، وبركات نظرهم ، ولم يظهر عليه من أنوارهم شيء وكان يقول : من غلبه هواه توارى عنه عقله . وكان يقول : الغفلة ، وسعت على الناس الطرق في معاشهم ، وأفعالهم ، وأحوالهم ، والورع واليقظة ضيقا عليهم ذلك ، وكان يقول : لو أن رجلا جمع العلوم كلها ، وصحب طوائف الناس لا يبلغ مبالغ الرجال إلا بالرياضة من شيخ أو إمام مؤدب ناصح ، ومن لم يأخذ أدبه من آمر له ، وناه يريه عيوب أفعاله ، ورعونات نفسه لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات ، وكان رضي الله عنه يقول : يأتي على هذه الأمة زمان لا تطيب فيه المعيشة لمؤمن إلا بعد استناده لمنافق ، وكان يقول في كلامه : يا من باع كل شيء بلا شيء واشترى لا شيء بكل شيء رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن منازل النيسابوري رضي الله عنه شيخ الملامتية ، وأوحد وقته بنيسابور له طريقة تفرد بها . صحب حمدون القصار ، وأخذ طريقه ، وكان عالما بعلوم الظاهر كتب الحديث الكثير ، وكان أبو علي الثقفي يحترمه ، ويبجله ، ويرفع مقداره مات بنيسابور سنة تسع وعشرين وثلاثمائة . ومن كلامه رضي الله عنه لا خير في فقير لم شفق ذل المكاسب ، وذل الرد ، وكان رضي الله عنه يقول : من رفع ظن نفسه عن نفسه عاش الناس في ظله ، وكان يقول : عبر لسانك عن حالك ، ولا تكن بكلامك حاكيا لأحوال غيرك ، وكان يقول : إذا لم تنتفع أنت بعلمك فكيف ينتفع به غيرك ، وكان يقول : من التزم شيئا لا يحتاج إليه ضيع من أحواله ما يحتاج إليه ، ولا بد منه ، وكان يقول : لم يضيع أحد من الفقراء فريضة من الفرائض إلا ابتلاه الله بتضييع السنن ، ولم يبتل أحد من الفقراء بتضييع السنن إلا أوشك أن يبتلى بالبدع ، وكان يقول : لا يجتمع التسليم ، والدعوى لأحد بحال ، وكان يقول : لو صح لعبد في عمره نفس واحد من غير رياء ، ولا شرك لأثر بركات ذلك عليه إلى آخر الدهر ، وكان يقول : لم تظهر دعوى العبودية ، وتضمر أوصاف الربوبية وكان يقول : من احتجت إلى شيء من علومه فلا تنظر إلى شيء من عيوبه فإن نظرك إلى عيوبه يحرمك بركة الانتفاع بعلومه وكان يقول : أفضل أوقاتك ، وقت يسلم الناس فيه من سوء ظنك رضي الله عنه . ومنهم أبو مغيث الحسين بن منصور الحلاج رحمه الله تعالى وهو من أهل بيضاء فارس ، ونشأ بواسط العراق . صحب الجنيد ، والنوري ، وعمرو بن عثمان المكي والفوطي ، وغيرهم رحمهم الله أجمعين ، والمشايخ في أمره مختلفون رده أكثر المشايخ ، ونفوه ، وأبوا أن يكون له قدم في التصوف ، وقبله بعضهم منهم أبو العباس بن عطاء ، ومحمد بن حنيف ، وأبو القاسم النصراباذي ، وأثنوا عليه ، وصححوا حاله ، وحكوا عنه كلامه . وجعلوه أحد المحققين حتى كان محمد بن حنيف يقول : الحسين بن منصور عالم رباني . قتل رحمه الله تعالى ببغداد بباب الطاق يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة سنة تسع ، وثلاثمائة . قلت : ورأيت في تاريخ ابن خلكان ما نصه قتل الحسين الحلاج ، ولم يثبت عليه ما يوجب القتل رضي الله عنه ، وقد أشار القشيري إلى تزكيته حيث ذكر عقيدته مع عقائد أهل السنة أول الكتاب فتحا لباب حسن الظن به ثم ذكره في أواخر الرجال لأجل ما قيل فيه ، وقد تقدم بسط ذلك في مقدمة الكتاب ، والله تعالى أعلم . ومن كلامه رضي الله عنه حجبهم بالاسم فعاشوا ولو أبرز لهم علوم القدرة لطاشوا ، ولو كشف لهم عن الحقيقة لماتوا ، وكان يقول : أسماء الله من حيث الإدراك اسم ، ومن حيث الحق حقيقة ، وكان يقول : إذا تخلص العبد إلى مقام المعرفة أوحى إليه بخواطره ، وحرس سره أن يسبح فيه غير خاطر الحق ، وعلامة العارف أن يكون فارغا من الدنيا والآخرة . وسئل عن المريد فقال : هو الرامي بأول قصده إلى الله تعالى فلا يعرج حتى يصل وسئل عن التصوف ، وهو مصلوب فقال للسائل أهونه ما ترى ، وكان يقول : ومن لاحظ الأعمال حجب عن المعمول له ، ومن لاحظ المعمول له حجب عن رؤية الأعمال ، وكان يقول : لا يجوز لمن يرى غير الله أو يذكر غير الله أن يقول : عرفت الله الأحد الذي ظهرت منه الآحاد وكان يقول : من أسكرته أنوار الترحيب ، حجبته عن عبارة التجريد ، بل من أسكرته أنوار التجريد نطق عن حقائق التوحيد ، لأن السكران هو الذي ينطق بكل مكنون ، وكان يقول : من التمس الحق بنور الإيمان ، كان كمن طلب الشمس بنور الكواكب ، وكان يقول : ما انفصلت عنه ، ولا اتصلت به ، وكان يقول : المتوكل المحق لا يأكل وفي البلد من هو : أحق منه بذلك الأكل ، وسئل عن الصوفي فقال : هو وحداني الذات لا يقبله أحد ، وهو المشير عن الله تعالى ، وإلى الله ، ووقف عليه رجل فقال : من الحق الذي تشيرون إليه فقال معل الأنام فلا يعل ، وسئل عن حال موسى عليه السلام في وقت الكلام فقال : بدا لموسى من الحق باد فلم يبق لموسى ثم أثر فني موسى عن موسى ، ولم يكن لموسى خبر عن موسى ثم كلم فقال المكلم هو المتكلم بحصول موسى في حال الجمع ، وفنائه عنه ، ومتى كان موسى يطيق حمل الخطاب أو يأباه ، ولكن بالله قام ، وبه سمع ، وكان يقول : إذا دام البلاء بالعبد ألفه ، وقال أبو العباس الرازي كان أخي خادما للحسين بن منصور قال : فسمعته يقول لما كان الليلة التي وعد من الغد بقتله قلت يا سيدي أوصني قال عليك بنفسك إن لم تشغلها شغلتك فلما كان من الغد ، وأخرج للقتل قال حسب الواحد إفراد الواحد له ثم خرج يتبختر في قيده ويقول : نديمي غير منسوب . . . إلى شيء من الحيف سقاني مثل ما يشرب . . . بفعل الضيف للضيف فلما دارت الكاسا . . . ت دعا بالنطع ، والسيف كذا من يشرب الراح . . . مع التنين بالصيف ثم قال يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها ، والذين آمنوا مشفقون منها ، ويعلمون أنها الحق ثم ما نطق بعد ذلك بشيء حتى فعل به ما فعل . قال القضاعي ، وقتل في خلافة جعفر بن المعتضد ، وقطعت يداه ، ورجلاه أولا ثم جز رأسه ، وأحرق بالنار رحمه الله . وقال الفناد لقيت الحلاج يوما فأنشدني : ولي نفس ستتلف أو سترقى . . . لعمرك بي إلى أمر عظيم وقال : لم يبق بيني ، وبين الحق إثنان . . . ولا دليل بآيات ، وبرهان كان الدليل له منه إليه به . . . حقا وجدناه في علم ، وفرقان هذا وجودي ، وتصريحي ومعتقدي . . . هذا توحد توحيدي ، وإيماني هذا تجلي نور الحق نائرة . . . قد أزهرت في تلاليها بسلطان لا يستدل على الباري بصنعته . . . وأنتم حدث ينبي عن أزماني وكتب إلي أبي العباس بن عطاء رحمه الله تعالى : أطال الله حياتك ، وأعدمني ، وفاتك على أحسن ما جرى به قدر أو نطق به خبر مع مالك في قلبي من لواعج أسرار محبتك ، وأفانين ذخائر مودتك ما لا يترجمه كتاب ، ولا يحصيه حساب ، ولا يفنيه عتاب ثم كتب تحت ذلك : كتبت ، ولم أكتب إليك ، وإنما . . . كتبت إلى روحي بغير كتاب وذلك أن الروح لا قرب بينها . . . وبين محبيها بفصل خطاب وكل كتاب صادر منك وارد . . . إليك بلا رد الجواب جوابي رضي الله عنه . ومنهم أبو الخير الأقطع التيناتي رحمه الله تعالى أصله من المغرب ، وسكن التينات ، وله آيات ، وكرامات يطول شرحها . صحب أبا عبد الله بن الجلاء ، وغيره من المشايخ رحمهما الله تعالى ، وكان أوحد أهل زمانه في التوكل كانت السباع ، والهوام تأنس به وله فراسة حادة . مات بمصر سنة نيف وأربعين ، وثلاثمائة ، ودفن بجنب منارة الديلمية بالقرافة الصغرى رضي الله عنه كان رضي الله عنه يقول : أتيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنا جائع فقلت أنا ضيفك يا رسول الله ، وتنحيت ، ونمت خلف المنبر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقبلت ما بين عينيه فدفع لي رغيفا فأكلت نصفه ، وانتبهت ، وبيدي النصف الآخر ، وكتب إلى أبي جعفر الخلدي قد جهل الفقراء عليكم في هذا الزمان ، وأصل ذلك منكم لأنكم تصدرتم للمشيخة قبل الكمال فاشتغلتم بتأديب نفوسكم عن تأديبهم ، وكان يقول : الذاكر لله لا يقوم له في ذكره عوض فإذا قام له عوض خرج عن ذكره . ودخل عليه جماعة من البغداديين يتكلمون بشطحهم فضاق صدره من كلامهم فخرج عنهم فجاء السبع فدخل البيت فانضم بعضهم إلى بعض ، وسكتوا وتغيرت أحوالهم ، وألوانهم وخافوا منه خوفا شديدا فدخل عليهم أبو الخير ، وقال يا إخواني أين تلك الدعاوى ثم طرد السبع عنهم ، وكان إبراهيم الرقي يقول قصدت أبا الخير التيناتي مسلما عليه فصلى المغرب فما قرأ الفاتحة مستويا فقلت في نفسي ضاعت سفرتي فلما سلمت خرجت للطهارة فقصدني السبع فعدت إليه ، وقلت له : إن الأسد قصدني فخرج ، وصاح عليه ، وقال : ألم أقل لك لا تتعرض لضيفاني فتنحى الأسد ، ومضيت أنا ، وتطهرت فلما رجعت قال لي اشتغلتم بتقويم الظواهر فخفتم الأسد واشتغلنا بتقويم البواطن فخافنا الأسد ، وكان يقول : إياك أن تطلب من الله أن يصبرك ، ولكن اسأل الله اللطف بك فهو أولى لأن تجرع مرارات الصبر شديد على أمثالنا ، ولما هرب السيد زكريا عليه الصلاة والسلام من اليهود ، ونادته الشجرة إلي يا زكريا ، وانفرجت له ، ودخل في جوفها ، وانطبقت عليه لحقه العدو ، فتعلق بعباءته ، وناداهم إن هذا زكريا فأخرجوا المنشار فنشروه مع الشجرة فلما بلغ المنشار إلى زكريا عليه السلام أن منه أنة فأوحى الله إليه يا زكريا ، وعزتي ، وجلالي لئن صعدت منك أنة ثانية لأمحونك من ديوان النبوة فعض زكريا على الصبر حتى قطع شطرين . وكان سبب قطع يده أنه عقد مع الله عقدا أن لا يمد يده إلى شيء مما تنبت الأرض بشهوة فنسي ، وتناول عنقودا من شجرة البطم فبينما هو يلوكه إذ تذكر العقد فرمى بالعنقود وبقي ما في فمه فبصقه ، وجلس نادما قال فما استقر بي الجلوس حتى دار بي فرسان ، ورجال وقالوا قم فساقوني إلى أن أخرجوني إلى ساحل بحر الإسكندرية فرأيت هناك أميرا ، وبين يديه سودان قد قطعوا الطريق فوجدوني أسود اللون ، ومعي ترس ، وحربة ، وةف فقالوا : هذا منهم بلا شك فقطع أيديهم ، وأرجلهم إلى أن وصل إلي فقال لي : قدم يدك فمددتها فقطعها فقال : مد رجلك فمددتها ، ثم رفعت رأسي ، وقلت إلهي ، وسيدي ، ومولاي يدي جنت فرجلي ماذا صنعت فدخل عليه فارس ، ورمى بنفسه على الأمير وقال : هذا رجل صالح يعرف بأبي الخير التيناتي فرمى الأمير نفسه إلى الأرض ، وأخذ يدي المقطوعة من الأرض يقبلها ، وتعلق بي يبكي ، ويعتذر إلي فقلت له : جعلتك في حل من أول ما قطعتها ، وقلت : يد جنت فقطعت رضي الله عنهم أجمعين . ومنهم أبو بكر بن محمد بن علي بن جعفر الكتاني رضي الله تعالى عنه أصله من بغداد ، وصحب الجنيد ، والنوري ، وأبا سعيد الخراز ، وأقام بمكة ، وجاور بها إلى أن مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ، وكان أحد الأئمة المشار إليهم في علم الطريق ، وكان المرتعش رضي الله عنه يقول : الكتاني سراج الحرم . ومن كلامه رضي الله عنه إذا سألت الله التوفيق فابتدر العمل ، وكان يقول : كن في الدنيا ببدنك ، وفي الآخرة بقلبك ، وكان يقول : روعة عند انتباه من غفلة ، وانقطاع عن حظ نفس ، وارتعاد من خوف قطيعة أفضل من عبادة الثقلين ، ونظر مرة إلى رجل شيخ كبير يسأل الناس ، فقال هذا رجل ضيع أمر الله في صغره فضيعه الله في كبره ، وكان يقول : إذا صحت مرتبة الافتقار إلى الله تعالى صحت العناية لأنهما حالان لا يتم أحدهما إلا بصاحبه ، وكان يقول : الشهرة زمام الشيطان ، ومن أخذ بزمام الشيطان كان عنده ، وسئل عن السنة التي لم ينازع فيها أحد من أهل العلم فقال الزهد في الدنيا ، وسخاوة النفس ، ونصيحة الخلق ، وسئل عن الزهد في الدنيا ما هو ؟ فقال : هو سرور القلب بفقد الشيء ؛ وملازمة تحمل الأذى من جميع الخلائق ، وكل شيء أتاه منهم يقول : أنا أستحق أعظم من ذلك ، ويرى أنه إسحاق النار ، وصولح بالرماد . وقيل له : من العارف ؟ فقال : من وافق معروفه في أوامره ، ولم يخالفه في شيء من أحواله ، ويتحبب إليه بمحبة أوليائه ، ولا يفتر عن ذكره طرفة عين ، وكان يقول : الصوفية عبيد الظواهر أحرار البواطن ، وكان رضي الله عنه يقول : حقائق الحق إذا تجلت لسر أزالت عنه الظنون ، والأماني لأن الحق إذا استولى على سر قهره ، فلا يبقى لغيره معه أثر ، وكان يقول : العلم بالله من أتم العبادة له ، وكان يقول : إن الله نظر إلى طائفة من عبيده فلم يرهم أهلا لمعرفته فشغلهم بخدمته ، وكان يقول : كنا معاشر الفقراء في بداية أمرنا نصلي إلى الصباح بوضوء العشاء فإذا وقع منا أن أحدا ينام نراه أفضلنا ، وكان يهجر الفقير إذا بلغه أنه مشى خطوة في طلب الدنيا ، ويقول : هذا خروج عن الطريق . وإنما شأن الفقير أن تتبعه الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت : يا رسول الله أدع الله لي أن لا يميت قلبي ، فقال : قل في كل يوم أربعين مرة يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت ، وكان يقول : رأيت في المنام حوراء فقلت لها من أنت فقالت : من حور الجنة فقلت : زوجيني نفسك فقالت : اخطبني من سيدي قلت لها فما مهرك قالت : حبس نفسك عن مألوفاتها ، وكان رضي الله عنه يقول : النقباء ثلاثمائة ، والنجباء سبعون ، والأبدال أربعون ، والأخيار سبعة ، والعمد أربعة ، والغوث واحد فمسكن النقباء المغرب والنجباء مصر ، والأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعمد في زوايا الأرض ، والغوث مسكنه بمكة فإذا عرض حاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد ثم الغوث فلا يتم الغوث مسألته حتى تجاب دعوته ، وكان يقول : الأنس بالمخلوقين عقوبة ، والقرب من الدنيا وأبنائها معصية ، والرون إليهم مذلة ، وكان يقول : العبادة اثنان وسبعون بابا ، أحد وسبعون منها في الحياء من الله عز وجل وواحد في جميع أنواع البر وكان يقول : يقول الله تعالى : ' ما من عبد أصبح في الدنيا وفي قلبه همان إلا وأنا منه بريء هم المعاصي وهم المال رضي الله عنه ' . ومنهم أبو يعقوب إسحاق بن محمد النهرجوري رضي الله تعالى عنه صحب الجنيد ، وعمرو بن عثمان المكي ، وأبا يعقوب السوسي ، وغيرهم من المشايخ أقام بالحرم مجاورا سنين كثيرة ، ومات سنة ثلاثين وثلاثمائة رضي الله عنه ، ويهان يقول : في معنى قولهم احترسوا من الناس بسوء الظن أي سوء الظن بأنفسكم لا بالناس ، وكان يقول : من كان شبعه بالطعام لم يزل جائعا ، ومن كان غناه بالمال لم يزل فقيرا ، ومن مال باطنه إلى العطاء من الخلق لم يزل محروما ، ومن استعان على أمر بغير الله لم يزل مخذولا ، وكان يقول : طلب أهل الله الحقائق فسادوا الخلائق ، ولذلك قالوا : لا يطلب الحق لأن الطلب لا يكون إلا لمفقود ، ولا يطلب دركه لأنه لا غاية له ، ومن أراد وجود الموجود فهو مغرور ، وإنما الموجود عندنا محرفة حال ، وكشف علم بلا حال ، وقال في قوله تعالى : ' وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ' ، وكانوا فيه من الزاهدين لو جعلوا ثمنه عليه السلام الكونين لكان بخسا في مشاهدته ، وما خص به صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : مشاهدة القلوب تعريف ، ومشاهدة الأراوح تحقيق ، وكان يقول : أعرف الناس بالله أشدهم فيه . تحيرا ، وسئل رضي الله عنه مرة عن التصوف فقال آه آه تلك أمة قد خلت ثم قال رضي الله عنه للسائل : يا أخي زفرات القلوب بودائع الحضور من حيث خاطبها الحق ، وهي في صورة الذرة فأخبر عنها بقوله : ألست بربكم قالوا بلى ، وكان يقول : ما رأته العيون ينسب إلى العلم ، وما رأته القلوب ينسب إلى اليقين ، وسئل رضي الله عنه عن الطريق إلى الله تعالى فقال للسائل : اجتنب الجهلاء واصحب العلماء ، واستعمل العلم ، وداوم الذكر ، وأنت إذن من أهل الطريق رضي الله عنه . ومنهم علي بن محمد المزين رحمه الله تعالى صحب سهل بن عبد الله ، والجنيد بن محمد ، ومن في طبقتهما من البغداديين أقام بمكة مجاورا ، ومات بها سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة ، وكان من أورع المشايخ ، وأحسنهم حالا ، وكان رضي الله عنه يقول : متى ما ظهرت الآخرة فنيت منها الدنيا ، ومتى ما ظهر ذكر الله تعالى فنيت فيه الدنيا ، والآخرة ، وإذا تحققت الأذكار فني العبد ، وذكره ، وبقي المذكور ، وصفاته وسئل رضي الله عنه عن التوحيد فقال : أن توحد الله بالمعرفة ، وتوحده بالعبادة ، وتوحده بالرجوع إليك في كل مالك ، وعليك ، وتعلم أن ما خطر بقلبك ، أو أمكنك الإشارة إليه ، فالله بخلاف ذلك ، وتعلم أن أوصافه سبحانه وتعالى مباينة لأوصاف خلقه باينهم بصفاته قدما كما باينوه بصفاتهم حدثا ، وكان رضي الله عنه يقول : كانت الطريق إلى الله تعالى بعدد النجوم ، وما بقي منها إلا طريق واحد وهي طريق الفقه وهو أنهج الطرق ، وكان يقول : من طلب الطريق بنفسه تاه في أول قدم ، ومن أريد به الخير دل على الطريق رأى عين حتى بلغ المقصد ، وكان يقول : المعجب بعمله مستدرج ، والمستحسن لأحواله السيئة ممكور به ، ومن ظن أنه موصول فهو مغرور ، وأحسن العبيد حالا من كان مجهولا في أحواله لا يشاهد غير واحد ، ولا يستأنس إلا به ، ولا يشتاق إلا إليه ، وكان يقول : من أعرض عن مشاهدة ربه سبحانه وتعالى ، شغله الله تعالى بطاعته ، وخدمته ومن بدا له نجم الاحتراق غيبه عن وساوس الافتراق ، وكان رضي الله عنه يقول : لو زكيت رجلا حتى جعلته صديقا لا يعبأ الله به ، وهو يساكن الدنيا بقلبه طرفة عين حتى لو ساكنها لأجل إخوانه ليصرفها عليهم لا يقلح ، ومن أبقى عنده منها فوق قوت فقد ساكنها ، وقد درج السلف الصالح على عدم المساكنة للدنيا ، وجعلوه من رهبانية الربانيين ، وأحوال الحواريين فقال له رجل فإذا سكن إلى الدنيا لينفقها على نفسه وعياله وغيرهم من الملازم فقال له : دعونا من هذه الزلقات من أراده الله بهذا الأمر فليصدق الله فيه ، ويسد باب الدنيا جملة وإلا فليرجع إلى ظاهر العلم ورعايته فيأخذ به ويعطي الناس ، ويعم ويخص والله ما هلك من هلك من أهل الطريق إلا من حلاوة الغنى في نفوسهم ، وقبول الظواهر المدخولة مع الوتوف مع ظاهرها ، والله الذي لا إله إلا هو إني لأعرف من يدخل عليه عرض الدنيا فيقسمها إلى حقوق الله تعالى دون خصوص نفسه فيصير ذلك مع براءة ساحته منه حجابا قاطعا له عن الله تعالى ، وكان يقول : إذا عرض على أحدكم طعام من حيث لا يحتسب فليأكله فإني عرض علي مرة طعام ، فامتنعت من أكله فضربت بالجوع أربعة عشر يوما حتى إذا علمت أني قد عوقبت تبت إلى الله فزال ما كان عندي من الجوع ، وما كنت إلا هلكت ، وكان يقول : العجب في العبد مقت من الله عز وجل له ، وهو يؤدي إلى مقت الأبد نسأل الله العافية . ومنهم أبو علي الحسين بن أحمد الكاتب رضي الله تعالى عنه ورحمه من كبار مشايخ المصريين صحب أبا بكر المصري ، وأبا علي الروذباري وغيره ، وكان أوحد المشايخ في وقته حتى قال فيه أبو عثمان المغربي رحمه الله تعالى : أبو علي بن الكاتب من السالكين ، وكان يعظمه ، ويعظم شأنه . مات سنة نيف وأربعين وثلاثمائة رحمه الله تعالى ، وكان يقول : المعتزلة نزهوا الله من حيث العقل ، فأخطئوا والصوفية نزهوا الله من حيث العلم فأصابوا . وكان رضي الله عنه يقول : من سمع الحكمة فلم يعمل بها فهو منافق ، وكان رضي الله عنه يقول : قال الله عز وجل : ' من صبر علينا وصل إلينا ' ، وكان يقول : صحبة الفساق داء ودواؤها مفارقتهم ، وكان رضي الله عنه يقول : روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين ، وإن كتموها ، وتظهر عليهم ، وإن أخفوها ، وتدل عليهم ، وإن ستروها ، وكان رضي الله عنه يقول الهمة مقدمة الأشياء فمن صحح همته أتت عليه بتوابعه على الصدق ، والصحة فإن الفروع تتبع الأحوال ، ومن أهمل همته أتت عليه توابعه مهملة ، المهمل من الأحوال ، والأفعال لا يصلح لبساط الحق تعالى ، وكان يقول : إن الله تعالى يرزق العبد حلاة ذكره فإن فرح به ، وشكره آنسه بقربه ، وإن قصر في الشكر أجرى الذكر على لسانه ، وسلبه حلاوته رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسين بن حبان الجمال رحمه الله تعالى من كبار مشايخ مصر صحب الخراز والبيرسمي ، مات رضي الله عنه في التيه . وسبب ذلك أنه ورد على قلبه شيء فهام على وجهه فلحقوه في وسط التيه في الرمل ملقى ففتح عينيه ، وقال أربع فهذا مربع الأحباب ، وكان رضي الله عنه يقول : الناس يعطشون في البراري ، وأنا عطشان على شاطئ النيل ، وكان يقول : كل صوفي يكون هم الرزق قائما في قلبه فلزوم العمل أقرب له إلى الله تعالى ، والمراد بالعمل الكسب ، والاحتراف بالصنائع وغيرها ، وكان يقول : علامة ركون القلب ، وسكونه إلى الله تعالى أن يكون قويا إذا زالت عنه الدنيا ، وأدبرت ، وفقد الرغيف بعد أن كان موجودا عنده بلا كلفة ، وكان يقول : اجتنبوا دناءة الأخلاق كسما تجتنبوا الحرام ، وكان رضي الله تعالى عنه يقول : ذكر الله تعالى باللسان يورث الدرجات ، وذكره بالقلب يورث القربات ، وكان يقول : الإكثار من الوحدة حيلة الصديقين ، وكان يقول : لا يعظم أقدار الأولياء إلا من كان عظيم القدر عند الله عز وجل . ومنهم أبو بكر عبد الله بن طاهر الأبهري رضي الله عنه من كبار مشايخ الجبل ، وهو من أقران الشبلي رضي الله عنه صحب يوسف بن الحسين الرازي ، وأبا مظفر القرمسيني ، وغيرهما من المشايخ ، وكان عالما ورعا مات رضي الله عنه قريبا من ثلاثين وثلاثمائة ، ومن كلامه رضي الله عنه الجمع جمع المتفرقات ، والتفرقة تفرتة المجموعات فإذا جمعت قلت الله ، وإذا فرقت نظرت إلى الكونين ، وكان رضي الله عنه يقول : إن الله تعالى أطلع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما يكون في أمته من بعده من الخلاف ، وما يصيبهم في عار الدنيا فكان إذا ذكر ذلك وجد غانة في قلبه منه ، فاستغفر الله لأمته ، وقيل له : ما بال الإنسان يحتمل من علمه ما لا يحتمل ممن أبويه ؟ فقال : لأن أبويه سبب حياته الفانية ، ومؤدبه سبب حياته الباقية ، وتصديق ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ' اغد عالما أو متعلما ولا تكن فيما بين ذلك فتهلك ' وكان رضي الله عنه يقول : المحن ثلاثة تطهير ، وتكفير ، وتذكير فالتذكير من الكبائر ، والتكفير من الصغائر ، والتذكير لأهل الصفاء ، وكان رضي الله عنه يقول : همة الصالحين الطاعة بلا معصية ، وهمة العلماء المزيد في الصواب ، وهمة العارفين إعظام الله تعالى في قلوبهم ، وهمة أهل الشوق سرعة الموت ، وهمة المقربين سكون القلب إلى الله تعالى . ومنهم مظفر القرميسيني رضي الله تعالى عنه من كبار مشايخ الجبل ، وأجلتهم ، ومن الفقراء الصادقين صحب عبد الله الخراز ، ومن فوقه من المشايخ ، وكان واحدا في طريقته ، وكان رضي الله عنه يقول : الصوم على ثلاثة أوجه صوم الروح بقصر الأمل ، وصوم العقل بخلاف الهوى ، وصوم النفس بالإمساك عن الطعام ، والشراب ، والمحارم ، وكان رضي الله عنه يقول : من صحب الأحداث على شرائط السلامة ، والنصيحة أداه ذلك إلى البلاء فكيف من يصحبهم على غير شروط السلامة ، وكان رضي الله عنه يقول : أخس الفقراء قيمة من يقبل رفق النسوان على أي حال كان . قلت : وذلك لأن الله تعالى يقول : ' الرجال قوامون على النساء ' ' النساء : 34 ' ومن رضي لنفسه بقيام المرأة عليه لا يفلح أبدا مع أن قبول الرفق يميل قلب الفقير إلى المرأة زيادة على ميل الوازع الطبيعي فيتلف الفقير بالكلية ، والله أعلم وكان يقول : خير الأرزاق ما فتح الله به من وجه حلال من غير طلب ، ولا سعي ، وكان يقول : ليس لك من عمرك إلا نفس واحد إن لم تفنه بمالك فلا تفنيه بما عليك وكان رضي الله عنه يقول : من تأدب بآداب الشرع تأدب به متبوعه ، ومن تهاون بالآداب هلك ، وأهلك ، ومن لم يأخذ الآداب عن حكيم لا يتأدب به مريد ، وكان رضي الله عنه يقول : الفقير هو الذي لا يكون له إلى الله حاجة . قلت : معناه أنه يكتفي بعلم الله بحاجته ، وأنه أشفق عليه من نفسه فلا يحوجه إلى سؤاله لأنه لا يستغني عن مولاه طرفة عين كما قال تعالى : ' يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ' ' فاطر : 15 ' رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسين علي بن هند القرشي الفارسي رضي الله تعالى عنه من كبار مشايخ الفرس ، وعلمائهم صحب جعفرا الحداد ، وعمرو بن عثمان المكي ومن فوقه ، له الأحوال العالية ، والمقامات الزكية كان رضي الله عنه يقول : شرط المتمسك بكتاب الله وسنة رسوله أن لا يخفي عليه شيء من أمر دينه ، ودنياه على ممر أوقاته على المشاهدة والكشف لا على الغفلة ، والظن ، وأن يأخذ الأشياء من معدنها ، ويضعها في معدنها ، وكان رضي الله عنه يقول : استرح مع الله ، ولا تسترح عن الله فإن من استراح مع الله نجا ، ومن استراح عن الله هلك فالاستراحة مع الله تروح القلب بذكره ، والاستراحة عن الله مداومة الغفلة ، وكان رضي الله عنه يقول : من أكرمه الله تعالى بحرمة الأكابر أوقع حرمته في قلوب الخلق ومن حرم ذلك نزع الله حرمته من قلوب الخلق فلا تراه إلا ممقوتا ، وإن حسنت أخلاقه ، وصلحت أحواله لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ' من تعظيم جلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم ' رضي الله عنه . ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن شيبان القرميسيني رحمه الله تعالى كان شيخ الجبل في وقته له المقامات في الورع ، والتقوى يعجز عنها أكثر الخلق صحب أبا عبد الله المغربي ، وإبراهيم الخواص ، وكان شديدا على المدعين متمسكا بالكتاب ، والسنة ملازما لطريقة المشايخ ، والأئمة حتى قال فيه عبد الله بن منازل : إبراهيم بن شيبان حجة الله على الفقراء ، وأهل الأدب والمعاملات ، وكان رضي الله عنه يقول : من أراد أن يتعطل ويبطل فيلزم الرخص ، وكان يقول : ما قطع الفقراء عن الطريق ، وأهلكهم إلا ميلهم إلى ما عليه أبناء الدنيا ، وكان يقول : علم البقاء ، والفناء يدور على الإخلاص للوحدانية وصحة العبودية ، وما كان غيرها فهو المغاليط ، والزندقة ، وكان يقول : سفلة الناس ، من يخطر العطاء على قلبه على وجه المنة به ، وكان رضي الله عنه يقول : من ترك حرمة المشايخ ابتلى بالدعاوى الكاذبة فافتضح بها ، وكان يقول : من تكلم في الإخلاص ، ولم يطالب نفسه بذلك ابتلاه الله تعالى بهتك ستره عند أقرانه وإخوانه . ومنهم أبو بكر الحسين بن علي بن بزدانيار رحمه الله تعالى آمين من أهل أرمينية له طريقة في التصوف يختص بها ، وكان ينكر على بعض المشايخ بالعراق أقاويلهم ، وكان عالما بعلوم الظاهر ، والمعارف ، والمعاملات ، وكان علي بن إبراهيم الأرموي يقول : سمعت ابن بزدانيار يقول : تراني تكلمت في الصوفية بما تكلمت به إنكارا على التصوف ، والصوفية ؟ والله ما تكلمت به إلا غيرة عليهم حيث أفشوا أسرار الحق ، وأظهروها بين من ليس من أهلها ، وإلا فهم السادة بمحبتهم أتقرب إلى الله تعالى . ومن كلامه رضي الله عنه رضا الخلق عن الله تعالى رضاهم بما يفعل ، ورضاه عنهم أن يوقفهم للرضا عنه ، وكان يقول : من استغفر الله ، وهو ملازم للذنب حرم الله عليه التوبة ، والإنابة إليه ، وكان يقول : الحياء على أقسام : منها حياء الجناية كما روى أن آدم عليه السلام هام على وجهه بعد الجناية في الجنان فأوحى الله إليه أفرارا مني يا آدم قال : لا بل حياء منك يا رب ، ومنها حياء التقصير كقول الملائكة سبحانك ما عبدناك حق عبادتك . ومنها حياء الإجلال كما روي أن إسرافيل تسربل بجناحيه حياء من ربه عز وجل . ومنها حياء الغيرة كما روي أن عيينة بن حصن الفزاري دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة رضي الله عنها فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يده فسترها عنه فقال له : يا محمد ما هذا ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' هذا الحياء الذي أعطيناه ، ومنعناه ' . أو لفظة هذا معناها ' ومنها حياء الكرم قوله تعالى في تأديب الصحابة : ' فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستئنسين ' ' الأحزاب : 53 ' لحديث إن ذلكم كان يؤذي النبي فيستحيي منكم . ومنها حياء المعروف كما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ' يا رسول الله إن الله لم يكلفك هذا فقال : ما أصنع يسألوني ، ويأبى الله لي البخل ' . ومنها حياء الخلق لما روي أن عمر بن الخطاب دخل في الصلاة فذكر أنه على غير طهر فخرج من الصلاة ، فقال : إني أردت أن أمر في الصلاة حياء من الناس . ومنها حياء التحقيق ، وإسقاط رؤية الخلق لما روي أن بعض الصحابة فاتته الصلاة ، وهو يأتي المسجد فتلقاه الناس منصرفين فانصرف بوجهه حياء بلا علة حتى مروا . ومنها حياء الاستحقار لما روي أن موسى عليه السلام قال في بعض مناجاته إنه ليعرض لي الحاجة من الدنيا فأستحي أن أسألك يا رب فقال الله له : سلني عن ملح عجينك ، وعلف حمارك . ومنها حياء الصيانة والعفة كقول عثمان رضي الله عنه ما زنيت في جاهلية ولا إسلام . ومنها حياء الوقار كحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم من عثمان ، وقوله : ' ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ' ومنها حياء الحشمة كقول علي رضي الله عنه للمقدادين الأسود سل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنا المذي فإن ابنته عندي ، وأنا أستحي أن أسأله لمكانها مني . ومنها حياء التعجب ، والاستبعاد كما روي : ' أن عائشة رضي الله عنها لما سمعت أم سليم رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة إذا رأت في المنام كما يرى الرجل أتغتسل قال : نعم إذا رأت الماء فقالت عائشة رضي الله عنها وغطت وجهها حياء أو ترى المرأة كما يرى الرجل فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ' تربت يمينك ، وإلا فمن أين يكون الشبه ' . ومنها حياء الغربة كقوله تعالى في حق ابنة شعيب : ' فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ' ' القصص : 25 ' ومنها حياء الأمثال لبيان الحق كقوله تعالى : ' إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها ' ' البقرة : 26 ' . ومنها حياء الحق كقوله تعالى : ' والله لا يستحي من الحق ' ' الأحزاب : 53 ' وكقوله صلى الله عليه وسلم : ' إن الله لا يستحي من الحق لا تأتوا النساء في أدبارهن ' . ومنها حياء المراقبة في الاتعاظ لذي الوعظ قال تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام يا عيسى عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس ، وإلا فاستحي مني . ومنها حياء المراجعة ليلة الإسراء لقوله صلى الله عليه وسلم ' إني قد استحييت من ربي ' . ومنها حياء قصر الأمل كما قال صلى الله عليه وسلم : ' استحيوا من الله حق الحياء الحديث . ومنها حياء الإحسان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حق المتورعين عن محارم الله عز وجل فقال : إن الله تعالى يقول : ' إني لأستحي أن أحاسبهم إذا حاسبت الخلائق ' وإنما قلنا الإحسان لقوله : ' هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ' ' الرحمن : 60 ' فجازاهم بإحسان ورعهم إحسان ترك المحاسبة . ومنها حياء المعاودة في السؤال كما روي في الخبر : ' إن العبد إذا دعا الله تعالى يا رب فيعرض عنه ثم يقول : يا رب فيعرض عنه فيقول الثالثة ، والرابعة فيقول الله ، إني استحيت من عبدي من كثرة ما يقول يا رب ' . ومنها حياء المعاتبة كما روي أن الله تعالى يعاتب عبده يوم القيامة فيقول : يا رب عذابك أولى من عتابك . قلت : لأن العبد إذا عوقب فهو بمثابة من أدى الحق الذي عليه فيحمل عقبه الراحة بخلاف من عوتب فإنه لا يزال خجلا مستحيا من ربه عز وجل فلا يزال في تعب والله أعلم . ومنها حياء التوكل مما قال عمر رضي الله عنه : إني لأستحي من ربي عز وجل أن أخاف شيئا سواه . ومنها حياء الصلاح كما روي في الخبر : ' استحي من الله كما تستحي من صالح قومك ' . ومنها حياء العين كما روي أن سفيان الثوري دخل على رابعة العدوية رضي الله عنها فذكر لها ما ذكر إلى أن قالت : إني لاستحي أن أسأل الدنيا ممن يملكها فكيف ممن لا يملكها . ومنها حياء الواجب كما روي أن عائشة رضي الله عنها أثنت على نساء الأنصار بقولها : ' إنهن لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصفرة والكدرة يعني مص دم الحيض ' ومنها حياء الحرمة كما روي أن أبا موسى الأشعري قال لعائشة : إني أريد أن أسألك عن أمر وأنا أستحي أن أسألك عنه فقالت : سل ما كنت سائلا عنه أمك فقال : إن الرجل يجامع أهله ولا ينزل أفعليه غسل فقالت : ' إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل فعلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم واغتسلنا ' . ومنها حياء الرحمة كما روي في الحديث : ' إن الله يستحي من ذي الشيبة أن يعذب بالنار ' . ومنها حياء الغرور كقول أبي الدرداء رضي الله عنه لأهل حمص ألا تستحيون من ربكم تبنون ما لا تسكنون ، وتجمعون ما لا تأكلون ، وتؤملون ما لا تدركون . ومنها حياء المعرفة كما رأى بعض الصالحين في منامه قائلا يقول : يا أهل البصرة يا أشباه اليهود كونوا على حياء من ربكم . ومنها حياء الإيمان كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' الحياء من الأيمان الحياء في الجنة ، ومنها حياء الزينة كما روي في الحديث : ' ما كان الرفق في شيء إلا زانه . ومنها حياء الخير وهو قوله صلى الله عليه وسلم : وقد سئل عن الحياء فقال : ' الحياء خير كله خير للدنيا وللدين ' وكان رضي الله عنه يقول : إذا ابتليت بمعاشرة الناس ، ومجالستهم فاحذر ثم احذر لا يحفظ عليك فعل تسقط به عن عين الله تعالى ، وعين من يسمعك بترك الأدب ، وكان رضي الله عنه يقول : باب الله مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها فأي وقت دفعت فيه إلى هفوة أو شيء لا يحبه الله منك فارجع إلى الله تعالى فإنه أولى بك ، وآمل أنه يقبلك بفضله ، وكرمه رضي الله عنه . ومنهم أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن المولد رحمه الله تعالى هو من كبار مشايخ الرقة وفتيانهم ، ومن أحسنهم سيرة صحب أبا عبد الله بن الجلاء الدمشقي ، وإبراهيم بن داود القصار الرقي كان رضي الله عنه يقول : من تولاه رعاية الحق أجل ممن تؤدبه سياسة العلم . قلت : لأن رعاية الحق تعالى تصيره سالما من العلل التي تنقصه بخلاف رعاية العلم ، فلا يخلص صاحبها من ورطة إلا وقع في أخرى فمن تولته رعاية الحق حكم من يسلك على يد شيخ ، ومن تولته رعاية العلم حكم من يسلك بنفسه من عير سيح والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : خلقت الأرواح في الأفراح فهي تعلو أبدا إلى محل الفرح من المشاهدة ، وخلقت الأجساد من الاكماد فهي لا تزال ترجع إلى كمدها من طلب الشهوات الفانية ، والاهتمام بها . وكان يقول : من قال به أفناه عنه ومن قال منه أبقاه له ثم أنشد : لولا مدامع عشاق ، ولوعتهم . . . لبان في الناس عز الماء والنار فكل نار فمن أنفاسهم قدحت . . . وكل ماء فمن دمع لهم جاري وكان يقول : من آداب الفقراء في الأكل أن لا يمدوا أيديهم إلى الأرفاق إلا في وقت الضرورات ثم يأكلون بقدر سد الرمق ، ولو كان هناك طعام كالجبال ، ويتركون الباقي لغيرهم ، وكان رضي الله عنه يقول : من قام إلى أوامر الله بنفسه كان بين قبول ورد ، ومن قام إليها بالله كان مقبولا بلا شك ، وكان رضي الله عنه يقول : الفترة بعد المجاهدة من فساد الابتداء ، والحجب بعد الكشف من السكون إلى الأحوال ، وكان يقول : نفسك سائرة بك ، وقلبك طائر بك فكن مع أسرعهما ، وصولا ، وأنشدوا في ذلك : فسيرك يا هذا كسير سفينة . . . بقوم جلوس ، والقلوع تطير رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن سالم البصري رضي الله تعالى عنه صاحب سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه وراوي كلامه لا ينتمي إلى غيره من المشايخ ، وكان من أهل الاجتهاد ، وطريقته طريقة أستاذه سهل ، وله بالبصرة أصحاب ينتمون إليه ، وإلى ولده أبي الحسن أيضا ، وكان رضي الله عنه يقول : من أطاق التوكل فالكسب غير مباح له بحال إلا على وجه المعاونة دون الاعتماد عليه فإن التوكل حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكسب سنته ، ومن ضعف عن حال التوكل التي هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليكتسب لئلا يسقط عن درجة سنة النبي صلى الله عليه وسلم كما سقط عن درجة حاله ، وقيل له بم تعرف الأولياء رضي الله عنه في الخلق ؟ فقال بلطف لسانهم ، وقبول عذر من اعتذر إليهم ، وكمال الشفقة على جميع الخلق برهم ، وفاجرهم ، وكان رضي الله عنه يقول : من أراد أن عورته تستر ، ولا تهتك فليحلم على من جني عليه ، وليتكرم على الناس بما في يديه ، وكان رضي الله عنه يقول : من شأن كل عاقل الزهد في أبناء الدنيا ، وذلك لأنهم يشغلونه بذكرها ، وما هم عليه عما هو متوجه إليه من مصالح دينه ودنياه ، رضي الله عنه . ومنهم محمد بن عليان النسوي رحمه الله تعالى ورضي عنه من كبار مشايخ نسا ، ومن أصحاب أبي عثمان الحيري الذي قيل فيه إنه إمام أهل المعارف كان رضي الله عنه يخرج من نسا قاصدا إلى أبي عثمان في مسائل واقعات ، فلا يأكل ، ولا يشرب في الطريق حتى يدخل نيسابور فيسأله عن تلك المسائل ، وكان رضي الله عنه من أعلى المشايخ همة ، وله الكرامات الظاهرة ، ومن كلامه رضي الله عنه ؛ الزهد في الدنيا مفتاح الرغبة في الآخرة ، وكان رضي الله عنه يقول آيات الأولياء ، وكراماتهم رضاهم بما يسخط العوام من مجاري المقدور ، وكان يقول : لا يصفو للسخي سخاؤه إلا بتصغير ما أعطاه ورؤية الفضل لمن أخذه منه ، وكان رضي الله عنه يقول : من خدم الله لطلب ثواب أو خوف عقاب فقد أظهر خسته ، وأبدى طمعه ، وقبيح بالعبد أن يخدم سيده لغرض دنيوي ، أو أخروي وكان رضي الله عنه يقول : من أظهر كرامته فهو مدع ، ومن ظهرت عليه الكرامات فهو ولي رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر أحمد بن محمد بن سعدان رضي الله تعالى عنه بغدادي الأصل صحب الجنيد ، والثوري رضي الله عنهم ، وهو من أعلم شيوخ وقته بعلوم هذه الطائفة ، وكان عالما بعلوم الشرع مقدما فيها ينتحل مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه ذا لسان وبيان . وطلبوا مرة من يرسلونه إلى الروم من أهل طرطوس فلم يجدوا مثله في فضله ، وعلمه ، وفصاحته ، وبيانه حتى قالوا في ذلك الزمان لم يبق في هذا الزمان لهذه الطائفة إلا رجلان أبو علي الروذباري بمصر ، وأبو بكر بن سعدان بالعراق ، وأبو بكر أفهمهما كان رضي الله عنه يقول : من أراد صحبة الصوفية فليصحبهم بلا نفس ، ولا قلب ، ولا ملك ، وكان رضي الله عنه يقول : من تعلم علم الرواية ورث علم الدراية ، ومن تعلم علم الدراية ورث علم الرعاية ، ومن عمل بعلم الرعاية هدي إلى سبيل الحق . وكان رضي الله عنه يقول : من جلس للمناظرة على الغفلة لزمه ثلاثة عيوب الأول الجدال والصياح ، وذلك منهي عنه الثاني حل العلو على الخلق ، وذلك منهي عنه أيضا الثالث الحقد ، والغضب ، وذلك منهي عنه أيضا ومن جلس للمناصفة كان كلامه أوله موعظة ، وأوسطه دلالة ، وآخره بركة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا بدت الحقائق طمست آثار الفهوم ، والعلوم وكان يقول : خلقت الأرواح من النور ، وأسكنت الهياكل فإذا قوي الروح جانس العقل ، وتواترت الأنوار ، وزالت ظلم الهياكل ، وصارت الهياكل روحانية بأنوار الروح ، والعقل وانقادت ، ولزمت طريقها ، ورجعت الأرواح إلى معدنها من الغيب تطالع مجاري الأقدار ، وترضى بموارد القضاء ، والقدر وكان رضي الله عنه يقول : الصوفي هو الخارج عن النعوت والرسوم رضي الله عنه . ومنهم أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد رضي الله تعالى عنه ابن بشر بن درهم بن الأعرابي الأموي رضي الله عنه : بصري الأصل سكن بمكة وكان أوحد وقته وكان في وقته شيخ الحرم ومات بها سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة وصنف للقوم كتبا كثيرة ، وصحب الجنيد ، والثوري ، وعمرا المكي ، والمسوحي ، وأبا جعفر الحداد ، وكان من كبار مشايخ هذه الطائفة ، وعلمائهم ، ومن كلامه رضي الله عنه قد ثبت الوعد ، والوعيد من الله تعالى فإذا كان الوعد قبل الوعيد ، فالوعيد تهديد ، وإذا كان الوعيد قبل الوعد ، فالوعيد منسوخ فإذا اجتمعا معا فالغلبة ، والثبات للوعد لأن الوعد حق العبد ، والوعيد حق الله ، والكريم يتفضل بترك حقه . وكان رضي الله عنه يقول : قل من ادعى قوة في أمر إلا خذل ووكل إلى قوته وكان رضي الله عنه يقول : لو قيل للعارف تبقى في الدنيا لمات كمدا ، ولو قيل لأهل الجنة تخرجون منها لماتوا كمدا فما طابت الدنيا للعارفين إلا بذكرهم الخروج منها ، وما طابت الجنة لأهلها إلا بذكرهم الخلود فيها ، وكان رضي الله عنه يقول : مدارج العلوم لكون بالوسائط ، وأما مدارج الحقائق فلا تكون إلا بالمكاشفة ، وكان يقول : أحسن أوقات ، وقت يكون الحق فيه راضيا عني ، وكان رضي الله عنه يقول : من أخلاق الفقراء السكون عند الفقد ، والاضطراب عند الوجود ، والأنس بالهموم ، والوحشة عند فرح الناس بالدنيا رضي الله عنه . ومنهم أبو عمرو محمد بن إبراهيم الزجاجي رضي الله تعالى عنه نيسابوري الأصل صحب الجنيد ، والثوري وأبا عثمان ورويما الخواص ، ودخل مكة ، وأقام بها ، وصار شيخها ، والمنظور إليه فيها ، وحج رضي الله عنه قريبا من ستين حجة ، ومات في الحرم سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وكان يجتمع هو والكتاني ، والنهرجوري ، والمرتعش ، وغيرهم فيكون صدر الحلقة ، وإذا تكلم في شيء رجعوا كلهم إلى كلامه ، وفضائله أكثر من أن تحصى رحمه الله تعالى ومكث بمكة أربعين سنة فلم يبل قط ولم يتغوط في الحرم بل كان يخرج كلما قضى حاجته إلى الحل ، وكان رضي الله عنه يقول : من تكلم على حال لم يصل إليه كان كلامه فتنة لمن يسمعه ، وهوى يتولد في قلبه ، وحرم الله عليه الوصول إلى تلك الحال ، وبلوغه ، وكان رضي الله عنه يقول : من جاور بالحرم ، وقلبه متعلق بشيء سوى الله تعالى فقد أظهر خسارته ، ومن سرق شيئا بالحرم من الحجاج الآفاقية ليتوسع به أبعده الله ، ووكل قلبه بالشح ، وأطلق لسانه بالشكوى ، ونسخ قلبه من المعارف ، وخرجت منه أنوار اليقين ، ومقته بين خليقته . قلت : ويقاس على ذلك من جاور ببيت الله المقدس ، والحرم النبوي ، والمساجد المعظمة كالجامع الأزهر بمصر ، وجامع الزيتونة بالمغرب ، وغيرها من المساجد والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : مما جربناه لرد الضالة : اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني ، وبين ضالتي ، ويقرأ قبله سورة ، والضحى ثلاثا قال : وقد وقع مني فص في دجلة فدعوت به فوجدت الفص في وسط أوراق كنت أتصفحها ، وسئل رضي الله عنه عن حديث : ' تفكر ساعة خير من عبادة سنة ' فقال المراد : بذلك التفكر نسيان النفس ، والله أعلم . ومنهم جعفر بن محمد بن نصير الخواص رضي الله تعالى عنه ويعرف بالخلدي ببغداد المولد ، والمنشأ صحب الجنيد رضي الله عنه ، وعرف بصحبته ، وإليه كان ينتمي ، وصحب الثوري ، ورويما ، وميمونا ، والجريري ، وغيرهم من المشايخ ، وكان المرجع إليه في كتب القوم ، وحكاياتهم ، وسيرهم حتى قال يوما عندي مائة ونيف وثلاثون ديوانا من دواوين الصوفية فقيل له : هل عندك من كتب علي بن محمد الترمذي شيء فقال : ما عددته من الصوفية . قلت الحق أنه كان من أكابر الصوفية ، وأنه كان من الأوتاد ، ولو لم يكن له من المناقب إلا ما وضعه من الأسئلة التي لا يعرف الجواب عنها أحد غير ختم الأولياء لكان في ذلك كفاية لبيان مقامه فإنه لا يعرف الجواب عنها أحد غير الختم كما صرح بذلك الشيخ محيي الدين ابن العربي ، وقد عده الأستاذ القشيري ممن عليه مدار الطريق . وأما سبب جمع العارف دواوين القوم فهو للإطلاع على طرقهم في معاملتهم مع الله تعالى ليرشد المريدين ، والإخوان إليها إذ الأولياء أبواب الله فمن لم يكن عنده استعداد يدخل به من طريق ذلك الولي أدخل من طريق غيره ، وفي ذلك تأييد عظيم للداعي إلى الله يكون غيره سبقه إلى ما دعا إليه ، ومنه فافهم ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه من أفتى المشايخ ، وأحسنهم ، وأكملهم حالا حج رضي الله عنه قريبا من ستين حجة ، ومات ببغداد سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة ، وقبره بالشونيزية عند قبر السري السقطي ، والجنيد ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل الحقائق قطعوا العلائق التي تقطعهم عن الحق قبل أن تقطعهم العلائق ، وكان يقول : لا يقدح في الإخلاص كونه يعمل ليصل ، وكان يقول : المتناهي في حاله يؤثر في كل شيء ، ويدخل في كل شيء ولا يؤثر فيه شيء ، ولا يأخذ منه شيئا ، ودليل ذلك أنه صلى الله عليه وسلم في أوائل حاله كان إذا نزل عليه الوحي قال دثروني دثروني حتى تمكن صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : سعي الأحرار في الدنيا يكون لإخوانهم لا لأنفسهم قلت ، ولما حججت سنة سبع وأربعين وتسعمائة جعلت دعائي حول البيت ، وفي البيت وفي مواضع الإجابة كله لأخواني لأن من الفتوة أن يؤخر الإنسان حفظ نفسه ، ويقدم حظ إخوانه ليكون الحق تعالى في حاجته بالقضاء ، والتيسير فالحمد لله رب العالمين . وكان رضي الله عنه يقول : سمعت الجنيد رضي الله عنه يقول : من أخلص في المعاملة أراحه الله تعالى من الدعاوي الكاذبة ، وكان يقول : جاع بعضهم في الحرم فسألي ربه في حجر إسماعيل فوقع في حجره مسمار فضة من مسامير الميزاب فقضى به حاجته ، وكان رضي الله عنه يقول : لا أعرف شيئا أفضل من العلم بالله ، وبأحكامه فإن الأعمال لا تزكو إلا بالعلم ، ومن لا علم عنده فليس له عمل ، وإنما يكره من العلم تضييعه ، ونبذه خلف الظهر فقيل له فهل طلب العلم عمل فقال : هو من أكبر الأعمال ، وبالعلم عرف الله ، وأطيع ، وبالعلم استحيا من الله المستحيون ، وهو قبل الأعمال قال الله تعالى : ' علم الإنسان ما لم يعلم ' وقال الله تعالى : ' علمه البيان ' ، ولا يكره العلم إلا منقوص ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا رأيت الفقير يأكل فاعلم أنه لا يخلو من إحدى ثلاث إما لوقت قد مضى عليه أو لوقت يريد أن يستقبله أو للوقت الذي هو فيه . قلت : ومعنى ذلك أن من شأن الفقير أن لا يكون مقصوده بالأكل محض قضاء الشهوة ، والتبسط إنما كله ضرورة ، والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : عليكم بصحبة الفقراء فإنهم كنوز الدنيا ، ومفاتيح الآخرة رضي الله عنه . ومنهم أبو العباس بن القاسم بن مهدي رحمه الله تعالى ابن بنت أحمد بن سيار رحمه الله كان من أهل مرو ، وهو شيخهم ، وأول من تكلم عندهم في حقائق الأحوال ، وكان فقيها عالما كتب الحديث ورواه ، وصحب أبا بكر الواسطي ، وإليه كان ينتمي في علوم هذه الطائفة ، وكان من أحسن المشايخ لسانا في وقته يتكلم في علوم التوحيد ، ولجميع من يلوذ به من أهل السنة والجماعة . مات رضي الله عنه سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : كيف السبيل إلى ترك ذنب كان عليك في اللوح المحفوظ مخطوطا ، وكيف السبيل إلى صرف قضاء دين كان به العبد مربوطا ، وقيل له يوما بماذا يروض المريد نفسه ؟ فقال رضي الله عنه : بالصبر على الأوامر ، واجتناب النواهي وصحبة الصالحين ، وخدمة الرفقاء ، ومجالسة الفقراء ، والمرء حيث وضع نفسه . وكان رضي الله عنه يقول : حقيقة المعرفة الخروج عن المعارف ، وكان رضي الله عنه يقول : ما التذ عاقل قط بمشاهدة لأن مشاهدة الحق فناء ليس فيه لذة ، ولا التذاذ ، ولا حظ ، ولا احتظاظ ، وكان رضي الله عنه يقول : ما نطق أحد عن الحق إلا وهو محجوب عن الحق ، وكان رضي الله عنه يقول : الخطرة للأنبياء ، والوسوسة للأولياء ، والفكرة للعوام ، وكان رضي الله عنه يقول : ظلمة الأطماع تمنع أنوار المشاهدة ، وكان يقول : لباس الهداية للعامة ولباس الهيبة للعارفين ، ولباس الزينة لأهل الدنيا ، ولباس اللقاء للأولياء ، ولباس التقوى لأهل الحضرة قال تعالى : ' ولباس التقوى ذلك خير ' وكان رضي الله عنه يقول : من دقق النظر في دينه وسع عليه الصراط في دقته ومن وسع النظر في دينه ضيق عليه الصراط في دقته ، ومن غاب عن حقوقه بحقوقه غاب عن كل شدة ، وعقوبة . رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر بن داود الدينوري الرقي رحمه الله تعالى أقام بالشام ، وكان من أقران أبي علي الروذباري إلا أنه عمر زيادة على مائة سنة صحب أبا عبد الله بن الجلاء وأبا بكر الرقاقي الكبير ، وأبا بكر المصري غير أنه كان ينتمي إلى ابن الجلاء أكثر ، وكان من أجل مشايخ وقته ، وأحسنهم حالا ، وأقدمهم صحبة للمشايخ . مات رضي الله عنه بعد الخمسين ، والثلاثمائة ، وسئل رضي الله عنه عن الفرق بين الفقر ، والتصوف فقال : الفقر حال من أحوال التصوف فقيل له : ما علامة المتصوف فقال : أن يكون مشغولا بما هو أولى في كل وقت ، وكان يقول : إذا انحط الفقراء عن حقيقة العلم إلى ظاهر العلم أساءوا الأدب مع الله تعالى ، في أحوالهم بخلاف غيرهم ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل المعرفة أحياء لحياة معروفهم فلا حياة حقيقة إلا لأهل المعرفة لا غير رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الرازي رحمه الله تعالى عرف بالشعراني رضي الله عنه رازي الأصل ، ومولده ومنشؤه بنيسابور صحب الجنيد ، وأبا عثمان الحيري ، ورويما ، ومحمد بن الفضل ، وسمنون ، والجوزجاني ، ومحمد بن حامد ، وغيرهم من مشايخ القوم ، وهو من أجلة أصحاب أبي عثمان ، وكان أبو عثمان رضي الله عنه يكرمه كثيرا ، ويبجله ، ويعرف له محل وكان من كبار مشايخ نيسابور ، في وقته له من الرياضات ما يعجز الأسماع ، وكان عالما بعلوم هذه الطائفة ، وكتب الحديث الكثير ، وكان ثقة نقيا مات رضي الله عنه سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، وقيل له مرة ما بال الناس يعرفون عيوبهم ، ويحبون ما هم فيه ، ولا ينتقلون عن ذلك ، ولا يرجعون إلى طريق الصواب فقال رضي الله عنه لأنهم اشتغلوا بالمباهاة بالعلم ، ولم يشتغلوا باستعماله ، واشتغلوا بأبحاث الظواهر ، وتركوا أبحاث البواطن فأعمى الله تعالى قلوبهم عن النظر إلى الصواب ، وقيد جوارحهم عن العبادة ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف لا يعبد إلا الله تعالى على الموافقة للخلق ، وإلا فهو مع الله بما يريد ، وكان رضي الله عنه يقول : المعرفة تهتك الحجب بين العبيد ، وبين مولاهم رضي الله عنه . ومنهم أبو عمرو إسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف بن سالم بن خالد السلمي رحمه الله تعالى وهو جد الشيخ أبي عبد الرحمن شيخ القشيري صحب أبا عثمان رضي الله عنه ، وكان من أكبر أصحابه ولقي الجنيد وكان من أكبر مشايخ وقته ، وله طريقة ينفرد بها عن تلبيس الحال ، وصون الوقت ، وهو آخر من مات من أصحاب أبي عثمان في سنة ست وستين وثلاثمائة ، وسمع الحديث ورواه ، وكان ثقة . ومن كلامه رضي الله عنه كل حال يكون نتيجة علم فإن ضرره على صاحبه أكثر من نفعه ، وكان رضي الله عنه لقول : من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه ، وكان يقول : من لم تهذبك رؤيته فاعلم أنه غير مهذب ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يصفو لأحد قدم في العبودية حتى تكون أفعاله كلها عنده رياء ، وأحواله كلها عنده دعاوى . وكان رضي الله عنه يقول : إذا أراد الله بعبده خيرا رزقه خدمة الصالحين والأخيار ، ووفقه لقبول ما يشيرون به عليه ، وسهل عليه سبيل الخيرات ، وحجبه عن رؤيتها ، وقيل له من أين تتولد الدعاوى فقال من الاغترار ، وتشويش الأسرار ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما تتولد الدعاوى من فساد الابتداء فمن صحت بدايته صحت نهايته ، ومن فسدت بدايته فربما هلك في حال من أحواله ، وكان رضي الله عنه يقول : الملامتي لا يكون له دعوى قط لأنه لا يرى لنفسه شيئا يدعي به ، وكان يقول : أحترم عامة المسلمين ، ولا تتصدر في أمر ما أمكنك ، وكن خاملا في الناس فبقدر ما تتعرف إليهم وتشتغل بهم تضيع حظك من أوامر ربك ، وكان يقول : من أظهر محاسنه لمن لا يملك ضره ، ولا نفعه فقد أظهر جهله ، وكان رضي الله عنه يقول : من استقام حد الاستقامة لا يعوج به أحد ، ومن اعوج لا يستقيم به أحد رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن بن أحمد بن سهل البوسنجي رضي الله تعالى عنه كان من أوحد فتيان خراسان لقي أبا عثمان ، وصحب بالعراق ابن عطاء والجريري ، وبالشام طاهرا المقدسي وأبا عمرو الدمشقي ، وتكلم رضي الله عنه مع الشبلي رضي الله عنه ، في مسائل ، وهو من أعلم مشايخ ، وقته بعلوم التوحيد ، وعلوم المعاملات ، ومن أحسنهم خلقا ، وطريقة في الفتوة ، والتجريد ، وكان معظما للفقراء حسن الخلق مات رضي الله عنه سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة رضي الله عنه ، وسئل عن التصوف فقال : هو اليوم اسم لا حقيقة ، وقد كان حقيقة ، ولا اسم ، وكان يقول : من كان باطنه أفضل من ظاهره فهو الولي ، ومن كان باطنه ، وظاهره سواء فهو العالم ، ومن كان ظاهره أفضل من باطنه فهو الجاهل ، ولذلك لا ينصف من نفسه ، ويطلب الإنصاف من غيره ، وقيل له من الظريف فقال الخفيف في ذاته ، وأفعاله ، وأخلاقه ، وشمائله من غير تكلف ، وكان يقول : الخير منا زلة ، والشر لنا صفة رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن خفيف الضبي رضي الله تعالى عنه ورحمه أقام بشيراز ، وهو شيخ المشايخ ، وأوحدهم في وقته كان عالما بعلوم الظاهر ، والحقائق حسن الأحوال في المقامات ، والأحوال ، وجميع الأخلاق ، والأعمال مات رضي الله عنه سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : التصوف تصفية القلوب ، ومفارقة أخلاق الطبيعة ، وإخماد صفات البشرية ، ومجانبة الدعاوي النفسانية ، ومنازلة صفات الروحانية ، والتعلق بعلوم الحقيقة ، والنصح لجميع الأمة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم في الشريعة ، وكان رضي الله عنه يقول : ليس شيء أضر بالمزيد من مسامحة النفس في ركوب الرخص ، وقبول للتأويلات ، وكان رضي الله عنه يقول : الذكر على قسمين ظاهر ، وباطن فالظاهر التهليل ، والتحميد ، والتمجيد ، وقراءة القرآن ، والباطن تنبيه القلوب على شرائط التيقظ على معرفة الله تعالى ، وصفاته ، وأسمائه ، وأفعاله ، ونشر إحسانه ، وإمضاء تدبيره ، ونفاذ تقديره على جميع خلقه ، وكان يقول : ذكر الله منفرد ، وهو ذكر المذكور بانفراد أحديته عن كل مذكور سواه لقوله صلى الله عليه وسلم : ' أفضل الذكر لا إله إلا الله ' ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وهو يقول : ' من عرف طريقا إلى الله فسلكه ثم رجع عنه عذبه الله عذابا لم يعذب به أحدا من العالمين ' ، وكان رضي الله عنه يقول : عليك بمن يعظك بلسان فعله ، ولا يعظك بلسان قوله رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسين بندار بن الحسين الشيرازي رضي الله تعالى عنه سكن أذربيجان ، وكان عالما بالأصول ، واللسان ، وله اللسان المشهور في علم الحقائق ، وكان الشبلي رضي الله عنه يعظمه ، ويعظم قدره ، وكان بينه وبين ابن خفيف مفاوضات في مسائل شتى مات رضي الله عنه سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة ، وغسله أبو زرعة الطبري . وسئل رضي الله عنه عن الفرق بين الصوفية ، والمتصوفة فقال : الصوفي من اختاره الله لنفسه فصافاه من غير تكلف ، والمتصوف هو المتكلف بنفسه المظهر لزهده مع كون رغبته في الدنيا ، وتربية بشريته ، وكان يقول : لا تخاصم نفسك فإنها ليست لك دعها لمالكها يفعل بها ما يريد ، وكان يقول : ليس من الأدب أن تسأل رفيقك إلى أين ؟ أو في أيش ؟ وكان رضي الله عنه يقول : من لم يجعل قبلته على حقيقه ربه فسدت صلاته ، وكان يقول : رؤي مجنون بني عامر في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك فقال : غفر لي ، وجعلني حجة على المحبين . وكان رضي الله عنه يقول : من أقبل على الآخرة وركن إليها أحرقته بنورها ، وصار سبيكة ذهب ينتفع به ومن أقبل على الله أحرقه بنور التوحيد ، وصار جوهرا لا قيمة له ، وقيل له مرة ما هي الدنيا ؟ فقال رضي الله عنه ما دنا من القلب ، وشغل عن الحق . رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر الطمستاني رضي الله تعالى عنه ورحمه كان من أجل المشايخ ، وأعلاهم حالا منفردا بحاله ، ووقته لا يشاركه أحد فيه من أبناء جنسه ، ولا يدانيه ، وكان الشبلي رضي الله عنه يقول به ، ويجله ، ويكرمه ، صحب إبراهيم الفارسي ، وغيره من مشايخ الفرس ، وكانوا جميعا يحترمونه . ورد نيسابور ، ومات بها سنة أربعين وثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه جالسوا الله كثيرا ، وجالسوا الناس قليلا ، يريد بذلك العزلة ، وكان يقول : خير الناس من رأى الحق في غيره ، وعلم أن السبيل إلى الله غير السبيل الذي عليه هو ولو ارتفع في المرتبة ، وذلك ليرى تقصير نفسه عما كلف به ، وكان رضي الله عنه يقول : من اتبع الكتاب ، والسنة ، وهاجر إلى الله بقلبه ، واتبع آثار الصحابة لم تسبقه الصحابة إلا بكونهم رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : اليقظة لأهل اليقظة لعمارة الآخرة كما أن الغفلة لأهل الغفلة لعمارة الدنيا . قلت : هذا إذا لم يقصد المحترف بحرفته نفع العباد واقتصر على جمع الدنيا فقط فإذا نوى بحرفته نفع العباد فقد عمر الدنيا ، والآخرة ، والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : كل من استعمل الصدق بينه ، وبين الله تعالى شغله صدقه مع الله عن الفراغ إلى خلق الله قلت : وكان شيخنا الشيخ محمد بن عنان رضي الله عنه من أهل هذا المقام فكان لا يقدر أن يرد على أحد كلاما أبدا رضي الله تعالى عنه . وكان يقول : ماذا أصنع ، والكون كله عدو لي ، وكان يقول : الوصل بلا فصل فإذا جاء الفصل فلا وصل ، وكان يقول : النفس كالنار إذا طفئت في موضع تأججت في موضع كذلك النفس إذا هذبت من جانب تأثرت من جانب ، وكان رضي الله عنه يقول : إن لم تقدروا على أن تصحبوا الله بالأدب فاصحبوا من يصحبه لتوصلكم بركات صحبته إلى صحبة الله رضي الله عنه . ومنهم أبو العباس أحمد بن محمد الدينوري رحمه الله تعالى آمين صحب يوسف ين الحسين ، وعبد الله بن الخراز ، وأبا محمد الجريري ، وأبا العباس بن عطاء ، ولقي رويما وورد نيسابور ، إلى سمرقند ، ومات بها بعد الأربعين والثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : العلماء متفاوتون في ترتيب مشاهدات الأشياء فقوم رجعوا من الأشياء إلى الله فشاهدوا الأشياء حيث الأشياء ثم رجعوا عنها إلى الله ، وقوم رجعوا من الله إلى الأشياء من غير غيبتهم عنه فلم يروا شيئا إلا ورأوا الحق قبله ، وقوم بقوا مع الأشياء لأنهم لم يكن لهم طريق منهم إلى الله ، وكان يقول عن أهل زمانه نقضوا أركان التصوف ، وهدموا سبيلها ، وغيروا معانيها بأسام أحدثوها سموا الطمع زيادة ، وسوء الأدب إخلاصا ، والخروج عن الحق شطحا ، والتلذذ بالمذموم طيبة ، واتباع الهوى ابتلاء ، والرجوع إلى الدنيا ، وصولا ، وسوء الخلق صولة ، والبخل حلاوة ، والسؤال عملا ، وبذاءة اللسان سلامة ، وما كان هكذا طريق القوم إنما درجوا على الحياء ، والأدب ، والزهد في الحظوظ . رضي الله عنهم أجمعين . ومنهم أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي رضي الله تعالى عنه من القيروان من قرية يقال لها كوكب أقام بالحرم الشريف مدة ، وكان شيخه ، وصحب أبا علي بن الكاتب حبيبا المصري . وأبا عمرو الزجاجي ، ولقي النهرجوري ، وأبا الحسين بن الصائغ الدينوري ، وغيرهم من المشايخ ، ولم ير مثله في علو الحال ، وصون الوقت وصحة الحكم بالفراسة ، وقوة الهيبة ، ورد نيسابور ، ومات بها سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة ، وأوصى أن يصلي عليه الإمام أبو بكر بن فورك ، وكان يقول : من حفظ جوارحه تحت الأوامر فهو في اعتكاف على الدوام ، وكان رضي الله عنه يقول : أبي الملك الجبار إلا أن يختبر أولياءه بتسليط عدوهم عليهم ليرى كيف صبرهم عليه فإن صبروا على بلوى عدوهم جللهم بعلمه ، وحباهم بوصله ، وأسكنهم في جواره ، ونعمهم بمشاهدته ، ولذذهم بذكره ، وأوصلهم بمعرفته ، وجعلهم أئمة يقتدي بهم ، ونجاة لعباده ، ورحمة في أرضه . قلت : ومعنى صبرهم على عدوهم أن يصبروا على مجاهدته في ترك ما يأمرهم به ، ولا يتقلقوا من كثرة وساوسه فيطيعوه والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : إن الله جعل أنس عباده في رؤية أوليائه ، وكان يقول في معنى حديث أكثر أهل الجنة البله معناه الأبله في دنياه الفقيه في دينه ، وكان رضي الله عنه يقول : من أثر صحبة الأغنياء على مجالسة الفقراء ابتلاه الله تعالى بموت القلب ، وكان يقول : العاصي خير من المدعي لأن العاصي يطلب طريق التوبة ، والمدعي يتخبط في خبال دعواه ، وكان يقول : أفواه العارفين فاغرة لمناجاة القدرة ، وكان يقول : الولي قد يكون مستورا ، ولكن لا يكون مفتونا ، وكان يقول : من لم يسمع من نهيق الحمار مثل ما يسمع من صوت العود ، ودواخل المغنين فهو كذاب . رضي الله عنه . ومنهم أبو القاسم إبراهيم بن محمد بن محمومة النصراباذي رضي الله عنه شيخ خراسان في وقته نيسابوري الأصل ، والمولد والمنشأ يرجم إليه في أنواع من العلوم من حفظ السنن ، وجمعها ، وعلوم التواريخ ، وعلم الحقائق ، وكان أوحد المشايخ في وقته علما ، وحالا صحب أبا بكر الشبلي وأبا علي الروذباري وأبا محمد المرتعش ، وغيرهم من المشايخ أقام بنيسابور ثم خرج في آخر عمره إلى مكة ، وحج سنة ست وستين وثلاثمائة ، وأقام بالحرم مجاورا ، ومات سنة سبع وستين وثلاثمائة ، وكتب الحديث ، ورواه ، وكان ثقة ، وكان رضي الله عنه يقول : من الأدب إذا اشتهر الإنسان بالزهد ، ورمى الدنيا أن يتظاهر بإمساكها بين الناس ليقطع نسبة الزهد إليه ، والمدار على القلب فإن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا بدا لك شيء من بوادي الحق فلا تلتفت معه إلى جنة ، ولا إلى نار ، ولا تخطرهما ببالك ثم إذا رجعت عن ذلك الحال فعظم ما عظم الله ، وقيل له إن بعض الناس يجالس النسوان ، ويقول : أنا معصوم في رؤيتهن فقال رضي الله عنه : ما دامت الأشباح باقية فالأمر والنهي مخاطب بهما العبد لا سيما العزاب ، وكان يقول : من عمل على رؤية الجزاء كانت أعماله بالعدد ، والإحصاء ، ومن عمل على المشاهدة أذهلته المشاهدة عن التعداد ، والعدد ، وفي رواية من عمل بالعدد كان ثوابه بالعدد قال تعالى : ' من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ' ' الأنعام : 160 ' ومن عمل على المشاهدة كان أجره لا عد له لقوله تعالى : ' إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ' ' الزمر : 15 ' وكان رضي الله عنه يقول : دماء المحبين تجيش ، وتغلي وهم واقفون مع الحق على مقام إن تقدموا غرقوا ، وإن تأخروا حجبوا ، وكان يقول : الجذب أسرع من السلوك فإن كل جذبة من الحق تغني العبد عن أعمال الثقلين ، وكان يقول : أصل التصوف هو ملازمة الكتاب ، والسنة ، وترك الأهواء ، والباع ، وتعظيم حرمات المشايخ ، وإقامة المعاذير للخلق ، والمداومة على الأوراد ، وترك ارتكاب الرخص ، والتأويلات ، وما ضل أحد عن هذا الطريق إلا انحط عن مقام الرجال ، وكان رضي الله عنه يقول : الزاهد غريب في الدنيا ، والعارف غريب في الآخرة ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما سمى الله تعالى أصحاب الكهف فتية لأنهم آمنوا بلا واسطة وكان رضي الله عنه يقول : ليس للأولياء سؤال إنما هو الذبول ، والخمول وكان يقول : نهايات الأولياء بدايات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكان رضي الله عنه يقول : الجمع عين التوحيد ، والتفرقة حقيقة التجريد ، وهو أن يكون العبد فانيا لله تعالى يرى الأشياء كلها به ، وله ، وإليه ، ومنه . ومنهم أبو الحسن علي بن إبراهيم الحصري رضي الله تعالى عنه بصري الأصل سكن بغداد ، ومات بها يوم الجمعة في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة كان شيخ العراق في وقته ، ولم ير مثله في زمانه من المشايخ ، ولا أتم مقالا منه ، ولا أحسن لسانا ، ولا أعلى مكانا متوحدا في طريقته ظريفا في شمائله ، وحاله . له لسان في التوحيد يختص به ، ومقام في التجريد ، والتفريد لم يشاركه فيه أحد بعده ، وهو أستاذ العراقيين ، وبه تأدب من تأدب منهم صحب الشبلي ، وإليه كان ينتمي ، وصحب غيره من المشايخ ، وكان رضي الله عنه يقول : مكثت زمانا إذا قرأت القرآن لا أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ، وأقول من الشيطان الرجيم حتى يحضر كلام الحق . قلت : ولعل هذا وقع منه قبل الكمال فإن الكمال يقرأ المراتب ، ولا ينفي منها شيئا ، وقد أمر الله عز وجل أشرف المرسلين صلى الله عليه وسلم بالاستعاذة من الشيطان فلو كان عدد شهوده كمالا لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بذلك والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : عرضوا ، ولا تصرحوا التعريض أستر ، رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله أحمد بن عطاء بن أحمد الروذباري رحمه الله تعالى ابن أخت أبي علي الروذباري رضي الله عنه شيخ الشام في وقته يرجع إلى أحوال يختص بها ، وأنواع من العلوم من علم الشريعة ، والقرآن ، وعلم الحقيقة ، وأخلاق ، وشمائل تفرد بها ، وتعظيم للفقر ، وصيانته ، وملازمة آدابه ، ومحبة الفقراء ، والميل إليهم ، والرفق بهم مات بصور سنة تسع ، وستين وثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل الغيبة إذا شربوا طاشوا ، وأهل الحضور إذا شربوا عاشوا ، وكان يقول : أقبح من كل قبيح صوفي شحيح . قلت : والمراد هنا بالشح أن يمنع بخلا لا على وجه الحكمة فإن المنع لبعض الناس من أخلاق الله عز وجل فافهم ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : التصوف ينفي عن صاحبه البخل ، وكتابة الحديث تنفي عن صاحبها الجهل فإذا اجتمعا في شخص فناهيك به مقاما ، وكان يقول في مجالسة الأضداد ذوبان الروح وفي مجالسة الأشكال تلقيح العقول ، وكان رضي الله عنه يقول : من هدم الأولياء بلا أدب هلك ، وكان يقول ليس كل من يصلح للمجالسة يصلح للمؤانسة ، وليس كل من يصلح للمؤانسة يؤتمن على الأسرار فإنه لا يؤتمن على الأسرار إلا الأمناء ، والسلام . وكان رضي الله عنه من عادته إذا ذهب لمكان أن يمشي على أثر الفقراء لا يتقدمهم رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن الحسن الروغندي رضي الله تعالى عنه من أجلة مشايخ طوس صحب أبا عثمان الحيري ، وطائفة من طبقته من المشايخ ، وكان قد صار أوجد وقته في طريقته ، وظهرت له آيات ، وكرامات ، وكان مجردا على الحال كبير الهمة . مات بعد الخمسين والثلاثمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : من ترك الدنيا للدنيا فهو من علامة حبه جمع الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول : من ضيع حق الله تعالى في صغره أذله الله في كبره . قلت : محل ذلك إذا لم يقع منه توبة مقبولة ، ومعنى إذلال الله له استحقاقه للإذلال وقد لا يقع وكان رضي الله عنه يقول : إياك والتمييز في الخدمة فإن أرباب التمييز قد مضوا أخدم الكل ليحصل لك المراد ، ولا يفوتك المقصود ، وما رأينا أحدا خدم الفقراء إلا ولحقته بركاتهم ، وربح العز في الدنيا قبل الآخرة ، وكان رضي الله عنه يقول : الزاهد في حظ نفسه والصوفي في حظ ربه ، وكان رضي الله عنه يقول : ينزل الله عز وجل على كل عبد من البلاء بحسب ما وهبه من المعرفة في ذلك لتكون معرفته عونا له على بلائه فأعلاهم معرفة أكثرهم بلاء ، وأقلهم معرفة أقلهم بلاء ، وكان رضي الله عنه يقول : ما جزع النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا لأمته فإنه بعث بالرأفة ، والرحمة فكان إذا كوشف له عن أمته أنهم يقعون في مخالفة جزع لهم ، وعليهم قال تعالى : ' عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ' ' التوبة 128 ' وكان رضي الله عنه يقول : لا تصح الأحوال إلا إن كانت عن نتائج العلم فلولا العلم ما خاف القلب ، ولا اطمأن ، ولا سكن رضي الله عنه . ومنهم أبو الحسن علي بن بندار بن الحسين الصوفي هو من أجلة مشايخ نيسابور ، ومقدميهم رزق من رؤية المشايخ ، وصحبتهم ما لم يرزق غيره صحب بنيسابور أبا عثمان ومحفوظا ، وببغداد الجنيد ، ورويما ، وسمنونا ، وابن عطاء ، والجريري ، وبالشام المقدسي ، وابن الجلاء ، وبمصر أبا بكر المصري ، والزقاق ، والروذباري ، وكتب الحديث الكثير ، ورواه ، وكان ثقة ، وكان يقول لمن يدخل بلده ، ويبدأ بالمحدثين ، والعلماء قبله شغلتك السنة عن الفريضة لأن الصوفية ينظفون محل العلم من قلبك ليصلح قلبك لإقامة العلم فيه ، وسئل رضي الله عنه عن التصوف فقال هو إسقاط رؤية الخلق ظاهرا ، وباطنا ، وكان رضي الله عنه يقول : فساد القلوب على حسب فساد الزمان ، وأهله وكان رضي الله عنه يقول : لا يكمل الفقير حتى يكتم فقره ، ويكتم عن إخوانه رضاه به ، وأنسه ، وفرحه به ، وكان رضي الله عنه يقول : زمان يذكر فيه أمثالنا بالصلاح لا يرجى فيه الصلاح ، وكان إذا لقي أحدا ممن لقي من المشايخ من لم يلقه يقبل يده ولا يمشي إلا وراءه ، ويقول : إنك لقيت فلانا ، وأنا لم ألقه . رضي الله عنه . ومنهم أبو بكر محمد بن أحمد بن جعفر النيسابوري رضي الله تعالى عنه كان رضي الله عنه يقول : من أفتى مشايخ نيسابور في وقته صحب أبا عثمان الحيري ومات قبل الستين ، والثلاثمائة ، ومن كلامه رضي الله عنه : الفتوة حسن الخلق ، وبذل المعروف إلى كل بر ، وفاجر ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا شهد فيكم أحد بشر فخافوا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسلمين : أنتم شهداء الله في الأرض . قلت : وهذا باب أغفله كثير من الفقراء فلا يعبئون بمن يجرحهم استنادا إلى الإكتفاء بما يعلمه الله منهم ، وهو مقصور عن درجة العرفان ، فإن الله تعالى زكى من جرحهم وسماهم شهداء الله ، فيجب تصديقهم بما أخبروا به فافهم ، والله أعلم . ومنهم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن حمدون القراد رضي الله تعالى ورحمه كبار مشايخ نيسابور صحب أبا علي الثقفي ، وعبد الله بن منازل ، والشبلي ، وأبا بكر بن طاهر ، وغيرهم من المشايخ ، وكان أوحد ، وقته في طريقته ، ومن كلامه رضي الله عنه كتمان الحسنات أولى من كتمان السيئات ، فإنه بذلك يرجو النجاة ، وكان رضي الله عنه يقول : لن يدخل نور المعرفة قلبا من القلوب حتى يؤثر صاحبه الحق تعالى على كل شيء رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله وأبو القاسم ابنا أحمد بن محمد المقري رضي الله عنهم فأما أبو عبد الله فإنه صحب يوسف بن الحسين الرازي ، وعبد الله الخراز الرازي ، ومظفرا القرميسيني ، ورويما ، والجريري وابن عطاء ، وكان من أفتى المشايخ ، وأسخاهم ، وأحسنهم خلقا ، وأعلاهم همة مات رضي الله عنه سنة ست وستين وثلاثمائة ، وأما أبو القاسم ، فكان أوحد المشايخ بخراسان في وقته وطريقته عالي الحال شريف الهمة حسن السمت ، والوقار في مشيه ، وجلوسه صحب بن عطاء ، والجريري ، وابن أبي سعدان ، وابن ممشاد الدينوري ، والروذباري ، ومات رضي الله عنه سنة ثمان وسبعين ، وثلاثمائة بنيسابور . وكان رضي الله عنه يقول : الفقير الصادق هو الذي يملك كل شيء ، ولا يملكه شيء يعني أنه لقربه كلى شيء دعا ربه به أجابه فلا يركن لغير الله وكان رضي الله عنه يقول : من أخلاق الفتيان أن يحسن خلقه مع من يبغضه ، ويبذل المال لمن يكرهه ، ويحسن الصحبة مع من ينفر منه قلبه ، وموافقة الإخوان في كل ما لا يخالف العلم ، وكان يقول : أوائل بركات الدخول في طريق القوم أن تصدق الصادقين في كل ما أخبروا به عن أنفسهم ، وعن مشايخهم فمن توقف في شيء من ذلك حرم بركتهم ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف هو من شغله معروفه عن النظر إلى الخلق بعين القبول ، والرد ، وكان رضي الله عنه يقول : من تعزز عن خدمة إخوانه أورثه الله ذلا لا انفكاك له منه أبدا . وكان أبو القاسم رضي الله عنه يقول : السماع على ما فيه من اللطافة فيه خطر عظيم إلا لمن سمعه بعلم عزيز ، وحال صحيح ، ووجد غالب من غير حظ له فيه رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد الراسبي رضي الله تعالى عنه ورحمه بغدادي الأصل من أجلة مشايخهم صحب ابن عطاء ، والجريري ، ورحل إلى الشام ثم عاد إلى بغداد ، ومات بها سنة سبع وستين وثلاثمائة ، وكان يقول : إذا امتحن القلب بالتقوى ترحل عنه حب الدنيا ، وحب الشهوات ، واطلع على المغيبات ، ومن لم يمتحن قلبه بالتقوى لا يبرح عن حب الدنيا ، ولم يزل محجوبا عن المغيبات قلت : ولذلك استعمل النصابون الرياضات لاستخدام الجان ليخبروهم بالمغيبات حين عدموا الصدق في الزهد في الدنيا فأخطئوا ، ومقتوا نسأل الله السلامة لنا ، ولإخواننا المسلمين فيما بقي من العمر إنه سميع مجيب ، وكان رضي الله عنه يقول : المحبة إذا ظهرت افتضح فيها المحب ، وإذا كتمت قتلت المحب كمدا ، وكان يقول : خلق الله الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام للمجالسة ، وخلق العارفين للمواصلة ، وخلق الصالحين للملازمة ، وخلق المؤمنين للمجاهدة ، والعبادة ، وكان رضي الله عنه يقول في قوله تعالى : ' تريديون عرض الدنيا ، والله يريد الآخرة ' جمع بين إرادتين فمن أراد الدنيا دعاه الله إلى الآخرة ، ومن أراد الآخرة دعاه الله إلى قربه قال تعالى : ' ومن أراد الآخرة وسعى لها سخيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ' ' الإسراء : 19 ' والسعي المشكور هو البلوغ إلى منتهى الآمال من القرب ، والدنو ، وكان رضي الله عنه يقول : من البلاء العظيم صحبتك من لا يوافقك ، ولا تستطيع تركه رضي الله عنه . ومنهم أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق الدينوري رضي الله تعالى عنه من أجلة المشايخ ، وأكبرهم حالا وأعلاهم همة وأفصحهم في علوم هذه الطائفة مع ما كان يرجع إليه من صحة الفقر ، والتزام آدابه ، ومحبة أهله ، وأقام بوادي القرى سنين ثم عاد إلى دينور ، ومات بها ، وكان رضي الله عنه يقول : صحبة الأصاغر مع الأكابر من التوفيق ، والفطنة ، ورغبة الأكابر في صحبة الأصاغر من الخذلان ، والحمق . وكان رضي الله عنه يقول : لا يغرنك من الفقراء ما ترى عليهم من هذه اللبسة الظاهرة فإنهم ما زينوا الظواهر إلا بعد أن خربوا البواطن ، وكان يقول : تعب الزهد على البدن ، وتعب المعرفة على القلب ، وكان رضي الله عنه يقول : أرفع العلوم علم الأسماء ، والصفات ، وإخلاص أعمال الظواهر تصحيح أحوال البواطن ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت في بعض أسفاري رجلا يقفز بإحدى رجليه فقلت له : مالك وللسفر مع فقدان الآلة فقال : أمسلم أنت ؟ فقلت : نعم فقال : أما تقرأ قوله تعالى : ' وحملناهم في البر والبحر ' ' الإسراء 70 ' إذا كان هو الحامل حمل بلا آلة لاستغنائه تعالى عنها ، وكان رضي الله عنه يقول : إن كثرة الكلام تنشف الحسنات كما تنشف الأرض بعد الماء رضي الله عنه . ومنهم أبو صالح سيدي عبد القادر الجيلي رضي الله تعالى عنه وهو ابن موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم أجمعين ولد رضي الله عنه سنة سبعين وأربعمائة ، وتوفي سنة إحدى وستين وخمسمائة ، ودفن ببغداد رضي الله تعالى عنه وقد أفرده الناس بالتآليف ، ونحن نذكر إن شاء الله تعالى ملخص ما قالوه مما به نفع ، وتأديب للسامع فنقول وبالله التوفيق : كان رضي الله عنه يقول : عثر الحسين الحلاج فلم يكن في زمنه من يأخذ بيده ، وأنا لكل من عثر مركوبه من أصحابي ، ومريدي ومحبي إلى يوم القيامة آخذ بيده يا هذا فرسي مسرج ورمحي منصوب ، وسيفي شاهر وقوسي موتر أحفظك ، وأنت غافل ، وحكى عن أمه رضي الله عنها ، وكان لها قدم في الطريق أنها قالت لما وضعت ولدي عبد القادر كان لا يرضع ثديه في نهار رمضان ، ولقد غم على الناس هلال رمضان فأتوني وسألوني عنه فقلت لهم : إنه لم يلتقم اليوم له ثديا ثم اتضح أن ذلك اليوم كان من رمضان ، واشتهر ببلدنا في ذلك الوقت أنه ولد للأشراف ولد لا يرضع في نهار رمضان ، وكان رضي الله عنه يلبس لباس العلماء ، ويتطيلس ، ويركب البغلة وترفع الغاشية بين يديه ، ويتكلم على كرسي عال ، وربما خطا في الهواء خطوات على رؤوس الناس . ثم يرجع إلى الكرسي ، وكان رضي الله عنه يقول : بقيت أياما كثيرة لم أستطعم فيها بطعام فلقيني إنسان أعطاني صرة فيها دراهم فأخذت منها خبزا سميذا ، وخبيصا فجلست كله فإذا برقعة مكتوب فيها قال الله تعالى في بعض كتبه المنزلة ' إنما جعلت الشهوات لضعفاء خلقي ليستعينوا بها على الطاعات أما الأقوياء فما لهم وللشهوات ' فتركت الأكل ، وانصرفت . وكان رضي الله عنه يقول : إنه لترد على الأثقال البهثيرة لو وضعت على الجبال تفسخت فإذا كثرت علي الأثقال وضعت جنبي على الأرض ، وتلوت فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ثم أرفع رأسي وقد انفرجت عني تلك الأثقال . وكان رضي الله عنه يقول : قاسيت الأهوال في بدايتي فما تركت هولا إلا ركبته وكان لباسي جبة صوف وعلى رأسي خريقة وكنت أمشي حافيا في الشوك وغيره وكنت أقتات بخرنوب الشوك ، وقمامة البقل ، وورق الخس من شاطئ النهر ، ولم أزل آخذ نفسي بالمجاهدات حتى طرقني من الله تعالى الحال فإذا طرقني صرخت ، وهمت على وجهي سواء كنت في صحراء أو بين الناس ، وكنت أتظاهر بالتخارس ، والجنون ، وحملت إلى البيمارستان ، وطرقتني مرة الأحوال حتى مت ، وجاءوا بالكفن ، والغاسل ، وجعلوني على المغتسل ليغسلوني ثم سري عني وقمت وقال له رجل مرة كيف الخلاص من العجب فقال رضي الله عنه : من رأى الأشياء من الله ، وأنه هو الذي وقفه لعمل الخير ، وأخرج نفسه من البين فقد سلم من العجب . وقيل له مرة مالنا لا نرى الذباب يقع على ثيابك فقال : أي شيء يعمل الذباب عندي ، وأنا ما عندي شيء من دبس الدنيا ، ولا عسل الآخرة . وكان رضي الله عنه يقول : أيما امرئ مسلم عبر على باب مدرستي خفف الله عنه العذاب يوم القيامة ، وكان رجل يصرخ في قبره ، ويصيح حتى آذى الناس فأخبروه به فقال : إنه رآني مرة ، ولا بد أن الله تعالى يرحمه لأجل ذلك فمن ذلك الوقت ما سمع له أحد صراخا . وتوضأ رضي الله عنه يوما فبال عليه عصفور فرفع رأسه إليه ، وهو طائر فوقع ميتا فغسل الثوب ثم باعه ، وتصدق بثمنه ، وقال هذا بهذا ، وكان رضي الله عنه يقول : يا رب كيف أهدي إليك روحي ، وقد صح بالبرهان أن الكل لك وكان رضي الله عنه يتكلم في ثلاثة عشر علما ، وكانوا يقرءون عليه في مدرسته درسا من التفسير ، ودرسا من الحديث ودرسا من المذهب ، ودرسا من الخلاف ، وكانوا يقرءون عليه طرفي النهار التفسير ، وعلوم الحديث ، والمذهب ، والخلاف ، والأصول ، والنحو وكان رضي الله عنه يقرأ القرآن بالقراءات ، بعد الظهر . وكان يفتي على مذهب الإمام الشافعي ، والإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهما ، وكانت فتواه تعرض على العلماء بالعراق فتعجبهم أشد الإعجاب فيقولون سبحان من أنعم عليه ، ورفع إليه سؤال في رجل حلف بالطلاق الثلاث إنه لا بد أن يعبد الله عز وجل عبادة ينفرد بها دون جميع الناس في وقت تلبسه بها فماذا يفعل من العبادات فأجاب على الفور يأتي مكة ويخلي له المطاف ، ويطوف سبعا وحده ، وينحل يمينه فأعجب علماء العراق ، وكانوا قد عجزوا عن الجواب عنها ، ورفع له شخص ادعى أنه يرى الله عز وجل بعيني رأسه فقال : أحق ما يقولون عنك . فقال : نعم فانتهره ، ونهاه عن هذا القول ، وأخذ عليه أن لا يعود إليه فقيل للشيخ أمحق هذا أم مبطل فقال هذا محق ملبس عليه ، وذلك أنه شهد ببصيرته نور الجمال . ثم خرق من بصيرته إلى بصره لمعة فرأى بصره ببصيرته ، وبصيرته يتصل شعاعها بنور شهوده فظن أن بصره رأى ما شهده ببصيرته ، وإنما رأى بصره ببصيرته فقط ، وهو لا يدري قال الله تعالى مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ، وكان جمع من المشايخ ، وأكابر العلماء حاضرين هذه الواقعة فأطربهم سماع هذا الكلام ، ودهشوا من حسن إفصاحه عن حال الرجل ، ومزق جماعة ثيابهم ، وخرجوا عرايا إلى الصحراء ، وكان رضي الله عنه يقول : تراءى لي نور عظيم ملأ الأفق ثم تدلى فيه صورة تناديني يا عبد القادر أنا ربك ، قد حللت تلك المحرمات فقلت اخسأ يا لعين فإذا ذلك النور ظلام ، وتلك الصورة دخان ثم خاطبني يا عبد القادر نجوت مني بعلمك بأمر ربك ، وفقهك في أحوال منازلاتك ، ولقد أضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق فقلت لله الفضل فقيل له كيف علمت أنه شيطان قال بقوله وقد حللت لك المحرمات . وسئل رضي الله عنه عن صفات الموارد الإلهة ، والطوارق الشيطانية فقال الوارد الإلهي لا يأتي باستدعاء ، ولا يذهب بسبب ، ولا يأتي على نمط واحد ، ولا في وقت مخصوص ، والطارق الشيطاني بخلاف ذلك غالبا . وسئل رضي الله عنه عن الهمة فقال : هي أن يتعرى العبد بنفسه عن حب الدنيا ، وبروحه عن التعلق بالعقبى ، وبقلبه عن إرادته مع إرادة المولى ، ويتجرد بسره عن أن يلمح الكون أو يخطر على سره ، وسئل رضي الله عنه عن البكاء فقال : ابك له وابك منه وابك عليه ، ولا حرج . وسئل رضي الله عنه عن الدنيا فقال : أخرجها من قلبك إلى يدك فإنها لا تضرك . وسئل رضي الله عنه عن الشكر فقال : حقيقة الشكر الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع ، ومشاهدة المنة ، وحفظ الحرمة على وجه معرفة العجز عن الشكر وكان يقول : الفقير الصابر مع الله تعالى ، أفضل من الغني الشاكر له والفقير الشاكر أفضل منهما والفقير الصابر الشاكر أفضل منهم وما خطب البلاء إلا من عرف المبلى وسئل رضي الله عنه عن حسن الخلق فقال هو أن لا يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك للحق واستصغار نفسك ، وما منها معروفة بعيوبها ، واستعظام الخلق ، وما منهم نظروا إلى ما أودعوا من الإيمان والحكم . وسئل رضي الله عنه عن البقاء فقال : البقاء لا يكون إلا مع اللقاء واللقاء يكون كلمح البصر أو هو أقرب ، ومن علامة أهل اللقاء أن لا يصحبهم في وصفهم به شيء فان لأنهما ضدان ، وكان يقول متى ذكرته فأنت محب ، ومتى سمعت ذكره لك فأنت محبوب ، والخلق حجابك عن نفسك ، ونفسك حجابك عن ربك ، رما دمت ترى الخلق لا ترى نفسك ، وما دمت ترى نفسك لا ترى ربك ، ولما اشتهر أمره في الآفاق اجتمع مائة فقيه من أذكياء بغداد يمتحنونه في العلم فجمع كل واحد له مسائل ، وجاء إليه فلما استقر بهم المجلس أطرق الشيخ فظهرت من صدره بارقة من نور فمرت على صدور المائة فمحت ما في قلوبهم فبهتوا ، واضطربوا ، وصاحوا صيحة ، واحدة ، ومزقوا ثيابهم ، وكشفوا رؤوسهم ثم صعد الكرسي . وأجاب الجميع عما كان عندهم فاعترفوا بفضله ، وكان من أخلاقه أن يقف مع جلالة قدره الصغير ، والجارية ، ويجالس الفقراء ويفلي لهم ثيابهم وكان لا يقوم في لأحد من العظماء ولا أعيان الدولة ، ولا ألم قط بباب وزير ، ولا سلطان ، وكان الشيخ علي بن الهيتي رضي الله عنه يقول عن الشيخ عبد القادر رضي الله عنه : كان قدمه على التفويض والموافقة مع التبري من الحول والقوة وكانت طريقته تجريد التوحيد وتوحيد التفريد مع الحضور في موقف العبودية لا بشيء ولا لشيء ، وكان الشيخ عدي بن مسافر رضي الله عنه يقول : كان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه طريقته الذبول تحت مجاري الأقدار بموافقة القلب والروح ، واتخاد الباطن ، والظاهر ، وانسلاخه من صفات النفس مع الغيبة عن رؤية النفع ، والضرر ، والقرب والبعد ، وكان الشيخ بقاء بن بطو رضي الله عنه يقول : كان طريق الشيخ عبد القادر رضي الله عنه اتحاد القول ، والفعل ، والنفس ، والوقت ومعانقة الإخلاص ، والتسليم ، وموافقة الكتاب ، والسنة في كل نفس ، وخطرة ووارد ، وحال الثبوت مع الله عز وجل ، وفي روايه كانت قوة الشيخ عبد القادر رضي الله عنه في طريقه إلى ربه كقوى جميع أهل الطريق شدة ولزوما ، وكانت طريقته التوحيد وصفا ، وحكما ، وحالا وتحقيقه الشرع ظاهرا ، وباطنا ، ووصفه قلب فارغ ، وكون غائب ، ومشاهده رب حاضر بسريرة لا تتجاذبها الشكوك ، وسر لا تنازعه الأغيار ، وقلب لا تفارقه البقايا رضي الله عنه . وكان أبو الفتح الهروي رضي الله عنه يقول : خدمت الشيخ عبد القادر رضي الله عنه أربعين سنة فكان في مدتها يصلي الصبح بوضوء العشاء ، وكان كلما أحدث جدد في وقته وضوءه ثم يصلي ركعتين ، وكان يصلي العشاء ويدخل خلوته ، ولا يمكن أحدا أن يدخلها معه فلا يخرج منها إلا عند طلوع الفجر ولقد أتاه الخليفة يريد الاجتماع به ليلا فلم يتيسر له الاجتماع إلى الفجر قال الهروي : وبت عنده ليلة فرأيته يصلي أول الليل يسيرا ثم يذكر الله تعالى إلى أن يمضي الثلث الأول يقول المحيط : الرب الشهيد الحسيب الفعال الخلاق الخالق البارئ المصور فتتضاءل جثته مرة ، وتعظم أخرى ، ويرتفع في الهواء إلى أن يغيب عن بصري مرة ثم يصلي قائما على قدميه يتلو القرآن إلى أن يذهب الثلث الثاني ، وكان يطيل سجوده جدا ثم يجلس متوجها مشاهدا مراقبا إلى قريب طلوع الفجر ثم يأخذ في الدعاء ، والابتهال والتذلل ، ويغشاه نور يكاد يخطف الأبصار إلى أن يغيب فيه عن النظر قال ، وكنت أسمع عنده سلام عليكم سلام عليكم وهو يرد السلام إلى أن يخرج لصلاة الفجر ، وكان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه يقول : أقمت في صحراء العراق ، وخرائبه خمسا وعشرين سنة مجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفوني يأتيني طوائف من رجال الغيب ، والجان أعلمهم الطريق إلى الله عز وجل . ورافقني الخضر عليه السلام في أولى دخولي العراق ، وما كنت عرفته ، وشرط أن لا أخالفه وقال لي اقعد هنا فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين يأتيني كل سنة مرة ويقول لي مكانك حتى آتيك قال : ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ، ولا أشرب الماء ، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ، ولا آكل المنبوذ وسنة لا آكل ، ولا أشرب ، ولا أنام ، ونمت مرة بإيوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت ، وذهبت إلى الشط ، واغتسلت ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط ، واغتسلت قوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة ، وأنا أغتسل ثم صعدت إلى الإيوان خوف النوم ، دخلت في ألف فن حتى أستريح من دنياكم ، وكان رضي الله عنه يرى الجلوس على بساط الملوك ، ومن داناهم من العقوبات المعجلة للفقير ، وكان رضي الله عنه إذا جاءه خليفة أو وزير يدخل الدار ثم يخرج حتى لا يقوم له إعزازا للطريق في أعين الفقراء ، واجتمع عنده جماعة من الفقراء ، والفقهاء في مدرسة النظامية فتكلم عليهم في القضاء ، والقدر فبينما هو يتكلم إذا سقطت عليه حية من السقف ففر منها كل من كان حاضرا عنده . ولم يبق إلا هو فدخلت الحية تحت ثيابه ، ومرت على جسمه ، وخرجت من طوقه ، والتوت على عنقه ، وهو مع ذلك لا يقطع كلامه ، ولا غير جلسته ثم نزلت على الأرض ، وقامت على ذنبها بين يديه فصوتت ثم كلمها بكلام ما فهمه أحد من الحاضرين ثم ذهبت فرجع الناس ، وسألوه عما قالت فقال : قالت لي : لقد اختبرت كثيرا من الأولياء فلم أر مثل ثباتك فقلت لها : وهل أنت إلا دويدة يحركك القضاء ، والقدر الذي أتكلم فيه قال الشيخ عبد القادر رضي الله عنه ثم إنها جاءتني بعد ذلك ، وأنا أصلي ففتحت فمها موضع سجودي فلما أردت السجود دفعتها بيدي ، وسجدت فالتفت على عنقي ثم دخلت من كمي . وخرجت من الكم الآخر ثم دخلت من طوقي ثم خرجت فلما كان الغد دخلت خربة فرأيت شخصا عيناه مشقوقتان طولا فعلمت أنه جني فقال لي أنا الحية التي رأيتها البارحة ، ولقد اختبرت كثيرا من الأولياء بما اختبرتك به فلم يثبت أحد منهم لي كثباتك ، وكان منهم من اضطرب باطنه ، وثبت ظاهره ، ومنهم من اضطرب ظاهرا ، وباطنا ، ورأيتك لم تضطرب ظاهرا ولا باطنا ، وسألني أن يتوب على يدي فتوبته ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ولد لي قط مولود إلا أخذته على يدي وقلت : هذا ميت فأخرجه من قلبي أول ما يولد قال ابن الأحض رحمه الله تعالى ، وكنا ندخل على الشيخ عبد القادر رضي الله عنه في الشتاء ، وقوة برده ، وعليه قميص واحد ، وعلى رأسه طاقية ، والعرق يخرج من جسده ، وحوله من يروحه بمروحة كما يكون في شدة الحر . وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه اتبعوا ، ولا تبتدعوا وأطيعوا ، ولا تخالفوا ، واصبروا ، ولا تجزعوا ، واثبتوا ، ولا تتمزقوا ، وانتظروا ، ولا تيأسوا ، واجتمعوا على الذكر ، ولا تتفرقوا ، وتطهروا عن الذنوب ، ولا تتلطخوا ، وعن باب مولاكم لا تبرحوا ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا ابتلى أحدكم ببلية فليحرك أولا لها نفسه فإن لم يخلص منها فليستعن بغيره من الأمراء ، وغيرهم فإن لم يخلص فليرجع إلى ربه بالدعاء ، والتضرع ، والانطراح بين يديه فإن لم يجبه فليصبر حتى ينقطع عنه جميع الأسباب ، والحركات ، ويبقى روحا فقط لا يرى إلا فعل الحق جل ، وعلا فيصير موحدا ضرورة ، ويقطع بأن لا فاعل في الحقيقة إلا الله فإذا شهد ذلك تولى أمره الله فعاش في نعمة ولذة فوق لذة ملوك الدنيا لا تشمئز نفسه قط من مقدور قدره الله عليه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك الله ، وأماتك عن هواك فإذا مت عن هواك قيل لك رحمك الله ، وأماتك عن إرادتك ، ومناك فإذا مت عن إرادتك ، ومناك قيل لك رحمك الله وأحياك فحينئذ تحيا حياة طيبة لا موت بعدها ، وتغنى غنى لا فقر بعده ، وتعطى عطاء لا منع بعده ، وتعلم علما لا جهل بعده وتأمن أمنا لا تخاف بعده ، وتكون كبريتا أحمر لا يكاد يرى وكان رضي الله عنه يقول : أفن عن الخلق بحكم الله تعالى وعن هواك بأمر الله ، وكان رضي الله عنه يقول : إشراك الخواص أن يشركوا إرادتهم بإرادة الحق على وجه السهو ، والنسيان وغلبة الحال ، والدهشة فيتداركهم الله باليقظة ، والتذكير فيرجعوا عن ذلك ، ويستغفروا ربهم إذ لا معصوم من هذه الارادة إلا الملائكة كما عصم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وبقية الخلق من الجن ، والإنس المكلفين لم يعصموا منها غير أن الأولياء يحفظون عن الهوى ، والأبدال عن الإرادة ، وكان رضي الله عنه يقول : اخرج عن نفسك ، وتنح عنها ، وانعزل عن ملكك ، وسلم الكل إلى مولاك ، وكن بوابه على باب قلبك فأدخل ما يأمرك بإدخاله ، وأخرج ما يأمرك بإخراجه ، ولا تدخل الهوى قلبك فتهلك ، وكان رضي الله عنه يقول : احذر ، ولا تركن ، وخف ولا تأمن وفتش ، ولا تفعل فتطمئن ، ولا تضف إلى نفسك حالا ولا مقالا ولا تدع شيئا من ذلك ، ولا تخبر أحدا به فإن الله تعالى كل يوم هو في شأن في تغيير ، وتبديل يحول بين المرء ، وقلبه فيزلك عما أخبرت به ، ويعز لك عما تخيلت ثباته فتخجل عند من أخبرته بذلك بل احفظ ذلك ، ولا تعده إلى غيرك فإن كان الثبات ، والبقاء فتعلم أنه موهبة فتشكر ، واسأل الله التوفيق ، وإن كان غير ذلك كان فيه زيادة علم ، ومعرفة ، ونور ، وتيقظ ، وتأديب قال تعالى : ' ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ' ' البقرة : 106 ' وكان رضي الله عنه يقول : إذا أقامك الله تعالى في حالة فلا تختر غيرها أعلى منها أو أدنى منها . قلت : أما طلب الأدنى فظاهر لاستبداله الأدنى بالذي هو خير منه ، وأما في الأعلى فلما يطرق الطالب للعلو من الهوى ، والإدلال فالنهي في كلام الشيخ رضي الله عنه لمن لم يخرج عن هوى نفسه أما من خرج عن ذلك فله السؤال في مراتب الترقي عبودية محضة ، والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : إن كنت تريد دخول دار الملك فلا تختر الدخول إلى الدار بالهوى حتى يدخلك إليها جبرا أعني بالجبر أمرا عنيفا متكررا ، ولا تقنع بمجرد الأمر بالدخول لجواز أن يكون ذلك بمكر أو خديعة لكن اصبر حتى تجبر على الدخول فتدخل الدار جبرا محضا ، وفضلا من الملك فحينئذ لا يعاقبك الملك على فعله ، وإنما تتطرق إليك العقوبة من شؤم شرك ، وقلة صبرك ، وسوء أدبك ، وترك الرضا بحالتك التي أقامك الحق فيها ثم إذا دخلت الدار فكن مطرقا غاضا بصرك متأدبا محافظا لما تؤمر به من الخدمة غير طالب للترقي إلى الطبقة الوسطى ، ولا إلى الذروة العليا قال تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم : ' لا تمدن عينيك ' ' الحجر : 88 ' الآية . وكان رضي الله عنه يقول : لا تختر جلب النعماء ولا دفع البلوى فإن النعماء واصلة إليك بالقسمة استحليتها أم كرهتها ، والبلوى حالة بك ، ولو كرهتها ، ودفعتها فسلم لله تعالى في الكل يفعل ما يشاء فإن جاءتك النعماء فاشتغل بالذكر ، والشكر ، وإن جاءتك البلوى فاشتغل بالصبر ، والموافقة ، والرضا والتنعم بها ، والعدم ، والفناء عنها على قدر ما تعطي من الحالات ، وتنتقل فيها حتى تصل إلى الرفيق الأعلى ، وتقام في مقام من تقدم ، ومضى من الصديقين ، والشهداء فلا تجزع من البلوى ، ولا تقف بدعائك في وجهها ، وقربها فليس نارها أعظم من نار جهنم وفي الخبر إن نار جهنم تقول للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي وليس نور المؤمن الذي أطفأ لهب النار إلا الذي صحبه في دار الدنيا وتميز به عمن عصى فليطفئ بهذا النور لهب البلوى فإن البلية لم تأت العبد لتهلكه ، وإنما تأتيه لتختبره ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تشكون لأحد ما نزل بك من ضر كائنا ما كان صديقا أو قريبا ، ولا تتهمن ربك قط فيما فعل فيك ، ونزل بك من إرادته بل أظهر الخير ، والشكر ، ولا تسكن بر أحد من الخلق ، ولا تستأنس به ولا تطلع أحد على ما أنت فيه لا فاعل سوى ربك ' وكل شيء عنده بمقدار - إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو ' واحذر أن تشكو الله وأنت معافى وعندك نعمة ما طلبا للزيادة ، وتعاميا لما له عندك من النعمة والعافية ازدراء بها فربما فضب عليك ، وأزالها عنك ، وحقق شكواك ، وضاعف بلاءك ، وشدد عليك العقوبة ، رفقتك ، وأسقطك من عينه ، وأكثر ما ينزل بابن آدم من البلايا لشكواه من ربه عز وجل . وكان رضي الله عنه يقول : لا يصلح لمجالسة الملوك إلا المطهر من رجس الزلات ، والمخالفات ، ولا تقبل أبوابه تعالى إلا طيبا من الدعاوي ، والهوسات ، وأنت يا أخي غارق ليلا ، ونهارا في المعاصي ، والقاذورات ، ولذلك ورد ' حمى يوم كفارة سنة ' فالأمراض ، والشدائد جعلها الله تعالى مطهرات لك لتصلح لقربه ، ومجالسته لا غير ، وقد ورد أيضا ' أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل ودوام البلاء خاص بأهل الولاية الكبرى ، وذلك ليكونوا أبدا في الحضرة ، ويمتنعوا من الميل إلى غير الله تعابى ثم إذا دام البلاء بالعبد قوي قلبه ، وضعف هواه ، وكان رضي الله عنه يقول : ارض بالدون ، ولا تنازع ربك في قضائه فيقصمك ، ولا تغفل عنه فيسلمك ولا تقل في دينه بهواك فيرديك ، ولا تسكن إلى نفسك فتبلى بها ، وبمن هو شر منها ، ولا تظلم أحدا ولو بسوء ظنك به ، وحملك له على محامل السوء فإنه لا يجاوز بك ظلم ظالم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا وجدت في قلبك بغض شخص أو حبه فاعرض أفعاله على الكتاب ، والسنة فإن كانت محبوبة فيهما فأحبه ، وإن كانت مكروهة فاكرهه لئلا تحبه بهواك ، وتبغضه بهواك قال تعالى : ' ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ' ' ص : 26 ' ولا تهجر أحدا إلا لله ، وذلك إذا رأته مرتكبا كبيرة أو مصرا على صغيرة . قلت : ومعنى رأيته مرتكبا كبيرة : العلم بذلك ، ولو ببينة فلا يشترط في جواز الهجر رؤية الهاجر لذلك العاصي ببصره ، ولذلك قال سيدي على الخواص رضي الله عنه شرط جواز الهجر علم الهاجر بوقوع المهجور فيما هجر لأجله يقينا لا ظنا ، وتخمينا فلا يجوز لك الهجر من غير تحقق ، وتثبت ، وهذا الباب هلك فيه خلق كثير ، ولم يموتوا حتى ابتلاهم الله تعالى بما رموا به الناس ، والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : إذا أحب الله عبدا لم يزد له مالا ، ولا ولدا وذلك ليزول اشتراكه في المحبة لربه تعالى ، والحق غيور لا يقبل الشركة . قلت : فإن بلغ الولي إلى مقام لا يشغله عن الله شاغل فلا بأس بالمال ، والأولاد وكان رضي الله عنه يقول : لا تطمع أن تدخل زمرة الروحانيين حتى تعادى جملتك ، وتباين جميع الجوارح والأعضاء ، وتنفرد عن وجودك ، وسمعك ، وبصرك ، وبطشك ، وسعيك ، وعملك ، وعقلك ، وجميع ما كان منك قبل ، وجود الروح ، وما أوجد فيك بعد كنفخ لأن جميع ذلك حجابك عن ربك عز وجل كما قال الخليل للأصنام في قوله تعالى : فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ' ' الشعراء : 77 ' فاجعل أنت جملتك ، وأجزاءك أصناما مع سائر الخلق ، ولا ترى لغير ربك ، وجودا مع لزوم الحدود ، وحفظ الأوامر ، والنواهي فإن انخرم فيك شيء من الحدود فاعلم أنك مفتون قد لعب بك الشيطان فارجع إلى حكم الشرع ، والزمه ودع عنك الهوى لأن كل حقيقة لا تشهد لها الشريعة فهي باطلة ، وكان رضي الله عنه يقول : كثيرا ما يلاطف الحق تعالى عبده المؤمن فيفتح قبالة قلبه باب الرحمة ، والمنة ، والإنعام فيرى بقلبه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر من مطالعة الغيوب ، والتعريف ، والكلام اللطيف ، والوعد الجميل والدلائل ، والإجابة في الدعاء ، والتصديق ، والوعد ، والوفاء ، والكلمات من الحكمة ترمي إلى قلبه ، وغير ذلك من النعم الفائقة كحفظ الحدود ، والمداومة على الطاعات فإذا اطمأن العبد إلى ذلك واغتر به واعتقد دوامه فتح الله عليه أنواع البلايا ، والمحن في النفس والمال ، والولد وزال عنه جميع ما كان فيه من النعم فيصير العبد متحيرا منكسرا إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسره ، وإن نظر إلى باطنه رأى ما يحزنه ، وإن سأل الله تعالى كشف ما به من الضر لم يرج إجابة ، وإن طلب الرجوع إلى الخلق لم يجد إلى ذلك سبيلا ، وإن عمل بالرخص تسارعت إليه العقوبات ، وتسلطت الخلائق على جسمه ، وعرضه وإن طلب الإقالة لم يقل وإن رام الرضا ، والتنعم بما به من البلاء ، لم يعط فحينئذ تأخذ النفس في الذوبان ، والهوى في الزوال ، والإرادات ، والأماني في الرحيل ، والأكوان في التلاشي فيدام له ذلك ويشدد عليه حتى تفنى أوصاف بشريته ، ويبقى روحا فقط فهناك يسمع النداء من قلبه : ' أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ' ' ص : 42 ' . وردت عليه جميع الخلع ، وأزيد منها وتولى الحق سبحانه وتعالى تربيته بنفسه ' فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين ' ' السجدة : 17 ' . وكان رضي الله عنه يقول : ما سأل أحد الناس من دون الله تعالى إلا لجهله بالله وضعف إيمانه ، ومعرفته ، ويقينه ، وقلة صبره ، وما تعفف من تعفف عن ذلك إلا لوفور علمه بالله عز وجل ، ووفور إيمانه ، وحيائه منه سبحانه وتعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما كان الحق تعالى لا يجيب عبده في كل ما سأله فيه إلا شفقة على العبد أن يغلب عليه الرجاء ، والغرة فيتعرض للمكربة ، ويغفل عن القيام بأدب الخدمة فيهلك والمطلوب من العبد أن لا يركن لغير ربه والسلام وكان رضي الله عنه يقول : علامة الابتلاء على وجه العقوبة ، والمقابلة عدم الصبر عند وجود البلاء والجزع ، والشكوى إلى الخلق ، وعلامة الابتلاء تكفيرا ، وتمحيصا للخطيئات ، وجود الصبر الجميل من غير شكوى ، ولا جزع ولا ضجر ، ولا ثقل في أداء الأوامر ، والطاعات ، وعلامة الابتلاء لارتفاع الدرجات ، وجود الرضا والموافقة ، وطمأنينة النفس والسكون للأقدار حتى تنكشف ، وكان رضي الله عنه يقول : من أراد الآخرة فعليه بالزهد في الدنيا ومن أراد الله فعليه بالزهد في الآخرى ، وما دام قلب العبد متعلقا بشهوة من شهوات الدنيا أو لذة من لذاتها من مأكول أو ملبوس أو منكوح أو ولاية أو رياسة أو تدقيق في فن من الفنون الزائدة على الفرض كرواية الحديث الآن ، وقراءة القرآن بالروايات السبع ، وكالنحو ، واللغة ، والفصاحة فليس هذا محبا للآخرة ، وإنما هو راغب في الدنيا وتابع هواه ، وكان رضي الله عنه يقول : تعام عن الجهات كلها ، ولا تعضض على شيء منها فإنك ما دمت تنظر إليها فباب فضل الله عنك مسدود فسد الجهات كلها بتوحيدك ، وامحها بيقينك ثم بفنائك ثم بمحوك ثم بعلمك ، وحينئذ تفتح من عيون قلبك جهة الجهات ، وهي جهة فضل الله الكريم فتراها بعين رأسك فلا تجد بعد ذلك فقرا ، ولا غنى وكان رضي الله عنه يقول : كلما جاهدت النفس ، وغلبتها ، وقتلتها بسيف المجاهدة أحياها الله عز وجل ، ونازعتك وطلبت منك الشهوات ، واللذات المحرمات منها والمباح لتعود معها إلى المجاهدة ، والمقاتلة ليكتب لك نورا ، وثوابا دائما وهو معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : ' رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ' . وكان رضي الله عنه يقول : كل مؤمن مكلف بالتوقف ، والتفتيش عند حضور ما قسم له فلا يتناوله ، ويأخذه حتى يشهد له الحكم بالإباحة ، والعلم بالقسم كما قال عليه الصلاة والسلام : ' المؤمن فتاش والمنافق لفاف ' والله تعالى أعلم . ومنهم أبو بكر بن هوار البطائحي رضي الله تعالى عنه كان شاطرا يقطع الطريق فوقع له سماع هاتف بالليل أما آن لك أن تخاف من الله تعالى فتاب من ساعته رضي الله عنه ، وهو أول من ألبسه أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخرقة ثوبا ، وطاقية في النوم فاستيقظ فوجدهما عليه وكان رضي الله عنه يقول : أخذت من ربي عز وجل عهدا أن لا تحرق النار جسدا دخل تربتي ، ويقال إنها ما دخلها سمك ، ولا لحم قط فأنضجته النار أبدا ، وانعقد إجماع المشايخ من أهل عصره على جلالته ، وعلو مقامه ، ومن كلامه رضي الله عنه التوحيد إفراد القدم عن الحدوث ، وخروج أكوان ، وقطع الحجاب ، وترك الوقوف مع كل ما علم ، وكل ما جهل فإن علم التوحيد مباين لوجوده ، ووجوده مفارق لعلمه فإذا تناهى ، فإلى الحيرة ، وكان رضي الله عنه يقول : التصوف ذكر باجتماع ، ووجد باستماع ، وتحمل باتباع وكان رضي الله عنه يقول : الخوف يوصلك إلى الله ، وهو أن لا تأمن وقوع البطش بك مع الأنفاس ، وكان يقول : الجمع بالحق تفرقة من غيره ، والتفرقة من غيره جمع به وكان رضي الله عنه يقول : احتقارك للناس مرض عظيم لا يداوى . وكان رضي الله عنه يقول : أوتاد العراق ثمانية : معروف الكرخي ، وأحمد بن حنبل ، وبشر الحافي ومنصور بن عمار ، والجنيد ، والسري السقطي ، وسهل بن عبد الله التستري ، وعبد القادر الجيلي فقيل له : ومن عبد القادر فقال أعجمي شريف يسكن بغداد يكون ظهوره في القرن الخامس ، وهو أحد الصديقين ، وأعيان أقطاب الدنيا رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو محمد الشنبكي رضي الله تعالى عنه انتهت إليه رياسة هذا الشأن في وقته وبه تخرجت السالكون الصادقون مثل الشيخ أبي الوفاء ، والشيخ منصور رضي الله عنهما ، وغيرهما وكان رضي الله عنه شريف الأخلاق كامل الأدب وافر العقل كثير التواضع ، وكان في بدايته يقطع الطريق على القوافل فتاب على يد أبي بكر بن هوار البطائحي رضي الله عنه فصار يبري الأكمه ، والأبرص ، والمجنون بدعوته ومن كلامه رضي الله عنه : أصل الطاعة الورع والتقوى وأصل التقوى محاسبة النفس ، وكان يقول : من لم يسمع نداء الله تعالى كيف يجيب داعيه ومن استغنى بشيء دون الله فقد جهل قدر الله وكان رضي الله عنه يقول : من قهر نفسه بالأدب فهو الذي يعبد الله بالإخلاص وكان يقوق : حجاب الخلق عن الحق تعالى هو تدبيرهم لنفوسهم ، ومن نظر قرب الحق منه بعد من قلبه كل شيء سواه ، وكان رضي الله عنه يقول : شهوة الصديقين المجاهدة ، وشهوة الكاذبين النوم ، والكسل وكان يقول : من ادعى سرا مع الله لا يشهد له حفظ ظاهره . فاتهمه في دينه ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تكل قط من طعام فقير رجع إلى الدنيا بعد زهده فيها ، ولو مت جوعا فان أكلت قسا قلبك أربعين صباحا وكان رضي الله عنه يقول : صلاح القلب في الاشتغال بالعلم على وجه الإخلاص ، وفساده في الاشتغال به على وجه الرياء ، والسمعة وكان رضي الله عنه يقول : ملاك القلب السبق إلى المعالي في إصلاح الباطن اكتفاء بمراعاة الحق ، وإسقاط رؤية الخلق ، وكان يقول الولي من ستر حاله أبدا ، والكون كله ناطق عن ولايته من غير ظهور أعمال تميزه رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عزاز بن مستودع البطائحي رضي الله تعالى عنه انتهت إليه رياسة الطريق في البطائح ، وأخذ عنه جماعة من الصلحاء ، والعلماء الطريق ، ونتجوا فيها ، وأجمع المشايخ على تعظيمه ، ومن كلامه رضي الله عنه الغفلة غفلتان غفلة رحمة ، وغفلة نقمة فأما التي ، هي رحمة فكشف الغطاء ليشاهد القوم العظمة ، والجلال فيذهلوا عن العبودية إلا الفرائض ، والسنن ، ويغفلوا عن مراعاة السر إلا مراقبة ، وإرادات الهيبة ، وأما التي هي نقمة فاشتغال العبد عن طاعة الله عز وجل بمعصيته ، والتفاته إلى الكرامات ، وغفلته عن طريق الاستقامة ، وكان يقول : إنما بسط بساط السطوة للأعداء ليستوحشوا من قبيح أفعالهم فلا يشاهدون قط ما يبتهجون به ، ولا يطمئنون إلى ما يأنسون به وكان رضي الله عنه يقول : الأرواح تلطفت بالأشواق فتعلقت عند دعاة الحقيقة بأذيال المشاهدة فلم تر غير الحق تعالى معبودا ، وأيقنت أن المحدث لا يدرك القديم بصفات معلولة فصفات الحق تعالى واصلة إليه فهو الذي أوصله ، ولم يصل هو بنفسه ، وكان رضي الله عنه يقول : الإرادة تحويل القلب من الأشياء إلى رب الأشياء ، والجلوس مع الله بلا هم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا مازجت المحبة الأرواح طارت وإذا خالطت العقول أدهشت ، وإذا لابست الأفكار حارت ، وكان رضي الله عنه يقول : كمال العلم انقطاع الرجاء عن كنه صفات الجمال ، وكان يقول : من أنس بالله أنس به كل شيء ، ومن خاطبه الله خاطبه كل شيء ، ومن وصل إلى الله تأخر عنه كل شيء إجلالا له ، ومن عرف الله جهله كل شيء لعظيم ما أودعه الله عز وجل من العلوم ، والأسرار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ منصور البطائحي رضي الله تعالى عنه هو خال أحمد بن الرفاعي وبصحبته تخرج ينتمي إليه جماعة كثيرة من ذوي الأحوال ، وأرباب المقامات ، وكانت أمة تدخل ، وهي حامل على شيخه الشيخ محمد الشنبكي فينهض لها قائما ، وتكرر منه ذلك فسألوه عن ذلك فقال رضي الله عنه : أنا أقوم للجنين الذي في بطنها فإنه أحد المقربين إلى الله تعالى أصحاب المقامات ، وسيصير له شأن عظيم لم يكب به جواد الطريقة حتى مات على الإقبال على الله عز وجل . ومن كلامه رضي الله عنه من عرف الدنيا زهد فيها ، ومن عرف الله آثر رضاه ، ومن لم يعرف نفسه فهو في أعظم الغرور وكان رضي الله عنه يقول : ما ابتلى الله عز وجل عبدا بشيء أشد من الغفلة عنه والفترة ، وإذا أحب الله عبدا أعاذه من الغفلة ، والمنام ، وكان رضي الله عنه يقول : كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة عليه أسرع ، وكان رضي الله عنه يقول : الصبر زاد المضطرين ، والرضا درجة العارفين فمن صبر على صبره فهو بر الصابر ، وكان رضي الله عنه يقول : من فر بدينه إلى الله عز وجل ، وهو يتهمه في رزقه فهو يفر له لا إليه وكان رضي الله عنه يقول : كل موجود في الدنيا لا يكون عونا على تركها فهو عليك لا لك وكان يقول : لك ثلاث خصال من صفات الأولياء الثقة بالله تعالى في كل شيء ، والفناء بالاستناد إليه عن كل شيء ، والرجوع إليه في كل حال ، وكان رضي الله عنه يقول : الإرادة هي أن تشير إلى الله تعالى فتجده أقرب من الإشارة ، والتوكل رد الأمر كله إلى واحد ونقصان كل مخلص في إخلاصه رؤية إخلاصه ، وكماله شهوده الرياء في إخلاصه ، وكان يقول : الأنس بالله استبشار القلوب بقرب الله عز وجل وسرورها به ، ونظرها في سكونها إليه ، وغفلتها عن كل ما سواه ، وأن لا تشير إليه حتى يكون هو المشير إليها . وكان رضي الله عنه يقول : من اغتر بصفاء العبودية داخله نسيان الربوبية ، ومن شهد صنع الربوبية في إقامة العبودية فقد انقطع عن نفسه وسكن إلى ربه عز وجل ، وحينئذ يسلم من الاستدراك وهو هنا فقدان اليقين لأنه باليقين يستبين فوائد الغيب ، وكان رضي الله عنه يقول : الكشف سواطع نور لمعت في القلوب بتمكين معرفة حملة السرائر في الغيوب من غيب إلى غيب حتى يشهد الأشياء من حيث يشهدها الحق فيتكلم عن ضمائر الخلق ، وإذا ظهر الحق على السرائر لم يبق لها فضلة لرجاء ، ولا خوف وكان رضي الله عنه يقول : سمعت خالي منصورا رضي الله عنه يقول : المحب لم يزل سكران في خماره حيران في شرابه لا يخرج من سكرة إلا إلى حيرة ، ولا من حيرة إلا إلى سكرة . سكن الشيخ منصور رضي الله عنه نهر دفلى من أرض البطائح ، واستوطنها إلى أن مات بها ، وقبره ظاهر يزار ولما حضرته الوفاة قالت له زوجته أوص لولدك فقال بل لابن أختي أحمد فكررت عليه القول فقال لابنه ، ولابن أخته ائتياني بنجيل من أرض كذا فأتاه ابنه بنجيل كثير ، ولم يأته ابن أخته بشيء فقال له : يا أحمد لم لم تأت بنجيل فقال وجدته كله يسبح الله عز وجل فلم أستطع أن أقلع منه شيئا فسكتت زوجته رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ تاج العارفين أبو الوفاء رضي الله تعالى عنه ورحمه كان من أعيان مشايخ العراق في وقته له الكرامات الخارقة ، وقد انتهت إليه رياسة هذا الشأن في زمانه ، وتتلمذ له خلق لا يحصون من العلماء ، والصلحاء ، وكان له أربعون خادما من أرباب الأحوال . ولما أخذ عليه شيخه الشنبكي العهد قال قد وقع اليوم في شبكتي طائر لم يقع مثله . في شبكة شيخ ، وكانت مشايخ البطائح يقولون عجبا لمن يذكر أبا الوفاء ، ولم يمر يده على وجهه ، ويسمى الله كيف لا يسقط لحم وجهه من هيبته ، وكان سيدي عبد القادر الجيلي رضي الله عنه يقول : ليس على باب الحق تعالى كردي مثل أبي الوفاء ، وهو أول من سمي بتاج العارفين بالعراق . ومن كلامه رضي الله عنه من هيمه أثر النظر أقلقه سماع الخبر ، ومن انقطع في مفاوز الأشواق لم يلتفت إلى الآفاق وكان رضي الله عنه يقول : الذكر ما غيبك عنك بوجوده ، وأخذك منك بشهوده فإن الذكر شهود الحقيقة ، وخمود الخليقة ، وكان رضي الله عنه يقول : الأجسام أقلام ، والأرواح ألواح كؤوس ، والوجد حسرة تلهب ثم نظرة تسلب ، والقوة محادثة السر عند اصطلام العبد بشاهد الحضور ، واستغراق الصلب في بحر المشاهدة لغلبة المشهود ، وكان رضي الله عنه يقول : التسليم إرسال النفس في ميادين الأحكام ، وترك الشفقة عليها من الطوارق ، وكان رضي الله عنه يقول : لو صدق الوارد على شيخه ، وهو نائم لأجابه كل ذرة من الشيخ عن سؤاله ، ولم يحتج إلى استيقاظ الشيخ رضي الله عنه . ومنهم الشيخ حماد مسلم الدباس رضي الله عنه هو أحد العلماء الراسخين في علوم الحقائق انتهت إليه رياسة تربية المريدين ، وانعقد عليه الإجماع في الكشف عن مخفيات الموارد وانتمى إليه معظم مشايخ بغداد ، وصوفيتهم في وقته وهو أحد من صحب الشيخ عبد القادر رضي الله عنه وأثنى عليه وروى كراماته . ومن كلامه رضي الله عنه القلوب ثلاثة قلب يطوف في الدنيا وقلب يطوف في الآخرة وقلب يطوف بالمولى لا في المولى فمن طاف في المولى تزندق ، وكان رضي الله عنه يقول : طهر قلبك باليقين لتجري فيه الأقدار ، وكان يقول : أقرب الطرق إلى الله تعالى حبه ، ولا يصفو حبه حتى يبقى المحب روحا بلا نفس ، وما دام له نفس لا يذوق قط محبة الله تعالى أبدا ، وكان يقول : أزل الهوى من القدر تعرف ، وأزل الهوى من الخلق ، والأمر تخلص ، وعلى قدر ما عندك من الأمر تسلم وبقدر ما عندك من القدر تعرف ، وكان رضي الله عنه يقول : لا توجد هواك في وجودك تكن موحدا ، ولا مرادك في تدبيره تكن فانيا ، ولكن إن دعاك أجب ، وإن وعدك توكل ، وإن قدر عليك استسلم فإن قال لك اختر قل قد فوضت وإن قال لك اطلب قل قد صدقت ، وإن قال لك اعبدني قل وفقني ، وإن قال لك وحدني قل اجذبني فإن جاءت المعرفة صارت أفعالا ربانية ، وزالت الأكوان وصرت في القبضة صاحب قلب لا يكون لك شيء إلا به عز وجل ، وما كان به كان له ، وما كان بك كان لك فبالإيمان تشتغل عن أقسام الدنيا لأن فيه تصديقه ، وبالعلم تشتغل عن أقسام الأخرى لأن فيه معرفته ، وبالمعرفة تشتغل عن الكل حيث كنت لأنه معك من حيث معرفتك على قدرك رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمداني رحمه الله تعالى هو أوحد الأئمة وانتهت إليه تربية المريدين بخراسان ، واجتمع عنده بخانقاته من العلماء ، والصلحاء جماعة كثيرة ، وانتفعوا به وبكلامه رضي الله عنه ومن كلامه رضي الله عنه : السماع سفر إلى الحق ورسول من الحق ، وهو لطائف الحق وزوائده ، وفوائد الغيب ، وموارده ، وبوادي الفتح ، وعوائده ، ومعاني الكشف ، وبشارته فهو للأرواح قوتها وللأشباح غذاؤها ، وللقلوب حياتها ، وللأسرار بقاؤها فطائفة أسمعها الحق بشاهد التنزيه ، وطائفة أسمعها بنعت الربوبية ، وطائفة أسمعها بنعت الرحمة ، وطائفة أسمعها بوصف القدرة فقام لهم الحق مسمعا ، وسامعا فالسماع هتك الأستار ، وكشف الأسرار ، وبرقة لمعت ، وشمس طلعت ، وسماع الأرواح باستماع القلوب على بساط القرب بشاهد الحضور من غير نفس تكون هناك فتراهم في السماع والهين حيارى رامقين أسارى خاشعين سكارى واعلم أن الله خلق من نور بهائه سبعين ألف ملك من الملائكة المقربين ، وأقامهم بين العرش والكرسي في حضرة الأنس لباسهم الصوف الأخضر ، ووجوههم كالقمر ليلة البدر فقالوا متواجدين والهين حيارى خاشعين سكارى منذ خلقوا مهرولين من ركن العرش إلى ركن الكرسي لما بهم من شدة الوله فهم صوفية أهل السماء فإسرافيل قائدهم ، ومرشدهم ، وجبرائيل رئيسهم ومتكلمهم والحق تعالى أنيسهم ، ومليكهم فعليهم السلام من الله عز وجل . وقال إبراهيم بن الحوفي كان الشيخ يوسف الهمداني يتكلم على الناس فقال له فقيهان كانا في مجلسه اسكت فإنما أنت مبتدع فقال لهما اسكتا لا عشتما فماتا مكانهما ، وجاءته امرأة من همدان باكية فقالت له إن ابني أسره الإفرنج فصبرها فلم تصبر فقال : اللهم فك أسره ، وعجل فرجه ثم قال لها : اذهبي إلى دارك تجديه بها فذهبت المرأة فإذا ولدها في الدار فتعجبت ، وسألته فقال إني كنت الساعة في القسطنطينية العظمى ، والقيود في رجلي ، والحرس علي فأتاني شخص فاحتملني وأتى بي إلى هنا كلمح البصر . ولد رضي الله عنه في حدود سنة أربعين وأربعمائة ، وتوفي سنة خمس وثلاثين وخمسمائة ، ودفن بيامن على طريق مرو مدة ثم حملت جثته إلى مرو ، ودفن بها في الخضرة المنسوبة إليه رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عقيل المنبجي رضي الله عنه ورحمه هو شيخ شيوخ الشام في وقته تخرج بصحبته جمع من أكابر منهم الشيخ عدي بن مسافر ، وهو أول من دخل بالخرقة العمرية إلى الشام ، وأخذت عنه ، وكان يسمى الطيار لأنه لما أراد الانتقال من قريته التي كان بها مقيما ببلاد الشرق صعد إلى منارتها ونادى لأهلها فلما اجتمعوا طار في الهواء والناس ينظرون إليه فجاءوا فوجدوه في منبج رضي الله عنه ، ومن كلامه رضي الله عنه المعرفة إنما هي فيما استأثر به تعالى ، والعبودية إنما هي فيما أمر ، والخوف ملاك الأمر كله . لكن خوف العارفين أن توجد راحتهم في أفعاله وخوف الأولياء أن يوجد هواهم في أمره عز وجل ، وخوف المتقين أن يوجد نفسهم في رؤيتهم للخلق إن أوجد الخلق فيك أشركت وإن أقدرك عليك نازعتهم ، وكان رضي الله عنه يقول : يا هذا قل إلهي أنقذني من قدرك ، وأرحني من خلقك فإذا جاء الأمر فقل إلهي ارحمني منهم وإذا جاء القدر قل إلهي ارحمني مني فإذا جاء الفضل قال إلهي فضلك لصنعك بلا أنا فإذا شئت فقد حصل لك عند الخشوع عبودية ، وند الدلال توحيد فعبوديتك بفقرك إليه ، ودلاله أنه ما ثم غيره فإذا جاءت الإلهية ' قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ' ' الأنعام : 91 ' . فبمجاهدة الهوى تعرفه ، وبخروجك عن الخلق توحده ، وكان رضي الله عنه يقول : طريقتنا الجد والكد ولزوم الحد حتى تنفذ فإما أن يبلغ الفتى مناه وإما أن يموت بدائه ، وكان يقول : من طلب لنفسه حالا أو مقالا فهو بعيد من طرقات المعارف ، وكان يقول : الفتوة رؤية محاسن العبيد ، والغيبة عن مساويهم وكان يقول : المدعي من أشار إلى نفسه ، وكان رضي الله عنه يقول : فقد الأسف ، والبكاء في مقام السلوك علم من أعلام الخذلان ، وكان رضي الله عنه إذا نادى وحوش الفلوات جاءت لدعوته صاغرة حتى تسد الأفق ، وكان عكازه لا يستطيع أحد حمله سكن رضي الله عنه منبج ، واستوطنها نيفا وأربعين سنة وبها مات وبها قبره ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو يعزى المغربي رضي الله عنه انتهت إليه تربية الصادقين بالمغرب ، وتخرج بصحبته جماعة من أكابر مشايخها ، وأعلام زهادها ، وكان أهل المغرب يستسقون به فيسقون ، ومن كلامه رضي الله عنه الأحوال مالكة لأهل البدايات فهي تصرفهم كيف شاءت ، ومملكة لأهل النهايات فهم يصرفونها كيف شاءوا ، وكان رضي الله عنه يقول : كل حقيقة لا تمحو أثر العبد ورسومه فليست بحقيقة ، وكان يقول : من طلب الحق من جهة الفصل وصل إليه ، ومن لم يكن بالأحد لم يكن بأحد وكان رضي الله عنه يقول : أنفع الكلام ما كان إشارة عن مشاهدة أو نبأ عن حضور ، وكان يقول : لا يكون الولي وليا حتى يكون له قدم ، ومقام ، وحال ، ومنازلة ، وسر ، فالقدم ما سلكته من طريقك إلى الحق ، والمقام ما أقرتك عليه سابقتك في العلم الأزلي ، والحال ما بعثك في فوائد الأصول لا من نتائج السلوك ، والمنازلة ما خصصت به من تحف الحضور بنعت المشاهدة لا بوصف الاستتار ، والسر ما أودعته من لطائف الأزل عند هجوم الجمع ، ومحق السوي وتلاشي ذاتك فحفظ حكم المقام يفيد الفقه في الطريق ويفيد الإطلاع على خبايا معانيه ، وحفظ حكم الحال يفيد بسطة في التصريف لله بالله ، وحفظ حكم المنازلة يؤيد سلطان قهره بجيوش الفتح اللدني ، وحفظ حكم السر يوسع قدرة الإطلاع على مكامن المكنونات ، وحفظ حكم الوقت يورث المراقبة ، وحفظ الأنفاس يوصل إلى مقام الغيبة في الحضور قال الشيخ أبو محمد الإفريقي رحمه الله تعالى : أقام الشيخ أبو يعزى في بدايته خمس عشرة سنة في البر لا يأكل إلا من جب الشجر في البادية ، وكانت الأسد تأوي إليه ، والطير يعكف عليه وكان إذا قال للأسد : لا تسكني هنا تأخذ أشبالها ، وتخرج بأجمعها قال الشيخ أبو مدين ، رضي الله عنه : وزرته مرة في الصحراء ، وحوله الأسد ، والوحوش ، والطير تشاوره على أحوالها ، وكان الوقت وقت غلاء فكان يقول لذلك الوحش اذهب إلى مكان كذا ، وكذا فهناك قوتك ، ويقول للطير مثل ذلك فتنقاد لأمره ثم قال : يا شعيب إن هذه الوحوش ، والطيور أحبت جواري فتحملت ألم الجوع لأجلي رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عدي بن مسافر الأموي رضي الله تعالى عنه هو أوحد أركان هذه الطريقة وأعلى العلماء بها وكان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه ينوه بذكره ويثني عليه وشهد له بالسلطة وقال : لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة لنالها الشيخ عدي بن مسافر بالغ في المجاهدة في بدايته حتى أعجز المشايخ بعده وكان إذا سجد رضي الله عنه سمع لمخه في رأسه صوت وقع الحصاة في القرعة الناشفة من شدة المجاهدة وأقام في أول أمره زمانا في المغارات والجبال والصحارى مجردا سائحا يأخذ نفسه بأنواع المجاهدات ، وكانت الحيات ، والهوام ، والسباع تؤلفه فيها ، وهو أول من قصد بالزيارات وتربية المريدين الصادقين ببلاد المشرق ، وقصده الناس بالزيارة من سائر الأقطار . ومن كلامه رضي الله عنه لا يخلو أخذك ، وتركك أن يكونا بالله عز وجل أوله فإن كانا به فهو مباديك بالعطاء ، وإن كانا له فاسترزقه بأمره ، واحذر ما فيه الخلق فإنك متى كنت معهم استعبدوك ، ومتى كنت مع الله تعالى حفظك ، ومتى كنت مع فضل الله كذلك ، وإذا كنت مع الأسباب فاطلب رزقك من الأرض فإنك لم تعط من السماء ، وإذا كنت مع التوكل فإن طلبت بهمتك فلن يعطيك ، وإن أزلت همتك أعطاك ، وإذا كنت واقفا مع الله تعالى صارت الأكوان خالية لك من الموطن ، وأنت في القبضة فان ، والكون كله فيك ولك وكان رضي الله عنه يقول : لا تنتقع بشيخك إلا إن كان اعتقادك فيه فوق كل اعتقاد ، وهناك يجعلك في حضوره ، ويحفظك في مغيبه ، ويهذبك بأخلاقه ، ويؤدبك بإطراقه ، وينور باطنك بإشراقه وإن كان اعتقادك فيه ضعيفا لا تشهد فيه شيئا من ذلك بل تنعكس ظلمة باطنك عليك فتشهد صفاته هي صفاتك فلا تنتفع به أبدا ، ولو كان أعلى الأولياء درجة . وكان رضي الله عنه يقول : حسن الخلق معاملة كل شخص بما يؤنسه ، ولا يوحشه فمع العلماء بحسن الاستماع ، وإن كان مقامه فوق ما يقولونه ومع أهل المعرفة بالسكون ، والانكسار ومع أهل التوحيد بالتسليم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا رأيتم الرجل تظهر له الكرامات ، وتنخرق له العادات فلا تغتروا به حتى تنظروه عند النهي والأمر ، وكان يقول : من لم يأخذ أدبه من المؤدبين أفسد من اتبعه ، ومن كانت فيه أدنى بدعة فاحذروا مجالسته لئلا يعود عليكم شؤمها ، ولو بعد حين ، وكان رضي الله عنه يقول : من اكتفى بالكلام في العلم دون الاتصاف بحقيقته انقطع ، ومن اكتفى بالتعبد دون فقه حرج ، ومن اكتفى بالفقه دون ورع اغتر ومن قام بما يجب عليه من الأحكام نجا ، وكان يقول : توحيد الباري عز وجل لا تجري ماهيته في مقال ولا تخطر كيفيته ببال جل عن الأمثال والأشكال صفاته قديمة كذاته ليس بجسم في صفاته جل أن يشبه بمبتدعاته أو يضاف إلى مخترعاته ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير لا سمي له في أرضه ، وسماواته لا عديل له في حكمه ، وإرادته حرام على العقول أن تمثل الله عز وجل ، وعلى الأوهام أن تجده ، وعلى الظنون أن تقطع ، وعلى الضمائر أن تعمق وعلى النفوس أن تفكر وعلى الفكر أن يحيط وعلى العقول أن تتصور إلا ما وصف به ذاته تعالى في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم وكان رضي الله عنه يقول : أول ما يجب على سالك طريقتنا هذه ترك الدعاوى الكاذبة ، وإخفاء المعاني الصادقة . قلت : وذلك لأن المعاني الصادقة نور وكلما تراكمت الأنوار في قلب العبد تمكن ، وقوى استعداده ، وكلما أظهر معنى خرج النور أولا فأولا فلا يثبت له قدم في الطريق والله تعالى أعلم ، وكان رضي الله عنه أكثر إقامته في الجزيرة السادسة من البحر المحيط رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يأمر الريح أن تسكن فتسكن لوقته سكن جيل الهكار واستوطن بالس إلى أن مات بها سنة ثمان وخمسين وخمسمائة ، ودفن بزاويته المنسوبة إليه ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ علي بن وهب السنجاري رضي الله تعالى عنه انتهت إليه تربية المريدين بسنجار وما يليها وتتلمذت له جماعة من أكابر مثل الشيخ سويد السنجاري ، والشيخ أبي بكي الجاري والشيخ سعد الصنابحي ، وغيرهم . مات رضي الله عنه عن أربعين مريدا كلهم من أرباب الأحوال وحكي أنه لما مات اجتمع هؤلاء المريدون في روضة تجاه زاويته فجعل كل منهم يأخذ من تلك الروضة قبضة من نباتها ، ويتنفس عليها فتزهر من جميع الأزهار المختلفة الألوان من أصفر ، وأخضر ، وأزرق ، وأبيض ، وغير ذلك حتى أقر بعضهم لبعض بالتمكين والتصريف . وكان رضي الله عنه يقول : حفظت القرآن العظيم وأنا ابن سبع سنين ثم اشتغلت بالعلم ، وكنت أتعبد في مسجد بظاهر البرية فبينما أنا نائم ليلة رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال : يا علي أمرت أن ألبسك هذا الطاقية ، وأخرج من كمه طاقية ووضعها على رأسي ثم جاءني الخضر عليه السلام بعد أيام وقال لي يا علي اخرج إلى الناس ينتفعوا بك فتثبت في أمري ثم رأيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه في النوم فقال لي : كمقالة الخضر عليه السلام فاستيقظت ، وتثبت في أمري ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليلة الثالثة فقال لي كمقالة الصديق رضي الله عنه فاستيقظت ، وعزمت على الخروج ، ونمت في آخر الليل من ليلتي تلك فرأيت الحق جل ، وعلا فقال لي يا عبدي قد جعلتك من صفوتي في أرضي ، وأيدتك في جميع أحوالك بروح مني ، وأقمتك رحمة لخلقي فاخرج إليهم ، واحكم فيهم بما علمتك من حكمي ، وأظهر لهم بما أيدتك به من آياتي فاستيقظت ، وخرجت إلى الناس فهرعوا إلي من كل جانب رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله تعالى عنه : معرفة الله عز وجل عزيزة لا تدرك بالعقل بل يقتبس أصلها من الشرع ثم تتفرع حقائقها على قدر القرب فقوم عرفوه بالوحدانية فاستراحوا إلى الصمدانية ، وقوم عرفوه بالقدرة فتحيروا ، وقوم عرفوه بالعظمة فوقفوا على أقدام الدهشة ، وأيقنوا أن لن يدرك أحد عينه ، وقوم عرفوه بعزة الإلهية فتنزهوا عن الكيفية ، والماهية وقوم عرفوه بصنائعه ، واستدلوا عليه ببدائعه فشاهدوه بإبداعه ، وصنعه ، ورأوه في إعطائه ، ومنعه ، وقوم عرفوه بالتكوين فعرفوه بالثبات ، والتمكين ، وقوم عرفوه بلا غيره فأراهم من آياته ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، وكان رضي الله عنه يقول : من أحبه الحق ، وأراده أسكن في قلبه الإرادة ، فالمريد محب طالب ، والشوق لقلبه غالب ، والتوق للبه سالب ، والمراد محبوب مطلوب مأخوذ مسلوب إلى الجناب مجذوب قد ظهر عليه الشوق ، وغلب إذ قد وجد ما طلب قد قطع الطريق وطواها ، وأزال نفسه ونحاها ومحاها ومحا الأكوان من نظره فما يراها . وكان رضي الله عنه يقول : الزهد فريضة ، وفضيلة ، وقربة فالفريضة في الحرام ، والفضيلة في المتشابه ، والقربة في الحلال ، والزهد أعظم من الورع لأن الورع إبقاء ، والزهد قطع الكل ، وكان رضي الله عنه يقول : علامة الإخلاص أن يغيب عنك الحق في مشاهدة الحق ، ، وكان يقول : بقاء الأبد في فنائك عنك ، وكان يقول : من سكن بسره إلى غير الله تعالى نزع الله تعالى الرحمة من قلوب الخلق عليه ، وألبسه لباس الطمع فيهم . مات رحمه الله تعالى بسنجار ، وقبره بها يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ موسى بن ماهين الزولي رضي الله تعالى عنه هو أوحد الأئمة أبرز الله تعالى له المغيبات ، وخرق له العادات ، وأوقع له الهيبة في القلوب وانعقد عليه إجماع المشايخ وقصد بالزيارات ، ولحل المشكلات ، وكشف خفيات الموارد ، وكان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه يثني عليه ، ويعظم شأنه وقال مرة : يأهل بغداد ستطلع عليكم شمس ما طلعت عليكم بعد فقيل له : ومن هو ؟ قال الشيخ موسى الزولي . ومن كلامه رضي الله عنه : الرقائق معاني تفصيل المنازلات ، وشعائر تجميل المحاضرات ، وهي بالنظر إلى الجمل الكليات متحدة متصلة بالالتفات إلى الصور الجزئيات ، والدقائق أرواح في الرقائق وهي مقدمة الحكمة الأزلية فتحيط الأغيار بالأغيار وتنكشف الأنوار للأنوار ولو رفع لك هذا الحجاب على بساط الروحانية لكلمك من ذاتك بعدد ولد آدم من الخلق ، ولرأيت رقائق ذاتك راكعة مع الراكعين ، وساجدة مع الساجدين ، وكان رضي الله عنه يقول : الحقائق ذوائب العلا ، وروائح أرواح السنا وهي اللمح اللوامع ، والفتح الطالع من وطئ بساطها استوى ، ومن ركب براقها بلغ سدرة المنتهي وهي تنفق عليه المعاني العلوية من نور الحجب ، ونعيم القرب فتجرد عليها البساط العلي والنور الكشفي والحضور الأدنى فيصعد عليها العرف على معارج أنوار من صور فرائد الوصل إلى بين يدي حضرة الجلال ، ومشرق الإقبال بما يشيعها من نور ، وسناء وروح طيب ، وخياء فيقوم المقام الأحمد ، ولا يزال الأمر كذا عودا على بدء وردا على رد فعروج ، وحضور ، ونور ، وإنفتاق ، وتفرد ونشاط ونهوض إلى ما لا آخر له فكل باطن حقيقة لكل ظاهر ، وكان رضي الله عنه كثير المشاهدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت أغلب أفعاله بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه إذا مس الحديد بيده لان حتى يصير كاللبان ، وكان رضي الله عنه يقول : للصبي الذي عمره أربعة أشهر فأقل اقرأ سورة كذا فيقرؤها الصبي بلسان فصيح ، ولا يزال يتكلم من ذلك الوقت . استوطن رضي الله عنه ماردين وبها مات رحمه الله تعالى وقد كبر سنه وقبره بها ظاهر يزار ، ولما وضعوه في لحده نهض قائما يصلي واتسع له القبر ، وأغمي على من كان نزل قبره رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ أبو النجيب عبد القادر السهروردي رضي الله تعالى عنه ويلقب بضياء الدين ، وبنجيب الدين ، ونسبه ينتهي إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يتطيلس ، ويلبس لباس العلماء ، ويركب البغلة ، وترفع الغاشية بين يديه ، انعقد عليه إجماع المشايخ ، والعلماء بالاحترام وأوقع الله عز وجل له القبول التام في الصدور ، والمهابة الوافرة في القلوب ، وتخرج بصحبته جماعة من الأكابر مثل الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ عبد الله بن مسعود الرومي وغيرهما ، واشتهر ذكره في الآفاق ، وقصد من كل قطر . ومن كلامه رضي الله عنه : الأحوال معاملات القلوب ، وهي ما يحل بها من صفاء الأكدار ، وفوائد الحضور ، ومعاني المشاهدة ، وكان رضي الله عنه يقول : أول التصوف علم وأوسطه عمل ، وآخره موهبة فالعلم يكشف عن المراد ، والعمل يعين على الطلب ، والموهبة تبلغ غاية الأمل ، وأهل التصوف على ثلاث طبقات مريد طالب ، ومتوسط طائر ، ومنته واصل فالمريد صاحب وقت ، والمتوسط صاحب حال والمنتهي صاحب يقين ، وكان رضي الله عنه يقول : أفضل الأشياء عندهم عد الأنفاس . فمقام المريد المجاهدات ، والمكابدات وتجرع المرارات ومجانية الحظوظ ، وكل ما للنفس فيه منفعة . ومقام المتوسط ركوب الأهوال في طلب المراد ، ومراعاة الصدق في الأحوال ، واستعمال الأدب في المقامات ، وهو مطالب بآداب المنازل ، وهو صاحب تلوين لأنه يرتقي من حال إلى حال ، وهو في الزيادة . ومقام المنتهي الصحو ، والثبات ، وإجابة الحق من حيث دعاه قد جاوز المقامات ، وهو في محل التمكين لا تغيره الأحوال ، ولا تؤثر فيه الأهوال قد استوى في حالة الشدة ، والرخاء ، والمنع ، والعطاء ، والجفاء ، والوفاء أكله كجوعه ، ونومه كسهره ، وقد فنيت حظوظه ، وبقيت حقوقه ظاهرة مع الخلق وباطنه مع الحق ، وكل ذلك منقول من أحوال النبي صلى الله عليه وسلم . وكان إذا جلس فقير في خلوة يدخل عليه في كل يوم يتفقد أحواله ، ويقول له يرد عليه الليلة كذا ، ويكشف لك عن كذا ، وتنال حال كذا وسيأتيك شخص في صورة كذا ، ويقول لك كذا فاحذره فإنه شيطان فيقع للفقير جميع ما أخبره به الشيخ . سكن بغداد إلى أن مات بها سنة ثلاث ، وستين وخمسمائة ودفن بمدرسته على شاطئ دجلة ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أحمد بن أبي الحسين الرفاعي رضي الله تعالى عنه منسوب إلى بني رفاعة قبيلة من العرب ، وسكن أم عبيدة بأرض البطائح إلى أن مات بها رحمه الله تعالى وكانت انتهت إليه الرياسة في علوم الطريق ، وشرح أحوال القوم ، وكشف مشكلات منازلاتهم ، وبه عرف الأمر بتربية المريدين بالبطائح ، وتخرج بصحبته جماعة كثيرة ، وتتلمذ له خلائق لا يحصون ورثاه المشايخ والعلماء ، وهو أحد من قهر أحواله ، وملك أسراره وكان له كلام عال على لسان أهل الحقائق ، وهو الذي سئل عن وصف الرجل المتمكن فقال : هو الذي لو نصب له سنان على أعلى شاهق جبل في الأرض ، وهبت الرياح الثمان ما غيرته . وكان رضي الله عنه يقول : الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها المنيع إلى فيضه ثم يتقاذف نوره منعكسا بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعا إلى عالم العقل فيتصل به اتصالا معنويا له أثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق نور العقل على إنسان عين السر فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه ، ودق عن الأفهام تصوره ، واستتر عن الأغيار مرآه . وكان رضي الله عنه يقول : الزهد أساس الأحوال المرضية ، والمراتب السنية ، وهو أول قدم القاصدين إلى الله عز وجل ، والمنقطعين إلى الله ، والراضين عن الله ، والمتوكلين على الله فمن لم يحكم أساسه في الزهد لم يصح له شيء مما بعده ، وكان رضي الله عنه يقول : الفقراء أشراف الناس لأن الفقر لباس المرسلين ، وجلباب الصالحين ، وتاج المتقين ، وغنيمة العارفين ، ومنية المريدين ، ورضا رب العالمين ، وكرامة لأهل ولايته ، وكان يقول : الأنس بالله لا يكون إلا لعبد قد كملت طهارته ، وصفا ذكره ، واستوحش من كل ما يشغله عن الله تعالى فعند ذلك آنسه الله تعالى به وأراده بحق حقائق الأنس فأخذه عن وجد طعم الخوف لما سواه ، وكان رضي الله عنه يقول : المشاهدة حضور بمعنى قرب مقرون بعلم اليقين ، وحقائق حق اليقين ، وكان رضي الله عنه يقول : التوحيد ، وجدان تعظيم في القلب يمنع من التعطيل ، والتشبيه ، وكان يقول : لسان الورع يدعو إلى ترك الآفات ، ولسان التعبد يدعو إلى دوام الاجتهاد ، ولسان المحبة يدعو إلى الذوبان ، والهيمان ولسان المعرفة يدعو إلى الفناء والمحو ولسان التوحيد يدعو إلى الإثبات ، والحضور ، ومن أعرض عن الأعراض أدبا فهو الحكيم المتأدب . وكان رضي الله عنه يقول : لو تكلم الرجل في الذات والصفات كان سكوته أفضل ومن خطا من قاف إلى قاف كان جلوسه أفضل وكان رضي الله عنه يقول : لما مررت ، وأنا صغير على الشيخ العارف بالله تعالى عبد الملك الخرنوتي أوصاني قال لي يا أحمد احفظ ما أقول لك فقلت : نعم . فقال رضي الله عنه : ملتفت لا يصل ، ومتسلل لا يفلح ، ومن لم يعرف من نفسه النقصان فكل أوقاته نقصان فخرجت من عنده ، وجعلت أكررها سنة ثم رجعت إليه فقلت له أوصني فقال : ما أقبح الجهل بالألباء ، والعملة بالأطباء ، والجفاء بالأحباء ثم خرجت ، وجعلت أرددها سنة فانتفعت بموعظته وكان رضي الله عنه يقول : أكره للفقراء دخول الحمام وأحب لجميع أصحابي الجوع ، والعري والفقر والذل ، والمسكنة ، وأفرح لهم إذا نزل بهم ذلك ، وكان يقول : الشفقة على الإخوان مما يقرب إلى الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول : إذا جئتم ولم تجدوا عندي ما يأكله ذو كبد فاسألوني الدعاء أدع لكم فإني حينئذ لي أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشيخ يعقوب رضي الله عنه خادمه نظر سيدي أحمد رضي الله عنه إلى النخلة فقال : يا يعقوب انظر إلى النخلة لما رفعت رأسها جعل الله تعالى ثقل حملها عليها ولو حملت مهما حملت وانظر إلى شجرة اليقطين لما وضعت نفسها ألقت خدها على الأرض جعل ثقل حملها على غيرها ، ولو حملت مهما حملت لا تحس به . وكان رضي الله عنه يقول : الصدقة أفضل من العبادات البدنية والنوافل وكان رضي الله عنه يقول : أخوك الذي يحل لك أكل ماله بغير إذنه هو الذي تسكن نفسك إليه ويستريح قلبك فيه ، وكان إذا رأى على فقير جبة صوف يقول له يا ولدي انظر بزي من تزييت ، وإلى من قد انتسبت قد لبست لبسة الأنبياء ، وتحليت بحلية الأتقياء هذا زي العارفين فاسلك فيه مسالك المقربين ، وإلا فانزعه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار ، والأنوار ، والملائكة ، وإذا فسد صار مهبط الظلم ، والشياطين ، وإذا صلح القلب أخبرك بما وراءك ، وأمامك ، ونبهك على أمور لم تكن تعلمها بشيء دونه ، وإذا فسد حدثك بباطلات يغيب معها الرشد ، وينتفي معها السعد ، وكان رضي الله عنه يقول : من شرط الفقير أن يرى كل نفس من أنفاسه أعز من الكبريت الأحمر فيودع كل نفس أعز ما يصلح له فلا يضيع له نفس وكان رضي الله عنه يقول : السفر للفقير يمزق دينه ويشتت شمله ، وكان يقول : لمن شاوره في التزويج قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' من تزوج لله كفى ووقى ' وكان رضي الله عنه يقول : من لم ينتفع بأفعالي لم ينتفع بأقوالي وكان يقول : الأمر أعظم مما تظنون وأصعب مما تتوهمون وكان يقول : كل أخ لا ينفع في الدنيا لا ينفع في الآخرة وكان رضي الله عنه يقول : إذا تعلم أحدكم شيئا من الخير فليعلمه الناس يثمر له الخير ، وكان يقول : طريقنا مبنية على ثلاثة أشياء لا تسأل ، ولا ترد ولا تدخر ، وكان يقول : من علامة إقبال المريد أن لا يتعب شيخه في تربيته بل يكون سميعا مطيعا للإشارة ، وأن يفتخر شيخه به بين الفقراء لا أنه يفتخر هو بشيخه ، وكان يقول : الفقير إن غضب لنفسه تعب وإن سلم الأمر لمولاه نصره من غير عشيرة ، ولا أهل وكان يقول : ما من ليلة إلا وينزل فيها نثار من السماء إلى الأرض يفرق على المستيقظين وكان يقول : والله مالي خيرة إلا في الوحدة فيا ليتني لم أعرف أحدا ، ولم يعرفني أحد ، وكان رضي الله عنه يقول : ما نظر أحد إلى الخلائق ووقف مع نظرهم في العبادات إلا سقط من عين الله عز وجل وكان رضي الله عنه يقول : من شرط الفقير أن لا يكون له نظر في عيوب الناس . وكان يقول : كم طيرت طقطقة النعال حول الرحال من رأس وكم أذهبت من دين ، وكان رضي الله عنه يقول : من تمشيخ عليكم فتتلمذوا له فإن مد يده لكم لتقبلوها فقبلوا رجله ، ومن تقدم عليكم فقدموه ، وكونوا آخر شعرة في الذنب فإن الضربة أول ما تقع في الرأس ، وكان رضي الله عنه يقول : وعدني ربي أن لا أعبر عليه ، وعلى شيء من لحم الدنيا قال يعقوب الخادم ففني لحمه بأجمعه قبل خروجه من الدنيا ، وكان يقول : إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله تعالى وصارت همته خارقة للسبع السموات ، وصارت الأرضون كالخلخال برجله ، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا لا يعجزه شيء ، وصار الحق تعالى يرضى لرضاه ، ويسخط لسخطه قال : ويدل لما قلناه ما ورد في بعض الكتب الإلهية يقول الله عز وجل : يا بني آدم أطيعوني أطعكم ، واختاروني أختركم ، وارضوا عني أرض عنكم وأحبوني أحبكم ، وراقبوني أراقبكم ، وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون يا بني آدم من حصلت له حصل له كل شيء ومن فته فاته كل شيء . قلت : وقوله وصار صفة من صفات الحق تعالى لعله يريد التخلق والاتصاف بصفاته تعالى من الحلم ، والصفح ، والكرم لأنه لا يصلح لأحد أن يكون عين صفات الحق فهو كقوله : ' فبي يرى وبي يسمع وبي ينطق ' وما أشبه ذلك ، وكان رضي الله عنه إذا صعد الكرسي لا يقوم قائما وإنما يتحدث قاعدا ، وكان يسمع حديثه البعيد مثل القريب حتى إن أهل القرى التي حول أم عبيدة كانوا يجلسون على سطوحهم يسمعون صوته ، ويعرفون جميع ما يتحدث به حتى كان الأطرش والأصم إذا حضروا يفتح الله أسماعهم لكلامه ، وكانت أشياخ الطريق يحضرونه ويسمعون كلامه ، وكان أحدهم يبسط حجره فإذا فرغ سيدي أحمد رضي الله عنه ضموا حجورهم إلى صدورهم وقصوا الحديث إذا رجعوا على أصحابهم على جليته قلت : وهذا يشبه ما وقع لإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام من النداء لما بنى للبيت فإنه قال : يا رب كيف أسمع جميع الخلائق فأوحى الله تعالى إليه يا إبراهيم عليك النداء ، وعلينا البلاغ فنادى إبراهيم بالحج فأجابوه في الأصلاب من سائر أقطار الأرض البعيدة مثل القريب فالإبلاغ من الله تعالى لا من إبراهيم فإن البشرية لا تقدر على ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا أراد الله عز وجل أن يرقي العبد إلى مقامات الرجال يكلفه بأمر نفسه أولا فإذا أدب نفسه ، واستقامت معه كلفه بأهله فإن أحسن إليهم ، وأحسن عشرتهم كلفه بجيرانه ، وأهل محلته فإن هو أحسن إليهم وداراهم كلفه ببلده فإن هو أحسن إليهم ، وداراهم كلفه جهة من البلاد فإن هو داراهم ، وأحسن عشرتهم ، وأصلح سريرته مع الله تعالى كلفه ما بين السماء ، والأرض فإن بينهن خلقا لا يعلمهم إلا الله تعالى ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث ثم ترتفع صفته إلى أن تصير صفة من صفات الحق تعالى ، وأطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة ، ولا تخضر ورقة إلا بنظره ، وهناك يتكلم عن الله تعالى بكرم لا يسعه عقول الخلائق لأنه بحر عميق غرق في ساحله خلق كثير ، وذهب به إيمان جماعة من العلماء ، والصلحاء فضلا عن غيرهم . وكان رضي الله عنه يقول لولده صالح : إن لم تعمل بعلمي فلست لك أبا ولا أنت لي ولدا ، وكان رضي الله عنه يقول : اللهم اجعلنا ممن فرشوا على بابك لفرط ذلهم نواعم الخدود ، ونكسوا رؤوسهم من الخجل ، وجباههم للسجود ببركة صاحب اللواء المحمود آمين ، وكان إذا جلس على جسمه بعوضة لا يطيرها ، ولا يمكن أحدا يطيرها ويقول : دعوها تشرب من هذا الدم الذي قسمه الحق تعالى لها ، وكان إذا جلس على ثوبه جرادة وهو مار في الشمس ، وجلست على محل الظل يمكث لها حتى تطير ، ويقول : إنها استظلت بنا . وكان إذا نام على كمه هرة ، وجاء وقت الصلاة يقطع كمه من تحتها ، ولا يوقظها فإذا جاء من الصلاة أخذ كمه ، وخاطه ببعضه . ووجد رضي الله عنه مرة كلبا أجرب أخرجه أهل أم عبيدة إلى محل بعيد فخرج معه إلى البرية وضرب عليه مظلة ، وصار يطليه بالدهن ، ويطعمه ويسقيه ، ويحت الجرب منه بخرقة فلما برئ حمل له ماء مسخنا ، وغسله ، وكان قد كلفه الله تعالى بالنظر في أمر الدواب والحيوانات ، وكان رضي الله عنه إذا رأى فقيرا يقتل قملة أو برغوثا يقول : له لا وأخذك الله شفيت غيظك بقتل قملة ، وسمع مرة رجلا يقول : إن الله تعالى له خمسة آلاف اسم فقال قل إن لله تعالى أسماء بعدد ما خلف من الرمال والأوراق وغيرها وكان رضي الله عنه يمشي إلى المجذومين ، والزمني يغسل ثيابهم ، ويفلي رؤوسهم ، ولحاهم ، ويحمل إليهم الطعام ، ويأكل معهم ، ويجالسهم ويسألهم الدعاء وكان رضي الله عنه يقول : الزيارة لمثل هؤلاء واجبة لا مستحبة ، ومر يوما على صبيان يلعبون فهربوا منه هيبة له فتبعهم ، وصار يقول : اجعلوني في حل فقد روعتكم ارجعوا إلى ما كنتم عليه . ومر يوما على صبيان يتخاصمون فخلص بينهم ، وقال لواحد منهم ابن من أنت فقال له وأيش فضولك فصار يرددها ، ويقول : أدبتني يا ولدي جزاك الله خيرا ، وكان يبتدئ من لقيه بالسلام حتى الأنعام ، والكلاب وكان إذا رأى خنزيرا يقول له : أنعم صباحا فقيل له في ذلك فقال أعود نفسي الجميل وكان إذا سمع بمريض في قرية ولو على بعد يمضي إليه يعوده ، ويرجع بعد يوم أو يومين ، وكان يخرج إلى الطريق ينتظر العميان حتى إذا جاءوا يأخذ بأيديهم ، ويقودهم ، وكان إذا رأى شيخا كبيرا يذهب إلى أهل حارته ويوصيهم عليه ويقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' من أكرم ذا شيبة يعني مسلما سخر الله له من يكرمه عند شيبته ' وكان إذا قدم من السفر ، وقرب من أم عبيدة يشد وسطه ، ويخرج حبلا مدخرا معه ويجمع حطبا ثم يحمله على رأسه فإذا فعل ذلك فعل الفقراء كلهم فإذا دخل البلد فرق الحطب على الأرامل ، والمساكين ، والزمنى ، والمرضى ، والعميان ، والمشايخ ، وكان رضي الله عنه لا يجازي قط بالسيئة السيئة ، وكان إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب حتى يكون بقعة ماء ثم يتداركه اللطف فيصير يجمد شيئا فشيئا حتى يرد إلى جسمه المعتاد ، ويقول : لولا لطف الله تعالى بي ما رجعت إليكم ، ولقيه مرة جماعة من الفقراء فسبوه ، وقالوا له يا أعور يا دجال يا من يستحل المحرمات يا من يبدل القرآن يا ملحد يا كلب فكشف سيدي أحمد رضي الله عنه رأسه ، وقبل الأرض وقال يا أسيادي اجعلوا عبيدكم في حل ، وصار يقبل أيديهم ، وأرجلهم ، ويقول : ارضوا علي وحلمكم يسعني فلما أعجزهم قالوا ما رأينا قط فقيرا مثلك تحمل منا هذا كله ، ولا تتغير فقال هذا ببركتكم ، ونفحاتكم ثم التفت إلى أصحابه ، وقال ما كان إلا خيرا أرحناهم من كلام كان مكتوما عندهم ، وكنا نحن أحق بهم من غيرنا فربما لو وقع منهم ذلك لغيرنا ما كان يحملهم ، وأرسل إليه الشيخ إبراهيم البستي كتابا يحط عليه فيه فقال سيدي أحمد رضي الله عنه للرسول اقرأه لي فقرأه فإذا فيه أي أعور أي دجال أي مبتدع يا من جمع بين الرجال ، والنساء حتى ذكر الكلب بن الكلب ، وذكر أشياء تغيظ فلما فرغ الرسول من قراءة الكتاب أخذه سيدي أحمد رضي الله عنه ، وقرأه ، وقال : صدق فيما قال جزاه الله عني خيرا ثم أنشد : فلست أبالي من رماني بريبة . . . إذا كنت عند الله غير مريب ثم قال للرسول : اكتب إليه الجواب من هذا اللاش حميد إلى سيدي الشيخ إبراهيم البستي رضي الله عنه أما قولك الذي ذكرته فإن الله تعالى خلقني كما يشاء ، وأسكن في ما يشاء وإني أريد من صدقاتك أن تدعو لي ولا تخليني من حلك ، وحلمك فلما وصل الكتاب إلى البستي هام على وجهه ، فما عرفوا إلى أين ذهب ، وكان رضي الله عنه إذا علم أن الفقراء يريدون أن يضربوا أحدا من إخوانهم لزلة وقعت منه يستعير منه ثيابه ، ويلبسها ، وينام في موضعه فيضربونه فإذا فرغوا من ضربه ، واشتفوا منه يكشف لهم عن وجهه فيغشى عليهم كيقول لهم : ما كان إلا الخير كسبتمونا الأجر ، والثواب فيقول : بعض الفقراء لبعضهم تعلموا هذه الأخلاق ، وقال رضي الله عنه لأصحابه يوما من رأى في حميد منكم عيبا فليعلمه به فقام شخص . فقال : يا سيدي فيك عيب عظيم فقال : وما هو يا أخي فقال كون مثلنا من أصحابك فبكى الفقراء وعلا نحيبهم وبكى سيدي أحمد معهم ، وقال أنا خادمكم أنا دونكم ، وكان لسيدي أحمد شخص ينكر عليه وينقصه في نواحي أم عبيدة فكان كلما لقي فقيرا من جماعة سيدي أحمد رضي الله عنه يقول : خذ هذا الكتاب إلى شيخك فيفتحه سيدي أحمد فيجد فيه أي ملحد أي باطلي أي زنديق ، وأمثال ذلك من الكلام القبيح ثم يقول سيدي أحمد رضي الله عنه : صدق من أعطاك هذا الكتاب ثم يعطي الرسول دريهمات ، ويقول : جزاك الله عني خيرا كنت سببا لحصول الثواب فلما طال الأمر على ذلك الرجل وعجز عن سيدي أحمد مضى إليه فلما قرب من أم عبيدة كشف رأسه ، وأخذ مئزره ، وجعله في وسطه ، وأمسكه إنسان ، وصار يقوده حتى دخل على سيدي أحمد فقال : ما أحوجك يا أخي إلى هنا فقال : فعلي فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه : ما كان إلا الخير يا أخي . ثم طلب منه أخذ العهد عليه فأخذه عليه ، وصار من جملة أصحابه إلى أن مات ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا قصت إلى الصلاة كان سيف القهر يجذب في وجهي ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يحصل للعبد صفاء الصدر حتى لا يبقى فيه شيء من الخبث لا لعدو ولا لصديق ولا لأحد من خلق الله عز وجل ، وهناك تستأنس الوحوش بك في غياضها ، والطير في أوكارها ، ولا تنفر منك ، ويتضح لك سر الحاء والميم وقال له : شخص من تلامذته ، يا سيدي أنت القطب فقال : نزه شيخك عن القطبية فقال له : وأنت الغوث فقال : نزه شيخك عن الغوثية قلت : وفي هذا دليل على أنه تعدي المقامات ، والأطوار لأن القطبية والغوثية مقام معلوم ، ومن كان مع الله وبالله فلا يعلم له مقام ، وإن كان له في كل مقام مقام والله أعلم . قال يعقوب الخادم رضي الله عنه : ولما مرض سيدي أحمد رضي الله عنه مرض الموت قلت له تجلى العروس في هذه المرة قال نعم فقلت له لماذا فقال : جرت أمور اشتريناها بالأرواح ، وذلك أنه أقبل على الخلق بلاء عظيم فتحملته عنهم وشريته بما بقي من عمري فباعني وكان يمرغ وجهه وشيبته على التراب ويبكي ويقول : العفو العفو ، ويقول : اللهم اجعلني سقف البلاء على هؤلاء الخلق وكان مرض الشيخ رضي الله عنه بالبطيت فكان يخرج منه في كل يوم ما شاء الله فبقي المرض بالشيخ شهرا فقيل له من أين لك هذا كله ، ولك عشرون يوما لا تأكل ، ولا تشرب فقال : يا أخي هذا اللحم يندفع ، ويخرج . ولكن قد ذهب اللحم ، وما بقي إلا المخ اليوم يخرج ، وغدا نعبر على الله تعالى فخرج منه شيء أبيض مرتين أو ثلاثا ، وانقطع ثم توفي يوم الخميس وقت الظهر ثاني عشر جمادى الأولى سنة سبعين وخمسمائة ، وكان يوما مشهودا ، وكان آخر كلمة قالها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، ودفن في قبر الشيخ يحيى البخاري ، وكان الشافعي المذهب قرأ كتاب التنبيه للشيخ أبي إسحاق الشيرازي وما تصدر قط في مجلس ، ولا جلس على سجادة تواضعا ، وكان لا يتكلم إلا يسيرا ، ويقول : أمرت بالسكوت رضي الله عنه . ومنهم الشيخ علي بن الهيتي رضي الله تعالى عنه هو من أكابر مشايخ العراق وأعيان العارفين وهو أحد من ينسب إلى القطبية العظمى ، وكانت عنده الخرقتان اللتان ألبسهما أبو بكر الصديق رضي الله عنه لأبي بكر بن هوار في النوم واستيقظ فوجدهما عليه ، وهما ثوب وطاقية وكان أعطاهما ابن هوار للشنبكي وأعطاهما الشنبكي لتاج العارفين أبي الوفاء وأعطاهما تاج العارفين للشيخ علي ابن الهيتي ، وأعطاهما ابن الهيتي للشيخ علي بن إدريس ثم فقدتا ، ومكث رضي الله عنه ثمانين سنة ليس له خلوة ولا معزل بل ينام بين الفقراء ، وذلك لأن فتحه أتاه من طريق الوهب ، وكان الشيخ عبد القادر رضي الله عنه يقول : لما دخل بغداد كل من دخل بغداد من الأولياء في عالم الغيب ، والشهادة فهو في ضيافتنا ، ونحن في ضيافة الشيخ علي بن الهيتي ، وكان الشيخ عبد القادر يقول : انفتق رتق قلب علي بن الهيتي ، وهو ابن سبع سنين فكان يخبر عن المغيبات ، وتظهر على يديه الكرامات ، وأجمعت العلماء على جلالته وعلو منصبه رضي الله تعالى عنه . ومن كلامه رضي الله عنه الشريعة ما ورد به التكليف ، والحقيقة ما حصل به التعريف فالشريعة مؤيدة بالحقيقة ، والحقيقة مقيدة بالشريعة ، والشريعة ، وجود الأفعال لله ، والقيام بشروط العلم بواسطة الرسل والحقيقة شهود الأحوال بالله تعالى ، والاستسلام لغلبات الحكم بتقدير لا بواسطة . وكان رضي الله عنه يقول : ما دام التمييز باقيا كان التكليف متوجها ، وكان يقول : علامة صحة الحال أن يكون صاحبه محفوظا في أحوال غلبته كما كان مغلوبا في أوقات صحوه ، وكان يقول : الأحوال كالبروق لا يمكن استجلابها إذا لم تكن ، ولا استبقاؤها إذا حصلت إلا أن يجعل بعض الأحوال غذاء لأحد فيربيه الحق فيه فيصير وطاء له ، ومثوى ، وكان رضي الله عنه يقول : الحق تعالى وراء كل ما أدركه الخلق بأفهامهم أو أحاطوا به بعلومهم ، وأشرفوا عليه بمعارفهم ، وكان رضي الله عنه يقول : كل من كوشف بشيء على قدر قوته ، وضعفه ربط به وكان يقول : كل من كوشف بالحقيقة أو شاهد الحق أو اختطف عن مشاهده بوجود الحق أو استهلك في عين الجميع ، أو لم يشهد سوى الحق تعالى ، أو لم يحس سوى الحق أو هو محو في حق الحق ، أو مصطلم فيه بسلطان الحقيقة ، أو متجل له الحق بجلال الحق إلى آخر ما يعبر عنه معبر ، أو يشير إليه مشيرا ، أو ينتهي إليه علم فإنما هي شواهد الحق ، وحق من الحق له ، وكل ما بدا على الخلق فذاك مما يليق بالخلق ، وهو من حيث الخلق ، وجميع ما تحقق بوصفه خلق فهي أحوال ، والأحوال من صفات أهل المعرفة ، ولا سبيل لمخلوق إلا إلى الأحوال ، والغيبة عن الأحوال والتنفي عن الأحوال حالة من جملة الأحوال ، والتوحيد فوق المعارف ، وكان رضي الله عنه يتمثل كثيرا بهذه الأبيات : إن رحت أطلبه لا ينقضي سفري . . . أو جئت أحضره أوحشت في الحضر فلا أراه ، ولا ينفك عن نظري . . . وفي ضميري ، ولا ألقاه في عمري فليتني غبت عن جسمي برؤيته . . . وعن فؤادي وعن سمعي ، وعن بصري سكن رضي الله عنه رزيران بلدة من أعمال نهر الملك إلى أن مات بها سنة أربع وستين وخمسمائة ، وقد علت سنة على مائة وعشرين سنة ، ربها دفن وقبره بها ظاهر يزار . ورزيران على وزن قفيزان . ومنهم الشيخ عبد الرحمن الطغسونجي رضي الله تعالى عنه هو من أكابر مشايخ العراق ، وأعيان العارفين ، وصدور المقربين صاحب الأحوال الفاخرة ، والكرامات الظاهرة والتصريف النافذ . وكان رضي الله عنه يقول : أنا بين الأولياء كالكركي بين الطيور أطولهم عنقا ، وكان رضي الله عنه يتكلم في الشريعة ، والحقيقة بطغسونج على كرسي عال ، ويحضره المشايخ والعلماء ، ويلبس لباس العلماء ، ويركب البغلة . ومن كلامه رضي الله عنه المراقبة لعبد راقب الحق بالحق ، وتابع المصطفى صلى الله عليه وسلم في أفعاله ، وأخلاقه وآدابه والله عز وجل قد خص أحبابه ، وخاصته بأن لا يكلهم في شيء من أحوالهم إلى نفوسهم ، ولا إلى غيره فهم يراقبون الله تعالى ، ويسألونه أن يرعاهم فيها ، والمراقبة تقتضي حال القرب ، والله عز وجل قرب القلوب إليه بما هو قريب منها فهو يقرب من قلوب عباده على حسب ما يرى من قرب قلوب عباده منه فانظر بماذا يقرب من قلبك ، وحال القرب يقتضي حال المحبة وهي تتولد من نظر القلب إلى الله عز وجل ، وجلاله ، وعظمته ، وعلمه ، وقدرته فطوبى لمن شرب كأسا من محبته وذاق نغبا من مناجاته فامتلأ قلبه حبا فطار بالله طربا ، وهام به اشتياقا ليس له سكنى ، ولا مألوف سواه فهو محب خرج من رؤية المحبة إلى المحبوب بفناء علم المحبة من حيث كان له المحبوب في الغيب ولم يكن هو بالمحبة فإذا خرج المحب إلى هذه النسبة كان محبا بلا علة ، والمحبة تقتضي الذكر فلا يزال المحب يذكر ربه ويدخل الخلل في ذكره لنفسه حتى يصير الغالب عليه ذكر ربه وصار كالغافل عن نفسه ثم يغفل عن ذهوله عن نفسه وينسى باستيلاء ذكر ربه عليه جميع الإحساس فيقال اندرج في رؤية مذكوره ، ويقال فني عن نفسه ويقال فني بربه ، ويقال فني عن فنائه أي غفل عن ذكر غفلته عن نفسه باستيلاء ذكر ربه عليه ، وصار ليس يشهد غيره . وهاهنا يكون مصطلما عن مشاهده مختطفا عن نفسه ممحوا عن جملته فانيا عن كله ، وما دام هذا الوصف باقيا فلا تمييز ، ولا إخلاص ، ولا صدق ، وهذا جمع الجمع وعين الوجود ، وهذا هو الوصول الذي يرد على أحوال التمييز والتكليف فيحجب عن هذا الوصف بنوع ستر ليفوز بحق الشرع ، والمغاليط هاهنا كثيرة ، والمحفوظ من رجع إلى أداء أحكام الشريعة ، وكان رضي الله عنه يقول : من اشتغل بطلب الدنيا ابتلى بالذل فيها ومن تعامى عن نقائض نفسه طغى وبغى ومن تزين بباطل فهو مغرور . وكان يقول : أنفع العلوم العلم بأحكام العبودية ، وأرفع العلوم علم التوحيد وكان يقول : لا يضر مع التواضع بطالة إذا قام بالواجبات والسنن ، ولا ينتج مع الكبر عمل مندب ، ولا علم مطلوب . وكان يقول : إذا أقامك ثبت ، وإذا قمت بنفسك سقطت . سكن رضي الله عنه طغسونج بلدة بأرض العراق ، وبها مات مسنا وقبره بها ظاهر يزار . رضي الله عنه . ومنهم الشيخ بقاء بن بطو رضي الله تعالى عنه هو من أعيان مشايخ العراق ، وأكابر الصديقين صاحب الأحوال النفيسة ، والمقامات الجليلة ، والكرامات الباهرة . وكان الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه يثني عليه كثيرا ويقول : كل المشايخ أعطوا بالكيل إلا الشيخ بقاء بن بطو فإنه أعطى جزافا انتهى إليه علم الأحوال ، وكشف موارد الصادرين بنهر الملك ، وما يليه وتلمذ له خلائق من الصلحاء ، والعلماء وقصد بالزيارات والنذورات . ومن كلامه رضي الله عنه الفقر تجرد القلب عن العلائق ، واستقلاله بالله سبحانه وتعالى وحده ، والتخلي من الأملاك أحد أوصاف الفقر لأنها شواغل ، وقواطع لكل عبد سكن بقلبه إليها وعلامة صحة التجرد عن الأملاك أن لا يتغير عليه الحال بوجود الأسباب ، وعدمها لا في القوة ، ولا في الضعف ، ولا في السكون ، ولا في الانزعاج ، ولا تؤثر فيه المهالك فإذا كان كذلك فهو فقير لا يأسره رق الأسباب ، ولا يهزه وجودها ، ولا يستفزه عدمها فإن ملك فكأن لم يملك ، وإن لم يملك فكأن ملك فلا يرى لنفسه في الدنيا ، والآخرة مقاما ، ولا قدرا ، وكما لا يرى لا يطلب وكما لا يطلب ، ولا يتمنى فهو مشتغل به واقف بلا طمع لا يسقط بالرد ، ولا ينهض بالقبول ، ولا يعتقد أن طريقته أفضل من غيرها ، وهو موقف رفيع ، والأمر فيه دقيق ، وما لم يصل العبد إلى ربه عز وجل لا يصل إلى حقيقة هذا الوصف ، وكان رضي الله عنه يقول : الفقر وصف كل مستغن عن غيره ، ولا يكون العبد صادقا في فقره حتى يخرج عن فقره بانتفاء شهود الفقر ، وكان رضي الله عنه يقول : أنصف الناس من نفسك واقبل النصيحة ممن دونك تدرك شرف المنازل . وكان رضي الله عنه يقول : من لم يجد في نفسه زاجرا فقلبه خراب ، وكان يقول : من لم يستغن بالله على نفسه صرعته ، وكان يقول : من لم يقم بآداب أهل البداية كيف يستقيم له مقام أهل النهاية وزاره ثلاثة من الفقهاء فصلوا خلفه العشاء فلم يقم القراء كما يريد الفقهاء فساء ظنهم به وباتوا في زاويته فأجنبوا ثلاثتهم ، وخرجوا إلى نهر على باب الزاوية فنزلوا فيه يغتسلون فجاء أسد عظيم الخلقة ، وبرك على ثيابهم ، وكانت ليلة شديدة البرد فأيقنوا بالهلاك فخرج الشيخ من الزاوية فجاء الأسد ، وتمرغ على رجليه فاستغفروا الله وتابوا . سكن رضي الله عنه نانبوس قرية من قرى نهر الملك وبها توفي قريبا من سنة ثلاثة وخمسين وخمسمائة ، وقبره بها ظاهر يزار . رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو سعيد القلوري رضي الله عنه هو من أكابر العارفين ، والأئمة المحققين صاحب الأنفاس الصادقة ، والأفعال الخارقة ، والكرامات ، والمعارف ، وكان يفتي ببلده ، وما حولها ، وكان يتكلم بقلورية على علوم الشرائع ، والحقائق على كرسي عال ، وقصد بالزيارات من سائر أقطار الأرض . ومن كلامه رضي الله عنه من شرط الفقير أن لا يملك شيئا ، ولا يملكه شيء وأن يصفو قلبه من كل دنس ، ويسلم صدره لكل أحد ، وتسمح نفسه بالبذل والإيثار . كان رضي الله عنه يقول : التصوف التبري مما دون الحق كما قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام فانهم عدو لي إلا رب العالمين ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يكمل الصوفي حتى يستتر عن الخلق بلوائح الوجد ، وكان يقول : التوحيد غض الطرف عن الأكوان بمشاهدة مكونها سبحانه ، وتعالى وكان رضي الله عنه يقول : العارف ، وحداني الذات لا يقبله أحد ، ولا يقبل أحدا ، وكان الخضر عليه السلام يأتيه كثيرا . سكن رضي الله عنه قلورية من قرى نهر الملك قريبة من بغداد وبها مات قريبا من سنة سبع وخمسين وخمسمائة ، وقبره بها ظاهر يزار ، وكان يلبس لباس العلماء ، ويتطيلس ، ويركب البغلة ودعي مرة إلى طعام هو ، وأصحابه فمنعهم من أكل ذلك الطعام ، وأكله وحده فلما خرجوا قال لهم : إنما منعتكم من أكله لأنه كان حراما ثم تنفس فخرج من أنفه دخان أسود عظيم كالعمود ، وتصاعد في الجو حتى غاب عن أبصار الناس ثم خرج من فمه عمود نار ، وصعد إلى الجو حتى غاب عن النظر ثم قال هذا الذي رأيتموه هو الطعام الذي أكلته عنكم ، رضي الله عنه . ومنهم الشيخ مطر الباذرائي رضي الله تعالى عنه هو من أجل مشايخ العراق وسادات العارفين أجمع العلماء رضي الله تعالى عنهم على جلالته ، وزهده ومهابته وكان شيخه تاج العارفين أبو الوفا يقول : الشيخ مطر وارث حالي ومالي وكان من أخص خدامه ، وكان الغالب عليه حالة السكر . ومن كلامه رضي الله عنه لذة النفوس في مناجاة القدوس ، ولذة القلوب في مزامير أنس ، تطرب في مقاصير قدس ، بألحان توحيد في رياض تمجيد بمطربات المعاني من تلك المثاني الرافعة لأربابها في مدارج الأماني إلى مقعد صدق عند مليك مقتدر ، ولذة الأرواح الشرب بكأس المحبة من أيدي عرائس الفتح اللدني في خلوة الوصل على بساط المشاهدة ، والهيام بين عالم الكون في نور العزة وقراءة ما كتب على صفحات ألواح نسمات ذرات الوجود بقلم التوحيد كلا بل هو الله العزيز الحكيم ولذة الأسرار ما طلعة نسيم الحياة الدائمة ، والوصول إلى حقائق الغيوب بضمائر القلوب ، والمعاينة بالأفكار لسائر الأسرار ، ولذة العقول ملاحظة أسرار ، ولذة العقول ملاحظة أسرار الملكوت الخفية عن الأبصار بالسرائر المحيطة بالأفكار فتعاين القلوب حقائق الغيوب ، وتصحبه قبول شواهد الأسرار فتلج الضمائر بحار الأفكار ، وتطمئن النفوس إلى ما لحقت به من العالم المحجوب فكلما كشفت عن الغيوب أذيال دلالتها على إتقان صنع ، وأبدع فطرة قابلتها من العقول هيبة ، وفكرة . ويخرج الاعتبار من القلب فإذا كان القلب طاهرا بعد الاعتبار بالشواهد ، وسمت به الهمة ورقي به الفكر ولم يمنعه مانع فالفكر طريق إلى الحق ودليل على الصدق ، والفكر أصل ثمرته المعرفة والمعرفة ثمرة طعمها العمل ، ولذتها الإخلاص ، والإخلاص لذة غايته النعيم والنعيم غاية ليس لها انقضاء . وكان رضي الله عنه يقول : أيدي العقول تمسك أعنة النفوس ، والنفس مسخرة للعقل ، والعقل يستمد من الأنوار الإلهية ، وعنه تصدر الحكمة التي هي رأس العلوم ، وميزان العدل ، ولسان الإيمان ، وعين البيان ، وروضة الأرواح ونور الأشباح ، وميزان الحقائق وأنس المستوحشين ، ومتجر الراغبين ، ومنية المشتاقين ، وكان رضي الله عنه يقول : الحكمة إصابة الحق فإذا أوردت على القلب دلت على مكامن الهوى ، وجلت أصداء القلوب ، وأماتت عيوب البواطن ، وكان رضي الله عنه من الأكراد ، وسكن باذراء قرية من أعمال النجف بأرض العراق ، وقبره بها ظاهر يزار ، وبها مات رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو محمد ماجد الكردي رضي الله تعالى عنه هو من أعيان مشايخ العراقين ، وصدور المقربين ، وأئمة المحققين ، وانعقد عليه إجماع المشايخ بالاحترام والتعظيم . ومن كلامه رضي الله عنه قلوب المشتاقين منورة بنور الله عز وجل ، وإذا تحرك فيها الاشتياق أضاء نوره ما بين السماء ، والأرض فيباهي الله عز وجل بهم الملائكة ويقول : أشهدكم أنني إليهم أشوق ، وكان رضي الله عنه يقول : من اشتاق إلى ربه أنس ، ومن أنس طرب ومن طرب قرب ، ومن قرب سار ، ومن سار حار ، ومن حار طار ، ومن طار قرت عينه بالاقتراب ، وكان رضي الله عنه يقول : الزاهد يعالج الصبر والمشتاق يعالج الشكر ، والواصل يعالج الولاية ، وكان يقول : الشوق نار الله تضرم في قلوب الأحباب ، ولا تهدأ إلا بلقائه ، والنظر إليه وكان رضي الله عنه يقول : نار الهيبة تذيب للقلوب ، ونار المحبة تذيب الأرواح ونار الشوق تذيب النفوس ، وكان يقول : الصمت عبادة من غير عناء ، وزينة من غير حلي وهيبة من غير سلطان ، وحصن من غير سور ، وراحة للكاتبين ، وغنية عن الاعتذار ، وكان رضي الله عنه يقول : كفى بالمرء علما أن يخشى الله تعالى ، وكفى به جهلا أن يعجب بنفسه ، والعجب فضله حمق يغطي به صاحبه عيوب نفسه فلا تتغطى ، وكان يقول : ما خلق الله تعالى من عجيبة إلا ، ونقشها في صورة الآدمي ولا أوجد أمرا غريبا إلا وسلطه فيها ، ولا أبرز سرا إلا وجعل فيها مفتاح علمه فهو نسخة مختصرة من العالم ، وكان يقول : السكر من مقامات المحبين خاصة فإن عيون الفناء لا تقبله ، ومنازل العلم لا تبلغه . وكان يقول : للسكر ثلاث علامات الضيق عن الاشتغال بالسوي ، والتعظيم قائم ، واقتحام لجة الشوق والتمكين دائم ، ومن كانت سكرته بالهوى كان صحوه إلى ضلالة ، وجاءه رجل يودعه ، وهو يريد الحج على قدم التجريد والوحدة ، ولا يستصحب زادا ، ولا أحدا فأخرج له الشيخ ماجد ركوته ، وأعطاها له ، وقال إنك تجد فيها ماء إن أردت الوضوء ، ولبنا إن عطشت ، وسويقا إن جعت فكان الرجل من طول سفره من جبل حمرين بالعراف إلى مكة ، وفي مدة إقامته في الحجاز ، وفي رجوعه من الحجاز إلى العراق إذا أراد الوضوء توضأ منها ماء مالحا وإذا أراد الشرب شرب منها ماء حلوا وإذا أراد الغذاء شرب لبنا ، وعسلا وسويقا أحلى من السكر . سكن رضي الله عنه جبال حمرين من أرض العراق واستوطنه إلى أن مات سنة إحدى وستين وخمسمائة ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ جاكير رضي الله تعالى عنه هو من أكابر المشايخ ، وأعيان العارفين المقربين ، وأئمة المحققين ، وهو أحد أركان هذه الطريقة ، وكان تاج العارفين أبو الوفاء يثني عليه ، وينوه بذكره وبعث إليه طاقية مع الشي علي بن الهيتي وأمره أن يضعها على رأسه نيابة عنه ، ولم يكلفه الحضور إليه وقال سألت الله تعالى أن يكون جاكير مريدي فوهبه لي وكان المشايخ بالعراق يقولون انسلخ الشيخ جاكير من نفسه كما انسلخت الحية من جلدها ، وكان يقول : ما أخذت العهد قط على مريد حتى رأيت اسمه مكتوبا في اللوح المحفوظ وأنه من أولادي . ومن كلامه رضي الله عنه المشاهدة هي ارتفاع الحجب بين العبد وبين الرب فيطلع بصفاء القلوب على ما أخبره به من الغيب فيشاهد الجلال ، والعظمة ، وتختلف عليه الأحوال والمقامات فتداخله الحيرة ، والدهشة ثم تخرجه الحيرة إلى البهتة فتراه شاخصا بالحق إلى الحق ، وتارة يشاهد الجلال ، وتارة يطالع الجمال ، وتارة يرى البهاء ، وتارة ينظر إلى الكمال ، وتارة يلوح له الكبرياء والعزة ، وتارة يبدو له الجبروت ، والعظمة ، وتارة يشهد اللطف ، والبهجة فهذا يبسطه وهذا يقبضه ، وهذا يطويه وهذا ينشرة ، وهذا يفقده وهذا يوجده ، وهذا يبديه ، وهذا يعيده ، وهذا يفنيه ، وهذا يبقيه فهو زائل عن نعوت البشرية قائم بصفات العبودية لا يحس بالأغيار ، ولا يشهد غير عظمة الجبار . وكان رضي الله عنه يقول : إذا قدحت نار التعظيم مع نور الهيبة في زناد السر تولد منها شعاع المشاهدة فمن شاهد الحق عز وجل ، في سره سقط الكون من قلبه ، وإذا توالت المشاهدة على القوم تولاهم الحق تعالى ثم حجبهم فجذبوا من الحيرة في نور المشاهدة إلى الحيرة في نور الأزل ثم اختطفوا من الدهشة إلى الحيرة في نور الأزل ثم اختطفوا من الدهشة في قدس الأنس إلى الدهشة في عين الجمع فمن حائر بين الاستتار ، والتجلي ومن هائم بين العبد والتداني ، ومن هائم بين الوصل ، والتعالي ، وهو محل الاستقامة ، والتمكين ، وذلك صفة الحضرة ليس فيها سوى الذبول تحت موارد الهيبة قال الله عز وجل فلما حضروه قالوا أنصتوا ، وقال في قوله تعالى : ' إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ' معناه استقاموا على المشاهدة لأن من عرف الله تعالى لا يهاب غيره ، ومن أحب شيئا لا يطالع سواه ، وكانت نفقته من الغيب ، وكان رضي الله عنه من الأكراد ، وسكن صحراء من صحاري العراق بالقرب من قنطرة الرصاص على يوم من سامرا ، واستوطنها إلى أن مات رضي الله عنه بها مسنا ، وبها دفن وقبره ، ظاهر يزار ، وعمر الناس عنده قرية يطلبون البركة بذلك رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو محمد القاسم بن عبد الله البصري رضي الله تعالى عنه هو من أعيان مشايخ العراق ، وعظماء العارفين ، وأجلاء المقربين ، وصاحب العجائب ، والغرائب ، وكان يفتي على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه ، وكان يتكلم في علمي الشريعة ، والحقيقة على كرسي عال ، وله كلام كثير متداول بين الناس مشهور ، ومن كلامه رضي الله عنه الوجد جحود ما لم يكن عن شهود ، وكان رضي الله عنه يقول : شاهد الحق ييقى ، وينفي عن شاهد الوجد وينفي عن العين الوسن ، وسكره يزيد على سكر الشراب . وكان رضي الله عنه يقول : أرواح الواجدين عطرة لطيفة ، وكلامهم يحيي موات القلوب ، ويزيد في العقول ، وكان رضي الله عنه يقول : الوجد يسقط التمييز ، ويجعل الأماكن مكانا واحدا ، والأعيان عينا ، واحدا وأوله رفع الحجاب ، ومشاهدة الرقيب وحضور الفهم ، وملاحظة الغيب ، ومجاذبة السر ، وإيناس البعيد ، وكان رضي الله عنه يقول : شرط صحة الوجد انقطاع البشرة عن التعلق بمعنى الوجد حال وجوده ، ومن لا فقد له لا وجد ، وأهله على مقامين ناظر ، ومنظور إليه فالناظر مخاطب يشاهد الذي وجده ، والمنظور إليه فغيب قد اختطفه الحق بأول ، وارد ورد عليه ، وكان رضي الله عنه يقول : الوجود نهاية الوجد لأن لتواجد يوجب استبعاد العبد ، والوجد يوجب استغراق العبد ، والوجود يوجب استهلاك العبد ، وترتيب هذا الأمر حضور ثم ورود ثم شهود ثم ، وجود ثم خمول فبمقدار الوجد يحصل الخمول ، وصاحب الوجود له صحو ، ومحو فحال صحوه بقاؤه بالحق ، وحال محوه فناؤه بالحق ، وهاتان الحالتان متعاقبتان عليه أبدا ، وكان رضي الله عنه يقول : الوجود اسم لثلاثة معان الأول ، وجود علم يقع به علم الشواهد في صحة مكاشفة الحق إياك ، والثاني ، وجود الحق ، وجودا غير منقطع عن مساغ الإشارة ، والثالث ، وجود مقام ي اضمحلال رسم الوجود بالاستغراق في الأولية فإذا كوشف العبد بوصف الجمال سكر الكلب فطرب الروح ، وهام السر . وكان رضي الله عنه يقول : الصحو إنما هو بالحق فإذا كان بغير الحق فلا يخلو من حيرة يعني حيرة في مشاهدة نور العزة لا حيرة شبهة ، وكان يقول : المواجيد ثمرات الأوراد ، ونتائج المنازلات ، وكان يقول : ترك الأحوال قبل ، وجود الله تعالى محال ، وطلب الأحوال بعد ، وجود الله تعالى محال . وكان يقول : من تهاون بسر الله تعالى أنطق الله تعالى . لسانه بعيوب نفسه ، وكان رضي الله عنه إذا خرج من خلوته لا يمر على شجرة يابسة إلا أورقت ، ولا بذي عاهة إلا عوفي ، سكن رضي الله عنه بالبصرة ، وبها مات قبل سنة ثمانين ، وخمسمائة ، ودفن بظاهرها ، وقبره هناك ظاهر يزار . ولما صلى عليه سمع في الجو أصوات طبول تضرب ، وكانوا كلما رفعوا أيديهم في التكبير للصلاة عليه سمعوها رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو عمرو عثمان بن مرزوق القرشي رضي الله تعالى عنه وهو من أكابر مشايخ مصر المشهورين ، وصدور العارفين ، وأعيان العلماء المحققين صاحب الكرامات الظاهرة ، والأحوال الفاخرة ، والأفعال الخارقة ، والأنفاس الصادقة ، وهو أحد العلماء المصنفين ، والفضلاء المفتين أفتى بمصر على مذهب الإمام أحمد رضي الله عنه ، ودرس ، وناظر ، وأملى ، وخرف الله تعالى له العوائد وقلب له الأعيان ، وانتهت إليه تربية المريدين الصادقين بمصر ، وأعمالها ، وانعقد إجماع المشايخ عليه بالتعظيم ، والتبجيل ، والاحترام ، وحكوه فيما اختلفوا فيه ، ورجعوا إلى قوله . ومن كلامه رضي الله عنه الطريق إلى معرفة الله تعالى ، وصفاته الفكر ، والاعتبار بحكمه وآياته ، ولا سبيل للأسباب إلى معرفة كنة ذاته ، وكان يقول : لو تناهت الحكم الإلهية في حد العقول ، وانحصرت القدرة الربانية في درك العلوم لكان ذلك تقصيرا في الحكمة ، ونقصا في القدرة ، ولكن احتجبت أسرار الأزل عن العقول كما استترت سبحات الجلال عن الأبصار فقد رجع معنى الوصف في الوصف ، وعمي الفهم عن الدرك ، ودار الملك في الملك ، وانتهى المخلوق إلى مثله ، واشتد الطلب إلى شكله ، وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ، وكان رضي الله عنه يقول : جميع المخلوقات من الذرة إلى العرش طرق متصلة إلى معرفته ، وحجج بالغة على أزليته ، والكون جميعه ألسن ناطقة بوحدانيته ، والعالم كله كتاب يقرأ حروفه المبصرون على قدر بصائرهم . وكان رضي الله عنه يقول : إذا هبت ريح السعادة ، وتألق برق العناية على رياض القلوب ، وأمطرت ، ودق الحقائق من جلال سحائب الغيوب ظهرت فيها أزهار قرب المحبوب ، وأينعت ببهجة أنوار نيل المطلوب فوجدت ريح القرب في لذة المشاهدة ، واستجلاء الحضور بالسماع ، وآنست نار الهيبة حين أضرمها ضوء المحبة مع الشخوص عن الأنس إلى المقام إلى نور الأزل بصولة الهيمان ، وقامت بأقدام الفناء في خلوة الوصل على بساط المسامرة بمناجاة تشبث الكون بصفاء اتصال تعرف نهايات الخير في بدايات العيان ، وتطوي حواشي الحدث في بقاء عز الأزل فهناك رسخت أرواحهم في غيب الغيب ، وغاصت أسرارهم في سر السر فعرفهم مولاهم ما عرفهم ، وأراد منهم من مقتضى الآيات ما لم يرد من غيرهم ، وخاضوا بحار العلم اللدني بالفهم العيني لطلب الزيادات فانكشف لهم من مدخور الخزائن تحت كل ذرة من ذرات الوجود علم مكنون ، وسر مخزون ، وسبب يتصل بحضرة القدس يدخلون منه على سيدهم عز وجل فأراهم من عجائب ما عنده ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . وكان رضي الله عنه يقول : من عرف نفسه لم يغير عليه ثناء الناس عليه ، وكان يقول : من لم يصبر على صحبة مولاه ابتلاه الله بصحبة العبيد ، ومن انقطعت آماله إلا من مولاه فهو العبد حقيقة ، وكان يقول : فن تحقق بالرضا استلذ بالبلاء ، وكان يقول : حلية العارف الخشية ، والهيبة ، وكان يقول : إياكم ومحاكاة أصحاب الأحوال قبل إحكام الطريق ، وتمكن الأقدام فإنها تقطع بكم عن السير ، وكان يقول : دليل تخليطك صحبتك للمخلطين ، ودليل بطالتك ركونك للبطالين ، ودليل ، وحشتك أنسك بالمستوحشين ، وكان يقول : من غلب حاله عليه لا يحضر مجلسنا في السماع . حكى أن أصحابه قالوا له يوما لم لا تحدثنا بشيء من الحقائق ؟ فقال لهم : كم أصحابي اليوم ؟ قالوا ستمائة رجل فقال : استخلصوا منهم مائة ثم استخلصوا من المائة عشرين ثم استخلصوا من العشرين أربعة فكان الأربعة ابن القسطلاني ، وأبا الطاهر ، وابن الصابوني ، وأبا عبد الله القرطبي . فقال الشيخ رضي الله عنه : لو تكلمت بكلمة من الحقائق على رؤوس الأشهاد لكان أول من يفتي بقتلي هؤلاء الأربعة ، وكان رضي الله عنه متتابع الكشف ، وزاد النيل سنة زيادة عظيمة كادت مصر تفرق وأقام على الأرض حتى كاد ، وقت الزرع يفوت فضج الناس بالشيخ أبي عمرو بسبب ذلك فأتى الشيخ إلى شاطئ النيل ، وتوضأ منه فنقص في الحال نحو الذراعين ، ونزل عن الأرض حتى انكشف ، وزرع الناس في اليوم الثاني ، ووقع في بعض السنين أن النيل لم يطلع البتة ، وفات أكثر وقت زراعته ، وغلت الأسعار ، وخيف الهلاك ، وضج الناس بالشيخ أبي عمرو فجاء إلى شاطئ النيل ، وتوضأ فيه بإبريق كان مع خادمه فزاد النيل في ذلك اليوم ، وتتابعت زيادته إلى أن انتهى إلى حده ، وبلغ الله به المنافع ، وزرع الناس تلك السنة الزرع الكثير ، وصلى العشاء مرة بمنزله بمصر ثم خرج هو وخادمه أبو العباس المقري يتماشيان فدخلا مكة فصليا في الحجر ساعة طويلة ثم خرجا إلى المدينة فدخلاها فزارا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرجا إلى بيت المقدس فصليا فيه ساعة ثم رجعا إلى مصر قبل الفجر قال أبو العباس ، ولم أحس تلك الليلة بتعب ، وكان الرجل العربي إذا اشتهى أن يتكلم بالعجمية أو العجمي يريد أن يتكلم بالعربية يتفل في فمه فيصير يعرف تلك اللغة كأنها لغته الأصلية ، مات رضي الله عنه بمصر سنة أربع وستين ، وخمسمائة ، وقد جاوز السبعين ، ودفن بقرافتها شرقي الإمام الشافعي رضي الله عنه مما يلي سارية ، وقبره ثم ظاهر يزار ، رضي الله عنه . ومنهم الشيخ سويد السنجاري رضي الله تعالى عنه هو من أعيان مشايخ المشرق وصدور العارفين ، وأكابر المحققين صاحب الكرامات ، والمقامات السنية ، والإشارات العلية ، وهو أحد من ملكه الله تعالى التصرف في العالم ، وجمع له بين علمي الشريعة ، والحقيقة وانتهت إليه الرياسة في تربية المريدين الصادقين بسنجار ، وما يليها ، وأجمع المشايخ على تبجيله ، واحترامه ، وقصد بالزيارات من سائر الأقطار ، ومن كلامه رضي الله عنه مقام العارفين على سبعة أصول القصد إلى الله تعالى بالسير ، والاعتصام بالله في الأمور ، والجلوس مع الله تعالى بالأمر ، والنصيحة لعباد الله في السر ، والجهر ، وكتم أسرار الله تعالى في الطي ، والنشر ، وثبوت الحال مع العلم بالصبر ، وذكر لا إله إلا الله الملك الحق المبين فإذا قطع العارف هذه الأحوال ، ورقى عن رؤية الأفعال فتح الله تعالى عليه في القصد إلى الله بالسرباب النفس ، وعلامته أن يستروح القلب إلى أنوار التجلي بنفس السرور ، وسراج الأنس في مشكاة الكشف وهذا النفس لا يكون إلا في حضرة الشهود بعد غيبة الأرواح ، في معارج الأحوال ، واستغراق الأسرار في مدارج روح القدس بحسم مادة الجهات ، واتحاد العلم ، وذهاب الرسم ، وهذا أول ملابس العارفين وأول استرواح أرواح العارفين هذا الذي لا يطفئ نور شهوده نور ، وجوده ، ولا يحجب نور وجوده حقيقة شهوده ، وحقيقة القصد إلى الله تعالى بالسر ظهور الحقيقة بادية في حجاب العلم ثم يفتح الله تعالى له في الاعتصام بالله باب العناية ، وعلامته أن يفتح الله تعالى له من بصيرته عيونا ثلاثة عين يدرك بها المعرفة ، وعين يدرك بها أنوار الحقائق ، وعين يدرك بها أنوار المعرفة . كما أن العيون ثلاثة عين البصر ، وعين البصيرة ، وعين الروح فعين البصر تدرك المحسوسات ، وعين البصيرة تدرك المعنويات ، وعين الروح تدرك الملكوتيات ثم يفتح الله تعالى له في الجلوس مع الله باب الاستغراق في عين التفريد ، وله خمسة أركان فناء القرب في عين المشاهدة ، واضمحلال العلم في بحر الجمع ، واستهلاك الفناء في بحر الأزل . واستغراق الوجود في طي العدم ، واسعدام البقاء في برد الأبد ففناء القرب في عين المشاهدة للمرسلين مصافاة الأسرار للمقربين عنايات الأبرار ، واضمحلال العلم في بحر الجمع للصديقين رؤية ، وللأبرار مشاهدة لأن الرؤية للذات ، والمشاهدة لأنوار الصفات ، وكان رضي الله عنه يقول : استهلاك الفناء في بحر الأزل للمرسلين حقيقة ، وللمقربين حق ، وطريقة ، واستغراق الوجود في طي العدم للصديقين تفريد التوحيد ، وللأبرار تحقين التجريد ، واستعدام البقاء في برق الأزل للشهداء حياة قرب ، واستدامة رزق ، وللصالحين نسيم روح ، واسترواح ريحان ، ومعارف جنة نعيم فبفناء القرب في عين المشاهدة كان عقلا ، وباضمحلال العلم في بحر الجمع كان روحا ، وباستهلاك الفناء في بحر الأزل كان سرا وباستغراق الوجود في طي العدم كان ذرا ، وباستعدام البقاء في برق الأبد كان ذاتا كاملة الوجود ، وتامة التقويم فبالعقل بين الإيمان ، والروح يثبت الخطاب ، وبالسر يفهم الأمر ، وبالذر ظهر الحكم ، وبالذات ، وقعت الحركة فالحركة ظاهر الحكم ، والحكم ظاهر الأمر ، والأمر ظاهر الخطاب ، والخطاب ظاهر الإيمان ، والإيمان ظاهر الصفات ، والصفات ظاهر الذات فالإيمان بصيرة العقل ، والسر بصيرة الروح ، والأمر بصيرة الحكم ، والحكم بصيرة الحركة . وذلك حقيقة ما يكشف للعارف المنتهى في درجة المعرفة ، وكان رضي الله عنه يقول : العلوم ثلاثة علم من الله تعالى ، وهو العلم بالأمر ، والنهي ، والأحكام والحدود ، وعلم مع الله تعالى ، وهو علم الخوف ، والرجاء ، والمحبة ، والشوق ، وعلم بالله تعالى ، وهو علم بنعوته وصفاته ، وعلم الظاهر علم الطريق ، وعلم الباطن علم المنزل ، وعلم الحكم علم الشرع ، وكل باطن لا يقيمه ظاهر فهو باطل وكان رضي الله عنه يقول : أصل العقل الصمت ، وباطنه كتمان الأسرار ، وظاهره الاقتداء بالسنة ، وكان يقول : من وقع في أولياء الله تعالى ابتلاه الله تعالى بانعقاد لسانه عن النطق بالشهادتين عند الموت ، ولقد كان شخص من أكابر بلدنا يقع في الفقراء فحضرته الوفاة فقالوا له قل لا إله إلا الله فقال لا أستطيع ذلك فعلمت من أين أتى فدخلت الحضرة ، وجعلت أترضى خاطرهم حتى رضوا عنه فأطلق لسانه ، وأسأل الله تعالى قبول توبته ، ورأى رضي الله عنه رجلا يحدق إلى امرأة ببصره فنهاه فلم ينته فقال اللهم أعم بصره فعمى في الحال فجاء بعد سبعة أيام وتاب واستغفر فقال الشيخ اللهم رد عليه بصره إلا في معاصيك فرد الله عليه بصره في الحال وكان إذا أراد بعد ذلك أن ينظر إلى محرم حجب عنه بصره ثم يعود إليه ، وجاءه رجل أعمى فقال أنا ذو عيال ، وقد عجزت عن الكسب فقال اللهم نور عليه بصره فخرج من المسجد بصيرا بعد عشرين سنة ، ومات بصيرا . سكن رضي الله عنه سنجار ، واستوطنها إلى أن مات بها مسنا ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ حياة بن قيس الحراني رضي الله تعالى عنه هو من أجلاء المشايخ ، وعظماء العارفين ، وأعيان المحققين ، صاحب الكرامات ، والمقامات ، والهمم الفخيمة ، والبدايات العظيمة صاحب الفتح السني ، والكشف الجلي حتى حل به مشكلات أحوال القوم ، وهو أحد الأربعة الذين يتصرفون في قبورهم بأرض العراق ، وكان أهل حران يستسقون به فيسقون رضي الله عنه ، ومن كلامه رضي الله عنه لا يكون الرجل معدودا من المتمكنين حتى لا يطفئ نور معرفته نور ، ورعه ، وكان يقول : حقيقة الوفاء إقامة السر عن رقدة الغفلات ، وفراغ الهمم عن جميع الكائنات ، وكان رضي الله عنه يقول : من أحب أن يرى خوف الله تعالى في قلبه ، ويكاشف بأحوال الصديقين فلا يأكل إلا حلالا ، ولا يعمل إلا في سنة أو فريضة ، وما حرم من حرم عن الوصول ، ومشاهدة الملكوت إلا بشيئين سوء الطعمة ، وأذى الخلق ، وكان رضي الله عنه يقول : تعرض لرقة القلب بمجالسة أهل الذكر ، واستجلب نور القلب بدوام الجد ، وكان يقول : من علامات المريد الصادق أن لا يفتر عن ذكره ، ولا يمل من حقه ، ويلزم السنة ، والفريضة فالسنة ترك الدنيا ، والفريضة صحبة الحق جل وعلا ، وكان رضي الله عنه يقول : اجعل الزهد عبادتك ، واحذر أن تجعله حرفتك ، وكان يقول : المحبة سمعة المعرفة ، وعنوان الطريقة يتوصلون بها إلى بقاء المحبوب . سكن رضي الله عنه حران ، واستوطنها إلى أن مات بها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة ودفن بظاهرها ، وقبره ثم ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ رسلان الدمشقي رضي الله تعالى عنه هو من أكابر مشايخ الشام وأعيان العارفين ، وصدور البارعين صاحب الإشارات العالية ، والهمم السامية ، والأنفاس الصادقة ، والكرامات الخارقة ، والتصريف النافذ ، وانتهت إليه تربية المريدين بالشام ، واحترمه العلماء ، والمشايخ ، وبجلوه ، وقصده الزائرون من كل فج عميق ، ومن كلامه رضي الله عنه مشاهدة العارف تفيده تمكين التحكيم في الجمع ، وبروز التفرقة في الاطلاع لأن العارف واصل إلا أنه ترد عليه أسرار الله تعالى جملة كلية فهو مصطلم بأنوارها مستغرق في بحارها مستهلك في تنزيلها ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف من جعل الله تعالى في قلبه لوحا منقوشا بأصرار الموجودات ، وبإمداده بأنوار حق اليقين يدرك حقائق تلك السطور على اختلاف أطوارها ، ويدرك أسرار الأفعال فلا تتحرك حركة ظاهرة أو باطنة في الملك ، والملكوت إلا ، ويكشف الله تعالى له عن بصيرة إيمانه ، وعين عيانه فيشهدها علما ، وكشفا وهذا هو الذي يصعد بسره في أكوان الملكوت كالشمس فلا يطلق النظر إليه ، وصفته أن يكمل الأعمال بالعلم ، والأحوال بالسر ، وهو على ثلاثة أقسام حاضر ، وغائب ، وغريب فالحاضر بلطائف العلم ، والغائب بشواهد الحقيقة ، والغريب هو من انقطع السبب بينه ، وبين من سواه فمن قابله بغير نفسه احترق وحقيقة الغربة سقوط الأين ، ومحو الرسم قال تعالى : ' ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ' ' النساء : 100 ' وعلامته أن يكشف له تعالى الأسباب ويرتفع عنه الحجاب ويطلعه الله تعالى على بواطن الأمور كشفا ، وفراسة فبالكشف يدركها جملة وبالفراسة يدركها تفصيلا على أصل الوضع ، وحقيقة الرسم فيخاطب الأرواح من حيث ، وضعها ، ويخاطب الأجسام من حيث تركيبها ، ويشير إلى العلم برموز الإشارة ، ويفهم كشف العبارة ، وكان يقول : الحدة مفتاح كل شر ، والغضب يقيمك في مقام ذل الاعتذار ، وكان رضي الله عنه يقول : مكارم الأخلاق العفو عند القدرة ، والتواضع في الذلة ، والعطاء بغير منة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا لقدرتك عليه ، وكان رضي الله عنه يقول : الكريم من احتمل الأذى ، ولم يشك عند البلوى ، وكان رضي الله عنه يقول : أحسنه المكارم عفو المقتدر ، وجود المفتقر ، وكان يقول : سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن هو فوقها فإن الغضب يتحرك من باطن الإنسان إلى ظاهره ، والحزن يتحرك من ظاهر الإنسان إلى باطف فيحدث عن الحزن المرض ، والأسقام ، وعن الغضب السطوة ، والانتقام قال الشيخ تقي الدين السبكي رحمه الله تعالى ، وحضرت سماعا فيه الشيخ رسلان فأنشد القوال شيئا فكان الشيخ رسلان رضي الله عنه يثب في الهواء ، ويدور فيه دورات ثم ينزل إلى الأرض يسيرا يسيرا يفعل ذلك مرارا ، والحاضرون يشاهدون فلما استقر على الأرض أسند ظهره إلى شجرة تين في تلك الدار قد يبست ، وقطعت الحمل مدة سنين فأورقت ، واخضرت ، وأينعت ، وحملت التين في السنة . سكن رضي الله عنه دمشق ، واستوطنها إلى أن مات بها مسنا ، ودفن بظاهرها ، وقبره ثم يزار ، ولما أن حمل نعشه على أعناق الرجال جاءت طيور خضر ، وعكفت على نعشه رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو مدين المغربي رضي الله تعالى عنه ورحمه هو من أعيان مشايخ المغرب ، وصدور المربين ، وشهرته تغني عن تعريفه ، واسمه شعيب ، وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي ببركة القرع خارج السور مما يلي شرقي مصر عليه قبة عظيمة ، وقبره يزار . وأما والده فهو مدفون بتلمسان بأرض المغرب في جبانة العبادلة ، وقد ناهز الثمانين ، وقبره ثم ظاهر يزار ، وكان سبب دخوله تلمسان أن أمير المؤمنين لما بلغه خبره أمر بإحضاره من بجاية ليتبرك به فلما وصل إلى تلمسان قال ما لنا ، وللسلطان الليلة نزور الإخوان ثم نزد ، واستقبل القبلة ، وتشهد ، وقال : ها قد جئت ها قد جئت ، وعجلت إليك رب لترضى ثم قال الله الحي وفاضت روحه رضي الله عنه قال الشيخ أبو الحجاج الأقصري : سمعت شيخنا عبد الرزاق رضي الله عنه يقول : لقيت الخصر عليه السلام سنة ثمانين وخمسمائة فسألته عن شيخنا أبي مدين فقال : هو إمام الصديقين في هذا الوقت ، وسره من الإرادة ذلك أتاه الله تعالى مفتاحا من السر المصون بحجاب القدس ما في هذه الساعة أجمع لأسرار المرسلين منه ثم قال : ومات أبو مدين رضي الله عنه بعد ذلك بيسير ، وذكر الشيخ محيي الدين رضي الله عنه في الفتوحات قال : ذهبت أنا ، وبعض الأبدال إلى جبل قاف فمررنا بالحية المحدقة به فقال لي : البدل سلم عليها فإنها سترد عليك السلام فسلمنا عليها فردت ثم قالت : من أي البلاد فقلنا من بجاية فقالت : ما حال أبي مدين مع أهلها فقلنا لها يرمونه بالزندقة . فقالت : عجبا والله لبني آدم ، والله ما كنت أظن أن الله عز وجل يوالي عبدا من عبيده فيكرهه أحد فقلنا لها ، ومن أعلمك به فقالت يا سبحان الله ، وهل على الأرض دابة تجهله إنه ، والله ممن اتخذه الله تعالى وليا وأنزل محبته في قلوب العباد فلا يكرهه إلا كافر أو منافق انتهى قلت ، وأجمعت المشايخ على تعظيمه ، وإجلاله ، وتأدبوا بين يديه ، وكان ظريفا جميلا متواضعا زاهدا ورعا محققا مشتملا على كرم الأخلاق رضي الله عنه . ومن كلامه رضي الله عنه : ليس للقلب إلا وجهة واحدة متى توجه إليها حجب عن غيرها ، وكان يقول : الجمع ما أسقط تفرقتك ، ومحا إشارتك ، والوصول استغراق أوصافك ، وتلاشي نعوتك ، وكان رضي الله عنه يقول : الغيرة أن لا تعرف ، وكان يقول : أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه ، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : الخالي من الأنس والشوق فاقد المحبة ، وكان رضي الله عنه يقول : من خرج إلى الخلق قبل وجود حقيقة تدعوه إلى ذلك فهو مفتون ، وكل من رأيته يدعي مع الله حالا لا يكون على ظاهره منه شاهد فاحذره ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره ، وكان يقول : من تحقق بعين العبودية نظر أفعاله بعين الرياء وأحواله بعين الدعوى ، وأقواله بعين الافتراء ، وكان رضي الله عنه يقول : ما وصل إلى صريح الحرية من بقي عليه من نفسه بقية ، وكان رضي الله عنه يقول : شاهد مشاهدته لك ، ولا تشاهد مشاهدتك له ، كان رضي الله عنه يقول : القريب مسرور بقربه ، والمحب معذب بحبه ، وكان يقول : الفقر أمارة على التوحيد ، ودلالة على التفريد ، وحقيقة الفقر أن لا تشاهد سواه ، وكان رضي الله عنه يقول : للفقر نور ما دمت تستره فإذا أظهرته ذهب نوره ، وكان يقول : من كان الأخذ أحب إليه من الإعطاء فما يشم للفقر رائحة ، وكان يقول : الإخلاص أن يغيب عنك الخلق في مشاهدة الحق ، وكان رضي الله عنه يقول : من نظر إلى المكونات نظر إرادة ، وشهوة حجب عن العبرة فيها ، والانتفاع بها ، وكان رضي الله عنه يقول : من عرف أحدا لم يعرف الأحد ، والحق ما بان عنه أحد من حيث العلم ، والقدرة ، ولا اتصل به أحد من حيث الذات ، والصفات ، وكان يقول : من لم يصلح لمعرفته شغله برؤية أعماله ، ومن سمع منه بلغ عنه ، وكان يقول : من لم يخلع العذار لم ترفع له الأستار ، وكان يقول : الحق لا يراه أحد إلا مات فمن لم يمت لم ير الحق ، وكان يقول : في نهيهم عن صحبة الأحداث الحدث هو المستقبل للأمر والمبتلي في الطريق هو الذي لم يجرب الأمور ، ولم يثبت له فيها قدم ، وإن كان ابن سبعين سنة ، وقيل أراد بالأحداث ما سوى الله تعالى من المخلوقات . قلت : والمراد صحبتهم من غير إرشاد وتعليم ، وإلا فإرشاد مثل هؤلاء هو المطلوب من كل فقير ، وكان يقول : الإخلاص ما خفي على النفس درايته ، وعلى الملك كتابته ، وعلى الشيطان غوايته ، وعلى الهوى إمالته ، وكان رضي الله عنه يقول : إياكم والمحاكمات قبل إحكام الطريق ، وتمكن الأحوال فإنها تقطع بكم عن درجات الكمال ، وكان يقول : كل فقير لا يعرف زيادته ، ونقصه في كل نفس فليس بفقير ، وكان يقول : الفقر فخر ، والعد غنم ، والصمت نجاة ، والإياس راحة ، والزهد عافية ، ونسيان الحق طرفة عين خيانة ، وكان يقول : الحضور مع الحق جنة ، والغيبة عنه نار ، والقرب منه لذة والبعد عنه حسرة ، والأنس به حياة ، والاستيحاش منه موت ، وكان يقول : طلب الإرادة قبل تصحيح التوبة غفلة ، وكان يقول : من قطع موصولا بربه قطع به ، ومن أشغل مشغولا بربه أدركه المقت في الوقت . ومكث رضي الله عنه سنة في بيته لا يخرج إلا للجمعة فاجمع الناس على باب داره ، وطلبوا منه أن يتكلم عليهم فلما ألزموه خرج فرأى عصافير على سدرة في الدار فلما رأته في الدار فرت فرجع ، وقال لو صلحت للحديث عليكم لم تفر مني الطيور ثم رجع ، وجلس في البيت سنة أخرى ثم جاءوا إليه فخرج فلم تفر منه الطيور فتكلم على الناس ، ونزلت الطيور تضرب بأجنحتها ، وتصفق حتى مات منها طائفة ، ومات رجل من الحاضرين ، وكان يقول : كل بدل في قبضة العارف لأن ملك البدل من السماء إلى الأرض ، وملك العارف من العرش إلى الثرى وكان الله تعالى قد أذل له الوحوش ، ومر يوما على حمار ، والسبع قد أكل نصفه ، وصاحبه ينظر إليه من بعد لا يستطيع أن يقرب منه فقال لصاحب الحمار تعال فذهب به إلى الأسد ، وقال له أمسك بأذن الأسد ، واستعمله مكان حمارك فأخذ بأذنه ، وركبه وصار يستعمله سنين موضع حماره حتى مات ، وقيل له مرة في المنام حقيقة سرك في توحيدك فقال : سري مسرور بأسرار تستمد من البحار الإلهية التي لا ينبغي بثها لغير أهلها إذ الإشارة تعجز عن وصفها وأبت الغيرة الإلهية إلا أن تسترها ، وهي أسرار محيطة بالوجود لا يدركها إلا من كان وطنه مفقودا ، وكان في عالم الحقيقة بسره موجودا يتقلب في الحياة الأبدية ، وهو بسره طائر في فضاء الملكوت ، ويسرح في سرادقات الجبروت ، وقد تخلق بالأسماء ، والصفات ، وفني عنها بمشاهدة الذات هناك قراري ، ووطني ، وقرة عيني ، ومسكني ، والحق تعالى في غنى عن الكل قد أظهر في وجودي بدائع قدرته ، وأقبل علي بالحفظ ، والتوفيق ، وكشف لي عن مكنون التحقيق فحياتي قائمة بالوحدانية ، وإشاراتي إلى الفردانية فروحي راسخ في علم الغيب يقول لي مالكي يا شعيب كل يوم جديد على العبيد ، ولدينا مزيد رضي الله عنه . ومنهم أبو محمد عبد الرحيم المغربي القناوي رضي الله تعالى عنه هو من أجلاء مشايخ مصر المشهورين ، وعظماء العارفين صاحب الكرامات الخارقة ، والأنفاس الصادقة له المحل الأرفع من مراتب القرب ، والمنهل العذب من مناهل الوصل ، وهو أحد من جمع الله له بين علمي الشريعة ، والحقيقة ، وآتاه مفتاحا من علم السر المصون ، وكنزا من معرفة الكتاب ، والحكمة ، وكان إذا سمع المؤذن يقول : أشهد أن لا إله إلا الله يقول هو شهدنا بما شاهدنا ، وويل لمن كذب على الله تعالى ، ومن كلامه رضي الله عنه أدركت فهم جميع صفات الله تعالى إلا صفة السمع ، وكان يقول : المتكلمون كلهم يدندنون حول عرش الحق لا يصلون إليه ، وكان يقول : قطع العلائق بقطع بحر الفقد ، وظهور مقام العبد بعدم الالتفات إلى السوي ، وثقة القلب بترتيب القدر السابق ، وكان رضي الله عنه يقول : التجريد نسيان الزمنين حكما ، والذهول عن الكونين حالا ، وغض البصر عن الأين ، وقتا حتى تنقلب الأكوان باطنا لظاهر ومتحركا لساكن فيسكن القلب بتمكين القدر على قطع الحكم ، والابتهاج بمنفسحات الموارد ، وانشراح الصدور بصور الأكوان مع ثبوت المقام بعد التلوين ، ورسوخ التمكين فتكون السماء له رداء ، والأرض له بساطا ، وكان رضي الله عنه يقول : الهيبة في القلب لعظمة الله تعالى هو طمس أبصار البصائر عن مشاهدته بمن سواه حسا فلا يرى إلا بأنوار الجلال ولا يسمع إلا بسواطع الجمال وكان يقول : الرضا سكون القلب تحت مجاري الأقدار بنفي التفرقة حالا ، وعلم التوحيد جمعا فيشهد القدرة بالقادر والأمر بالأمر وذلك يلزمه في كل حال من الأحوال وكان رضي الله عنه يقول : التمكن هو شهود العلم كشفا ، ورجوع الأحوال إليه قهرا ، والتصرف بالقادح حكما ، وكمال الأمر شرعا ، وكان يقول في الجوع صفاء الأسرار في استغراق الأذكار ، وكان يقول : الشوق هو استغراق في مبادئ الذكر طربا ثم الغيبة في توسط الذكر شكرا ثم الحضور في أواخر الذكر صحوا فهو بين استغراق بهمة ، وغيبة بزعجة ، وحضور بنعشة فثلث الوقت للمشتاق استغراق وثلثه غيبة ، وثلثه حضور ، وكان رضي الله عنه يقول : الحياة أن يحيا القلب بنور الكشف فيدرك سر الحق الذي برزت به الأكوان في اختلاف أطوارها . وحكي أنه نزل يوما حلقة الشيخ شبح من الجو لا يدري الحاضرون ما هو فأطرق الشيخ ساعة ثم ارتفع الشبح إلى السماء فسألوه عنه فقال هذا ملك ، وقعت منه هفوة فسقط علينا يستشفع بنا فقبل الله شفاعتنا فيه فارتفع ، وكان الشيخ إذا شاوره إنسان في شيء يقول : أمهلني حتى أستأذن لك فيه جبريل عليه السلام فيمهله ساعة ثم يقول له : افعل أو لا تفعل على حسب ما يقول جبريل ، قلت : ومراده بجبريل صاحب فعلته هو من الملائكة لا جبريل الأنبياء عليهم السلام ، والله أعلم ، وكان إذا قال لعامي يا فلان تكلم على العلماء فيتكلم عليهم في معاني الآيات ، والأحاديث حتى لو كان هناك عشره آلاف محبرة لكلت عنه ثم يقول له : اسكت فلا يجد ذلك العامي معه كلمة ، واحدة من تلك العلوم رضي الله عنه . وكان بعض العارفين رضي الله عنه يقول : لو كنت حاضرا عند وفاة الشيخ عبد الرحيم ما مكنتهم من دفنه بل كنت أتركه فوق ظهر الأرض فكل من نظر إليه نطق بالحكمة . توفي رضي الله عنه بقنا بصعيد مصر ، وقبره بها مشهور يزار . ومر عليه مرة كلب فقام له إجلالا فقيل له في ذلك فقال رأيت في عنقه خيطا أزرق من زي الفقراء ، وقال له مرة رجل أوصني فقال كن في الفقراء كتيس الغنم مع الغنم يعني لا ينطق مع عدم غفلته عن مصالحهم رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو العباس أحمد الملثم رضي الله تعالى عنه هو من أجلاء مشايخ مصر ، ومحققيهم قصده الناس بالزيارة من سائر الأقطار ، وتأدب علماء مصر بين يديه ، وكان أبوه ملكا بالمشرق ، وكان له مكاشفات عجيبة في مستقبل الزمان فكان لا يخبر بشيء إلا جاء كما قال : ويقول : أنا ما أتكلم باختياري ، وكان يقف يتمنى فإن أعطوه شيئا تصدق به على الفقراء ، وكان الناس مختلفين في عمره فمنهم من يقول هذا من قوم يونس عليه السلام ، ومنهم من يقول إنه رأى الإمام الشافعي رضي الله عنه وصلى خلفه بمصر ، ومنهم من يقول إنه رأى القاهرة وهي أخصاص قال الشيخ عبد الغفار القوصي رضي الله عنه فسألته عن ذلك فقال عمري الآن نحو أربعمائة سنة ، وكان أهل مصر لا يمنعون حريمهم منه في الرؤية ، والخلوة فأنكر عليه بعض الفقهاء فقال يا فقيه اشتغل بنفسك فإنه بقي من عمرك سبعة أيام ، وتموت فكان كما قال ، وكان يلبس ما وجد فمرة عمامة صوف خضراء ، ومرة بيضاء ، ومرة جبة فرجية ، ومرة مرقعة لا ينضبط على حال . وأنكر عليه مرة قاض ، وكتب فيه محضرا بتكفيره ووضع القاضي المحضر في صندوقه إلى بكرة النهار يدعوه للشرع فجاء و بكرة النهار فلم يجد المحضر ومفتاح الصندوق معه فأخرج الشيخ المحضر ، وقال الذي قدر على أخذ المحضر من صندوقك قادر على أخذ إيمانك من قلبك فتاب القاضي ، وخاف ، ورجع عما كان أراده . توفي رضي الله عنه في حدود الستمائة ، ودفن بالحسينية بمصر المحروسة ، وقبره في مسجد يزار ، وسموه ثلاث مرات ليموت فعافاه الله تعالى منه ، وذلك لشدة ما كانوا ينكرون عليه ، وكان رضي الله عنه يقول : لم تكن الأقطاب أقطابا والأوتاد أوتادا ، والأولياء أولياء إلا بتعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعرفتهم به وإجلالهم لشريعته ، وقيامهم بآدابه ، وكان يقول : بلغني عن سيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله عنه أنه كان يقول : إذا استولى الحق سبحانه وتعالى على قلب عبد ذهب ما من العبد ، وبقي ما من الله تعالى فيبقى العبد كالفخار في ابتداء النشأة لا حراك له من حيث نفسه ، وإنما حراكه من الذي يحركه ، ولا اختيار له ولا إرادة ، ولا علم ، ولا عمل وكأن رضي الله عنه يقول : إذا امتلأ القلب من النور دك كل حجاب بين العبد ، وبين الله تعالى . ومنهم الشيخ أبو الحجاج الأقصري رضي الله تعالى عنه كان جليل المقدار كبير الشأن كان مجردا ، وكان شيخه الشيخ عبد الرزاق الذي بالإسكندرية قبره من أجل أصحاب سيدي الشيخ أبي مدين المغربي ، وله كلام عال في الطريق ، وزاويته ، وضريحه بالأقصر من صعيد مصر الأعلى ومناقبه مشهورة رضي الله تعالى عنه منها أن شخصا من الأمراء المشهورين في عصره أنكر عليه فقال له تنكر على الفقراء ، وأنت رقاص عند فلان فما مات ذلك الرجل حتى صار رقاصا لسوء أدبه واعتقاده . وكان رضي الله عنه يقول : من رأيتموه يطلب الطريق فدلوه علينا فإن كان صادقا فعلينا ، وصوله ، وإن كان غافلا طردناه ، وأبعدناه لئلا يتلف المريدين فإنه لا يصل إلى المحبوب من هو بغيره محجوب قال خادمه الشيخ أبو زكريا التميمي طلب شخص من مريدي أبي الحجاج الأقصري قتل شيخه مرات فلم يقدر ، وكان يعتقد أنه ينال مقامه بقتله حين رآه محجوبا بشيخه فأخبر الشيخ بذلك فقال : يا ولدي هذا من الشيطان إذا قتلت شيخك غضب الله عليك فكيف يعطيك مقامه . قلت : وقد بلغنا ذلك عن واحد من أصحاب سيدي أبي السعود الجارحي رضي الله عنه ، وهرب الشيخ منه ، والله أعلم . وحكى أبو العباس الطائفي قال دخلت على الشيخ أبي الحجاج الأقصري يوما فرأيت له عينين فوق الحاجبين ، وكان يقول : كنت أجئ أنا وأخي أبو الحسين بن الصائغ بإسكندرية إلى شيخنا فأرى مقامي أعلى من مقامه فأقول : اللهم أعل مقامه فوق مقامي . وكان الآخر إذا رأى مقامه أعلى من مقامي يقول في دعائه كذلك هكذا درجة الإخوان لا حسد بينهم ، ولا حقد ، وقيل له مرة من شيخك . فقال : شيخي أبو جعران فطنوا أنه يمزح فقال لست أمزح فقيل له كيف فقال : كنت ليلة من ليالي الشتاء سهران ، وإذا بأبي جعران يصعد منارة السراج فيزلق ، ويرجع لكونها ملساء فعددت عليه تلك الليلة سبعمائة مرة وهو لا يرجع فقلت في نفسي سبعمائة وقعة ولا يرجع فخرجت إلى صلاة الصبح ثم رجعت فإذا هو جالس فوق المنارة بجنب الفتيلة فأخذت من ذلك ما أخذت . وكان رضي الله عنه يقول : كنت في بدايتي أذكر لا إله إلا الله لا أغفل فقالت لي نفسي مرة من ربك فقلت ربي الله فقالت لي ليس لك رب إلا أنا فإن حقيقة الربوبية امتثالك العبودية فأنا أقول لك أطعمني تطعمني ، نم تنم ، قم تقم ، امش تمشي ، اسمع تسمع ، ابطش تبطش ، فأنت تمتثل أوامري كلها فإذا أنا ربك وأنت عبدي قال فبقيت متفكرا في ذلك فظهرت لي عين من الشريعة فقالت لي جالدها بكتاب الله تعالى فإذا قالت لك نم فقل لها : ' كلوا قليلا من الليل ما يهجعون ' ' الذاريات : 17 ' وإذا قالت لك كل قل : ' وكلوا واشربوا ولا تسرقوا ' ' الأعراف : 31 ' وإذا قالت امش قل : ' ولا تمش في الأرض مرحا ' ' الإسراء : 37 ' وإذا قالت لك ابطش قل : ' ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط ' ' الإسراء : 29 ' فقلت لتلك الحقيقة فمالي إذا فعلت ذلك فقالت أخلع عليك خلع المتقين ، وأتوجك بتاج العارفين ، وأمنطقك بمنطقة الصديقين ، وأقلدك بقلائد المحققين ، وأنادي عليك في سوق المحبين ' التائبون العابدون الحامدون الساجدون الراكعون ' الآية . وكان رضي الله عنه يقول : لا يقدح عدم الاجتماع بالشيخ في محبته فإننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وما رأيناهم ، وذلك لأن صورة المعتقدات إذا ظهرت لا تحتاج إلى صورة الأشخاص بخلاف صورة الأشخاص إذا ظهرت تحتاج إلى صورة المعتقدات فإذا حصل الجمع بينهما فذلك كمال حقيقي قلت : وفي هذا دليل عظيم لأهل الخرق من الأحمدية ، والرفاعية ، والبرهامية ، والقادرية ، ولا عبرة بمن ينكر عليهم ، ويقولون هؤلاء أموات لا ينطقون فإن الاقتداء حقيقة إنما هو بأقوالهم ، وأحوالهم المنقولة إلينا فافهم قال الشيخ يعيش بن محمود أحد أصحاب أبي الحجاج جئت أنا ، والقليبي السخاوي ، وشخص آخر إلى زيارة الشيخ بعد الصبح فوقفنا بالباب متأدبين ، وإذا بالخادم قد خرج فقال يدخل يعيش ، والقليبي ويروح هذا العلق يستحم فإنه جنب قال فدخلنا ، وقد هدت أركاننا من الهيبة فوجدنا الشيخ متكئا . ثم قال الشيخ عن الشاب يستغفر ، ويدخل فقال يعيش دستور حضر شيء في لسان حالنا ، وحال هذا الشاب على لسان حال القادوس فقال الشيخ قل فقلت : المليح قلبي عليه يخفق . . . لا يمر من يبصره يعشق مسكين عبدك القادوس كسر . . . صار شقف من بعدما قد هجر إن تجد له بالوصال ينجبر . . . ويعود غصن السرور مورق قد بلى القادوس بهم طويل . . . ممتلى للراس ، ودمعه يسيل قد ربط بالطونس ، والسحيل . . . وجميعه بالحبال موثق وألف كرة في النار يغرق ما نراه نازلا على قمته . . . وحبل ناشوش في رقبته قد عجز وتناقصت همته له رفيق بقليل يسبق . . . له سنين يجري وما يلحق فقام الشيخ ، وتواجد ودار ، وجعل يقول : لي سنين أجري ، وما ألحق رضي الله عنه . ومنهم الشيخ كمال الدين بن عبد الظاهر رضي الله تعالى عنه صحب الشيخ أبا الحجاج الأقصري رضي الله عنه حين كان بقوص ، وتجرد وهو في بدايته ثم رجع إلى الثياب ، والزراعات وغيرها ثم صحب الشيخ إبراهيم بن معضاد الجعبري المدفون بباب النصر من القاهرة المحروسة ثم أقام باخميم ، وبهامات على حالة شريفة جليلة لطيفة متظاهرا بالنعم ، والغنى عن الناس رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ قطب الدين القسطلاني رضي الله عنه كان بالقاهرة يدرس في علمي الظاهر ، والباطن ، ويدعو الناس إلى الله تعالى وكان يلبس الخرقة من طريق السهروردي رضي الله تعالى عنه . ومنهم أبو الشيخ عبد الله القرشي رضي الله عنه ورحمه كان رضي الله عنه جليل القدر وكان يعظم الفقراء أشد التعظيم ، ويقول : إنهم انتسبوا إلى الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : ما رأينا أحدا قط أنكر على الفقراء ، وأساء بهم الظن إلا ، ومات على أسوأ حالة وكان رضي الله عنه يقول : احتقار الفقراء سبب لارتكاب الرذائل ، وكان رضي الله عنه يقول : من غض من عارف بالله أو ولي لله ضرب في قلبه ، ولا يموت حتى يفسد معتقده ، وكان رضي الله عنه كثيرا ما يجتمع بالخضر عليه السلام ، وكان يطبخ طعام القمح كثيرا فقيل له في ذلك فقال رضي الله عنه : إن الخضر عليه السلام زارني ليلة فقال : اطبخ لي شوربة قمح فلم أزل أحبها لمحبة الخضر عليه السلام لها ، وكان رضي الله عنه يشترط على أصحابه أن لا يطبخوا في بيوتهم إلا لونا واحدا حتى لا يتميز على أحد فاتفق أن أحد أصحابه قال لزوجته ما تشتهي حتى نشتريه تطبخيه فقالت شاور بنتك فقال لابنته أي شيء تشتهين قالت ما تقدر على شهوتي فقال : بل أقدر عليها ، ولو تكون بألف دينار ، وقال لا بد تخبريني بها فقالت تزوجني للقرشي ، وكان الشيخ رضي الله تعالى عنه أعمى أجذم لا ترضى بمثله النساء قال : فجئت إلى القرشي وأخبرته فقال : اطلبوا القاضي فجاء القاضي ، وعقدوا عليها ، وأصلحوا شأنها ، وأحضروها عند الشيخ فلما خرجت النسوة دخل الشيخ إلى المرحاض ، وخرج وهو شاب جميل الصورة أمرد بثياب حسنة وروائح طيبة فسترت وجهها منه حياء فقال : لا تستري أنا القرشي فقالت : ما أنت القرشي فحلف لها بالله تعالى فقالت له : ما هذا الحال فقال لها : أبقى معك على هذا الحال ، ومع غيرك على تلك الحالة ، ولكن لا تخبري بذلك أحدا حتى أموت فقالت : نعم ثم قالت بل أختار حالتك التي تكون بها بين الناس من الجذام ، والبرص ، والعمى فقال لها : جزاك الله خيرا فلم تزل معه على تلك الحالة ، وكان يضع شيئا تحت ثيابه ، وأقدامه ينزل فيه الصديد فكانت رضي الله عنها إذا خرجت من الحمام جاءت فشربت ذلك الصديد عوضا عن الماء فلما قبض الشيخ رضي الله عنه حكت للناس أحواله وكانت حرمتها بين الفقراء كحرمة الشيخ في حال حياته وكان رضي الله عنه يقول : الزم العبودية وآدابها ، ولا تطلب بها الوصول إليه فإنه إذا أرادك له أوصلك إليه ، وأي عمل خلص حتى تطلب به الوصول ، وكان يقول : أبت البشرية أن تتوجه إلى الله تعالى إلا في الشدائد فقيل له في ذلك قال : عطشت مرة في طريق الحاج فقلت لخادمي اغرف لي من البحر المالح فغرف لي ماء حلوا فلما ذهبت الضرورة غرفت فإذا هو مالح ، وكان يقول : لا يكون الابتلاء إلا في الفحول من الرجال . وأخبار القرشي كثيرة مشهورة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ محمد بن أبي جمرة رضي الله تعالى عنه ورحمه آمين وهو غير عبد الله بن أبي حمزة ، وكان رضي الله عنه كبير الشأن مقبوض الظاهر معمور الباطن غلبت عليه آثار صفة الجلال كان معظما للشرع قائما بشرائعه ، وشعائره ، وأنكروا عليه في دعواه رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ، وعقدوا له مجلسا فأقام في بيته لا يخرج إلا لصلاة الجمعة ، ومات المنكرون عليه على أسوأ حال وعرفوا بركته ، ودفن رحمه الله تعالى بالقرافة بمصر ، وقبره بها ظاهر يزار ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يفهم عنك إلا من أشرق فيه ما أشرق ورك ، وكان رضي الله عنه يقول : لما كان العلماء والأولياء ورثة الرسل ، والأنبياء فلا بد من حصول فترات تقع بين العالم ، والعالم ، والولي ، والولي فإذا اندرست طريقة الداعي أتى يعد زمان من يجددها ، ولما كان يحصل في فترات الأنبياء عبادة الأصنام من دون الله كذلك يقع في فترات الأولياء عبادة الأهواء ، والبدع وتبديل الأفعال بالأقوال ، وغير ذلك مما يشهده أرباب القلوب المنيرة . وكان رضي الله عنه يقول : لو قدرت أن أقتل من يقول : لا موجود إلا الله فعلت فما يقول هذا في بوله ، وغائطه ، وعجزه عن دفع الآلام عن نفسه ، وشرط الإله أن يكون قادرا فكيف يقول أنا عين الحق هذا من أضل الضلال ، وكان رضي الله عنه يقول : لو تدبر الفقيه في قراءته لاحترق بأنوار القرآن ، وهام على وجهه ، وترك الطعام ، والشراب ، والنوم ، وغير ذلك ، وكان إذا رأى فدان القصب مثلا يقول : يجيء منه كذا ، وكذا قنطار عسل وكذا ، وكذا قنطار سكر فلا يزيد ، ولا ينقص عما قال ، وطلب السلطان لما زاره أن يبني له رباطا فأخذ السلطان من يده ، وأدخله جامع ابن طولون ، وقال هذا الجامع كله لي اجلس في أي مكان شئت منه فسكت السلطان ، وكان يقول : لا ينبغي للفقير أن يطأ زوجته إذا حملت إلا لغرض صحيح من إعفافها أو إعفافه ، ولا ينبغي له وطؤها لمجرد الشهوة فإن ذلك نقص في الفقير ، وكان يقول : إياكم ، والإنكار على الناس فيما يحتمل التأويل فإني رأيت فقيها أنكر على فقير صنعة الخيال مع المحبظين فأخرج الفقير للفقيه بابا في الخيال وأجلس الفقيه على مكان ، وجاء الفيل فلفه بزلومته ، وضرب به الأرض فمات فأصبح الفقيه فوقع على ذلك ودفنوه آخر النهار ، وقال : مررت يوما على مارس قمح وإذا صبي يقطف من السنابل ، ويضعه في قفته فقلت له خل يا ولدي زرع الناس فقال : ومن أين ثبت عندك أنك زرع الناس ، والله إنه زرع أبي وجدي فخجلت بين الفقراء من كلامه ، وقلت له : جزاك الله يا ولدي خيرا أدبتني حين فاتني التأديب وكان رضي الله عنه يقول : ثلاثة لا يفلحون في الغالب ابن الشيخ ، وزوجته وخادمه أما ابنه فإنه يفتح عينه على تقبيل المريدين يده ، وحمله على أعناقهم ، والتبرك به ، ويطيعونه في كل ما يطلبه فتكبر نفسه ويرضع من حب الرياسة من صغره فتتوالى عليه الصفات المظلمة فلا يؤثر فيه ، وعظ واعظ ، ويتجرأ على الأكابر ، وينفي مشيختهم عليه فإن جاء صالحا فاق ، والده وانتفع بوالده أكثر من كل أحد وأما الزوجة فإنها ترى الشيخ بعين الإزواج لا بعين الولاية فتعتقد أنه محتاج إليها في الشهوة فإن نور الله تعالى بصرها ، ورأته بعين الولاية انتفعت به قبل كل أحد لملاصقتها له ليلا ، ونهارا ، وأما الخادم فلتكرار رؤية الشيخ ، واطلاعه على أحواله من المأكل ، والمشرب ، والمنام ، ولذلك قالوا : لا ينبغي للشيخ أن يأكل مع المريد ، ولا يجالسه إلا عند ضرورة خوفا على المريد من سقوط حرمته من قلبه فيحرم بركته من قلبه فيحرم بركة الصحبة فإن نظر الخادم إلى الشيخ بالتعظيم انتفع به كذلك ، وأفلح أكثر من غيره رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عبد الغفار القوصي رضي الله تعالى عنه صاحب كتاب التوحيد في علم التوحيد ، كان رضي الله عنه جامعا بين الشريعة ، والحقيقة أمارا بالمعروف ناهيا عن المنكر يبيع نفسه في طاعة الله تعالى ، ويحكي أنه أكل مع ولده يقطينا فقال لولده : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب اليقطين فقال : ما هذا إلا قذارة فسل السيف ، وضرب عنق ولده ، وقدم غرض الشارع صلى الله عليه وسلم على ثمرة فؤاده ، ومن كلامه رضي الله عنه : فؤاد لا يقر له قرار . . . وأجفان مدامعها غزار وليل طال بالأنكاد حتى . . . ظننت الليل ليس له نهار ولم لا والتقي حلت عراه . . . وبان على بنيه الإنكسار لبيك معي على الدين البواكي . . . فقد أضحت مواطنه قفار وقد هدت قواعده اعتداء . . . وزال بذاكم عنه الوقار وأصبح لا تقام له حدود . . . وأمسى لا تبين له شعار وعاد كما بدا فينا غريبا . . . هنالك ماله في الخلق جار فقد نقضوا عهودهم جهارا . . . وأسروا في العداوة ثم ساروا إلى آخر ما قال . مات رضي الله عنه سنة نيف وسبعين ، وستمائة ، وكان رضي الله عنه يقول : كلام المنكرين على أهل الله تعالى كنفخة ناموسة على جبل فكما لا يزيل الجبل نفخة الناموسة كذلك لا يتزلزل الكامل بكلام الناس فيه . وكان يقول : السماع من بقية بقيت على الكامل فلو صار أكمل ما تحرك ، وقد استمع السهروردي ، والقرشي ، وأضرابهما . قال : ولما وشوا بذي النون المصري رضي الله عنه إلى بعض الخلفاء ، وادعوا أنه زنديق قال له الخليفة ما هذا الكلام الذي يقال فيك فقال : ما هو فقال قالوا إنك تقول كما يقول الحسين الحلاج فقال : لا أعرف ذلك إلا عند السماع فأرسل خلف قوال ينشد شيئا حتى أريكم فأنشد بين يديه فانتفخ ذو النون حتى بقي كالفيل وقطرت كل شعرة منه الدم فقال : الخليفة ما هذا عن باطل ثم أكرمه ورده إلى مصر مكرما ، وكان إذ ذاك مقيما بأخميم ، وحكي أن سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه قال : التوبة فرض على كل عبد في كل نفس فأنكر عليه أهل بلده ، وكفروه حتى خرج من تستر إلى البصرة ، ومات بها هذا مع علم سهل ، واجتهاده ، وعلو شأنه قال : وكذلك شهدوا على الجنيد رضي الله عنه بالكفر مرارا حتى تستر بالفقه ، واختفى مع علمه ومعرفته ، وهذا من أعجب العجائب ، وتقدم جملة من ذلك في مقدمة هذا الكتاب والله أعلم . ومنهم الشيخ أبو الحسن بن الصائغ السكندري رضي الله تعالى عنه كان من أجل أصحاب سيدي الشيخ عبد الرحيم القناوي ، وكان يخرج على أصحابه ، ويقول لهم أفيكم من إذا أراد الله تعالى أن يحدث في العالم حدثا أعلمه به قبل حدوثه فيقولون لا فيقول أبكوا على قلوب محجوبة عن الله عز وجل ، ونزل رضي الله عنه مرة كنزا فوجد فيه سبعة أرادب ذهبا فأخذ منها سبعة دنانير وقال لم يؤذن لي في أخذ شيء غير ذلك ، وكان يقول : لا ينبغي لشيخ رباط الفقراء أن يدع الشباب المرد يقيمون عنده إذا خاف من إقامتهم مفسدة على بعض الفقراء لا سيما جميل الصورة من الشباب اللهم إلا أن يكون الشاب غائبا عن طرق الفساد مقبلا على طرق عبادة ربه لا يتفرغ للهو ، ولا للعب بشرط أن يتولى الشيخ أمره في الخدمة بنفسه دون نقيب الفقراء إلا أن يكون النقيب متمكنا في نفسه يبعد عنه الفساد ، وقال لا ينبغي للشاب أن يجلس في وسط الحلقة مع الرجال إنما يجلس خلف الحلقة ، ولا يواجه الناس بوجهه ، ولا يخالط أحدا من الفقراء حتى يلتحي ، وكان رضي الله عنه إذا جاءه شاب جميل الصورة ينزع ثيابه ، ويلبسه الخيش ، والمرقعات ، وحكي أن شخصا أراد أن يفعل فاحشة في أمرد في مقبرة الشيخ أبي الحسن رضي الله عنه فصاح الشيخ من داخل القبر أما تستحي من الله يا فقير ، رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو السعود بن أبي العشائر رضي الله عنه ابن شعبان بن الطيب الباذيني بلدة بقرب جزائر واسط بالعراق رضي الله عنه . ومن أجلاء مشايخ مصر المحروسة ، وكان السلطان ينزل إلى زيارته ، وتخرج بصحبته سيدي داود المغربي ، وسيدي شرف الدين ، وسيدي خضر الكردي ، مشايخ لا يحصون ، وكان يسمع عند خلع نعليه أنين كأنين المريض فسئل رضي الله عنه عن ذلك فقال : هي النفس تخلعها عند النعال إذا اجتمعنا بالناس خشية التكبر ، وصام في المهد رضي الله تعالى عنه . مات رضي الله عنه بالقاهرة في يوم الأحد تاسع شوال سنة أربع وأربعين وستمائة ، ودفن من يومه بسفح الجبل المقطم ، ومن كلامه رضي الله عنه ينبغي للسالك الصادق في سلوكه أن يجعل كتابه قلبه ، وكان يقول : من كان الطلب شغله يوشك ألا يضل عن طريق الله تعالى ، ومن كان المطلوب شغلة يوشك ألا يقف فالطلب شغل الظاهر ، والمطلوب شغل الباطن ، ولا يستقيم ظاهر إلا بباطن ، ولا يسلم ظاهر إلا بباطن ، وكان رضي الله عنه يقول : لا ينصحك من لا ينصح نفسه ، ولا تأمن الغش ممن غش نفسه ، وكان يقول : من رأيته يميل إليك لأجل نفعه منك فاتهمه ، وكان يقول : من ذكرك بالدنيا ، ومدحها عندك ففر منه ، ومن كان سببا لغفلتك عن مولاك فأعرض عنه ، وعليك بحسم مادة الخواطر المشغلة التي يتولد منها محبة الدنيا ، وإذا صدر منها خاطر فاعرض عنه ، واشتغل بذكره عز وجل عن ذلك الخاطر وكان يقول : احذر أن تساكن الخاطر فيتولد من الخاطر هم ، وربما غفلت عن الهم فيتولد منه إرادة ، وربما قويت الإرادة فصارت هوى غالبا فإذا صارت هوى غالبا ضعف القلب وذهب نوره ، وربما تلف بالكلية ، وانعزل عنه العقل وصار كأن عليه غطاء . وكان رضي الله عنه يقول : عليك بالاستغفال بالله تعالى فإن عجزت عن الاستغفال به فعليك بالاشتغال بالله تعالى فإن عجزت عن الاشتغال به فعليك بالاشتغال بطاعة الله تعالى ، ولا أرى لك عذرا في عدم الاشتغال بطاعته لأنها أول درجات الترقي . وكان رضي الله عنه يقول : صلاح القلب في التوحيد ، والصدق ، وفساده في الشرك ، والرياء ، وعلامة صدق التوحيد شهوة ، واحد ليس معه ثان مع عدم الخوف ، والرجاء إلا من الله تعالى وأما الصدق فهو التجرد عن الكل ، ومحو كل ذات ظهرت ، وفقد كل صفة بطنت فإذا رأيت ميل قلبك إلى الخلق فانف عن قلبك الشرك ، وإذا رأيت ميل قلبك إلى الدنيا فانف عن قلبك الشك وكان رضي الله عنه يقول : عليك بالإحسان إلى رعيتك ، والرعية خصوص ، وعموم فالعموم العبد ، والأمة والولد ، والخصوص ما وراء ذلك فعليك بروحك ثم بسرك ثم بقلبك ثم بعقلك ثم بجسدك ثم بنفسك فالروح تطالبك بالشوق ، وسرعة السير إليه من غير فتور ، والسر يطالبك بأن تخفي سرك ، والقلب يطالبك بالذكر له ، والمراقبة ، وأن تنسى نفسك ، وسواه في ذكرك ، والعقل يطالبك بالتسليم إليه ، والموافقة له ، وأن تكون مع مولاك على نفسك ، وسواك ، والجسد يطالبك بالخدمة له ، وخلوص الطاعة ، والنفس تطالبك بكفها ، وحجرها عن كل ما مالت إليه ، وحبسها وتقييدها ، وأن لا تصبحها ، ولا تستصحبها ، وكان يقول : إياك أن تغفل عن مولاك وعما تعبدك به مولاك ، وتشتغل بما تعبدك به عمن تعبدك بالعبادة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا لم تعن بنفسك فغيرك أحرى أن يضيع نفسك ، وكان يقول : أستغفر الله من تقصيري في كل عبادة عدد أنفاسي ، وكان يقول : لو استغفرت الله عز وجل بصدق ، وإخلاص منذ ابتداء الخلق إلى انتهاء الخلق من غير فتور نفس واحد من أنفاسي ما وفي استغفاري بنفس واحد غفلت فيه عن الله عز وجل فكيف ، وأنفاسي كثيرة ، واستغفاري خال عن الصدق ، والإخلاص فقد بان نقصي ، وتقصيري ، وإذا كانت أنفاسي ذنوبا ، واستغفاري يحتاج إلى استغفار إلى ما لا نهاية له فكيف حالي . نسأل الله المغفرة . وكان رضي الله عنه يقول الأخلاق الشريفة كلها تنشأ من القلوب ، والأخلاق الذميمة كلها تنشأ من النفوس فالصادق في الطلب يشرع في رياضة نفسه ، وطهارة قلبه حتى تتبدل أخلاقه فيبدل الشك بالتصديق ، والشرك بالتوحيد ، والمنازعة بالتسليم ، والسخط والاعتراض بالرضا ، والتفويض ، والغفلة بالمراقبة ، والتفرقة بالجمعية ، والغلظة باللين ، واللطف ، ورؤية عيوب الناس بالغض عنها ، ورؤية المحاسن ، والقسوة بالرحمة ، والغل ، والحقد بالنصيحة ، والإدلال بالخوف ، وخوف التحويل ، ويرى أنه ما وفى حق الله تعالى في ساعة من الساعات ، ولا قام بشكر ما أعطاه من فعل الخيرات ، وحينئذ تتحقق عبوديته ، ويصفو توحيده ، ويطيب عيشه ، ويعيش مع الله تعالى عيش أهل الجنان في الجنان ، وهذه أخلاق الأنبياء ، والصديقين ، والأولياء ، والصالحين ، والعلماء العاملين . وكان رضي الله عنه يقول : لم يصل أولياء الله تعالى إلى ما وصلوا بكثرة الأعمال ، وإنما وصلوا إليه بالأدب . وكان رضي الله عنه يقول ما دامت النفس باقية بأخلاقها ، وصفاتها فحركات العبد كلها متابعة لخواطرها ، وهي شيئان إما للخلق ، وذلك شرك أو الراحة النفس ، وذلك هوى فالشرك لا يترك التوحيد يصفو ، والهوى لا يترك العبودية تصفو ، وما لم يشتغل السالك بإضعاف هذا العدو الذي بين جنبيه لا يصح له قدم ، ولو أتى بأعمال تسد الخافقين ، والرجل كل الرجل من داوى الأمراض من خارج ، وشرع في قلع أصولها من الباطن حتى يصفو وقته ، ويطيب ذكره ، ويدوم أنسه ، وكان رضي الله عنه يقول : يجب على السالك إذا رأى من نفسه خلقا سيئا من كبر أو شرك أو بخل أو سوء ظن بأحد أن يدخل نفسه في ضد ما دعت إليه ثم يقبل على ذكر الله تعالى ، ويستنجد بحوله ، وقوته ، ومجاهداته فتضعف أخلاق نفسه ، ويكثر نور قلبه فينزل الحق تعالى ذرة من محبته فيترك الأشياء بلا مكابدة ، ويقطع كل مألوف بلا مجاهدة ، وكان رضي الله عنه يقول : الأصول التي يبني عليها المريد أمره أربعة اشتغال اللسان مع حضور القلب بذكره ، وجبر القلب على مراقبته ، ومخالفة النفس والهوى من أجله ، وتصفية اللقمة لعبوديته ، وهي القطب ، وبها تزكو الجوارح ، ويصفو القلب فيعطي النفس حظها من المأكل ، والمشرب ، ويمنعها ما يطغيها منه لأنها أمانة الله عز وجل عند العبد ، وهي مطيته التي يسير عليها فظلمها كظلم الغير بل هو أشد لما ورد في خلود قاتل نفسه دون قاتل غيره ، والإكسير الذي يقلب الأعيان ذهبا خالصا الإكثار من الذكر مع الإخلاص ، وكان رضي الله عنه يقول : المراقبة لله عز وجل هي المفتاح لكل سعادة ، وهي طريق الراحة المختصرة ، وبها يطهر القلب ، وتندحض النفس ، ويقوى الأنس فينزل الحب ، ويحصل الصدق . وهو الحارس الذي لا ينام ، والقيوم الذي لا يغفل ، وكان رضي الله عنه يقول : يجب على كل عبد أن يدخل نفسه في كل شيء يغمها ، ويسوءها حتى ترجع مطيعة له فإنها هي العقبة التي تعبد الله الخلق باقتحامها ، وهي حجاب العبد عن مولاه ، وما دام لها حركة لا يصفو الوقت ، وما عام لها خاطر لا يصفو الذكر ، وبقاء النفس هو الذي صعب على العلماء الإخلاص في تعليمه فإن النفس إذا استولت على القلوب أسرتها ، وصارت الولاية لها فإن تحركت تحرك القلب لها ، وإن سكنت سكن من أجلها ، وحب الدنيا ، والرياسة لا يخرج قط من قلب العبد مع ، وجودها فكيف يدعي عاقل حالا بينه ، وبين الله عز وجل مع استيلائها ، أم كيف يصح لعابد أن يخلص في عبادته ، وهو غير عالم بآفاتها فإن الهوى روحها ، والشيطان خادمها ، والشرك مركوز في طبعها ، ومنازعة الحق ، والاعتراض عليه مجبول في خلقتها ، وسوء الظن ، وما ينتج من الكبر ، والدعوى ، وقلة الاحترام سيمتها ، ومحبة الصيت ، والاستهتار حياتها ، ويكثر تعداد آفاتها وهي التي تحب أن تعبد كما يعبد مولاها ، وتعظم ربها فكيف يقرب عبد من مولاه مع بقائها ومصالحتها ، ومن أشفق عليها لا يفلح أبدا فيجب على الصادق أن كل ما تمقته النفوس يعانقه ، وكل ما تميل إليه يفارقه ، ويقبل من الذامين ذمهم فيه ، ويقول للمادحين ما مدحتموه من وراء حجاب ، ويقول لنفسه في كل نفس لا قرب الله مرادك ، وأبعد مرامك فنعوذ بالله من أرض ينبت فيها نزاهة النفوس فإن من لمح نزاهتها ، ورأى لها قدرا أو علم أن في الوجود أخس من نفسه فما عرف نفسه فكيف ينزهها أو يغضب لها أو يؤذي مسلما لأجلها فيجب اجتنابها كالسم ، وما دامت في وجه القلب لا يصل إلى القلب خير لأنها ترس في وجهه ، وكلما قويت على القلب زاد شره ، ونقص خيره ، وما بقى منها بقية فالشيطان لا ينعزل عنها ، والخواطر المذمومة لا تنقطع منها وكان رضي الله عنه يقول : يجب على السالك ألا يشتغل بالكلية بمقاومة نفسه فإن من اشتغل بمقاومتها أوقفته كما أن من أهملها ركبته بل يخدعها يخدعها بأن يعطيها راحة دون راحة ثم ينتقل إلى أقل من ذلك ، ومن قاومها ، وصار خصمها شغلته ، ومن أخذها بالخدع ، ولم يتابع هواها تبعته . وكان رضي الله عنه يقول : إذا لبست النفس على مريد حالها ، وادعت الترك للدنيا وأن عملها ، وعلمها ، وتعليمها خالص لله تعالى فيجب عليه أن يزنها بالميزان التي لا تنخرم ، والمعيار الذي لا يظلم ، وهو تصوير ذمها بعد مدحها ، وردها بعد قبولها ، والإعراض عنها بعد الإقبال عليها ، وذلها بعد عزها ، وإهانتها بعد إكرامها فإن وجد عندها التغير والانتصار فقد بقي عليه من نفسه بقية يجب عليه مجاهدتها ، ولا يجوز له الاسترسال معها ، وليعلم حين التغير أنه واقف مع نفسه عابد لها معين لها على حصول آفاتها وصاحب هذا الحال بعيد من الله عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : إن المريد متى ترك مجاهدة نفسه ، ولم يجذبها ، وثبت أخلاقها ، وعجز عن الخروج عنها ، وكأنه في كل يوم يبني على ذلك الأساس ، ويشيده في كل لحظة حتى يموت بدائه ، وحسرته فإنه قل من يسر لنفسه الجاه ، والصيت فأمكنه الخروج عنه فيجب عليه أن يستغيث بربه عز وجل ، وينكس رأسه ، ويعتذر إليه ، ويسكت عن كل دعوى ، وكان رضي الله عنه يقول : كل من بقي له عدو يخاف أن يشمت به فإنما هو لبقاء نفسه ، ولبقاء حب الدنيا في قلبه ، وكان رضي الله عنه يقول : من أعرض الخلق عنه فتغير منه شعرة واحدة فهو واقف معهم مشرك بربه عز وجل ، ومن كسر بكل مرض فتغير منه شعرة واحدة فهو واقف مع نفسه في حجاب عن ربه ومن تغير في حال الذل ، ولم يكن كما كان في حال العز فهو محب للدنيا بعيد من ربه وكان رضي الله عنه يقول : كل ما أغفل القلوب عن ذكره تعالى فهو دنيا ، وكل ما أوقف القلوب عن طلبه فهو دنيا ، وكل ما أنزل الهم بالقلب فهو دنيا . وكتب رضي الله عنه رسالة إلى بعض أخوانه : السلام عليك يا أخي ورحمة الله ، وبركاته وبعد فقد سألتني أيها الأخ أن أدعو لك ، والعبد أقل من أن يجاب له دعاء ، ولكن ندعو لك امتثالا فنقول : ألهمك الله يا أخي ذكره ، وأوزعك شكره ، ورضاك بقدره ، ولا أخلاك من توفيقه ، ومعونته ، ولا وكلك إلى نفسك ، ولا إلى أحد من خليقته ، وجعلك ممن ، وفى بعهده ، وصدق في قوله وفعله وجعلك ممن أراد الله عز وجل وجل في الطلب بالصدق والأدب وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة ، والتصديق ، وأراد الدار الآخرة بالأعمال الصالحة ، واحتمال الأذى ، وترك الأذى ، وجعلك من المستهترين أي المواظبين لذكر الله تعالى الوجلين من خشية الله تعالى المخلصين لله عز وجل الموحدين لله عز وجل المصدقين لله المؤثرين لله تعالى على أنفسهم المقدمين حقه على حقوقهم الذين خلت بواطنهم من الحقد ، وقلوبهم من سواه ، ولم يطلبوا من مولاهم سوى الدين الذين لا يستأثرون ، ولا يزاحمون ولا يتخصصون ، ولسوى مولاهم لا يريدون ، وبغيره لا يفرحون ، وعلى فقد غيره لا يحزنون الذين هم على جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشفقون ، وبهم يرفقون الذين ينصحون المسلمين ولا يقبحون ويعرفون ، ولا يعنفون ، وعن عيب من فيه العيب يغمضون ، ويسترون ، ولعورات المسلمين لا يتبعون الذين هم لله تعالى في جميع الحركات ، والسكنات يراقبون الذين غضبهم لله تعالى من غير حقد ، ولا تمني سوء ، ورضاهم لله عز وجل من غير هوى الذين لا يأمرون إلا بما أمرت به الشريعة ، ولا ينكرون إلا ما أنكرت الشريعة على حسب طاقتهم الذين لا تأخذهم في الله لومة لائم الذين يبغضون الظلم من الظالم ، ويمقتون الظالم ، ولا يعظمونه ، ويسألون الله تعالى تعجيز الظلمة حتى لا يظلمون ، ويتوب الله عليهم حتى يتوبون الذين بما أنزل الله تعالى ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحكمون الزاهدين في الدنيا ، والخلق المقبلين بكليتهم على الحق الذين لا يرون من مولاهم إلا ما يرضونه ، ويستحسنونه ، ولا يرون من نفوسهم إلا ما يكرهونه ، ويستوحشونه ، وجعلك يا أخي من الموحدين الذين لا شرك عندهم المنزهين الذين لا تهمة عندهم المصدقين الذين لا شك عندهم الذاكرين الذين لا نسيان عندهم الطالبين الذين لا فتور عندهم المتبعين الذين لا ابتداع عندهم المؤثرين الذين لا شفقة على نفوسهم عندهم الزاهدين الذين لا ميل إلى السوي عندهم الذين لا منازعة عندهم الراضين الذين لا سخط عندهم الراحمين للخلق ولا غلظة عندهم الناصحين الذين لا مصانعة عندهم الذين الخوف ملازمهم ، والعظمة نصب أعينهم الذين لا يخطر ببالهم كيفية ، ولا خيال ، وجعلك يا أخي من المحافظين للطاعة التاركين للعادة الذين لا يرضيهم سوى مولاهم ، ولا يرضون نفوسهم ، وأرواحهم له ، ولا سواهم الذين لا يحقدون ، ولا يبغضون . ولاهم ، ولا يرضون نفوسهم ، وأرواحهم له ، ولا سواهم الذين لا يحقدون ، ولا يبغضون . ويقفون أثر الشارع ، وبه يقتدون ، وعلى جميع أصحابه يترحمون ، وللقرابة يوادون ، وبفضل السلف يعترفون الذين لا يبدعون المسلمين بآرائهم ، ولا بأهوائهم ، ولا يفسقون الذين خلت بواطنهم من ظن السوء أو تمنيه لمن آمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر الذين ليس في بواطنهم إلا الشفقة ، والرحمة الذين لا تعجبهم زينة الدنيا ، ولا يرون عزيزها عزيزا ، ولا غنيها غنيا ، ولا ملكها ملكا ، ولا المستريح فيها مستريحا ، ولا الصحيح فيها معافى الذين يرحمون من أخذ الدنيا بحذافيرها لأنه ما معه شيء الذين يطالبون نفوسهم بالحقوق ، ولا يطالبون لنفوسهم الذين لا يلحقهم هم لأجل مقسوم ، ولا خوف من مخلوق الذين باينوا صفاتهم حتى انغمرت ، ونقوا أخلاقهم حتى ذهبت ، وخالفوا نفوسهم حتى عدمت الذين يحببون الله عز وجل إلى خلقه ، ويذكرونهم نعمه ، ويحببون خلقه إليه بحثهم على طاعته والاعتراف بنعمته والاعتذار من تقصيرهم في خدمته الذين أيديهم مقبوضة عن أموال الناس ، وجوارحهم مكفوفة عن أذى المسلمين ، والمسلمون معهم في راحة لا يقابلون عن السوء إلا عفوا ، وصفحا آمين اللهم آمين : انتهى والله أعلم . قلت : وجميع هذه الرسالة من أخلاق الكمل ، وما رأيت في لسان الأولياء أوسع أخلاقا منه ، ومن سيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله عنهما . ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المسوقي القرشي رضي الله عنه هو من أجلاء مشايخ الفقراء أصحاب الخرق ، وكان من صدور المقربين ، وكان صاحب كرامات ظاهرة ومقامات فاخرة ، ومآثر ظاهرة ، وبصائر باهرة ، وأحوال خارقة ، وأنفاس صادقة ، وهمم عالية ، ورتب سنية ومناظر بهية ، وإشارات نورانية ، ونفحات روحانية ، وأسرار ملكوتية ، ومحاضرات قدسية له المعراج الأعلى في المعارف ، والمنهاج الأسنى في الحقائق ، والطور الأرفع في المعالي ، والقدم الراسخ في أحوال النهايات ، واليد البيضاء في علوم الموارد ، والباع الطويل في التصريف النافذ ، والكشف الخارق عن حقائق الآيات ، والفتح المضاعف في معنى المشاهدات ، وهو أحد من أظهره الله عز وجل إلى الوجود وأبرزه رحمة للخلق ، وأوقع له القبول التام عند الخاص ، والعام ، وصرفه في العالم ، ومكنه في أحكام الولاية ، وقلب له الأعيان ، وخرق له العادات ، وأنطقه بالمغيبات ، وأظهر على يديه العجائب ، وصومه في المهد رضي الله عنه ، وله كلام كثير عال على لسان أهل الطريق . ومن كلامه رضي الله عنه من لم يحن مجتهدا في بديته لا يفلح له مريد فإنه إن نام نام مريده ، وإن قام قام مريده وإن أمر الناس بالعبادة وهو بطال أو توبهم عن الباطل ، وهو يفعله ضحكوا عليه ، ولم يسمعوا منه . وكان ينشد كثيرا إذا قيل له انصحنا ، وأرشدنا بمثالين من قول بعضهم : لا تعدلين الحراير حتى تكوني مثلهن . . . يقبح على معلولة تصف دواء للناس وكان رضي الله عنه يقول : يجب على المريد أن لا يتكلم قط إلا بدستور شيخه إن كان جسمه حاضرا ، وإن كان غائبا يستأذنه بالقلب ، وذلك حتى يترقى إلى الوصول إلى هذا المقام ، في حق ربه عز وجل ، فإن الشيخ إذا رأى المريد يراعيه هذه المراعاة رباه بلطيف الشراب ، وأسقاه من ماء التربية ، ولاحظه بالسر المعنوي الإلهي فيا سعادة من أحسن الأدب مع مربيه ، ويا شقاوة من أساء ، وكان رضي الله عنه يقول : من عامل الله تعالى بالسرائر جعله على الأسرة ، والحضائر ، ومن خلص نظره من الاعتكاس سلم من الالتباس وكان رضي الله عنه يقول : من غاب بقلبه في حضرة ربه لا يكلف في غيبته فإذا خرج إلى عالم الشهادة قضى ما فاته ، وهذا حال المبتدئين أما حال الكمل فلا يجري عليهم هذا الحكم بل يردون لأداء فرضهم ، وسننهم ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يكن متشرعا بتحققا نظيفا عفيفا شريفا فليس من أولادي ، ولو كان ابني لصلبي ، وكل من كان من المريدين ملازما للشريعة والحقيقة ، والطريقة ، والديانة ، والصيانة ، والزهد ، والورع ، وقلة الطمع فهو ، ولدي ، وإن كان من أقصى البلاد . وقيل له مرة ما تريد ؟ فقال : أريد ما أراد الله عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : ما كل من وقف يعرف لذة الوقوف ، ولا كل من خدم يعرف آداب الخدمة ، ولذلك قطع بكثير من الناس مع شدة اجتهادهم ، وكان رضي الله عنه يقول : سألتكم بالله يا أولادي أن تكونوا خائفين من الله تعالى فإنكم غنم السكين ، وكباش الفناء ، وخرفان العلف يا من تنور شواهم قد أوهج ، ويا من السكين لهم تحد ، وتجذب : ' قوا أنفسكم وأهليكم نارا ' ' التحريم : 6 ' ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يكمل الفقير حتى يكون محبا لجميع الناس مشفقا عليهم ساترا لعوراتهم فإن ادعى الكمال ، وهو على خلاف ما ذكرناه فهو كاذب ، وكان يقول : لا تنكروا على فقير حاله ، ولا لباسه ، ولا طعامه ، ولا على أي حال كان ، ولا على أي ثوب يلبس ولا إنكار على أحد إلا إن ارتكب محظورا صرحت به الشريعة ، وذلك أن الإنكار يورث الوحشة والوحشة سبب لانقطاع العبد عن ربه عز وجل ، فإن الناس خاص وخاص الخاص ، ومبتدي ، ومنته ، ومتشبه ، ومتحقق ، ويرحم الله تعالى البعض بالبعض ، والقوي ما يقدر أن يمشي مع الضعيف وعكسه والفقراء غيث ، وهو سيف فإذا ضحك الفقير في وجه أحدكم فاحذروه ، ولا تخالطوه إلا بالأدب ، وكان رضي الله عنه يقول : الشريعة أصل ، والحقيقة فرع فالشريعة جامعة لكل علم مشروع ، والحقيقة جامعة لكل علم خفي ، وجميع المقامات مندرجة فيهما . وكان رضي الله عنه يقول : يجب على المريد أن يأخذ من العلم ما يجب عليه في تأديته فرضه ، ونفله ، ولا يشتغل بالفصاحة ، والبلاغة فإن ذلك شغل له عن مراده بل يفحص عن آثار الصالحين في العمل ، ويواظب على الذكر ، وكان يقول : الرجال منهم رجل ، وبصف رجل ، وربع رجل ، ورجل كامل ، وبالغ ، ومدرك ، وواصل ، وكان رضي الله عنه يقول : توبة الخواص محو لكل ما سوى الله تعالى ولا يتطلعون إلى عمل ، ولا قول يتوبون عن أن يختلج في أسرارهم أن لي أو يتوهمون أن علي ، ويخشون من قول أنا فهم يراعون الخطرات ، وكان يقول : يا مريدي اجمع همة العزم ، وقوة شدة الحزم لتعرف الطريق ، لإدراك لا بالوصف فأي مقام ، وقفت فيه حجبك بل ارفض كل ما يحجبك عن مولاك فإن كل ما دون الله تعالى باطل ، وكأن رضي الله عنه يقول : الأعراض تورث الأعراض ، وكان يقول : دعني يا ولدي من البطالات ، وتجرد من قالبك إلى قلبك ، وكان رضي الله عنه يقول : احذر يا أخي أن تدعي أن لك معاملة خالصة أو حالا ، واعلم أنك إن صمت فهو الذي صومك ، وإن قمت فهو الذي أقامك ، وإن عملت فهو الذي استعملك ، وإن رأيت فهو الذي أراك ، وإن شربت شراب القوم فهو الذي أسقاك ، وإن اتقيت فهو الذي وقاك ، وإن ارتفعت فهو الذي رقى منزلتك ، وإن نلت فهو الذي نولك ، وليس لك في الوسط شيء إلا أن تعترف بأنك عاص مالك حسنة ، واحدة ، وهو صحيح من أين لك حسنة ، وهو الذي أحسن إليك ، وهو الحاكم فيك إن شاء قبلك ، وإن شاء ردك ، وكان رضي الله عنه يقول : ولد القلب خير من ولد الصلب ، فولد الصلب له إرث الظاهر من الميراث وولد القلب له إرث الباطن من السر . وكان يقول : من أدخل دار الفردانية ، وكشف له عن الجلال والعظمة بقي هو بلا هو فحينئذ يبقى زمانا ما فانيا ثم يعود في حفظ الله تعالى : وكلاءته سواء حضر أو غاب ، ولا يبقى له حظ في كرامات ، ولا كلام ، ولا نظام نفساني ، وخلص لجانب العبودية المحضة ، وكان رضي الله عنه يقول : أصحاب العطاء كثير ، وأهل هذا الزمان ما بقي عندهم إلا المنافسة إما يسألون عن معنى الصفات أو معنى الأسماء أو معنى مقطعات حروف المعجم ، وهذا لا يليق بالمبتدئ السؤال عنه وأما المتمكن فله أن يلوح بذلك لمن يستحق فإن علمها طريقة الكشف لا غير ، وأما من اشتغل بحفظ كلامه الناس أو جمع الحقائق ، ولسان المتكلمين في الطريق ، والطرائق فمتى يعيش عمرا آخر حتى يفرغ من عمر الفناء إلى عمر البقاء فإن القوم كانوا محبين . وكل منهم يتكلم بلسان محبته وذوقه فهو كلام لا يحصر ، وبحر غرق فيه خلق كثير ، ولا ، وصل أحد إلى قعره ، ولا إلى ساحله ، وإنما يذكر العارف كلام غيره تسترا على نفسه أو تنفيسا لما يجده من ضيق الكتمان آه آه آه ، ولقد شهد الله العظيم أني ما أتكلم قط أو أخط في قرطاس إلا ، وأتوخى أن يكون ذلك شاكلا أو بيانا لمعنى غامض على الناس لا غير فإن الصدق قد ذهب من أكثر الناس وكان رضي الله عنه يقول : جميع المعبرين ، والمؤولين ، والمتكلمين في علم التوحيد والتفسير لم يصلوا إلى عشر معشار معرفة كنه إدراك معرفة ومعنى حرف ، واحد من حروف القرآن العظيم ، وكان يقول : أول الطريق الخروج عن النفس ، والتلف ، والضيق ، والحظ فإن الفلاح ، والنجاح والصلاح ، والهدى ، والأرباح لا تصح إلا لمن ترك الحظ ، وقابل الأذى ، والشر بالاحتمال ، والخير ، ووسع خلقه والفقير لا يكون له يد ، ولا لسان ، ولا كلام ، ولا صرف ، ولا شطح ، ولا فعل رديء ، ولا يصرفه عن محبوبه صارف ولا ترده السيوف ، والمتالف ، وكان رضي الله عنه يقول : أكل الحرام يوقف العمل ، ويوهن الدين ، وقول الحرام يفسد على المبتدئ عمله ، والطعام الحرام يفسد على العامل عمله ، ومعاشرة أهل الأدناس تورث الظلمة للبصر ، والبصيرة ، وكان رضي الله عنه يقول : إن الله عز وجل يحب من عباده أخوفهم منه وأطهرهم قلبا ، وفرجا ولسانا ويدا وأعفهم ، وأعفاهم ، وأكرمهم ، وأكثرهم ذكرا ، وأوسعهم صدرا . وكان يقول : من كان في الحضرة نظر الدنيا ، والآخرة ، وكان يقول : إياكم ، والدعوات الكاذبة فإنها تسود الوجه ، وتعمي البصيرة ، وإياكم ومؤاخاة النساء ، وإطلاق البصر في رؤيتهن ، والقول بالشاهد والمشي مع الأحداث في الطرقات فإن هذا كله نفوس ، وشهوات ، ومن أحدث في طريق القوم ما ليس فيها فليس هو منا ، ولا فينا قال الله تعالى ' وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ' ، وكان رضي الله عنه يتكلم بالعجمي ، والسرياني والعبراني ، والزنجي ، وسائر لغات الطيور ، والوحش ، وكتب رضي الله عنه إلى بعص مريديه بعد السلام وإنني أحب الولد ، وباطني خلى من الحقد ، ولا بباطني شظا ، ولا حريق لظى ، ولا جوى من مضى ، ولا مضض غضا ، ولا نكص نصا ، ولا سقط نطا ، ولا ثطب غظا ، ولا عطل حظا ، ولا شنب سرى ، ولا سلب سبا ، ولا عتب فجا ، ولا سمداد حدا ، ولا بدع رضا ، ولا شطف جوا ، ولا حتف حرا ، ولا خمش خيش ، ولا حفص عفص ، ولا خفض خنس ، ولا حولد كنس ، ولا عنس كنس ، ولا عسعس خمس ، ولا جيقل خندس ، ولا سطاريس ، ولا عيطافيس ، ولا هطا مرش ، ولا سطا مريش ، ولا شوش أريش ، ولا ركاش قوش ، ولا سملادنوس ، ولا كتبا سمطلول الروس ، ولا بوس عكمسوس ، ولا انفداد أفاد ، ولا قمداد انكاد ، ولا بهداد ، ولا شهداد ، ولا بد من العيون ، وما لنا فعل إلا في الخير ، والنوال انتهى ، وكتب إلى بعض مريديه أيضا : سلام على العرائس المحشورة في ظل ، وابل الرحمة ، وبعد فإن شجرة القلوب : إذا هزت فاح منها شذا يغذي الروح فيستنشق من لا عنده زكم فتبدو له أنوار ، وعلوم مختلفة مانعة محجوبة معلومة لا معلومة معروفة لا معروفة غريبة عجيبة سهلة شطة فائقة طعم ، ورائحة ، وشم يم محل جميل جهد راب علوب نغط نبوط هوبط سهبط جرموا غميطا غلب عمن عسب غلب عرماد علمود على عروس علماس مسرود قدقد فرسم صباع صبع صبوغ نبوب جهمل جما يدحر بوعس قنبود سماع بناع سرنوع ختلوف كداف كروف كمتوف شهدا سهنبيل ختلولف ختوف رصص مامن قمن قرفنيود سعى طبوطا طابرطا كمط ، كهرجة جهد بيد قيلودات كهلودات كيكل كلوب فافهم مبرم وقرم منعم وأخبر سهدم سوس سفيوس كلا فيدلا تهتر عن عنيلا سعسد سج تزيد ، ولا تتكوكع زند حدام هدام سكهدل ، وقد سطرنا لك يا ولدي تحفة سنية ، ودرة مضية ربانية سريانية شمسية قمرية كواكب درية ، وأنجم خفية علوية ، وإنما تصفح المبهم المغلق المغرب الذي سره مغطى بالرموز انتهى . وكتب رضي الله عنه إلى بعض مريديه أيضا : سلام إن هب الجنوب المفتق أو الصبا المعبق أو الضحى المرونق أو الشمس المتحفة أو الأضحية المعترفة في الأبرجة المعونقة ، والمجبرة المحونقة ، والميثرة المحتوطفة ، واللطيفات المختلفة المستوجنة ، والأرابج الأرياح المتولوجة المستودجة فالشهار ، والأنهار المستوطج ، والصفو المزروق أو المفتودج ، والفتوع ، والسنبابول ، والسربايور ، والشوشاند ، والشربو ساسع ، والبرقوا شاند تفهم يا ولدي فإن كلام المغرب لا يشاكل المعرب وما ليس من لغة العرب لا يفهمه إلا من له قلب أو فهمه الرب ، ولا إنكار على علماء الحقيقة ، وهم يتكلمون بكل لسان ، ولهم لسن عجام ، وكتب رضي الله عنه : سلاما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسله مع الحجاج : سلام على أمير حي المحيا جميل المعنى سخي المراشف أرخى المعاطف كريم الخلق سني الصدق عرفوط الوقت ، وردساني الفهم ثاقب المرحب محبول الرحب قطابة النفل قيدوح النماطة ليدوح النباطة سرسا مع الوحب بهدياني الوعب بهبساني الحداقة سهبري النساقة موز الرموز عموز النهوز سلاحات أفق فردفانية أمق شوامق اليرامق حيد وفرقيد ، وفرغاط الأسباط ، ومبيط البساط الكرقولية ، والقدد القيلولية إن حدول شذول وإن عرذل خردل السبل السبل يبط العقود النماحة النياحة جاجوي نبا كلكوي سبا مقطعات حم ، ومحكمات حكيم بدايه لوايع إن شدت أنشدت عنيقبات رسمانية ناتوتية نابهتنية بابلية أرس أرسون كمين كبيوت ناتون نون ، وجيم ونقطة تنعيم ازمح همدج تنسج هيج دهبر رعبوت قيداف قيدوف عرائش مجليات شعشانية على قطط النبط لا النمط ، والبعد لا الشطط فلاق القندم خلاق الزيدم ، وأبقى الهندم إن طاطا فطاوما ، وإن تعاطى فاستبرق يسمع عنين النبك ، وعنين التبك من أوباح فوائد ، وأدراح قلائد ليش من لفظ قس الأيادي ، ولا له بها أيادي نهدبانية البهاسبهانية الربا قل تيشلقت بالنباهة أببا ، وتعطرفت بالسياحة عببا طرايقا عجنبا عرائفها جبا إن تمادى تمدى ، وإن بعد أعدد لفظة بارق لحظة حاذق إن ينشد فردقوينة قد أعدت بالرشطاط من قروربان ، وحرموزان كروم المرتبلاه ، ولا أشباه ألم تك ، والدتك ، والدتك انتهى . وكان رضي الله عنه يقول : عليك بالعمل ، وإياك ، وشقشقة اللسان بالكلام في الطريق دون التخلق بأخلاق أهلها ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يجوع حتى شد الحجر على بطنه ، وقام حتى تورمت قدماه ثم تبعه أكابر الصحابة رضي الله عنهم على ذلك فكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا تنهد يشم لكبده رائحة الكبد المشوي ، وأنفق ماله في سبيل الله كله ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد العمل ، والكد حتى رقع دلقه بالجلود ، ولف رأسه بقطعة خش ، وكان عثمان رضي الله عنه يختم القرآن قائما كل ليلة على أقدامه ، وكان علي رضي الله عنه من زهاد الصحابة ، ومجاهديهم حتى فتح أكثر بلاد الإسلام هؤلاء خواص الصحابة رضي الله عنهم مع قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا كان عملهم هذا كان اجتهادهم ، وزهدهم ، وجوعهم فأحكموا الحقيقة والشريعة ولا تفرطوا إن أردتم أن تكونوا يقتدى بكم وما سميت الحقيقة حقيقة إلا لكونها تحقق الأمور بالأعمال ، وتنتج الحقائق من بحر الشريعة ، وكان رضي الله عنه يقول : ما دام لسانك يذوق الحرام فلا تطمع أن تذوق شيئا من الحكم ، والمعارف . وكان رضي الله عنه يقول : للباصر في العين بصر ، وللقلب لسان يدق عن الإدراك ، وكان رضي الله عنه يقول : أحببه يحبك أهل الأرضين ، والسماء ، وأطعه يطع لك الجن ، والإنس ، ويجف لك البحر والماء ، ويطع لك الهواء ، وكان يقول : يا ولدي عليك بالتخلق بأخلاق الأولياء لتنال السعادة ، وأما إذا أخذت ، ورقة الإجازة ، وصار كل من نازعك تقول : هذه إجازتي بالمشيخة دون التخلق فإن ذلك لا شيء إنما هو حظ نفس لكن اقرأ الإجازة ، واعمل بما فيها من الوصايا ، وهناك تحصل على الفائدة ، ويحصل لك الاصطفاء ، وهذه طريق مدارج الأولياء قرنا بعد قرن ، وجيلا بعد جيل إلى آخر الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا اشتغل المريد بالفصاحة ، والبلاغة فقد تودع منه في الطريق ، وما اشتغل أحد بذلك إلا وقطع به ، وأما حكايات الصالحين ، وصفاتهم فمطالعتها للمريد جند من أجناد الله تعالى ما لم يقنع بها في الطريق ، وكان يقول : العلم كله مجموع في حرفين أن يعرف العبودية ، ويعبده فمن فعل ذلك فقد أدرك الشريعة ، والحقيقة ، وليس في هذا تعطيل العلماء بل العلم ابن للعمل ، وإنما قلنا ذلك من أجل قول الله تعالى : ' فاقرءوا ما تيسر منه ' ' المزمل : 20 ' ولكل فرقة منهاج ، وإلا فقد يجمع الله العلم ، والعمل في رجل واحد ، يفيد الناس كل الفوائد فالشريعة هي الشجرة ، والحقيقة هي الثمرة ، وكان يقول : الطريق إلى الله تعالى تفني الجلاء ، وتفتت أكباد ، وتضني الأجساد ، وتدفع السهاد ، وتسقم القلب ، وتذيب الفؤاد فإذا ارتفع الحجاب سمع الخطاب ، وقرأ من اللوح المحفوظ الرموز ، واطلع على معان دقت ، وشرب بأوان رقت فكان مع قلبه ثم يكون مع مقلبه لا مع قلبه لأن الله يحول بين المرء ، وقلبه فإذا خرج عن الكل طال لسانه بلا لسان مع شدة اجتهاده ، وأعماله الظاهرة ثم الباطنة ثم بعد ذلك لا حركة ، ولا كلام ، ولا تسمع إلا همسا إنما هو سمت بلا حس ثم يصفو من صفاء الصفاء ، ووفاء الوفاء ، ويخلص من إخلاص الإخلاص في الإخلاص للإخلاص ثم يتقرب بما يكون به جليسا فإن المجالسة لها آداب أخر خاصة يعرفها العارفون وكان رضي الله عنه يقول : إذا كمل العارف في مقام العرفان أورثه الله علما بلا واسطة ، وأخذ العلوم المكتوبة في ألواح المعاني ففهم رموزها وعرف كنوزها ، وفك طلسماتها ، وعلم اسمها ، ورسمها ، وأطلعه الله تعالى على العلوم المودعة في النقط ، ولولا خوف الإنكار لنطقوا بما يبهر العقول ، وكذلك لهم من إشارات العبارات عبارات معجمة ، وألسن مختلفة ، وكذلك لهم في معاني الحروف ، والقطع ، والوصل ، والهمز ، والشكل ، والنصب ، والرفع ما لا يحصر ، ولا يطلع عليه إلا هم وكذلك لهم الاطلاع على ما هو مكتوب على أوراق الشجر ، والماء ، والهواء ، وما في البر ، والبحر ، وما هو مكتوب على صفحة قبة خيمة السماء ، وما في جباه الإنس ، والجان مما يقع لهم في الدنيا ، والآخرة ، وكذلك لهم الاطلاع على ما هو مكتوب بلا كتابة من جميع ما فوق الفوق ، وما تحت التحت ، ولا عجب من حكيم يتلقى علما من حكيم عليم فإن مواهب السر اللدني قد ظهر بعضها في قصة موسى ، والخضر عليهما السلام ، وكان رضي الله عنه يقول : من الأولياء من لا يدري الخطاب ، ولا الجواب فهو كالحجارة مودعة أسرارا ناطقة بلسان حال صامتة عن الكلام مودعة من غوامض الأسرار ، والعطاء مفرق فمنهم عارف ، ومحب ، ومشغوف ، وذاكر ، ومذكر ، ومعتبر ، وناطق ، وصامت ، ومستغرق ، وصائم ، وقائم ، وهائم ، ومفطر ، وصائم صائن ، وصائم صائم ، وقائم دائم ، ونائم ، واصل ، وواصل سهران ، وواقف ذاهل ، وداهش ، واهن وواهم ، وباك باسم ، ومقبوض ، وضاحك ، وخائف ، ومختلط ، ومختبط ، وموله ، ومتوله ، وصائح ، ونائح ، ومجموع بجمعيه ، وجمعه إن خرج عن إياهما انتفع ، ومنهم من مزق الثياب حين حقق ، وتاب ، وغلب عليه الحال ، ويرحم الله البعض بالبعض ، وكان رضي الله عنه يقول : يا أولادي طوبى لمن وصل إلى حال تقرب العباد من الله تعالى ثم وقف يدعوهم إليها فكونوا داعين إلى الله تعالى بإذن الله ، وكان رضي الله عنه يقول : رأس مال المريد المحبة ، والتسليم ، وإلقاء عصا المعاندة ، والمخالفة ، والسكون تحت مراد شيخه ، وأمره فإذا كان المريد كل يوم في زيادة محبة وتسليم سلم من القطع فإن عوارض الطريق ، وعقبات الالتفاتات ، والإرادات هي التي تقطع عن الإمداد ، وتحجب عن الوصول . وكان رضي الله عنه يقول : يا أولادي إذا لم يحسن أحدكم أن يعامل مولاه فلا يقع في أحوال لا يدريها فإن القوم تارة يتكلمون بلسان التمزيق ، وتارة بلسان التحقيق بحسب الحضرات التي يدخلونها وأنت يا ولدي لم تذق حالهم ، ولا تمزقت ، ولا دخلت حضراتهم فمن أين لك أنهم على الضلال أفتعوم يا ولدي البحر ، ولست بعوام ثم إذا غرقت فقد مت ميتة جاهلية لأنك ألقيت نفسك للمهلك ، والحق قد حرم عليك ذلك بل الواجب عليك يا ولدي أن تطلب دعاء القوم ، وتلتمس بركاتهم هذا إذا لم تجد قدرة على عملهم ، فإن وجدت قدرة على ذلك سعدت أبد الآبدين ، واعلم يا ولدي أن ألسن القوم إذا دخلوا الحضرات مختلفة ، وفي إشاراتهم وكلماتهم ما يفهم ومنها ما لا يفهم ، وكذلك من أحوالهم ما يعبر عنه ، ومنها ما لا يعبر وكذلك في أسرارهم ما لا يصل إليه مؤول ، ولا معبر ، ولا معطل ، ولا مفسر لأن أسرارهم موضع سر الله تعالى ، وقد عجز القوم عن معرفة أسرار الله تعالى في أنفسهم فكيف في غيرهم فيجب عليك يا ولدي التسليم لله في أمر القوم وحسن الظن بهم لا غير فإني ناصح لك يا ولدي وإذا رميت من يحبه الله تعالى بالبهتان والزور وتجرأت على من قربه الله تعالى أبغضك الله تعالى ، ومقتك فلا تفلح بعد ذلك أبدا ، ولو كنت على عبادة الثقلين ، وكان رضي الله عنه يقول : من قام في الأسحار ، ولزم فيها الاستغفار كشف الله له عن الأنوار ، وأسقى من دن الدنو من خمار الخمار وأطلعت في قلبه شموس المعاني ، والأقمار فيا ولد قلبي اعمل بما قلته لك تكن من المفلحين ، وكان يقول : كم من يتلو الاسم الأعظم ، ولا يدريه ، وما فهم معناه ، وما لمس الأولياء الشجرة فأثمرت إلا به ولا سأل الماء من صخرة إلا به ولا سخرت الوحوش لولي إلا به ولا سأل ولي القطر فنزل إلا به ولا أحيا الموتى إلا به وكان رضي الله عنه يقول : لا يكون الرجل غواصا في الطريق حتى يفر من قلبه ، وسره ، وعمله ، وهمه ، وفكره ، وكل ما يخطر بباله غير ربه فآه آه لو كشف الحجاب عن الأثواب ، وأبصر الأعمى الحرف الذي ليس بحرف ، ولا ظرف ، وذلك ما خفي من الغمض ، وفتح قفل القفل ، وفك أزرار المزرور فواشوقاه لصاحب تلك الحضرات مع أن الشوق لا يكون إلا للبعيد . وكان رضي الله عنه يقول : كل من تحجبه أعماله ، وأقواله عن درك ما شاء فهو محجوب عن مقام التوحيد ، ومقام التفريد ، ولا يزف الولي إلى ربه حتى يترك الوقوف مع سواه من مقام أو درجة ، وكان يقول : إن أردت أن تجتمع على ربك فطهر باطنك ، وضميرك من الخبث ، والنية الردية ، والإضمار بالسوء لأحد من خلق الله عز وجل وكان رضيى الله عنه يقول : إياك يا ولدي أن تقبل فتوى إبليس لك في الرخص فتعمل بها بعد عملك بالعزائم فإنه إنما يأمرك بالغي ، والبغي في حجة رخصة الشرع لا سيما إن أوقعك في محظور ثم قال لك هذا مقدور أيش كنت أنت فإنك تهلك بالكلية . واعلم يا ولدي أن الله تعالى ما أمرك إلا باتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد نهاك عن كل شيء يؤذيك في الدنيا ، والآخرة فما بالك تخالفه ، وإن كنت يا ولدي تقنع بورقة تزعم أنها إجازة فإنما إجازتك حسن سيرتك ، وإخلاص سريرتك ، وشرط المجاز أن يكون أبعد الناس عن الآثام كثير القيام ، والصيام مواظبا على ذكر الله تعالى على الدوام فإن العبد كلما خدم قدمه سيده على بقية العبيد فهذه هي الإجازة الحقيقية ، وأما إذا ادعيت المشيخة ، وعصيت ربك قال لك أف لك أما تستحي أين دعواك القرب منا أين غسلك أثوابك المدنسة لمجالستنا كم توعى في بطنك من الحرام ، وكم تنقل أقدامك إلى الآثام كم تنام ، وأحبابي قد صفوا الأقدام أنت مدع كذاب ، والسلام . وكان يقول : الله خصم كل من شهر نفسه بطريقتنا ، ولم يقم بحقها ، واستهزأ بنا ، وكان يقول : من خان لا كان ، ومن لم يتعظ بكلامنا فلا يمشي في ركابنا ، ولا يلم بنا ، ولا خب من أولادنا إلا الشاطر المليح الشمائل وذلك يصلح لوضع السر فيه فيا أولادي ناشدتكم الله تعالى لا تسوءوا طريقي ، ولا تلعبوا في تحقيقي ولا تدلسوا ، ولا تلبسوا ، وأخلصوا تتخلصوا فكلما أحببناكم ، واخترناكم فلا تكدروا علينا ولا ترموا طريقنا بالكلام ، وكما وفينا لكم حقكم في التربية ، والنصح فوفوا لنا بالاستماع ، والاتعاظ وإنما أمرتكم بما أمركم به ربكم فهو أمر الله لا أمري فإن نقضتم العهد فإنما هو عهد الله وإن كنتم لا تأخذون منا إلا أوراقا فلا حاجة لنا بكم ، وكان يقول : بايعت الله تعالى على أني لا ألتمس أموالكم ولا آخذ تراثكم ، ولا أدنس خرقتي بما في أيديكم فاسمعوا ، وأطيعوا ، وعلى أموالكم الأمان مني ، ومن جماعتي الذين أخلصوا معي . وأسأل الله تعالى أن يلحق بقية أولادي بمن خلص معي ، ويجعلهم مثلهم فيشفقون على إخوانهم ، وينصحونهم مع تجنب أموالهم ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يزعم أن هلكته في طاعته فهو هالك فإن طاعتنا من جملة فضله ، ومالنا في الوسط شيء ، وكان يقول : يا ولدي احذر أن تقول أنا فإن الله يعجز المدعين ، ولو كنت على عمل الثقلين هبطت أو صاحب منزلة سقطت ، وكان يقول : والله لو وجدنا إلى الخلوة سبيلا أو وجدنا إلى الانقطاع عن أعين الناس من سبيل لفعلنا فإن القلب في هذا الزمان متعوب ، والكبد كل وقت يذوب ، فأين الملجأ ، وأين المفر من أهل هذا الزمان زمان كثر فيه القال ، والقيل ولكن الذي بلانا بأهله يدبرنا ، ويعيننا بحوله ، وقوته . وكان يقول : من غفل عن مناقشة نفسه تلف ، وإن لم يسارع إلى المناقشة كشف ، وكان يقول : ما ابتلى الله عز وجل الفقير بأمر إلا وهو يريد أن يرقيه إلى منازل الرجال فإن صبروا كظم الغيظ وحلم ، وعفا وتكزم رقاه إلى الدرجات ، وإلا أوقفه وطرد ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يعصي أحدكم ربه عز وجل ، ويمر على الهوام الضعيفة إلا وتوفى أن الله تعالى يعطيها قوة لتبطش به غيره على جناب الحق تعالى ، ولا يمر على الطيور والوحوش إلا ويستعيذون بالله تعالى من رؤيته ، ولا يرد ماء إلا ويود أن لا يشربه ، ولا يمر في الهواء إلا ، ويود أن لا يكون مر به . وكان يقول : كيف تطلبون أن الله تعالى ينبت لكم الزرع أو يدر لكم الضرع ، وأنتم تسلون السيوف على أحد من هذه الأمة المحمدية ، وتلطخون الحراب من دمائهم ، وكان يقول : إذا صدق الفقير في الإقبال على الله تعالى انقلبت له الأضداد فعاد من كان يبغضه يحبه ، ومن كان يقاطعه يواصله ، ومن كان لا يشتهيه يثني عليه ، ولا يصير يكرهه إلا مجرم أو منافق ، وكان يقول : ما قطع مريد ورده يوما إلا قطع الله عنه الإمداد ذلك اليوم ، واعلم يا ولدي أن طريقتنا هذه طريق تحقيق ، وتصديق ، وجهد ، وعمل ، وتنزه ، وغض بصر وطهارة يد ، وفرج ، ولسان فمن خالف شيئا من أفعالها رفضته الطريق طوعا أو كرها ، وكان رضي الله عنه يقول : يا حامل القرآن لا تفرح بحمله حتى تنظر هل عملت به أم لا فإن الله عز وجل يقول : ' مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ' ، ولا تخرج عن كونك حمارا إلا إن عملت بجميع ما فيه ، ولم يكن منه حرف واحد يشهد عليك ، وكان يقول : يا أولادي كم غروركم لهو كم لعب كم غي كم هوى كم افتراء كم نكدكم غدركم سهوكم نسيان كم غفلة كم زلة كم إجرام كم زوركم فتوركم ، وعظ تسمعون ، ولا تتعظون ما أنتم إلا كالأموات ، وكان يقول : لو فتح الحق تعالى عن قلوبكم أقفال السدد لاطلعتم على ما في القرآن من العجائب ، والحكم ، والمعاني ، والعلوم ، واستغنيتم عن النظر في سواه فإن فيه جميع ما رقم في صفحات الوجود قال تعالى : ' ما فرطنا في الكتاب من شيء ' ' الأنعام 38 ' ومن فهمه الله تعالى في كتابه أعطاه تأويل كل حرف منه ، وما هو ، وما معناه ، وما سبب كل حرف ، وما صفة كل حرف ، وعلم المكتوب من الحروف في العلوي ، والسفلي ، والعرش ، والكرسي ، والسماء ، والماء ، والفلك ، والهواء ، والأرض ، والثرى ، وكان يقول : إذا كان المقتدي بالشرائع والكتاب واقفا بين الأمر ، والنهي كان فتحه حقيقيا حتى يفك به كل مشكل ، ويحل به كل طلسم ، ويعرف به كل مبهم ، وأما إذا كان فتحه حفظ كلام ، وترتيب ، وصف مقامات فذلك ليس بفتح إنما هو حجاب له عن إدراك الإدراك ، وعن مشاهدة علوم الحق وليس من وصف كمن عرف ، وحمل ، ونطق بلسان العرفان ، وكم من حملته العناية حتى شاهد ، ومع ذلك فلو سئل عن وصف المقامات ما وصفها ، ومقصودي لجميع أولادي أن يكونوا ذائقين لا واصفين ، وأن يأخذوا العلوم من معادنها الربانية لا من الصدور ، والطروس فإن القوم إنما تكلموا عما ذاقوا وقلوبهم كانت ملآنة بعطاء الله تعالى ومواهبه ففاضت منها قطرات من ماء الحياة التي فيها فانفجرت علومهم عن عين عين عين عين عن حاصل ماء الحياة ، وأما الوصاف فإنما هو حاك عن حاك غيره ، وعند التخلق ، والفائدة لا يجد نقطة ، ولا ذرة من فوق القوم ، وينادي عليه هذا الذي قنع بالقشور في دار الغرور ، ولقد أدركنا رجالا ، وأحدهم يستحي أن يذكر مقاما لم يصل إليه ، ولو نشر بالمناشير ما وصفه فيا جميع أولادي إذا سألكم أحد عن التصوف مثلا أو عن المعرفة ، والمحبة فلا تجيبوه قط بلسان قالكم حتى يبرز لكم من صدق معاملتكم ما برز للقوم فيكون كلامكم عن حاصل ، وعن محصول فإذا قام أحدكم بالأوامر الدينية ، وصدق في العمل ترجم لسانه بالفوائد التي أثمرت من صدقه ، وكل من ادعى الصدق ، والإخلاص ، ولم يحصل عنده ثمرة الأدب ، والتواضع فهو كاذب ، وعمله رياء ، وسمعة لا يثمر له إلا الكبر ، والعجب ، والنفاق ، وسوء الأخلاق شاء أم أبى . وكان يقول : ليس التصوف لبس الصوف إنما الصوف من بعض شعار التصوف فإن دقيق التصوف رقيق صفاته ، ورونق بهجة ترقيه لا يحصل إلا بالتدريج فإذا وصل الصوفي إلى حقيقة التصوف المعنوي لا يرضى بلبس ما خشن لأنه وصل إلى مقامات اللطافة ، وخرج عن مقامات الرعونة ، وغاد ظاهره الحسي في باطنه الألي ، واجتمع بعد فرقة ، وقذف فيه جذوة نار الاحتراق فعاد الماء يحرقه ، والثلج والبرد يقوي ضرامه ، والقميص الرقيق لا يستطيع حمله للطافة سره ، وزوال كثافته بخلاف المريد في بدايته يلبس الخشن ، ويأكل الخشن ليؤدب نفسه وتخضع لمولاها ، ويحصل لصاحبها تمهيد للمقامات التي يترقى إليها فكلما رق الحجاب ثقلت الثياب ، وكان رضي الله عنه يقول : يا ولد قلبي اجمع همة العزم لتعرف معنى الطريق بالإدراك لا بالوصف ، وكل مقام ، وقفت فيه حجبك عن مولاك ، وكل ما دون الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة ، والتابعين ، وكتابه العزيز باطل ، وذلك لأن الأغراض تورث الأعراض ، وكان رضي الله عنه يقول : يا ولد قلبي تجرد من قالبك إلى قلبك ، والرم الصمت عن الاشتغال بما لا فائدة لك فيه من الجدال ، والنقل ، وزخرف القول ، وصمم العزم ، واركب جواد الطريق ، واحتم حمية قبل الشربة تكون باطنا ، ولا تشرب إلا شرابا يكون فيه محو ، وسكر آه آه ما أحلى هذه الطريق ما أسناها ما أمرها ما أقتلها ما أجلاها ما أحياها ما أصعبها ما أكبدها ما أكثر مصايدها ما أصعب مواردها ما أعجب واردها ما أعمق بحرها ما أكثر أسدها ما أكثر مددها ما أكثر عقاربها ، وحياتها فبالله با أولادي لا تتفرقوا ، واجتمعوا يحمكم الله تعالى من الآفات ببركة أستاذكم ، وكان رضي الله عنه يقول : كيف تطلب ليلى وأنت ليلا ، ونهارا مع عذالها ، ولوامها ، والمنكرين على أهل حضرتها ، والمعترضين عليهم ، والخائنين لعهودهم إنما تبرز ليلى لمن تهتك فيها ، ولم يقبل عذل عذالها ، ولم يسمع لكلام المنكرين على أهل حضرتها ، وليلى لا تحب من يحب سواها أو يخطر في سره محبة لسواها إنما تحب من كان بشرابها ثملان ، ولهان ذهلان غرقان بشوان هيمان حتى لو اجتمع الثقلان على أن يلووا قلبه عنها ، وأن يحلوا عقدة عهدها معه ما استطاعوا فانظر حالك يا ولي ، وكان يقول : يا أولاد قلبي لا تجالسوا أرباب المحال ، وزخرف الأقوال ، ولقلقة اللسان ، وجالسوا من هو مقبل على ربه حتى أخذت منه الطريق ، ودقه التمزيق ، وتفرق عنه كل صديق حتى عاد كالخلال ، وذاب جسمه من تجرع شراب سموم الطريق ، وصار نومه أفضل من عبادة غيره لأنه في نومه في حضرة ربه ، وربما كان العابد في عبادته مع نفسه . وكان رضي الله عنه يقول : عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون فقد أفلح المصدقون ، وخاب المستهزئون فإن الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا بدل ولا صديق ، ولا ولي مما أشا قلت هذا من عندي إنما هو كلام أهل العلم بالله تعالى فما للعاقل إلا التسليم ، وإلا فاتوه وفاتهم ، وحرم فوائدهم ، وخسر الدارين ، وكان رضي الله عنه يقول : علامة المريد الصادق أن يكون سائرا في الطريق ليلا ، ونهارا غدوا ، وأبكارا لا مقيل له ولا هدو . وجواده قد فرغ من اللحم ، وامتلأ من الشجاعة والهم قد شف مطيته السرى ، وأسقمها البرى لا يقيد همته مقيد ، ولا يهوله مهلك ، ولا توجعه ضربات الصوارم ، ولا يشغله شيطان غوى ، ولا مارد جنى كل من خاصمه في محبوبه عاد مخصوصا لا يهدأ ، ولا ينام ، ولا يصحو بل الدهر كله له سرى حتى يدخل خيام ليلى ، ويضع خده على أطناب الخيام فإذا سمع الخطاب بالترحيب من الأحباب انتعش ، وطاب ، وسمع الخطاب بالترحيب من قاب قوسين هناك استراح يا طالما قطعت براري ، وقفارا ، وجبالا ، وبحارا وظلاما ، ونارا يا طول ما تعبت ، وتعنيت ، ويا طول ما رجع غيرك من الطريق ، وجئت فأكرم الله تعالى مثواك ، ولا خيب مسعاك أنت اليوم ضيف عندنا ، ويومنا لا انقضاء له أبد الآبدين ، ودهر الداهرين . وكان يقول : من شأن الفقير أن لا يكون عنده حسد ، ولا غيبة ولا بغى ولا مخادعة ولا مكابرة ولا مماراة ولا ممالقة ولا مكاذبة ولا كبر ولا عجب ولا ترف ولا افتخار ، ولا شطح ولا حظوظ نفس ، ولا تصدر في المجالس ، ولا رؤية نفس على أخيه ، ولا جدال ولا امتحان ، ولا تنقيص ، ولا سوء ظن بأحد من أهل الطريق ، ولا ممن تزيق بالزيق ، ولا يقدح قط في صاحب خرقة إلا إن خالف صريح الكتاب ، والسنة اختيارا ، وكان يقول : من شرط الفقير أن لا يكون عنده التفات إلى مراعاة المخلوقين له في الحرمة ، والجاه ، والقيام ، والقعود ، والقبول ، والإعراض وغير ذلك من الأحوال الظاهرة لأنه لا يراعي إلا الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول : ما دام أنا وأنت فلا حب إنما الحب التمازج ، واختلاط الأرواح بالأجساد وكان يقول : ليس أحد من القوم مبتدعا إنما هم متبعون في الأدب لسيد الأمم ، وقد قال تعالى : ' يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا ' ' النور : 27 ' فلقد كان أحدهم بعد نزولها إذا وقف يقول نعم ثلاث مرات فإن أذن له ، وإلا رجع من حيث أتى وكان يقول : كان السلف يخافون من آفات الاجتماع فلذلك آثروا العزلة إلا في صلاة الجمعة ، وحضور مجالس العلم التي لا رياء فيها ولا جدال ، ولا عجب ، ولا مداراة ، والسلامة من هذه الأمور في زماننا هذا قل أن توجد فعليك بالوحدة بعد معرفة ما أوجب الله تعالى إليك فإنك يا ولدي في القرن السابع الذين أكثرهم يجعلون شريعة السالك قدحا في الشريعة ، وحقيقة المحبة بدعا في الطريق كأنهم ما علموا قط عطاء الله ، ومواهب مدد الله وخوارق عجائبه بل رأوا من سوء حالهم أن باب العطاء قد أغلق فمن اعتقد ذلك فإنما هو معترض على الله تعالى في فعله ، ونعوذ بالله من التعرض فإنه لا بد لأهل حضرته تعالى من التمييز عن المعرضين عنها ليشتاق المعرضون إليها حين يرون الخوارق تقع على يد أوليائه فما أجهل من جهل قدر الفقراء ، وما أعماه أيش يقال في قوم كلهم طالبون الله تعالى أينكر عليهم مسلم ؟ كلا والله . وقيل للجنيد رضي الله عنه إن قوما يتواجدون ، ويتمايلون قال دعهم مع الله تعالى يفرحون ، ولا تنكر إلا على العصيان المصرح به في الشريعة أما هؤلاء القوم فقد قطع الطريق أكبادهم ، ومزق التعب ، والنصب أمعاءهم ، وضاقوا ذرعا فلا حرج عليهم إذا تنفسوا مداواة لحالهم ، ولو ذقت يا أخي مذاقهم لعذرتهم في صياحهم ، وشق ثيابهم فالله يلهم أولادي سلوك سبيل الرشاد إنه سميع مجيب وكان رضي الله عنه يقول : قلة معرفة أخلاق القوم من الحرمان لأن خرق سياج الأدب معهم يؤدي إلى العطب ، والباب مفتوح ما غلق إلا أن القوم واقفون بباب الله والجواب منادمات في الغيب بالغيب وكان رضي الله عنه يقول : أسلم التفسير ما كان مرويا عن السلف وأنكره ما فتح به على القلوب في كل عصر ، ولولا محرك يحرك قلوبنا لما نطقت إلا بما ورد عن السلف فإذا حرك قلوبنا وارد استفتحنا باب ربنا واستأذناه وسألناه الفهم في كلامه فنتكلم في ذلك الوقت بقدر ما يفتحه على قلوبنا فسلموا لنا تسلموا فإننا فخارة فارغة ، والعلم علم الله تعالى . وكان يقول : فيض الربوبية إذا فاض أغنى عن الاجتهاد فإن صاحب الجهد قاصر ما لم يقرأ في لوح المعاني سر عطاء القادر فقد يعطي المولى من يكون قاصرا ما لم يعط أصحاب المحابر ، وليس مطلوب القوم إلا هو فإذا حصلوا على معرفته عرفوا بتعريفه كل شيء من غير تعب ، ولا نصب ثم إذا صحت لهم المعرفة فلا حجاب له بعد ذلك إلا إن خذل نسأل الله السلامة ، وكان يقول : من فني في الفناء بقي في البقاء والفناء من الحجب إلا أن يكون فناء الباطل كما قال : بعضهم أفنى موسى عن موسى حتى عاد هو المتكلم ، وكان رضي الله عنه يقول : من لم يكن عنده شفقة على خلق الله لا يرقى مراقي أهل الله تعالى وقد ورد أن موسى عليه السلام لما رعى الغنم لم يضرب واحدة بعصا منهن ، ولا جوعها ، ولا آذاها فلما علم الله تعالى قوة شفقته على غنمه بعثه الله نبيا وجعله كليما راعيا لبني إسرائيل ، وناجاه فمن أعز الخلق وأشفق عليهم ترقى إلى مراتب الرجال والسلام . وكان رضي الله عنه يقول : والله لو هاجر الناس مهاجرة صحيحة ودخلوا تحت الأوامر لاستغنوا عن الأشياخ ولكن جاءوا إلى الطريق بعلل ، وأمراض فاحتاجوا إلى حكيم ، وكان إذا أخذ العهد على فقير يقول : له يا فلان اسلك طريق النسك على كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج إلى بيت الله الحرام واتباع جميع الأوامر المشروعة ، والأخبار المرضية والاشتغال بطاعة الله تعالى قولا وفعلا ، واعتقادا ، ولا تنظر يا ولدي إلى زخارف الدنيا ، ومطاياها ، وملابسها ، وقماشها ، ورياشها ، وحظوظها ، واتبع نبيك محمدا صلى الله عليه وسلم في أخلاقه فإن لم تستطع فاتبع خلق شيخك فإن نزلت عن ذلك هلكت يا ولدي واعلم أن التوبة ما هي بكتابة درج ورق ، ولا هي كلام من غير عمل إنما التوبة العزم على ارتكاب ما الموت دونه صف أقدامك يا ولدي في حندس الليل البهيم ، ولا تكن ممن يشتغل بالبطالة ، ويزعم أنه من أهل الطريقة ، ومن استهزأ بالأشياء استهزأت به ، والسلام . وجاءه فقير يطلب أن يلبس الخرقة من الشيخ فنظر إليه ، وقال : يا ولدي التلبس في الأمور ما هو جيد لا يصلح لبس الخرقة إلا لمن درسته الأيام ، وقطعته الطريق بجهدها ، وأخلص في معاملته ، وقرأ معاني رموز القوم ونظر في أخبارهم ، وعرف مقصودهم في سائر حركاتهم ، وسكناتهم ، وأسفارهم ، وخلواتهم ، وجلواتهم فإن كنت صادقا فلا تكن مجانا ولا لعابا ، ولا صبي العقل فما الأمر بقول العبد تبت إلى الله تعالى باللفظ دون القلب ، ولا بكتابة الورق والدرج وإنما الأمر توبة العبد عن أن يلحظ الأكوان بعيني قلبه أو يراعي غير مولاه فإذا صح للفقير هذا الأمر فهناك يصلح للرقي في مقامات الرجال ، وكان رضي الله عنه يقول : فوت المبتدي الجوع ، ومطره الدموع ، ووطره الرجوع يصوم حتى يرق ، ويلين ، وتدخل الرقة قلبه ، وتفتح مسامع لبه ويزول الوقر من سمعه فيسمع بأذن ، وقلب كلام القرآن ، ومواعظه ، وأما من أكل ، ونام ، ولغا في الكلام وترخص ، وقال : ليس على فاعل ذلك ملام فإنه لا يجيء منه شيء ، والسلام . وكان رضي الله عنه يقول : ما بنيت طريقتنا هذه إلا على التيار ، والنار ، والبحر الهدار ، والجوع ، والاصفرار ما هي بمشدقتك ، ولا بالفشار دعني فما وجدت من أولادي واحدا اقتفى آثار الرجال ، ولا صلح أن يكون محلا للأسرار فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم من هذا الزمان الغدار . وكان رضي الله عنه يقول : الفقير كالسلطان مهابة ، وكالعبد الذليل تواضعا ومهانة . قلت : وإنما كان كالسلطان لعفته ، وترك إسقاطه نفسه ، وكثرة صفحه وعفوه وكرم نفسه وعدم منته ، وغير ذلك بل هو أحق بالهيبة من السلطان لأنه جليس الحق وربما لا يكون السلطان يصلح لمجالسة الحق لكونه أخذ المرتبة بالسيف أو يكون مبتدعا أو غير ذلك ، والله أعلم . وكان رضي الله عنه يقول : الشيخ حكيم المزيد فإذا لم يعمل المريض بقول الحكيم لا يحصل له شفاء ، وكان يقول : مذ صرفنا هممنا إليه أغنانا عما سواه إنا لا نعرف قط إبليس اللعين ، وكان رضي الله عنه يقول : خلوة الفقير سجادته ، وجلوته سره ، وسريرته ، وكان يقول : يجب على تالي القرآن أن يطهر فمه للتلاوة من اللغط ، والنطق الفاحش ، ولا يأكل إلا حلالا صرفا قوت الوقت من غير سرف فإن أكل حراما أساء الأدب ، ويعطر ثيابه ، وبدنه . وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعطر لذلك حتى كان إذا لمس شيئا يمكث يفوح الطيب منه زمانا ، وكان وبيص المسك يلمع من مفرقه صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : الغيبة فاكهة القراء ، وضيافة الفساق ، وبستان الملوك ، ومراتع النسوان ، ومزابل الأتقياء ، وكان رضي الله عنه يقول : يا ولدي لا تودعن كلامي إلا عند من كان منا وأحب أن يسلك طريقنا ، ولا تلقه إلا لمحب محق يدخل تحت طينا ، وينقاد لنا فإن ذكر الكلام لغير أهله عورة ، وكان يقول : طريقتنا هذه ما هي طريق تمليق بل هي طريق تحقيق ، وصدق ، وتصديق ، وموت ، وكد ، وجهد ، وحزم ، وكدم ، وكسر نفس من غير دعوى ، واتضاع ، وخضوع ، وذلة ، وفراسة ، ورقوم ، وعلوم فيا أولادي إذا عملتم بموعظتي ، وعادت إشارتي كلها فيكم كانت إجازتي مطهرة مكملة بالسر ، والمعنى فإن المقامات ما هي محجوبة عنكم إلا بكم وكان رضي الله عنه يقول : لا يكون الفقير فقيرا حتى يكون حمالا للأذى من جميع الخلائق إكراما لمن هم عبيده سبحانه وتعالى فلا يؤذي من يؤذيه ، ولا يتحدث فيما لا يعنيه ، ولا يشمت بمصيبة ، ولا يذكر أحدا بغيبة ورعا عن المحرمات موقوفا عن الشبهات إذا بلى صبر ، وإذا قدر غفر غضيض الطرف يعمر الأرض بجسده ، والسماء بقلبه طريقه الكظم ، والبذل ، والإيثار ، والعفو ، والصفح ، والاحتمال لكل من يتحدث فيه بما لا يرضيه ، وكان يقول : واغوثاه من أهل هذا الزمان ، والله لو كان في العمر مهلة لسكنت في أكم الجبال ، وبطون أودية الوحوش فإن الرجل الآن بين هؤلاء الناس في أشد جهاد قلوب شاردة وأحوال مائلة ، وشهوات غالبة قد عدموا الصدق في الأحوال ، وكيف يقدر الضعيف على صون الروح من عشرتهم ، والود لهم وغض بصره عن رؤية عوراتهم ليلا ، ونهارا ، ويصبر معهم على كل فتنة وشهوة وأذى من غير أن يقابلهم بمثله هذا لا يطيقه إلا الصالحون ، وكان رضي الله عنه يقول : كم من واقف في الماء وهو عطشان لهفان أعني إذا لم يحصل له الصدق في طلب مولاه بل عبد ربه على علة فاعملوا بالإخلاص لترووا من ظمأ العطش فإن طريق الله تعالى لا تنال إلا بقتل الأنفس وذبحها بسيف المجاهدة ، والمخالفة . وكان يقول : كيف يدعي أحدكم أنه مريد طريق الله تعالى ، وهو ينام وقت الغنائم ووقت فتوح الخزائن ووقت نشر العلوم ، وإشهار الرقوم ، ووقته تجلي الحي القيوم يا كذابون ما تستحيون من الدعاوي الكاذبة ، وهممكم راقدة ، وعزائمكم خامدة ما هكذا درج أهل الطريق فالله تعالى يلهم جميع أولادي طريق الفلاح آمين . وكان يقول : ليس الزهد خروج العبد عن الشيء إنما الزهد أن يكون داخلا في إمارته أو صنعته ، وقلبه خارج حائل ذاكر فاكر حائر مجاهد مرابط مخمول الذكر مشتغلا بذكر الله عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : يا أولادي قلبي عليكم بشراب القهوة القرقفية واستعمالها فوعزته ، وجلاله من صدق منكم ، وأخلص لا يمس أحدا إلا نبعت فيه الحكمة ، وحصل عنده الشراب ، والسكر عن هذه الدار يا أولادي الدنيا كحلقة بين أعين أهل التمكين قوم يمشون إلى الأقطاب ، وقوم تأتي إليهم الأقطاب لا أحب من أولادي إلا من أراه يترقى في كل ساعة من مقام إلى مقام فهناك تقر عيني ، وهناك يصير ينتفع به يا ولدي إن أردت أن يسمع دعاؤك فاحفظ لسانك عن الكلام في الناس وعن تناول الشبهات يا ولدي إن شككت في قولي فاعمل بما أقول لك ، وجرب نفسك شيئا بعد شيء تعرف صدق قولي فمن ثبت ثبت ، ومن أطاع أطيع فإذا أطعت مولاك أطاع لك الماء ، والنار ، والهواء والخطوة ، والإنس ، والجن . وكان رضي الله عنه يقول : لا تفيد الخلوة إلا إن كانت بإشارة شيخ ، وإلا ففسادها أكثر من صلاحها ، وكان يقول : لا يحق لك أن تأمر غيرك إلا إن كانت الشريعة تزكيك بوقوفك على حدودها ، وكان يقول : الجسد ثلاثة أقسام قلب ، ولسان ، وأعضاء فاللسان ، والأعضاء ، وكل بهما ملائكة ، والقلب تولاه الله تعالى ، وجاءه رجل فقال : أريد أن أسلك طريق الحقيقة فقال يا ولدي الزم أولا طريق النسك على كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المرضية الزاهرة الباهرة التي نورها جلا الظلم ، وأنار بطاح مكة ، والمدينة والشام ومصر والعراق واليمن والمشرق والمغرب والأفق العلوي والسفلي ، فإذا عملت بها انقدح لك منها علم الحقائق ، والأسرار فاسلك يا أخي كما قلت لك على التدريج شيئا بعد شيء ، والله يحفظك إن صدقت ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ثم عمل أزكى ولا أنور ، ولا أكثر فائدة من علم أهل الله عز وجل فإن الذرة منه ترجح على جبال من عمل غيرهم لخلوه من العلل ، وأيضا فإن عمل القوم بقلوبهم ، وأبدانهم ، وعمل غيرهم بأبدانهم دون قلوبهم ولذلك لا يزدادون بكثرة الطاعات إلا كبرا وعجبا ، وكان يقول : لو خشع قلبك يا ولدي في صلاتك لاختلط عقلك ، وذهب لبك ، ولم تقدر أن تقرأ سورة واحدة من كتاب الله تعالى في تلك الحضرة فإن موسى عليه السلام خر صعقا يتخبط كانير المذبوح حين تجلى له مقدار جزء واحد من تسعة وتسعين جزءا من سم الخياط . وهذا التجلي واقع لكل مصل لو عقل كما عقل موسى عليه السلام ، وكان يقول : أهل الشريعة يبطلون الصلاة باللحن الفاحش ، وأهل الحقيقة يبطلون الصلاة بالخلق الفاحش فإذا كان في باطنه حقد أو حسد أو سوء ظن بأحد أو محبة للدنيا فصلاته باطلة لأن أهل هذه الأخلاق في حجاب عن شهود عظمة الله تعالى في الصلاة ، ومن كان قلبه محجوبا فما صلى لأن الصلاة صلة بالله تعالى . وكان رضي الله عنه يقول : يا ولد قلبي تجنب معاشرة أولي الأقوال ، والجدال ، ولا تتخذ أحدا منهم صاحبا ، وجالس من جمع بين الشريعة ، والحقيقة فإنه أعون لك على سلوكك ، وكان رضي الله عنه يقول : إن كنت ولدي حقا ، ومتبعي صدقا فأخلص الرق لله تعالى ، واجعل وعظك من قلبك ، وكن عمالا ولا عمالا ، ولا تلتمس لأحد درهما فإن هذه طريقي ، ومن أحبني سلك معي فيها فإن الفقير الصادق هو الذي يطعم ، ولا يطعم ، ويعطي ولا يعطى ، ولا يلتمس الدنيا ، ولا شيئا من عروضها فإن الرشا في الطريق حرام ، وشيخكم قد بايع الله تعالى أن لا يأخذ لأحد فلسا ، ولا درهما وإنما آمركم بذلك لله لا لغرض ولا لأمر دنيوي ولا لأثاث ، وليس دعوى إنما المراد سلامة الذمة من الخلل في نصح الإخوان . واعلموا يا جميع أولادي أن من استحسن في طريقي أخذ شيء حين لعب به هواه ، وسولت له نفسه فقد خرج عن طريق شيخه ، يا أولادي أوساخ الدنيا تسود القلوب ، وتوقف المطلوب ، وتكتب بها الذنوب وإني غير راض عمن أخذ في إجازة فلسا واحدا ، ومن طلب الدنيا بألباس الفقراء الخرقة مقته الله تعالى ، ولو ذهب إلى أعمال الدنيا ، واحترف لنفسه ، وعياله كان خيرا له ، وطريقي إنما هي طريق تحقيق ، وتصديق وتمزيق وتدقيق ، وإني أبرأ إلى الله تعالى ممن يأخذ على الطريق عرضا من الدنيا ، ويتلف طريقي من بعدي ويأكل الدنيا بالدين ، ويخالف ما كنت عليه أنا ، وأصحابي اللهم إن كان هؤلاء الأصحاب خلفي يفعلون خلاف طريقتي فلا تهلكني بذنوبهم إن الله لا يحب الفقير الذي يبيع سره أو يأكل عليه لقمة . وكان رضي الله عنه يقول : أحب يا ولدي أن تكون متنكسا لا تحيد خاشعا خاضعا حمالا لكل هول سكران من حب مولاه لا التفات له إلى زوجة ، ولا إلى ولد ، ولا أخ ، ولا صاحب ، ولا وظيفة دنيوية ولا يلتفت لسوى مولاه ، وكان يقول : يا ولدي إن صح عهدك معي فأنا منك قريب غير بعيد ، وأنا في فإنك وأنا في سمعك ، وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك الظاهرة ، والباطنة وإن لم يصح لك عهد لا تشهد مني إلا البعد ، وكان رضي الله عنه يقول : ما أرضى اللعب لأحد من خلق الله تعالى فكيف أرضاه لأحد من أولادي فإذا أخذت يا ولدي وصيتي بالقبول وجهدت في سرك ، وراقبته سمعت كلام شيخك لو كنت بالمشرق ، وهو بالمغرب ، ورأيت شبح شخصه فمهما ورد عليك من مشكلات سرك أو شيء تستخير فيه ربك أو أحد يقصدك بأذى أو غير ذلك فوجه شيخك وصف سرك وأطبق عين حسك وافتح عين قلبك فإنك ترى شيخك وتستشيره في جميع أمورك وتطلب منه حاجتك فمهما قال لك فاقبله منه وامتثله ، وكان رضي الله عنه يقول : يا ولدي إذا كنت تصوم الدهر ، وتقوم الليل ولك سريرة طاهرة ومعاملة خالصة فلا تدع ، وتقل إلا أنك عاص مفلس لا غير واحذر من غرور النفس ، وزورها فكم تلف من ذلك فقير ، وكان رضي الله عنه يقول : إن كنت تطلب أن تكون من أولادي فقم قياما دائما وجاهد جهادا ملازما ، ولا تمل ، ولا تول ، ولا ترخص لنفسك في ترك الاشتغال بالعبادة في حجة خوف الملل فإن الناقد بصير ، والنفس من شأنها التلبيس على صاحبها . وكان يقول : ليس من تزيا بزي القوم ينفعه زيه أو درجه أو خرقته فإن هذه أمور ظاهرة ، والقوم إنما عملهم جواني إذ بذلك يرقون إلى مراقي درجة الرجال ، وما رأينا أحد لبس جبة أو كتب له إجازة فبلغ مبلغ الرجال بذلك قط بل فعل ذلك يوقف المزيد عن طلب المزيد ، والأمر ليس له قرار ، وكان يقول : يا أولادي إذا طلبتم أن تغتابوا أحدا فاغتابوا والديكم فإنهما أحق بحسناتكم من غيرهما ، وكان يقول : إن الله تعالى يطلع على قلوب عباده في اليوم والليلة اثنتين وسبعين مرة فنظفوا يا أولادي محل نظر ربكم واجعلوه طاهرا مطهرا حسنا نقيا زاهرا نيرا صادقا خالصا لترتع في رياض القرب ، ويظهر فيها النور فإن الإناء إن لم يكن شفافا لا يظهر للفتيلة فيه نور ، وكان يقول : يا ولدي انقش على صحيفة صفحة لوح خدك توراة درسك ، وإنجيل فهمك ، ومزامير ذكرك ، وزبور صفاتك ، وفرقان تفريقك ، ومجموع جمعك ، واشتغل بأفنان حضورك ومراقبة رقيبك ، واشتغل بنفسك عن القيل ، والقال ، ولا تلتفت قط إلى صحبة من يتكرم بضياع أوقاته أو أنفاسه في الغفلات فإن صحبته هلاك لك ، وكان رضي الله عنه يقول : يا ولدي صحح عزمات عزمك ، واترك تخيلات ، وهمك ، ولج بحر الحقائق ، وسلم الأمر لله ، واقتد ، واقتف أوامر شيخك ، وألق عصاك ، ولا تطلب خبر نفسك من غيرك بل اعمل حتى تنكشف لك حقائقك من عرف نفسه عرف ربه ، وكان يقول : إذا عمل الفقير على نسق الاتباع الشرعي تروحنت نفسه ، وصارت روحانية لطيفة نورانية تجول جولان السر ، والقلب ، والمعنى ، ومعنى قولنا نسق الإتباع الشرعي نحو قوله تعالى : ' يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ' ' الحج : 77 ' وكان رضي الله عنه يقول : يجب على المريد أن يطهر أعضاءه عن الغفلات والفتور عن ذكر الله كما يجب تطهيرها عن المعاصي من باب : ' حسنات الأبرار سيئات المقربين ' وكان يقول : لا ينبغي لحامل القرآن العظيم أن يدنس فمه بكلام حرام ولا أكل حرام في عرض مؤمن ، ولا مؤمنة قال تعالى : ' إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ' ' النور : 23 ' الآية ، ومثال من ينطق بالقرآن العظيم مع تدنس فمه بشيبة أو نميمة أو بهتان مثال من وضع المصحف في قاذورة ، وقد قال : العلماء بكفره ، وكان يقول : يا أولادي لا يسر أحدكم سريرة سيئة فإن الله تعالى سيظهر ما كنتم تكتمون ، وما كنتم تخفون ، وما كنتم تستترون ، وينادي عليكم بالصريح ، والتوبيخ فلان عمل كذا وكذا ، وكان يستتر من الناس ، ولا يستتر من الله تعالى فلان كان يرتكب المحارم ، والقبائح ، ويظهر للناس الصلاح زورا ، وبهتانا فلان كان يطلق بصره إلى النساء ، ويدعي أنها نظرة فجأة ، وهو يعطف طرفه ، ويميل كأنه لص سارق فيا فضيحة من تزيا بزي الفقراء ، وخالف طريقهم فيا أولادي جميعكم إنما كلامي مواعظ وتذكير ، وتحذير ، وترغيب لمن يتأدب وكان رضي الله عنه يقول : يا أولادي لا تصحبوا غير شيخكم ، واصبروا على جفاه فإنه ربما امتحنكم ليريد بكم الخير ، وأن تكونوا محلا لأسراره ، ومطلعا لأنواره ليرقيكم بذلك إلى معرفة الله عز وجل فمن أشغل قلبه بمحبة شيخه رقاه الله عز وجل ، ولولا أن الشيخ سلم لترقية المريدين لمقت الله تعالى كل قلب ، وجد فيه محبة لسواه فإن الله تعالى غيور ، وكان يقول : يا أولاد قلبي إن أردتم أن تنادوا يوم المنة بيا أيتها النفس المطمئنة فليكن طعامكم الذكر ، وقولكم الفكر ، وخلوتكم الأنس ، واشتغالكم بالله تعالى لا خوف عقاب ، ولا رجاء ثواب ، ولا بد لكل من معلم ، ونحن ننتظر من فيض ما أفاض الله علينا ، ولا نعرف غير طريق ربنا . ثم علم مكسوب من الكتب ، وعلم موهوب من قبل ربنا ، وكان يقول : المراقب لا يتفرغ لطلب المكاسب ، وكل من ادعى الحب ، ولم يفنه الحب فهو لا شيء . وكان يقول : إذا تجلى عروس الكلام في رتبة الإلهام طلعت شموس المعارف ، وتجلى البدر المنير في الليل البهيم فهم سكرى الظواهر صحوى البواطن ، والضمائر إذا جن عليهم الليل باتوا قائمين فإذا ذهب عليهم نسيم السحر مالوا مستغفرين فلما رجعوا عند الفجر بالأجر نادى منادي الهجر يا خيبة النائمين ، وكان يقول : من لم ينخلع من طوره ويخرج عن نفسه ، ويأتي هو بلا هو لا يجد عند ذلك هو وقد بالغت لكم جهدي في النصح فإن اتبعتم أفلحتم ، وكان يقول : يا ولدي البس قميص الفقر النظيف الظريف ، ما الأمر بلبس الثياب ، ولا بسكنى القباب ، والخانقات ، ولا بالزاويات ، ولا بلبس العبايات ، ولا بلبس القباء الأزرق ، ولا حف الشوارب ولا بلبس الصوف ، ولا بالنعل المخصوف إنما الفقر أن تخلص عملك كله في قلبك وتلبس ثوب صدق عزمك ، وتحتزم بحزام إيمانك فإذا كان عملك كله في قلبك كان فائدة ، وربحا وأضرم نار القلب ، واحترق الحشا ، وامتلأ القلب خوفا من الله تعالى ومحبة له فما رقيق الثياب حينئذ ، وما خشنها فإذا قويت في القلب الأنوار لم يطق صاحبه حمل ثوب رقيق ، ولا إزار . قلت : وهذا سبب ترك بعض القوم لبس الثياب من مجاذيب ، وصحاة ، والله أعلم . قال الشيخ رضي الله عنه : فإن تهتك هذا فلا يلام ، وإن صاح أو باح فقد حل عنه الملام ، وإن رش عليه الماء في ليالي الأربعينيات فلا يزيده إلا ضراما ، وكل شيء نزل باطنه من الطعام ، والماء نار واستنار فيا أولادي الفقراء كلهم عندي ملاح فليكونوا عندكم كذلك فاحذروا الإنكار ، وكان رضي الله عنه يقول : خاص الخاص من أهل الخصوصية جعلوا زواياهم قلوبهم ، ولبسهم تقواهم وخوفهم من ربهم ومولاهم قد رفضوا الكرامات ولم يرضوا بها وخرجوا عنها لعلمهم أنها من ثمرة أعمالهم فلم يطيروا في الهواء ولم يمشوا على ماء ، ولم تسخر لهم الهوام ، ولم تبصبص لهم الأسود ولم يضربوا رجلهم بالأرض فتنفجر ماء ، ولا مسوا أجذم ، ولا أبرص فبرئ ، ولا غير ذلك فخرجوا من الدنيا وأجورهم موفورة رضي الله عنهم أجمعين . وكان رضي الله عنه يقول : يا أولادي عمركم في انتهاب وأجلكم في اقتراب ، وقد طويت الدنيا ، وجثا أولها عند آخرها فالسعادة كل السعادة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم مضمخة معنبرة ممسكة معطرة بأعماله الزكية ، وشيمه المرضية ، والشقاوة كل الشقاوة لمن طوى منكم صحيفته كل يوم على زلات ، وقبائح عظيمات يا أولادي كأنكم بالساهرة ، وقد مدت وبالجبال ، وقد دكت ، وبالحجارة ، وقد صاحت ، وبالحصى ، وهو يقطر دما فبادروا ، واعملوا ، ولا تسرفوا تندموا . هذه وصيتي لكم ، وهديتي إليكم ، وكان يقول : إنما قالوا حسنات الأبرار سيئات المقربين لأن المقرب يراعي الخطرات ، واللحظات ، ويعد ذلك من الهفوات ، ويفتش على هواجس النفوس ، ويراقب خروج أنفاسه ، ويخاف من حسناته كما يخاف المذنب من سيئاته ، والأبرار لا يقدرون على هذا الحال وأيضا فالمقرب لا يقول : عند شرابه أواه ، ولا ما أحلاه ، ولا يصفق بكف ، ولا يصرخ ، ولا يشق ، ولا يضرب برأسه الحجر ، ولا يهيم ، ولا يمشي على الماء ، ولا يقفز في الهواء فلما لم يقع منه شيء من ذلك أثبته أهل الطريق ، ونفوا من فعل ذلك لقلة ثبوته على الواردات مع أنهم سلموا له حاله لغلبته عليه وجعلوا حسناته سيئات مع أن المقربين ليس لهم سيئات إنما هي محاسبات عاليات نفيسات ، وكان يقول : كيف يدعي أحدكم أنه من الصالحين ، وهو يقع في الأفعال الردية ، ويكل طعام المساكين وأهل الرشا ، والربا ، والظلمة ، وأعوانهم ، وكيف يدعي أنه هن الصالحين ، وهو يقع في الكذب ، والغيبة والوقيعة في الناس ، وفي أعراضهم ، وكيف يطلب أن يكتب عند الله صادقا أو وليا أو حبيبا أو زكيا أو رضيا ، وهو يقع في شيء من المناهي ولعمري هذا الآن لم يتب فكيف يدعي الطريق أو يتوب غيره وكان يقول : إن أردت يا ولدي أن تفهم أسرار القرآن العظيم فاقتل نفس دعواك ، واذبح شبح قولك واطرح نفس نفسيتك تحت قدم أقدامك ، وعفر خديك على الثرى ، واشهد أن نفسك قبضة من تراب ، واعترف بكثرة ذنوبك ، وخف أن يرد عليك عبادتك ، وقل يا ترى مثلي يقبل منه عمل فإذا كنت على هذا الوصف فيرجى لك أن تشم رائحة من معاني كلام ربك ، وإلا فباب الفهم عنك مغلق وعزة ربي إن كل حرف من القرآن العظيم يعجز عن تفسيره الثقلان ، ولو اجتمع الخلق كلهم أن يعلموا معنى ' ب ' بعقولهم لعجزوا ، وما لأحد من ذات نفسه شيء قل ، ولا جل ، وإن لم يكن الله تعالى يعلم العبد ، وإلا فهو عائم في البحر مزكوم محجوب لا شم ، ولا لم ، ولا علم ، ولا حس ، ومن لم يذق مقام القوم ، ويرى ، ويشاهد لم يحسن أن يصف بحر الإقرار له أو يترجم عن ساحل لا آخر له أو يعوم في قعر التخوم أو يصل إلى النون أو يدرك معاني السر المصون ، وأما إذا أعطى عبده لحم ذلك فلا مانع ، وكان رضي الله عنه يقول : شراب القوم لا يشربه من في قلبه عكر دنس ، ولا بقايا غلس ولا حظوظ نفسانه ، ولا دعاوى شيطانية ، ولا كبر ترف ، ولا نفس ثائرة . وكان رضي الله عنه يقول : كم من علم يسمعه من لا يفهمه فيتلفه ، ولذلك أخذت العهود على العلماء أن لا يودعوا العلم إلا عند من له عقل عاقل ، وفهم ثاقب ، وكان يقول : الصحيح من قول العلماء أن العقل في القلب لحديث ' إن في الجسد مضغة ' ، ولكن إذا فكرت في كنه العقل ، وجدت الرأس يدبر أمر الدنيا ، ووجدت القلب يدبر أمر الآخرة فمن جاهد شاهد ، ومن رقد تباعد ، وكان يقول : ليس أحدهم يقدم في الطريق بكبر سنه ، وتقادم عهده إنما يقدم بفتحه ، ومع هذا فمن فتح عليه منكم فلا يرى نفسه على من لم يفتح عليه ، وتأمل يا ولدي إبليس اللعين لما رأى نفسه على آدم عليه السلام ، وقال : أنا أقدم منه ، وأكثر عبادة ونورا كيف لعنه الله تعالى ، وطرده ، وكان يقول : يجب على حامل القرآن أن لا يملأ جوفه حراما ولا يلبس حراما فإن فعل ذلك لعنه القرآن من جوفه ، وقال : لعنة الله على من لم يجل كلام الله تعالى وكان يقول : من أحب أن يكون ولدي فليحبس نفسه في قمقم الشريعة ، وليختم عليها بخاتم الحقيقة وليقتلها بسيف المجاهدة ، وتجرع المرارات ، ومن رأى أن له عملا سقط من عين ربه ، وحرم من ملاحظته وكان يقول : العارف يرى حسناته ذنوبا ، ولو آخذه الله تعالى بتقصيره فيها لكان عدلا ، وكان يقول : يا أولادي اطلبوا العلم ولا تقفوا ، ولا تسأموا فإن الله تعالى قال لسيد المرسلين : ' وقل رب زدني علما ' فكيف بنا ، ونحن مساكين في أضعف حال ، وآخر زمان ، وسبب طلب الزيادة من العلم إنما هي للأدب يعني اطلب الزيادة من العلم لتزداد معي أدبا على أدبك ، وما قدروا الله حق قدره ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا ألبس مريدا الخرقة اعلم يا ولدي أن صحة هذه الطريق ، وقاعدتها ، ومجلاها ، ومحكمها الجوع فإن أردت السعادة فعليك بالجوع ، ولا تأكل إلا على فاقة فإن الجوع يغسل من الجسد موضع إبليس فيا ولدي تريد شربة بلا حمية هذا لا يكون وكان يقول : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بواطنكم بنور الله تعالى فيجد فيها ما يسخط الله تعالى فإن أحببت يا ولدي أن تسمع ، وتبصر ، وتعقل فع في باطنك الفوائد ، ولا تقنع ببوس اليد ، إلا بالرياسة ، ولا يكمل الفقير إلا إن تكلم بمعاني الحقيقة ذوقا لا نقلا وفعلا لا قولا ، وتحلى في باطنه بحلية الاصطفاء بالسر ، والمعنى فتغنى ، وتكلم بالحكم ، ونطق بالمعجم ، وبالسر المتكم ، واطلع ، وحقق فما ينطق إلا صدقا ، ولا يتكلم إلا حقا ، وعند ذلك يصح له أن يدعو الخلق إلى الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول : يا ولد قلبي كن على حذر من الدخلاء والدخيل السوء ، وإن عاينت من أخيك عنفا أو حسدا فعاشره بالمعروف . واحفظ نفسك عنه ، وأما صديقك فإن صدقك فاحفظه ، وما للمرء يا ولدي إلا أن يكون على حذر من جميع البشر فإنا في آخر زمان ، وقد قل النصح حتى لا تكاد تنظر ناصحا ، وعاد من توليه سرورا يوليك نكدا ، وشرورا ، ومن ترفعه يسعى أن يضعك ومن لم تحسن إليه يسيء إليك بل ثم من تحسن إليه يسيء إليك ، ومن تشفق عليه يود لو على الرماح رماك أو على الشوك داسك ، ومن تنفعه يضرك ، ومن توليه معروفا يوليك جفاء ، ومن تصله يقطعك ومن تطعمه يحرمك ، ومن تقدمه إن استطاع أخرك ، ومن تربيه يقول : أنا الذي ربيتك ، ومن تخلص له يغشك ، ومن تهش له يكش فوا عجبا للدنيا ، ولأهلها ، وإذا كان النفاق داخلا في أيام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكيف يخلو في قرن سابع فاستعمل يا ولدي الوحدة عن أهل السوء والكسب من أهل الخير ، وإن استطعت أن لا تصحب من تتعب في صحبته فافعل فإنك إن صحبته ندمت على صحبته ، وقد نصحتك يا ولدي ، وأما أهل التمكين في هذا الزمان فقد تركوا أخلاق الأراذل من الناس ، وغفروا لهم أفعالهم ، وغضوا أبصارهم عن نقائصهم وصموا آذانهم عن سماع أقوالهم وتركوا الكل لله وطلبوا من الله تعالى لأهل هذا الزمان عفوا شاملا ، وقابلوا سيئاتهم بالحسنات ومضراتهم بالمسرات والمبرات . قلت : ويشهد لأهل التمكين قوله صلى الله عليه وسلم ' ومن لا يمالئكم فبيعوه ولا تعذبوا خلق الله ' . وفيما فعله أهل التمكين دليل لغلق باب السلوك في هذا الزمان من باب أولى لأن معالجة أهله تشغل الفقير عن مهمات نفسه من غير ثمرة كما هو مشاهد ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : المريد مع شيخه على صورة الميت لا حركة ولا كلام ، ولا يقدر أن يتحدث بين يديه إلا بإذنه ، ولا يعمل شيئا إلا بإذنه من زواج أو سفر أو خروج أو دخول أو عزلة أو مخالطة أو اشتغال بعلم أو قرآن أو ذكر أو خدمة في الزاوية أو غير ذلك هكذا كانت طريق السلف ، والخلف مع أشياخهم فإن الشيخ هو والد السر ، ويجب على الولد عدم العقوق لوالده ، ولا نعرف للعقوق ضابطا نضبطه به إنما الأمر عام في سائر الأحوال وما جعلوه إلا كالميت بين يدي الغاسل فعليك يا ولدي بطاعة والدك ، وقدمه على والد الجسم فإن والد السر أنفع من والد الظهر لأنه يأخذ الولد قطعة حديد جامد فيسبكه ، ويذيبه ، ويقطره ، ويلقي عليه من سر الصنعة سرا فيجعله ذهبا إبريزا فاسمع يا ولدي تنتفع ، وكثير من الفقراء صحبوا أشياخهم حتى ماتوا ، ولم ينتفعوا لعدم الأدب ، وبعضهم مقتوا آه من صدود الرجال ، ومن صحبة الأضداد ، ومن سماع المريد للمحال وكان رضي الله عنه يقول : أنا موسى عليه السلام في مناجاته أنا علي رضي الله عنه في حملاته أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي ألبس منهم من شئت أنا في السماء شاهدت ربي ، وعلى الكرسي خاطبته أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها من زارني أسكنته جنة الفردوس ، واعلم يا ولدي أن أولياء الله تعالى الذين لا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون متصلون بالله ، وما كان ولي متصلا بالله تعالى إلا ، وهو يناجي ربه كما كان موسى عليه السلام يناجي ربه ، وما من ولي إلا ، ويحمل على الكفار كما كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يحمل ، وقد كنت أنا أولياء الله تعالى أشياخا في الأزل بين يدي قديم الأزل ، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن الله عز وجل خلقني من نور رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أخلع على جميع الأولياء بيدي ، فخلعت عليهم بيدي ، وقال : لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا إبراهيم أنت نقيب عليهم فكنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخي عبد القادر خلفي ، وابن الرفاعي خلف عبد القادر ثم التفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : لي يا إبراهيم سر إلى مالك وقل : له يغلق النيران . وسر إلى رضوان ، وقل له يفتح الجنان ففعل مالك ما أمر به ورضوان ما أمر به وأطال في معاني هذا الكلام ثم قال : رضي الله عنه ، وما يعلم ما قلته إلا من انخلع من كثافة حجبه ، وصار مروحنا كالملائكة . قلت : وهذا الكلام من مقام الاستطالة تعطي الرتبة صاحبها أن ينطق بما ينطق وقد سبقه إلى نحو ذلك الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه ، وغيره فلا ينبغي مخالفته إلا بنص صريح والسلام . وهو إبراهيم بن أبي المجد بن قريش بن محمد بن أبي النجاء بن زين العابدين بن عبد الخالق بن محمد بن أبي الطيب بن عبد الله الكاتم بن عبد الخالق بن أبي القاسم بن جعفر الزكي بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي الزاهد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي رضي الله عنهم أجمعين . تفقه على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه ثم اقتفى آثار السادة الصوفية ، وجلس في مرتبة الشيخوخة وحمل الراية البيضاء ، وعاش من العمر ثلاثا وأربعين سنة ، ولم يغفل قط عن المجاهدة للنفس ، والهوى ، والشيطان حتى مات سنة ست وسبعين وستمائة رضي الله تعالى عنه . ومن نظمه رضي الله تعالى عنه ورحمه : سقاني محبوبي بكأس المحبة . . . فتهت عن العشاق سكرا بخلوتي ولاح لنا نور الجلالة لو أضا . . . لصم الجبال الراسيات لدكت وكنت أنا الساقي لمن كان حاضرا . . . أطوف عليهم كرة بعد كرة ونادمني سرا بسر وحكمة . . . وإن رسول الله شيخي وقدوتي وعاهدني عهدا حفظت لعهده . . . وعشت وثيقا صادقا بمحبتي وحكمي في سائر الأرض كلها . . . وفي الجن ، والأشباح ، والمردية وفي أرض صين الصين ، والشرق كلها . . . لأقصى بلاد الله صحت ولايتي أنا الحرف لا أقرأ لكل مناظر . . . وكل الورى من أمر ربي رعيتي وكم عالم قد جاءنا ، وهو منكر . . . فصار بفضل الله من أهل خرقتي وما قلت هذا القول : فخرا ، وإنما . . . أتى الإذن كي لا يجهلون طريقتي وله أيضا عفا الله عنا به : تجلى لي المحبوب في كل وجهة . . . فشاهدته في كل معنى وصورة وخاطبني مني بكشف سرائري . . . فقال أتدري من أنا قلت منيتي فأنت مناي بل أنا أنت دائما . . . إذا كنت أنت اليوم عين حقيقتي فقال : كذاك الأمر لكنه إذا . . . تعينت الأشياء كنت كنسختي فأوصلت ذاتي باتحادي بذاته . . . بغير حلول بل بتحقيق نسبتي فصرت فناء في بقاء مؤبد . . . لذات بديمومة سر مدية وغيبني عني فأصبحت سائلا . . . لذاتي عن ذاتي لشغلي بغيبتي وأنظر في مرآة ذاتي مشاهدا . . . لذاتي بذاتي ، وهي غاية بغيتي فأغدوا ، وأمري بين أمرين واقف . . . علومي تمحوني ، ووهمي مثبتي خبأت له في جنة القلب منزلا . . . ترفع عن دعد وهند وعلوة أنا ذلك القطب المبارك أمره . . . فإق مدار الكل من حول ذروتي أنا شمس إشراق العقول ، ولم أفل . . . ولا غبت إلا عن قلوب عمية يروني في المرآة ، وهي صدية . . . وليس يروني بالمرآة الصقيلة وبي قامت الأنباء في كل أمة . . . بمختلف الآراء ، والكل أمتي ولا جامع إلا ، ولي فيه منبر . . . وفي حضرة المختار فزت ببغيتي وما شهدت عيني سوى عين ذاتها . . . وإن سواها لا يلم بفكرتي بذاتي تقوم الذات في كل ذروة . . . أجدد فيها حلة بعد حلة فليلى وهند والرباب ، وزينب . . . وعلوى ، وسلمى بعدها ، وبثينة عبارات أسماء بغير حقيقة . . . وما لوحوا بالقصد إلا لصورتي نعم نشأتي في الحب من قبل آدم . . . وسرى في الأكوان من قبل نشأتي أنا كنت في العلياء مع نور أحمد . . . على الحرة البيضاء في خلويتي أنا كنت في رؤيا الذبيح فداءه . . . بلطف عنايات ، وعين حقيقة أنت كنت مع إدريس لما أتى العلا . . . وأسكن في الفردوس أنعم بقعة أنا كنت مع عيسى على المهد ناطقا . . . وأعطيت داودا حلاوة نغمة أنا كنت مع نوح بما شهد الورى . . . بحارا ، وطوفانا على كف قدرة أنا القطب شيخ الوقت في كل حالة . . . أنا العبد إبراهيم شيخ الطريقة قلت : وجميع ما فيه استطالة من هذه الأبيات إنما هو بلسان الأرواح ، ولا يعرفه إلا من شهد صدور الأرواح من أين جاءت ، وإلى أين تذهب ، وكونها كالعضو الواحد من المؤمن إذا اشتكى فيه ألما تداعى له سائر الجسد ، وذلك خاص بالكامل المحمدي لا يعرفه غيره . وقد كان سهل بن عبد الله التستري رضي الله عنه يقول : أعرف تلامذتي من يوم ألست بربكم ، وأعرف من كان في ذلك الموقف عن يميني ومن كان عن شمالي ، ولم أزل من ذلك اليوم أربي تلامذتي ، وهم في الأصلاب لم يحجبوا عني إلى وقتي هذا ، ونقله ابن العربي رضي الله عنه في الفتوحات . وكان رضي الله عنه يقول : أشهدني الله تعالى ما في العلى ، وأنا ابن ست سنين ، ونظرت في اللوح المحفوظ ، وأنا ابن ثمان سنين ، وفككت طلسم السماء ، وأنا ابن تسع سنين ، ورأيت في السبع المثاني حرفا معجما حار فيه الجن ، والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته ، وحركت ما سكن ، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة ، والحمد لله رب العالمين . هذا ما لخصته من كتاب الجواهر له رضي الله عنه ، وهو مجلد ضخم . ومنهم السيد الحسيب النسيب أبو العباس سيدي أحمد البدوي الشريف رضي الله تعالى عنه وشهرته في جميع أقطار الأرض تغني عن تعريفه ، ولكن نذكر جملة من أحواله تبركا به فنقول : وبالله التوفيق : مولده رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدينة فاس بالمغرب لأن أجداده انتقلوا أيام الحجاج إليها حين أكثر القتل في الشرفاء فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلا يقول : له في منامه يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأنا ، وكان ذلك سنة ثلاث ، وستمائة قال : الشريف حسن أخو سيدي أحمد رضي الله عنه فما زلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيتلقوننا بالترحيب ، والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة في أربع سنين فتلقانا شرفاء مكة كلهم ، وأكرمونا ، ومكثنا عندهم في أرغد عيش حتى توفي والدنا سنة سبع ، وعشرين وستمائة ، ودفن بباب المعلاة ، وقبره هناك ظاهر يزار في زاوية قال : الشريف حسن فأقمت أنا ، وأخوتي وكان أحمد أصغرنا سنا ، وأشجعنا قلبا . وكان من كثرة ما يتلثم لقبناه بالبدوي فأقرأته القرآن في المكتب مع ولدي الحسين ، ولم يكن في فرسان مكة أشجع منه ، وكانوا يسمونه في مكة العطاب فلما حدث عليه حادث الوله تغيرت أحواله ، واعتزل عن الناس ، ولازم الصمت فكان لا يكلم الناس إلا بالإشارة ، وكان بعض العارفين رضي الله عنه يقول : إنه رضي الله تعالى عنه حصلت له جمعية على الحق تعالى فاستغرقته إلى الأبد ، ولم يزل حاله يتزايد إلى عصرنا هذا ثم إنه في شوال سنة ثلاث ، وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلا يقول : له قم ، واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس ، وسر إلى طندتا فإن بها مقامك أيها الفتى فقام من منامه ، وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه أشياخها منهم سيدي عبد القادر ، وسيدي أحمد بن الرفاعي فقالا : يا أحمد مفاتيح العراق ، والهند ، واليمن ، والروم ، والمشرق ، والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها فقال لهما سيدي أحمد رضي الله عنه لا حاجة لي بمفاتيحكما ما آخذ المفتاح إلا من الفتاح قال : سيدي حسن فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر ، والحلاج ، وأضرابهما خرجنا قاصدين إلى ناحية طندتا فأحدق بنا الرجال من سائر الأقطار يعاندوننا ، ويعارضوننا ، ويثاقلوننا فأومأ سيدي أحمد رضي الله عنه إليهم بيده فوقعوا أجمعين فقالوا له : يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين ، ومضينا إلى أم عبيدة فرجع سيدي حسن إلى مكة وذهب سيدي أحمد رضي الله عنه إلى فاطمة بنت بري وكانت امرأة لها حال عظيم ، وجمال بديع ، وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد رضي الله عنه حالها ، وتابت على يديه أنها لا تتعرض لأحد بعد ذلك اليوم ، وتفرقت القبائل الذين كانوا اجتمعوا على بنت بري إلى أماكنهم ، وكان يوما مشهودا بين الأولياء ، ثم إن سيدي أحمد رضي الله عنه رأى الهاتف في منامه يقول له : يا أحمد سر إلى طندتا فإنك تقيم بها ، وتربي بها رجالا ، وأبطالا عبد العال ، وعبد الوهاب ، وعبد المجيد ، وعبد المحسن ، وعبد الرحمن رضي الله عنهم أجمعين ، وكان ذلك في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين ، وستمائة فدخل رضي الله عنه مصر ثم قصد طندتا فدخل على الحال مسرعا دار شخص من مشايخ البلد اسمه ابن شحيط فصعد إلى سطح غرفته وكان طول نهاره ، وليله قائما شاخصا ببصره إلى السماء ، وقد انقلب سواد عينيه حمرة تتوقد كالجمر وكان يمكث الأربعين يوما ، وأكثر لا يأكل ، ولا يشرب ، ولا ينام ثم نزل من السطح ، وخرج إلى ناحية فيشا المنارة فتبعه الأطفال فكان منهم عبد العال ، وعبد المجيد فورمت عين سيدي أحمد رضي الله عنه فطلب من سيدي عبد العال بيضة يعملها على عينه فقال : وتعطيني الجريدة الخضراء التي معك فقال : سيدي أحمد رضي الله عنه له : نعم فأعطاها له فذهب إلى أمه فقال هنا بدوي عينه توجعه فطلب مني بيضة وأعطاني هذه الجريمة فقالت : ما عندي شيء فرجع فأخبر سيدي أحمد رضي الله عنه فقال : اذهب فأتني بواحدة من الصومعة فذهب سيدي عبد العال فوجد الصومعة قد ملئت بيضا فأخذ له واحدة منها ، وخرج بها إليه ثم إن سيدي عبد العال تبع سيدي أحمد رضي الله عنه من ذلك الوقت ولم تقدر أمه على تخليصه منه فكانت تقول : يا بدوي الشوم علينا فكان سيدي أحمد رضي الله عنه إذا بلغه ذلك يقول : لو قالت : يا بدوي الخير كانت أصدق ثم أرسل لها يقول : إنه ولدي من يوم قرن الثور ، وكانت أم عبد العال قد وضعته في معلف الثور ، وهو رضيع فطأطأ الثور ليأكل فدخل قرنه في القماط فشال عبد العال على قرنيه فهاج الثور فلم يقدر أحد على تخليصه منه فمد سيدي أحمد رضي الله عنه يده ، وهو بالعراق فخلصه من القرن فتذكرت أم عبد العال الواقعة ، واعتقدته من ذلك اليوم فلم يزل سيدي أحمد على السطوح مدة اثنتي عشرة سنة ، وكان سيدي عبد العال رضي الله عنه يأتي إليه بالرجل أو الطفل فيطأطئ من السطوح فينظر إليه نظرة واحدة فيملأ مددا ويقول لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا ، أو موضع كذا فكانوا يسمون أصحاب السطح وكان رضي الله عنه لم يزل متلثما بلثامين فاشتهى سيدي عبد المجيد رضي الله عنه يوما رؤية وجه سيدي أحمد رضي الله عنه فقال : يا سيدي أريد أن أرى وجهك أعرفه فقال : يا عبد المجيد كل نظرة برجل فقال : يا سيدي أرني ، ولو مت فكشف له اللثام الفوقاني فصعق ومات في الحال . ات في الحال . وكان في طندتا سيدي حسن الصائغ الإخنائي ، وسيدي سالم المغربي فلما قرب سيدي أحمد رضي الله عنه من مصر أول مجيئه من العراق قال : سيدي حسن رضي الله عنه ما بقي لنا إقامة صاحب البلاد قد جاءها فخرج إلى ناحية إخنا ، وضريحه بها مشهور إلى الآن ومكث سيدي سالم رضي الله عنه فسلم لسيدي أحمد رضي الله عنه ، ولم يتعرض له فأقره سيدي أحمد رضي الله عنه ، وقبره في طندتا مشهور ، وأنكر عليه بعضهم فسلب ، وانطفأ اسمه وذكره ، ومنهم صاحب الإيوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر كان وليا عظيما فثار عنده الحسد ولم يسلم الأمر لقدرة الله تعالى فسلب وموضعه الآن بطندتا مأوى للكلاب ليس فيه رائحة صلاح ولا مدد ، وكان الخطباء بطندتا انتصروا له ، وعملوا له وقفا ، وأنفقوا عليه أموالا ، وبنوا لزاويته مئذنة عظيمة فرفسها سيدي عبد العال رضي الله عنه برجله فغارت إلى وقتنا هذا ، وكان الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات يعتقد في سيدي أحمد رضي الله عنه اعتقادا عظيما ، وكان ينزل لزيارته ، ولما قدم من العراق خرج هو ، وعسكره من مصر فتلقوه ، وكرموه غاية الإكرام . وكان رضي الله عنه غليظ الساقين طويل الذراعين كبير الوجه أكحل العينين طويل القامة قمحي اللون ، وكان في وجهه ثلاث نقط من أثر جدري في خده اليمين واحدة ، وفي الأيسر ثنتان أقنى الأنف على أنفه شامتان من كل ناحية شامة سوداء أصغر من العدس ، وكان بين عينيه جرح موسى جرحه ولد أخيه الحسين بالأبطح حين كان بمكة ، ولم يزل من حين كان صغيرا باللثامين ، والغرزتين ، ولما حفظ القرآن العظيم اشتغل بالعلم مدة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه حتى حدث له حادث الوله فترك ذلك الحال ، وكان إذا لبس ثوبا ، أو عمامة لا يخلعها لغسل ، ولا لغيره حتى تذوب فيبدلونها له بغيرها ، والعمامة التي يلبسها الخليفة كل سنة في المولد هي عمامة الشيخ بيده ، وأما البشت الصوف الأحمر فهو من لباس سيدي عبد العال رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : وعزة ربي سواقي تدور على البحر المحيط لو نفد ماء سواقي الدنيا كلها لما نفد ماء سواقي . مات رضي الله عنه سنة خمس ، وسبعين ، وستمائة ، واستخلف بعده على الفقراء سيدي عبد العال ، وسار سيرة حسنة ، وعمر المقام ، والمنارات ، ورتب الطعام للفقراء وأرباب الشعائر ، وأمر بتصغير الخبز على الحال الذي هو عليه اليوم ، وأمر الفقراء الذين صحت لهم الأحوال بالإقامة في الأماكن التي كان يعينها لهم فلم يستطع أحد أن يخالفه فأمر سيدي يوسف أبا سيدي إسماعيل الإنبابي أن يقيم بإنبابة ، وسيدي أحمد أبا طرطور أن يقيم تجاه إنبابة في البرية ، وسيدي عبد الله الجيزي أن يقيم في البرية تجاه الجيزة ، وأمر سيدي وهيبا ، بالإقامة في برشوم الكبرى ، فأما سيدي يوسف رضي الله عنه ، فأقبلت عليه الأمراء ، والأكابر من أهل مصر ، وصار سماطه في الأطعمة لا يقدر عليه غالب الأمراء ، فقال الشيخ أحمد أبو طرطور يوما لأصحابه : اذهبوا بنا إلى أخينا يوسف ننظر حاله . فمضوا إليه فقال لهم : كلوا من هذه الماوردية ، واغسلوا الغش الذي في بطونكم من العدس ، والبسلة لسيدي أحمد فغضب الشيخ أبو طرطور من ذلك الكلام ، وقال : ما هو إلا كذا يا يوسف فقال : هذه مباسطة فقال أبو طرطور : ما هو إلا محاربة بالسهام ، فمضى أبو طرطور إلى سيدي عبد العال رضي الله عنه ، وأخبره الخبر فقال : لا تتشوش يا أبا طرطور نزعنا ما كان معه ، وأطفأنا اسمه وجعلنا الاسم لولده إسماعيل ، فمن ذلك اليوم انطفأ اسم سيدي يوسف إلى يومنا هذا ، وأجرى الله على يدي سيدي إسماعيل الكرامات ، وكلمته البهائم ، وكان يخبر أنه يرى اللوح المحفوظ ، ويقول : يقع كنا ، وكذا لفلان فيجيء الأمر كما قال : فأنكر عليه شخص من علماء المالكية ، وأفتى بتعزيره فبلغ ذلك سيدي إسماعيل ، فقال : ومما رأيته في اللوح المحفوظ أن هذا القاضي يغرق في بحر الفرات فأرسله ملك مصر إلى ملك الإفرنج ليجادل القسيسين عندهم ، فإنه ، وعد بإسلامه إن قطعهم عالم المسلمين بالحجة فلم يجدوا في مصر أكثر كلاما ، ولا جدلا من هذا القاضي فأرسلوه فغرق في بحر الفرات . وأما ترتيب الأشاير المشهورة في بيت سيدي أحمد رضي الله عنه إلى الآن من أولاد الفران ، وأولاد الراعي ، وأولاد المعلوف ، وأولاد الكناس ، وغيرهم فرتبهم كذلك سيدي عبد العال رضي الله عنه ، ولم يكن أحد من أولاد الأشاير يدخل راكبا حوش الخليفة بلا إذن إلا أولاد المعلوف لما كانوا يعلمون من حب سيدي أحمد رضي الله عنه لهم . وكان سيدي عبد الوهاب الجوهري رضي الله عنه المدفون قريبا من محلة مرحوم إذا جاءه شخص يريد الصحبة يقول : له دق هذا الوتد في هذه الحائط فإن ثبت الوتد في الحائط أخذ عليه العهد ، وإن خار ، ولم يثبت يقول له : إذهب ليس لك عندنا نصيب ، وقد دخلت الخلوة ، ورأيت الحائط غالبها شقوق ، وما ثبت فيها إلا بعض أوتاد ، وكان الشيخ رضي الله عنه يعلم من هو من أولاده بالكشف ، وإنما كان يفعل ذلك إقامة حجة على المريد ليقضي بذلك على نفسه ، ولا تقوم نفسه من الشيخ . وأما أمر سيدي الشيخ محمد المسمى بقمر الدولة فلم يصحب سيدي أحمد زمانا إنما جاء من سفر في وقت حر شديد فطلع يستريح في طندتا ، فسمع بأن سيدي أحمد رضي الله عنه ضعيف فدخل عليه يزوره ، وكان سيدي عبد العال ، وغيره غائبين فوجد سيدي أحمد قد شرب ماء بطيخة ، وتقايأه ثانيا فيها ، فأخذه سيدي محمد المذكور ، وشربه فقال له سيدي أحمد : أنت قمر دولة أصحابي فسمع بذلك سيدي عبد العال ، والجماعة فخرجوا لمعارضته ، وقتله بالحال فرمح فرسه في البئر التي بالقرب من توم التربة النفاضة فطلع من البئر التي بناحية نفيا فانتظروه عند البئر التي نزل فيها زمانا فجاء الخبر أنه طلع من تلك البئر التي قرب نفيا فرجعوا عنه ، فأقام بنفيا إلى أن مات لم يطلع طندتا من سيدي عبد العال . وكان رضي الله عنه من أجناد السلطان محمد بن قلاوون ، وعمامته ، وثوبه ، وقوسه ، وجعبته ، وسيفه معلقات في ضريحه بنفيا رضي الله عنه . قلت : وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله قد كان أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح وقبضت على يدي . وقال : سيدي يكون خاطرك عليه ، واجعله تحت نظرك فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول : نعم ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو ، وسيدي عبد العال وهو يقول : زرنا بطندتا ، ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك ، فسافرت ، فأضافني غالب أهلها ، وجماعة المقام ذلك اليوم كلهم بطبيخ الملوخية ، ثم رأيته بعد ذلك ، وقد ، أوقفني على جسر قحافة تجاه طندتا فوجدته سورا محيطا ، وقال : قف هنا ادخل على من شئت وامنع من شئت ، ولما دخلت بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن وهي بكر مكثت خمسة شهور لم أقرب منها ، فجاءني ، وأخذني ، وهي معي ، وفرش لي فرشا فوق ركن القبة التي على يسار الداخل ، وطبخ لي حلوى ، ودعا الأحياء ، والأموات إليه ، وقال : أزل بكارتها هنا ، فكان الأمر تلك الليلة ، وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة ثمان ، وأربعين ، وتسعمائة وكان هناك بعض الأولياء فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول : أبطأ عبد الوهاب ما جاء ، وأردت التخلف سنة من السنين فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه ، ومعه جريدة خضراء ، وهو يدعو الناس من سائر الأقطار ، والناس خلفه ، ويمينه ، وشماله أمم وخلائق لا يحصون فمر علي ، وأنا بمصر ، فقال : أما تذهب فقلت بي وجع فقال : الوجع لا يمنع المحب ثم أراني خلقا كثيرا من الأولياء ، وغيرهم الأحياء ، والأموات من الشيوخ والزمني بأكفانهم يمشون ويزحفون معه يحضرون المولد ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيدين مغلولين يزحفون على مقاعدهم ، فقال : انظر إلى هؤلاء في هذا الحال ، ولا يتخلفون فقوي عزمي على الحضور فقلت له إن شاء الله تعالى نحضر فقال : لا بد من الترسيم عليك فرسم على سبعين عظيمين أسودين كالأفيال ، وقال : لا تفارقاه حتى تحضرا به ، فأخبرت بذلك سيدي الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه فقال : سائر الأولياء يدعون الناس بقصادهم . وسيدي أحمد رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور ثم قال : إن سيدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي تخلف سنة عن الحضور فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه ، وقال : موضع يحضر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام معه ، وأصحابهم ، والأولياء رضي الله عنهم ما تحضره ، فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين ، وفات الاجتماع فكان يلمس ثيابهم ، ويمر بها على وجهه انتهى ، وقد اجتمعت مرة أنا ، وأخي أبو العباس الحريثي رحمه الله تعالى بولي من أولياء الهند بمصر المحروسة فقال رضي الله عنه : ضيفوني فإني غريب وكان معه عشرة أنفس فصنعت له فطيرا وعسلا فكل فقلت له من أي البلاد فقال : من الهند فقلت : ما حاجتك في مصر فقال : حضرنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه فقلت له : متى خرجت من الهند فقال : خرجنا يوم الثلاثاء فنمنا ليلة الأربعاء عند سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر ببغداد ، وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بطندتا فتعجبنا من ذلك فقال : الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس فقلنا لهم : من عرفكم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند فقالوا : يا لله العجب أطفالنا الصغار لا يحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه ، وهو من أعظم إيمانهم ، وهل أحد يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه إن أولياء ما وراء البحر المحيط ، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه ، وأخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه أن شخصا أنكر حضور مولده ، فسلب الإيمان ، فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام ، فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه فقال : والنساء فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه : ذلك واقع في الطواف ، ولم يمنع أحد منه ، ثم قال : وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب ، وحسنت توبته ، وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار ، وأحميهم من بعضهم بعضا أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي ، وحكى لي شيخنا أيضا أن سيدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة أخذ العلماء بالمحلة الكبرى ، وأحد الصالحين ، لما كان لمصر فجاء إلى ، بولاق ، فوجد الناس ، مهتمين بأمر الولد ، والنزول في المراكب ، فأنكر ذلك ، وقال : هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم صلى الله عليه وسلم مثل اهتمامهم بأحمد البدوي فقال له شخص : سيدي أحمد ولي عظيم فقال : في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاما ، فعزم عليه شخص ، فأطعمه سمكا فدخلت حلقه شوكة تصلبت ، فلم يقدروا على نزولها بدهن عطاس ، ولا بحيلة من الحيل وورمت رقبته حتى صارت كخلاية النحل تسعة شهور ، وهو لا يلتذ بطعام ، ولا شرب ، ولا منام ، وأنساه الله تعالى السبب . فبعد التسعة شهور ذكره الله بالسبب ، فقال : احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه ، فأدخلوه فشرع يقرأ سورة يس فعطس عطسة شديدة ، فخرجت الشوكة مغمسة دما فقال : تبت إلى الله تعالى يا سيدي أحمد ، وذهب الوجع ، والورم من ساعته ، وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية إبيار بالغربية حضور أهل بلده إلى المولد فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي ، فلم يرجع فاشتكاه لسيدي أحمد فقال : ستطلع له حبة ترعى فمه ، ولسانه فطلعت من يومه ذلك ، وأتلفت وجهه ، ومات بها ، ووقع ابن اللبان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه فسلب القرآن ، والعلم ، والإيمان ، فلم يزل يستغيث بالأولياء فلم يقدر أحد أن يدخل في أمره فدلوه على سيدي ياقوت العرشي فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه وكلمه في القبر ، وأجابه ، وقال له : أنت أبو الفتيان رد على هذا المسكين رسماله فقال : بشرط التوبة فتاب ورد عليه رسماله ، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه ، وقد زوجه سيدي ياقوت ابنته ، ودفن تحت رجليها بالقرافة رحمه الله تعالى ، ووقعة ابن دقيق العيد ، وامتحانه لسيدي أحمد رضي الله عنه مشهورة ، وهو أن الشيخ تقي الدين أرسل إلى سيدي عبد العزيز الدريني رضي الله عنه ، وقال له : امتحن لي هذا الرجل الذي اشتغل الناس بأمره عن هذه المسائل ، فإن أجابك عنها فهو ولي الله تعالى ، فمضى إليه سيدي عبد العزيز ، وسأله عنها ، فأجاب عنها بأحسن جواب ، وقال : هذا الجواب مسطر في كتاب الشجرة فوجدوه في الكتاب كما قال : وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول : هو بحر لا يدرك له قرار ، وأخباره ، ومجيئه بالأسرى من بلاد الإفرنج ، وإغاثة الناس من قطاع الطريق ، وحيلولته بينهم ، وبينهم ، وبين من استنجد به لا تحويها الدفاتر رضي الله عنه قلت : وقد شاهدت أنا بعيني سنة خمس ، وأربعين ، وتسعمائة أسيرا على منارة سيدي عبد العال رضي الله عنه مقيدا مغلولا وهو مخبط العقل ، فسألته عن ذلك فقال : بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد فإذا أنا به ، فأخذني ، وطار بي في الهواء ، فوضعني هنا ، فمكث يومين ، ورأسه دائر عليه من شدة الخطفة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ العارف الكامل المحقق المدقق أحد أكابر العارفين بالله سيدي محيي الدين ابن العربي رضي الله عنه بالتعريف كما رأيته بخطه في كتاب نسب الخرقة رضي الله عنه أجمع المحققون من أهل الله عز وجل على جلالته في سائر العلوم كما يشهد لذلك كتبه ، وما أنكر من أنكر عليه إلا لدقة كلامه لا غير فأنكروا على من يطالع كلامه من غير سلوك طريق الرياضة خوفا من حصول شبهة في معتقده يموت عليها لا يهتدى لتأويلها على مراد الشيخ ، وقد ترجمه الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور ، وغيره بالولاية الكبرى ، والصلاح ، والعرفان ، والعلم ، فقال : هو الشيخ الإمام المحقق رأس أجلاء العارفين والمقربين صاحب الإشارات الملكوتية ، والنفحات القدسية ، والأنفاس الروحانية ، والفتح المونق ، والكشف المشرق ، والبصائر الخارقة ، والسرائر الصادقة ، والمعارف الباهرة ، والحقائق الزاهرة له المحل الأرفع من مراتب . القرب في منازل الأنس ، والمورد العذب في مناهل الوصل ، والطول الأعلى من معارج الدنو ، والقدم الراسخ في التمكين من أحوال النهاية ، والباع الطويل في التصرف في أحكام الآية ، وهو أحد أركان هذه الطريق رضي الله عنه . وكذلك ترجمه الشيخ العارف بالله سيدي محمد بن أسعد اليافعي رضي الله عنه ، وذكره بالعرفان ، والولاية ، ولقبه الشيخ أبو مدين رضي الله عنه بسلطان العارفين ، وكلام الرجل أدل دليل على مقامه الباطن ، وكتبه مشهورة بين الناس لا سيما بأرض الروم فإنه ذكر في بعض كتبه صفة السلطان جد السلطان سليمان بن عثمان الأول ، وفتحه القسطنطينية في الوقت الفلاني ، فجاء الأمر كما قال : وبينه ، وبين السلطان نحو مائتي سنة ، وقد بنى عليه قبة عظيمة ، وتكية شريفة بالشام فيها طعام ، وخيرات ، واحتاج إلى الحضور عنده من كان ينكر عليه من القاصرين بعد أن كانوا يبولون على قبره رضي الله عنه ، وأخبرني أخي الشيخ الصالح الحاج أحمد الحلبي أنه كان له بيت يشرف على ضريح الشيخ محيي الدين ، فجاء شخص من المنكرين بعد صلاة العشاء بنار يريد أن يحرق تابوت الشيخ ، فخسف به دون القبر بتسعة أذرع ، فغاب في الأرض ، وأنا أنظر ففقده أهله من تلك الليلة ، فأخبرتهم بالقصة ، كجاءوا ، وحفروا ، فوجدوا رأسه . فكلما حفروا نزل ، وغار في الأرض إلى أن عجزوا ، وردموا عليه التراب ، وكان رضي الله عنه أولا يكتب الإنشاء لبعض ملوك العرب ، ثم تزهد ، وتعبد ، وساح ، ودخل مصر ، والشام ، والحجاز ، والروم ، وله في كل بلد دخلها مؤلفات ، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ الإسلام بمصر المحروسة يحط عليه كثيرا ، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه ، وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية ، والعرفان ، والقطبية ، مات رضي الله عنه سنة ثمان وثلاثين ، وستمائة ، وقد سطرنا الكلام على علومه ، وأحواله في كتابنا تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء ، فراجعه ، والله تعالى أعلم ، ؟ ومنهم الشيخ داود الكبير بن ماخلا رضي الله تعالى عنه شيخ سيدي محمد ، وفا الشاذلي رضي الله عنه ، كان رضي الله عنه شرطيا في بيت الوالي بالإسكندرية ، وكان يجلس تجاه الوالي ، وبينهما إشارة يفهم منها وقوع المتهوم ، أو براءته ، فإن أشار إلي أنه بريء عمل بإشارته ، أو أنه فعل ما اتهم به عمل بذلك ، وكانت إشارته أنه إن قبض على لحيته ، وجذبها إلى صدره علم أنه وقع ، وإن جذبها إلى فوق علم أنه بريء ، وله كلام عال في الطريق ، وكان أميا لا يكتب ، ولا يقرأ ، ومن كلامه رضي الله عنه في كتابه المسمى بعيون الحقائق في قوله : ' إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ' ، على قدر ارتقاء همتك في نيتك يكون ارتقاء درجتك عند عالم سريرتك ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما كانت العلل ، والأسباب لوجود البعد ، والحجاب ، ومن استنار قلبه علم أن الخضوع لرب الأرباب حتم لازم للعبد من غير العلل . وكان رضي الله عنه يقول : للولي نوران نور عطف ، ورحمة يجذب به أهل العناية ونور فيض ، وعزة ، وقهر يدفع به أهل البعد والغواية لأنه يتصفح بين دائرتي فضل وعدل ، فإذا أقيم بالفضل ظهر فجذب فنفع هو إذا أقيم بالعدل ، والعز حجب ، فخفي ، ودفع ، ولذلك أقبل بعض ، وأدبر بعض ، وكان رضي الله عنه يقول : كلما ازداد علم العبد زاد افتقاره ، ومطلبه ، وعلت همته لأنه في حال جهله يطلب العلم ، وفي حال علمه يطلب جلاء العلوم ، والمعلومات درجات لا غاية لمنتهاها ، ولا حد لعلو مرماها ، فواعجبا من لوعة كلما ارتوت زاد تأججها ، وضرامها ، وكان يقول : أسرار يتنزل العلم عليها ، وأسرار تترقى هي إليه ، وأعلاهما أولاهما لأن العلم إذا ورد عليها صارت هي عينا فيه فتخفي رسومها ، وتتضح علومها ، وتحق شواهدها ، وأما إذا ترقت الأسرار إلى العلوم ، فإن طعم كأسها يشوب طعمها ، وتتنزل خلع مواهبها قريبا من جنس لباسها ، فيحصل فيها ضرب من الإخفاء ، والإشكال ، وكان يقول : عالم الظاهر كلما اتسع علمه اتسع في الوجود ، وفشا ، وعالم الباطن كلما اتسع علمه ، وعلا دق من الإدراك ، ومال إلى الخفاء لأن العالم بالخفاء خفي عكس الظاهر ، وأيضا ، فإن عالم الظاهر ينقضي علمه بانقضاء هذه الدار لأنه منوط بالتكليف ، وإنما يبقى له إذا صدق ، وأخلص لله الجزاء ، والثواب ، وكان يقول : من أعظم المواهب بعد الإيمان بالله تعالى وملائكته ، وكتبه ، ورسله الإيمان بنور الولاية في خلقه سواء ظهرت في ذات العبد ، أو في غيره من العباد ، فإنه كما هو مطلوب أن يؤمن بها في غيره كذلك مطلوب أن يؤمن بها في نفسه . وكان رضي الله عنه يقول : الناس صنفان صنف اشتغل بالدنيا وإقامة دولتها ، وشعائر دينها فهو في كفالة علماء المسلمين ، وصنف سمت هممهم بعد أن حصلوا ما حصل الأولون إلى فهم الأسرار ، وطلبوا من يسير بها في منازل التحقيق فهم في كفالة العارفين ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يكن كبر همك من العبادة إلا القرب من المعبود دون الأجر ، والثواب ، فإنه إذا من عليك بالدخول إلى حضرته فهنالك الأجور ، وأعلى منها ثم ينعم عليك حتى تكون أنت منعما على ذلك ، وكان يقول : الجزء لا يطيق حمل الكل ، وكان رضي الله عنه يقول : من صحت ولايته من رجل كبير أحاط نوره بسره سرا ، وجهرا وكان لا يدخل حضرة من حضرات القرب إلا ، وهو معه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا نطق المحجوب بغرائب العلوم ، وعجائب الفهوم ، فلا تستغربن ذلك ، فإن مداد قلم الغيوب فياض ، وكان يقول : حاشى قلوب العارفين أن تخبر عن غير يقين ، وكان يقول : لسان العارف قلم يكتب به في ألواح قلوب المريدين فربما كتب في لوح قلبك ما لم تعلم معناه ، وبيانه عند ظهور آياته وكان رضي الله عنه يقول : القلب ظل نور الروح ، والروح ظل نور السر ، والسر مظهر تجلي أشعة الحقيقة الأولى ، في أوائل عوالم التكوين ، والنفس عبارة عن توجه القلب إلى سياسة العالم الشهادي والتفاته إلى تدبير عالم شهادته ، وكان يقول : إقبال القلب مع لا إله إلا الله خير من ملء الأرض عملا مع الإعراض عن الله عز وجل ، وكان يقول : العارف أثره في الآخذين عنه بإمداده وأنواره كثر من آثارهم فيهم بأذكارهم ، وأعمالهم ، وكان رضي الله عنه يقول : قلب العارف كالنار لواحة للبشر لا تبقى ، ولا تفر ، وكان يقول : الذنب الأعظم شهود ما سوى الله أي شهوده ثابتا بنفسه . وكان يقول : إقبال القلب على الله حسنة يرجى أن لا يضر معها ذنب ، وإعراض القلب عن الله سيئة لا يكاد ينفع معها حسنة ، وكان رضي الله عنه يقول : شهود الغافل سم قاتل ، وكان يقول : إذا أكرم الله عز وجل عبدا طوى عنه شهود خصوصيته ، وأقامه في تحقيق عبوديته ، فالعبد ، إذا كان غائبا عن مراعاة حقوق عبوديته خيف عليه من الشطح ، والانبساط ، وتعدى عن حدود الأدب ، والعدول عن سواء الصراط وكان يقول : النبي صلى الله عليه وسلم يؤمر والولي يلهم وكان رضي الله عنه يقول : قلوب المؤمنين تحت ظل قلوب الأولياء ، وقلوب الأولياء تحت ظل قلوب الأنبياء عليم الصلاة والسلام ، وقلوب الأنبياء تحت ظل أنوار العناية ، والإمداد تتنزل ، فيما بين ذلك ، ويتلوها الشاهد منه ، وكان يقول : ليس الشأن الخفاء في الخفاء إنما الشأن الخفاء في الظهور ، وكان يقول : من أعظم أبواب الفتح يقظة العبد من غفلته ، وكان يقول : احذروا هذه النفوس ، فإن لها في الطاعات غوائل ، وآفات ، وكان يقول : من نظر إلى الأكوان نظر قلب عوقب بالحجاب ، أو بالحساب ، أو بالعذاب ، وكان يقول : بنور النبوات يتضح الإيمان ، وتثقل الأعمال ، وبنور الولاية تزكو العبادات ، وتثمر الأحوال ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا لم يكن ابن آدم عمالا في مصالح الدنيا ، والآخرة ، فهو كالجماد في ذلك الوقت ، وإن اشتغل بالمعصية ، والشر ، فهو كالشيطان ، وإن اشتغل بأمر الدنيا ، والآخرة ، فهو كالحيوان ، وإن اشتغل بفكره فيما هو لله تعالى ، فهو كذلك ، فانظر رحمك الله تعالى إلى درجة من تريد أن تلحق ، وكان يقول : من الأولياء من يتكلم من خزانة قلبه ، ومنهم من يتكلم من خزانة غيبه فالمتكلم من خزانة قلبه محصور ، والمتكلم من خزانة غيبه غير محصور ، وكان يقول : كما قويت الظلمة في قلوب الخلائق نطقت ألسنة العارفين بصرائح الحقائق ، وذلك لأنها أمنت من ملاحظة النظار ، وكان يقول : إن سكنت إلى ما نلت ، فما نلت لأن العطاء يحرك الأشواق إلى لقاء المعطى وإن نلت فهيجك العطاء إلى المعطى فتلك بشارة على وجود العطاء ، ومن هنا قال : بعضهم ليس لله على كافر نعمة إنما هي نقمة ، وكان يقول : جلت الحقيقة أن تكون البشرية محلا لتلقيها ، ولكن إذا أراد أن يوصلها إليك انبسط شعاع سلطان شعاعها ، فمهد في قلبك محلا لتلقيها فبها وجدتها لا بك : أعارته طرفا رآها به . . . فكان البصير بها طرفها وكان رضي الله عنه يقول : جلت الحقيقة أن يكون لها جزاء من المخلوقين إنما يطلب جزاؤها من رب العالمين ، وكان يقول : لا يصح من مريد أن يجازي أستاذه الذي أخذ عنه أبدا لأن ما استفاده منه لا يقابل بالأعراض ، وكان يقول : قلوب علماء الظاهر ، وسائط بين عالم الصفاء ، ومظاهر الأكدار رحمة بالعامة الذين لم يصلوا إلى إدراك المعاني الغيبية ، والادراكات الحقيقية ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل التصوف قوم ساروا عن الأجساد إلى ما وراءها فنزلوا في حضرة الوفاء ، وحلوا في محل الصفاء وكان يقول : من أعجب العجب محب وقف بباب غير باب الحبيب . وكان رضي الله عنه يقول : ألح على الكرام في السؤال ، وإن لم تكن أهلا للعطاء ، فإن لهم أخلاقا جميلة ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ذل قلب قط لبارئه إلا أفاده نورا ، وخيرا وكان رضي الله عنه يقول : ما وقفت همة مريد في سيرها إلى الله تعالى عند كون لكون قط إلا ناداه منادي التحقيق أثبت وجود ما أنت واقف معه ، وكان يقول : لا تجعل مستند إيمانك نتائج الفكرة البشرية بل فر من ذلك إلى الله تعالى ، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، واستعذ بالله منه ، واطلب ذلك من مدد الله عز وجل . وفي رواية أخرى عنه إن أدرت سلوك المحجة البيضاء ، والوصول إلى ذروة أهل التقى ، والاقتداء بأهل الرتبة الأولى ، فإياك أن تجعل دينك وإيمانك من نتائج العقول ، والأفكار ، أو مستندا إلى أدلة النظار بل عرج إلى المحل الأعلى ، والمنزل الأعز الأحمى ، واستمد البركات ، والأنوار من رسول الله صلى الله عليه وسلم واسأل الله تعالى أن يمن عليك بمدد من عنده يغنيك به عن كل شيء سواه ، ويهديك بنوره إليه حتى ، لا تشهد في ذلك إلا إياه وقل رب إني أعوذ بك أن يكون إيماني بك ، وبما أنزلت ، وبمن أرسلت مستفادا من فكرة مشوبة بالأوصاف النفسية ، أو مستندا إلى عقل ممزوج بأمشاج الطينة البشرية بل من نورك المبين ، ومددك الأعلى ، ونور نبيك المصطفى وكان رضي الله عنه يقول : إن أردت الوصول إلى معرفة نور الولي ، فاطلب الله تعالى ، فهناك تجده لأنهم ، ودائع غيبه ، وخبايا حضرته ، وكان يقول : لا تطلب من الأعمال ، والعلوم والأحوال خلوصها من كل الشوائب البشرية لئلا تكلف شططا ، وتظن وجود ما لا يمكن ، وجوده سهوا ، وغلطا بل من بين فرث الماء ، والطين ، ودم ذلك الأمر الخفي عن إدراك المدركين لبنا خالصا سائغا للشاربين ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يهولنكم كثرة عدد الفجار ، وقلة عدد الأخيار ، فإن أولئك ، وإن كثر عددهم أمرهم صغير حقير ، وهؤلاء ، وإن قل عددهم ، فأمرهم واسع كبير أولئك كثرت ظلال ظواهرهم ، ومعانيهم الزائلة الدنية التي هي غير حقيقية ، فهم كالعالم الثاني من نبات ، وخشاش ، ونحو ذلك من نبات قوالب خالية من المعاني العلية النورانية سكانها لوم النفوس الخسيسة الأرضية ، ومعالم عمارها رذائل المعاني الحيوانية ، وصفات الأشكال الشيطانية كثيرهم قليل ، وعزيزهم ذليل : ' أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون ' ' الأعراف : 179 ' ، وهؤلاء الأخيار قل عدد ظواهرهم ، وكثر مدد سرائرهم بوزن الرجل منهم بعدد كثير من جنسه الأبرار ، فما ظنك بأولئك الذين لهم بالنسبة إلى سعة أنواره ، وما قدر أولئك الذين لا قدر لهم مع عظيم مقداره ، وكان رضي الله عنه يقول : كلما جدد العبد المؤمن بالصدق حقيقة الإيمان اقتضى تجديده ذلك فناء عوالم الأكوان ، وكان يقول : النعمة العظمى الانطواء بالفناء الأكبر في ظل الغنى الأعظم قال تعالى : ' قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون ' ' الأنعام : 91 ' وفي الحديث : ' كان الله ولا شيء معه ' ، وقالوا : تسترت من دهري بظل جناحه . . . فصرت أرى دهري ، وليس يراني فلو تسئل الأيام ما اسمي ما درت . . . وأين مكاني ما عرفن مكاني وكان يقول : ليس الرجل من يصف لك دواء تستعمله إنما الرجل من داواك في حضرته ، وكان يقول : أعلى النور ما غاص في القلوب والأسرار ، ولم يظهر إلى انقضاء هذه الدار ، وذلك لأنه أثبت وأقوى وأرفع ، وأعلى مما يسرع ظهوره ، وتأمل حبات النبات البطيء ظهوره تجدها أثبت ، وأقوى وأرقى وأرفع مما ليس كذلك ، وكان يقول : لا تبع ذرة من المحبة لله تعالى أوفى الله بقناطير من الأعمال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' المرء مع من أحب ' . وكان يقول : إن الرجل ليعانق الرجل ، وإن بينه وبينه لأبعد مما بين المشرق ، والمغرب ، وكان رضي الله عنه يقول : للسر لسان ، وللروح لسان وللقلب لسان ، وللعقل لسان علموا ذلك من مواطن أصول لسانهم ، وغيوبهم الأصلية ، والعارف الكامل يخاطب كلا منها بلسانه ، ولغته ، ويسقيه بكأسه من شرابه ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ظهر متلصص كون إلا عند غيبة حارس المعرفة ، ولولاها ما لاح متلصص كون أبدا ، وإن شئت قلت : تنويعا لمثل التوصيل ما لاح كوكب كون إلا عند غيبة شمس المعرفة ومتى طلعت شمس المعرفة من مشارق التوحيد أفلت كواكب الآثار ، وغابت نجوم الأغيار ، ولو علم الناس قدر الولي لتأدبوا مع كل إنسان لأنه لابس مثل لبسته ، وظاهر في مثل صورته ، وكان يقول : إذا أمرك آمر العلم ، وزجرك زاجره ، فائتمر لأمره وقف عند وجود زجره ، وإن كان مقامك أعلى ، ورتبتك في منازل القرب أدنى أدبا مع الله تعالى ووفاء بحق حكمته ، ووقوفا مع حدود الأوامر الإلهية ، إذ من تمام أدب جليس الملك أن يتأدب ، إذا زجره صاحب الباب تتميما لدوائر الملك ، وتأدبا بآدابه ، وكان رضي الله عنه يقول : ما ظهر كون قط علوي ولا سفلي إلا ، وهو دليل ، أو مثال على حضرة ربانية ، ونور معرفة خفية ، وثم معارف لم يظهر لها مثال ، ولا تخطر لذي بصيرة على بال ، وكان يقول : سهم المعرفة متى وقف أمامه هدف إيمان قلب أصابه ، ولم يخطئه ، وكان يقول : نشأ هذا العالم على التدريج ، فإذا توجه الإنشاء للدائرة الآخرى والنشأة الثانية عادت السماء كالأب ، والأرض كالأم ، وكان المتولد واحدا دفعة واحدة ، وثبتت حبات نبات الآدميين عن بطن الأرض نباتا واحدا ، وكان يقول : إذا نطق لسان العارف بالمعرفة صمت ، وجوده كله ، وكان يقول : لو علمت النفوس قدر ما تدعي إليه لكانت تسابق داعيها إليه ، وكان يقول : لا تشرب من شراب الدنيا إلا بعد أن تمزجه بشراب الآخرة ، وذلك لتكون محفوظا ، وكان رضي الله عنه يقول : ما من وقت جديد إلا وفيه مدد جديد يتلقاه كبراء الوقت ، ووسائطه ، وهم أرباب التلقي للمدد الوقتي وسفراؤه ، وقد ورد الأثر : ' إن لربكم في دهركم هذا نفحات ألا فتعرضوا لنفحات رحمة الله تعالى ' فأشار إلى المدد الوقتي ، وكان رضي الله عنه يقول : ما وردت حقيقة على عارف قط إلا وذهب شاهده تحت سلطان أنوارها ، وأما السامع منه فيمكن بقاء شاهده مع وجود تلقيها منه لأنها وردت من بشير إليه ، وكان يقول : خفيت الأرواح في الأشباح لظهور الأشباح في هذه الدار ، فوقع الاعتناء بالظواهر فشغل العبد بشهوده ظاهره عن مراعاة القلوب ، والسرائر ، والموفق لسعيد من زاحم لروحه ، فأظهرها وجاهد في إصلاح حقيقته فخلصها ، وحررها ، وكان يقول : ليس الشأن من تغرب عليك بتستير أمر بشريته إنما الشأن من أظهر أمرها ، وأوصافها ثم أبى لك آثار التحقيق عليها ، وأبرز لك من مكنوناتها ذخائر الغيوب ، وفي ذلك إشارة لفهم قوله تعالى : ' قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ' ' الكهف : 110 ' وكان يقول : العارف لا يبقى مع غير الله تعالى بحال ، ولا يقف مع ما بدا له من الحق ، ومتى وقف معه حجب به عن ربه تعالى ، وكان يقول : رب شارب دواء نافع ظن الشارب أنه ماء لكونه على صورته ، فكان فيه شفاؤه من جميع الأمراض كذلك الولي ربما عثر عليه من رآه في صورة العوام ، فوصله إلى حضرة ربه ، وهو عنه غافل لا يدري مقامه ، ثم إذا استنار قلبه عرفه . وكان يقول : إنما ثبت البشر لسلطان نور التجلي ، وتدكدك الجبل لأن طينة البشر عجنت من أصل أصيل بخلاف الجبل وكان يقول : الألسنة ثلاثة لسان نقل عن لسان ، ولسان نقل عن قلب ، ولسان نقل عن غيب ، فالناقل عن لسان حاك ، والناقل عن قلب عالم ، والناقل عن غيب عارف ، فلسان اللسان هواء عن هواء ، ولسان القلب داع إلى هدى ، ولسان الغيب يشير إلى عالم المحق ، والفناء ، وانطوى الفرع الأدنى في الأصل الأعلى . وكان يقول : مهر العلوم حسن الفهوم ، ومهر الحقائق الفناء تحت قهر سلطانها وكان يقول : نفس العارف المجعولة لسياسة معيشة الحياة الدنيا تلميذ تحت نور معرفته ، ومريد تحت يد أستاذ روحه ، وحقيقته تأخذ عنه مع جملة الآخذين ، وتستفيد منه مع جملة المستفيدين ، وتربى عنه كما يربي غيره من المريدين ، وتؤمن بخصوصيته كما يؤمن به من شاء الله من المؤمنين ، وهو معزول عن معرفة حقائق علومه الربانية ، ومقاماته العلوية لأن ذلك كله من الأسرار المغيبة التي لا يطلع علماء الظواهر منها إلا على ظواهر آثارها ، وكان يقول : إن لم يسمعك الغيب بالتجليات ، والأنوار فاسمعه أنت بالطاعة ، والأذكار وكان يقول : من تجددت له يقظات في وقت فذلك دليل على أن له غفلات وأهل التخصيص لا يقظة لهم لأنه لا غفلة لهم وكان رضي الله عنه يقول : إذا كنت مفتقرا في إنشاء نطفتك الإنسانية إلى خلقه ، وتصويره فكيف لا تكون مفتقرا في هداية حقيقتك الأصلية إلى لطفه ، وتنويره وكان يقول : قال الله عز وجل : ' يا عبدي إذا لقيتني ، وأنت لي عارف كتبت لك بعدد الأكوان حسنات ' وكان يقول : رب عبد كان يستصغر نفسه أن يكون موجودا ، فلما كسى خلعة الفضل صار يستحي من الله أن يرى الوجود الكوني مع الله شيئا مشهودا ، وكان رضي الله عنه يقول : عليك باستماع الأخبار الطرية التي لم تحدث عن وجود فكر ، وروية ، فإنها دواء للقلوب ، وكان يقول : ذاتك مرآة ، وشكل ذاتك مرآة ذاتك ، وكان يقول : إذا رأيت من رأى ، فقد رأيت ، وكان يقول : كل حقيقة بدت ، فغاب تحت سلطانها شاهد شاهدها ، فذلك مشهد حق ، وإن لم يغب ، ففي شهود ذلك مزج ، وتلبيس ، وكان يقول : الأرواح في عين ذاتها لا صورة لها ، وإنما ذلك من حيث أشباحها ، ولذلك لما عصى بنو آدم بدت السوءة لانطواء الأرواح ، فإن عالم الأرواح إذا ظهر يشهد ربه ، ولا عصيان مع وجود ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : أعز الأشياء وجود الصدق في الطلب ، ويليه في العزة القبول ، وأعز منهما الظفر بالوصول وكان يقول : شيئان لا يكاد القلب يثبت عليهما معرفة الله ، والخروج عما سوى الله تعالى ، وكان يقول : ليس الشأن تجلي حبيبك مع وجدان رقيبك إنما الشأن تجلي حبيبك مع فقدان رقيبك ، وكان يقول : العارف إن لم يطلبه الخلق ليصلوا بواسطته إلى الله تعالى طلبهم هو لاقتضاء حق الله تعالى ، وكان يقول : الجنة مطلوبة والنار طالبة ، ولهذا تعامل هذه بالطلب ، وهذه بالهرب ، وكان رضي الله عنه يقول : يرسل الوالد الشفوق ولده الطفل إلى الطبيب من حيث لا يشعر الطفل ، ويقال له : تلطف به ولا تشقق عليه ، وإكرامك علينا ، ولا تكلفه معرفة دائه ، ولا معرفة مداواته كذلك يقال : للعارف داو مرضى عبادنا إذا أتوك بتيسيرنا ، وهم لا يشعرون ولا تكلفهم معرفة دائهم ، ولا معرفة مداواتهم ، فإنهم ربما شق ذلك عليهم ، وعاملهم كما عاملناهم ، فإنك داع إلينا ، ومطالب بحقنا ، فقد دعوناهم إلى حضرتنا ، وجنتنا ، وهم بها غير عالمين ، وبكنه حقائقها على الحقيقة غير عارفين ، وكان يقول : تتصارع الأسرار ، والأنوار ، ويدير كل واحد منهما كأسه على الآخر ، فيسكران من كأسهما ، فيغيبان عن وجودهما ، فلا أسرار ، ولا أنوار ، وكان يقول : نعمة ، وأي نعمة خطابهم لك ولو كلمة ، وكان يقول : إنما زهد العارفين في الدارين لرؤية ما هو أشرف ، وأعلى ، وأجل ، وكان يقول : العابد يعادي فعل نفسه ، والعارف يعادي ذات نفسه ، وكان يقول : ' لازم على قول لا إله إلا الله ' حتى تغيب عن لا إله إلا الله بلا إله إلا الله ، وكان يقول : إنما صد عن العارف المحقق ، وجود شركهم لأن العارف يدفع بهم في حضرات الجمع ، والتفريد ، فتفر نفوسهم من حر نار الأنوار إلى ظل ظلال الأغيار ، وكان رضي الله عنه يقول : من أحب الله تعالى أحب كل ما كان سببا منه كما قال : مجنون بني عامر : أحب لحبها السودان حتى . . . حببت لحبها سود الكلاب وكان رضي الله عنه يقول : للعارف إذا اشتكى آثار بشريته إنما نريد أن نعمر بك دوائر الحس كما عمرنا بك دوائر القدس ، وكان يقول : خرج ابن آدم إلى الدنيا بجناح لحمي ، وفوقه سماء ، وتحته نار ، فإن ربى جناحه ، وريشه طار ، وإن أهمله وتركه سقط في النار ، وقد جاء في الحديث : ' إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ' . وكان يقول : من قهر القهار أن يشهدك ما يشهدك ، ولا تستطيع أن تسلكه ، ولا تعمل على مقتضاه إلا إذا شاء ، وأراد ، وكان رضي الله عنه يقول : كل شيء أردته ، وأنت محجوب ، فليس هو عين الأمر المطلوب وكان يقول : كلما ازداد عبد بالحضور ازداد الوقت به نورا وكان يقول : لا تأكل النار إلا محل الشرك إن كان كلا ، فكلا ، وإن كان جزءا ، فجزءا ، وإنما نالت النار من بعض المؤمنين لأنهم كانوا بعصيانهم على خفاء من الشرك مشتملين ، وكان رضي الله عنه يقول : حقيقة السر لا تظهر لأحد في الدارين ، وكان يقول : لا يباح إظهار الأسرار عند الاضطرار إلا بفتاوى علمائها ، وكان يقول : لا يظهر لب حقيقة الإنسان إلا بإزعاج ظاهر طينته ، كما لا يظهر باطن لب إلا بعد إزعاج ظاهر قشرته ، وكان يقول : لا يلزم من ذكر أوصاف آداب المعاملات وجود الاتصاف بها لكنها من المتصف بها أنفع لسامعها ، فإن غير المتصف بها قصده مدخول ونشر علمه في ذلك معلول . وكان يقول : يقول الحق تعالى لبني آدم ملأتم الأرض طولا ، وعرضا ولم يأتنا منكم إلا القليل ، وكان يقول : ما سكت عارف قط ، ولو نفسا لا عقوبة لأهل زمانه ، وما تكلم قط كلمة إلا انتفع بها كل من سمعها وكان رضي الله عنه يقول : من غفلة العبد ، وعمى قلبه نسبته الأشياء لغير ربه ، وكان يقول : لن تستطيع أن تسلم من الشيطان الملصق بذات وجودك الملتقم بإذن قلبك الجاري منك مجرى الدم إلا برجوعك إلى من هو أقرب إليك منه وهو الله تعالى ، وكان يقول : سيئات الظواهر في طريق المعاملات في معرض العفو لكونها مخالفة للأوامر السمعية الواردة على الخلق من وراء الحجاب ، بخلاف أنوار القلوب ، والأسرار إذا حصل فيها خلل ، فلا مغفرة لسيئاتها ، ولا عوض من فواتها ، قيل لبعضهم حين كان عنده خلل : كل ذنب لك مغفو . . . ر سوى الإعراض عنا قد غفرنا لك ما فا . . . ت بقي ما فات منا وكان يقول : ما تعقب ندامة قط وقتا فارغا ، أو مظلما إلا ملأته ، أو نورته ، وكان رضي الله عنه يقول : أولا تسمع ثانيا تفهم ثالثا تعلم رابعا تشهد خامسا تعرف ، وكان يقول : ابن آدم ذو عوالم ثلاث عالم إنساني وعالم شيطاني ، وعالم روحاني ، فله من حيث المعنى الطيني الجهل ، والنسيان ، ومن حيث الريح الشيطاني التكذيب ، والكفران ، والجحود ، والطغيان ، ومن حيث الوصف الروحاني التصديق ، والإذعان ثم اليقين والعرفان ، ثم الشهود ، والعيان ، وكان يقول : القلوب ثلاثة قلب أرضي ، فالشيطان يأوي إليه ، وربما استحوذ بالإغواء عليه ، وقلب سماوي ، فهو يلقى إليه ، ويسترق السمع من نواحيه ، فهو ينال من سماع أخباره ، وربما رجم بشهاب من أنواره ، وقلب عرشي ، فهو أبدا لا يدانيه ، ولا يصل أبدا إليه . وكان يقول : أول مراتب السماع للقرآن غيبة السامع عن شهود الأكوان ، وكان يقول : إذا أراد الله بعبد خيرا أوصل إلى قلبه العلوم الحقيقية المتلقاة من حضرة الربوبية بطريق ليس فيه إشكال على الظواهر الشرعيات ، ولا تعدي القواعد العقليات ، وكان يقول : الكون الشهادي كله منطو في ظاهرية آدم ، وظاهريته منطوية في معنى روحه غيب في طي النفخ فيه ، والنفخ منطو في الإفاضة ، وذلك منقطع الإشارة ، وكان يقول : لما شهد الكون انفاني بعين الغفلة موجودا مع الله تعالى قضى الله عز وجل بفنائه غيرة لأحديته وكان يقول : لو نطق العارف بلسان حقيقته لم يسع الكون الشهادي كلمة من كلماته ، وكان يقول : كان الحق تعالى يقول : يا من طلب مني خذ ، ويا من طلبني قف ، وكان يقول : من مزج لك كأسا من التذكرة بذرة من بشريته فقد آذاك وكان يقول : لو خير العارف بين مائة ألف خصوصية أو كشف حجاب لا اختار أن يكشف له ذرة من حجاب . وكان يقول : الحال ما جذبك إلى حضرته ، والعلم ما ردك إلى خدمته ، وكان يقول : لولا ضيق المجاري كنت ترى الرز جاري ، وكان يقول : ما منعك من شم نسيم القرب إلا زكامك ، ولا حجبك عن شهود النور إلا ظلامك ، وكان يقول : من تزايد له حب في محبوبه بسبب جديد فهو في دعوى نهاية المحبة بعيد ، وكان يقول : الحالة التي لا اعتراض عليها من ظاهر ، ولا باطن جمع لا شطح فيه ، وفرق لا شرك فيه ، وكان يقول : من أبدى من أسرار الله تعالى ما لا يليق إبداؤه وأفشى من العلم المكنون ما لا يناسب إفشاؤه عوقب بسوء الظنون فيه ، أو بما هو فوق ذلك من العقوبات ، وكان يقول : لو زال منك أنا للاح لك من أنا ، وكان يقول : لا ينال الشيطان من آدمي نيلا إلا إن نزل إلى أرض شهوته ، وكان يقول : إنما نفر العباد من الخلق لجهلهم بأسرار الله فيهم ، ولو عرفوا أسرار الله فيهم لأنسوا بهم كما أنس بهم العارفون . وكان يقول : كلما دق الكشف الغيبي ، وخفي كان أعلى ، وكان يقول : كل دليل تستدل به على معرفة الله تعالى ، فأنت أظهر منه ، وكان يقول : ما عمل العارفون في هذه الدار على حال ولا مقام وإنما عملوا على تحقيق انحيازهم إلى الله تعالى وأن الكل في طي ذلك ، وكان يقول : كل ما كان من الموجودات بعيدا عن شهود الاختيار في أفعاله طال بقاؤه كالسماء ، والأرض ، والجبال ، والبحار ، وكل ما كان قريبا من شهود اختياره قصر بقاؤه كالآدمي ، والحيوان تذكرة لأولي الألباب ، وكان يقول : سوابق العناية قبل نواطق الهداية ، وكان يقول : أنت في الدنيا غير قار فيها ، والآخرة لم تصل بعد إليها ، فلم يبق إلا رجوعك إلى القريب المجيب ، وكان يقول : ما أكرم الله عز وجل عبدا بمثل نور أهبطه على قلبه ، وكان يقول : إذا تكلم العارف بكلمة غاب فيها وجود المستمع ، وذلك لأن الكلام ذكر ، والسماع أنثى ، والرجال قوامون على النساء ، وكان رضي الله عنه يقول : لو تنفس عارف في بلدة ثبت إيمان كل عبد فيها ، وكان يقول : أمام كل وصول غيبي عارض شهواني وكان يقول : كل عارف لا يميت وجوده أمام مريده لا يصل مريده إلى الله تعالى ، وكان يقول : لا يصل إلى حضرات الأنوار إلا الخالص من الأسرار ، وكان يقول : ما نظر مريد لعارف بعين توقير ، ووداد إلا كان سالكا سبيل حق ، ورشاد ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يباح التوحيد بالفهم إلا في محل التكليف خاصة وكان يقول : من تواجد بالفهم في موطن لم يصل إليه زل به قدمه عما كان فيه إلى أسفل منه وإنما يباح ذلك لمأذون له أو لمن هو تحت إشارة عارف ، وكان يقول : الواردات الربانية لا تصل إلى الفهوم ، وما وصل إلى الفهوم إنما هو من رشاش مائها ، ومن شعاع ضيائها ، وكان يقول : لا يلوح لك نور حقائق الإيمان حتى تخرج عن عامة الأكوان . وكان يقول : من علامة العلم الحقيقي ، إذا ورد على القلب أن تذهب الأمثال ، والصور ، وإن كانت الأمثال الظنية سببا لأخذ الحقائق الأصلية ، وكان يقول : إنما خلق فيك ما خلق لتعرف به الأكوان لا المكنون ، فإنه لا يعرف الكون إلا به تعالى ، وكان يقول : مواد الحكمة منطوية في القوة الإنسانية ، وإنما يفضل الحكيم على غيره باستخراجها من قوته إلى فعله وكان يقول : الآدمي لا تقع عليه الإشارة لأنه نسبة تاهت في أنوار الفناء ، وكان يقول : إن كان لك في الوصول نية فلا تبقى منك بقية وكان يقول : ابن آدم ذو وجودات مطوية ، فتبصروا في خلالها فعسى يلوح لكم شيء من جمالها وكان يقول : لا يظهر جواهر الإيمان إلا وجود الامتحان وكان يقول : نيل الشهوات في الحياة الدنيا عذاب معجل مستور ، وكان يقول : الحقائق كلما بدت بوصفها خفاء في ظهور وظهور في خفاء ومددها من الواو في قوله : ' هو الأول والآخر والظاهر ' ' الحديد : 3 ' وكان يقول : ما ورد وارد عال ، وله نهية قط ' وكان يقول : المحققون قسمان مأذون له في الدلالة ، والإفصاح ، وغير مأذون له في ذلك ، وكان يقول : أمتعة الدنيا فيها لطف وبركة لأنها بساط لعطاء لا ينقطع ، وفضل لا ينحصر وإطلاق في عوالم البقاء ، والفسيح الأعلى ، وكان يقول : إذا مرت بك سحابة حقيقية غيبية فقف تحتها فهي إما أن تظلك ، وإما أن تبلك ، وكان يقول : من علامة عدم حرية الرجل نقله قدمه حيث قاده هواه وكان يقول : اثبت على حسن قصدك لتحقق حصول مقصودك ، وكان يقول : من دليل استقامة المؤمن شوقه لما ليس فيه هوى نفسه ، وخوفه ، ورجاؤه مما لا يلائم نفسه ، وكان يقول : من عصر لك من ما ظاهر بشريته ، فإياك أن تشرب منه ، فإنه يجرك إلى اتباع الهوى ، وركوب الضلال ، ومن عصر لك من باطن خصوصيته ، فاشرب هنيئا مريئا ، فإنه الشراب النافع . وكان يقول : كل كلام كنت مختارا في قبوله ودفعه فنفعه عندك قليل ، وكل كلام قهرك على قبوله ، فذاك الذي يدفع بك إلى الأمر الحسن الجميل وكان يقول : المريد سيره بباطنه ، وظاهره تبع ، والعابد سيره بظاهره ، وباطنه تبع ، فالعابد يراقب ، أوراده والمريد يراقب ، وارداته ، وكان يقول : ما تعلم العلماء ليعصموا ، وإنما تعلموا ليرحموا ، وما تعلموا ليتحصنوا بعلمهم من الأقدار ، وإنما تعلموا ليفروا إلى الله تعالى باللجأ ، والافتقار ، وكان يقول : أحوال أهل المعرفة غريبة جدا ، فإنهم إن كانوا مع بشريتهم ، فحيتان في ماء ، وإن كانوا مع خصوصياتهم ، فطيور في هواء فهم إذا كانوا بوصف نفوسهم غرقى في بحار الدنيا ، وإذا كانوا بوصف أرواحهم جوالون في أفق العوالم الأعلى ، وأقل مكثا في الدنيا من العوالم كلها ما كان أكثر شبها بالعالم الأعلى ، وأقوى في الأصالة ، وكان يقول : كل ما كان فوق إدراك العقل لا يمشي فيه إلا بأحد أمرين إما بالنور ، أو بالاعتقاد ، وكان يقول : كلما قلت : الحيلة من المخلوقات كثر من الخالق التوفيق ، والإعانات ، وكان يقول : أصل حجاب بني آدم وقوفهم مع الظلال مع غيبتهم عن شهود حقائقها كما أنهم إنما حجبوا بالعلم لوقوفهم خلف حجابه دون حقائقه . وكان رضي الله عنه يقول : للشاكر في حال شكره لسان ينطق عن ربه إن الله تعالى يقول : على لسان عبده سمع الله لمن حمده ، وكان يقول : العارف في الدنيا لغيره لا لنفسه وغيره لنفسه لا لغيره ، وكان يقول : كلما وجه العبد قلبه إلى الله تعالى انجمع ، وكلما وجه قلبه إلى الخلق تفرق وكان يقول : كل سبب فرقك فقد أفناك وأماتك ، وكل سبب جمعك ، فقد أحياك وأثبتك ، وكان يقول : المحبة جسد لأرواح الحقائق ، وباب لحضراتها ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما فر العباد من الناس لأنهم ، وجدوا منهم نتن جيفة الدنيا لظواهر بشرياتهم ، وإنما أقبل العارفون عليهم لأنهم ، وجدوا منهم طيب ريح الأرواح لباطن خصوصياتهم ، وكان يقول : إن الله عز وجل ليغار على وليه أن يعرفه غيره ، وكان يقول : لا يعرف الولي حتى يعرف الله تعالى لأنه عنده فلا يعرف إلا بعد معرفته ، ولو عرف قبل معرفته لكان حجابا عن الله تعالى ، وكان يقول : للعلم بالله تعالى في هذه الدار طريقتان العلم الإلهامي للأولياء ، والوحي للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وكان رضي الله عنه يقول : الأعين في مناظرها عين صحيحة الذات قوية النظر ، وهي عيون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وعين صحيحة الذات ضعيفة النظر ، وهي عيون الأولياء رضي الله تعالى عنهم ، وعين موجودة الذات محجوبة النظر ، وهي عيون المؤمنين الغافلين ، وعين عمياء ، وهي عيون الكافرين الجاهلين وكان يقول : منذ حصر الآدميون في قوالب البشريات ، وسجنوا في سجون المظاهر الحسيات لم يأتهم نفس العالم الغيبي ، ولا شيء من شعاع أنوار المحل الكوني ، ولا علم حقيقي جديد إلا على أيدي . الأنبياء والمرسلين ثم بوسائط أتباعهم من الأولياء ، والصديقين ، والعلماء العارفين ، وليس مع أحد منهم زيادة على ذلك إلا ما أوتوه في أوائل فطرتهم فليس لهم علوم جديدة طرية إلا من تلك المنابع العلية القدسية وكان يقول : من عرف العارف تعب به العارف لأنه يصير حامل أثقاله في جميع تقلباته ، ومن جهل العارف استراح به العارف ، وكلما قويت معرفة العارف زاد افتقاره ، وإفلاسه ، وذلك لأنه كلما ازداد معرفة ازداد قربا ، وعند القرب نزول النسب ، إذ وجود النسب ، والأسباب لا يمون إلا مع البعد ، وإرخاء الحجاب وكان يقول : العارف في الدنيا كشمعة تضيء مع خفائها وكان يقول : لا نجاة يوم يخسر المبطلون إلا لنبي أو تابع لنبي أو محب ، وكان يقول : الأمثال للمريدين ، والحقائق للعارفين ، ومثال العارف مثال رجل عند البحر ، فهو يغترف منه حيث شاء ، ومثال المريد مثال رجل عنده جمد ماء قليل ، فهو ينتظر حله ليسيغه ، وكان يقول : إذا حاولت نفسك في فهم القرآن ، فذاك من عجيب حالك لأنك تريد أن تفعل ، فيما هو فاعل فيك ، وكان يقول : إذا بقي المؤمن يوما واحدا في الإيمان تمسك بأكثر من مائة ألف عروة كل عروة منها لا انفصام لها ، وكان يقول : إذا قاد الشيطان الإنسان إلى الذنوب ، والعصيان ، ولم يصر بل رجع ، وتاب ، فكأنه ما انقاد له قط ، وكان يقول : إذا دعوت عبدا لغير هوى نفسه ، فاتقه ما أمكنك ، فإنه يعاديك بنفسه ، ويواليك بإيمانه ، وكان يقول : إذا أصلحت عملك أقبلت الجنة عليك ، وإذا أصلحت قلبك أقبل الحق سبحانه وتعالى بإحسانه إليك ، وكان يقول : إذا أجنب العبد ألف جنابة كفاه غسل واحد ، وأباح له الدخول في الصلوات ، وكذلك العبد ، إذا أجنب بالغفلة ألف جنابة ، ثم ذكر الله تعالى مرة واحدة ، واستغفره كان ذلك مطهرا له من تلك الجنابات ، ومبيحا له الدخول ، في الحضرات ، وكان يقول : إذا حصل لك الأطيبان فلا تبال الإيمان بالله ، والعود بعد العود لله ، وكان يقول : والله لولا أن الله تعالى يريد ستر أوليائه في هذه الدار ما سلط عليهم أحدا يؤذيهم ، وكان يقول : استمع الكلمات الرادعة عن الغي ، والنصائح النافعة في زمن الرخاء قبل أن تبدو الحقائق بذواتها ، فإن أولها كتاب ، وثانيها خطاب ، وثالثها عتاب ، ورابعها حجاب وخامسها عذاب . ' يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها ' الآية ، وكان يقول : نسبتك إلى الله تعالى بالتقصير خير من نسبتك إلى غيره بالوفاء ، والصدق ، وكان يقول : كأن الحق تعالى يقول : من طلب مني بما يبدو منه ، فقد طلب مني بوصفه ، فالحرمان إليه أقرب ، ومن طلب مني بوصفي فالكرم إليه أقرب ، وكان يقول : إذا نهيت النفس عن الهوى ، فإن الجنة هي المأوى ، وإذا سعيت بقدم التقوى بما ليس للنفس فيه هوى كانت الحضرة هي المأوى ، وكان يقول : لو رفعت لك الستور لاحت لك السطور ، وكان يقول : الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام استقرت حقائهم في دوائر الغيب فهم بذواتهم هنالك ، ولهم رقائق في عوالم الشهادة ، وفاء بحق دوائر الظواهر ، والأولياء استقرت حقائقهم في عوالم الشهادة ، ولهم رقائق . جوالة في عوالم الغيب ، فالأنبياء تعدوا الحجاب بحقائقهم ، والأولياء تعدوا الحجاب برقائقهم ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما يستجيب لمن دعاهم إلى الله تعالى بالاختيار العبيد الأحرار وكان يقول : رأس مالك في صلاح حالك وجود إقبالك ، وكان يقول : الصلاة المقبولة قطعا هي التي اتصلت بالمتابعة الحقيقية ، وكان يقول : لو أن عارفا بالله تعالى في مشرق الشمس ينطق بحقيقة ، ورجل محب له في مغربها لكان له نصيب من ذلك على حسب قسمته ، وتهذيب محبته ، وكان يقول : كل عمل ، فهو موعود بجزائه آجلا إلا التذكرة ، فإن جزاءها عاجل مع مالها آجلا قال تعالى : ' وذكر الذكرى تنفع المؤمنين ' ' الذاريات : 55 ' وكان يقول : عزت معرفة العارفين أن تكون هذه الدار لآثارها مظهرا ، وكان يقول : لأن تلقى الله تعالى ، وقلبك مستنير خير من أن تلقى الله تعالى وعملك كثير ، وكان يقول : لسان الحس أعجمي ، ولسان القلب عربي فمهما وقع لك شيء بعجمة حسك ففسره بعربية قلبكم تجد الهدى والبيان ، وكان يقول : القلوب على أصل سذاجتها لم تزل ، ولكنها إذا حركت بالتذكرة ، فإما تستقيم فيعينها الله تعالى ، وإما أن تعوج ، فيزيدها الله عوجا قال تعالى : ' وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا ' ' التوبة : 124 ' الآيتين ، وكان يقول : القول بالحق ، وسماعه عبادة عمل به عامل ، أو لم يعمل ، وكان يقول : إنما اضطر العارفون إلى ملابسة الخلق ، والدنيا لإنقاذ من فيها من الغرقى ، وتخليص من بها من الأسرى وليتحملوا كثيرا من أكدارها عن الضعفاء ، وكان يقول : لسان التوحيد في الدنيا غراب ينعق بفنائها وزوالها ، وكان يقول : لما كانت هذه الأمة أقوى الأمم بحقائق التوحيد كانت لذلك أضعف الأمم أجسادا وأقلها أعمارا ، وكان يقول : لا واسطة في شيء من الأسرار المبثوثة في خواص بني آدم للملأ الأعلى ، وإنما الحق يوصلها إلى سرائرهم بقدرته ، وما عدا الأسرار ، فلا يصل قط منها شيء إلى الأسفل إلا بواسطه العالم الأعلى ، وكان يقول : ما خاطبك قط كونا ، وخاطبك إلا بغير حقيقتك الأصلية إلا الحقائق ، فإنك لا تتلقاها إلا بغير ذاتك الأصلية ، وكان يقول : لو باشر صريح الحقائق قلب المريد الصادق لم تسعه الأكوان ، وكان يقول : إذا علمت الحقيقة لم تظهر إلا على أشرف الخليقة كما أن نور النبي صلى الله عليه وسلم لما كان أعلى الأنوار لم يظهر إلا على أشرف الأبشار صلى الله عليه وسلم وكان يقول : استقرار الحقيقة في ذهن السامع أكثر من استقرارها في ذهن الناطق لأن الناطق بها يشاهدها عينا فيقل زمن مكثها عنده ، والسامع يأخذها من شهادة ، فيطول زمن مكثها عنده ، وكان يقول : متى لاح لك نور ، فاستصحب منه شهودا ، أو محبة فقد حصل لك نصيب من ذلك ، وكان يقول : الأنوار العرفانية بارزة من غير محل البشرية ، فإن أردت أن تلقيها ، فلا تجعل البشرية شرطا فيها ، وكان يقول : متى سمعت كلاما عن رجل في كتاب ، أو نقل ، فإن لم يكن له نسبة في شهود حقيقته لم تنتفع بكلامه ، وكان يقول : إذا عرض الكون الدنيوي حجب ، وإذا عرض الكون الآخروي ، أوقف ، وكان يقول : لا يطفئ نور الحقيقة ، وشمسها هبوب هواء النفوس ، والدنيا لأن جواهرها مستقرة في قعر بحار القلوب ، ولا يصل إليها غواص النفس ، والهوى ، وكان يقول : لو لم يبعد العارف الحقيقة عن ذاته قليلا ما أمكنه التعبير عنها ، وكان يقول : إذا نظر العارف بين بصيرته غابت الدنيا في مراته لأن حدقة بصيرته أوسع منها ، وكان يقول : العالم الدنيوي محل ظهور المعنى الإنساني ، ومن بعد الموت إلى آخر المحشر محل ظهور النور الإيماني ، ومن مبتدأ دخول الجنة محل ظهور السر العرفاني ، وكان يقول : لله تعالى في كل حقيقة علم لا يعلمه فيها غيره ، والناس ، فيما دون ذلك متفاوتون ، وكان رضي الله عنه يقول : القلوب الغافلة إذا سمعت الحقائق نفرت ، ولا يثبت لسماع الحقائق إلا قلب أراد الحق ترقيه ، وكان يقول : لا يظهر ولي في الدنيا قط بحقيقته ، وإنما يظهر بعلمه لا بعينه ، فإذا كان يوم القيامة أظهرهم الله بحقائقهم وأعيانهم وكان رضي الله عنه يقول : يا بن آدم ما أنصفت يدعوك داعي الدنيا بكلمة واحدة لشيء ذاهب كدر ، فان فتجيبه ألف يوم ، ويدعوك داعي الآخرة لشيء باق صاف ثابت ألف يوم ، فلا تجيبه يوما واحدا فليتك إذا لم تقدر الآخرة سويت بينهما ، وكان رضي الله عنه يقول : من العجب كون الإنسان ينظر لشمس الدنيا فيستضيء بنورها ، وينتفع بآثارها ، وفي سر ، وجوده شمس أنوار ، وهو غافل عن شهود حقيقتها لظلمة ذاته الطينية . انهم وكان رضي الله عنه يقول : يا بن آدم ما أنصفت يدعوك داعي الدنيا بكلمة واحدة لشيء ذاهب كدر ، فان فتجيبه ألف يوم ، ويدعوك داعي الآخرة لشيء باق صاف ثابت ألف يوم ، فلا تجيبه يوما واحدا فليتك إذا لم تقدر الآخرة سويت بينهما ، وكان رضي الله عنه يقول : من العجب كون الإنسان ينظر لشمس الدنيا فيستضيء بنورها ، وينتفع بآثارها ، وفي سر ، وجوده شمس أنوار ، وهو غافل عن شهود حقيقتها لظلمة ذاته الطينية . وكان رضي الله عنه يقول : ديننا هذا قسمان ظاهر علم ، وباطن حقيقة ، فظاهره مضبوط بالأصول ، والنقول ، وباطنه مضبوط بأنوار القلوب ، فمن أتاك بشيء منه ، فاستشهد عليه بما هو منه فالظاهر بشواهده ، والباطن بشواهده ، فمن قبل شيئا من ظاهر بغير نقل ثقة زل ، ومن قبل شيئا من باطن بغير شهود قلب ضل ، وكان يقول : من أحسن الأنوار نور يرد على قلب المريد ولا يلوث بظلمة الدعوى ، وكان يقول : والله ليس قصد الدعاة إلى الله تعالى علوما ، ولا أحوالا ، ولا مقامات ، ولا خصائص ولا غير ذلك ، وإنما قصدهم جمع كلمة الدين باطنا كما هي مجموعة ظاهرا ، وكان يقول : لولا أن الله تعالى قيد الأرواح بقيدين ثقيلين لطارت إلى الله تعالى طيرانا . قلت : ولعل المراد بالقيدين الأمر والنهي ، وكان يقول : قلب العارفين يكتب ، وقلب المريدين يكتب فيه ، وقلب الغافلين لا يكتب ، ولا يكتب فيه ، وكان يقول : إذا بدت لك الحقائق كان علما ، وإذا بدت فيك كان كشفا ، وكان يقول : العالم الرباني في الوجود كالقلب والوجود له كالجوف ، وما جعل الله تعالى لرجل من قلبين في جوفه ، ولو أن المدد الحقيقي ورد في هذا العالم من عارفين على السواء لسري في قلوب الآخذين وجود الشرك الخفي ، فافهم . قلت : مراده أن المرتبة في كل عصر لواحد في نفس الأمر ، والزائد أعوان له ، والله تعالى أعلم ، وكان يقول : ما ثبت على عبد خصوصية نفسين إلا طغى بها . فإن أراد الله تعالى به خيرا طهره من شهود أوصافه ، وكان يقول : المؤمن الذي يجاهد نفسه يختم الله له بالإسلام أكثر من مائة ألف مرة لتكرار موته في ذات الله تعالى بسيوف المجاهدة ، وكان يقول : سيرك قدما واحدا على أثر قدم عارف أحسن من مائة ألف فرسخ تسيرها بهواك ، وكان يقول : كلمة الحكمة عروس كريمة ، فإن لم تجد كفؤا رجعت إلى بيت أبيها وكان يقول : أعلى مقامات المغفرة في الدنيا وجود الفتح الحقيقي ، وهو توقيع الولاية ، وكان يقول : العابد يسلم في عمره مرة واحدة ، والمريد يسلم في عمره كذا كذا مرة ، وكان يقول : أتباع كل طائفة يأخذون بالإيمان ، وأتباع هذه الطائفة يأخذون بالعيان ، وكان يقول : العارف لا قلب له يعيش به لأنه بربه لا بقلبه وكان بعض العارفين يقول : عاش من لا قلب له ، وأنشدوا في معناه : يقولون لو راعيت قلبك لا رعوى . . . فقلت : وهل للعارفين قلوب وكان يقول : مكث الوارد يدل على علوه ، وكان يقول : لو كشف للعبد المؤمن ، أو العارف على ما في طي قلبه لأشرقت منه الأكوان ، وكان يقول : لا بد أن يجلس العارفون في الجنة ، ويحدثون الناس حديثا فوق هذا من حديث الجنة ، وعملها ، وآدابها ، وكان يقول : أكثر الناس عطاء ، وكرما من جعل الله على يديه أرزاق عباده ، وكان يقول : لولا روح الحقائق ماتت الخلائق ، وكان يقول : لو علمت قدرك قبل أبيك آدم لندمت إلى الممات ، وكان يقول : لا تقنع قط بسمعت ، ورويت بل شهدت ، ورأيت ، وكان يقول : يتكلم العارف مائة ألف سنة ، ثم إنه لا يقدم على الله تعالى إلا بوصف السكوت قال الله تعالى : ' يوم يجمع الله الرسل فيقول مذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ' ' المائده : 159 ' وكان يقول : لا بد للعارف من التنزل من على همته إلى درجة مريده ليربيه ، وكان يقول : الرجل الكامل يربى بالدائرتين بالأبوة والأمومة ، وكان يقول : لو لم يصبح واحد الزمان يتوجه في أمر الخلائق من البشر لفجأهم أمر الله عز وجل ، فأهلكهم ، وكان يقول : لأن تبيت وأنت في فضل الله طامع خير لك من أن تبيت ، وأنت ساجد راجع ، وكان يقول : من حضر في الحضرات ، فلا اسم له ، ولا صفة ، وكان يقول : إن الله تعالى يكسو خواص أهل الجنة خلعا لا لون لها ، وكان يقول : لو تجلت شجرة في الجنة بحقيقتها ما استطاع أهل الجنة أن ينظروا إليها ، وكان يقول : اليوم أنت تقول : للكون أخبرني عن مكوني ، وفي الآخرة يقول : هو لك اخبرني عن مكوني ، وكان يقول : من خرج عن محبة الدنيا سمي عابدا زاهدا ، ومن خرج عن نفسه وعوالمها سمي عارفا ، وكان يقول : من عرف ما دون الله قبل معرفته لله حجب ، ومن عرف الله قبل معرفته لخلقه لم يحجب ، وكان يقول : لا تنظر في أفعال الواعظين تحجب عن فوائد أقوالهم ، ولا تنظر لذات العارفين تحجب عن فهم إشاراتهم ، وكان يقول : كيف تعرف خالقك بشيء هو خلقه فيك ، إذ كل مدرك له سلطان على ما أدركه : ' وهو القاهر فوق عباده ' ' الأنعام : 18 ' وكان يقول : كل من ظن أن الحروف تثبت في خزانة حفظه فهو محجوب ، وكان يقول : الجنة حقيقة هي إشراق عوالم الوصول ، وكان يقول : الناس حول صاحب الكلام الرباني كالعجم حول الفصيح ، فلا يشترط معرفتهم لذلك ، وكان يقول : خدمة أستاذك مقدمة على خدمة أبيك لأن أباك كدرك ، وأستاذك صفاك ، أباك سفلك ، وأستاذك علاك ، وأباك مزجك بالماء ، والطين وأستاذك رقك إلى أعلى عليين . وكان يقول : من دخل الدنيا ، ولم يصادف رجلا كاملا يربيه خرج منها وهو متلوث ، ولو كان على عبادة الثقلين ، وكان يقول : إنما كان العبد يدخله الوسواس في الصلاة ، ولا يدخله إذا سمع كلام عارف ، وهو بين يديه لأن المصلي يناجي ربه ، والمستمع للعارف يناجي ربه ، وكان يقول : من أعظم منن الله تعالى على العباد أن يظهر بينهم عارفا ، وإن لم يعرفوه ، ولم يروه وكان يقول : إذا عرفت الله ، فلا تظن شرا ، فما هناك بعد معرفته شر . وكان يقول : إنا لله تعالى ليستر عن العارفين كثيرا من مقاماتهم وكراماتهم حتى لا تخطر الدعوى على بالهم ، وكان يقول : إن الرجل العارف ليكون في سفينة ، والأولياء حوله مشاة على الماء يتلقون عنه ، ويأخذون منه ، وهو لو نزل معهم لغرق وكان يقول : كل ما حجبك عن الله تعالى ، فهو ذنب ، وكان يقول : أعظم ما يتنعم به أهل الجنة العلم الذي يعطيه الله تعالى لهم هناك ، وكان يقول : إذا دخلت حضرة لا أين ، فأين الأين أنظر ، وكان يقول : الكامل من يستر باطنه بظاهره ، وكان يقول : إذا نفخ في الصور قال : المريد الصادق سمعت هذا منذ زمان ، وكان يقول : معاصي أهل السعادة كالأوهام ، ومعاصي أهل الشقاوة تحقيق ، وكان يقول : سماعك من العارف كلمة أدب في لحظة أفضل من أدب أبيك لك ، ومعلمك في الأمر الظاهر عشرين سنة لأن العارف يؤدب روحك وغيره يؤدب نفسك ، وكان يقول : إذا حضر أحد من الأغيار مجلس العارف قيل له : أنفق الآن من خزانة فكرك واستر ما في خزانة قلبك حتى يحضر أخصاء مجلسك ، وتحضر قلوبهم معهم ، وكان يقول : من سقاك من جسدك فقد ظلمك ، ومن سقاك من نفسك ، . فقد ظلمك ، ومن سقاك من عقلك ، ومن سقاك من شراب قلبك ، فقد أحياك ، وكان يقول : العلوم ثلاثة علم سلوكي ، فيجب إبداؤه ، وعلم كشفي ، فقد لا يباح إبداؤه وعلم سري ، فلا يباح إظهاره قط ، وكان يقول : الاطلاع على كنه صفة أفعال الحق ، وأسرار تدبيره في مكنوناته وربط الأسباب بعضها ببعض ، والإشراف على وجه الحكم المبثوثة فيها مع تحقيق العلم بها ، وبأوصافها ونسبها متعذر على جنس البشر إلا من أيد بنور من الله تعالى ، فلم تزل النفوس البشرية مستشرفة لعلم ذلك ، فإذا لاح لها بحسب ما ركب في طباعها أمور ظنية ، أو خيالية ، أو وهمية ، أو تجريبية ، أو تقليدية سارعت إلى ادعاء علم ذلك ، وهو غلط ، وكان يقول : ما من عبد يتوجه إلى الله تعالى بعمل إلا وينادي عليه أين قلب هذا العبد أثبتوا ديوان عمله أين كان قلبه ، وكان يقول : لا عذاب على أهل النار أعظم من عذاب حرمان الجنة ، وكان يقول : أول ما يجيب العارف ، إذا دعى إلى الله تعالى من الإنسان روحه فإذا سلمت من العوارض تبعت ، وإلا رجعت ، وكان يقول : شكل الآدمي ما عدا أهل العصمة صنمي فمن أقبل عليه عبده ، ومن أعرض عنه وجد الله تعالى ، وكان يقول : إذا كان انطوى في ظل موسى عليه السلام سبعون رجلا فسمعوا الكلام الرباني ، فكيف لا ينطوي في ظل المحمدية سبعمائة ألف ، وكثر مع أن بعض أولئك حرفوا ، وكل هؤلاء عرفوا . وكان يقول : ما أعز طريق القوم ، وما أعز من يطلبها وما أعز من يجدها ، وما أعز من ثبت عليها بعد ، وجودها ، وكان يقول : إذا حضر المريد الصادق مجلس العارف سمع كلامه من جهاته الست ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يزال الوجود يمحو ما هو لوح قلبك والنور يكتب فيه . وكان يقول : مراد العارف أن يخرج المريد من الضيق إلى السعة في عالم الغيب ، وإن لم يشعر المريد بذلك ، وكان يقول : العارفون يتكلمون مع الخلق ، وهم بالحق مع الحق كما حكي عن أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه أنه قال : لي ثلاثون سنة أتكلم مع الله تعالى ، والناس يظنون أني أتكلم معهم ، وكان يقول : إن لله عبادا لا يستطيع مريد أن يدخل تحت حكمهم لما هم عليه من الأعمال ، ولو أنهم حطوا عليه عبئا من أعبائهم لذاب كما يذوب الرصاص ، وكان يقول : لا يوزن عمل عبد إلا إذا تعرى من أنوار التجليات ، فإن لبس أنوار التجليات لم يسع عمله الميزان ، وكان يقول : من الرجال من يتمثل له المقام ومنهم من يشاهد المقام ، ومنهم من يذوق المقام ، وكان يقول : من أنفق عليك من خزانة نفسه فلا تقبل منه شيئا ، ومن أنفق عليك من خزانة عقله ، فاقبل ، أو اترك على حسب ما تلقح بنور الحكمة ، ومن أنفق عليك من خزانة قلبه ، فاقبل واستكثر ، ولا ترد من ذلك شيئا ، ومن أنفق عليك من خزانة غيبه ، فذاك الكنز الأكبر الذي يتنافس فيه . وكان رضي الله عنه يقول : داعي الدنيا يدعوك من حيث تشتهي ، وتميل ، وداعي الآخرة يدعوك من حيث تنفر ، وتكره ، وداعي الحقيقة يدعوك من حيث تغنى ، ويذهب شاهدك ، فلهذا تستجيب النفس سريعا للأول ، وتستصعب لاستجابة الثاني وتمتنع من الاستجابة للثالث إلا إن حفت العناية ، وكان يقول : لو أنطق الله لك صامت ، وجودك ، أو صامت الأكوان لقالوا لك مثل ما يقول : العارف ، وكان يقول : والله ليس قصدي أن أذهب إلى الله بصحف أكتبها وإنما قصدي أن أذهب إليه بقلوب أجذبها وأميلها إلى ما عنده وأحببه إليها ، وكان يقول : أعظم من الحجاب الحجاب عن الحجاب وكان يقول : لو صاح العارف ما وسع الكون صوته ، وكان يقول : إن الله قضى أن لا يصل إلى العلم الحقيقي إلا من أخذ قلبه عن شهود الأكوان ، وكان يقول : لو ذكر كون بكونه بالحقيقة لأحرقته أنوار التوحيد ، ولتلاشى ، وجوده حتى لا وجود له . وكان يقول : من تكلم على الغيب من حيث هو هو لم يصح لأحد أن يأخذ عنه إلا القوي من الرجال ، ومن تكلم على القلوب من حيث هي هي صح عنه أخذ المريدين وتدرب السالكين ، وكان يقول : كأن الحق تعالى يقول : لعباده العارفين بلغوا عني حجتي وأوضحوا لعبادي محجتي ، وأنا أكتب لكم ما لا تبلغونه بأعمالكم ، ولا بمحاسن أحوالكم ، وكان يقول : وجودك هذا البشري قذى في عين بصيرتك ، فلو زال عن عين بشريتك قذاها رأت ماءها ، ومرعاها وأبصرت رشدها ، وهداها وكان يقول : أهل كل زمان يحتجون بأصوات مختلفة ، والمحق الصادق ، والواصل منهم قليل ، وكان يقول : حقيقة الطريق أن تكون مفلسا ، وأن تكون طالبا للأعلى أبدا ، ومتى ظننت أنك وصلت ، فما وصلت ، ومتى ظننت أنك ظفرت ، فما ظفرت ، ومتى ظننت أنك حصلت لك حال ، فلا حال لك ، وكان يقول : العارف يتلون في اليوم ، والليلة مائة مرة ، والعابد يقيم على حالة واحدة كذا ، وكذا سنة ، وذلك لأن العارف مائل إلى دائرة التصريف ، والعابد مائل إلى دائرة التكليف ، وكان يقول : علامة الفتح أن ترى الناس كلهم نياما ، وكان يقول : لما صاح العارفون في الدنيا صاحت لهم الحقائق في الملأ الأعلى ولو أنهم سكنوا لم تسكت حقائقهم ، وكان يقول : كل كون في الجنة ، فهو غيب من غيوب الله عز وجل . وكان يقول : أول هذا الأمر سماع ، وتصديق ، ثم فهم ، وتدقيق ، ثم شهود ، وتحقيق ، وكان رضي الله عنه يقول : في قول سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه طوبى لمن رآني ، أو رأى من رآني ، أو رأى من رأى من رآني : فالرائي على ثلاثة أقسام راء محجوب ، وراء نافذ ، وراء ، وارث ، فالرائي المحجوب لا عبرة به والرائي النافذ هو المقصود ، والرائي الوارث يقول : مثل قوله : وكان يقول : كل كون يسبح يقول في تسبيحه : أنزه خالقي عن إدراكي له ، وكان يقول : إذا نودي عليك في السماء ليعرفك أهل السماء ماذا عليك أن ينادي في الأرض أن يعرفوك ، فكل من جهلك ، فقد فاته حظه منك ، فأضر بنفسه لا بك ، وكان يقول : لو دخل الخاص طريق العام احترق إلا أن يقع التنزل بأمر من الله عز وجل ، وكان يقول : من عبر عن التصوف فليس بصوفي ، ومن شهد التصوف ، فليس بصوفي إنما التصوف أن يغيب العبد عن التصوف ، وكان يقول لأصحابه : من يبشرني بحضور قلبه أبشره بالوصول إلى أمر عظيم ، وكان يقول : من الكلم كلمة تحتها ألف كلمة ، وإن من الكلم كلمة تحتها مائة ألف كلمة ، وإن من الكلم كلمة تحتها بحار لا يحاط بقطراتها ، ولا يدرك عظيم غاياتها ، وكان يقول : قلب كل مؤمن ليلة قدر جسده ، وليلة قدر كل سنة قلب عامها ، وكان يقول : المريدون على قسمين مريد يعرض ما يرد عليه من مربيه على عقله قبل أن يصل إلى قلبه ، ومريد ألا يعرض ذلك على عقله بل يصل إلى قلبه ببادئ الرأي ، وهذا أقرب إلى النفع ، وفي كل خير ، وكان يقول : إذا اعترضت النفوس للسالكين ، أوقفتهم عن مزيد الأذكار ، وتحصيل الطاعات ، وإذا اعترضت للعارفين حجبتهم عن لذيذ المشاهدات ، والارتقاء إلى أعلى الدرجات ، فالنفس مانعة للفريقين عن السير ، وكان يقول : ألجمت النفوس في مفتاح التوحيد بلجام لا حتى ترجع عن جميع دعاويها ، وكان يقول : الكأس العلياء هي التي لا يشربها صاحبها وحده . وليكن ذلك آخر ما التقطناه من كلامه رضي الله تعالى عنه . ؟ ومنهم العارف بالله تعالى الشيخ محمد بن عبد الجبار النفري رحمه الله : كان من أهل القرن الرابع رضي الله عنه ، ولكن هكذا وقع لنا ذكره ، وإن كنا لم نلتزم ذكرهم على ترتيب الزمان . وكان له رضي الله عنه كلام عال في طريق القوم ، وهو صاحب المواقف نقل عنه الشيخ محي الدين بن العربي رضي الله تعالى عنه ، وغيره ، وكان إماما بارعا في كل العلوم . ومن كلامه رضي الله عنه في المواقف يقول : الله عز وجل كيف لا تحزن قلوب العارفين ، وهي تراني أنظر إلى العمل ، فأقول : لسيئه كن صورة تلقى بها عاملك ، وأقول لحسنه كن صورة تلقى بها عاملك ، وكان يقول : قلوب العارفين تخرج إلى العلوم بسطوات الإدراك ، وذلك كفرها ، وهو الذي ينهاها الله عنه ، وكان يقول : كأن الحق تعالى يقول : إذا تعلق العارف بالمعرفة ، وادعى أنه تعلق بي هرب من المعرفة كما هرب من النكرة ، وكان يقول : كأن الحق تعالى يقول : لقلوب العارفين أنصتوا ، واصمتوا لا لتعرفوا ، وإن ادعيتم الوصول إلي فأنتم في حجاب بدعواكم ، ووزن معرفتكم كوزن ندمكم ، فإن عيونكم ترى المواقيت ، وقلوبكم ترى الأبد ، فإن لم تستطيعوا أن تكونوا من وراء الأقدار ، فكونوا من وراء الأفكار ، وكان يقول : التقطوا الحكمة من أفواه الغافلين عنها كما تلتقطونها من أفواه العامدين لها ، فإنكم ترون الله وحده في حكمة الغافلين لا في حكمة العامدين . وكان يقول : حق المعرفة أن تشهد العرش ، وحملته ، وما حواه من كل في معرفة يقول : بحقائق إيمانه ليس كمثله شيء ، وهو أي العرش في حجاب عن ربه ، فلو رفع حجابه لاحترق العالم بأسره في لمح البصر ، أو أقرب ، وكان يقول : لا تفارق مقامك يميد بك كل شيء ، وليس مقامك إلا رؤيته تعالى ، فإذا دمت على رؤبته رأيت الأبد بلا عبارة ، إذ الأبد لا عبارة فيه لأنه وصف من أوصاف الله عز وجل لكن لما سبح الأبد خلق الله من تسبيحه الليل ، والنهار ، وكان يقول : إذا اصطفيت أخا فكن معه فيما أظهر ، ولا تكن معه فيما أسر ، فإن ذلك له من دونك سر ، فإن أشار إليه فأشر إليه ، وإن أصفح به فأفصح عنه ، وكان يقول : كأن الحق تعالى يقول : اسمي وأسمائي عندك ، ودائعي لا تخرجها ، فأخرج من قلبك ، فإذا خرجت من قلبك عبد ذلك القلب غيري ، وأنكرني بعد المعرفة وجحدني بعد الإقرار ، فلا تخبر باسمي ، ولا بمعلوم اسمي ، ولا تحدث من يعلم اسمي ، ولا بأنك رأيت من يعرف اسمي ، وإن حدثك محدث عن اسمي ، فاسمع منه ، ولا تخبره أنت ، وكان يقول : علامة الذنب الذي يغضب الله عز وجل أن يعقب صاحبه الرغبة في الدنيا ، ومن رغب فيها ، فقد فتح بابا إلى الكفر بالله عز وجل لأن المعاصي بريد الكفر ، وكل من دخل ذلك الباب أخذ من الكفر بقدر ما دخل ، والله تعالى أعلم ، وقد ذكرنا جملة صالحة من كلامه في مختصر المواقف ، والله تعالى أعلم . ؟ ومنهم الشيخ أبو الفتح الواسطي رضي الله عنه : شيخ مشايخ بلاد الغربية بأرض مصر المحروسة ، وكان من أصحاب سيدي أحمد بن الرفاعي ، فأشار إليه بالسفر إلى مدينة الإسكندرية فسافر إليها ، وأخذ عنه خلائق لا يحصون منهم الشيخ عبد السلام القليبي ، والشيخ عبد الله البلتاجي والشيخ بهرام الدميري ، والشيخ جامع الفضلين الدنوشري ، والشيخ علي المليجي ، والشيخ جماد الدين البخاري والشيخ عبد الوهاب ، والشيخ عبد العزيز الدريني ، وأضرابهم ، وكان مبتلي بالإنكار عليه ، وعقدوا له المجالس بالإسكندرية ، وهو يقطعهم بالحجة ، وكان خطيب جامع العطارين من أشدهم عليه فبينما هو يوما فوق المنبر والأذان بين يديه تذكر أنه جنب ، فمد له الشيخ أبو الفتح كمه فوجده زقاقا فدخله ، فرأى فيه ماء ومطهرة ، فاغتسل ، وخرج ، فجلس على المنبر فلما ستره الشيخ هذه السترة اعتقده ، وصار من أجل أصحابه رضي الله عنه . مات في نحو الثمانين والخمسمائة ، ودفن بالإسكندرية ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه . ؟ ومنهم الشيخ علي المليجي رضي الله تعالى عنه ورحمه : أحد أصحاب سيدي الشيخ أبي الفتح المذكور آنفا . كان رضي الله عنه معاصرا لسيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ، وكان سيدي أحمد رضي الله عنه إذا أرسل سيدي عبد العال له في حاجة يقول له : إذا وصلت إلى جمزور ، فاخلع نعلك فإن هناك خيام المليجي ، وكان عند سيدي أحمد رجل بناء يبني عنده ، فطلبه سيدي علي ورغبه بزيادة أجرة ، فخرج إلى ناحية مليح ، فلما دخلها وقعت يد البناء ، فأخذها سيدي علي ، وبصف عليها ولصقها فالتصقت وأرسل يقول : لسيدي أحمد أنت تقطع ونحن نوصل يباسطه في الكلام رضي الله عنه ومولده كل سنة يعمل قبل مولد سيدي أحمد بجمعة ، ويحصل فيه جمعية كبيرة ، وتنفيق سلع الناس ومدد كبير . رضي الله عنهم . ؟ ؟ ومنهم سيدي عبد العزيز الدريني رضي الله عنه هو الشيخ العابد الزاهد القدوة ذو الحالات الفاخرة ، والأحوال الشريفة ، والكرامات المشهورة ، والمصنفات الكثيرة في التفسير ، والفقه واللغة ، والتصوف ، وغير ذلك ، وله نظم كثير شائع ، صحبه جماعة كثيرة من العلماء ، وانتفعوا بصحبته وكان مقامه ببلاد الريف من أرض مصر ، وكان الناس يقصدونه للتبرك من سائر الأقطار ، ويرسلون له من مصر مشكلات المسائل ، فيجيب عنها بأحسن جواب ، وكان يزور سيدي عليا المليجي كثيرا فذبح له سيدي علي يوما فرخا ، فأكله ، وقال : لسيدي علي لا بد أن أكافئك ، فاستضافه يوما فذبح لسيدي علي فرخة ، فتشوشت امرأته عليها ، فلما حضرت قال لها سيدي علي : هش ، فقامت الفرخة تجري ، وقال : يكفينا المرق ، ولا تتشوشي ، وطلب جماعة من الفقراء كرامة من سيدي عبد العزيز فقال : لهم سيدي عبد العزيز يا أولادي وهل ثم كرامة أعظم من أن الله تعالى يمسك بنا الأرض ، ولم يخسفها ، وقد استحقينا الخسف . مات رضي الله عنه سنة سبع وتسعين ، وستمائة ، وقبره بديرين ظاهر يزار إلى عصرنا هذا رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عبد الله بن أبي جمرة الأندلسي المرسي رحمه الله الإمام القدوة الرباني رضي الله عنه قدم مصر ، وله زاوية بخط جامع المقسم ، وكان ذا تمسك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم وحالة ، وجمعية على العبادة ، وشهرة كبيرة بالإخلاص ، والاستعداد للموت ، والفرار من الناس ، وانجماع عنهم إلا في الجمع ، وابتلى بالإنكار عليه حين قال : إنه يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة ، ويشافهه ، وقام عليه بعض الناس ، فانقطع في بيته إلى أن مات سنة خمس ، و سبعين ، و ستمائة . قلت : ولهم ابن أبي جمرة آخر اسمه أحمد ، حفظ المدونة على مذهب الإمام مالك رضي الله عنه . ومات سنة تسع وتسعين ، وخمسمائة بمرسية رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عبد الله بن محمد العرشي المرجاني رضي الله عنه هو الإمام القدوة الواعظ المفسر أحد الأعلام في الفقه ، والتصوف قدم مصر ، ووعظ بها ، واشتهر في البلاد ومات رضي الله عنه بتونس سنة تسع ، وستين ، وستمائة ، وامتحن ، وأفتى العلماء بتكفيره ، ولم يؤثروا فيه ، فعملوا عليه الحيلة ، وقتلوه رضي الله عنه . ومنهم الشيخ عبد الحق بن سبعين المرسي رحمه الله قطب الدين كان من المشايخ الأكابر . مات بمكة سنة سبع وستين وستمائة عن خمس وخمسين سنة . ومنهم الشيخ محمد القونوي الصوفي رحمه الله صاحب ابن العربي له تفسير الفاتحة في مجلد وله مؤلفات أخر عاش نيفا ، وستين سنة ، ومات سنة اثنتين ، وسبعين ، وستمائة بقونوية ، وأوصى أن ينقل تابوته إلى دمشق يدفن عند الشيخ محي الدين بن العربي شيخه ، فلم يتفق ، وكان مبتلى بالإنكار عليه إلى أن مات رضي الله عنه . ومنهم الشيخ محمد العبدري رضي الله عنه الفاسي ، ثم المصري المالكي المعروف بابن الحاج . كان رضي الله عنه عالما صالحا يقتدى به ، وهو أحد أصحاب أبي عبد الله بن أبي جمرة السابق آنفا ، وهو صاحب كتاب المدخل في الحوادث ، والبدع . عاش بضعا ، وثمانين سنة ، ومات سنة سبع ، وثلاثين وسبعمائة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ إبراهيم الجعبري رضي الله عنه ابن معضاد بن شداد الزاهد العابد ذو الأحوال الغربية ، والمكاشفات العجيبة ، وكان مجلس ، وعظه يطرب السامعين ، ويستجلب العاصين ، أخبر بموته قبل وفاته ، ونظر إلى موضع قبره ، وقال يا قبير جاءك دبير ، وكان يضحك أهل مجلسه إذا شاء في حال بكائهم ، ويبكيهم إذا شاء في وسط ضحكهم ، وكان يعظ ، وهو يمشي بين أهل مجلسه يسدي ، وينير وكان له مريدة تسمع ، وعظه ، وهو بمصر ، وهي بأرض أسوان من أقصى الصعيد فبينما هو يعظ الناس وهم يبكون أنشد : قاعدة في الطاقة . . . والكلب يأكل في العجين يا كلب كل وتهنى . . . ما للعجين أصحاب فالتفتت المريدة ، فإذا الكلب يأكل في عجينها ، وأرخوا الحكاية ، فجاء الخبر بذلك ، وكان من أصحابه الشيخ كمال الدين بن عبد الظاهر ، وقبره بالصعيد يزار ، وكان يوما . يعظ ، والناس يبكون ، فقال : لهم قولوا معي شقع بفع بالله يقع ، فجاء الخبر أن القاضي المالكي نزل من باب الدرج من قلعة مصر ، فوقع ، فانكسرت رقبته فجاء الخبر أنهم عقدوا للشيخ عقد مجلس في منعه من الوعظ ، وقالوا : إنه يلحن في القرآن وفي الحديث ، فامتنع القضاة الثلاثة ، وأفتى المالكي بمنعه ، فجاء القضاة الثلاثة ، وقبلوا رجل الشيخ ، وقالوا كلنا كنا هالكين لو أفتينا فيك بشيء ، فقال : الشيخ نحن لا نلحن إنما سمعكم هو الذي يلحن ، ويسمع الزور ، والباطل ، وكان يكاتب السلطان : من إبراهيم الجعبري إلى الكلب الزوبري ، فكان السلطان يقول : من أطلع هذا على اسمي في بلادي إنه ، والله اسمي في بلادنا قبل أن أجيء ، فعقد العلماء له مجلسا وأفتوا بتعزير الشيخ ، فحبس الشيخ بولهم ، وبول السلطان ، فعجزوا عن إطلاقه بكل حيلة ، فنزلوا إليه واستغفروا ، فأمرهم بالاستنجاء من إبريقه ، فأطلق بولهم ، وشوش نصراني الطور على جماعة من أصحابه فأرسل إليه ، وقال : أقسم بالله إن عدت إلى أذاهم لأقطن هذا القلم ، فقال النصراني بقلبه : وما تقطه فقط القلم ، فسقطت رأس النصراني ، وكان رضي الله عنه نارا موقدة على الظلمة ، والولاة أمارا بالمعروف وله نظم ، وسجع كثير ، وتصوف ، وشطح . مات في الحرم سنة سبع ، وثمانين ، وستمائة ، ودفن بزاويته خارج باب النصر ، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله تعالى عنه آمين . ومنهم الشيخ عبد الله المنوفي المالكي رضي الله تعالى عنه الصالح العابد الزاهد الأوحد ذو الكرامات الكثيرة ، والتلامذة الأئمة . مات سابع رمضان سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ، ودفن تجاه قبر السلطان ، قايتباي الآن بالصحراء ، وكان الناس في ذلك النهار بالصحراء للدعاء برفع الوباء عنهم فحضر جنازته نحو من ثلاثين ألف رجل ، وقد أفرده بالترجمة تلميذه الشيخ خليل رضي الله عنه . ومنهم الشيخ حسين الجاكي رضي الله عنه إمام جامع الجاكي ، وخطيبه ، وكان واعظا صالحا يذكر الناس ، وينتفع الناس بكلامه وعقدوا . له مجلسا عند السلطان ليمنعوه من الوعظ وقالوا : إنه يلحن فرسم السلطان بمنعه فشكا ذلك لشيخه الشيخ أيوب الكناس فبينما السلطان في بيت الخلاء إذ خرج له الشيخ أيوب من الحائط ، والمكنسة على كتفه في صورة أسد عظيم ، وفتح فمه يريد أن يبلع السلطان فارتعد السلطان ، ووقع مغشيا عليه فلما أفاق قال له : أرسل للشيخ حسين يعظ ، وإلا أهلكتك ثم دخل من الحائط فنزل السلطان إلى الشيخ حسين ، وأراد الاجتماع بالشيخ أيوب فلم يأذن له . مات الشيخ حسين سنة ثلاثين وسبعمائة ، ودفن خارج باب النصر في زاوية شيخه أيوب ، وقبره ظاهر يزار بها كل ليلة أربعاء وصبيحتها . رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ خضر الكردي رضي الله تعالى عنه شيخ الملك الظاهر بيبرس أبي الفتوحات رحمه الله ، كان به الإلمام الكثير ، والتصوف ، والكشف ، والهمة ، والمدد وكان السلطان ينزل كثيرا لزيارته ، ويحادث بأسراره ، ويستصحبه في أسفاره فرمى أولاد الحلال بينه وبينه فنقم عليه ، وحبسه فطلع للسلطان جمرة رعت ظهره فأرسل يتعطف بالشيخ ، وأطلقه فقال أجلي قريب من أجل السلطان فماتا قريبا من بعضهما ، والشيخ خضر قبله بأيام في سنة خمس وسبعين وستمائة ، وكان حبس الشيخ أربع سنين ، ومع ذلك كان يرسل له الأطعمة الفاخرة إلى الحبس . وكان يقول : إذا عزم أحدكم على مخاصمة أحد فلا يهيء له كلاما فإن كل كلام مهيأ مفسود . دفن رضي الله عنه بزاويته تجاه جامع الملك الظاهر علي الخليج الحاكمي بمصر ، وقبره ظاهر يزار رضي الله عنه . ومنهم الشيخ شرف الدين الكردي رضي الله عنه المدفون بظاهر القاهرة بالحسينية وله مقام عظيم ، وكرامات كثيرة ، وله وقت كل ليل أربعاء ، وهو أخو الشيخ خضر في الطريق ، وكان من أصحاب سيدي الشيخ أبي السعود بن أبي العشائر السابق ترجمته ، ومناقبهما مشهورة . ماتا سنة سبع وستين وستمائة رضي الله عنهما . ومنهم الشيخ محمد بن هارون رضي الله تعالى عنه ورحمه من أهل مدينة سنهور بالبحر الغربي ، وهو الذي كان يقوم لوالد سيدي إبراهيم الدسوقي إذا مر عليه ، ويقول : في ظهره ولي يبلغ صبته المشرق ، والمغرب ، وكان سبب خراب بلده سنهور المدينة أنه كشف له عن صاعقة تنزل عليها من السماء تحرقها بأهلها فأمر بذبح ثلاثين بقرة ، وطبخها ، ومدها في زاويته ، وقال للنقباء لا تمنعوا أحدا يكل أو يحمل فأكل الناس ، وحملوا جهدهم فجاء فقير مكشوف العورة أشعث أغبر فقال أطعموني فأطعموه حتى عجزوا فلم يقدروا عليه يشبع فدفعوه ، وأخرجوه فنزلت الصاعقة على البلد فخرج الشيخ بأهله ، ومن تبعه ، وهلك الناس في أسواقهم ، وبيوتهم أجمعين . فقال الشيخ للنقيب يا ولدي ما هذا الذي فعلته شخص يريد أن يتحمل البلاء عن بلدنا بأكلة تمنعه فهي إلى الآن خراب ، وعمروا خلافها ، وكانت مدينة عظيمة رأوا سقوفها مرصصة فوق الظهور بالحرير بدل الحصر والأنخاخ . وحكى لي شيخنا سيدي على الخواص رضي الله تعالى عنه أن سيدي محمد بن هارون سلبه حاله مرة صبي القراد ، وذلك أنه كان إذا خرج من صلاة الجمعة تبعه أهل المدينة يشيعونه إلى داره فمر بصبي القراد ، وهو جالس تحت حائطه يفلي خلقته من القمل ، وهو ماد رجليه فخطر في سر الشيخ أن هذا قليل الأدب يمد رجليه ، ومثلي مار عليه فسلب لوقته وفرت الناس عنه فرجع فلم يجد الصبي فدار عليه في البلاد إلى أن وجده في رميلة فلما نظر القراد الكبير إليه ، وهو واقف وقد فرغوا قال له تعال يا سيدي الشيخ مثلك يخطر في خاطره أن له مقاما أو قدرا هذا الصبي سلبك حالك فله أن يمد رجله بحضرتك لكونه أقرب إلى الله منك فقال التوبة فأرسله إلى سنهور المدينة إلى الحائط التي كان يفلي ثوبه عندها ، وقال له ناد السحلية التي هناك في الشق وقل لها إن قزمان طاب خاطره علي فردى علي حالي فخرجت ونفخت في وجهه فرد الله عليه حاله رضي الله عنه . . ومنهم الشيخ يحيى الصنافيري رضي الله تعالى عنه صاحب المكاشفات الجمة كان عالما صالحا تقصده الناس بالزيارات من سائر الأقطار . مات سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة ودفن بتربة الشيخ أبي العباس البصير بالقرافة ، وكانت جنازته مشهورة . ولما جاء سيدي يوسف العجمي رضي الله عنه من بلاد العجم إلى مصر استأذن الشيخ يحيى في الدخول فأذن له وكان لا يدخل أحد من الأولياء مصر إلا بإذنه ، وأنشده سيدي يحيى رضي الله عنه : ألم تعلم بأني صيرفي . . . أحك الأولياء على محكى فمنهم بهرج لا خير فيه . . . ومنهم من أجوزه بسبكى وأنت الخالص الذهب المصفى . . . بتزكيتي ، ومثلي من يزكى ومنهم الشيخ أبو العباس البصير رضي الله عنه كان من أصحاب الكشف التام والقبول العام ، وكان من معاصري الشيخ أبي السعود بن أبي العشائر ، وكان سيدي أبو السعود في زاويته بباب القنطرة يراسله بالأوراق في أيام خليج النيل الحاكمي إلى باب الخرق بزاوية الشيخ أبي العباس فكانت ورقة أبي السعود تقلع ، وورق أبي العباس تحدر إلى أن ترسي على سلم البحر ، ولا تبتل رضي الله عنهما . قال سيدي حاتم خدمت سيدي الشيخ أبا السعود عشرين سنة وأنا أسأله أن يأخذ علي العهد فيقول لست من أولادي أنت من أولاد أخي أبي العباس البصير سيأتي من أرض المغرب فلما قدم إلى مصر أرسل سيدي أبو السعود إلى سيدي حاتم ، وقال له شيخك قدم الليلة فاذهب لملاقاته في بولاق فأول من اجتمع به من أهل مصر سيدي حاتم فلما وضع يده في يده قال أهلا بولدي حاتم جزى الله أخي أبا السعود خيرا في حفظك إلى إن قدمنا ، وحكي أن امرأة سيدي أبي السعود دعيت إلى الحضور في عرس ببيت أمير كبير ، وكان لها مرقعة فشاورت الشيخ فأذن لها فقالت بمرقعتي فقال : نعم فذهبت فقلب الله تعالى عينها حريرا مزركشا مفصصا فصوصا من المعادن لا توجد في ذخائر الملوك فكانت الخوندات يتعجبن منها ، ويقلن كيف يكون مثل هذا لامرأة فقير فطلبت واحدة منهن فصا بألف دينار فأبت امرأة الشيخ ، وقالت ما معي إذن فلما رجعت إلى الشيخ ، وأخبرته تبسم وقال إن الله يستر من يشاء من عباده ، وقدم شخص من مريدي الشيخ أبي العباس على سيدي عبد الرحيم القناوي بعد وفاة الشيخ أبي العباس وكان الشيخ يأخذ العهد على جماعة من الحاضرين فمد يده ليد فقير سيدي أبي العباس وهو في المحراب فخرجت يد أبي العباس من الحائط فمنعت يد الشيخ عبد الرحيم فقال رحم الله أخي أبا العباس يغير على أولاده حيا ، وميتا رضي الله عنه . ومنهم الشيخ حسن شيخ المسلمية رضي الله تعالى عنه كان سيدا كبيرا . مات رضي الله عنه سنة أربع وستين وسبعمائة بجامع القبلة بالرصد ، ودفن بالقرافة الكبرى بمصر قريبا من قبر الشيخ أبي الخير الأقطع بالقرب من الديلمية رضي الله تعالى عنه . ومنهم الشيخ علي السدار رضي الله تعالى عنه المدفون بزاويته بحارة الروم بالقرب من باب زويلة كان يبيع السدر ثم انقطع في بيته يزار إلى أن مات رضي الله عنه سنة ثمان وسبعين وسبعمائة ، وجاءه شخص مرة يطلب حناء فأعطاه سدرا فرده إليه ، وقال : هذا سدر ونحن ما حاجتنا إلا بالحناء للعريس فقال آخر النهار تحتاجون إلى السدر ، ولا حاجة لكم بالحناء فمات العريس آخر الليل فغسلوه به رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنه هو علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشاذلي بالشين والذال المعجمتين . وشاذلة قرية من أفريقية ، الضرير الزاهد نزيل الإسكندرية وشيخ الطائفة الشاذلية ، وكان كبير المقدار عالي المنار له عبارات فيها رموز ، فوق ابن تيمية سهمه إليه فرده عليه ، وصحب الشيخ نجم الدين الأصفهاني ، وابن مشيش ، وغيرهما ، وحج مرات ، ومات بصحراء عيذاب قاصدا الحج فدفن هناك في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة ، وقد أفرده سيدي الشيخ تاج الدين بن عطاء الله هو وتلميذه أبو العباس بالترجمة . وها أن أذكر لك ملخص ما ذكره فيها فأقول وبالله التوفيق : قد ترجم رضي الله عنه في كتاب لطائف المنن سيدي الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه بأنه قطب الزمان ، والحامل في وقته لواء أهل العيان حجة الصوفية علم المهتدين زين العارفين أستاذ الأكابر زمزم الأسرار ، ومعدن الأنوار القطب الغوث الجامع أبو الحسن علي الشاذلي رضي الله عنه لم يدخل طريق القوم حتى كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ، وشهد له الشيخ أبو عبد الله بن النعمان بالقطبانية جاء رضي الله عنه في هذه الطريق بالعجب العجاب ، وكان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رضي الله عنه يقول ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه . من كلامه رضي الله عنه : عليك بالاستغفار وإن لم يكن هناك ذنب ، واعتبر باستغفار النبي صلى الله عليه وسلم بعد البشارة واليقين بمغفرة ما تقدم من ذنبه ، وما تأخر هذا في معصوم لم يقترف ذنبا قط وتقدس عن ذلك فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب ، والذنب في وقت من الأوقات ، وكان رضي الله عنه يقول إذا عارض كشفك الكتاب ، والسنة فتمسك بالكتاب ، والسنة ودع الكشف ، وقل لنفسك إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب ، والسنة ، ولم يضمنها لي في جانب الكشف ولا الإلهام ، ولا المشاهدة مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ، ولا الإلهام ، ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة ، وكان رضي الله عنه يقول : لقيت الخضر عليه السلام في صحراء عيذاب فقال لي : يا أبا الحسن أصحبك الله اللطف الجميل ، وكان لك صاحبا في المقام والرحيل ، وكان رضي الله عنه يقول إذا جاذبتك هواتف الحق فإياك أن تستشهد بالمحسوسات على الحقائق الغيبيات وتردها فتكون من الجاهلين ، واحذر أن تدخل في شيء من ذلك بالعقل ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا عرض عارض يصدك عن الله فاثبت قال الله تعالى : ' يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم نفلحون ' ' الأنفال : 45 ' وكان يقول : كل علم يسبق إليك فيه الخواطر ، وتميل إليه النفس ، وتلذ به الطبيعة فارم به وإن كان حقا وخذ بعلم الله الذي أنزله على رسوله ، واقتد به ، وبالخلفاء ، والصحابة ، والتابعين من بعده وبالأئمة الهداة المبرئين عن الهوى ، ومتابعته تسلم من الشكوك ، والظنون ، والأوهام ، والدعاوي الكاذبة المضلة عن الهدى وحقائقه ، وماذا عليك أن تكون عبد الله ، ولا علم ، ولا عمل ، وحسبك من العلم العلم بالوحدانية ، من العمل محبة الله ، ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ومحبة الصحابة ، واعتقاد الحق للجماعة قال رجل : ' متى الساعة يا رسول الله ؟ قال : ما أعددت لها قال لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله فقال : المرء مع من أحب ' ، وكان يقول : إذا كثر عليك الخواطر ، والوساوس فقل سبحان الملك الخلاق ' إن يشأ يذهبكم ، ويأتي بخلق جديد ، وما ذلك على الله بعزيز ' وكان يقول لا تجد الروح ، والمدد ويصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك ، ولا جدك ، ولا اجتهادك ، وتيأس من الكل دون الله تعالى وكان رضي الله عنه يقول من أحصن الحصون من وقوع البلاء على المعاصي والاستغفار قال الله تعالى : ' وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ' ' الأنفال : 33 ' ، وكان يقول : إذا ثقل الذكر على لسانك ، وكثر اللغو في مقالك ، وانبسطت الجوارح في شهواتك ، وانسد باب الفكرة في مصالحك فاعلم أن ذلك من عظيم أوزارك أو لكون إرادة النفق في قلبك ، وليس لك طريق إلا الطريق ، والإصلاح ، والاعتصام بالله والإخلاص في دين الله تعالى ألم تسمع إلى قوله تعالى : ' إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم الله فأولئك مع المؤمنين ' ولم يقل من المؤمنين ، فتأمل هذا الأمر إن كنت فقيها ، وكان رضي الله عنه يقول ارجع عن منازعة ربك تكن موحدا ، واعمل بأركان الشرع تكن سنيا ، واجمع بينهما تكن محققا ، وكان يقول قيل لي يا علي ما علي وجه الأرض مجلس في الفقه أبهى من مجلس الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، وما على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ عبد العظيم المنذري وما على وجه الأرض مجلس في علم الحديث أبهى من مجلس الشيخ عبد العظيم المنذري وما على وجه الأرض مجلس في علم الحقائق أبهى من مجلسك وكان يقول من أحب أن لا يعصي الله تعالى في مملكته فقد أحب أن لا تظهر مغفرته ، ورحمته وأن لا يكون لنبيه صلى الله عليه وسلم شفاعة ، وكان يقول لا تشم رائحة الولاية ، وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها وكان رضي الله عنه يقول أسباب القبض ثلاثة ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك فإن كنت أذنبت فاستغفر ، وإن كنت ذهبت عنك الدنيا فارجع إلى ربك ، وإن كنت ظلمت فاصبر ، واحتمل هذا دواؤك ، وإن لم يطلعك الله تعالى على سبب القبض فاسكن تحت جريان الأقدار فأنها سحابة سائرة ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله ما حقيقة المتابعة ؟ فقال رؤية المتبوع عند كل شيء ، ومع كل شيء وفي كل شيء ، وكان يقول الشيخ من ذلك على الراحة لا من ذلك على التعب ، وكان يقول : من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعي ، وكان يقول : من آداب المجالس للأكابر التخلي عن الأضداد ، والميل ، والمحبة ، والتخصيص لهم ، وترك التجسس على عقائدهم . وكان يقول : إذا جالست العلماء فلا تحدثهم إلا بالعلوم المنقولة ، والروايات الصحيحة إما أن تفيدهم ، وإما أن تستفيد منهم ، وذلك غاية الربح منهم . ذلك على التعب ، وكان يقول : من دعا إلى الله تعالى بغير ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بدعي ، وكان يقول : من آداب المجالس للأكابر التخلي عن الأضداد ، والميل ، والمحبة ، والتخصيص لهم ، وترك التجسس على عقائدهم . وكان يقول : إذا جالست العلماء فلا تحدثهم إلا بالعلوم المنقولة ، والروايات الصحيحة إما أن تفيدهم ، وإما أن تستفيد منهم ، وذلك غاية الربح منهم . وإذا جالست العباد ، والزهاد فاجلس معهم على بساط الزهد ، والعبادة ، وحل لهم ما استمرءوه ، وسهل عليهم ما استوعروه ، وذوقهم من المعرفة ما لم يذوقوه ، وإذا جالست الصديقين ففارق ما تعلم تظفر بالعلم المسكون ، وكان يقول إذا انتصر الفقير لنفسه ، وأجاب عنها فهو ، والتراب سواء ، وكان يقول إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس في الجماعة فلا تعبأن به ، وكان يقول من غلب عليه شهود الإرادة تفسخت عزائمه لسرعة المراد ، وكثرته ، واختلاف أنواعه ، وأي وقفة تسعه حتى يحل أو يعقد أو يعزم أو ينوي شيئا من أموره مع تعداد إرادته ، واضمحلال صفاته أين أنت من نور من نظر ، واتسع نظره بنور ربه ، ولم يشغله المنظور إليه عمن نظر به فقال : ما من شيء كان ، ويكون ، وإلا وقد رأيته الحديث ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا استحسنت شيئا من أحوالك الباطنة أو الظاهرة ، وخفت زواله فقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله ، وكان يقول ، ورد المحققين إسقاط الهوى ومحبة المولى أبت المحبة أن تستعمل محبا لغير محبوبه . وفي رواية أخرى ، ورد المحققين رد النفس بالحق عن الباطن في عموم الأوقات ، وكان يقول لا يتم للعالم سلوك طريق القوم إلا بصحبة أخ صالح أو شيخ ناصح ، وكان يقول لا تؤخر طاعات وقت لوقت آخر فتعاقب بفواتها أو بفوات غيرها أو مثلها جزاء لما ضيع عن ذلك الوقت فإن لكل ، وقت سهما فحق العبودية يقتضيه الحق منك بحكم الربوبية ، وأما تأخير عمر رضي الله عنه الوتر إلى آخر الليل فتلك عادة جارية ، وسنة ثابتة ألزمه الله تعالى إياها مع المحافظة عليها ، وأني لك بها مع الميل إلى الراحات ، والركون مع الشهوات ، والغفلة عن المشاهدات هيهات هيهات هيهات ، وكان رضي الله عنه يقول من أراد عز الدارين فليدخل في مذهبنا يومين ققال : له القائل كيف لي بذلك قال : فرق الأصنام عن قلبك ، وأرح من الدنيا بدنك ثم كن كيف شئت فإن الله تعالى لا يعذب العبد على مد رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب ، وإنما يعذبه على تعب يصحبه التكبر ، وكان يقول ليس هذا الطريق بالرهبانية ، ولا بأكل الشعير ، والنخالة ، وإنما هو بالصبر على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى : ' وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا ، وكانوا بآياتنا يوقنون ' وكان يقول من لم يزدد بعلمه عمله افتقارا لربه ، وتواضعا لخلقه فهو هالك ، وكان يقول سبحان من قطع كثيرا من أهل الصلاح عن مصلحتهم كما قطع المفسدين عن موجدهم ، وكان يقول الزم جماعة المؤمنين ، وإن كانوا عصاة فاسقين ، وأقم عليهم الحدود ، واهجرهم لهم رحمة بهم لا تعززا عليهم ، وتقريعا لهم ، وكان يقول كل من طعام فسقة المسلمين ، ولا تأكل من طعام رهبان المشركين ، وانظر إلى الحجر الأسود فإنه ما اسود إلا من مس أيدي المشركين دون المسلمين وكان رضي الله عنه يقول سمعت هاتفا يقول كم تدندن مع من يدندن ، وأنا السميع القريب ، وتعريفي يغنيك عن علم الأولين ، والآخرين ما عدا علم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وعلم النبيين عليهم الصلاة ، والسلام ، وقيل له مرة من شيخك فقال كنت أنتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش ، وأنا الآن لا أنتسب إلى أحد بل أعوم في عشرة أبحر محمد وأبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وجبريل ، وميكائيل ، وعزرائيل ، وإسرافيل ، والروح الأكبر . قال الشيخ أبو العباس المرسي ، ومات الشيخ عبد السلام بن مشيش رضي الله عنه مقتولا ، قتله ابن أبي الطواجن ببلاد المغرب . وكان يقول : من علم اليقين بالله تعالى ، وبما لك عند الله تعالى أن تتعاطى من الخلق ما لا تصغر به عند الحق تعالى مما تكرهه النفوس الغوية كحمل متاعك من السوق ، وجمع الحطب للطعام ، وجعله على رأسك ، والمشي مع زوجتك إلى السوق في حاجة من حوائجها ، وركوبك خلفها على الحمار ، وغيره ، وأما ما تصغر به في أعين الخلق مما للشرع عليه اعتراض فليس من علم اليقين فلا ينبغي لك ارتكابه ، وكان يقول إن كنت مؤمنا موقنا فاتخذ الكل عدوا كما قال إبراهيم عليه الصلاة ، والسلام : ' فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ' . وكان يقول الصادق الموقن لو كذبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكينا ، وكان يقول لا تعطي الكرامات من طلبها ، وحدث بها نفسه ، ولا من استعمل نفسه في طلبها ، وإنما يعطاها من لا يرى نفسه ، ولا عمله ، وهو مشغول بمحاب الله تعالى ناظر لفضل الله آيس من نفسه ، وعمله ، وقد تظهر الكرامة على من استقام في ظاهره ، وإن كانت هنات افض في باطنه كما وقع للعابد الذي عبد الله في الجزيرة خمسمائة عام فقيل له أدخل الجنة برحمتي فقال بل بعملي ، وكان يقول : مأثم كرامة أعظم من كرامة الإيمان ، ومتابعة السنة فمن أعطيهما ، وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مفتر كذاب أو ذو خطأ في العلم بالصواب كمن أكرم بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب ، وكان يقول كل كرامة لا يصحبها الرضا من الله ، وعن الله ، والمحبة لله ، ومن الله فصاحبها مستدرج مغرور أو ناقص هالك مثبور . وكان رضي الله عنه يقول : للقطب خمس عشرة كرامة فمن ادعاها أو شيئا منها فليبرز أن يمد بمدد الرحمة والعصمة ، والخلافة ، والنيابة ، ومدد حملة العرش العظيم ويكشف له عن حقيقة الذات ، وإحاطة الصفات ، ويكرم بكرامة الحكم ، والفصل بين الوجودين ، وانفصال الأول عن الأول ، وما اتصل عنه إلى منتهاه ، وما ثبت فيه ، وحكم ما قبل ، وحكم ما يعدو حكم من لا قبل له ، ولا بعد ، وعلم البدء ، وهو العلم المحيط بكل علم ، وبكل معلوم بدا من السر الأول إلى منتهاه ثم يعود إليه ، وان يقول سمعت هاتفا يقول إن أردت كرامتي فعليك بطاعتي ، وبالإعراض عن معصيتي وكان يقول كأني ، واقف بين يدي الله عز وجل فقال لا تأمن مكري في شيء ، وإن أمنتك فإن علمي لا يحيط به محيط ، وهكذا درجوا . وكان يقول لا تركن إلى علم ، ولا مدد ، وكن بالله ، واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس ، وانشر علمك ليصدقك الله تعالى ، وكان يقول : العلوم على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي إن شاء الله تعالى نفعك بها : وإن شاء ضرك : وكان يقول قرأت ليلة قوله تعالى : ' ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا ' فنمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : أنا ممن يعلم ، ولا أغنى عنك من الله شيئا ، وكان رضي الله عنه يقول من أقبل على الخلق الإقبال الكلي قبل بلوغ درجات الكمال سقط من عين الله تعالى فاحذروا هذا الداء العظيم فقد تعلق به خلق كثير ، وقنعوا بالشهرة ، وتقبيل اليد فاعتصموا بالله يهدكم الله إلى الطريق المستقيم ، وكان يقول من الشهوة الخفية للولي إرادته النصرة على من ظلمه ، وقال تعالى للمعصوم الأكبر : ' فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ' ' الأحقاف : 35 ' أي فإن الله تعالى قد لا يشاء إهلاكهم ، وكان يقول إذا أردت الوصول إلى الطريق التي لا لون فيها فليكن الفرق في لسانك موجودا ، والجمع في سرك مشهودا ، وكان يقول كل اسم تستدعى به نعمة أو تستكفي به نقمة فهو حجاب عن الذات ، وعن التوحيد بالصفات ، وهذا لأهل المراتب ، والمقامات ، وأما عوام المؤمنين فهم عن ذلك معزولون ، وإلى حدودهم يرجعون ومن أجورهم من الله لا يبخسون وكان رضي الله عنه يقول لو علم نوح عليه الصلاة والسلام أن في أصلاب قومه من يأتي يوحد الله عز وجل ما دعا عليهم ، ولكان قال اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكل منهما على علم وبينة من الله تعالى ، وكان يقول لا أجر لمن أخذ الأجر ، والرشا على الصلاة ، والصيام وتنعم بمطامح تلك الأبصار عند إطراق الرءوس ، والاشتغال بالأذكار ، وجناية هؤلاء بالإضافات ، ورؤية الطاعات أكثر من جناياتهم بالمعاصي ، وكثرة المخالفات وحسبهم ما يظهر من الطاعات ، وإجابة الدعوات ، والمسارعة إلى الخيرات ، ومن أبغض الخلق إلى الله تعالى من تملق إليه في الأسحار بالطاعات ليطلب مسرته بذلك قال تعالى : ' فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص ' وكان يقول : العارف بالله تعالى لا تنغصه حظوظ النفس لأنه بالله تعالى فيما يأخذ وفيما يترك إلا إن كانت الحظوظ معاصي ، وكان يقول : إذا أهان الله عبدا كشف له حظوظ نفسه وستر عنه عيوب دينه فهو يتقلب في شهواته حتى يهلك ، ولا يشعر ، وكان يقول : إذا ترك العارف الذكر على وجه الغفلة نفسا أو نفسين قيض الله تعالى له شيطانا فهو له قرين ، وأما غير العارف فيسامح بمثل ذلك ، ولا يؤاخذ إلا في مثل درجة أو درجتين أو زمان أو زمنين أو ساعة أو ساعتين على حسب المراتب ، وكان يقول من الأولياء من يسكر من شهود الكأس ، ولم يذق بعد شيئا فما ظنك بعد ذوق الشراب وبعد الري ؟ واعلم أن الري قل من يفهم المراد به فإنه مزج الأوصاف بالأوصاف والأخلاق بالأخلاق والأنوار بالأنوار والأسماء بالأسماء ، والنعوت بالنعوت ، والأفعال بالأفعال ، وأما الشرب فهو سقيا القلب والأوصال ، والعروق من هذا الشراب حتى يسكر ، وأما الكأس فهو معرفا الحق التي يعرف بها من ذلك الشراب الطهور المخلص الصافي لمن شاء من عباده المخصوصين فتارة يشهد الشارب تلك الكأس صورة ، وتارة يشهدها معنوية ، وتارة يشهدها علمية فالصورة حظ الأبدان ، والأنفس ، والمعنوية حظ القلوب ، والعقول والعلمية حظ الأرواح ، والأسرار فيا له من شراب ما أعذبه فطوبى لمن شرب منه ودام وأطال في معنى ذلك ، وكان يقول : إياك والوقوع في المعصية المرة بعد المرة فإن من تعدى حدود الله فهم الظالم ، والظالم لا يكون إماما ، ومن ترك المعاصي ، وصبر على ما ابتلاه الله وأيقن بوعد الله ، ووعيده فهو الإمام ، وإن قلت أتباعه ، وكان رضي الله عنه يقول : مريد واحد يصلح أن يكون محلا لوضع أسرارك خير من ألف مريد لا يكونون محلا لوضع أسرارك . وكان يقول : إننا لننظر إلى الله تعالى ببصائر الإيمان ، والإيقان فأغنانا بذلك عن الدليل ، والبرهان ، وصرنا نستدل به تعالى على الخلق هل في الوجود شيء سوى الملك المعبود الحق فلا نراه ، وإن كان ، ولا بد من رؤيتهم فتراهم كالهباء في الهواء إن مسستهم لم تجد شيئا ، وكان يقول إذ امتلأ القلب بأنوار الله تعالى عميت بصيرته عن المناقص والمذام المقيدة في عباده المؤمنين ، وكان يقول ذهب العمى ، وجاء البصر بمعنى فانظر إلى لله تعالى فهو لك مأوى فإن تنظر فيه أو تسمع فمنه ، وإن تنطق فعنه وإن تكن فعنده ، وإن لم تكن فلا شيء غيره وكان يقول البصيرة كالبصر أدنى شيء يقع فيها يعطل النظر ، وإن لم ينته الأمر إلى العمى فالخطرة من صفات الشرتشوش نظر البصيرة ، وتكدر الفكر ، والإرادة ، وتذهب بالخير رأسا ، والعمل به يذهب بصاحبه عن سهم من الإسلام فإن استمر على الشر تفلت منه الإسلام سهما سهما فإذا انتهى لي الوثيقة في العلماء والصالحين ، وموالاة الظالمين حبا للجاه ، والمنزلة عندهم فقد تفلت منه الإسلام كله ، ولا يغرنك ما توسم به ظاهرا فإنه لا روح له فإن روح الإسلام حب الله ورسوله ، وحب الآخرة ، والصالحين من عباده ، وكان يقول نظر الله عز وجل لا يمتد منه شيء إلا خلقه ، ولا يقف في نظره ، ولا ينعطف عن منظوره جل نظر ربنا عن القصور ، والنفوذ والتجاوز والحدود ، وكان رضي الله عنه يقول : أركز الأشياء في الصفات ركزها قبل وجودها ثم انظر هل ترى للعين أينا أو ترى للكون كانا أو ترى للأمر شأنا ، وكذلك بعد وجودها . وكان يقول : من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما في أيدي خلق الله تعالى فهو كاذب ، وكان يقول التصوف تدريب النفس على العبودية ، وردها لأحكام الربوبية ، وكان يقول الصوفي يرى وجوده كالهباء في الهواء غير موجود ولا معدوم حسب ما هو عليه في علم الله وسئل رضي الله عنه الحقائق فقال الحقائق هي المعاني القائمة في القلوب ، وما اتضح لها ، وانكشف من الغيوب وهي منح من الله تعالى ، وكرامات ، وبها وصلوا إلى البر ، والطاعات ودليلها قوله لحارثة كيف أصبحت ؟ قال أصبحت مؤمنا حقا الحديث ، وكان رضي الله عنه يقول من تحقق الوجود فني عن كل موجود ، ومن كان بالوجود ثبت له كل موجود ، وكان يقول : أثبت أفعال العباد بإثبات الله تعالى ، ولا يضرك ذلك ، وإنما يضرك الإثبات بهم ، ومنهم ، وكان يقول أبي المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية ، وإحاطة الديمومية ، وكان يقول حقيقة زوال الهوى من القلب حب لقاء الله تعالى في كل نفس من غير اختبار حالة يكون المرء عليها وكان يقول حقيقة القرب الغيبة بالقرب عن القرب لعظم القربة ، وكان يقول لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ، ولا مشيئة من مشيئاته ، وكان يقول : الأولياء يغنون عن كل شيء بالله تعالى وليس لهم معه تدبير ، ولا اختيار : والعلماء يدبرون ، ويختارون ، وينظرون ، ويقتبسون ، وهم مع عقولهم ، وأوصالهم دائمون ، والصالحون ، وإن كانت أجسادهم معرسة ففي أسرارهم الكزازة ، والمنازعة ولا يصلح شرح أحوالهم إلا لولي في نهايته فحسبك ما ظهر من صلاحهم ، واكتف به عن شرح ما بطن من أحوالهم ، وكان رضي الله عنه يقول لا تختر من الأمر شيئا ، واختر أن لا تختار ، وفر من ذلك المختار فرارك من كل شيء إلى الله تعالى : ' وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ' وكل مختارات الشرع وترتيباته فهي مختار الله ليس لك منه شيء ، وبد لك منه ، واسمع ، وأطع ، وهذا موضع الفقه الرباني والعلم الإلهي وهي أرض لعلم الحقيقة المأخوذة عن الله تعالى لمن استوى فافهم ، وكان يقول كل ورع لا يثمر لك العلم ، والنور فلا تعد له أجرا وكل سيئة يعقبها الخوف ، والهرب إلى الله تعالى فلا تعد لها وزرا ، وكان يقول لا ترقي قبل أن يرقي بك فتزل قدمك ، وكان يقول : أشقي الناس من يعترض على مولاه وأكرس في تدبير دنياه ، ونسي المبدأ ، والمنتهى والعمل لأخراه ، وكان يقول : مراكز النفس أربعة مركز للشهوة في المخالفات ، مركز للشهوة في الطاعات ، ومركز في الميل إلى الراحات ، ومركز في العجز عن أداء المفروضات ' فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ' ' التوبة : 5 ' الآية ، وكان يقول إن من أعظم القربات عند الله تعالى مفارقة النفس بقطع إرادتها ، وطلب الخلاص منها بترك ما يهوي لما يرجي من حياتها ، وكان رضي الله عنه يقول إن من أشقي الناس من يحب أن يعامله الناس بكل ما يريد ، وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد ، وطالب نفسك بإكرامك لهم ، ولا تطالبهم بإكرامهم لك لا تكلف إلا نفسك ، وكان يقول : قد يئست من منفعة نفسي لنفسي فكيف لا أيأس من منفعة غيري لنفسي ، ورجوت الله لغيري فكيف لا أرجوه لنفسي ، وكان يقول : إن أردت أن لا يصدأ لك قلب ، ولا يلحقك هم ، ولا كرب ، ولا يبقي عليك ذنب فأكثر من قول سبحان الله ، وبحمده سبحان الله العظيم لا إله إلا هو اللهم ثبت علمها في قلبي واغفر لي ذنبي ، وكان يقول : لا كبيرة عندنا أكبر من اثنتين حب الدنيا بالإيثار ، والمقام على الجهل بالرضا لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والمقام على الجهل أصل كل معصية ، وكان يقول : إن أردت أن تصح على يديك الكيمياء فأسقط الخلق من قلبك ، واقطع الطمع من ربك أن يعطيك غير ما سبق لك ثم أمسك ما شئت يكون كما تريد ، وكان يقول إن أردت أن تكون مرتبطا بالحق فتبرأ من نفسك ، واخرج عن حولك وقوتك : وكان يقول إن أردت الصدق في القول فأكثر من قراءة ' إنا أنزلناه في ليلة القدر ' وإن أردت الإخلاص في جميع أحوالك فكثر من قراءة ' قل هو الله أحد ' وإن أردت تيسير الرزق فأكثر من قراءة ' قل أعوذ برب الفلق ' وإن أردت السلامة من الشر فأكثر من قراءة ' قل أعوذ برب الناس ' . قلت : قال بعضهم وأقل الإكثار سبعون مرة كل يوم إلى سبعمائة ، وكان يقول أربع لا ينفع معهم علم حب الدنيا ، ونسيان الآخرة ، وخوف الفقر وخوف الناس ، وكان يقول أصدق الأقوال عند الله تعالى قول لا إله إلا الله على النظافة ، وأدل الأعمال على محبته تعالى لك بغض الدنيا ، واليأس من أهلها على الموافقة وكان يقول لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها ، وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تقوى لمحب الدنيا إنما التقوى لمن أعرض عنها . وكان يقول إذا توجهت لشيء من عمل الدنيا ، والآخرة فقل : يا قوي يا عزيز يا عليم يا قدير يا سميع يا بصير ، وكان يقول إذا ورد عليك مزيد من الدنيا والآخرة فقل ' حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ، ورسوله إنا إلى الله راغبون ' ، وكان يقول خصلة واحدة إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره ، وهي الإعراض عن الدنيا ، واحتمال الأذى من أهلها ، وكان يقول : إذا تداين أحدكم فليتوجه بقلبه إلى الله تعالى ، ويتداين على الله تعالى فإن كل ما تداينه العبد على الله تعالى فعلى الله أداؤه ، وكان يقول إن عارضك عارض من معلوم هو لك فاهرب إلى الله منه هروبك من النار ، وهذه من غرائب علوم المعرفة في علوم المعاملة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا تداين اللهم عليك تداينت وعليك توكلت ، وإليك أمري فوضت ، وكان يقول : خصلة واحدة تحبط الأعمال ، ولا يتنبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى قال تعالى : ' ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ' ' محمد : 9 ' ، وكان يقول لا يترك منازعة الناس في الدنيا إلا المؤمن بالقسمة ، وكان يقول رأيت في النوم صائحا يصيح في جو السماء إنما تساق لرزقك أو لأجلك أو لما يقضي الله به عليك أو بك أو لك ، وهي خمسة لا سادس لها ، وكان يقول : كل حسنة لا تثمر نورا أو علما في الوقت فلا تعد لها أجرا ، وكل سيئة أثمرت خوفا من الله تعالى ، ورجوعا إليه فلا تعد لها وزرا ، وكان يقول حسنتان لا يضر معهما كثرة السيئات الرضا بقضاء الله ، والصفح عن عباد الله ، وكان يقول : إياك أن تقف مع الخلق بل أنف المضار ، والمنافع عنهم لأنها ليست منهم ، واشهدها من الله فيهم ، وفر إلى الله منهم بشهود القدر الجازي عليك ، وعليهم أو لك ، ولهم ولا تخف خوفا تغفل به عن الله تعالى ، وترد القدر إليهم تهلك ، وكان يقول رضي الله عنه من فارق المعاصي في ظاهره ، ونبذ حب الدنيا من باطنه ، ولزم حفظ جوارحه ، ومراعاة سره أتته الزوائد من ربه ، وكل به حارسا يحرسه من عنده ، وأخذ الله بيده خفضا ، ورفعا في جميع أموره ، والزوائد هي زوائد العلم واليقين ، والمعرفة ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يوصف العبد بأنه قد هجر المعاصي إلا إن كانت لم تخطر له على بال فإن حقيقة الهجر نسيان المهجور هذا في حق الكاملين فإن لم يكن كذلك فليهجر على المكابدة ، والمجاهدة ، وكان يقول : لا يتزحزح العبد عن النار إلا إن كف جوارحه عن معصية الله ، وتزين بحفظ أمانة الله ، وفتح قلبه لمشاهدة الله ، ولسانه ، وسره لمناجاة الله ، ورفع الحجاب بينه ، وبين صفات الله وأشهده الله تعالى أرواح كلماته ، وكان يقول الغل هو ربط القلب على الخيانة ، والمكر ، والخديعة ، والحقد هو شدة ربط القلب على الخيانة المذكورة ، وكان يقول : اتق الله في الفاحشة جملة وتفصيلا وفي الميل إلى الدنيا صورة وتمثيلا وكان يقول عقوبة ارتكاب المحرمات بالعذاب ، وعقوبة أهل الطاعات بالحجاب لما يقع لهم فيها من سوء الأدب ، وعقوبة المراكنات ترك المزيد وعقوبة القلق ، والاستعجال هلاك السر وكان يقول : من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث موتات أخر موت بالذل ، وموت بالفقر ، وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم ، وكان الشيخ مكين الدين الأسمر رضي الله عنه يقول : الناس يدعون إلى باب الله تعالى وأبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يدخلهم على الله ، وكان الشاذلي رضي الله عنه يقول : من النفاق التظاهر يفعل السنة ، والله يعلم منه غير ذلك ، ومن الشرك بالله اتخاذ الأولياء ، والشفعاء دون الله قال الله تعالى : ' مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ' . ف الناس ، وكان يقول أصدق الأقوال عند الله تعالى قول لا إله إلا الله على النظافة ، وأدل الأعمال على محبته تعالى لك بغض الدنيا ، واليأس من أهلها على الموافقة وكان يقول لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها ، وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تقوى لمحب الدنيا إنما التقوى لمن أعرض عنها . وكان يقول إذا توجهت لشيء من عمل الدنيا ، والآخرة فقل : يا قوي يا عزيز يا عليم يا قدير يا سميع يا بصير ، وكان يقول إذا ورد عليك مزيد من الدنيا والآخرة فقل ' حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ، ورسوله إنا إلى الله راغبون ' ، وكان يقول خصلة واحدة إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره ، وهي الإعراض عن الدنيا ، واحتمال الأذى من أهلها ، وكان يقول : إذا تداين أحدكم فليتوجه بقلبه إلى الله تعالى ، ويتداين على الله تعالى فإن كل ما تداينه العبد على الله تعالى فعلى الله أداؤه ، وكان يقول إن عارضك عارض من معلوم هو لك فاهرب إلى الله منه هروبك من النار ، وهذه من غرائب علوم المعرفة في علوم المعاملة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا تداين اللهم عليك تداينت وعليك توكلت ، وإليك أمري فوضت ، وكان يقول : خصلة واحدة تحبط الأعمال ، ولا يتنبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى قال تعالى : ' ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ' ' محمد : 9 ' ، وكان يقول لا يترك منازعة الناس في الدنيا إلا المؤمن بالقسمة ، وكان يقول رأيت في النوم صائحا يصيح في جو السماء إنما تساق لرزقك أو لأجلك أو لما يقضي الله به عليك أو بك أو لك ، وهي خمسة لا سادس لها ، وكان يقول : كل حسنة لا تثمر نورا أو علما في الوقت فلا تعد لها أجرا ، وكل سيئة أثمرت خوفا من الله تعالى ، ورجوعا إليه فلا تعد لها وزرا ، وكان يقول حسنتان لا يضر معهما كثرة السيئات الرضا بقضاء الله ، والصفح عن عباد الله ، وكان يقول : إياك أن تقف مع الخلق بل أنف المضار ، والمنافع عنهم لأنها ليست منهم ، واشهدها من الله فيهم ، وفر إلى الله منهم بشهود القدر الجازي عليك ، وعليهم أو لك ، ولهم ولا تخف خوفا تغفل به عن الله تعالى ، وترد القدر إليهم تهلك ، وكان يقول رضي الله عنه من فارق المعاصي في ظاهره ، ونبذ حب الدنيا من باطنه ، ولزم حفظ جوارحه ، ومراعاة سره أتته الزوائد من ربه ، وكل به حارسا يحرسه من عنده ، وأخذ الله بيده خفضا ، ورفعا في جميع أموره ، والزوائد هي زوائد العلم واليقين ، والمعرفة ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يوصف العبد بأنه قد هجر المعاصي إلا إن كانت لم تخطر له على بال فإن حقيقة الهجر نسيان المهجور هذا في حق الكاملين فإن لم يكن كذلك فليهجر على المكابدة ، والمجاهدة ، وكان يقول : لا يتزحزح العبد عن النار إلا إن كف جوارحه عن معصية الله ، وتزين بحفظ أمانة الله ، وفتح قلبه لمشاهدة الله ، ولسانه ، وسره لمناجاة الله ، ورفع الحجاب بينه ، وبين صفات الله وأشهده الله تعالى أرواح كلماته ، وكان يقول الغل هو ربط القلب على الخيانة ، والمكر ، والخديعة ، والحقد هو شدة ربط القلب على الخيانة المذكورة ، وكان يقول : اتق الله في الفاحشة جملة وتفصيلا وفي الميل إلى الدنيا صورة وتمثيلا وكان يقول عقوبة ارتكاب المحرمات بالعذاب ، وعقوبة أهل الطاعات بالحجاب لما يقع لهم فيها من سوء الأدب ، وعقوبة المراكنات ترك المزيد وعقوبة القلق ، والاستعجال هلاك السر وكان يقول : من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث موتات أخر موت بالذل ، وموت بالفقر ، وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم ، وكان الشيخ مكين الدين الأسمر رضي الله عنه يقول : الناس يدعون إلى باب الله تعالى وأبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يدخلهم على الله ، وكان الشاذلي رضي الله عنه يقول : من النفاق التظاهر يفعل السنة ، والله يعلم منه غير ذلك ، ومن الشرك بالله اتخاذ الأولياء ، والشفعاء دون الله قال الله تعالى : ' مالكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون ' . وكان يقول من شفع طلبا للجاه والمنزلة أو لعرض الدنيا عذبه الله على ذلك ، ويتوب الله على من يشاء ، وكان يقول : من سوء الظن بالله أن يستنصر بغير الله من الخلق قال تعالى : ' من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا ، والآخرة ' الآية ، وكان يقول أوصاني أستاذي رحمه الله تعالى فقال : جدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء ، وعند كل شيء ومع كل شيء وفوق كل شيء ، وقريبا من كل شيء ، ومحيطا بكل شيء بقرب هو ، وصفه ، وبإحاطة هي نعته ، وعد عن الظرفية ، والحدود ، وعن الأماكن ، والجهات ، وعن الصحبة ، والقرب بالمسافات ، وعن الدور بالمخلوقات وامحق الكل بوصفه الأول ، والآخر ، والظاهر والباطن كان الله ولا شيء معه ، وكان رضي الله عنه يقول : من غفل قلبه اتخذ دينه هزوا ، ومن اشتغل بالخلق اتخذ دينه لعبا ، وكان يقول : إذا كان من يعمل على الوفاق لا يسلم من النفاق فكيف بغيره ، وكان رضي الله عنه يقول : الكاملون حاملون لأوصاف الحق وحاملون لأوصاف الخلق فإن رأيتهم من حيث الخلق رأيت أوصاف البشر ، وإن رأيتهم من حيث الحق رأيت أوصاف الحق التي زينهم بها فظاهرهم الفقر وباطنهم الغنم تخلقا وبأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ' ووجدك عائلا فأغنى ' أفتراه أغناه بالمال كلا ، وقد شد الحجر على بطنه من شدة الجوع وأطعم الجيش كله من صاع ، وخرج من مكة على قدميه ليس معه شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال ، وكان يقول ضيق اليد شرف لكل الناس أو لقطب أو خليفة أو أمين لا يخون الله تعالى : برؤية نفسه على من ينفق عليه من العيال ، والفقراء طرفة عين . وكان يقول : العلوم التي وقع الثناء على أهلها وإن جلت فهي ظلمة في علوم ذوي التحقيق ، وهم الذين غرقوا في تيار بحر الذات ، وغموض الصفات فكانوا هناك بلا هم وهم الخاصة العليا الدين شاركوا الأنبياء ، والرسل عليهم الصلاة والسلام في أحوالهم فلهم فيها نصيب على قدر إرثهم من مورثهم قال : النبي صلى الله عليه وسلم : ' العلماء ورثة الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام ' أي يقومون مقامهم على سبيل العلم ، والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام ، والحال فإن مقامات الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم ، وكأن يقول : كل وارث في المنزلة الموروثة لا يكون إلا بقدر مورثه فقط قال تعالى : ' ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض ' كما فضل بعضهم على بعض كذلك فضل ، ورثتهم على بعض إذ الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام أعين للحق ، وكل عين يشهد منها على قدرها ، وكل ولي له مادة مخصوصة وكان يقول الأولياء على ضربين صالحون ، وصديقون فالصالحون أبدال الأنبياء ، والصديقون أبدال الرسل . فبين الصالحين ، والصديقين في التفضيل كما بين الأنبياء ، والمرسلين منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يشهدونها عين يقين ، وهم قليلون وفي التحقيق كثيرون ، ومادة كل نبي ، وكل ولي بالأصالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لكن من الأولياء من يشهد عينه ، ومنهم من تخفى عليه عينه ، ومادته فيفنى فيما يرد عليه ، ولا يشتغل بطلب مادته بل هو مستغرق بحاله لا يرى غير وقته ومنهم طائفة أيضا مدوا بالنور الإلهي فنظروا به حتى عرفوا من هم على التحقيق . وذلك كرامة لهم لا ينكرها إلا من ينكر كرامات الأولياء فنعوذ بالله من النكران بعد العرفان ، وكان يقول : أول منزل يطؤه المحب للترقي منه إلى العلا النفس فإذا اشتغل بسياستها ، ورياضتها إلى أن انتهى إلى معرفتها وتحققها أشرق عليه أنوار المنزل الثاني ، وهو القلب فإذا اشتغل بسياسته حتى عرفه ، ولم يبق منه عليه شيء أشرق عليه أنوار المنزل الثالث ، وهو الروح فإذا اشتغل بسياسته ، وتمت له المعرفة هبت عليه أنوار اليقين شيئا فشيئا إلى تمام نهاياته ، وهذه طريق العامة ، وأما طريق الخاصة فهي طريق ملوك تضمحل العقول في أقل القليل من شرحها ، وكان يقول : ومن أمده الله تعالى بنور العقل الأصلي شهد موجودا لا حد له ، ولا غاية بالإضافة إلى هذا العبد واضمحلت جميع الكائنات فيه فتارة يشهدها فيه كما يشهد البناء بيتا في الهواء بواسطة نور الشمس ، وتارة لا يشهدها لانحراف نور الشمس عن الكوة ، فالشمس التي يبصر بها هو العقل الضروري بعد المادة بنور اليقين ، وإذا اضمحل هذا النور ذهبت الكائنات كلها ، وبقي هذا الموجود فتارة يفنى ، وتارة يبقى حتى إذا أريد به الكمال نودي فيها نداء خفيا لا صوت له فيمد بالفهم عنه إلا أن الذي يشهده غير الله تعالى : ليس من الله في شيء فهناك ينتبه من سكراته فيقول : يا رب أثبتني ، وإلا أنا هالك فيعلم يقينا أن هذا البحر لا ينجيه منه إلا الله عز وجل فحينئذ يقال له : إن هذا الموجود هو العقل الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ' أول ما خلق الله العقل ' فأعطى هذا العبد الذل ، والانقياد لنور هذا الموجود إذ لا يقدر على حده ، وغايته فإذا أمد الله هذا العبد بنور أسمائه قطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله تعالى : ' برفع درجات من نشاء ' ثم أمده الله تعالى : بنور الروح الرباني فعرف هذا الموجود فرقي إلى ميدان الروح الرباني فذهب بجميع ما تحلى به هذا العبد ، وما تخلى عنه بالضرورة ، وبقي كلا موجود ثم أحياه الله بنور صفاته فأدرجه بهذه الحياة في معرفة هذا الموجود الرباني فلما استنشق من مبادئ صفاته كان يقول : هو الله فإذا لحقته العناية الأزلية نادته إلا أن هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحد أن يصفه بصفة ، ولا أن يعبر عنه بشيء من صفاته لغير أهله لكن بنور غيره يعرفه فإذا أمده الله بنور سر الروح وجد نفسه جالسا على باب ميدان السر فرفع همته ليعرف هذا الموجود الذي هو السر فعمى عن إدراكه فتلاشت جميع أوصافه كأنه ليس بشيء فإذا أمده الله تعالى بنور ذاته أحياه حياة باقية لا غاية لها فينظر جميع المعلومات بنور هذه الحياة ، ووجد نور الحق شائعا في كل شيء لا يشهد غيره فنودي من قريب لا تغتر بالله فإن المحجوب من حجب عن الله بالله إذ محال أن يحجبه غيره ، وهناك يحيا حياة استودعها الله تعالى فيه ثم قال يا رب أعوذ بك منك حتى لا أرى غيرك ، وهذا هو سبيل الترقي إلى حضرة العلي الأعلى ، وهو طريق المحبين الذين هم أبدال الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام ، وما يعطيه الله تعالى لأحدهم من بعد هذا المنزل لا يقدر أحد أن يصف منه ذرة ، والحمد لله على نعمائه ، وأما طريق المحبوبين الخاصة بهم فإنه ترق منه إليه به إذ محال أن يتوصل إليه بغيره فأول قدم لهم بلا قدم إذ ألقى عليهم من نور ذاته فغيبهم بين عباده ، وحبب إليهم الخلوات ، وصغرت لديهم الأعمال الصالحات وعظم عندهم رب الأرضين ، والسموات فبينما هم كذلك إذ ألبسهم ثوب العدم فنظروا فإذا هم لا هم ثم أردف عليهم ظلمة غيبتهم عن نظرهم فصار نظرهم عدما لا علة له فانطمست جميع العلل ، وزال كل حادث فلا حادث ، ولا وجود بل ليس إلا العدم الذي لا علة له فلا معرفة تتعلق به اضمحلت المعلومات وزالت المرسومات زوالا لا علة فيه ، وبقي من أشير إليه لا ، وصف له ولا صفة ، ولا ذات ، واضمحلت النعوت ، والأسماء ، والصفات كذلك فلا اسم له ولا صفة ، ولا ذات فهنالك ظهر من لم يزل ظهورا لا علة فيه بل ظهر يسره لذاته في ذاته ظهورا لا أولية له بل نظر من ذاته لذاته في ذاته وهناك يحيا العبد بظهوره حياة لا علة لها وصار أولا في ظهوره لا ظاهرا قبله فوجدت الأشياء بأوصافه ، وظهرت بنوره في نوره سبحانه ، وتعالى ثم يغطس بعد ذلك في بحر بعد بحر إلى أن يصل إلى بحر السر فإذا دخل بحر السر غرق غرقا لا خروج له منه أبد الآباد فإن شاء الله تعالى بعثه نائبا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يحيى به عباده ، وإن شاء ستره يفعل في ملكه ما يشاء فهذا عنبرة من طريقي الخصوص ، والعموم فتنبه . انتهى . ا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يحيى به عباده ، وإن شاء ستره يفعل في ملكه ما يشاء فهذا عنبرة من طريقي الخصوص ، والعموم فتنبه . انتهى . قلت : وإنما سطرنا لك يا أخي هذه الأمور الخاصة بالمكملين من أهل الله تعالى تشويقا لك إلى مقاماتهم ، وفتحا لباب التصديق لهم إذا سمعتهم يذكرون مثل ذلك كما أشرنا إليه في خطبة هذا الكتاب وهذا الكلام لم أجده لغيره من الأولياء إلى وقتي هذا ، فسبحان المنعم على من يشاء بما يشاء . والله أعلم . ومنهم الشيخ سيدي الإمام أحمد أبو العباس المرسي رضي الله عنه كان من أكابر العارفين ، وكان يقال إنه لم يرث علم الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه غيره ، وهو أجل من أخذ عنه الطريق رضي الله عنه ، ولم يضع رضي الله عنه شيئا من الكتب . وكان رضي الله عنه يقول علوم هذه الطائفة علوم تحقيق ، وعلوم التحقيق لا تحملها عقول عموم الخلق ، وكذلك شيخه أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه لم يضع شيئا ، وكان يقول كتبي أصحابي . مات رضي الله عنه سنة ست وثمانين وستمائة . ومن كلامه رضي الله عنه جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام خلقوا من الرحمة ، ونبينا صلى الله عليه وسلم ، هو عين الرحمة ، وكان رضى الله عنه يقول الفقيه هو من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه ، وكان رضي الله عنه يقول رجال الليل هم الرجال ، وكلما أظلم الوقت قوى نور الولي ضرورة ، وكان رضي الله عنه يقول : ولى الله مع الله كولد اللبوة في حجرها أتراها تاركة ، ولدها لمن أراد اغتياله لا والله ، وكان رضي الله عنه يقول إن الله تعالى عبادا محق أفعالهم بأفعاله ، وأوصافهم بأوصافه ، وذاتهم بذاته ، وحملهم من أسراره ما يعجز عامة الأولياء عن سماعه ، وكان يقول في معنى حديث من عرف نفسه عرف ربه معناه من عرف نفسه بذلها ، وعجزها عرف الله بعزه ، وقدرته . قلت : وهذا أسلم الأجوبة ، والله أعلم ، وكان يقول سمعت الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه يقول لو كشف عن نور المؤمن العاصي لطبق ما بين السماء والأرض فما ظنك بنور المؤمن المطيع وكان يقول لو كشف عن حقيقه ، ولي لعبد لأن أوصافه من أوصافه ، ونعوته من نعوته . قلت : ومعنى لعبد : أي لأطيع قال تعالى : ' لا تعبدوا الشيطان ' أي لا تطيعوه فيما يأمركم به ، والله أعلم . قال بعضهم صليت خلف الشيخ أبي العباس فشهدت الأنوار ملأت بدنه ، وانبثت من وجوده حتى إني لم أستطع النظر إليه وكان رضي الله عنه يقول قال ملك من الملوك لبعض العارفين تمن علي فقال له ذلك العارف تقول ذلك لي ولي عبدان قل ملكتهما ، وملكاك ، وقهرتهما ، وقهراك ، وهما الشهوة ، والحرص فأنت عبد عدي فكيف أتمنى عليك ، وأنت عبد عبدي . وكان يقول سمعت الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول من ثبتت ، ولايته من الله تعالى لا يكره الموت ، وهذا ميزان للمريدين ليزنوا به على نفوسهم إذا ادعوا ، ولاية الله فإن من شأن النفوس ، وجود الدعوى للمراتب العالية من غير أن يسلك السبيل الموصل إليها قال تعالى : ' فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ' ' البقرة : 94 ' وكان رضي الله عنه يقول قد يكون الولي مشحونا بالعلوم ، والمعارف ، والحقائق لديه مشهورة حتى إذا أعطى العبارة كان كالإذن من الله تعالى في الكلام ، ويجب أن تفهم أن من أذن له في التعبير جلت في مسامع الخلق إشاراته ، وكان يقول كلام المأذون له يخرج ، وعليه كسوة ، وطلاوة ، وكلام الذي لم يأذن له يخرج مكسوف الأنوار ، وكان يقول : من أحب الظهور فهو عبد الظهور ، ومن أحب الخفاء فهو عبد الخفاء ، ومن كان عبد الله فسواء عليه أظهره أو أخفاه ، وكان رضي الله عنه يقول : الطيء طيان على أصغر ، وطي أكبر فالطي الأصغر لعامة هذه الطائفة أن تطوي لهم الأرض من مشرقها إلى مغربها في نفس واحد والطي الأكبر طي أوصاف النفوس ، وكان يقول دخل رجل على عثمان رضي الله عنه ، وقد كان نظر إلى محاسن امرأة في الطريق فقال يدخل أحدكم ، وآثار الزنا بادية في وجهه ، وكان يقول قد يطلع الله الولي على غيبه إذا ارتضاه بحكم التبع للرسل عليهم الصلاة ، والسلام ، ومن هنا نطقوا بالمغيبات ، وأصابوا الحق فيها وكان يقول طريقنا هذه لا تنسب للمشارقة ، ولا للمغاربة بل واحد عن واحد إلى الحسن بن علي أبي طالب رضي الله عنه ، وهو أول الأقطاب ، وكان يقول : إنما يلزم الإنسان تعيين المشايخ الذين استند إليهم إذا كان طريقه لبس الخرقة لأنها رواية والرواية يتعين رجال سندها ، وطريقنا هذه هداية ، وقد يجذب الله تعالى العبد إليه فلا يجعل عليه منة لأستاذ وقد يجمع شمله برسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون آخذا عنه وكفي بهذا منة ، وكان يقول كثيرا ، قال الشيخ قال الشيخ ، كلما ينقل كلاما فقال له إنسان لا نراك قط تسند لنفسك كلاما فقال رضي الله عنه لو أردت عدد الأنفاس أن أقول قال الله قال الله لقلت ، ولو أردت عدد الأنفاس أن أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقلت ، ولو شئت أن أقول على عدد الأنفاس قلت أنا لقلت ، ولكن أقول قال الشيخ ، وأترك ذكر نفسي أدبا ، وكان يقول : لم يزل الولي في كل عصر لا يلقي أكثر الناس إليه بإلا حتى إذا مات قالوا : كان فلان ، وكان يقول الله ما سار الأولياء والأبدال من ق إلى ق إلا حتى يلتقوا مع واحد مثلنا ، وكان شيخه أبو الحسن رضي الله عنه يقول : للناس عليكم بالشيخ أبي العباس فوالله إنه ليأتيه البدوي يبول على ساقيه فلا يمشي وإلا وقد أوصله إلى الله تعالى ، ووالله ما من ولي لله كان أو هو كائن إلا وقد أظهره الله عليه ، وعلى اسمه ونسبه ، وحسبه ، وحظه من الله تعالى عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : سمعت الشيخ أبا الحسن رضي الله عنه يقول : لن تهلك طائفة فيها أربعة : إمام ، وولي ، وصديق ، وشيخ . وقال أبو الحسن في ذلك المجلس فالإمام هو أبو العباس . وكان رضي الله عنه يقول الولي إذا أراد عين ، وكان يقول : قال لي الشيخ أبو الحسن يا أبا العباس ما صحبتك إلا لتكون أنت أنا وأنا أنت ، وكان رضي الله عنه يقول لي أربعون سنة ما حجبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو حجبت طرفة عين ما عددت نفسي من جملة المسلمين . وكذلك كان يقول في حق الجنة وفي حق الوقوف بعرفة كل سنة وكان يقول لو كان الحق سبحانه ، وتعالى يرضيه خلاف السنة لكان التوجه في الصلاة إلى القطب الغوث أولي من التوجه إلى الكعبة ، وكان رضي الله عنه يقول ، والله ما كان اثنان من أصحاب هذا العلم في زمن واحد قط إلا واحدا بعد واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكان يقول : لا أعلم أحدا اليوم يتكلم في هذا العلم غيري على وجه الأرض ، وقدم إليه بعضهم طعاما فيه شبهة يمتحنه فامتنع الشيخ من أكله ، وقال إنه كان للشيخ المحاسبي عرق في إصبعه يضرب إذا مد يده إلى شبهة فأنا في يدي ستون عرقا تضرب فاستغرب الرجل ، وتاب على يديه ، وكان يقول من منذ دخلت على الشيخ أبي الحسن في القاهرة وهو يقرأ عليه كتاب المواقف للمنقري ، وقال لي تكلم يا بني بارك الله تعالى فيك أعطيت لسانا من ذلك الوقت ، وكان رضي الله عنه يقول : والله لو علمت علماء العراق ، والشام ما تحت هذه الشعرات ، وأمسك على لحيته لأتوها ، ولحبوا على وجوههم ، وكان يقول : والله ما نطالع كلام أهل الطريق إلا لنرى فضل الله تعالى علينا . وكان رضي الله عنه يقول إذا كمل الرجل نطق بجميع اللغات ، وعرف جميع الألسن إلهاما من الله عز وجل ، وكان يقول من صحب المشايخ على الصدق وهو عالم بالظاهر ازداد علمه ظهورا ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تطالبوا الشيخ بأن تكونوا في خاطره بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ في خاطركم فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونون عنده . وكان ساكنا في خط المقسم بالقاهرة فكان كل ليلة يأتي الإسكندرية فيسمع ميعاد الشيخ أبي الحسن ثم يرجع إلى القاهرة ، وكان يقرأ عليه كتاب ختم الأولياء للحكيم الترمذي ، وكان هو وشيخه أبو الحسن يجلانه ويعظمانه رضي الله عنه ، وكان رجل ينكر عليه ، ويقول : ليس إلا أهل العلم الظاهر ، وهؤلاء القوم يدعون أمورا عظمى ظاهر الشرع يأباها فحضروا يوما مجلس الشيخ فانبهر عقله ورجع عن إنكاره ، وقال هذا الرجل إنما يغرف من فيض بحر إلهي ، ومدد رباني ثم صار من أخص أصحابه ، وكان يقول شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ، ولم يشاركونا فيما نحن فيه ، وعمل رضي الله عنه عصيدة في يوم حار فقالوا له : العصيدة لا تعمل إلا في أيام الشتاء فقال : هذه عصيدة ولدنا ياقوت ولد اليوم ببلاد الحبشة فلم يزل ياقوت يباع من سيد إلى سيد حتى جاء إلى سيدي أبي العباس وحسبوا عمره فوجدوا عمره كما قال : وكان رضي الله عنه أكثر ما يتكلم في مجالسه في العقل الأكبر ، والاسم الأعظم ، وشعبه الأربع ، والأسماء والحروف ، ودوائر الأولياء ، ومقامات الموقنين ، والأملاك المقربين عند العرش ، وعلوم الأسرار ، وأمداد الأذكار ، ويوم المقادير ، وشأن التدبير ، وعلم البدء ، وعلم المشيئة وشأن القبضة ، ورجال القبضة ، وعلم الأفراد ، وما سيكون يوم القيامة من أفعال الله تعالى مع عباده من حلمه ، وإنعامه ، وجوده ، وانتقامه ، وكان رضي الله عنه يقول : لولا ضعف العقول لأخبرت بما يكون من رحمة الله تعالى قال ابن عطاء الله رضي الله عنه : وكان الشيخ أبو العباس رضي الله تعالى عنه لا يتنزل إلى علوم المعاملة إلا في قليل من الأيام لحاجة بعض الناس إلى ذلك قال ، ولذلك يقل اتباع من تكون علومه العلوم السابقة فإن المشترين للمرجان قد يكثرون ، وقل أن يجتمع على شراء الياقوت اثنان ولم يزل اتباع أهل الحق قليلين . كما قال الله تعالى في أهل الكهف : ' ما يعلمهم إلا قليل ' وأهل الله كهف لأمور الناس ، ولكن قليل من يعرفهم ، وكان سيدي أبو العباس رضي الله عنه يقول معرفة الولي أصعب من معرفة الله عز وجل فإن الله تعالى معروف بكماله ، وجماله وحتى متى تعرف مخلوقا مثلك يأكل كما تأكل ، ويشرب كما تشرب ، وطلب نائب الإسكندرية أن يجتمع به ويأخذ بيده فيكون شيخه فقال ، للقاصد لست ممن يلعب به ، ولم يجتمع به حتى مات وكان إذا نام في بلد في السفر ، وعرف أن كبيرها يريد الاجتماع به يسافر منها ليلا قبل الفجر . وكان يقول : علامة حب الدنيا خوف المذمة ، وحب الثناء فلو زهد لما خاف ، وأحب ، وكان رضي الله عنه يقول الورع من ورعه الله ، وكان يقول من لم يصلح للدنيا ، وللآخرة يصلح لله ، وكان يقول : ودع المنقطعين نشأ من سوء الظن ، وغلبة الوهم وورع الأبدال ، والصديقين على البينة الواضحة ، والبصيرة الفائقة ، وكان يقول والله ما رأيت العز إلا في رفع الهمة عن الخلق ، ولقد رأيت يوما كلبا ومعي شيء من الخبز فوضعته بين يديه فلم يلتفت له فقربته من فيه فلم يلتفت إليه فإذا علي يقال أف لمن يكون الكلب أزهد منه ، وكان رضي الله عنه يقول للناس أسباب ، وسببنا نحن الإيمان والتقوى قال الله تعالى : ' أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ' ' الأعراف : 96 ' . وكان يقول : ما سمعتموه مني ففهمتموه فاستودعوه الله يرده عليكم وقت الحاجة ، وما لم تفهموه فكلوه إلى الله يتولى الله ببابه ، واسعوا في جلاء مرآة قلوبكم يتضح لكم كل شيء وكان يقول : إذا ضاف الولي هلك من يؤذيه في الوقت ، وإذا اتسعت معرفته احتمل أذى الثقلين ، ولم يحصل لأحد منهم ضرر بسببه ، وكان يقول : لحوم الأولياء مسمومة ، ولو يؤاخذوك فإياك ثم إياك ، وكان رضي الله عنه به اثنا عشر باسورا ، وكان به الحصى وبرد الكلي ، ومع ذلك فكان يجلس للناس ، ولا يتأوه في جلوسه ، ولا يعلم جليسه بما هو فيه ، وكان يقول : لا تنظروا إلى حمرة وجهي فإنها من حمرة قلبي ، وكان رضي الله عنه يقول : والله ما جلست بالناس حتى هددت بالسلب وقيل لي لئن لم تجلس لسلبتك ما وهبناك ، وكان لا يكاتب الولاة في شيء بل كان يقول : للسائل أنا أطلب لك ذلك من الله تعالى ، وكان يكره للأشياخ إذا جاءهم مريد أن يقولوا له قف ساعة ، ويقول إن المريد يأتي إلى الشيخ بهمته المتوقدة فإذا قيل له قف ساعة طفيء ما جاء به وكان يقول عن شيخه اصحبوني ، ولا أمنعكم أن تصحبوا غيري فإن وجدتم منهلا أعذب من هذا المنهل فردوا وكان إذا رأى مريدا دخل في أوراد بنفسه ، وهواه أخرجه منها ، وكان إذا مدح بقصيدة يجيز المادح بإقباله عليه ، ويعطيه العطايا ، وكان يقول لأصحابه إذا جاءنا رئيس قوم فأخبروني به أخرج إليه فإذا فارقه مشى معه خطوات ثم رجع ، ويقول إن هؤلاء كلفوا نفوسهم إلى زيارتنا ، ونحن لم نزرهم ، وكان لا يأكل من طعام عني له ، ولا من طعام أعلم به قبل أن يأتيه ، وكان لا يدعو للمحسن حتى يخرج من مجلسه فيدعو له بظهر الغيب ، وكان إذا أهدي إليه شيء يسير تلقاه ببشاشة ، وقبول وإذا أهدى له شيء كثير يتلقاه بعز النفس ، وإظهار الغني عنه ، وكان لا يثني على مريد بين إخوانه خشية الحسد ، وكانت صلاته موجزة في تمام ، ويقول هي صلاة الأبدال وكان رضي الله عنه يقول إذا قرأت القرآن فكأنما أقرؤه على الله عز وجل ، وكان إذا سمع أحدا ينطق باسم الله تعالى أو اسم النبي صلى الله عليه وسلم ، يقرب فمه منه حتى يلتقط ذلك الاسم إجلالا أن يبرز في الهواء وكان إذا سمع أحدا يقول : هذه ليلة القدر يقول نحن بحمد الله أوقاتنا كلها ليلة قدر ، وكان يكرم الناس على نحو رتبهم عند الله حتى إنه ربما يدخل عليه المطيع فلا يلتفت إليه لكونه يرى عبادته ، ويدخل عليه العاصي فيقوم له لأنه دخل بذل نفس ، وانكسار ، ومدحوا عنده شخصا بالعلم ، وكان كثير الوسوسة في الوضوء ، والصلاة فقال الشيخ أين علمكم الذي تمدحون به هذا الرجل العلم هو الذي ينطبع في القلب كالبياض في الأبيض ، والسواد في الأسود ، وقال : لرجل من الحجاج كيف كان حجكم فقال كان كثير الرخاء كثير الماء سعر كذا ، وكذا فأعرض عنه الشيخ فقال أسألهم عن حجهم ، وما وجدوا فيه من الله تعالى من العلم ، والفوز ، والفتح فيجيبون برخاء الأسعار وكثرة المياه ، وكان يقول : ينبغي للمشايخ تفقد حال المريدين ، ويجوز للمريدين إخبار الأستاذ بما في بواطنهم إذ الاستاذ كالطبيب ، وحال المريد كالعورة ، والعورة قد تبدو للطبيب لضرورة التداوي ، وفي الحقيقة كل مريد رأى له عورة مع شيخه فهو أجنبي عنه لم يتحد به ، وكان يقول للشيخ أن يطالب المريد ما دام قاصرا عن حقيقة دعواه فإذا بلغ مبلغ الرجال لم يطالبه على دعواه ببرهان لخروجه عن مقام التلبيس ، وكان يقول لمن رأى أنه زهد في الدنيا لقد عظمت يا أخي الدنيا حين رأيت لها وجودا حتى زهدت فيها فقدرها أصغر من ذلك . وكان رضي الله عنه يفسر مشكلات القوم كثيرا فقال : في كلام سهل بن عبد الله لا تكونوا من أبناء الدهر ، وكونوا من أبناء الأزل معناه لاحظوا ما سبق في علم الله ولا تتكلوا على علمكم ، ولا على عملكم مدة عمركم ، وقال في قول بشر الحافي رضي الله عنه إني لأشتهي الشواء منذ أربعين سنة ما صفا لي ثمنه أي لم يأذن لي الحق في أكله فلو أذن لي صفا لي ثمنه وإلا فمن أين يأكل في الأربعين سنة ، وقال في قول الجنيد رضي الله تعالى عنه أدركت سبعين عارفا كلهم كانوا يعبدون الله تعالى على ظن ، ووهم حتى أخي أبا يزيد لو أدرك صبيا من صبياننا لأسم على يديه معناه أنهم يقولون ما بعد المقام الذي ، وصلناه مقام فهذا ، وهم ، وظن فإن كل مقام فوقه مقام إلى ما لا يتناهى وليس معناه الظن ، والوهم في معرفتهم بالله تعانى ومعنى لأسلم على يديه أي لانقاد له لأن الإسلام هو الانقياد ، وقال في قول : أبي يزيد رضي الله تعالى عنه خضت بحرا ، وقف الأنبياء بساحله معناه أن أبا يزيد رضي الله تعالى عنه يشكو ضعفه وعجزه عن اللحوق بالأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام وذلك لأن الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام خاضوا بحر التوحيد ، ووقفوا على الجانب الآخر على ساحل الفرق يدعون الخلق إلى الخوض أي فلو كنت كاملا لوقفت حيث وقفوا قال ابن عطاء الله رضي الله عنه وهذا الذي فسر به الشيخ كلام أبي يزيد رضي الله عنه هو اللائق بمقام أبي يزيد . وقد كان يقول جميع ما أخذ الأولياء بالنسبة لما أخذ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كزق مليء عس ثم رشحت منه رشاحة فما في باطن الزق للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وتلك الرشاحة للأولياء رضي الله عنه . والمشهور عن أبي يزيد رضي الله عنه التعظيم لمراسم الشريعة ، والقيام بكمال الأدب فالحق تأويل أحوال الأكابر من أهل الاستقامة دون المبادرة إلى الإنكار ، وقال في حكاية الحارث بن أسد من أنه كان إذا مد يده إلى طعام فيه شبهة تحرك عليه إصبعه كيف هذا . وقد قدم لأبي بكر الصديق رضي الله عنه لبن فأكل منه ثم ، وجد كدورته في قلبه فقال : من أين لكم هذا اللبن . فقال غلام له كنت تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطوني ثمن كهانتي فتقايأه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم يكن للصديق عرق يتحرك عليه إذا أكل طعاما فيه شبهة مع كونه أفضل من الحارث بالإجماع . الجواب أن أبا بكر رضي الله عنه كان خليفة مشرعا للعباد حتى يقتدى به من أكل طعاما فيه شبهة ، ولم يعلم فيتكلف طرحه بعد أكله فيثيبه الله تعالى على ذلك ، والحارث رضي الله عنه لم يكن إذ ذاك مشرعا ولا قدوة إنما يعمل بقصد نفع نفسه فقط ، ومعلوم أن القدوة من شأنه التنزل في المقام للتعليم . وكان رضي الله عنه يقول : إنما بدأ القشيري في رسالته بالفضيل بن عياض ، وإبراهيم بن أدهم لأنهما كانا قد تقدم لهما زمن قطيعة فلما أقبلا أقبل الله عليهما فبدأ بذكرهما بسطا لرجاء المريدين الذين كانت تقدمت منهم الزلات ، والمخالفات ، وليعلم أن فضل الله ليس بمعلل بعمل ، ولو أنه بدأ بالجنيد ، وسهل بن عبد الله وعتبة الغلام ، وأمثالهم ممن نشأ في طريق الله لربما قال : قائل من يدرك هؤلاء لم يسبق لهم زلات ، ولا مخالفات ، وقال في قول سمنون المحب : وليس لي في سواك حظ . . . فكيفما شئت فاختبرني فابتلى بحصر البول فصاح ، وصار يقول : ادعوا لعمكم الكذاب لو كان سمنون قال عوض ما قال فكيفما شئت فاختبرني فاعف عني لكان أول من طلب الاختبار . قلت : وإنما وقع الامتحان لسمنون لغفلته عن التبري من الدعوى فلو قال : مدني بالقوة ثم اختبرني بما شئت لم يمتحن ، وكان شيخنا رضي الله عنه يقول : إذا قيل لك أتخاف الله تعالى فقل نعم لكن بقدر ما خلقه في من الخوف ، وكذلك القول في أتحب الله تعالى فمن سلك ذلك لا يقع له امتحان لتعويله على الله تعالى لا على قوة نفسه هو وقد قالوا : كل مدع ممتحن ، وهذا ميزانه ، والله أعلم . وقال في قول السري رضي الله عنه في حد التوبة التوبة أن لا تنسى ذنبك . هو أولى عن قول الجنيد رضي الله عنه ، وغيره التوبة أن تنسى ذنبك لأن كلام السري رضي الله عنه يدل على مبادي المقامات ، وكان السري مكلفا الكلام على مقامات العباد لكماله ، والجنيد ، وغيره لم يكن إذ ذاك قدوة للناس فافهم ، وقال في قول بعضهم لا يكون الصوفي صوفيا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال ذنبا عشرين سنة ليس معنى ذلك أن لا يقع منه ذنب عشرين سنة وإنما معناه عدم الإصرار ، وكلما أذنب تاب ، واستغفر على الفور ، وكان يقول : إذا رفعك إلى محل المحاضرة ، والشهود المسلوب عن العلل فذاك مقام التعريف ، والإيمان الحقيقي ، وميدان تنزل أسرار الأزل ، وإذا أنزلك إلى محل المجاهدة ، والمكابدة فذاك مقام التكليف المقيد بالعلل ، وهو الإسلام الحق وميدان تجلى حقائق الأبدية ، والمحقق لا يبالي بأي صفة يكون ، وقال في قوله تعالى : ' قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ' ' يوسف : 108 ' أي على معاينة تعاين لكل صنف طريقهم فيحملهم عليها ، وعلى النيابة ، وكان رضي الله عنه يقول : العارف لا دنيا له لأن دنياه لآخرته ، وآخرته لربه وكان يقول الزاهد غريب في الدنيا لأن الآخر ، وطنه ، والعارف غريب في الآخرة فإنه عند الله تعالى ، ومعنى غربته في الدنيا قلة من يعينه على القيام بالحق ، وقلة من يشاكله في القيام ، وأما غربة العارف في الآخرة فإن سيره مع الله تعالى بلا أين ، والمدار على محل يكون فيه القلب لا على محل يكون فيه الجسم كما أن الزاهد كذلك موطن قلبه في الدنيا إنما هو الآخرة فهي معشش روحه ، ولولا ذلك لما صح له الزهد في الدنيا ، وكان رضي الله عنه يقول العامة : إذا خوفوا خافوا ، وإذا روحوا راحوا ، والخاصة متى خوفوا راحوا ومتى روحوا خافوا ، وكان رضي الله عنه يقول : كان الإنسان بعد أن لم يكن ، وسيفني بعد أن كان ، ومن كلا طرفيه عدم فهو عدم . قال ابن عطاء رضي الله عنه : أي أن الكائنات لا تثبت لها رتبة الوجود المطلق لأن الوجود الحق إنما هو لله ، وله الأحذية ، وأما العالم فالوجود له من عدمه ، ومن كان كذلك فالعدم وصفه في نفسه ، وكان من طريقته ، وطريقة شيخه أبي الحسن الإعراض عن لبس الزي ، والمرقعات لأن هذا اللباس ينادى على صاحبه أنا الفقير فأعطوني شيئا ، وينادي على سر الفقير بالإفشاء فمن لبس الزي فقد ادعى . قلت : وليس مراد الشيخ أن يعيب على الفقراء لبس الزي ، وإنما مراده أنه لا يلزم كل من كان له نصيب مما للقوم أن يلبس ملابس الفقراء فلا حرج على اللابس للخشن ، ولا على اللابس للناعم إذا كان من المحسنين ، والأعمال بالنيات ، وكان يقول اختلف الناس في اشتقاق الصوفي ، وأحسن ما قيل فيه إنه منسوب لفعل الله تعالى به أي صافاه الله تعالى فصوفي فسموه صوفيا ، وكان يقول في قول عيسى عليه السلام : يا بني إسرائيل بحق أقول لكم لا يلج ملكوت السموات ، والأرض من لم يولد مرتين أنا والله ممن ولد مرتين الإيلاد الأول إيلاد الطبيعة ، والإيلاد الثاني إيلاد الروح في سماء المعارف ، وكان يقول : لن يصل الولي إلى الله تعالى حتى ينقطع عنه شهوة الوصول إلى الله تعالى أي انقطاع أدب لا انقطاع ملل لغلبة التفويض على قلبه . وكان رضي الله عنه يقول : إن الله تعالى جعل الآدمي ثلاثة أجزاء فلسانه جزء ، وجوارحه جزء ، وقلبه جزء ، وطلب من كل جزء وفاء ، فوفاء القلب أن لا يشتغل بهم رزق ، ولا مكر ، ولا خديعة ، ولا حسد ، ووفاء اللسان أن لا يغتاب ، ولا يكذب ولا يتكلم فيما لا يعنيه ووفاء الجوارح أن لا يسارع بها قط إلى معصية ، ولا يؤذي بها أحدا من المسلمين فمن وقع من قلبه فهو منافق ، ومن وقع من لسانه فهو كافر ، ومن وقع من جوارحه فهو غاص ، وكان يقول : من اشترى من زيات زيتا فزاده البياع خيطا فدينه أرق من ذلك الخيط ، ومن اشترى من فحام فحما فلما فرغ قال : زدني فحمة فقلبه أسود من تلك الفحمة ، وكان رضي الله عنه يقول لا يدخل على الله تعالى إلا من بابين من باب الغني الأكبر ، وهو الموت الطبيعي ، ومن باب الغني الذي تعنيه هذه الطائفة ، وكان يقول : الكائنات على أربعة أقسام جسم كثيف ، وهو بمجرده جماد ، وجسم لطيف ، وهو بمجرده جان وروح شفاف ، وهو بمجرده ملك ، وسره غريب ، وهو المعنى المسجود له فالآدمي صوره بظاهرها جماد وبوجود نفسه ، وتحنيها وتشكلها جيان ، وبوجود روحه ملك ، وبإعطائه السر الغريب استحق أن يكون خليفة ، وكان يقول : ليس العجب ممن تاه في نصف ميل أربعين سنة إنما العجب ممن تاه في مقدار شبر الستين والسبعين والثمانين سنة ، وهي البطن ، وكان يقول : للأولياء الإشراف على مقامات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وما لهم الإحاطة بمقاماتهم ، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام يحيطون بمقامات الأولياء ، وكان يقول جميع أسماء الله تعالى جاءت للتخلق إلا الاسم الله فإنه للتعلق فقط إذ مضمونه الإلهية والإلهية لا يتخلق بها أصلا ، وكان رضي الله عنه يقول السماء عندنا كالسقف ، والأرض كالبيت ، وليس الرجل عندنا من يحصره هذا البيت . وكان يقول نحن في الدنيا بأبداننا مع وجود أرواحنا ، وسنكون في الآخرة مع وجو أبداننا . قلت : وفي هذا رد لمن قال يكون الناس في الجنة بأرواحهم لا بأجسامهم وعليه جماعة من أهل الكشف الناقص ، وسبب غلطهم شهودهم أهل الجنة يتحولون في أي صورة شاءوا ، وهذا شأن الأرواح لا الأجسام ، وغاب عنهم أن الأجسام هناك منطوية في الأرواح لا معدومة كما أن الأرواح ني هذه الدار منطوية في الأجسام ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول الفرق بين معصية المؤمن ، ومعصية الفاجر من ثلاثة أوجه المؤمن لا يعزم عليها قبل فعلها ، ولا يفرح بها وقت الفعل ، ولا يصر عليها ، والفاجر ليس كذلك ، وكان يحث أصحابه على ذكر اسم الله ، وهو يقول : هذا الاسم سلطان الأسماء ، وله بساط وثمرة فبساطه العلم ، وثمرته النور ، وإن حصل النور ، وقع الكشف والعيان ، وكان يقول ليست الفتوة بالماء ، والملح ، وإنما الفتوة الإيمان ، والهداية ، وكان يقول : ما سمي : إبراهيم الخليل فتى إلا لكونه كسر الأصنام الحسية التي وجدها ، وأنت يا ولدي لك أصنام خمسة معنوية فإن كسرتها فأنت فتى : النفس ، والهوى ، والشيطان ، والشهوة ، والدنيا . وأفهم هاهنا لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، وكان يقول : الكامل من يملك حاله ، وله سوحة في العلم كما قيل لبعضهم مالك لا تتحرك في السماع أمس فقال : إنه كان في الجمع كبير فاحتشمت منه ، ولو أني خلوت وحدي لأرسلت وجدي وتواجدت فانظر كيف كان زمام حاله معه يمسكه إذا شاء ، ويطلقه إذا شاء ، وإذا اتسع القلب بمعرفة الله تعالى غرقت في الواردات ، ولهذا جهلت أحوال الأكابر أرباب المقامات ، واشتهر أهل الأحوال لظهور آثار المواهب عليهم لضعفهم عن كتمها ، ولضيقهم عن وسعها ، وربما كان صاحب الحال أحظى عند الله ، وعند الخلق بإقبالهم عليه من صاحب المقام مع أن بينه وبينه كما بين السماء ، والأرض ، ولذلك قال ابن عطاء الله : كلما تمكن الرجل في العلوم الإلهية ، والمعارف الربانية استغرب في هذا العالم فيقل من يعرفه ، ويفقد من يحيط به فيصفه ، وكان يقول : كل سوء أدب يثمر لك أدبا فهو أدب . وكان رضي الله عنه يقول : كان الجنيد رضي الله عنه قطبا في العلم . وكان سهل التستري رضي الله عنه قطبا في المقام ، وكان أبو يزيد رضي الله عنه قطبا في الحال ، وكان رضي الله عنه يقول : اللطف حجاب من اللطيف إذا وقف معه العبد ، والحق لا يحب أن يأنس عبده إلى غيره . وقد أوحي الله تعالى إلى موسى عليه السلام نعم العبد بلخ لولا أن يسكن إلى نسيم الأسحار ، ولو أنه عرفني ما سكن إلى غيري ، وكان يقول في قول : أبي عبد الرحمن السلمى انتهى عقل العقلاء إلى الحيرة ، معناه أنه لا حيرة إلا عند المؤمنين وأما المحققون فلا حيرة عندهم فيما فيه الحيرة عند المؤمنين ، وكان يقول : قليل العمل مع شهود المنة من الله تعالى خير من كثير العمل مع شهود التقصير من النفس ، وكان يقول : عن شيخه خرج الزهاد والعباد من هذه الدار ، وقلوبهم مغلقة عن الله عز وجل ، وكان يقول هو عن شيخه من لم يتغلغل في هذه العلوم مات مصرا على الكبائر ، وهو لا يعلم ، وكان يقول عن شيخه : كل شيء نهانا الله عنه فهو في معنى شجرة آدم عليه السلام لكنا افترقنا فإن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة نزل إلى أرض الخلافة ، وأنت إذا أكلت من شجرة النهي نزلت إلى أرض القطيعة فإياك ثم إياك ، وكان يقول شخص من الأولياء يتكلم على الناس بأرض المغرب ، وهو بادن فدخل عليه شخص مكشوف الرأس كبيرها فقال هذا يزهد في الدنيا ، وهو كاذب فكوشف به الشيخ فقال من فوق المنبر يا أبا رويس ما سمعني إلا حبه ، وكان رضي الله عنه يقول : لأصحابه إذا أكلتم طعام إنسان فاشربوا عنده ينال كمال الأجر فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ' من سقي مؤمنا شرب ماء مع وجود الماء كان كمن أعتق سبعين من ولد إسماعيل عليه السلام ' . وكان يقول : لا ينبغي للفقير أن يأخذ من أحد شيئا يقصد نفع نفسه إنما يأخذ ليثيب من يعطيه ويعوضه عليه فمن تطهرت نفسه ، وتقدست فليقبل ، وإلا فلا ، وقال رضي الله عنه لبعض أصحابه لم انقطعت عن مجلسنا فقال : يا سيدي قد استغنيت بك فقال الشيخ ما استغنى أحد بأحد ما استغنى أبو بكر رضي الله عنه ، ومع ذلك لم ينقطع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما واحد ، وكان يقول لما خلق الله تعالى الأرض اضطربت فأرساها بالجبال . وكذلك النفس لما خلقها الله تعالى اضطربت فأرساها بجبال العقل ، وكان يقول الأكوان كلها عبيد مسخرة ، وأنت عبد حضرته وكان يقول لأصحابه إذا وصلتم إلى مكة فليكن همكم رب البيت لا البيت ، ولا تكونوا ممن يعبد الأصنام ، والأوثان ، وكان يقول من عرف الله لم يسكن إليه لأن في السكون إلى الله ضربا من الأمن ' ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ' وكان يقول الولي في حال فنائه لا بد أن تبقى معه لطيفة علمية عليها يترتب التكليف ، وذلك كما يكون الإنسان في البيت المظلم فهو عالم بوجوده ، وإن كان غير مشاهد له ، وكان رضي الله عنه يقول : والله ما جلست حتى جعلت جميع الكرامات تحت سجادتي قال ابن عطاء الله رضي الله عنه قرأت على الشيخ أبي العباس كتاب الرعاية للمحاسبي فقال : جميع ما في هذا الكتاب يغني عنه كلمتان أعبد الله بشرط العلم ، ولا ترض عن نفسك أبدا ثم لم يأذن لي في قراءته بعد ، وكان يقول من اشتاق إلى لقاء ظالم فهو ظالم ، وكان يقول : القبض الذي لا يعرف سببه لا يكون إلا لأهل التخصيص ، وكان يقول : لو علم الشيطان أن ثم طريقا توصل إلى الله تعالى أفضل من الشكر لوقف عليها ألا تراه كيف قال : ' ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين ' ولم يقل صابرين ، ولا خائفين ، ولا راجعين ، وكان يقول أبو بكر ، وعمر خلفاء الرسالة ، وعثمان ، وعلي خلفاء النبوة ، وكان يقول العامة إن رأوا إنسانا ينسب إلى الولاية جاء من البراري والقفار أقبلوا عليه بالتعظيم ، والتكريم وكم من بدل وولي بين أظهرهم فلا يلقون إليه بإلا مع أنه هو الذي يحمل أثقالهم ، ويدافع الأغيار عنهم فمثلهم في ذلك كمثل حمار الوحش يدخل به البلد فيطوف به الناس متعجبين لتخاطيط جلده ، وحسن صورته ، والحمر التي بين أظهرهم تحمل آثقالهم إلى موضع أغراضهم وتنقل ترابهم وآلات بنائهم ، ولا يلتفتون إليها ، وكان رضي الله عنه يقول الهالك بهذه الطائفة أكثر من الناجي بها رضي الله عنه . ومنهم سيدي ياقوت العرشي رضي الله تعالى عنه كان إماما في المعارف عابدا زاهدا وهو من أجل من أخذ عن الشيخ أبي العباس المرسي رضي الله عنه ، وأخبر به سيدي أبو العباس رضي الله عنه يوم ولد ببلاد الحبشة ، وصنع له عصيدة أيام الصيف بالإسكندرية فقيل له إن العصيدة لا تكون إلا في أيام الشتاء فقال هذه عصيدة أخيكم ياقوت ولد ببلاد الحبشة وسوف يأتيكم فكان الأمر كما قال وهو الذي شفع في الشيخ شمس الدين بن اللبان لما أنكر على سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه وسلب علمه ، وحاله بعد أن توسل بجميع الأولياء ، ولم يقبل يدي أحمد شفاعتهم فيه فسار من الإسكندرية إلى سيدي أحمد وسأله أن يطيب خاطره عليه ، وأن يرد عليه حاله فأجابه ثم إن سيدي ياقوت زوج ابن اللبان ابنته ، ولما مات أوصى أن يدفن تحت رجليها إعظاما لوالدها الشيخ ياقوت وإنما سمي العرشي لأن قلبه كان لم يزل تحت العرش ، وما في الأرض إلا جسمه ، وقيل لأنه كان يسمع أذان حملة العرش ، وكان رضي الله عنه يشفع حتى في الحيوانات ، وجاءته مرة يمامة فجلست على كتفه ، وهو جالس في حلقة الفقراء ، وأسرت إليه شيئا في أذنه فقال باسم الله ، ونرسل معك أحدا من الفقراء فقالت ما يكفيني إلا أنت فركب بغلته من الإسكندرية ، وسافر إلى مصر العتيقة حتى دخل إلى جامع عمرو فقال اجمعوني على فلان المؤذن فأرسلوا ، وراءه فجاء فقال له هذه اليمامة أخبرتني بالإسكندرية أنك تذبح فراخها كلما تفرخ في المنارة فقال : صدقت قد ذبحتهم مرارا فقال لا تعد فقال : تبت إلى الله تعالى ورجع الشيخ إلى الإسكندرية رضي الله تعالى عنه . ومناقبه رضي الله تعالى عنه كثيرة مشهورة بين الطائفة الشاذلية بمصر ، وغيرها . توفي رضي الله عنه بالإسكندرية سنة سبع وسبعمائة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ تاج الدين بن عطاء الله السكندري رضي الله تعالى عنه الزاهد المذكر الكبير القدر تلميذ الشيخ ياقوت رضي الله عنه ، وقبله تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي كان ينفع الناس بإشاراته ، ولكلامه حلاوة في النفوس ، وجلالة . مات هكذا سنة سبع وسبعمائة وقبره بالقرافة يزار . وله من المؤلفات كتاب التنوير في إسقاط التدبير ، وكتاب الحكم ، وكتاب لطائف المنن ، وغير ذلك رضي الله تعالى عنه . ومنهم جدي الخامس الشيخ موسى المكنى بأبي عمران رحمه الله تعالى في بلاد البهنسا بصعيد مصر الأدنى وهو من أجل أصحاب سيدي الشيخ أبي مدين التلمساني شيخ المغرب ، وكان من أولاد السلطان مولاي أبي عبد الله الزغلي بضم الزاي ، وإسكان الغين المعجمة ، نسبة إلى قبيلة من عرب المغرب يقال لهم بنو زغلة ، وكان سلطان تلمسان ، وما والاها فلما تزعزع سيدي موسى اختار طريق الله تعالى على الملك فتشوش ، والده لذلك فلما غلب الأمر عليه أطلق له الأمر فاجتمع سيدي موسى على الشيخ أبي مدين رضي الله تعالى عنه فلما قدم عليه قال له إلى من تنسب قال إلى السلطان مولاي أبي عبد الله قال : وما ينتهي نسبك قال : إلى السيد محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال الشيخ رضي الله عنه طريق فقر ، وملك ، وشرف لا يجتمعن فقال : يا سيدي أشهدك أني قد خلعت نسبتي إلى غيرك فأخذ عليه العهد ، ووقع على يديه الكرامات ، وكلمته البهائم ، والحيوانات ، وهابته الأسود فلما أرسل سيدي أبو مدين رضي الله عنه عدة من أصحابه إلى مصر أرسله من جملتهم ، وقال له إذا وصلت إلى مصر فاقصد ناحية هور بصعيدها الأدنى فإن فيها قبرك ، وكان كذلك ، وتفرقت أولاده في البلاد فجماعة ماتوا بمنشية الأمراء ، وجماعة ببلنسورة ، وساح أولاده إلى بلاد الرجراج ، وكان إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة ، وأكثر ، وأخبر أصحابه بأحوال جلي الأدنى الشيخ علي رضي الله عنه الآتي ذكر مناقبه في أهل القرن التاسع إن شاء الله تعالى . مات سنة سبع وسبعمائة على ما قيل رضي الله تعالى عنه . ومنهم العارف بالله سيدي محمد وفا رضي الله عنه كان من أكابر العارفين ، وأخبر ولده سيدي علي رضي الله عنه أنه هو خاتم الأولياء صاحب الرتبة العلية ، وكان أمينا وله لسان غريب في علوم القوم ، ومؤلفاته كثيرة ألفها في صباه ، وهو ابن سبع سنين أو عشر فضلا عن كونه كهلا ، وله رموز في منظوماته ، ومنثوراته مطلسمة إلى وقتنا هذا لم يفك أحد فيما نعلم معناها ، ولما دنت وفاته خلع منطقته على الأبزاري صاحب الموشحات ، وقال هي وديعة عندك حتى تخلعها على ولدي علي فعمل أيام كانت المنطقة عنده الموشحات الظريفة إلى أن كبر سيدي علي فخلعها عليه ثم رجع لا يعرف يعمل موشحا كما أخبرني عن نفسه رضي الله تعالى عنه وسمي وفا لأن بحر النيل توقف فلم يزد إلى أوان الوفاء فعزم أهل مصر على الرحيل فجاء إلى البحر ، وقال اطلع بإذن الله تعالى فطلع ذلك اليوم سبعة عشر ذراعا وأوفى فسموه وفا . وسئل ولده سيدي علي رضي الله عنه مع علو مقامه ، وفرقانه أن يشرح شيئا من تائية والده فقال رضي الله عنه لا أعرف مراده لأنه لسان أعجمي على أمثالنا انتهى . ومن كلامه رضي الله عنه في كتاب فصول الحقائق أعوذ بالله من شياطين الخلق ، والكون ، وأبالسة العلم ، والجهل ، وأغيار المعرفة والنكرة اللهم إني أعوذ بك ، ويسبق قدمك من سر حدودك ، وبظلمة ذاتك من نور صفاتك وبقوة سلوبك من ضعف إيجادك وبظلمة عدمك مز نور تأثيراتك ، وأعذني اللهم بك منك في كل ذلك بكل ذلك كذلك من وجه العلم ، ولا كيف كذلك من حيث العقل ، ولا بذلك من جهة قصد النفس ، ولا كذلك من حيث تصور الوهم أعوذ بك من كل ذلك كذلك من حيث إنه كذلك لا من حيث إنك ولي ذلك اللهم أغنني بديموميتك عن بقاء آلائك بإحاطة ، وجودك عن تصور الواحد والأحد وبقيومية قيامك عن استقامة تقويم المدد وغيبني في ظلمة ذاتك التي تحجز فيها الأبصار ، والبصائر ويستحيل فيها معارف العقول الإلهية ذات الأسرار ، والسرائر ، وأستغفرك بلسان الحق لا بلسان الوقاية والنظر بعين التلاشي لا بعين الرعاية ، والجذب بسر العدم لا بقوة الهداية ، والتلاشي ينفي الرسم لا برسوم الولاية سبحانك من وجه ما أنت لا من وجه ما أنا سبحانك من وجه الوجه المتنزه عن وسم الأسماء والكنى سبحانك في الحيث الذي لا يلتحق به البقاء ، ولا الفناء أحاشيك عن العلم ، والقول ، وأنزهك عن القوة ، والحول ، وأشاكل لا في المنة ، والطول ، وأمد لك يد التأييد لا يد الوسيلة ، وأسألك بسبح التفضل لا فضل الفضيلة ، وأعوذ بك من تحليل التحويل ، ومحاولات الحيلة اللهم أرني ، وجهك لا من حيث كل شيء هالك ، وأسألك بي لا سبيل المهالك ، والهالك اللهم إني أسألك بذات عدمك ، وبذات وجودك ، وبالذات المجردة ، وبالذات المتصفة بذات التكوين ، والتلوين ، وبالذات الفاعلة ، وبالذات المنفعلة اللهم اجعلني عينا لذات الذوات ، ومشرقا لأنوارها المشرقات ، ومستودعا لأسرارها المكتتمة في غيوبها المبهمات اللهم إني أنزهك لا لتنزيه الحسن لك عن أوصاف الجسم ، والنفس عن شهوات الطبع والعقل ، وأخلاق النفس ، والقلب ، وأنزهك عن كل ذلك ، ونده ، ومثله ، وخلافه ، وغيره تنزيها معجوزا عن تصوره ، وتوهمه ، وكان رضى الله عنه يقول قال لي الحق أيها المخصوص لك عند كل شيء مقدار ، ولا مقدار لك عندي فإنه لا يسعني غيرك ، وليس مثلك شيء أنت عين حقيقتي ، وكل شيء مجازك ، وأنا موجود في الحقيقة معدوم في المجاز يا عين مطلعي أنت الحد الجامع المانع لمصنوعاتي إليك يرجع الأمر كله ، وإلى مرجعك لأنك منتهى كل شيء ، ولا تنتهي إلى شيء طويت لك الأرضين السبع في سبع من الحب ، والنوى المتنوعة بالفعل إلى أصناف من نبات شتى فإذا شئت على نشرها فيها جواهر السماء اهتزت وربت ، وأنبت من كل زوج بهيج ' إن الذي أحياها لمحي الموتى إنه على كل شيء قدير ' ' فصلت : 39 ' فإذا تكامل خلقها ، وتكون ، وتزين كونها سعت على أقدام الإقدام لمسجدك الأقصى بحكم الاستقصا فتخر ساجدة سجود العبودية لأرباب حواسك الكلية ، والجزئية تسبحك بألسنة التقديس ، وتقدسك بأفواه التنزيه ، وتعظمك تعظيم مخلوق لخلاف فأملاكها تسبح ، وتحمد ، وأفلاكها تقوم ، وتسجد ، وأنت جالس في مجلس سلطانك مستو على عرش ناطقة إنسانك قد تلا لسان الإحسان بمحضر الأكوان ' وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ' ' طه : 108 ' وأطال في ذلك بما لا تسعه العقول فراجعه ، وله كتاب العروس ، وكتاب الشعائر وديوان عظيم ومؤلفات أخر ، وقد ذكرنا مناقبه في كتاب مستقل رضي الله عنه . ومنهم الأستاذ سيدي علي ، ولده رضي الله عنه ، ورحمه كان في غاية الظرف ، والجمال لم ير في مصر أجمل منه وجها ، ولا ثيابا وله نظم شائع ، وموشحات ظريفة سبك فيها أسرار أهل الطريق وسكرة الخلاع رضي الله عنه ، وله عدة مؤلفات شريفة ، وأعطى لسان الفرق ، والتفصيل زيادة على الجمع ، وقليل من الأولياء من أعطى ذلك ، وله كلام عال في الأدب ، ووصايا نفيسة نحو مجلدات ، وردت عليه فأملاها في ثلاثة أيام رضي الله عنه فأحببت أن ألخصها لك في هذه الأوراق بذكر عيوبها الواضحة ، وحذف الأشياء العميقة عن غير أهل الكشف لأن الكتاب يقع في يد أهله ، وغير أهله فأقول ، وبالله التوفيق . كان رضي الله عنه يقول مولدي سحر ليلة الأحد حادي عشر محرم سنة إحدى وستين وسبعمائة كما رأيته بخطه ، وتوفي عام أحد ، وثمانمائة كما قيل ، وكان رضي الله عنه يقول في قوله تعالى : ' والله متم نوره ولو كره الكافرون ' ' الصف : 8 ' فيا صاحب الحق لا تهتم بإظهار شأنك اهتماما يحملك على الاستعانة بالخلق فإنك إن كنت على نور حق فهو يظهر بالله ' وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا ' ' النساء : 45 ' وإن كنت على ظلمة باطل فلا تتسبب في إظهار ذلك ، وإشاعته فإنك لا تتمتع بذلك إن متعت به إلا قليلا ثم الله أشد بأسا ، وأشد تنكيلا ' أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع - فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ' فافهم ، وكان يقول في حديث ليلة الإسراء فدخلت فإذا أنا بآدم أي فإذا أنا في صورة حقيقة آدم وناطق بناطقته ، وكذلك القول في جميع ما رآه من الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام تلك الليلة فصرح بأنه ظهر بصور حقائق الكل ، وجميع نواطقهم ، وزاد عليهم بما زاد ونحن الوارثون لرقائقهم وكان رضي الله عنه يقول أولو العزم من الرسل سبعة ، وهم آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وداود ، وسليمان وعيسى عليهم الصلاة ، والسلام ، وأطال في السر في ذلك ، وكان يقول زمن خاتم الأنبياء يكون عدد أولياء زمانه بعدد أولياء الأزمنة كلها لكن ظهورهم معه كظهور الكواكب مع الشمس ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما كانت شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، لا تقبل النسخ لأنه جاء فيها بكل ما جاء به من تقدمه ، وزيادة خاصة ، ونزلت شريعته من الفلك الثامن المكوكب فلك الكرسي ، وهو فلك ثابت فلذلك قبلت شرائع الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام النسخ دون شريعته ، وأطال في ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول لا يصح لأحد أن يقول في استفتاحه : ' وما أنا من المشركين ' ' الأنعام : 79 ' إلا حتى لا يرى غيره ولا المصلى ، ولا القبلة ، ولا المناجي فاجعل ربك مشهودك دون غيره ، وكان يقول من أعجب الأمور قول الحق تعالى لسيدنا موسى عليه السلام ' لن تراني ' أي مع كونك تراني على الدوام فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول في قوله تعالى : ' إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ' ' العنكبوت : 45 ' كل شيء ، وجدته حاجزا لك عن الفحشاء ، والمنكر يوجد العدل ، والإحسان فهو الصلاة في كل مقام بحسبه ' وجعلت قرة عيني في الصلاة ' فهو السر الفعال في كل مرتبة صلاتية ، والصلاة صلة بين العبد وربه ' ولذكر الله أكبر ' وهو شهود ذاته ، وحده لا شريك له لم يكن شيء غيره فافهم ، وكان يقول في قول الجنيد رضي الله عنه لون الماء لون إنائه حين سئل عن المعرفة ، والعارف هو على قسمين أحدهما أن الماء على لون ، وإناؤه لا لون له كالأواني الشفافة الساذجة من الصبغ فيكون الإناء مشهودا على لون مائه ، والثاني عكسه فيكون الماء مشهودا على لون إنائه ، وفي الأول المشهود هو لون الماء ، والوهم في تشبهه في الإناء ، والثاني عكسه فليس التحقيق إلا في الأفراد كل حقيقة بنفسها في كل مقام بحسبه فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله : ' ألا إنه بكل شيء محيط ' ' فصلت : 54 ' أي كإحاطة ماء البحر بأمواجه معنى ، وصورة فهو حقيقة كل شيء وهو ذات كل شيء وكل شيء عينه ، وصفته فافهم ، وكان يقول العارفون يظهرون مواجيدهم للناظرين في مرايا الأدلة المقبولة عندهم ، والنظار يأخذون مواجيدهم من تلك الأدلة المقبولة فافهم ، وكان يقول : من وجد ثم بحث كان بحثه عيبا في كل مقام بحسبه فافهم . وكان يقول : متى جردت الحقائق عن اللواحق ، والنسب ، وأفردت عما به تتمايز الرتب لم تكن إلا دأبا فقط فإن ذقت حقيقة التحقيق فمن ثم فخذها بقوة فافهم . وكان يقول التغاير أم الحجب ، والتكاثر فافهم ، من لم يشهد إلا واحدا فليس عنده زائد ، ومن لم يشهد إلا حقا فاعل في خلق قابل ليس عنده باطل ، ومن لم يشهد إلا أمر الرحمن ليس عنده أمر الشيطان ، وقس على هذا فلكل مقام مقال فافهم ، وكان يقول من علم أن لا إله إلا الله لم يبق لأحد عنده ذنب سيما لمن يعترف بذلك ' فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك ' ' محمد : 19 ' أي بلا إله إلا الله ، وكان يقول في حديث ' أنا عند طن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ' أي مهما تصورني به من الصور كنت ممده من أفق تلك الصورة بحكمها فافهم ، وكان يقول ما عبد عابد معبودا إلا من حيث رأى له ، وجها إلهيا ولكن الكامن يدعو ناطقة النواطق إلا الانطلاق من قيد وجه إلهي محبوب بمرتبة مألوهه سيما ، وألوهيته منكورة في النظر الآدمي ، وأطال في بيان ذلك ، وكان يقول : انظر إلى مراتب التعابد كيف كل منها محتاج في ظهوره إلى الآخر الذي يقابله فلولا الواجب ما ظهر الممكن ممكنا ، ولولا الممكن ما ظهر الواجب ، واجبا فلكل ، واحد أثر في الآخر كالعلة ، والمعلول ، والفعل ، والمفعول والعالم والمعلوم . وسئل رضي الله عنه عن قول فرعون ' وما رب العالمين ' هل هو سؤال عن ماهية الله تعالى كما يقال : وهل عدول موسى عليه السلام عن الجواب المطابق كما زعموا تنبيها على غلط السائل في سؤاله عن المجرد الحقيقي بما التي تطلب حقيقة ماله جنس ، وفصل يجاب بهما عنها . فأجاب رضي الله عنه هذا سؤال عن ماهية صفة من صفات الله لا عن ماهية الله ، والجواب مطابق رسمي لأنه أجاب بالخاصة المعلوفة عند السائل ، ويمكن أن يكون جعل الجواب تفسيرا للفظ تنبيها على أن المسمى معروف بوضوح أدلته معرفة ضرورية لكل عاقل فلا يسأل عنه إلا متعنت أو من لا يعقل ، ولذلك قال في الثالثة ' إن كنتم تعلقون ' فقيل هل في ذلك سر ؟ فقال رضي الله عنه فيها أسرار : منها أن رب العالمين هو القائم على كل كائن بتربيته حتى يقوى ذلك الكائن ، ويقول من توجهت قواه لتربيته فهو وجود الكل ، والأمر له جميعا ، ومن ثم توجه قول فرعون : ' لئن اتخذت إلها غيري ' ' الشعراء : 29 ' الآية ، وحفظ له موسى حرمة مشهده فلم يجبه بأكثر من قوله : ' أولو جئتك بشيء مبين ' فجاءه بعصا ظهرت ثعبانا ، وهو وجودها المتعين بها فما جاء بمجيئها إلا هو فهو متصرف بذاته في حجب تعيناته ، ومظاهر تجلياته فجاء بالحق المبين حيث جاء ' لقد جاءت رسل ربنا بالحق ' فكان فرعون شاهدا بلا أدب ، وموسى شاهد حي وأين قول فرعون له : ' إني لأظنك يا موسى مسحورا ' ' الإسراء : 101 ' من قوله : ' لقد علمت ' أي المسحور ، والمجنون المستور المحجب ، ولا يعلم ذلك إلا مشاهد عارف بأن مشهوده مستور عن سواه ، وهكذا حين قال : السحرة ' آمنا برب العالمين رب موسى وهرون ' فآمنوا على ستر تغطية استعداداتهم في كل مقام بحسبه فكانوا سحرة ، وطلبوا المغفرة ف ' قال ' لهم فرعون ' آمنتم به ' فانظر كشفه ، وتحقيقه هنا لو سلم من الميل إلى التلبس الذي هو شأن مرتبة الإبليسية فأضله الله على علم : ' ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب ، وأبي - واستيقنتها أنفسهم - لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات ، والأرض بصائر ' أي وجود الحق المبين ولكل مقام مقال ، ولكل مجال رجال فانجهم ، وكان رضي الله عنه يقول لا يسود أحد قط في قوم إلا إن آثرهم ، ولم يشاركهم فيما يستأثرون به في كل مقام بحسبه فافهم وكان يقول كنية الشيطان أبو مرة تدري من هي المرة الذي هذا أبوها هي النفس الجسمانية ذات الشؤون المنكرة شهوة بهيمية فلا هي حرة ، وغضب كلبي سبعي فلا هي برة ، تدري لم سميت مرة لأنها ما دخلت في شيء إلا أفسدته كما يفسد الحنظل اللبن فافهم . وكان يقول : في حديث ' فإذا أحببته كنت سمعه ' وفي رواية ' كنته ' ليس المراد به معنى الحدوث في نفس الأمر لأنه كذلك بالذات ، وإنما ذلك ليكون الشهود مرتبا على ذلك الشرط الذي هو المحبة فمن حيث الترتيب الشهودي جاء الحدوث لا من حيث التغرير الوجودي فافهم ، وكان يقول لا تهجر ذات أخيك ، ولكن اهجر ما تلبس من المذمومات فإذا تاب من ذلك فهو أخوك فافهم ، وكان يقول : لا تعب أخاك بما أصابه من معايب دنياك فإنه في ذلك إما مظلوم ' لينصرنه الله ' أو مذنب عوقب فطهره الله أو مبتلى قد وقع أجره على الله فافهم ، وكان يقول من الرعونة أن تفتخر بما لا تأمن سلبه أو تعير أحدا بما لا يستحيل في حقك ، وأنت تعلم أن ما جاز على غيرك جاز عليك ، وعكسه فافهم . وكان يقول في حديث ' إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ' لما كان ظاهر هذا هو الموت الطبيعي استصعبه الغافلون ، واستهونه المشتاقون فخفف عن الطائفتين بتوجيهه إلى الموت المعنوي فقال : ' موتوا قبل أن تموتوا ' أي جردوا نفوسكم من الصفات المذمومة تقيلوهما ، ويؤيده قول عمر رضي الله عنه في البصل فإن كنتم لا بد آكليها فأميتوها طبخا يعني اطبخوها حتى يذهب خبثها فافهم ، وكان يقول الشيطان نار ، وحضرة الرب نور ، والنور يطفيء النار فلا تجاهل بأن تبعد معه عن حضرة ربك الحق ، ولكن جاهده بأن تواجهه بنور ربك فإن كان له نصيب في السعادة انطفأت ناريته ، وعاد نورا مسلما لا يأمرك إلا بخير ، وإلا أطفأه نور ربك وأحرقته شهبه فعاد رمادا فافهم ، وكان يقول في حديث ابن عمر إنه عليه السلام قال له ' عد نفسك من الموتى ' يعني كن بحيث ييأس منك كل كفور كما ييأس الكفار من أصحاب القبور لأن الميت لا براح له من المثول بين يدي الله تعالى لا يتصرف لنفسه في شهوة ، ولا غضب ، ولا يرى سوى ربه كيفما انقلب فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : سبيل الله طريقه من مات فيها فهو شهيد فالمؤمنون كلهم شهداء في سبيل الله ' ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء ' الآية فافهم ، وكان يقول : قال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه المحبة قطب ، والخيرات كلها دائرة عليها فافهم ، وكان يقول في معنى حديث : ' لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ' أي هو عند الله مرضى رضا يعبر عنه بأنه أطيب من ريح المسك لو لطخ المكلف به فمه تقربا وتطيبا للعبادة فافهم ، وكان يقول لا يظهر إمام هدى لمأموميه من الأفعال إلا ما فيه كما لهم ، وأما الخصوصيات فإن أظهرها ففائدتها إعلام المأمومين أن لإمامهم خصوصيات باطنة ليس لغيره في وقته مثلها فيقوى به إيمانهم ، ويعلمون أنهم ليس لهم منه بدل فافهم ، وكان يقول : إذا ، وجدت من يدعو إلى الله فأجبه ، ولا يصدنك كونه من الطائفة التي انتميت إلى غيرها فبمثل ذلك صد الأشقياء قبلك فقال اليهود لو جاء محمد منا لاتبعناه لكن جاء من العرب فلا نتبعه ، وندع أمر بني إسرائيل فكان الجن أعقل رابطة منهم ، وأفقه حيث قالوا : ' يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به ' ' الأحقاف : 31 ' الآيات ، واعلم أن الحقيقة الداعية إلى الله تعالى في كل دور هو صاحب وقته ' قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة ' ' يوسف : 108 ' وكل الدعاة في زمنه إنما هم رقائقه ، وألسنة ' أنا ومن اتبعني ' وعلامته اندراج بياناتهم ، وكشوفاتهم في كشفه ، وبيانه ، واختصاصه عنهم بما لا سبيل لهم إليه إلا بإمداده ، وفيضه فافهم ، وكان يقول : ألق حبلك ، وأسبابك ، وما اعتمدت عليه من معلوماتك ومعمولاتك بين يدي الداعي إلى الله تعالى حتى يلتقمها حكمه ، وحكمته فلا يبقى لك عمدة إلا على حقه ، ولا توصل إلا بصدقه ليسري بك إلى ربك في حالة محو نفسك ليلا ، ويخرجك من مواطن تحكم العدو إلى مقامات حكم المولى فهناك لا تزلزلك الزلازل ، وإن اشتدت هو لا كما قال : أصحاب موسى : ' إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين ' فكان من حكمة ربه لقومه الذين أسرى بهم ما كان فافهم كما خرج موسى من مدينة فرعون خائفا يترقب مستغرقا في ربه فأفضى أمره إلى مقام المناجاة جرت تلك السنة على اتباعه فأسرى بعباد الله من أرض فرعون خائفين يترقبون مستغرقين في نور إيمانهم فأفضى أمرهم به إلى مقام النجاة فافهم . وكان رضي الله عنه يقول : إنما خرق الخضر عليه السلام السفينة بركابها لحكم منها أن يبين لهم أن السفينة لو كانت حاملة بألواحها ، ودسرها لغرقوا عند خرقها ولن مكرمهم هو حاملهم في البر ، والبحر فسواء ، وجودها ، وعدمها عند صاحب اليقين الكامل ولهذا مشى على الماء من كان هذا يقينه ، ولو أراد المشي على الهواء أيضا ، وكان يقول : إذا رأيت أن الخضر عليه السلام قسمت له الحياة إلى إدراك الزمن المحمدي فما طلب موسى بفتاه السبيل إليه إلا من باب معنى قول القائل : لعلي أراهم أو أرى من يراهم فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : إنما لقي موسى عليه السلام الخضر بفتاه ليجمع لفتاه بين بحر الرسالة من نبوته ، وبحر الولاية من خصوصية الخضر عليه السلام ، والسر في ذلك أن حكم الولي مع حكم الرسول الذي يلزمه شريعته كحكم النجم مع حكم الشمس ، وذلك كما أن النص إذا وجد اندرجت أحكام الاجتهاد كلها تحته ، وكان الحكم حكم النص ، وإذا غاب النص رجع كل مجتهد إلى حكمه فكما أن حكم كل مجتهد في حياة النبي مندرج في حكمه إن أثبته ثبت ، وإن نفاه انتفى كذلك حكم ولى مع رسول ، وأما في زمن أبي بكر ، ومن بعده من الخلفاء فلكل مجتهد حكمه لا يلزمه اجتهاد غيره فهكذا كان أولياء بني إسرائيل في حياة موسى مندرجي الحكم في حكمه فلما دنث ، وفاته ، وتوارى شمس رسالته بحجاب خليفته الذي يستخلفه بعده ، وكان ذلك الخليفة هو فتاه الذي قصد به الخضر عليه السلام علم أن أحكام أهل الولاية ستظهر في زمان ذلك الفتى فأراه كيف يكون معاملته لهم إذا ظهر في زمن خلافته ، وجمع له بين أمري الرسالة ، والولاية فقال لفتاه ' لا أبرح ' أي لا أموت ' حتى أبلغ مجمع البحرين ' أي فيك ' أو أمضي حقبا ' أو أعيش إلى أن يحصل ذلك ، ولو عشت حقبا ' فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما ' ' الكهف : 61 ' ثم كان من الأمر ما قص الله علينا في الكتاب فعلمه أن يسلم للأولياء باطنا ، وإن اقتضى الشرع إنكار شيء من أمرهم أنكره ظاهرا على جهة الاستعلام كي لا يتشبه بأحكامهم من ليس في مقامهم ، وإلا فما لموسى كف عن الخضر بتلك المعاني التي أبداها الخضر فإن مثلها لا تسقط به المطالبة في ظاهر الشرع فمن خرق سفينة قوم بغير إذنهم ، وقال خرقتها لئلا تغضب لم تسقط المطالبة بذلك ظاهرا ، ومن قتل صبيا ، وقال خشيت أن يرهق أبويه طغيانا ، وكفرا لم تسقط عنه المطالبة بذلك في ظاهر الشرع ، وقول الولي ما فعلته عن أمري ليس مسوغا لمثل هذه الأعمال في الحكم الظاهر ، وإن تحققت ، ولايته فما كان الإنكار من موسى أولا إلا حفظا لنظام الشرع الظاهر ثم كف آخرا حفظا لرعاية أمر الله في أوليائه وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع ، وهو شهيد ، وكان رضي الله عنه يقول : في قصة موسى ، والخضر يعني أن للحق عبادا أقامهم لبيان المكتسبات ، وعبادا أقامهم لبيان الموهوبات ليس لأحدهما أن يعترض عل الآخر ، ولا يشاركه فيما أقيم فيه وإن كان أحدهما نبيا ، والآخر وليا فافهم ، وكان يقول : الجبال أمثال الرجال فكما أن الجبال لا يزيلها عن مقيلها من الأرض ما عام العالم إلا الشرك فكذلك الولي ما يزيل همته عن قلب من آوى إليه إلا شرك خالص موضع المحبة من قبله بغير ولاء ربه ' وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ' ' إبراهيم : 46 ' فلا يفلت الولي قلب مريده سوى الشرك لا تقصير ، ولا غيره فافهم . وكان يقول : لفظة ' ما ' في قول الخضر لموسى ؟ ' ما فعلته عن أمري ' موصولة ، وأمره شأنه لأن تلك الأفعال كانت من أحكام روح الإلهام الولائي فافهم ، وكان يقول : الخضر عليه السلام مظهر عرفاني رأى فيه موسى عليه السلام حين وجوده ما سأل في مقامه العرفاني أن يراه في شهوده ، وذلك المظهر كان منه ، وإليه فافهم ، وكان يقول : ما من كامل في رتبة إلا وهو جامع لكمالات ما دونها ، وفقير لكمالات ما فوقها فافهم إلى أن ينتهي الأمر إلى من له المنتهى ، وليس ، وراءه مرمى والله أعلم . وكان يقول النفس ما له الإدراك والروح ما به الإدراك في كل مقام بحسبه ، ومن هنا سمي القرآن روحا ، وعيسى روحا ، وجبرائيل روح الوحي النبوي المرسل في المعاني الجلالية ، وميكائيل روح هذا الوحي في المراتب الجمالية ، ولذلك كانت آية إلياس النار تسير معه حيثما سار ، وأما الخضر فإنه جليس على الأرض اليابسة فاخضرت حيث جمع لموسى بين النار ، والشجرة في تجليه ، وتم له ذلك ظهر له عين الأمرين في إلياس قومه ، وخضرهم ، ولذلك كان إلياس للأولياء كجبريل للأنبياء وكان أكثر من يراه أصحاب المجاهدات والخضر لهم كميكائل ، وأكثر من يراه أصحاب المشاهدات ، ولا يظهر أن لأحد إلا متمثلين من غيبه إلى شهادته ، ويراهما كل أحد بحسب حاله ، ومقامه ، ويراهما في الآن الواحد جماعات متفرقون في أماكن متباعدة على هيئات مختلفة ولا يظهران معا إلا لمن له روح كمال ذات جلال ، وجمال فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف عبد الرحمن بن عوف إشارة إلى أن المتبوع في المعنى قد يكون تابعا في الصورة كغاية الشيء له فلا يلزم من الإتباع الظاهر فضيلة المتبوع على التابع في الباطن ، وقد أوحى إلى نبينا صلى الله عليه وسلم : ' أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا ' ' النحل : 123 ' مع أنه القائل ' أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ' حتى إبراهيم يقول : في ذلك اليوم اجعلني من أمتك فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : الحظوظ الدنيوية زبالة فمن أظهر للناس ما عنده من الخصوصيات الربانية ليتوصل بذلك إلى تحصيل حظوظه الدنيوية منهم فقد برطل بالمملكة كلها على أن يصير زبالا ، وقد وقف عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بأصحابه على مزبلة حتى أضجرهم فقالوا : مالك حبستنا هنا فقال هذه دنياكم التي تتنافسون عليها ، وكان يقول : كل ما أرضى العارف بالله أرضى معروفه ، وكل ما أغضبه أغضب معروفه كما جاء في الحيث ' إن الله يرضى لرضا عمر ، ويغضب لغضبه ' وجاء مثل ذلك في حق فاطمة ، وبلال ، وعلي ، وسلمان ، وخبيب ؛ فاعملوا أيها المريدون على أن يمضي عنكم العارفون وينبسطوا إن أردتم رضا ربكم ، وبسط نعمه عليكم ، واحذروا فإن العكس في العكس من ذلك ، واسألوا الله توفيقكم لذلك ، وكان يقول : التكليف ، والاختبار من الحق قرين الاختيار ، ودعوى الاقتدار من الخلق فمن عجز ، وسلم لم يكلف ، ولم يختبر . قلت ، وقوله لم يكلف أي لم يجد مشقة في التكليف فافهم وكان يقول : صلاة تنتج الدعوى رعونة ، ونوم ينتج التقوى معونة فافهم ، وكان يقول : لسان الكسب يقول : ' ما عندكم ينفد ، وما عند الله باق ' ، ولسان الوجود يقرأ ' ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ' ، فافهم ، وكان يقول : من استضعف لإيمانه فعاقبته التمكين ، وعلو الشأن ' ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ' ' القصص : 5 ' الآية ، ومن كبر بإجرامه رد أمره إلى صغار ' سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد ' ' الأنعام : 124 ' الآية ، وكان يقول : جميع ما أفاده المفيد للمستفيد إنما هو في الحقيقة لنفسه أن العبد من مولاه عبد القوم من أنفسهم ، وما من الله إلا ، وإليه فافهم ، وليس يفهم عني غير إنائي ، وكان يقول : في حديث ' لا تقوم الساعة ، وعلى وجه الأرض من يقول : الله الله ' أي عارف بالله حقا فوجود العارف بالحق بين الخلق أمان لهم من قيام القيامة ذات الأهوال عليهم فافهم وكان يقول : ما عبد الله أحد إلا على الغيب لكن فتح لك الشرع الذوقي في الذوق الشرعي المحمدي بابا إلى الجمع بأن تشهد كل شيء من معبودك حتى عبوديتك فتراه هو الذي يجري تلك الأحكام عليك ويقيمها فيك بقيوميته فتصير عند شهودك هذا تعبده كأنك تراه لأنك لو رأيته رأيته ، وجودك القائم بجميع صفاتك ، وسمي اللسان المحمدي هذا الشهود مقام الإحسان ، وليس بعده إلا مقام الإيقان ، وهو العيان فافهم ، وكان يقول : لا يحل لأحد أن يمكن الخلق من تقبيل يده ، ورجله إلا إذا صحبه من الحق ما صحب الحجر الأسود من حفظ عهد الحق تعالى في الخلق ، وقصد الله ، وحده ، والتطهر من لوث تحكم الوهم البهيمي ، وعدم الشهوة المغفلة ، والحظوظ المشغلة ، والرعونات المضلة ، وتحمل خطايا الخلق ولا يبالي أن يسود ، ويذكرهم بربهم فيبيض قلوبهم فمن جمع هذه الصفات فهو يمين الرحمن لهم في الأرض ' إن الذين يبايعونك إنما يبيايعون الله ' فافهم ، وكان يقول : لكل زمان واحد لا مثل له في علمه ، وحكمته من أهل زمانه ، ولا ممن هو في زمان سابق على زمانه لأنه سبقه زمان آخر ، ولسان هذا الواحد في زمانه يقول : لتلامذته ' كنتم خير أمة أخرجت للناس ' ' آل عمران : 110 ' لأنهم أخذوا عن إمام لم يتقدمه مثله ، ولم يعاصره نظير ، وإن للمأموم حكم إمامه فإن قال : لهم ذلك بلسانه فذلك منه حق ، وصدق وإن قال ذلك ، وليس هو من أهل ذلك المقام كذبه الحال فيما قال : ' والحق أحق أن يتبع ' فافهم ، وكان يقول : لا يرى الحق تعالى في الآخرة بلا حجاب إلا أهل التنزيه المطلق ، وهو تجريد التوحيد عن شريك يقابله أو يشوبه لشهودهم الأحد أحدا لا شريك له مطلقا ، وهذا هو سر العيان الذي يستحيل معه الحجاب فافهم ، وأما أهل التنزيه المقيد فلا بد لهم من حجاب كما أشار إليه حديث ' وما بين أهل الجنة ، وبين أن يروا ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن ' وهؤلاء هم الذين ينكرون الحق يوم القيامة إذا تجلى لهم في غير معتقداتهم ، وسئل رضي الله عنه عن مريد ادعى أنه شهد كمال أستاذه ثم أراد السفر عن حضرته لزيارة مكة أو المدينة أو بيت المقدس ، واستدل على ذلك بسفر عمر رضي الله عنه من حضرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة لوفاء نفره فقال : رضي الله عنه المريد الصادق أول ما يشهد في شيخه الكمال يجده في حضرة الحق التي بها أرواح أئمة الهدى أجمعين بالنسبة إليه فكيف مع هذا يفارق تلك الحضرة لمواضع آثار الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام التي هي دون الحضرة التي شهد أستاذه فيها وكيف يشتغل عن بيت وضعه الحق لنفسه ببيت وضعه للناس أو عن مجالسة مظهر أرواح الأنبياء ، والتلقي عنها مواجهة مشافهة بآثار أبدانهم ، وأفعالهم ، وأما سفر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنما كان امتثالا لأمر الله عموما حيث قال : ' يوفون بالنذر ' ثم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم خصوصا حيث قال : ' يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف في المسجد الحرام قال أوف بنذرك ' وحسبك إشارة أن عمر رضي الله عنه لو كان يعرف مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم نذر ذلك لم ينذره ، وقدم مجالسته لرسول الله صلى الله عليه وسلم على كل شيء ' إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ، وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه ' إلى قوله ' واستغفر لهم الله ' فانظر مع الاستئذان ، والإذن في ذهابهم لبعض شأنهم الذي احتاجوا إليه كيف احتاجوا إلى الاستغفار لهم ، ولم يكف فيه استغفارهم لأنفسهم فليس لمزيد صادق أن يفارق إمام حضرة هدايته أبدا . قلت ، ويتعين استثناء الحج المفروض من كلام الشيخ رحمه الله تعالى ، وكان يقول . في قوله تعالى : ' إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله ، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ' جمع الله تعالى له بين الكلمة العلمية ، والروح الإرادية ، وقال : ' فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ' فالروح هو الذي غلب بحكمه العلمي على النسمة الكائنة من مريم فكان بها متمثلا ، ولذلك قال : ' وما قتلوه ' لأن الغالب عيه صورة الحياة فالقتل عليه محال ، وإن وقع على النسمة المتمثل بها حكم من الأحكام اللائق بها فلذلك لا يؤثر في المتمثل بها أصلا لأن ما بالذات لا يزول بالعرض حقيقة ، وإن توارى بحكم آخر يخالفه فذلك بالنسبة إلى من لم يدرك منه إلا ذلك الحكم الذي توارى به ، وربما يقول : هذا فكيف صح أن موسى عليه السلام فقأ عين ملك الموت فرجع إلى ربه فردها عليه فالجواب أن هذا الملك روح طبيعي تمثل في صورة طبيعية فلم يبعد عنه ذلك لأنه من عالمه ، ولو لم يكن طبيعيا لكان الفقء لم يقع إلا في المثال فقط ثم تمثل بمثال آخر ، وأبدل مكان العين المفقوءة عينا سليمة ، وأطال في ذلك وكان رضي الله عنه يقول : في معنى قول بعض الصوفية إن الحق ذات كل شيء ، والمحدثات أسماؤه انتهى . معنى الأول أن كل شيء لا يقيمه ، ويوجده ، ويحققه إلا الحق لأن الذات هي المقومة المحققة للعرض ، ولما كان الحق من المحدثات بهذه المنزلة هو قيومها الذي لا قيام لها دونه أطلقوا عليه ذاتها ، وأما كونها أسماءه فلأنها دالة عليه دلالة لازمة ذاتية لها كما هو دلالة المفعول على فاعله ، والاسم ما دل بذاته على ما وضع له فمن ثم سموا المحدثات أسماء لقيومها الذي أوجدها فافهم ، وكان يقول : من أراد أن ينقاد له العالم انقيادا ذاتيا فلا يطلب إلا الله تعالى وذلك أن الإنسان المخلوق على صورة الكمال يطل بجميع المخلوقات كما يطلبون الرحمن لأنه نائبه في الكون فافهم ، وكان يقول : من شأن الذات الإطلاق لذاتها ، وتساوى النسب لصفاتها ، ومن ثم لا يشعر موجود بإطلاق إلا كان بذاته أحن إليه من التقييد وأطال في ذلك . سان المخلوق على صورة الكمال يطل بجميع المخلوقات كما يطلبون الرحمن لأنه نائبه في الكون فافهم ، وكان يقول : من شأن الذات الإطلاق لذاتها ، وتساوى النسب لصفاتها ، ومن ثم لا يشعر موجود بإطلاق إلا كان بذاته أحن إليه من التقييد وأطال في ذلك . وكان يقول : إذا صفت الأرواح صارت تهم أن تنفذ من أقطار السموات والأرض لتفارق حكم عالم الكثافة والغير إلى حكم عالم اللطافة ومحض الخير ويمانعها حكم كونها الترابي الجسمي فيحصل الرفض ، والتردد ، وربما صحب صاحبها حسرة على عدم خلوه عن العوائق عن ذلك فيثور هنالك عويل ، ولطم ، وبكاء ، وعنف في الحركة ، وتمزيق في الثياب ، والجلد ، وربما قوى حال النفس عليها ففارقت بدنها المعارف ، وحصل الموت وأطال في ذلك . وكان يقول : كلما كان حادي القوم مناسبا لهم في عشقهم ، وحالهم كان أكثر تأثيرا فيهم ، وكان يقول : من شأن الإمام الهادي أن لا يغفل عن تطهير قلوب المريدين الطائفين على مظاهر الحق ' أن طهرا بيتي للطائفين والقائمين ' أي بالقسط ' والركع السجود ' بالاقتراب الإيماني الحسي ، وأطال في ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل كل ، ولي من جاءه بقلب سليم من الحظوظ ، والشهوات البهيمة ألا ترى أن أهل العروس ليس إلا الذين لا ينظرون إليها بشهوة بهيمية إما والد أو أخ أو عم ، وأما الزوج فإنما ينظر إليها بإرادة أمرية لا بشهوة بهيمية وقد نهيت النساء من إظهار ، وجوههن ، وظهورهن ، وما يخفين من زينتهن إلا لقرابة أو غير أولى الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ، وهم أمثال الضعفاء العقول المقلدين بالتصميم لأهل النظر القاصر عن إدراك الحقائق فهكذا حال كل مريد جاء إلى حضرة أستاذ بالصدق كان من أهله وعليه تنكشف عورته وتتجلى أسراره ، ومن لا فلا فافهم ، وكان يقول : اطلب من نفسك الصدق في معرفة خصوصية أهل التخصيص ومحبتك لهم تنل منهم ما تريد ، ولا تطلب منهم أن يشغلوا قلوبهم بك ، وتهمل أنت أمر نفسك فإن ذلك قليل الجدوى ، وكان يقول : الأسباب للأمور الناشئة عن الكسب كالماء للزرع متى انقطع عنه الماء مات ، وكذلك المتفكرون متى تركوا التفكر عطلت معتقداتهم النظرية ، وكذلك المتقشفون متى تركوا تقشفاتهم بطلت تأثيراتهم الكونية ، ومكاشفاتهم الصورية فافهم ، وما كان وهبا من الله تعالى فهو باق ، وكان رضي الله عنه يقول : من كتم سره ملك أمره ، ولم يكتم شيئا من أظهر من الأحوال ما يدل عليه فلا تظهر لقومك إلا ما تعرف منهم قبوله منك ' لا تقصص رؤياك على أخوتك ' ' يوسف : 5 ' الآية وكان يقول : حقيقة الشكر الكامل أن يشهد العبد شكره لله تعالى من الله ، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه فافهم ، ولا يشكر الله حقيقة إلا الله ، والعبد عاجز عن ذلك ، وكان رضي عنه يقول : إذا علمت من أستاذك الإطلاع على جميع أحوالك فقد عرضت عليه صحيفتك فقرأها فإما يشكرك ، وإما يستغفر لك ربك فاسمع لهذا ، وأطع ، وإن أعطاك الله تعالى أنت بصيرة علمت بها ذلك فقد أوتيت كتابك تقرؤه فإن علمت بما فيه من الصالحات فقد أوتيت كتابك بيمينك ، وإن خالفت ما فيه فقد أوتيت كتابك بشمالك ، وإن أغفلت النظر فيه فقد أوتيته ، وراء ظهرك ، وحيث جاءك هذا البيان فاقرأ كتابك ، وحرر حسابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : أئمة الهدى في أمان الله عز وجل ، وإنما يبكون ، ويتضرعون لأجل اتباعهم إما ليعلموهم كيف يعملون ، وإما أنها شفاعة غيبية فافهم ، ولا شك أن التعليم أيضا شفاعة فمن تعلم ، وعمل فقد قبلت فيه الشفاعة فانتفع ، ومن لا فلا ' فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين ' . وكان يقول : الكشف من ربك العليم ، والغطاء من وهمك البهيم فلا تستعن على الكشف بوهمك فإنه لا يزيدك إلا غطاء ولا تخش من ربك منعا عند صدق توجهك لجوده فإنه لا يوجدك إلا إعطاء فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : لما كانت حواء مظهر صورة شهوة آدم الباطنة كانت المرأة لا ترى قط إلا شهوة جسمية لا تدري ما فوق ذلك ، ولا تتوجه همتها إلى أعلى منه ، ولا تنظر قط في العواقب ، وإنما تسرع إلى ما حرك الوهم البهيم شهواتها إليه ، وكان يقول : كم شيء كمال في الخلق نقص في الحق كالأزواج ، والذرية فإن قيل لولا الزواج ما حصل النتاج فقل لهم بل كان يحصل من حيث حصل في آدم عليه السلام ولكن محض التعريض للأسباب هو أكلة النهي الموجبة لتسليط ما في الضرورات من العقاب فافهم وكان يقول في قوله تعالى : ' خذوا زينتكم عند كل مسجد ' ' الأعراف : 31 ' المراد بالزينة هنا المكارم ، والمحامد ، والفضائل فهذه هي الزينة للنفوس الآدمية ، وضد ذلك من زينة البهائم ، والمراد بكل مسجد هو كل هاد للخلق بنوره ، ومرشدهم إلى حسن العبودية فافهم قال الله تعالى : ' ولباس التقوى ذلك خير ' ' الأعراف : 26 ' الآية ، وكان يقول : الحق مفطور على صورة الحق فهي حياته وشبابه فإذا أهرمته عوارض الحجب ، والغفلات صار سمندل نار إذا ألقي به فيها رجع شبابه فافهم ، ولا تصح صفة المحبة لعبد ، وهو بخيل أو عاص أو عنده عجلة بلا حلم ، وكان يقول : ما سمي القلب قلبا إلا لأنه في العلم الأزلي حق بطن في قوته خلقه فانقلب في العلم الأبدي فصار خلقا بطن فيه حقه فهذا الحق في الأزل بيت عبده ، وهذا الخلق في الأبد بيت عبده ، وكما ظهر الخلق بالحق أزلا كذلك ظهر الحق بخلقه أبدا ، وأطال في ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا كان للحق بعبده عناية جعل سبب شقاء الأشقياء من أسباب سعادته يذنب فينكسر ، ويستحي ويتذلل ويذوق طعم الحجاب والعبد فيعرف قدر الوصل فيزداد شكرا فتزداد فضلا والمعكوس منكوس ' إن الله يحكم ما يريد ' ' المائدة : 11 ' فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' وإذا رأيت الذين يخوضون في آيتنا فأعرض عنهم ' ' الأنعام : 68 ' الآية فيه إشعارا بالإعراض عمن يخوض في حق الأولياء المكملين فهم من آيات الله تعالى الدالين عليه قال تعالى : ' ولنجعلك آية للناس ' فافهم ، وكان يقول : لما كانت الوكالة مشعرة بعجز الموكل عما فوضه إلى ، وكيله ، وقدرة الوكيل عليه ، ولو بوجه ما إذ لا بد من مانع له من مباشرة ما ، وكل فيه سمي الرب ، وكيلا لعبده ، ولم يسم العبد ، وكيلا لربه فافهم ، وسئل هل لمريد الحق أن يتعاطى ما يشغله عن مراده فقال : لا فقيل فما الحكمة في إذن الشارع صلى الله عليه وسلم لأمته في التزويج ، وفيه من الشغل ما لا يخفى فقال لأنه لما رأى النفوس البشرية مجبولة على المغلوبية لعوارضها المزاجية أذن لها فيما يفك عنها غلبة تلك العوارض عليها لئلا تشغلها عنه ، وشرط عليها مساس الحاجة قبل التعامل ليكون الشغل في ذلك به لا عنه ألا ترى قوله : ' ذلك أدنى أن لا تعولوا ' ' الأنعام : 6 ' والعول الزيادة أي أعنى أن لا تميلوا عن مولاكم إلى ما دونه فمن تزوج بنية صالحة كان عابد الله تعالى بتزوجه مع أن في ضمنه عصمة له من الزنا الذي هو أعظم الحجب عن الله تعالى فافهم ، وأما من تزوج لمحض الشهوة فقط فذلك الذي يشغله الزواج عن ربه ، وكان يقول : مبدأ حقيقتك الروحانية أحق بك من مبدأ حقيقتك الجسمانية فإذا علمت هذا فقدم أمر ربك الذي هو مبدؤك وقال عنك ' فنفخت فيه من روحي ' ، فهو تعالى أحق بك وأرحم وأفرح بك من أمك ، وأبيك ، ومن كل شيء دونه صاحب الشيء أحق بشيئه فافهم ، وكان يقول : من كان خليفته مرشدك ، ومربيك فهو بحقيقته ربك ، وهاديك فاعرف يا مريد من هو مرادك ، ويا تلميذ من هو أستاذك والزم تغنم فافهم ، وكان يقول : علماء السوء أضر على الناس من إبليس لأن إبلس إذا ، وسوس للمؤمن عرف المؤمن أنه عدو مضل مبين فإذا أطاع ، وسواسه عرف أنه قد عصى فأخذ في التوبة من ذنبه ، والاستغفار لربه ، وعلماء السوء يلبسون الحق بالباطل ، ويزيدون الإحكام على وفق الأغراض ، والأهواء بزيغهم ، وجدالهم فمن أطاعهم ضل سعيه ، وهو يحسب أنه يحسن صنعا فاستعذ بالله منهم ، واجتنبهم وكن مع العلماء الصادقين وكان يقول من المتفقهين تستفيد دعوى العلم بأحكام الدين ومن العلماء العاملين تتفيد العمل بأحكام الدين فانظر أي الفائدتين أقرب قربى عند رب العالمين فاستمسك بها ، وإذا قال : لك المتفقهون ماذا استفدت من الصوفية الصادقين فقل لهم استفدت منهم حسن العمل بما استفدت منكم من أقوال أحكام الدين ، وكان يقول : نية القربات تصير العادات ، والمباحات عبادات حتى إنك ترى الجبة الصوف على أهل الله تعالى أحسن من الحرير على غيرهم ، وذلك لأنهم قصدوا بذلك وجه الله تعالى قال : تعالى : ' ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ' ' الشورى : 23 ' فافهم ، وكان يقول : بينك ، وبين أن لا تدرك أن تولى حب الدنيا ظهرك فافهم ، كان يقول : خاتم الأولياء على قلب خاتم الأنبياء ، ومن علامته أن يتحقق مواجيد الأولياء كلهم ، ويختص عنهم بوجده كما حقق خاتم الأنبياء مواجيد الأنبياء كلهم ، واختص عنهم بخصوصيته فافهم ، وكان يقول : ربما كان الواحد صديقا قطبا من جهتين باعتبارين ، ولا شك أن الصديقية في ضمن نظام القطبانية لأنها من مراتب دائرتها فافهم ، وكان يقول : القطب مظهر نور الحق على الكمال الممكن لنوع الإنسان بحسب زمانه ، ودائرته ، والصديق مظهر نور القطب على الكمال الممكن لمثله ، والنور ما به الكشف ، والبيان ، وتحقيق المعاني في الأعيان فافهم ، وكان يقول مجالس الأولياء العارفين محاضرات روحانية لا يعبئون فيها إلا بفصاحة اللسان الروحاني وهو تحقيق المعاني ذوقا ، وحسن تلقيها حقا ، وصدقا فإذا صحت لهم هذه الفصاحة فلا عليهم إن فصحت ألسنتهم الجسمانية أوكلت أو لحنت أو أعربت ' إن الله لا ينظر إلى صوركم ' الحديث . وسئل عن المراد بقول الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه في حزب النور ، وأعوذ بك من السبعين والثمانية فقال المراد بالسبعين السلسلة التي فرعها سبعون ذراعا ، وهي مظهر الفرق والهالكة ، والثمانية هي إشارة إلى سبع ليال ، وثمانية أيام حسوما ، وهذه السبعة هي مظهر أبواب جهنم ، وكان يقول لكل ولي خضر هو تمثل روح ، ولايته كما لكل نبي صورة جبريل هي تمثل روح نبوته يظهر لحسه من فوق نفسه فافهم . وقال رضي الله عنه في الحديث الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قال لعمر رضي الله عنه : ' والذي نفسي بيده ما سلكت فجا قط إلا سلك الشيطان فجا غير فجك ' المراد بذلك صورته الروحانية التي هو بها ذلك المخاطب حين خوطب فلا يقال كيف غواه الشيطان في الجاهلية فافهم ، وكان يقول سيدي ووالدي صاحب الختم الأعظم فالشاذلي ، وجميع الأولياء من جنود مملكته فهو يحكم ، ولا يحكم عليه من سائر الدوائر فلا يقال لنا لم لا تقرؤون حزب الشاذلي لأنكم من أتباعهم فافهم . قلت : قد ادعي مقام الختمية جماعة من الصادقين في الأحوال ، والذي يظهر أن لكل زمان ختما بقرينة قوله فيما سبق لكل ولي خضر ، والله أعلم . وكان يقول في قوله تعالى : ' إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة ' ' آل عمران : 96 ' الآية المراد به قلب آدم عليه السلام لأنه أول بيت وضع للرب في البشر ، وهو أيضا بجسده مدفون تحت عتبة هذا البيت كما أعطاه الكشف ، وأما بنية الكعبة فهو مثال مضروب للقاصرين ليتذكروا به المعنى عند رؤية مثاله فافهم ، وكان يقول الغذاء شبيه بالمغتذى في كل مقام بحسبه فالجسم غذاء الجسم ، والروح غذاء الروح ، والنفس غذاء النفس ، والعقل غذاء العقل ، والعلم غذاء العلم ، والحق للحق ، والخلق للخلق فافهم فإن أستاذك علم مكنون فلا يغتنى به إلا عالمك ، ولا غذاء لعالمك إلا به ، ولا بقاء لحي إلا بغذائه فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول الخلق في اللغة التضييق ، والخانق الطريق الضيق ، ومنه سميت الزاوية التي يسكنها صوفية الرسوم الخانقاه لتضييقهم على أنفسهم بالشروط التي يلتزمونها في ملازمتها ، ويقولون فيها أيضا من غاب عن الحضور غاب نصيبه إلا أهل الخوانق ، وهي مضايق ، وكان يقول لا تخرق حرمة من يحب أن يحترم إلا وفيك بقية من حكم مغايرتك للحق تحكم عليك بأنك قليل الأدب لأنه ما أحب أن يحترم في ذلك المظهر إلا الحق بالحقيقة ، وأما إذا لم يكن فيك شهود بقية من حكم الغير فالأمر منك إنما هو من الحق لنفسه فانظر ماذا ترى ' بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره ' ' القيامة : 14 و 15 ' فافهم ، وكان يقول : الولد متى قدر على الكسب ، وصلح له سقطت مؤنته عن أبيه ، والعبد أمره لا يخرج عن سيده بسبب فألزم العبودية لمن كان هو عبده فغنم ، وكان يقول : إذا رأى العارف أنه عين معروفه فلا عليه بأس في تعظيم العباد له . قلت : ومعنى كونه عين معروفه أن يتخلق بصفاته التي أمره بالتخلق بها ، وهذا مبني على أن الصفات عين لا غير فافهم ، وكان يقول كيف تتحقق بمن لا شيء معه ولم يكن شيء غيره وأنت عندك شيء غيره كائن معه فإن وجود الأول مشروط بفقد الثاني أو ملازمه فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارقبوا محمدا في عترته أي اشهدوه بهم فإن وجدتم منهم ما يشق عليكم فسلموا ، وارضوا كما لو جاءكم ذلك منه مواجهة لكم ثم لا تجدوا في أنفسكم حرجا مما قضوا ، وسلموا تسليما ، وإن وجدتم منهم ما يعجبكم فاشهدوه منه فيهم كي لا تحجبوا عنه بهم ، وتحبونهم دونه ، وتنسونه بذكرهم فما هم في الحقيقة منه إلا كالبشري السوي من الروح المتمثل به ، وهل الفرع في الحقيقة غير صله ، وهل ثمراته إلا منه فافهم ، وكان يقول في معنى حديث ' كنت كنزا لا أعرف ' يعني مرتبة التجرد ' فأحببت أن أعرف فخلقت خلاقا ، أي قدرت أعيانا تقديرية ، وتعرفت إليهم ودللتهم على كل منها بكل منها في عرفوني أي لأني أنا الكل هذا حقيقة هذا الكلام في التحقيق ، وله في الفرقان معان أخر ، وكل من عند الله فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول في كل صورة آدمية آدم ، والملائكة له ساجدون ، وهكذا حقائق الأئمة كل منها كلي أمم بالنسبة إلى أتباعه فمن تبعني فإنه مني فهم هو مجملا ، وهو هم مفصلا ، وكان يقول . أنت أيها المريد غصن ، ونور أستاذك شمس تحييك ، وقمر يربيك ؟ وكان يقول متى فتحت سدد مداركك أدركت بكل منها ما يدركه كل منها فلا تسمع شيئا إلا رأيته وقس على هذا في كل مقام بحسبه ، وكان يقول إذا سلمت النفس بحكم القلب لم يبق لها نزاء لربها ، ووليها وإلا فلها من النزاع بقدر ما فيها من الشرك ، وكان يقول : سكوت العالم حيث تعين الكلام عليه ككلام الجاهل . نى كونه عين معروفه أن يتخلق بصفاته التي أمره بالتخلق بها ، وهذا مبني على أن الصفات عين لا غير فافهم ، وكان يقول كيف تتحقق بمن لا شيء معه ولم يكن شيء غيره وأنت عندك شيء غيره كائن معه فإن وجود الأول مشروط بفقد الثاني أو ملازمه فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه ارقبوا محمدا في عترته أي اشهدوه بهم فإن وجدتم منهم ما يشق عليكم فسلموا ، وارضوا كما لو جاءكم ذلك منه مواجهة لكم ثم لا تجدوا في أنفسكم حرجا مما قضوا ، وسلموا تسليما ، وإن وجدتم منهم ما يعجبكم فاشهدوه منه فيهم كي لا تحجبوا عنه بهم ، وتحبونهم دونه ، وتنسونه بذكرهم فما هم في الحقيقة منه إلا كالبشري السوي من الروح المتمثل به ، وهل الفرع في الحقيقة غير صله ، وهل ثمراته إلا منه فافهم ، وكان يقول في معنى حديث ' كنت كنزا لا أعرف ' يعني مرتبة التجرد ' فأحببت أن أعرف فخلقت خلاقا ، أي قدرت أعيانا تقديرية ، وتعرفت إليهم ودللتهم على كل منها بكل منها في عرفوني أي لأني أنا الكل هذا حقيقة هذا الكلام في التحقيق ، وله في الفرقان معان أخر ، وكل من عند الله فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول في كل صورة آدمية آدم ، والملائكة له ساجدون ، وهكذا حقائق الأئمة كل منها كلي أمم بالنسبة إلى أتباعه فمن تبعني فإنه مني فهم هو مجملا ، وهو هم فصلا ، وكان يقول . أنت أيها المريد غصن ، ونور أستاذك شمس تحييك ، وقمر يربيك ؟ وكان يقول متى فتحت سدد مداركك أدركت بكل منها ما يدركه كل منها فلا تسمع شيئا إلا رأيته وقس على هذا في كل مقام بحسبه ، وكان يقول إذا سلمت النفس بحكم القلب لم يبق لها نزاء لربها ، ووليها وإلا فلها من النزاع بقدر ما فيها من الشرك ، وكان يقول : سكوت العالم حيث تعين الكلام عليه ككلام الجاهل . وكان يقول : في حديث : ' من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين ' ، الذبح إزالة الفضلات الردية فهو ذبح معنوي لأنه بغير سكين فمن ولي القضاء مع إزالة رعوناته الوهمية فهو ولي أمر قاض بالحق ، ومن لا فهو متغلب قاضي جور . قلت : ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في جلد الميتة ' دباغه ذكاته ' فتأمل ، وكان يقول : ما دام معلمك يولد عندك المعلومات فهو أبوك فإذا تحققت روحك بنوره صار علمه يتجلى فيك معلوماته أبهة ، وذلك هو الوحي ، وإنما يوحي إليك ربك فاعرف ، واغنم ، وكان يقول في قوله تعالى : ' وأقم الصلاة لذكري ' ' طه : 14 ' أي لا لأجري ولا لشيء غيري فهذه عبادة المحبين ، وكان يقول : كل محق مصدق ، ولا عكس فمن ، وجد الحق بالحق فهو محق مصدق ، ومن ، وجد بأمر زائد فهر مصدق فقط ، وكان يقول : من تعدى حده قيد ، ومن لا غير له لا حد له فافهم ، وكان يقول : لا يراك إلا أنت فمن لك بمن هو أنت حتى تتراءى له فيراك ، وكان يقول : إنما كان أستاذك أعلم بك منك لأنه هو حقيقتك وأنت ظلمة فافهم ، وكان يقول : معرفتك بحقيقتك على قدر معرفتك بأستاذك ، وكان يقول : ما لم يرتفع حكم المغايرة لأستاذك عندك فأنت بالحقيقة لا شك ضائع فارجع إلى ربك فاسأله فافهم ، وكان يقول : حيث جاء الخطاب الرباني بيا بني آدم فالمراد بهم أهل اليمين . وكان يقول : متى تخلص حريرة الإيمان من شوك السعدان ، والله مأثم إلا الله : ولكن الله يفعل ما يريد ، وكان يقول : في حديث : ' كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي ' المراد بابن آدم من كان محجوبا فإن عمل المقربين كله لربهم ، وكله صوم لتجردهم عن شهود نسبته إليهم إلا على ، وجه المجاز ' ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ' ، وكان يقول : صورة الأستاذ الناطق مرآة سر المريد الصادق إذا نظر فيها بيصيرته شهدها على صورة سريرته فأول مبادئ المريد أن تتحلى طويته بسمات أهل الفلاح ، والولاية فإذا كشف لبصيرته عن أستاذه رأى صورة صلاحه ، وولايته في صفاء صورة أستاذه فينطق أن أستاذه هو الصالح الولي فيستمد من بركات ملاحظته المتوالية ، وهممه العالية ، ولا يزال مطلبه من الأستاذ دعواته المنيفة ، وخواطره الشريفة فيتودد إليه تودد المتأنس حتى ينفخ إسرافيل العناية في صور صورة قلبه روح التخصيص الآدمي فهناك يشهد أستاذه آدم الزمان ، ومالك أزمة الأكوان فيعظمه تعظيم الشاب لأبيه المهاب إلى أن يسفر حجاب صورته الآدمية عن جمال ما خصه من الروح المحمدية فهناك يشهد أستاذه سيدا محمديا ، ويكون له عبدا ، ولا يجعل له في سواه أربا ، ولا قصدا إلى أن يغشى سدرة سره الأنوار الروحانية ، وينزغ من البصر نزغة الزيغ ، وغطاء الطغيانية فينظر إلى أستاذه فلا يرى إلا الواحد يتجلى في كل مشهد على قدر وسع الشاهد فيصير عدما بين يدي ، وجود ، ومحوا في حضرة شهود فأول أمره توفيق ، وأوسه تصديق ، وآخره تحقيق ، وهذه النهاية هي بداية السعاية بقدم الصدق في مقعد صدق عند مليك مقتدرا وكان رضي الله عنه يقول : من ، وضع العسل في قشر الحنظل التبس حال أصله على الجهلة إذا تمرر العسل لمرارة أصله ظنه الجاهل مرا من أصله ' قل هو للذين آمنوا هدى ، وشفاء ، والذين لا يؤمنون في آذانهم ، وقر ، وهو عليهم عمى ' ، وكان رضي الله عنه يقول : امتهان العباد المكرمين بعد معرفتهم سم ساعة متى خالط القلب مات لوقته ، وكان يقول : المخصوص بالله هو الذي نفذ من جميع الأقطار سره وجهره فلم يسعه غير الله ، ولم يسع الله غيره ، وغير المخصوص بالله بضد ذلك فهو مقيد في الأرض أو السماء أو البرزخ أو الجنة أو النار ، وكان رضي الله عنه يقول : الواحد لا يظهر في كل إلا ، واحدا وإن كانوا أكثر من واحد في الصورة فهم واحد في السريرة كعيسى ، ويحيى ، وموسى ، وهارون مثلا فهما اثنان حسا وهما في الحقيقة واحد : ' فقولا ، إنا رسول رب العالمين ' ' الشعراء : 16 ' ، كما إذا شئت أن تعبر عن اسم الذات الأقدس بالعربية تقول : الله جل جلاله ، وبالعبرانية الوهيم ، وبالفارسية خداي ، وبالتركية تكرى وبالرومية ثيبوس ، وبالقبطيه ليصا ، في كل لغة بلفظ ، وانظر إلى جبريل حال تمثله في صورة البشر لم يخرج عن كونه جبريل ذا الأجنحة ، والرءوس المتعددة بل هو عينه في كلتا الصورتين ، واحد لم يتعدد وكان يقول : العقل حجاب الآنت ، والنفس حجاب الآنا فمن رفع عن هذين ترقى من محضر طور سينا إلى مشهد ' قاب قوسين أو أدنى ' ' النجم : 9 ' وكان يقول : مخالفة المحبوب لأغراض المحبين ميزان صدق محبتهم ، وكان يقول : القرب من القريب قرب بلا ريب ، والبعد من البعيد بعد بلا ريب هكذا الأمر في الشهادة ، والغيب ، وكان يقول : العلم من غير حكيم شمس طلعت من مغربها ، والعمل من غير أدب شهد وضع في موقشر الحنظل . وكان يقول : لأن تعتب ، وتسلم خير من أن تشكر ، وتندم ، وكان يقول : من ليس له أستاذ ليس له مولى ، ومن ليس له مولى فالشيطان به أولى ، وكان يقول : المريد من تحقق بمراده في عين أستاذه ، وكان يقول : رضي الله عنه من ، وافق أستاذه في أفعاله طابقه فيما أخبر له من معارفه ، ومر خالفه في أفعاله فقد المطابقة بتوهم معاني أقواله ، وكان يقول : من كان مع أستاذه بلا إيا كان أستاذه معه بالله ، وكان يقول : المبعود من توهم أستاذه مخبرا عن غيره ، ومتكلما بسواه ، وكان يقول : المريد الصادق عرش لأستواء رحمانية أستاذه كتب الله على نفسه أن لا يدخل قلبا فيه سواه ، ولا يظهر لعين رأت غيره في مرآه ، وكان رضي الله عنه يقول ، لا يرى وجه الحق من حصرته الجهة ، ولا يفارق الجهة إلا من نفذ من أقطار السموات ، والأرض ، ولا ينفذ من أقطارها من حكمت عليه بقية جسمانية لأن جسم الإنسان هو سجنه فإذا فارقه فارق السجن ، وكان يقول : من التفت إلى آدميته بالكلية سلبت عنه الحقائق الإنسانية ، ومن سلبت عنه فالحقائق الإنسانية جهل حقائق العلوم الإلهية ، وكان يقول : لفلاج المريد مع أستاذه ثلاث علامات أن يحبه بالإيثار ، ويتلقى منه كل ما سمعه منه بالقبول ، ويكون معه في شئونه كلها بالموافقة ، وكان يقول : من تقرب من أستاذه بالخدم تقرب الله إلى قلبه بواسطة الكرم ، وكان يقول : من آثر أستاذه على نفسه كشف الله تعالى له عن حظيرة قدسه ، ومن نزه حضرة أستاذه عن النقائص منحه الله تعالى بالخصائص ، ومن احتجب أستاذه عنه طرفة عين أوثقه الله في موابق البين ، وما بين المريد وبين مشاهدة أستاه إلا أن يجعل مراده بدلا من مراده ، ومن لم ينبهه أستاذه عن نقائصه لم يفرح بحضرة خصائصه ، ومن لم يستحل مقارعة الأستاذ لم يحل أبدا عروس الوداد تبا لمريد جمح بطبعه عن الدليل لقد ضل سواء السبيل ' ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ' ' النور : 45 ' ، وكان رضي الله عنه يقول : سبقت كلمة الله التي لا تتبدل ، وسنته التي لا تتحول أن لا ينفخ روح علمه في مخصوص إلا انقسم الخلق له بين ملكي ساجد ، وشيطاني حاسد فاحرص على أن تكون لأهل النعم العلمية محتاجا خاضعا لتسلم أو تعلم أو ترحم ، وإياك أن تكون لهم مبغضا أو حاسدا فتسلب أو ترجم أو تحرم ، وكان يقول : قلب العارف حضرة الله ، وحواسه أبوابها فمن تقرب إلى حواس العارف بالقرب الملائمة فتحت له أبواب الحضرة . وكان رضي الله عنه يقول : من ملك أخلاقه عبد خلاقه ، ومن ملكته أخلاقه احتجب عن خلاقه ، وكان يقول : العادة ما فيه حظ النفوس ، والعبادة ما كان محضا للملك القدوس من قرب وصيام ، ونوم ، وقيام ، وكل طعام فكل ذلك عند العارف عبادة ، وكان رضي الله عنه يقول : من ملكته عاداته فسدت عليه عباداته ، ومن رفعت عنه العوائد فهو عارف أو مراد أو مشاهد ، وكان يقول ما ذكر ربه بلسان الواحد المختار فقد أخلصه بخالصة ذكرى الدار ، وكان يقول من قال عند ظهور براءته من البيت ، وما أبرئ نفسي ' وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ' ' يوسف : 54 ' عنه الحقائق الإنسانية ، ومن سلبت عنه فالحقائق الإنسانية جهل حقائق العلوم الإلهية ، وكان يقول : لفلاج المريد مع أستاذه ثلاث علامات أن يحبه بالإيثار ، ويتلقى منه كل ما سمعه منه بالقبول ، ويكون معه في شئونه كلها بالموافقة ، وكان يقول : من تقرب من أستاذه بالخدم تقرب الله إلى قلبه بواسطة الكرم ، وكان يقول : من آثر أستاذه على نفسه كشف الله تعالى له عن حظيرة قدسه ، ومن نزه حضرة أستاذه عن النقائص منحه الله تعالى بالخصائص ، ومن احتجب أستاذه عنه طرفة عين أوثقه الله في موابق البين ، وما بين المريد وبين مشاهدة أستاه إلا أن يجعل مراده بدلا من مراده ، ومن لم ينبهه أستاذه عن نقائصه لم يفرح بحضرة خصائصه ، ومن لم يستحل مقارعة الأستاذ لم يحل أبدا عروس الوداد تبا لمريد جمح بطبعه عن الدليل لقد ضل سواء السبيل ' ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ' ' النور : 45 ' ، وكان رضي الله عنه يقول : سبقت كلمة الله التي لا تتبدل ، وسنته التي لا تتحول أن لا ينفخ روح علمه في مخصوص إلا انقسم الخلق له بين ملكي ساجد ، وشيطاني حاسد فاحرص على أن تكون لأهل النعم العلمية محتاجا خاضعا لتسلم أو تعلم أو ترحم ، وإياك أن تكون لهم مبغضا أو حاسدا فتسلب أو ترجم أو تحرم ، وكان يقول : قلب العارف حضرة الله ، وحواسه أبوابها فمن تقرب إلى حواس العارف بالقرب الملائمة فتحت له أبواب الحضرة . وكان رضي الله عنه يقول : من ملك أخلاقه عبد خلاقه ، ومن ملكته أخلاقه احتجب عن خلاقه ، وكان يقول : العادة ما فيه حظ النفوس ، والعبادة ما كان محضا للملك القدوس من قرب وصيام ، ونوم ، وقيام ، وكل طعام فكل ذلك عند العارف عبادة ، وكان رضي الله عنه يقول : من ملكته عاداته فسدت عليه عباداته ، ومن رفعت عنه العوائد فهو عارف أو مراد أو مشاهد ، وكان يقول ما ذكر ربه بلسان الواحد المختار فقد أخلصه بخالصة ذكرى الدار ، وكان يقول من قال عند ظهور براءته من البيت ، وما أبرئ نفسي ' وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي ' ' يوسف : 54 ' وكان يقول : أنفع الأقلام ما قبل فيضه الإفهام ، وكان يقول انظروا إلى المرآة تجردت عن جميع الصور ، وأشهدت كل في صورة ما يراه من صورته ، وما لا يرى ، هكذا الرجل المجرد عن علائق جميع العوالم ، وجهة الناطق مراة الحقائق ما قابلها ذو صورة إلا رأى وجه حقيقته فمن رأى خيرا ليحمد الله ، ومن رأى غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ، وكان يقول العلقة التي حول حبة القلب هي الحية المطوقة حول العرش من الملكوتي والحية المطوقة بعين الحياة من الجبروتي ، والحية المطوقة بقاف من الملكي ، وكان رضي الله عنه يقول البطن الأوسط من الدماغ المسمى بالدودة هو الذي قوته تنشئ حرير أهل الجنان . وكان يقول قال روح الله علمي ، وأنا كالقائم لما كل من عهدنا إليه نسي أين كان من تقربه فلا تنس . قلت : يا مولاي في حوصلة الروح الأمين فصوب لي ربي عندي ما ألهمني كما أشهدني وأوجدني وله الفضل ، والمنة وكان يقول : خطر بفهمي ، وأنا كنائم ما صورته يا على ما الطائر الذي ألزمناه عنق كل إنسان ؟ قلت يا مولاي ناطقة قيل لي فما حوصلة هذا الطائر قلت يا مولاي قوة النطق الفعالة بآلة اللسان عبارة وبباقي الأعضاء كناية ، واشارة قيل لي يا علي مهما لقطه هذا الطائر من ساحات الحس ، والخيال والإدراك ، والقلب ، والفؤاد تحصل في حوصلته ثم سرى إلى سائر آلاته ثم رشح منها بالعبارة ، والكناية والإشارة فإذا رجعت التراكيب الدنيوية إلى بسائطها الأخروية صارت الحوصلة كتابا منشورا يرى فيه كل طائر ما لقط فرحم الله من تكلم بخير أو سكت ، وكان يقول : فضل العقول في ترك الفضول وهي كل ما فضل عن الكناية ، وهي محسوس ، ومعقول ، وكل مقصود غير ضروري فهو من الفضول وكل وسيلة لا يحصل مقصودها الضروري بدونها فليس من الفضول في شيء ، ويكفيك من الغذاء ما يقويك على ما أمرك الله به . وكان يقول : يكفيك من الملبس ما لا يسفهك به العاقل ، ولا يزدريك به الجاهل ، ومن المركب ما حمل رحلك ، وأراح رجلك ، ولا يزدري بركوبه مثلك ، ومن السكن ما واراك عمن لا تريد أن يراك ، ومن الحلائل الودود الولود ومن الخدم الأمين المطيع ، ومن الأصحاب من يعينك على كمالك في جميع أحوالك ، ومن الأدب ما يقيك غضب الكريم ، والعالم وجراءة اللئيم ، والظالم ومن العلم ما طابق الذوق الصحيح ، ومن الإعتقاد ما بعثك على طاعة المعتقد من غير إعراض ، ومن معرفة الحق ما أسقط اختيارك لغيره ، ومن معرفة الباطل ما يمنعك عن اختياره ، ومن المحبة ما حققك بإيثار محبوبك على من سواء ، ومن حسن الظن بالخلق ما لا يقبل منه سوء التأويل ، ولا قول العائب بغير دليل ، ومن الحذر ما يمنع من مراكنة تجر إلى مباينة ، ومن الظن بالله ما لا يجرئ على معصيته ولا يؤيس من رحمته ، ومن اليقين ما يعصم من صرف ، وجه الطلب عن حيرة ، ومن التوحيد ما لا يبقى معه أثر لغيره ، ومن الفكر ما وصل إلى فهم مراده ، ومن النظر في آلائه ما تتسع به روح ، وداده ، ومن الخواطر ما بعث على تعظيم ما عظم ، وهضم ما هضم ، وقد ، وضحت لك الأنوار فإن شئت فاقتبس ، وقد ثبت الأصول فافهم الجامع ، وانف المانع ثم قس ، وكان يقول : التلويح لأعين الأذهان أبلغ من التصريح لوعي الآذان ، ومن قبل النصيحة أمن مر الفضيحة ، وكان يقول : محل الشعر ظاهر الشخص لا باطنه ، ولو ثبت في القلب شعرة واحدة لمات صاحبه لوقته فلا تشغل باطنك بشيء من ملاذك الدنيوية الجسمانية وفرغ قلبك من الشواغل الفانية التي بمنزلة الشعر فالقلب بيت الواحد الذي من أشرك معه شيئا تركه وشريكه ، ومن وحده بالمحبة سكن قلبه بنور رب لا شريك له في ملكه ، فافهم كيف يدخل عبيد الله الجنة جردا مردا مكحلين متعاضدين على قلب واحد فاشهد الواحد إن كنت ذا بصيرة مكحولة بطلعته المنيرة ، واغتنم هذه الذخيرة ، وكان رضي الله عنه يقول : من ظفر بكنز جوهر الألباب مرفوع الموانع مفتوح الأبواب زهدت ، والله نفسه في افتراش الزبالة ، وسف التراب ، وليست الزينة الدنيوية إلا ترابا آيلا إلى الذهاب خلقت بمحنة يمتحن بها الصادق في حب الله من الكذاب فمن أحب الله تعالى لم تساو الدنيا عنده رجل ذبابة من الذباب بل صغرت عنده الأكوان كلها في جانب ذلك الجناب ، ومن أحب صورة عبدها فمحب الله مخدوم لسائر الأحباب لا عبد شيء من هذه الأسباب ومن أحب صورة التلبس بها فلمحب الله تخضع الرقاب فكيف يخضع لزينة ترابية من له هذا العز المهاب ، من كرم العلى الأعلى الوهاب ' إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلونهم أيهم أحسن عملا وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا ' ' الكهف : 7 و 8 ' الصعيد هو التراب ، والجرز القاطع لما تعلق به تعلق ، واطمئنان ، وإكباب فكن من الزاهدين في الحظوظ الترابية الجروز فأنت عرفت أنك ظفرت بكنز الكنوز ، وكان يقول : مخالطة أهل الحجاب ، ورؤية الغافلين عن ذكر الله تعالى عقوبة إلا على الأئمة الذين هم أطباء القلوب القائمون في مخالطة ترضي النفوس لطبهم بروح أمر مولاهم ، و ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيي من حي عن بينة ، والله يحيي ، ويميت ، والله على كل شيء قدير ، وكان يقول : النفس مطية المؤمن اسمع لا تسمح لنفسك في الشراسة ، ولا تعودها بالنفار فتتعب بها عند رجوعك إلى الديار ، وتندم على تفريطك فيها حين سلوكك في مفازة البرزخ بين الجنة ، والنار ، واعلم أن النفس مركوب الوافد عند مروره على الصراط المنصوب فإن تشارست أسقطته في الدرك المرهوب ، وإن سهلت له نجا عليها إلى المنتهى المطلوب ' فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز ' ' آل عمران : 185 ' وكان يقول : الذي بنى البيت باقتداره على وفق اختياره ما وضع فيه مزبله ، وبالوعة ، وكنيفا إلا لحكمة يرضاها فلا ييأس العبد المنجس من روح الرحمة ، والرضوان ، ولو كان كيفما كان ، وكان يقول : لا تشغلنك الوسوسة في غسل بدنك ، وثوبك عن تدقيق النظر في تطهير نفسك ، وقلبك تضيع الوقت ، وتكتسب المقت ، وإنما الطهارة الحقيقية أن تقول : اللهم طهرنا بصلواتك الطيبات ، وزكنا بتحياتك المباركة ، وطيبنا للموت ، وطيبه لنا ، واجعل فيه راحة قلوبنا بروحك ، وحياة أرواحنا بمعرفتك ، ومشاهدتك فإنك أنت الفتاح العليم ، وها أنت قد ، وجدت البحر المحيط العذب الصافي فتطهر تطهر وقل الحمد لله رب العالمين ، وكان رضي الله عنه يقول : انظر كل من رضي شيئا تنعم به ، ولو شقي ظاهره ، ومن سخط شيئا تعذب به ، وإن حسن ظاهره فالشيء الواحد عذاب على من سخطه ، ونعيم على من رضيه فالرضا منشأ النعيم ، والسخط منشأ الجحيم اللهم هب لنا منك الرضا المطلق بجميع أحكامك أبدا على مكاشفة ، وجه ، وحدانيتك إنك الغني الحميد فافهم ، وكان يقول : إنما جعل لكم الأرض بساطا ليعلمكم التواضع فتواضعوا تنبسطوا ، وكان يقول : من ركن إلى ظالم مسته نار الفتنة إلا من رحم الله ' ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ' ' يونس : 113 ' وكفى بالخدمة ركونا ، اسمع من ركن إلى ظالم وخلص منه سالما من فتنة فتلك له كرامة إبراهيمية بحسبه . وكان يقول : من خاف ، ورجا فقد مدح وهجا ، ومن رضي وسلم فقد حمد ، وعظم فانظر ماذا ترى إن رأيت الحق بلا مرا . وكان يقول : الضمير في قول الله تعالى : ' ولو بسط الله الرزق لعباده ' عائد على الرزق أي لو بسط الرزق لعباد الرزق لبغوا وهم الذين ليس لهم مكنة التصرف كالحكيم الرباني فتصرفاتهم مغلوبة بالشهوات ، والحظوظ فأرباب المكنة عباد الله الرزاق لا عبيد الرزق فافهم الفرق بين عباد الأرزاق ، وعباد الرزاق ، هؤلاء الأرزاق محتاجة إليهم في كونها ، وعبادها محتاجون إلى عينها بل إلى أثر كونها ، وكان يقول : في معنى قوله في الحديث ' فبي عرفوني ' أي لأني ، وجودهم ، ووجود عقولهم ، ووجود شواهد شهودها ، وكان يقول : قال لي قائل ما بال الشاذلية يتجملون في لباسهم وهيئاتهم ، وطريقهم إنما هي الاقتداء بالسلف الصالح ، والسلف الصالح كما في علمهم ما كانوا إلا على التقشف بأكل الخشن ، وبذاذة الهيئة ، ورثاثة الملبس ؛ فقلت : وبالله التوفيق إن الشاذلية لما نظروا إلى المعاني ، والحكم رأوا السلف الصالح إنما فعلوا ذلك حين وجدوا أهل الغفلة انهمكوا على عنياهم ، واشتغلوا بتحصيل الزينة الظاهرة تفاخرا بالدنيا ، واطمئنانا إليها ، وإشعارا بأنهم من أهلها فخالفوهم بإظهار حقارة الدنيا التي عظمها أهل الغفلة ، وأظهروا الغنى بالله عما اطمأن إليه الغافلون فكانت أطمارهم حينئذ تقول الحمد لله الذي أغنانا به عما افتقرت أنفسنا إليه من همته دنياه فلما طال الأمد ، وقست القلوب بنسيان ذلك المعنى ، واتخذ الغافلون رثاثة الأطمار ، وبذاذة الهيئة حيلة على تحصيل دنياهم انعكس الأمر فصار مخالفة هؤلاء نعمة لله هو فعل السلف ، وطريقته ، وقد أشار إلى ذلك الأستاذ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بقوله : لبعض من أنكر عليه جمال هيئته من أصحاب الرثاثة : يا هذا هيئتي هذه تقول : الحمد لله ، وهذه هيئتك تقول : أعطوني شيئا من دنياكم ، والقوم أفعالهم دائرة مع الحكم الربانية مرادهم مرضاة ربهم ، وإرادتهم ، وجه في الجلال ، والإكرام في كل حال ' تعرفهم بسيماههم ' فإن اتسمت بسيماهم ، وهو التروض ، والتضيق عرفتهم ، وظهرت لك مقاصدهم التي بها ترى حسن أفعالهم فافهم . ل : انظر كل من رضي شيئا تنعم به ، ولو شقي ظاهره ، ومن سخط شيئا تعذب به ، وإن حسن ظاهره فالشيء الواحد عذاب على من سخطه ، ونعيم على من رضيه فالرضا منشأ النعيم ، والسخط منشأ الجحيم اللهم هب لنا منك الرضا المطلق بجميع أحكامك أبدا على مكاشفة ، وجه ، وحدانيتك إنك الغني الحميد فافهم ، وكان يقول : إنما جعل لكم الأرض بساطا ليعلمكم التواضع فتواضعوا تنبسطوا ، وكان يقول : من ركن إلى ظالم مسته نار الفتنة إلا من رحم الله ' ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ' ' يونس : 113 ' وكفى بالخدمة ركونا ، اسمع من ركن إلى ظالم وخلص منه سالما من فتنة فتلك له كرامة إبراهيمية بحسبه . وكان يقول : من خاف ، ورجا فقد مدح وهجا ، ومن رضي وسلم فقد حمد ، وعظم فانظر ماذا ترى إن رأيت الحق بلا مرا . وكان يقول : الضمير في قول الله تعالى : ' ولو بسط الله الرزق لعباده ' عائد على الرزق أي لو بسط الرزق لعباد الرزق لبغوا وهم الذين ليس لهم مكنة التصرف كالحكيم الرباني فتصرفاتهم مغلوبة بالشهوات ، والحظوظ فأرباب المكنة عباد الله الرزاق لا عبيد الرزق فافهم الفرق بين عباد الأرزاق ، وعباد الرزاق ، هؤلاء الأرزاق محتاجة إليهم في كونها ، وعبادها محتاجون إلى عينها بل إلى أثر كونها ، وكان يقول : في معنى قوله في الحديث ' فبي عرفوني ' أي لأني ، وجودهم ، ووجود عقولهم ، ووجود شواهد شهودها ، وكان يقول : قال لي قائل ما بال الشاذلية يتجملون في لباسهم وهيئاتهم ، وطريقهم إنما هي الاقتداء بالسلف الصالح ، والسلف الصالح كما في علمهم ما كانوا إلا على التقشف بأكل الخشن ، وبذاذة الهيئة ، ورثاثة الملبس ؛ فقلت : وبالله التوفيق إن الشاذلية لما نظروا إلى المعاني ، والحكم رأوا السلف الصالح إنما فعلوا ذلك حين وجدوا أهل الغفلة انهمكوا على عنياهم ، واشتغلوا بتحصيل الزينة الظاهرة تفاخرا بالدنيا ، واطمئنانا إليها ، وإشعارا بأنهم من أهلها فخالفوهم بإظهار حقارة الدنيا التي عظمها أهل الغفلة ، وأظهروا الغنى بالله عما اطمأن إليه الغافلون فكانت أطمارهم حينئذ تقول الحمد لله الذي أغنانا به عما افتقرت أنفسنا إليه من همته دنياه فلما طال الأمد ، وقست القلوب بنسيان ذلك المعنى ، واتخذ الغافلون رثاثة الأطمار ، وبذاذة الهيئة حيلة على تحصيل دنياهم انعكس الأمر فصار مخالفة هؤلاء نعمة لله هو فعل السلف ، وطريقته ، وقد أشار إلى ذلك الأستاذ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بقوله : لبعض من أنكر عليه جمال هيئته من أصحاب الرثاثة : يا هذا هيئتي هذه تقول : الحمد لله ، وهذه هيئتك تقول : أعطوني شيئا من دنياكم ، والقوم أفعالهم دائرة مع الحكم الربانية مرادهم مرضاة ربهم ، وإرادتهم ، وجه في الجلال ، والإكرام في كل حال ' تعرفهم بسيماههم ' فإن اتسمت بسيماهم ، وهو التروض ، والتضيق عرفتهم ، وظهرت لك مقاصدهم التي بها ترى حسن أفعالهم فافهم . وكان رضي الله عنه يقول في قوله : ' وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ' قال قائل لا مغفرة إلا حيث الذنب فالأمر بالمسارعة إليها أمر به . قلت : هذا لا يقوله إمام هدى رباني إلا على معنى أنه أمر بأن يرى العبد نفسه مذنبا ، وإن أطاع جهده ليحقق عجزه عن قيامه بتمام حق ربه في كل حال ، وأما على أنه يأتي الذنب فلا لأن المأمور به لا يكون ذنبا فافهم ، وكان يقول : سمعت روح القدس يقول : في مجلس ، وعظ العقول اعلموا أيها الأحلام الراضعة من ثدي الإلهام ، المحرم عليها مراضع الأوهام أن كثرة المجالسة تولد في الفطرة صورة المجانسة فإياكم ، ومجالسة الطباع إلا لضرورة حسن أحكمتها يد الأوضاع فإن ، وقد أحد منكم في حماها حتى ولدت فيه قوة من قواها فليسلك سبيل خلاصه راكبا نجيب إخلاصه مستدلا على خضرة اختصاصه بمن حمل في ثمر الطباع على عرش تابوته حتى دخل إلى مدينة ناسوته على حين استغراق ملكوته في حضرات لاهوته ' ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها ' ' القصص : 15 ' وقد وجد المشاعل والحراس حولها ليكشف بالنور المجرد جواسيس خالطت رعيته في شكلها فوجد فيها رجلين يقتتلان أحدهما كريم طبعه الغريزي في طبيعة الموصل فيه من مكارم صفات سمات أصوله الكرام ، وشيعته مصادر حقيقته ، وموارد شريعته ، والثاني صورة العوائد المتولدة من عدوه ، وعدو الرحمن عشاق الرياسة ، والعلو في الأكوان الملتقطين لصورة حسه الحائلين بينه وبين أبناء جنسه ' فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه ' ' القصص : 15 ' ، وقد أعياه قتاله في رواحه فأغاثه القوي بملك نفسه الأمين على مشاهدة قدسه فوكز العدو بقدم صدقه فقضى على الفوائد التي أنكرتها محاسن عمل الشيطان ' إنه عدو مضل مبين - فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ' ربي إن ظلمت نفسي بتأخير تفقد أحوالها إلى الآن فاغفر لي ظلم الطباع بنور حقك العظيم فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت على من التأييد بروحك القوي الأمين فلن أكون ظهيرا للمجرمين فلما انجلت عن حواسه غياهب التكوين أصبح في المدينة خائفا عوائل الدسائس ، والبقايا يترقب ما في زوايا الحظوظ من الخبايا فإذا الذي استنصره بالأمر على العادة يستصرخه على الشهوة التي هي عدو الإرادة فلما حدق في هذا العدو يبصر اليقين قال له القوي إنك لغوي مبين فلما أن أراد أن يبطش به كما بطش بالأول يا ليته أمضى عزمه وتوكل وفعل ما كان عليه عول ، ولكن الله أحكم وأعدل قال له إني جعلت في المدينة لبقاء النسل وحفظ صور التمكين أتريد أن تقتلني وتهلك أهل المدينة أجمعين كما قتلت نفسا بالأمر كانت تداري وتصانع عن المستضعفين إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ، وما تريد أن تكون من المحصلحين فأمسك القوي هنالك عن قتله حتى بلغ دمه إلى مجمع البحرين محله ، ولو قتله يومئذ لقضى الأجلين ، ووطئ القرنين ، وداس بالنعلين ، وخوطب من الجانبين ولم يسأل الرؤية المحدودة بإلى قبل تجريد العين من الأين ، ولم تنقسم بعثته بين اثنين ، ولم يستصحب الفتى بمجمع البحرين . ولم يسأل الاطلاع في الحضرتين ، ولم يقل له ' لن ' مرتين ، ولم يتأخر إلى حين قتل القرين مقارفة البين ، ولكن حفظ كنز اليتيمين اقتضى تأخير ذلك كله ولما أعرض القوي الأمين عن قتل هذا القرين جاءه النور الإلهي من أول المصادر يسعى شوارع الآفاق ، ويقول له إن الملأ القوي البشرية يأتمرون بك ليقتلوك بالتغلب على صورتك البشرية فاخرج من مدينة التكوين إلى مدائن التمكين إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا من جذب العلائق يترقب به رق طلائع الحقائق قال بلسان صدق المراقبة عند رؤية قواطع الواصلين رب نجني من القوم الظالمين ولما توجه تلقاء مدين جعل قبلة أمامه منزل الدليل ، وقال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ، وما زال يقطع حزونا ويسلك هو ولا يرتقي عقبة ، ويهبط مسيلا وصدق الطلب يسهل عليه كل المشاق ، وفرط الأدب يحلى له المر المذاق إلى أن قطع حدود مصر الشهوات ، ووصل إلى مدين الرعاية ، والخلوات ولما ورد ماء مدين الذوق ، وقد أفرطت به حرارة الوجد ، وجذوة الشوق وجد عليه أمة من الناس يسقون أفهامهم من ينابيع الحكمة ، ووجد من دونهم الفكرة ، والهمة ملتحفتين بالتحبير والرحمة قد أرسلهما الساقي لحفظ رعيته السائمة في سمات جمعيته . فلما رآها عند حياض السماع يذودان قوابل خواص الأتباع إلى فضاء كشف القناع قالتا لا نسقي من مورد الفرق هذه الرعية حتى يصدر رعاء الأوقات ، والأنفاس عين منهل المعية ، وأبونا شيخ بمسالك الأزل ، والأبد كبير قد ماتت شهوته ، وتمت قوته فلما سمع أوصاف مرشد السالكين ورأى حسن رعايته لخواص التابعين تلهف لارتقاء أرفع المعارج وتلطف في الوصول إلى مودة الرشد من أقرب المدارج فسقى لهما عن عين ذاته حتى أروى الشرب كله بعد أن رفع لهما جبل الجبلة كأنه ظلة ثم تولى إلى الظل لتلقي سر الربوبية فلما خلع عليه من ملابس العبودية قال رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير فأغثني بنور رؤية نورك المنير في آفاق أخلاق المرشد الكبير عن فكرتي ، وحياتي وقوتي ، واحتيالي ، وتجرد عن جميع مواجيد عبودية أدبا ، وصرف بصره عن نفسه إلى الأستاذ صدقا ، وطلبا فجاءته في الوقت همة الإرشاد من بصيرة قلب الأستاذ تمشي في أعضائه على استحياء كما مشي الحكم في سيادة يحيى فلما ، واجهت حجاب صورة بعد أن شف ورق رأت معه صورة القرين الذي أسلم عند الغرق ملتفتا لإيجاد أجر ما تحمل من الحرق كما قال لصاحب المنزلة الأخرى لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك فهو فراق بين من يعمل بالله وبين من يعمل بأمر الله ، ولما رأت طالب الأجر قد ستر حاله عن القوي البصير بأني لما أنزلت إلى من خير فقير قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ولينزل عملك من الأجر حيث أنزلتنا فلما جاءه وقص عليه القصص ورفع بحكمته جميع ما حوته القصص ، وقع له بقلم التأمين لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت الفكرة عند ذلك يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أجعل إحدى ابنتي هاتين فرش فهمك وعرش علمك على أن تأجرني ثماني حجج تماما ، وتقوم في الخدمة مقاما فترعى كلمات التعريف من عواري التحريف في واي الفهم عاما ، وترعى أوامري بالرضا ، والائتمار من عواري الحرج والاختيار عاما ، وترعى أحكام الذات السرية من عوادي رؤية الضرورات البشرية عاما وترعى أحكام سطوتي من عوادي النفور عن حضرتي عاما ، وترعى علومي ورسومي القاضية من عوادي معارضها بالأمور الماضية عاما ، وترعى إرادتي اللحظية والحفظية من عوادي المنازعة الحظية عاما ، وترعى محبتي في الهجر والوصلة من عوادي الفطور ، والغفلة عاما . قلت وبقي العام الثامن فليتأمل فهناك يأتيك مرادك من ابنتي عند ظهور صورتك من بطن ابنتي ، وإنما جعلت الرعاية عاما عاما ليقوم بكل حال في كل يوم منك سلاما فتجري كل سلام منك بما كسبت ، وتقوم كل حضرة بشكر ما وهبت فان أتممت عشرا برعاية ذاتي في بصيرتك من عوادي الأينية ، ورعاية إرادتي كلها من عوادي الأمنية فمن عندك تأتي حقيقتي إليك ، وما أريد أن أشق عليك ، وإذا رحلت إلى العين ثم رجعت إلى التعيين ستجدني بمجمع البحرين إن شاء الله من الصالحين قال ذلك بيني وبينك منك الأمر ومن القبول ، وعلى السير ، وعلى الوصول ، ولولا أن ثبت البين لم يصح العمل ، ولولا فارقه بمجمع البحرين لم يبلغ الأمل فما تفهم المعاني الكامنة في النفس حالة السكوت ، وما كان لنفس أن ترى الله حتى تموت ولذلك قال للسيد المرشد الجليل أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل ثم أعطاه العطاء ، والأهل قوة أحكام الحرث ، والنسل فلما قضى القوي الأجل محمود الحركات الحيوانية واستحق حريمه حيث حل من الحضرة الروحانية ، وسار بأهله من الصورة الإنسانية إلى النظرة الرحمانية آنس من جانب طور القلب نارا توجب الذكر والتقريب . ولو لم يكن معه إلا جبريل عليه السلام لغشي السدرة نور التنزيل ، ولما فارق المقربين فاز بمشهد قاب قوسين ، ورفع عنه حجاب النور والنار في ذلك المقام وابتدأ بالسلام قبل الكلام ، ولم تحضره حدود الأسماء ، والكنى ، ولم يحتج لنفي إنكار بلن ، ولا لإثبات تعريف بأنا ، ولم يضع على العين حجابا عن الأبصار ، ولم يجعل مثلا مضروبا في الأستار بل يكون بالأعين إنسانا جامع الأنوار ، والسلام عليه سترا من جميع الأغيار ، ولما ظهر النور المبيبن بحسب استعداد ذلك القرين ، ولاح للقوم الأمين نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة وقام منها مقام الإمام لا بساحلة السلام تاليا بلسان حال المقام تبارك اسم ربك في الجلال والإكرام قال القوي الأمين لأهله امكثوا فإن حضرة الأحد لا يدخل إلى رحابها العدد إني آنست من حجاب الغير نار الراحة للسير لا يقابلها إلا نورانية الصور سآتيكم منها بخبر أو جذوة فلما أتاها ، وقوة نموه مسعرة وقد تشكلت من النبات في صورة مخضرة توكأت عليها القوة المدكرة في حفظ مزاج بشريته المصورة وهشت بها القوة المفكرة على الأعضاء أعمالا مطهرة ، وعلوما محررة نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ، ولولا لقاء العالم الخلقي لنودي من الجات الشرقي أيها القوي الأمين إني أنا الله رب العالمين أربي عبدي كما اختار ، وأخرج مريدي من سجن الاختيار ، وأقيمه بقدم الصدق على بساط الائتمار ، وأجرده بمرادي عن سائر الأوطار ، وأشهده ، وجودي ، وإيجادي في جميع الأطوار وأوحي إليه أن حل بحولي وقوتي عن حولك ، وقواك ، وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ، وعلم حقيقة العدو الثاني ، ولي مدبرا عن تدبير نفسه بجسده ، ولم يعقب على حسه في حضرة قدسه فنودي مشافهة عند إسقاط التدبير كما قال له في حجاب المرشد الكبير أقبل ، ولا تخف إنك من الآمنين فقد حققت نجاتك من القوم الظالمين ، وأمكنه من صورة عدوه الذي سلف وقال خذها ، ولا تخف أسلك يدك في جيبك وتصرف بيدي في شهادتك ، وغيبك فعندما تندرج يدك في نور يدي وتنوء تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب وانقلب إني إليك خير منقلب فها هنا مستقم سيرك ، ومعشش طيرك وارجع إلى أنوار العادات لينفخ فيها أرواح العبادات قال رب إني قتلت منهم نفسا وأخرجتها عن التحلق بهم معنى ، وحسا حتى أحييتها بروحك لطفا وأنسا فأخاف إن رددتني عليهم أن يقتلوني بالتألف إليهم وأخي هارون هو أفصح مني لسانا وقد جعلت له حكمة التدبير في عالم الحكمة شأنا فأرسله معي ردءا يصدقني فيصدقوني إني أخاف أن يكذبون ولولا أمره الله بأخذ عصاه بعد أن أعادها سدرة منتهاه ما سأل أن يرسل معه أخاه ، وأن يشد به أزره وقواه ولكن لما رده الله بعد تجريده عن الوسائط إلى مراتب السبب قال : رب اجعل المدبر الحفيظ معيني في هذه الرتب قال : سنشد عضدك بأخيك ونصرف يدنا إليك يكفيك ، ونجعل لكما من صفاتنا سلطانا ومن أصفيائنا بيوتا ، وأوطانا ، ولما وجدت القواطع سبيلا إليك مسخناهم على مكانتهم فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ، ومن اتبعكما الغالبون فافهموا أيها السامعون واتبعوا الهادي أحق الاتباع تغلبوا شياطين الطباع ، وإذا جاءكم الحق المبين قولوا آمنا بالله إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ، وإذا أوتيتم أجوركم في العمل بالتوفيق ، وفي العلم بالتحقيق فإياكم أن تضيفوا ذلك إلى الأسباب وتظنوا حصوله بالإكتساب فتعمى عليكم الأنباء عند كشف الساق ، وتحجبوا به اكتسبتم إلى يوم التلاق وقوموا لله دائما على قدم الافتقار فإن ربكم يخلق ما يشاء ويختار ومن فرح بالله وحده أمده الله بما عنده وأشهده سرا لا يبلغ الإدراك كنهه كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم ، وإليه ترجعون وليومه المحمدي تهرع العوالم أجمعون صلى الله عليه وسلم ، وعلى آله وشرفهم ، وكرم والله أعلم . قلت وهذه القولة ما سمعت قط بمثلها في كلام أحد من الأولياء رضي الله تعالى عنهم ، وهي دليل على علو حال هذا الأستاذ رضي الله تعالى عنه ، وكان رضي الله عنه يقول لو أوريت زناد المحبة في حراك حسك لرأيك مقعدك من حضرة قدسك وحققت حقيقة مطلع شمس طمسك حين مزقت بأشعتها غواشي ظلم نفسك فانفتحت بالفتح عضل بصيرتك بعد الانقباض ، ونادى روحك بشير قلبك بلسان السريرة قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ، وأما الآن فظلام أطلال الأكوان قبض بصرك عن شهود شمس العرفان فإن غدوت عبدا للخيال الكاذب ، ورحت مغلوبا مع الوهم الغالب فعميت عليك أنباء الحقائق وسقطت بركونك إلى العوائق ، وقد ناداك لسان المحبوب الغيور تخيرت فتحيرت أيها المغرور ، ودهمك ، وهمك بأدهم ديجور ' ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ' ' النورة : 40 ' لو أنك قابلت من أفق المعارف شمس الأزل ، وقد صقلت مرآة فطرتك من صدا الموانع ، والعلل لظهرت منك أشعة اللطائف ، وأذابت ما قابلها من الكثائف ، وكان يقول في قول أبي يزيد رضي الله عنه : خضت بحرا وقف الأنبياء بساحله يريد أن الأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام عبروا بحر التكيف إلى ساحل السلامة ، ووقفوا على ساحله يتلقون من سلم وبهذا أمروا ، ولهذا أرسلوا فإن السفينة انكسرت يوم أكل آدم عليه السلام من الشجرة ، وكان يقول أمين روح الأمانة مجمع الخزائن السنية فمن نفخت فيه تنزلت منه أمور الخلق بقدر معلوم فلا تجوز منازعته في الأمر ، وكان يقول أخلاق الخلق معان صفاتية في فطرهم الذاتية من استعملها بغلبة الهوى قبحت ، ومن أقامها بأمر الهدى صلحت انظر إلى الخديعة كيف تصلح في الحرب لإعلاء كلمة الحق وكذلك الكذب للإصلاح بين الخلق وغير ذلك من المصالح المأذون فيها شرعا ، ومتى لم تستعمل إلا لمحبوب طبعا مكروه شرعا كان ذلك هو اتباع الهوى بغير هدى ، ومن أظلم ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ، وكان رضي الله عنه يقول : ربما يظن الجاهل بنا إنما نتعاطى أخبار العباد لنستفيد ، وغاب عنه أن العارف إنما وظيفته أن يعطي غيره ، ويمنحه ، ويفيد ، وربما خطاب جلساء المكان المشرف ليسمع عقولا طارت من أقفاص أشباحها إلى رياض اختصاص رواحها جيعانة عطشانة هيمانة لهفانة حلفت بصدق هواها ، وذلها لعزمناها أن لا تشرب إلا من عين خطابه شفاها ، ولا تعتد إلا برؤية وجهه ، وجاها فلما دخلت إلى حضرة مولاها ، وشكت إليه ما بها أشكاها ، وعطف عليها فأطعمها وأسقاها . وكان يقول : العارف عين معروفه ، والمحقق حقيقة ما حققه ، وعلى قدر شهود الكمال ، والتكميل يكون محبة الشاهد لمشهوده ، وعلى قدر المحبة يكون تحقق المحب بمحبوبه ، وعلى قدر التحقيق يكون ظهور المتحقق بحكم ما تحقق به عينا ، وأثرا والله بكل شيء عليم ، وكان رضي الله عنه يقول : قيل لي : اسمع كل الموجودات موجوداتي فسمني بما شئت ، وصفني بما أردت ، وكل من سميته أو وصفته فإنما سميتني ، ووصفتني مع تجردي عن كل ذاتك بذاتي ، وقيوميتي ، فيه معيناتي ، اسمع لا يدعو عبد ربه إلا كنت الداعي ، ولا يرى عبد قصر أخيه كما يرى سهيل في جنته إلا كان المرئي قصري ، ولا حف ملائكة بعرش إلا كان المحفوف عرشي ، ولا تكلمت بكلمة إلهية إلا والله متكلم بها ، ولا أتيت بأمر إلا والله آت به ' أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا ' ' النساء : 4 ' كان يقول : ناطقي هذا لو قرى لناطق المحققين كالناطق المحمدي لنواطق النبيين فهو حقهم اليقين ، ونورهم المبين ، وكان يقول : من جذبه المحبوب فلا عائق ، ومن دعاه داعي الغيوب فما على القلوب دروب ، ومن شغل عن المطلوب ، فآثم آه على المحبوب متى تنكشف الكروب والنفس غارقة في الذنوب أين من يتعانى ، ويثوب لرب يفرح بعبد يتوب متى فرح بك المحبوب أنا لك منه فوق المرغوب ، وكان يقول : الرب هو الموجود المصلح في كل مكان بحسبه ، فلا رب إلا الله ، وكان رضي الله عنه يشير لغلمانه إذا كتب أحد منهم لأخيه كتابا أن يجعل صدر الكتاب دائما بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم من عبد الله بن فلان إلى أخيه ابن فلان متعه الله بما من به عليه ، وبلغه ما وجهه منه إليه أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو ، وهو هو بما هو سيدي ، وربي ، وهو مولاي ، وحسبي ليس إلا هو وصلى الله بذاته وسلم بأسمائه ، وبارك بصفاته على أحمده ، ومحمده إحاطه تنزلاته ، وحيطة تجليلاته ، وعلى آله وصحبه ، ومحبيه عيون تعيناته ، ومثل تمثلاته بمحامده ، وسبحاته وكلمن عند الله ، وإلى الله ترجع الأمور ، وكان يقول : نفوس هي للمنقولات أقبل لا تأمن من انتقالها عما كانت معك عليه فإنها بالطبع منقولة ، ونفوس هي للمنقولات أميل لا ترجو منها إطلاقا ، وإن أظهرت لك الميل إليه يجد فإنها بالأصل معقولة ، واختر لنفسك ما عدله الله ، وزكاه مما سواه فهو لا يعبد إلا إياه ، وهو بكل شيء عليم ، وكان يقول : في حديث من جاء منكم يوم الجمعة فليغتسل غسل الجسم بالماء ، وغسل القوي بالمسارعة لامتثال الأمر والعمل به ، وغسل النفس بالتوبة ، وغسل الهمة بالإخلاص ، وغسل القلب بالتوحيد ، وكان يقول : لأصحابه ، أوصيكم بتوحيد المحبو كما أمر ، ولزوم ذكره فإنه تعالى جليس من ذكره ، ولن يعدم جليس الملك من ظفر . لازموا ذكر محبوبكم فذكره لا يقابل صعبا إلا سهله ، ولا يقارن طلبا إلا حصله حافظوا على الصلوات ، والصلاة الوسطى ، وقوموا الله قانتين ، واعلموا أنه لا رخصة في ترك وظيفة العشاء ، والصبح في سفر ، ولا حضر فتلك صدقة الله تعالى على صادقيه ، فالبسوا حلل الإحسان بأمان من الرحمن وتناصحوا ، ولا تفاضحوا وتسامحا ولا تشاححوا ، ويسروا ولا تعسروا ، ولا بشروا ، ولا تنفروا وكونوا رحماء رحمانيين حكماء ربانيين . وكان يقول : من سمع بأمرنا ذاق حقيقة الطاعة ، ومن ذاق حقيقة الطاعة اتصل في ساعة ، وكان يقول : المراقبة هي انصراف كليتك إلى وجه محبوبك ، والتوجه من العبد هو استعداد مرآة قلبه بصفاها ليظهر محبوبه فيها ، والاستعداد هو الخلو من جميع المراد ليفعل ربك ما أراد فهذا مقام الاستعداد ، وكان يقول : سر نور الموجوات في كل مقام بحسبه فجمع جميع الحقائق واحد ، وإن تعدد فهو أحد من الواحد لأن الواحد يتعدد بالمظاهر ، والأحد لا يتعدد لأنه خلاصة الواحد فجمع جميع الكل من الواحد ، وإن كان الواحد افتتاح الأعداد فهو اختتامه فهو عين الدليل لأن الأحد مفرد ، والواحد جامع للكل فيصير مفردا جامعا فالكل بالظاهر منه ، وإليه والدليل عليه قولهم هو الواحد الأحد ، فإذا تعدد الواحد فهو تنزيل لكمال الدائرة . وإذا تكملت صارت حقيقة واحدية أحدية لجميع الدوائر فهذه هي خلاصة الحقائق فمن صدق الله وحده الله ، وصار واحدا عارفا بالله لله ، وكان يقول : لا يباع ويشترى بالأعمال إلا ما استحسنته العقول النظرية من الصور في سوق الخيال في الحال أو في المال أما الحقائق فكل أمر مستتر باستتار أوهام النفوس فمن تجرد عن النفوس ، وعالمها وأخرجه التحقيق من سجن وهم مؤلمها ، وملائمها ظهر له محبوبه ، وانجلت في عيونه عيوبه ، واتحد طالبه ، ومطلوبه ، وتوحد محبه ومحبوبه ، وصار يتحقق الجمع مرغوبه مرهوبه ، وأما ما وراء ذلك فلا يسئل عما هنالك ، وكان يقول : النور جسد لطيف بسيط ، والضياء معنى قائم به قيام الروح بالجسد ، أو قيام الحياة بالروح ألم تر إلى القمر الذي هو نور مضيء احتجبت عنه الشمس التي هي ضياء كيف يكون حاله مع كونه يرى نور الكون بغير ضياء فذلك موته أو نومه هكذا حال الشمس مع جميع الكواكب برقائقها ، وأما القمر فيتمثل حقيقتها لذلك ، ويميز ولما لم يكن للروح المحيطة مظهر في عالم الكون إلا آدم نزل فلك القمر ليعلم حال من يكون في هذه الصورة عند تجلي هذه الروح فيها ، وحجابها عنه . وكان يقول : النفس المذمومة روح حياتها النفس الشهوانية التي هي مظهر الروح الحيواني ، وبها وقع الحجاب الكثيف جسما متلاحما فإذا زالت النفس المذمومة التي هي الدنيا ظهر حكم الآخرة في الشهوة بخلاف ما قارن الإزالة ، ولذلك طاب الذكر باسم الله ، وكان يقول : العارف ليس له أن يظن أنه مفتون بمعنى الضلالة ' وظن داود أنما فتنة فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب ' ' فغفرنا له ذلك ' ' ص : 24 و 25 ' وكيف لا وهو عين معروفة فافهم ، وكان يقول : أنت لا ترضي أن يدخل بينك ، وبين ثوبك ذبابة ، ولا نملة ، ولا برغوث ، ولا قملة ، وتدفع ذلك ما استطعت فإن لم يندفع اخترت التجريد عنه على لبسه فكيف ترضي أن يدخل غير بينك ، وبين حقيقتك فافهم فإن كل من له تعلق بغيرك فهو غيرك ، ولو حسبته أنت فافهم ، وكان يقول : إن وجدت أستاذك المحقق وجدت حقيقتك ، وإذا وجدت حقيقتك ، وجدت الله تعالى فوجدت كل شيء ، فليس كل المراد إلا في وجد هذا الأستاذ فافهم ، وكان يقول : المريد الصادق عين أستاذه بعد تجريده فافهم ، وكان يقول : مرتبة السيادة لا تقبل الشركة ، ولا تحتملها فهي تدفعها عن نفسها لغيرة من أصالته تركته كالرميم فافهم ، وكان يقول : لا يدلك مظهر الحق على نفسه حتى لا يكون للحق عندك عين سواه ، ومن لك بذلك ما دمت غيره فإذا خلصك من قيد المغايرة أراك نفسه بنوره ، فتحققت عين اليقين أن لا عين له سواه ، فهنالك يدعوك إلى الحق على بصيرة حيث يقول : لك أنا ربك أو من رآني ، فقد رأى الحق ومن لا فلا فافهم ، وكان يقول : ما دمت ترى لنفسك عينا ترشدك إليه فأنت من المؤمنين بالغيب ، وكان يقول : أنت على الصورة التي تشهد أستاذك عليها فاشهد ما شئت ، وانظر ماذا ترى إن شهدته خلقا فأنت خلق ، وإن حقا فأنت حق ، وكان يقول : الفرقان نور ، والجمع ظلمته فكيف بالوحدة ، ورجال الليل هم الرجال حيث لا إزار ولا سر بال ' سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ' ' الإسراء : 1 ' أي ليراه بلا فرقان ' ما كذب الفؤاد ما رأى ' ' النجم : 11 ' وكان يقول : شرف العبد أن يستخدمه مولاه فإن ثوبا لا يلبسه صاحبه يلبس نفسه فتقطعه الأوساخ ، ويمزقه الغسل فلذلك يعرض مولاه عن تطهيره ، فاستخدم نفسك لربك فذلك شرفك واحذر أن تخدم نفسك ففي ذلك تلفك ، وكان يقول : ما هو إلا أن تجد أستاذك ، وقد وجدت مرادك فهنا الله فؤادك فافهم ، وكان يقول : إنما هي موجوداتك تظهر بها في كل مقام بحسبه فالرفيع رفيعك ، والوضيع وضيعك ، وكان يقول : من يحصى ثناء على موجود لا يحاط به علما ، وكان يقول : حيث كانت المماثلة والمقابلة فالمغايرة حاصلة فافهم ، وكان يقول : من كفر بآية كان شخصه أكثف حجاب له عنه فقل : لي متى يراه ، وهو كافره فيا سعادة أهل الإيمان فكيف بمن فوقهم ، وفوق كل ذي علم عليم فافهم . وكان يقول : صاحب كل زمان هو آية الله الكبرى فيه فوجوده أكبر آية ظهر بها وجوده هناك فافهم . وكان يقول : علم العالم جهل الجاهل عرف العارف أنكر المنكر ' قل كل يعمل على شاكلته ' ' الإسراء : 84 ' كان يقول : ما دمت أيتها النفس مملوكة في يد صاحب الوقت فهو يدخل مدخل المقربين ، ومتى ألقاك من يده في غير خدمته بدل أنسك ، وحشة ، وجمعك فرقا فإذا تعطف عليك ، ورجعت في يده عدت إلى سيرتك الأولى فافهم ، وكان يقول : تجنب الإنكار فمن ملأ آذانه بحق أنكره جنانه صب في أفنيه الآنك يعني الرصاص المذاب ، وكان يقول : الحكيم لا يطالب كل مرتبة إلا بلسانها ، ولا يعاملها إلا بكيلها ، وميزانها ' وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ' ' إبراهيم : 4 ' الآية فافهم ، وكان يقول : إن كنت متمكنا من صبغة جليسك ، وهو مصدق بقلبه لما جئته به فأنت رحمة للعالمين ' صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ' ' البقرة : 138 ' فافهم ، وكان يقول : ربما أنكرت النفس لغرض ما عرفه القلب بلا مرض فأنكر معها بالعرض ، ولئن صرفته عن ذلك يوما ما لينقلبن بها إليه يوما ما سمى القلب إلا من تقلبه فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله تعالى : ' وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ' الآية في هذه الآية دليل لمنع السالكين أن يتظاهروا للجمهور بما هو عندهم مما يدق عن مداركهم وما للسالك والهالك ، وكان يقول : مهما شهدته فهو لديك ، ومنك ، وإليك فافهم ، وقال : في قوله تعالى : ' لقد خلقنا الآنس في أحسن تقويم ' ' التين : 4 ' وهو أعلى عليين بإشارة ' ثم رددناه أسفل سافلين ' ' التين : 5 ' وكان يقول حيثما جاء كشف سوء أو عذاب أو ضر ، أو غطاء فالمراد به الحجاب إذ لا يكشف إلا الحجاب ، والحجاب بلا شك مانع من اللقاء الحقيقي في كل مقام بحسبه ، وكان يقول : احذر أن تدعوا على من ظلمك فإنك إذن تدعو على نفسك ' إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها إن لكم لما تحكمون ' فمن شهد ظلما فإنما هو منه ، وإليه ' ألا له الخلق والأمر ' فأين الظلم وكان رضي الله عنه يقول : احذر أن تدعي قدرة ، وأنت في قيود مرتبة الاضطرار ، والاستغناء ، وأنت في مرتبة قيود الافتقار ، واعمل في كل مقام على شاكلته فإن التظاهر بالجهالة لا يليق بمثلك ، وشأنك أحسن تقويم فافهم ، وكان يقول : من هو بكل شيء محيط لا يسعه شيء هذا ، ومعه شيء فكيف بمن هو كل شيء ، ولم يكن شيء غيره ، ويكفيك هذا فاصبر نفسك في جدك ، أو أثبت التجريد فتلك الطامة الكبرى فافهم ، وكان يقول : العبد لمولاه ' فاعبدوا ما شئتم ' ' الزمر : 15 ' فافهم وكان يقول : كل مرتبة فإنما عبد الحق فيها من شاءها إلا مرتبة الحقيقة المبينة فإنما يعبد الحق من شاءه فمن ثم قال : الحق بناطقه المحمدي ' قل الله أعبد مخلصا له الدين ' ' فاعبدوا ما شئتم من دونه ' ' الزمر : 14 و 15 ' أي وأما هو فما يعبدونه إلا بمجرد إشاءته ' وما كان لنفس أن تؤمن ' ' يونس : 100 ' أي بي ' إلا بإذن الله ' وكان يقول : سجنك قيودك البشرية ، ووليك من تمكن من خلاصك منها فلا تجهلنه فتظنه من يؤكدها ، ويخلدها فتطلب أن يوسع عليك عنياك ، وأمور هواك ، وأن يمنع عنك ما يزحزحك عنها فإن ذلك عكس ما يريده منه من عرفه فافهم ، وكان يقول : لا يعرفهم بآبائهم إلا من تحقق بحقائقهم ، ولا يعرفهم بسيماهم إلا من تحقق بحقائقهم ، وكان يقول : جبلت القلوب على حب عالم الغيوب ، ومن ثم حب الناس من كاشفهم بماوارته أجسامهم وحذرهم من وساوس ، وأوهام وأعراض ، وأجرام لأن ذلك من عزيز الغيب عندهم لقصور إدراكهم عنه ، وآخرون أحبوا من كاشفهم بدقيق النظر في أمور دنياهم وآخرون أحبوا من كاشفهم بمعارف الحق ، وحقائقه لأنهم لا غيب عندهم إلا الله ، وكان يقول : الشيء في مرتبته الأصلية لا تعرف قيمته ، وإنما يظهر عزته في غربته ، واعتبر هذا في كل جوهر وشيء نفيس هكذا العارف المحقق هو عين معروفه ، ومعروفه ، حقيقته ، ومتى ظهر بحكم حقيقته هذه حجبه التنزيه له من حيث أنه الحق عما تعين به من حيث أنه الخلق فامتهن ورد عليه قوله : أنا الحق فإذا تقرب إلى مرتبة العبودية ، وأحكام الخليقة عرف في كنزه ، وظهر بحكم تعظيمه ، وعزه ، وكان يقول : لا يأمرك الأستاذ الناطق بأمر يفعل ، ويتعذر عليك فعله إلا لعدم كمال قبولك لذلك ، ونقص استعدادك وكان يقول : إذا اعتنى الحق تعالى بعبده أماته عن كل حركة لا نفع فيها له ، أو لأحد من الخلق ، وقد وقع لي ذلك فلا أجد قوة إلا حال فعل خير أو قول خير ، وفي غير ذلك أعجز عن عصر ليمونة فأنا ميت في صورة حي ، وكان يقول : لا تطلب أن لا يكون لك حاسد ، ولا أن لا يحسدك حاسد فإن الحكم الوجودي اقتضى مقابلة النعم بالحسد ، فمن طلب أن لا يكون له حاسد فقد طلب أن لا يكون له نعمة ، ومن طلب الوقاية من شر الحاسد المتحقق الحسد ، فقد طلب ظهور النعمة عليه مع الأمان من التشويش فيها فافهم فلذلك قال تعالى : ' قل أعوذ برب الفلق ' ' من شر ما خلق ' ' ومن شر حاسد إذا حسد ' ' الفلق : ا و 2 و 5 ' أتى بإذا ، ولم يقل إن حسد فافهم ، وكان يقول : العليم الحكيم الهادي إذا تحول لأهل زمانه في صورة آدمية فظاهره إمام هدى لأهل زمانه ، وباطنه الرباني رب لأهل زمانه أي سيد أتاهم في صورة يعرفونه بها ، ولا يراه من هذه الحيثية إلا من مات الموتة المعنوية بأن تجردت نفسه عن أوهامها البهيمية كما أشار إليه حديث ' إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ' . ل سافلين ' ' التين : 5 ' وكان يقول حيثما جاء كشف سوء أو عذاب أو ضر ، أو غطاء فالمراد به الحجاب إذ لا يكشف إلا الحجاب ، والحجاب بلا شك مانع من اللقاء الحقيقي في كل مقام بحسبه ، وكان يقول : احذر أن تدعوا على من ظلمك فإنك إذن تدعو على نفسك ' إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها إن لكم لما تحكمون ' فمن شهد ظلما فإنما هو منه ، وإليه ' ألا له الخلق والأمر ' فأين الظلم وكان رضي الله عنه يقول : احذر أن تدعي قدرة ، وأنت في قيود مرتبة الاضطرار ، والاستغناء ، وأنت في مرتبة قيود الافتقار ، واعمل في كل مقام على شاكلته فإن التظاهر بالجهالة لا يليق بمثلك ، وشأنك أحسن تقويم فافهم ، وكان يقول : من هو بكل شيء محيط لا يسعه شيء هذا ، ومعه شيء فكيف بمن هو كل شيء ، ولم يكن شيء غيره ، ويكفيك هذا فاصبر نفسك في جدك ، أو أثبت التجريد فتلك الطامة الكبرى فافهم ، وكان يقول : العبد لمولاه ' فاعبدوا ما شئتم ' ' الزمر : 15 ' فافهم وكان يقول : كل مرتبة فإنما عبد الحق فيها من شاءها إلا مرتبة الحقيقة المبينة فإنما يعبد الحق من شاءه فمن ثم قال : الحق بناطقه المحمدي ' قل الله أعبد مخلصا له الدين ' ' فاعبدوا ما شئتم من دونه ' ' الزمر : 14 و 15 ' أي وأما هو فما يعبدونه إلا بمجرد إشاءته ' وما كان لنفس أن تؤمن ' ' يونس : 100 ' أي بي ' إلا بإذن الله ' وكان يقول : سجنك قيودك البشرية ، ووليك من تمكن من خلاصك منها فلا تجهلنه فتظنه من يؤكدها ، ويخلدها فتطلب أن يوسع عليك عنياك ، وأمور هواك ، وأن يمنع عنك ما يزحزحك عنها فإن ذلك عكس ما يريده منه من عرفه فافهم ، وكان يقول : لا يعرفهم بآبائهم إلا من تحقق بحقائقهم ، ولا يعرفهم بسيماهم إلا من تحقق بحقائقهم ، وكان يقول : جبلت القلوب على حب عالم الغيوب ، ومن ثم حب الناس من كاشفهم بماوارته أجسامهم وحذرهم من وساوس ، وأوهام وأعراض ، وأجرام لأن ذلك من عزيز الغيب عندهم لقصور إدراكهم عنه ، وآخرون أحبوا من كاشفهم بدقيق النظر في أمور دنياهم وآخرون أحبوا من كاشفهم بمعارف الحق ، وحقائقه لأنهم لا غيب عندهم إلا الله ، وكان يقول : الشيء في مرتبته الأصلية لا تعرف قيمته ، وإنما يظهر عزته في غربته ، واعتبر هذا في كل جوهر وشيء نفيس هكذا العارف المحقق هو عين معروفه ، ومعروفه ، حقيقته ، ومتى ظهر بحكم حقيقته هذه حجبه التنزيه له من حيث أنه الحق عما تعين به من حيث أنه الخلق فامتهن ورد عليه قوله : أنا الحق فإذا تقرب إلى مرتبة العبودية ، وأحكام الخليقة عرف في كنزه ، وظهر بحكم تعظيمه ، وعزه ، وكان يقول : لا يأمرك الأستاذ الناطق بأمر يفعل ، ويتعذر عليك فعله إلا لعدم كمال قبولك لذلك ، ونقص استعدادك وكان يقول : إذا اعتنى الحق تعالى بعبده أماته عن كل حركة لا نفع فيها له ، أو لأحد من الخلق ، وقد وقع لي ذلك فلا أجد قوة إلا حال فعل خير أو قول خير ، وفي غير ذلك أعجز عن عصر ليمونة فأنا ميت في صورة حي ، وكان يقول : لا تطلب أن لا يكون لك حاسد ، ولا أن لا يحسدك حاسد فإن الحكم الوجودي اقتضى مقابلة النعم بالحسد ، فمن طلب أن لا يكون له حاسد فقد طلب أن لا يكون له نعمة ، ومن طلب الوقاية من شر الحاسد المتحقق الحسد ، فقد طلب ظهور النعمة عليه مع الأمان من التشويش فيها فافهم فلذلك قال تعالى : ' قل أعوذ برب الفلق ' ' من شر ما خلق ' ' ومن شر حاسد إذا حسد ' ' الفلق : ا و 2 و 5 ' أتى بإذا ، ولم يقل إن حسد فافهم ، وكان يقول : العليم الحكيم الهادي إذا تحول لأهل زمانه في صورة آدمية فظاهره إمام هدى لأهل زمانه ، وباطنه الرباني رب لأهل زمانه أي سيد أتاهم في صورة يعرفونه بها ، ولا يراه من هذه الحيثية إلا من مات الموتة المعنوية بأن تجردت نفسه عن أوهامها البهيمية كما أشار إليه حديث ' إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا ' . وكان يقول : إن علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفع كما رفع عيسى عليه السلام ، وسينزل كما ينزل عيسى عليه السلام . قلت : وبذلك قال : سيدي على الخواص رضي الله عنه فسمعته يقول : إن نوحا عليه السلام أبقى من السفينة لوحا على اسم علي بن أبي طالب رضي الله عنه يرفع عليه إلى السماء فلم يزل محفوظا في صيانة القدرة حتى رفع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالله أعلم بذلك ، وكان يقول : العارف بالله إذا ذكر الله رأى الله تعالى يذكر نفسه وهو يسمعه ، وهكذا من عرف هذا العارف حق اليقين فإنه عين معروفه فافهم . وكان يقول : حقيقة المريد المخصوص من أستاذه بمنزلة ما يراه الناظر في المرآة من نفسه مطابقا بواسطتها فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : العورة محل الخيانة فالمعصوم من ليس له فيه محل الخيانة فلا عورة له ، ومن ستر الحق عورته أمن روعته إذ لا روعة إلا من خائن على ما أنت له صائن فافهم ، وكان يقول : من شهد أن القدوس هو القائم بالأمور لم يشهد في الوجود إلا الكمال ، ومن انعكس انتكس ' إن لكم لما تحكمون فاعبدوا ما شئتم ' فافهم ، وكان يقول : الملك مقيد بالتنزيه ، والشيطان مقيد بضده ، وكلاهما في دائرة الفرقان مقيد ، والمخلص من خلص من المقيدين بشهود الإحاطة الخفية في الكل فلم يبق لمقيد عليه سلطان فهو القائم و ' هو الأول والآخر والطهر والباطن وهو بكل شيء عليم ' ' الحديد : 3 ' وكان يقول : حضرات قدس الله هي مدارك العارفين به الهادين إليه فاتخذ لك في كل شيء منها مستقرا بحسن المودة ، والخدمة ، وصدق المحبة ، والتعظيم فلا تعلق همتك بغير أهل الحق تندم واجعل همتك الحق حيثما توجهت تسلم ، وتغنم والله أعلم ، وكان يقول : ما تعلقت محبة الله تعالى حقيقة لمن أحبه إلا بأخلاقه تعالى التي تخلق ذلك العبد بها ، ومن هنا قال : عليه الصلاة والسلام : ' تخلقوا بأخلاق الله تعالى ' وما كره الناس أحدا يحبه لأمر إلا لجهلهم به ، وتصوره لهم على خلاف ما هم عليه من الأمر ، ولذلك سموهم ضلالا وسحرة وكهنة ، ولو أنهم رأوهم على ما هم عليه لأحبوهم فما كره الناس الأولياء إلا من حيث موهوم نفوسهم فيهم لا غير ، وكان يقول : من شهد أن كل في نفع عين من أعيان الحق ، وكل في ضر من أعيان الضار الحق ، وقس على ذلك جميع الأعور حتى الصلاة والزكاة ، والصوم ، والخوف ، والضحك وسائر الصفات فلم ير شيئا منها بالحقيقة إلا لربه الحق ، فحيثما ولي هذا ' فثم وجه الله ' ' البقرة : 2 ' . فلا تلمه إذا قال : حيث اتجهت رأيت وجه الحق ظاهر ، وإذا لمته قال : له وجده ' لا نطعه واسجد واقترب ' ' العلق : 19 ' يعني لكل المظاهر فافهم ، وكان يقول : انظر الحق قبل خلق الخلق ، وانظر ماذا ترى فلن ترى غيره ، وكان يقول : وجودك ، وموجودك اثنان بالبيان واحد بالحقيقة فافهم ، وكان يقول صلاة كل رباني صورة إسرائية ، ومأثم أعلى من صورة الإسراء المحمدي ، ولذلك لم يفرض في مشهد الإسراء سواها فافهم أن المصلى يناجي ربه ، ومأثم سواه ، والكليم كليمه ، والسميع سميعه ما من الله إلا ، وإليه فافهم فإذا أحببته كنت هو وما زلت هو فإن لم يكن كنت سمعه ، ولسانه فأنا المتكلم السميع ، وكان يقول : ما أغرب الحق في أهله فافهم ، وكان يقول : لاسم عين المسمى في كل مقام بحسبه فافهم ، وكان يقول : ' وهو معكم أين ما ' ' الحديد : 14 ' وإن كان عينكم إليه فمن أنتم يا دليل من ليس له دليل فهو هو فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : الضروريات والبديهيات إنما هي أمور وجدانيات ، وهي أصول النظريات ، فالوجد أصل أصول هذا الباب ، فافهم وإنما احتيج إلى الحجج ، والأدلة ، والتعاليم لتوقع المطالب من النفس موقع الوجدان ، أو ما يقاربه ، ومتى وجدت المطلوب لم تحتج إلى شيء من ذلك ، ومن ثم لم تحتج الضروريات إلى دليل فافهم فيا واحد الحق تحقيقا أو تصديقا حسبك وجدك فإن قال : لك معترض ما دليلك على حقيقة هذا فقل وجدي فإن قال : لك وما يؤمنك أن أقول لك بل هو الباطل . والدليل على ذلك وجدي فلا تجبه أيها المحقق وقل له من ينازعك في وجدك وهو لك كما وجدت وهو لي حق كما وجدت ' قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ' ' فصلت : 44 ' الآية ' أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح القدس ' ' المجادلة : 22 ' فالأمر عندهم وجداني فافهم ' الذي يجدونه مكتوبا عندهم ' فهو عندهم بالوجدان فافهم ، وكان يقول : الكلام عين المتكلم في الدائرة السمعية كما قالوا : ' ولقد جئناهم بكتاب ' الآية فهو المتكلم ، وهو الكلام ، والقرآن عينه العقلي والفرقان عينه الخيال بالمقروء ، والمعبر عنه بضمير لتقرأ عينه الحسي ، وتنزل الفرقان تنزل القرآن ، والقرآن تنزل الكلام ، والكلام عين المتكلم . والكل تعيناته التفصيلية من مجمل تجليه المعبر عنه بالكلام فافهم وكان رضي الله عنه يقول : الخلق هو التقدير فالذي هو عين بالتحقيق هو مثل أو غير بالتخليق ألم تسمع قول : الحق بلسانه المحمدي الجمعي ' إنا كل شيء خلقناه بقدر ' ' القمر : 49 ' برفع لفظة كل على أنها خبر إن فافهم ، وكان يقول : حقيقة الواجب علم فعلى بطن فيه قائله ، وحقيقة الممكن علم انفعالي بطن فيه فاعله وحقيقة الممتنع علم مجرد لم يحصل في صيغة التميز الإثباتي إلا في القول لأن هذا التعريف ، وكل التعاريف صيغ تمييزية إثباتية فافهم ، وكان يقول : من أحاط بك ، ولم تحط به فلست مثله ، ولا على صورته فافهم وكان يقول : ما دمت في دائرة الفرق فلا بد لك من شرك ، وإشراك اللهم خلصنا واستخلصنا آمين وقد فعلت ذلك فافهم ، وكان يقول : إذا كانت صفاتك بالأصالة له فوهمك علمه ، وحسك علمه ، وفكرك علمه وتعلمك علمه ، وفعلك علمه ، وقولك علمه ، واختيارك علمه ، وتخيلك علمه ، وعلى هذا فقس : ' إنه بكل شيء عليم ' - أحاط بكل شيء علما ' فإن لم يكن كل ما هو شيء بأي اعتبار كان معلومه لم تتم هذه الإحاطة فافهم ومن لم يشهد ذلك كذلك لم يشهد حقيقة قوله : ' إنه بكل شيء عليم - أحاط بكل شيء علما ' وإنما شهد ما أوله ، وخص به هذا العموم ، وقيد به هذا الإطلاق بل تقيد به هذا عن شهوده ، ومن ثم يظهر معنى قوله : ' الله يعلم وأنتم لا تعلون ' ' النحل : 74 ' فافهم ، وكان يقول : إذا كان هو الناظر إليك بكل عين ، والعالم بك بكل إدراك ، وعلم فما ثم من مرائيه إلا هو فلا يحجبك الرياء عن القيام بما يرضي ، واحذر أن يراك رأي حي ، ولا أنت حيث تظن أنه لا يرضي فإنه هو الذي يراك حين تقوم في كل مظهر يرى ، ومتى صح لك هذا الشهود استغرقك في الله في كل جهاته ' فأينما تولوا فثم وجه الله ' فافهم ، وكان يقول : الحقائق لا تنقلب فالمقيد لا يكون مطلقا ، والمطلق لا يكون مقيدا ، وإنما تعاقبت صور المراتب المقبولة على قابلها فقط ' لا تبديل لكلمات الله ' فافهم ، وكان يقول : وكل متميز بنفسه أو غيره ثابت حتى النفي ' ذلك بأن الله هو الحق ' وإن تباينت الأسماء فافهم ، وكان يقول : حبك للشيء على قدر بغضك كذلك ، ولضده العكس وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء ، وهكذا أمور كل مقابل بالنسبة إلى مقابله فافهم ، وكان يقول : لا تستعذ من شيء ولكن استعذ من شره ، وكان يقول : التأثير ربوبية ، والتأثر عبودية في كل مقام بحسبه فافهم ، وكان يقول : الخلق هو التقدير ، والتقدير هو التنزيل منزلة النقيض في المعاملة في كل مقام بحسبه ، وإذا ظهر هذا فهو تعالى ذات كل موجود ، وكل موجود صفته ، وليس لها مبدأ أول إلا هو إذ ليس بعده إلا العدم ، والعدم لا يكون مبدأ سيما لموجود ، وإذ قد تبين لك أمر الوجود هذا فأنت تعلم أنك إذا نظرت إلى أي موجود نظرت إليه من حيث هو وجدته ذاتا ، وقد تبين أن لا ذات إلا الوجود ، فظهر أن الوجود بالحقيقة هو الموجود ، والموجود ليس إلا هو الوجود . فإن قلت : فمن أين جاء الفرق ، وإلى أين ؟ قلت : جاء من الوجود إلى نفسه . فان قلت : كيف يتأتى هذا ؟ قلت : يتأتى بأن يقدر نفسه مراتب على طريقة التجريد البياني المذكور في علم المعاني والبيان ، وأنت تعلم أن لك أن تجرد من نفسك لنفسك في نفسك على كل صورة ، وتكون تلك الصورة كلها في خيالك ، وتعامل نفسك من حيثية كل منها معاملة خاصة ، وتصور نفسك ناسيا لأنك جردت نفسك ، وناسيا أيضا لذلك النسيان ومتحقفا لتلك الكثرة ، وتكون كذلك من تلك الحيثيات ، وما هذا ، ونحوه إلا عين فعل الوجود الذي أنت هو لا مثاله ، وما تلك الأمور كلها بالحقيقة إلا أنت بلا زيادة فما ثم على كثرة الموجودات إلا الوجود بلا زائد حقيقة . فإن قلت : فما مبدأ هذا التقدير من الوجود ؟ قلنا مبدؤه اقتضاؤه لذاته أن يقضي وما ثم إلا هو فيقضي بنفسه لنفسه ، وعليها على طريق التجريد كما مر قضايا لا تتناهى للزوم القضايا للاقتضاء الذاتي ، وتلك التقديرات تنزيلات الوجود منزلة ما ليس بموجود في المعاملة ، وتسمى هذه موجودات ، وبالضرورة يكون هذا التقدير أولا في الوجود إذ لا موجود ثم ، وهذا هو الخلق الأول وتسمى هذه الموجودات مراتب قدم وأزل ، وإيجاب ، وصفات ومعاني ، وحقائق كذلك . وبعد هذا يكون تقدير هذه الأمور التي هي لا وجودات ، وجودات ، فبقدر ما تسمى ذوات ، وماهيات ، وتعينات ، وأينيات ونحوه تقدر فيها مراتبها اللاحقة ، وذلك هو الخلق الثاني كما جاء في قوله تعالى : ' أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد ' ' ق : 15 ' فالأول تنزيل الوجود منزلة ما ليس الوجود ، والثاني منزلة ما ليس الوجود منزلة الوجود فانظر إلى هذا النمط ما أعجبه ، وأغربه ، وأطال في ذلك ثم قال : وقد فتحت لك باب التحقيق فإن كنت من أهله فتقدم ، وإلا فلا فافهم . قلت : جميع ما في هذه القولة مبني على مذهب أهل الوحدة المطلقة وهي مرتبة نقص بالنظر لمراتب المحققين فكان الشيخ فيها كالمغلوب على إظهار ما شهد بقرينة كلامه في مواضع من هذه الوصايا والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : سمي العقل عقلا لموضع التقييد التحديدي الذي هو شأنه ويسمى لبا من حيث تنزله بذلك في لبس الخلق الجديد لأن اللب منخبئ بقشور . لا تلزمه ، وهو مبدؤها فافهم وكان رضي الله عنه يقول : أينما توجد الفكر لا يأتي إلا بمغايرات الحق ' وماذا بعد الحق إلا الضلال ' فهو لا يأتي في الحقيقة إلا بالضلال أي عن الحقية التي هي الخير المحض فهو لا يأتي بخير محض قط فافهم ، وكان يقول : الجعل والصنع والإبداع والتكوين ، والتمييز ، ونحو ذلك كله تقدير فهو خلق بمعنى التقدير ، وإن لم يسم في بعض المراتب خلقا فافهم ، وكان يقول : إذا وجدت أيها الذائق أمرا ، وسألك أحد عما وجدت سؤال تقييد كأن يقول : لك ماذا ؟ تقول : في كذا قل له هل قال : أحد سواي في ذلك شيئا فإن قال : لك لا أو لا أدري قل له فهو عندي كذا فإن اعترف به فذاك ، وإلا كان لك مخلص من شره إن أنكره ، وإن قال : لك نعم فقل : لا حاجة إذا بك لقولي في هذه فإن قال : لك بل لي حاجة فقل له أنا عندك أفضل من ذلك القائل ، وأولى بالحق أم هو فإن قال : لك هو فقل له فأنت عن تصديقي أبعد منك عن تصديقه ، فلا حاجة لي أن أقول : لك شيئا وإن قال : أنت عندي أفضل منه فأجبه ولك الحجة عليه ، وإن كان متفعلا فافهم ، وكان يقول : في حديث ' الأنصار شعار والناس دثار ' لا يمس بشرتك ثوبان معا إنما يمسك شعار واحد ، وما بعده دثار ، وإنما كان الأنصار شعارا لرضاهم به عما دونه ' يحبون من هاجر إليهم ' ' الحشر : 9 ' الآية فحبهم لا لعلة سوى التحقق به ، وإنما كان الناس دثارا لتعلقهم بالعلل الخارجة عن التحقق به : ' أما ترضون معاشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة ، والبعير وتذهبون بي إلى رحالكم ' قالوا : رضينا فاعرف يا أخي الأنصار بسيماهم فهذه آيتهم لمن توسم ولا تقيدهم بقبيلة ولا طائفة سوى من بهم هذه العلامة من كانوا ، وأين كانوا فافهم ، وكان يقول : في قوله ' وثيابك فطهر ' ' المدثر : 4 ' أي لتكون ثياب صلاة فافهم من لم يتجرد عما سوى أمر لم يباشره تحقيقا ، وكان يقول : في قوله : ' لا يمسه إلا المطهرون ' أي لا يتحقق به إلا المتجردون للصلة به عن موانعها المانعة إذ الطهارة التجرد عن موانع التلبس بحقيقة الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه فافهم ، وكان يقول : قيامك بالأمر لأجل الأمر وحده إخلاص وميزان ذلك أن تفرض أنه نهاك عنه أو عن موضع أنه أمرك به أو عكسه ، فإن وجدت نفسك تنبسط بأحدهما أكثر من الآخر ، فاعلم أن قيامك به معلول ، وأنه شهوة نفس ، وإلا فلا فما أعز الإخلاص ، وما أدق إدراكه فافهم ، وكان يقول : الواحد أصل العدد ، فما لا ينقسم أصل ما ينقسم في كل مقام بحسبه فافهم فإن سكنى ما لا ينقسم ليس كسكنى المنقسم في المنقسم ، فلا تتخيل الحلول الظرفي في جانب الربوبية ما دمت في حكم مراتب الخلق الجديد اللبسي ، فافهم فالقلب بيت الرب ورب البيت يسكن باطنه وينزل إلى ظاهره فافهم ، وكان يقول : ليست المستحيلات إلا أمورا في غيبك ، وقوتك لم يتعين بها قوابل حاجبة بالنسبة إليك ألا ترى أنها قائمة في تخيلك ، وتوهمك فافهم ، وكان يقول : لا تطالب ربك بشيء ولو بقلبك فإن المطالبة تريب ، وليس ذلك شأن العبيد ، فافهم ، وكان يقول : من أبعد المطالب عن الصواب مطالبة العبد ربه بعلة إمره أو نهيه ، فإن الرب حقه يفعل ما يختار ويحكم ما يريد ، وشأن العبد القبول من ربه ليس إلا فافهم وكان رضي الله عنه يقول : من حققك بالله لا تقدر على مكافأته بشيء قط ، وكان يقول : الذات لا تدخل تحت إحاطة علم ، ولا إدراك ، وكان يقول : العارف المحقق يأبى الله أن يأتيه بالأمور التي يختارها إلا من حيث لا يشغل همته بأسبابها العادية حتى إنك تراه يتسبب في أمر بالتوجه ، والدعاء فيمسك عنه ذلك الأمر لذلك التسبب ، وما ذلك إلا لأنه صار عين معروفه الذي لا ينبغي أن يظهر إلا بوجه السيادة ، والعز فعالا لما يريد ، فلما ظهر بوجه التسبب تنكر ، فتوقف المراد وتعذر فلكل مجال رجال ، فافهم ، وقال : في قوله تعالى : ' قد جاء الحق من ربكم ' ' يونس . : 108 ' أي قد جاء ربكم بعينه الحق لا بمثال موهوم فافهم ، وكان يقول : العقول حقائق أسماء الذات والأرواح حقائق أسماء الصفات والنفوس حقائق أسماء الأفعال ولكل اسم دائرة تأثير هو سلطانها ، وتجلياته فيها أسباب مسبباتها فأسباب الخلق تجليات الخلاق ، وأنسباب الرزق تجليات الرزاق ، وقس على هذا ، وكان يقول : صور أسباب الأرزاق أرباب للعوام القاصرين نظرهم على شهود الخلق وعبيد للخواص النافذين إلى التحقق بالحق ألا ترى كيف العوام يتولون الإنفاق على عبيدهم ، وخواص الناس كالوزراء ، والأمراء يولون الإنفاق بعض خدمهم ، وقد كان بلال متولي نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله تعالى : ' وكلمة الله هي العليا ' ' التوبة : 40 ' كلمة الله هي النفس التي غلب عليها الحكم الإلهي بظهوره فيها تخلقا ، وتحققا ، وكشفا ، وبيانا هذا هو حقيقة معنى الآية ، وفيها أيضا أن كلمة الله أي اسم الله هي العليا لأنه الاسم الأعظم الجامع لحقائق جميع الأسماء ، وكان رضي الله عنه يقول : من عرف الحق لم ير إلا الحق ' فماذا بعد الحق إلا الضلال ' فافهم ، وكان يقول : مهما رآه المأمون في أئمتهم من كمال أو نقص فهو صورة بواطن المأموم أشهده إمامه إياها ، وللإمام فوق ذلك مظهر آخر فإياك أن تظن نقصا بأهل الكمال فتقول : ' وعصى آدم ربه فغوى ' ' طه : 121 ' بل أعرف أن ذلك إنما كان إظهارا لك كيف تتداوى إذا ابتليت في صفاء تلك الحضرة ، وقس على هذا فافهم ، وكان يقول : الاستغفار استعداد الغفران وحقيقة التوجه بوجه الاستعداد إلى التحلي بالكمال بدل النقص ، وبالإحسان بدل الإساءة ، وغايته التحقيق بالمحبوب تحققا ذاتيا يستحيل به عروض ضده ، وذلك هو العصمة في كل مقام بحسبه ، وإليه الإشارة بقوله : ' يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ' ' الفتح : 2 ' وغاية الغاية في هذا الباب أن يغفر الله منك بحلمه حكم ما دونه فلا ينكشف فيك إلا وجهه الحميد ، فافهم فإن الغفران هو الوقاية مما يضر بما يسر ، ومنه سميت البيضة مغفرا فلكل مقام مقال ، وكان يقول : في كلام الأطباء إن برد الرحم سبب في عدم الحمل هكذا نفس التلميذ متى لم يجد لوعة الوجد ، وحرقة الطلب من الشوق إلى المقصود لم يتولد فيها من فيض أستاذه صورة أمره فهو مثل الوقود البارد لا يؤثر فيه القبس إلا دخانا كالدعاوي والرعونات الحاصلة للنفوس الداخلة بين القوم بغير حرقة شوق ، وصدق وطلب ، وجد ، ومثلها أن يكون كورقة مبلولة لا يثبت عليها كتابة ، ومثلها أيضا كحراق بارد أي رطب لا يعلق فيه قبس ، وكان رضي الله عنه يقول : من تحقق بمرتبة حصلت له خصائصها ، وأمورها على قدر تحققه بها كالمتحقق بصورة محمدية بشرية ، فيقول : اللهم صل على محمد وآته الوسيلة ، والفضيلة إلى آخره ، فإنما هو في الحقيقة يطلب ذلك لنفسه من حيث إنه متحقق به ، ويقال لمن تحقق بصورة محمدية يا محمد ، موسوية يا موسى أو عيسوية يا عيسى ، وقس على هذا ، وارق إلى حيث نفذ ذوقك ، فد مجال رجال . لأمور التي يختارها إلا من حيث لا يشغل همته بأسبابها العادية حتى إنك تراه يتسبب في أمر بالتوجه ، والدعاء فيمسك عنه ذلك الأمر لذلك التسبب ، وما ذلك إلا لأنه صار عين معروفه الذي لا ينبغي أن يظهر إلا بوجه السيادة ، والعز فعالا لما يريد ، فلما ظهر بوجه التسبب تنكر ، فتوقف المراد وتعذر فلكل مجال رجال ، فافهم ، وقال : في قوله تعالى : ' قد جاء الحق من ربكم ' ' يونس . : 108 ' أي قد جاء ربكم بعينه الحق لا بمثال موهوم فافهم ، وكان يقول : العقول حقائق أسماء الذات والأرواح حقائق أسماء الصفات والنفوس حقائق أسماء الأفعال ولكل اسم دائرة تأثير هو سلطانها ، وتجلياته فيها أسباب مسبباتها فأسباب الخلق تجليات الخلاق ، وأنسباب الرزق تجليات الرزاق ، وقس على هذا ، وكان يقول : صور أسباب الأرزاق أرباب للعوام القاصرين نظرهم على شهود الخلق وعبيد للخواص النافذين إلى التحقق بالحق ألا ترى كيف العوام يتولون الإنفاق على عبيدهم ، وخواص الناس كالوزراء ، والأمراء يولون الإنفاق بعض خدمهم ، وقد كان بلال متولي نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله تعالى : ' وكلمة الله هي العليا ' ' التوبة : 40 ' كلمة الله هي النفس التي غلب عليها الحكم الإلهي بظهوره فيها تخلقا ، وتحققا ، وكشفا ، وبيانا هذا هو حقيقة معنى الآية ، وفيها أيضا أن كلمة الله أي اسم الله هي العليا لأنه الاسم الأعظم الجامع لحقائق جميع الأسماء ، وكان رضي الله عنه يقول : من عرف الحق لم ير إلا الحق ' فماذا بعد الحق إلا الضلال ' فافهم ، وكان يقول : مهما رآه المأمون في أئمتهم من كمال أو نقص فهو صورة بواطن المأموم أشهده إمامه إياها ، وللإمام فوق ذلك مظهر آخر فإياك أن تظن نقصا بأهل الكمال فتقول : ' وعصى آدم ربه فغوى ' ' طه : 121 ' بل أعرف أن ذلك إنما كان إظهارا لك كيف تتداوى إذا ابتليت في صفاء تلك الحضرة ، وقس على هذا فافهم ، وكان يقول : الاستغفار استعداد الغفران وحقيقة التوجه بوجه الاستعداد إلى التحلي بالكمال بدل النقص ، وبالإحسان بدل الإساءة ، وغايته التحقيق بالمحبوب تحققا ذاتيا يستحيل به عروض ضده ، وذلك هو العصمة في كل مقام بحسبه ، وإليه الإشارة بقوله : ' يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ' ' الفتح : 2 ' وغاية الغاية في هذا الباب أن يغفر الله منك بحلمه حكم ما دونه فلا ينكشف فيك إلا وجهه الحميد ، فافهم فإن الغفران هو الوقاية مما يضر بما يسر ، ومنه سميت البيضة مغفرا فلكل مقام مقال ، وكان يقول : في كلام الأطباء إن برد الرحم سبب في عدم الحمل هكذا نفس التلميذ متى لم يجد لوعة الوجد ، وحرقة الطلب من الشوق إلى المقصود لم يتولد فيها من فيض أستاذه صورة أمره فهو مثل الوقود البارد لا يؤثر فيه القبس إلا دخانا كالدعاوي والرعونات الحاصلة للنفوس الداخلة بين القوم بغير حرقة شوق ، وصدق وطلب ، وجد ، ومثلها أن يكون كورقة مبلولة لا يثبت عليها كتابة ، ومثلها أيضا كحراق بارد أي رطب لا يعلق فيه قبس ، وكان رضي الله عنه يقول : من تحقق بمرتبة حصلت له خصائصها ، وأمورها على قدر تحققه بها كالمتحقق بصورة محمدية بشرية ، فيقول : اللهم صل على محمد وآته الوسيلة ، والفضيلة إلى آخره ، فإنما هو في الحقيقة يطلب ذلك لنفسه من حيث إنه متحقق به ، ويقال لمن تحقق بصورة محمدية يا محمد ، موسوية يا موسى أو عيسوية يا عيسى ، وقس على هذا ، وارق إلى حيث نفذ ذوقك ، فد مجال رجال . وكان يقول : في قوله صلى الله عليه وسلم : ' إنا معاشر الأنبياء نبتت أجسادنا على أرواح أهل الجنة ' فأرواحهم سماوية متمثلة في هياكل أرضية ، وكل إلى بدنه راجع ، فافهم وكان يقول : إنما أمر الحق ، ونهى منك قلبك السامع الفاهم ، ولا يؤدي عن المكلف ما كلف به إلا هوف عمل جسمك عملا ، وقلبك غافل عنه لم يحسب لك ، ولم يؤد عنك ' ولكن ما تعمد قلوبكم ' وإنما سقط اللوم الظاهر بمباشرة الجسم للعمل لظن حضور القلب ، وقصده ذلك فراقب علام الغيوب ، فإنه الناظر إلى القلوب فافهم ، وقال : في قوله تعالى : ' فأجره حتى يسمع كلام الله ' ' التوبة : 6 ' أي منك ، ولا يتكلم بكلام الله إلا الله فإذا ناجاك هاديك حق فاسمع من الله وأطع تغنم ، واعرف أن ربك قد تحول لك في صورة من صور المعار يتعرف إليك بها لتعرفه فتجيبه فتتحقق به فافهم وكان رضي الله عنه يقول : السر ما لا يشهده إلا واحده فمن شهدت سره فاعلم أنك أنت هو من حيث حصل لك هذا الشهود ، وللمستفيد شيء إلا صورة مفيده فإذا كل ما من المستفيد إلى مفيد إنما هو في الحقيقة المفيد لنفسه أن العبد من مولاه عبد القوم من أنفسهم ، وما من الله إلا ، وإليه وليس يفهم عني غير إياي فافهم . وكان يقول : في قوله : ' ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان ' ' يس : 60 ' أي لا تطيعوه ، وتنقادوا له راضين بأمره فمن كان هكذا لأحد فقد عبده ' اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ' ' التوبة : 31 ' وما أكثر ما يعبد المقلدون أئمة الضلال علماء السوء الذين يريدون بعلمهم ما ليس من الله في شيء فافهم ، وكان يقول : إذا كان إبليس كفر بترك سجدة واحدة لآدم فكيف يرضي ابن آدم أن يكفر بتكرار السجود لإبليس ولكن الكفر درجات كما أن الإيمان بالحق درجات فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : احذر أن تزدري أصحاب الخلع الخفية من الشعثة رؤوسهم المغبرة ، وجوههم فإن وجوههم ناضرة إلى ربها ناظرة ، إنما أنت أعشى العين ، وكان يقول : إياك أن تحسد من اصطفاه الله عليك فيمسخك الحق كما مسخ إبليس من الصورة الملكية إلى الصورة الشيطانية لما سجد آدم ، وأبى وتكبر عليه ، وفي هذا تحذير لك إذا رأيت إمام هدى إلى الحق أن تحسده ، أو تكبر عن الخضوع له والائتمام به ، فإن ذلك يسلبك ما فيك من الصور المرضية ، ويدخلك في الصور الغضبية ، وإذا خضعت له ، وكنت بالعكس نقلك من الصورة الشيطانية إلى الملكية وكان يقول : في حديث صوم يوم عاشوراء ' نحن أحق بموسى منهم ' أي من اليهود إنما كانت هذه الأمة أولى بموسى عليه السلام من قومه لأنا نؤمن بموسى كإيمان من عاصره دلالة معجزة نبينا التي هي القرآن التي نعرف إعجازه بالمشاهدة لا بالخبر ، وأما اليهود الذين لم يعاصروه ، فإنما آمنوا به تقليدا للخبر ، وأين من يؤمن تقليدا ممن يؤمن عيانا تحقيقا في المعجزة القرآنية فنحن أحق بجميع الرسل عليهم الصلاة والسلام ممن لم يعاصرهم من أممهم ، والسلام ، وكان يقول : إنما كان يوم عرفة أفضل من يوم عاشوراء بفضيلته على عاشوراء بالحج المشروع فيه ، وهو ركن من أركان الإسلام ، وليس في عاشوراء ركن من أركان الإسلام يختص به كيوم عرفة فافهم . وكان يقول : في قوله : ' وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا ' ' الأنعام : 115 ' صدقا هنا وضع موضع فضلا إذ قوبل به عدلا فافهم أي تفضل الله تعالى بصدقها على قلوب قوم حتى صدقوها وعدل الله بقلوب قوم حتى عدلوا عن تصديقها ، وكان يقول : كل ما أتاك به إمام هدايتك ، فهو ذكر من ربك ورحم بك محدث الإتيان إليك ، والظهور عن ذلك الإمام من حيث كونه ، فأما من حيث وجوده الحق المبين المتجلى في عينه الناطق بمرتبة الربوبية ، والرحمانية ، فلم يزل قديما لأن الحق المذكور من المرتبة المذكورة لم يزل متكلما إذ هي له ذاتية ، وإنا الحدوث من جهة التعلق الظهوري من حيث الحكم بالحدوث ، فافهم ، وكان يقول : من أتى بما لم يسبق به فقد أبدع وأبدا ومن كرر مثالا ، فقد أعاد ، واخترع فافهم . وكان يقول : لا يظهر سر السيادة الربانية في أحد إلا ويجعل له أتباعا لأن السيد هو الرب المصلح المدبر فلا بد له من حضرة يحكم فيها ' ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ' ' الرعد : 38 ' أي معنوية فقد كان فيهم من ليس له زوجة صورية ، ولا ولد صلبي كعيسى ويحيى ومن هنا يفهم المراد بقول زكريا ' رب لا تذرني فردا ' ' الأنبياء : 89 ' فكأنه قال : كما قال : إخوانه ' ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ' وأحب الخلق إلى الله تعالى أنفعهم لعباده فكفي المصلح لشأنهم شرفا أن يكون أحب إلى الحق ممن ليس همه إلا صلاحه وحده ، وكان يقول : من كان خلقه القرآن يرضي لرضاه ويغضب لغضبه فهو نسخة الحق ' والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم ' ' محمد : 2 ' فافهم فمن اتخذه إمام هدى ، وجعله كتابه ينظر في أموره بعين الإيمان فيتبعها بإحسان فقد أوتي كتابه بيمينه ، ومن اعتمد على الأساطير فإنما اعتمد على حكم وهمه أو حكمة فهمه ' بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ' ' العنكبوت : 49 ' أي معناه مبين في نواطق العلماء وكان يقول : إنما أحب الله عبده المسلم لأنه مخلوق على صورته ، وهو تعالى أجل من أن يحب خلاف صورته التي هي الكمال المطلق الأقدس فافهم قلت : والمراد هنا بصورة الحق صورة آدم عليه السلام لأنها أشرف الصور ، وليس المراد بها صورة الذات الإلهي ، والله أعلم ، وكان يقول : ما دمت أيها الآدمي صاحب صفات كريمة فأنت إنسان باق على أصلك لم تنسخ ، ولم تمسخ ، ومتى نسخت منك الكرائم بالذمائم فقد نسخت عنك الإنسانية بالصورة الشيطانية التي انمسخت بها ، وإن خلطت لم تك إنسانا خالصا ، ولا شيطانا محضا وفي ذلك فليتفاوت المتفاوتون ، والحكم للغالب فافهم ، وكان يقول : إذا قال لك : قائل لم دون العارفون المعارف التي تضر بالقاصرين من العلماء فضلا عن العوام ؟ أما كان من الحكمة وحسن النظر ، والرحمة ما يمنعهم من تدوينها فإن كان عندهم ذلك فمخالفته نقص ، وإن لم يكن فكفاهم نقصا أنهم غير حكماء فقال له : أليس الذي أطلع شمس الظهيرة ، ونشر فاضح شعاعها صحوا مع إضرارها بالأبصار الضعيفة والأمزجة التي تتضرر بها عليما حكيما فإن قال : بلى ولكن عارض ذلك مصالح تربو على هذه المفاسد فقل له ، وهكذا الجواب عن مسئلتك وحسبك جوابا أن من دون ذلك لم يدونه للجمهور ، ولا أذن في ذلك ، ولا سكت عنه بل نهى عن إظهاره لهم . وشدد في النهي والتحذير إلى الغاية ، وصرح بأنه لم يدون إلا بإذن من الله في تدوينه لأهله فقط فيكون في التدوين أمانة لهم ليظفروا من معانيه بما تنفتح به أبواب كمالاتهم الباعثة بسحائب الرحمة في قلوبهم ، وعلى ألسنتهم فتشرق الأرض بنور رشدهم وتحب هدايتهم فتعدى أهل الغفلة ، والحجاب حدود هؤلاء السادات ، وأظهروا دواوينهم لغير أهلها كما تعدى الغافلون حدود ربهم ، فسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ، ومكنوا أعداء الله من قراءته بقلوب زائغة ، وألسن معوجة فحرفوه ، واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ، وهل دون الأئمة المجتهدون ما دوناه عنهم من العلم ليستعان بها على هوى النفس وكسب الدنيا ، وتوليد مسائل موافقة لهوى الظلمة ، والأمراء لا والله ولكن كان أمر الله قدرا مقدورا وحيث ظهر أن فائدة تدوين هذه المعارف من أعظم الفوائد ظهر أن تدوينها من أحق الحقوق إذ فائدتها بقاء روح حق اليقين ، وإشراقها في مظاهر الهادين بالحق كما في فائدة تدوين علم الظاهر بقاء روح الاجتهاد الظني الموجب للعمل ، وظهوره في مظاهر المرشدين ' والله يعلم المفسدين من المصلحين ' ' البقرة : 220 ' فافهم . وكان رضي الله عنه يقول : في حديث ' القلب بيت الرب ' وفي قوله تعالى : إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا ' ' آل عمران : 3 ' فاعرف بيت الرب من بيت الناس ، وتوجه إلى كل منهما بشرطه وقم له بحقه واستقبله ، وقم وطف حوله وادخله بما يناسبه منك فالجسم ، والقلب بالقلب ، والروح بالروح ولكل مجال رجال فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ' النزل : إكرام الضيف أول ما يكرم ، فإذا كان الفردوس أول ما يكرمون به إذا كانوا ضيوفا فكيف بغاية إكرامهم بل كيف إكرام الأحباب الذين لا حجاب عليهم أبدا فافهم وكان يقول : عجبا لملاذ الدنيا كيف يذهب الملال حلاوتها إن دامت ، وتعقبها الرغبة فيها ، والحزن عليها إن زالت ، فلا راحة للمؤمن دون لقاء ربه فافهم . وكان يقول : انظر إلى النفس المدركة المفارقة التي تشير إليها منك بقولك : أنا كيف هي متعلقة بسائر أبعاض جسمك ، وأعضاء جرمك ، وكيف لها مع كل بعض وعضو معنى ، وأثر خاص تارة يماثل ما هو لها مع غيره كاللمس بسائر سطح البدن ، والإبصار بالعينين ، والسمع بالأذنين ، وما أشبه ذلك ، وتارة يباين ما هو لها مع غيره كالتكلم باللسان وحده ، والذوق باللثة وحدها وما أشبه ذلك . فهكذا حكم النفس مع ما تعلقت به من الأعضاء والأبعاض وهي نفس الكل الموصوفة بسائر المعاني ، ومن عرف نفسه عرف ربه فافهم ، وكان يقول : الأستاذ مظهر سر الربوبية لمريده فعلى المريد أن يقف عند أمر أستاذه ، وأن لا يلتفت عن أستاذه يمينا ، ولا شمالا ألم تسمع إلى قول : أكبر ولد يعقوب ' لن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي ' ثم قال : ' أو يحكم الله لي ' ثم قال لهم : ' أرجعوا إلى أبيكم ' ' يوسف : 81 ' نتبين أن المريد ماله وجه يتوجه إليه إلا أستاذه حتى إذا تحقق بحقيقة أستاذه ، وسقط حكم المغايرة بين مرتبتيهما كان الله وجهه من حيث وجه ذلك الأستاذ الذي تحقق به ذلك المريد ، وأطال في ذلك ، وكان يقول : ينبني للعالم أن يرى القرآن هدى ، ورشدا لأهل كل صراط مستقيم فلا ينكر على أحد لما فهمه منه من الهدى عند ذلك الفاهم ، وإن كان مخالفا لفهمه ' والراسخون في العلم يقولون ' آل عمران : 7 ' أي عند كل تأويل فيه هداية لغيرهم ' آمنا به كل من عند ربنا - ولكل قوم هاد ، ولكل جعلنا منكم شرعة منهاجا ' فافهم ، وكان يقول : في منكر ونكير إنهما يأتيان للميت في صورة إنكاره ، وتنكيره فإن كان منكرا للمنكر متنكرا على أهله في اعتقاده الجازم عنده ببرهانه فبذلك يثبت على معتقده ، زمن عكس انتكس وكان يقول : ملوك الدنيا محتاجون إلى ملوك الآخرة ، وذلك ظاهر في الدنيا بزهد ملوك الآخرة في الدنيا ، وعناية الحق بهم ، وأما غنى ملوك الدنيا فلا يظهر للشرك صحته من بطلانه إلا بعد الموت حين يفوت الفوت ، ومن قبل النصيحة أمن من الفضيحة ، وكان رضي الله عنه يقول : من أرشدك إلى ما به تخلص من غضب الحق وتحصل به رضوانه فقد شفع فيك فإن أطعته ، واتبعته ، وقبلت منه ، فقد قبلت فيك شفاعته فنفعتك ، وإلا فنعوذ بالله من حالة قوم لا تنفعهم شفاعة الشافعين حيث كانوا عن التذكرة معرضين فافهم ، وكان يقول : ثقل موازين الآخرة على قدر التعب ، ومثال ذلك أن يقول : لك كريم من أتاني بشيء ، وزنت له ثقله فضة فجهد رجل فأتى بصخرة فوزن له ثقلها ، وأتاه رجل بريشة فوزن له ثقلها ، وكان يقول : جلوسك في خص وأنت في عتق من أسر الشهوات خير لك من قصر مشيد وأنت مسجون في أسرها محجوب عن محجوبك فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' وأيدناه بروح القدس ' ' البقرة : 87 ' الروح الأمين على ما يتلقاه من روح القدس هو الفكر الصادق وروح القدس هو العقل الناطق الحكيم الحاكم في النفس الحيوانية التي يطهرها من الرذائل ، ويحليها بالفضائل في كل مقام بحسبه فافهم ، وكان يقول : في قوله : ' ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه ' ' يوسف : 111 ' أن ينفخ بكشفه وبيانه في قلوب الحاضرين بين يديه حضورا إيمانيا أرواح الصدق ، فيصير من الصادقين ، وأما تصديقه للكتب الماضية بمطابقة ما فيه لما فيها فشيء معروف فافهم ، وكان يقول : الواجد مخبوء في لا ، والوجد مخبوء في نعم فقابل كل حكم أتاك من الحق باختياره لك بنعم يجعله عليك نعمة من النعم فافهم ، وكان يقول : على قدر المعرفة يكون الحب ، وعلى قدر الحب يكون القرب ، وكان يقول : في قوله : ' يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ' ' النور : 37 ' أي يصير حكم القلوب ظاهرا على حكم القوالب فمن كان في قلبه خير ظهر عليه ظاهرا ، وأما تقلب الأبصار فهو أن يظهر حكم البصائر في الأبصار فما لا يصح له في دنياه أن يراه إلا إيمانا يراه يوم القيامة عيانا ، وكل من رأى الآن ما لا يراه الناس فما رأى ذلك حين رآه إلا ، وهو في حال قيامه به فافهم . وكان يقول : العاقل بخيل بعرضه جواد بجسمه ، وضده بضد ذلك فافهم ، وكان يقول : إنما كان أبو بكر رضي الله عنه أسبق رجال قريش إلى التصديق ، والهدى لأنه كان أضعف قريش رابطة بما كانوا عليه مما يضاد الهدى فافهم ، وكان يقول : الصوم في اللغة الثبوت على أمر واحد لقولهم صام النهار إذا وقفت الشمس في مستواها فنذرت للرحمن صوما أي نذرت ثبوتا للرحمن على إفراد مشاهدته فلا أشهد سواه ، ونحو هذا ، وما الصوم لعمرك إلا الثبوت للحق ، وفيه فافهم ، وكان يقول : من عرف الحق فكل أوقاته ليلة قدر ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله : ' إن الله جميل يحب الجمال ' فيه إشارة إلى أن الله يحب أن لا يرى أحد في عبيده نقصا لا باطنا ، ولا ظاهرا لأن العبد من مولاه ، وأمره راجع إليه فافهم ، وكان يقول : من أحب أن يكون في حفظ رب العالمين فليخدم أولياءه العارفين بصدق ' ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها ' ' الأنبياء : 81 ' إلى قوله : ' وكنا لهم حافظين ' فانظر كيف حفظ الله الشياطين لما كانوا في خدمة أوليائه العارفين ، ومعنى حفظ رب العالمين أن يحفظ العبد من الوقوع في المخالفات ، وكان يقول : في قوله : ' أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم فأوحينا إلى ' ' الشعراء : 62 و 63 ' الآية فرتب هذا الوحي على هذا القول : بالفاء إشارة إلى أن كل من قال : هذا القول بصدق ألهمه ربه رشده فيما يحاول ، وكان يقول : كل من دخل مقام الإحسان فقد بلغ أشده واستوى ، ولو كان صبيا قال : ' ولما بلغ أشده ، آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين ' ' يوسف : 22 ' أي على إحسانهم ، ومشاهدتهم لمعبودهم ، وكان يقول : المحبة دائر معها التوحيد والإخلاص فكل من أحب شيئا لا يريد أن يكون له فيه شريك حتى الرجل يحب امرأة فلا يحب أن يكون له فيها شريك وكذلك المرأة ، فما أحب الله عبدا إلا ملأ قلبه استغراقا في محبة مرضاته ، ولا كره عبدا إلا ملأ قلبه محبة لمكروهاته ، وكان يقول : روح المتعلم من روح المعلم ، وعقل المستفيد من عقل المفيد فرع من أصل وأيما مريد أراد الكمال بغير أستاذه ، وهاديه فقد أخطأ طريق المقصود لأن الثمرة لا تكمل إلا بوجود النواة التي هي أصلها فكذلك كل مريد لا يكمل إلا بوجود أستاذه متعينا عنده بحقيقة نفسه وروحه ، وقلبه وفؤاده فافهم ، وكان يقول : لا يتبع إمام الضلال إلا أهل الغي لأنه صورة غيهم تشكلت لهم حتى رأوها فصبوا إليها ' ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ' ' الزلزلة : 8 ' مشكلا ، ومن هنا يتبع الدجال كل من في قلبه كفر ، ونفاق ، وحكم إمام الهدى بالعكس لا يتبعه إلا أهل الهدى ، وكان يقول : كيف يخاف الباطن من عرف الحق . وكان يقول : لم يطلب كل طالب إلا الحق لكن تارة يظفر به حقا فيعبده عن مكاشفة ، وتارة يظفر به ، وهما فيعبده على حجاب فما عبد عابد في الحقيقة إلا الله ، قلت : والمراد بهذا العابد الموحد من أهل الإسلام العام فافهم ، وإياك والغلط ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : من تعلق بغير مولاه ضره إما بأن يحبه ، فيشغل عن مولاه ما منه فتنته أو يكرهه ، فيشغله عن مولاه ما به حزنه فلا راحة للمؤمن دون لقاء ربه ، ولا يلقي ربه ، وفيه تعلق لغيره ، فالخير كل الخير في مفارقة الغير فافهم ، وكان يقول : جميع الأعمال إنما شرعت تذكرة بمشرعها كي لا ينسوه ، ولا يصبوا إلى غيره ' أقم الصلاة لذكري ' فافهم . وكان يقول : الخليفة في كل دائرة هو من أتم القيام فيها بحسن نظام العبودية معترفا أنه العبد مع كمال القيام بنظام الربوبية معترفا أن كل ما جاء به من ذلك فهو لربه ولربه الحمد فافهم ، وكان يقول : إذا أردت ثبات الإخوان على محبتك القاصي منهم ، والداني ، وأن يثنوا عليك بكل لسان فقابلهم بالحلم ، والغفران ، وتأمل قوله تعالى : ' إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ' فاطر : 41 ' فأخبرك أنه ليس بعد الحليم الغفور من يمسكهما فافهم ، وكان يقول : متى شغل الإنسان قلبه بالأكوان عن ربه الرحمن ذل ، وهان وذلك لأنه جعل نفسه عبد عبده . ومن شغل قلبه بالرحمن عز لأنه رد نفسه إلى غايته ، ومجده ' خلقت كل شيء من أجلك وخلقتك من أجلي فلا تشتغل بما خلق لك عما خلقت من أجله ' ألا ترى أن الرجل الكبير القدر من أمير ، أو وزير متى شغل نفسه بحب امرأة ينكحها ، أو بهيمة يخدمها امتهنته القلوب بعقولها ، وإن عظموه في الظاهر رغبا أو رهبا ، والرجل ، ولو كان شحاتا متى شغل قلبه بربه الحق عظمته القلوب بعقولها ، وإن أعرضت عنه لهوا أو تكبرا فافهم ، وكان يقول : إنما قال تعالى : ' إني جاعل في الأرض خليفة ' ' البقرة : 30 ' وعده بأن يجعله خليفة في الأرض للملأ الأدنى لأنه كان يومئذ خليفة في السماء للملأ الأعلى حيث خروا له ساجدين فافهم ، وكان يقول : أكمل المظاهر في كل زمان هو الذي يظهر بكشفه ، وبيانه لأهل زمانه ما لم يكونوا يحتسبون من الله وهو غيب الله الذي لا يطلع عليه إلا من ارتضي ، وكان يقول : إذا اشتغل البدن بهم الرزق مع راحة القلب من الالتفات إليه كان ذلك تعبا فيما لا حاجة إليه ، ومتى تفرغ البدن من همه مع شغل القلب به كان ذلك عذابا بحب ما لا يحصل فكلاهما عذاب فافهم ، وكان يقول : الكامل من يهضم نفسه حتى يزكيه ربه فاحذر أن تتبع من قال : بلسان خلق ' أنا ربكم الأعلى ' فيأخذك الله نكال الآخرة ، والأولى ' فمثله كمثل الكلب ' واتبع من قال : ' رب إني لما أنزلت إلى من خير فقير - وأوجس في نفسه خيفة موسى قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى ' فافهم قلت معنى حتى يزكيه ربه أي ينزل في قلوب عباده تعظيمة ، ويطلق ألسنتهم بحسن محامده أولا فالحي قد انقطع ، وما بقي إلا الإلهام الصحيح ، وهو أعز من الكبريت الأحمر ، والله أعلم ، وكان يقول : من أراد أن يخلد الله عليه ما خلعه من المحامد فليضفها إلى ربه ، ويحمده بها فإذا أنس من قلبه علما قال : ربي هو العليم أو قدرة قال : ربي هو القدير ، وهكذا كل المعاني فافهم ، وكان يقول : أيما فهم استخرج مما أغفله الناس ، واتخذوه لهوا حكمة ، وإرشادا فقد غاص في بحر الظلمات فأخرج منه الجواهر المنيرة فهو في حقه بحر النور فافهم ، وكان يقول : المعاني في جواهر أصداف قوالبها فجواهر قوم أصداف قوم آخرين فافهم ' وفوق كل ذي علم عليم ' ' يوسف : 76 ' . وكان يقول : إذا ذكرت ذنوبك فلا تقل عليها لا حول ، ولا قوة إلا بالله ، ولكن قل رب إني ظلمت نفسي ، فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم فافهم ، وكان يقول : من تجمل بصحبة المعرضين عن ربه فقد نادى على نفسه بأنه ممن أهانه الله ' ومن يهن الله فما له من مكرم ' ' الحج : 18 ' فافهم ' فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ' ' النجم : 29 ' وأقبل بكليتك علينا تغنم ، والله أعلم ، وكان يقول : كل ما أغفل قلبك عن ربك فهو عدو لربك فمن أعرض عنه ، وتبرأ إلى الله منه ، وتوجه بقلبه وجسده لربه فهو الأواه الحليم فافهم فانظر حالك ، فإن صديق العدو عدو ، ولا تصحب غير من يحبه ربك ، وهو من يذكرك بربك ، وكان يقول : ليس أبوك حقيقة إلا من تولدت صورة نفسك عن كشفه وبيانه حتى صارت عقلا بالفعل ، وأما أبو جسمك فهو أبوك مجازا لأنك ما أنت هذا الجسم بك روحه فمتى أغفلك أبو جسمك عن أبي روحك ، وجب عليك البراءة من أبي جسمك ، ولا يحل لك أن تدعى غير أبيك الحقيقي فإن ذلك كفر بفاعله فافهم قال : الحق فيما وجد في قراءة ابن مسعود : ' النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ' وهو أب لهم بذلك بضمير الفصل ، وتقديمه على أب أنهم لا أب لهم على الحقيقة إلا هو لموضع الدلالة على الاختصاص بذلك الضمير ، وتخصيصه ، وكذاك إن كنت متروحنا قد تجرد جوهر نفسك عن لبس الخلق الجديد قوله : ' كل نسب منقطع إلا نسبي ' والله أعلم وكان رضي الله عنه يقول : ما دام المريد تحت حكم أستاذه فترقيته دائمة فإن خرج عن حكمه اتكالا على ما حصل منه قولا وفعلا فهو كالحجر المرفوع إلى السماء ما دامت تلك القوة الرافعة مصاحبة له فهو متعال ، ومتى فتر انحط إلى الأرض فكن تحت حكم أستاذك تغنم . وكان يقول : مهما أضمرته فني نفسك وكتمته عن الخلق في خاطرك ظهر يوم تتقلب القلوب ، وتبلى السرائر ، فافهم ، واعمل أن لا يكون في سريرتك إلا الحق تغنم فافهم ، والله أعلم وكان يقول : في قوله : ' وجادلهم بالتي هي أحسن ' ' النحل : 125 ' التي هي أحسن عبارة عما يحصل به التسليم للحق ، والإذعان لحكمه فإن حصل ذلك بالاستدلال ، والبحث فهي التي هي أحسن ، وإن لم يحصل إلا بالترغيب فالترغيب إذن التي هي أحسن ، وإن لم يحصل إلا بالترهيب فالترهيب فإذن هو التي هي أحسن فافهم ، وكان يقول : مرشدك الذي يهديك الله به لما هو الأولى بك عند ربك هو حضرة ربك به تقول : وبه تفعل ، ومهما دعتك نفسك إليك فلا تعجل به قبل معرفة رضاه به ومهما دعاك إليه فبادر إليه ولا تتوان فيه حتى ترضي به نفسك فإن فوزك في امتثال أمره لا في شهوتك ، وكان يقول : ذوات الذوات وراء كل معلوم قلت : والمراد بذوات الذوات الروح الكلي الذي تفرعت منه سائر الأرواح فافهم وكان رضي الله عنه يقول : ألهمت إلها عام تسع ، وتسعين ، وسبعمائة ما صورته يا علي إنا اخترناك لنشر الأرواح من إلحاد أجسادها فإذا أمرناك بأمر فاستمع ' ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ' إلى قوله تعالى : ' والله ولي المتقين ' وكان يقول : نواطق الأستاذين مطالع شموس حقائقهم ، وقوابل علمائهم مرايا وجوه رقائقهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' أنلزمكموها وأنتم لها كارهون ' ' هود : 28 ' الشأن السيادي لا يحصل لمن اشتهاه ولا يكره عليه من أباه فلازم الحب ، والتمحيص ، ومحبوبك ، ولي الوهب ، والتخصيص ، وكان يقول : الرجال للمنن القدسية ، والنساء للزين الحسية فأيما امرأة تعلقت همتها بالمنن صارت رجلا وأيما رجل تعلقت همته بالزين صار امرأة ، وكان يقول : من صدق العلماء ، والعارفين فهو الرجل ، وإن كان أنثى ، ومن كذبهم فهو من النساء وإن كان ذكرا ، وذلك لأن العارفين بالله تعالى كلمة تامة صادقة ، والعلماء بالله كتب جامعة فافهم ، وكان يقول : لما كان من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يواجه أحدا بما يكره جازاه بأن ذكر أمته ، ووعظهم بتنبيههم على ما فيهم من المعايب بذكر عيوب غيرهم من الأمم السابقة التي قص الله عليهم في القرآن لينزجروا ، ويعتبروا بغيرهم بحسن عبارة ، وكان يقول : العاقل لا يمدح نفسه بقالة ولا يذمها بحالة إلا لحكمة تنفي النقص عن كماله فافهم ، وكان يقول : لا تأمن المعتقد فيك ، ولو أظهر لك من نفسه غاية السكون ، فإنها إنما سكنت حيث عقلهم عقلها النظري بعقال ظني شده من لحى عوارض الأحوال ، والأعمال ، والأقوال ، والظنون تتناسخ ، والأعراض لا تبقى فكأنك بالعقال ، وقد انحل أو تمزق ورجع المعقول إلى توحشه ، وإفساده ، والمحب من النار في قرار البحار ما يريد إلا ما تريد شغله ذاتك وإن تلونت صفاتك ، وكان يقول : المحب كإنسان العين صغير ، وجوده كبير شهوده إلا أنه لا يتأثر لعارض ، ولا تضعف شهوده العوارض فبهذا تميز عن الباصر ، وعز عن الناظرة وكان رضي الله عنه يقول : المحبون قليلون ، والمعتقدون كثيرون ، وما قل ، ونفع خير مما كثر وألهى ، باللهو ضررا ، وكان يقول : من ظن أنه حصل على المراد بالاعتقاد فذلك الذي ضل بالله عن الله في كل واد ' عاصم ومن يضلل الله فما له من ' ' غافر : 33 ' ومن علم أنه ليس إلا بالله إلى الله يصل فهذا الذي هيهات أن يقف أو يصل ' ومن يهد الله فما له من مضل ' ' الزمر : 37 ' . وكان يقول : إذا عرف الواجد للحق من حيث هو واحد للحق فهو وجه الحق الذي واجهك به فالزم طاعته ، وكن من الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ، ويسبحونه ، وله يسجدون ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا انصبغت عندك الأشياء كلها بالحكمة التي لم ترها إلا محامد وسبحات بحمد الكريم المنعم بها فالنفس الخارج من الحبر قائل سبحان المنعم بالفرج ، والراحة ، وأطال في ذلك ، وكان يقول : ينبغي للملك التغافل عمن أتى ما يغضبه مستترا عنه ، وينبغي عقوبة من أتى ذلك مجاهرة له في حضرته حيث ينخرم النظام بإهماله فافهم . واحذر مظاهرة الحق تخدم فعلم أن مخالفة الحق على المشاهدة توجب العقوبة في الوقت قال تعالى : ' فلما آسفونا انتقمنا منهم ' وإلى ذلك الإشارة لعن إبليس على سجدة واحدة تركها بعد أمره بها في حضرة المعاينة ، وكم ترك غيره صلوات كثيرة لكن على حجاب وجهل فأمهل ، ولم يعاجل فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' إني ذاهب إلى ربي ' ' الصافات : 99 ' أي إني عدم في وجود ربي لا حول لي ، ولا قدرة إنما أمري كله لربي فافهم فما ثم إلا الله في الحقيقة فمتى ملأك به أوجدك كل شيء وكان رضي الله عنه يقول : لا يفاتح الرب عباده إلا بما خبأه عن عقولهم مداركهم فما فاتحه لهم ذكر ' فذكر إنما أنت مذكر ' . وكان يقول : ما تعين الحق المبين بعينه المخصوص الناطقي الزماني في زمان قط إلا قال : ملائكة المدارك النظرية فيه ' أتجعل فيها من ' ولا يزالون كذلك إلى أن يتنزل برهبوته وبسط يد سلطان جبروته ، ومكنه إدخال ممالكهم تحت ملوكته فهناك يقعوا له ساجدين ، ويصير عدوه شيطان الوهم البهيم مستمرا على عدواته لأنه يحاول إخراج كل حاكم دونه عن حكمه ، وقد ظهر لشعار ذلك ورقة فقال : ' ما جاء أحد بما جاء به محمد إلا عودي ' . وقال آخر ' وكذلك الأنبياء تبتلى وتكون لهم العاقبة فاصبروا واعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ' أي يظهر ويتجلى بأمره فافهم ، وكان يقول : إن خالقك شخص بأخلاق البهائم فخالقه أنت بأخلاف الأركام فكل يعمل على شاكلته التي هي جزاؤه فافهم ، وكان يقول : فضل مرشدك إلى الله على كل ما ترجوه من إمداده كفضل الله على عباده فافهم فإن مرشدك إلى الحق هو عين الحق التي ينظر بها إليك ، ووجهه الذي يقبل به عليك ، فاعرف ، والزم وانظر ماذا ترى فافهم ، وكان يقول : لا تطلب أن يحصر مرشدك إلى الحق في حدودك فإنك إن لم تعرف أنه محيط بك فإنك تعرف أنه أكبر منك قياما ، وأوسع منك مقاما ، وكيف ينحصر الأكبر الأوسع فيما دونه حسبك أن يغلب حكمه عليك عينا ، وأثرا بحسب استعدادك فافهم وكان يقول : لا يخلو مخلوق من محبة الحق لعلة ، وصدق المحبة فوق العلل فافهم ، فلذلك كان لا يجد صدق المحبة للحق الأحق ، وإذا وجدها لا يفقدها أبدا لا تبديل لكلمات الله فافهم ، وكان يقول : ألسنة المحبة أعجمية على غير أهلها ، وهي لأهلها لسان عربي مبين فافهم ، وكان يقول : لا يصح تجردك عن نفس خلقك ما بقي لك شغل شاغل بمحبة مخلوق عن حقك فافهم ، وكان يقول : دع الدنيا للغافلين ، والبرزخ للجائزين ، والجحيم للشياطين ، والجنة للجان ، وقل يا عباد الديان ' سلام قولا من رب رحيم ' ' يس : 58 ' وكان يقول : من تنبه لنقصه لم يقنع بالقال عن الحال ، وكان رضي الله عنه يقول : إن التفت يمينا حجبتك الأنوار وإن التفت شمالا حجبتك شعب النار ، وإن لم تلتفت وجدت حبيبك بلا حجاب ، وكل حجاب عن الحبيب عذاب ' ربنا اكشف عنا العذاب ' ' الدخان : 12 ' فافهم ، وكان يقول : ما دمت بين أضداد فأنت في غلبة فإذا خلصت لما لا ضد له استرحت من هذه الغلبة فافهم ، وكان يقول : لا يظفر بأستاذ إلا مخصوص عند الله لأنه يوصلك إلى الله فسلم له إن وجدته تسلم ، وتغنم ، وكان يقول : أستاذك بالنسبة إليك هو فضل الله عليك ، ورحمته بك فتحققك به خير من جميع ما استفدته ' قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ' ' يونس : 58 ' فافهم ، وكان يقول : القلب بيت الرب عمارته وجد ساكنه وساكنه روحه ، ولا يملك الكعبة ، ولا يملكها مخلوق ، وأنها تتردد إليها الملائكة ، ويدخلونها من حيث لا يشعر البشر مثلا من ذلك أجعلتم سقاية الحاج إلى قوله : ' الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله يأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ' ' التوبة : 20 ' فلم يجبهم مال ولا نفس ' أعظم درجة عند الله أولئك هم الفائزون ' بربهم فافهم ، وكان يقول : من رأيته على عظم مرتبته ، وعلو قدره عندك يتواضع لعظمة الله ، ويتصاغر من خشيته علما ، وحكمة فالزم قدمه فإنه الذي ينفخ الأنوار النورانية في صور صورك وسلام على إسرافيل ، وما أدراك ما إسرافيل : ' والسلام على من اتبع الهدى ' ' طه : 47 ' فافهم ، وكان يقول : أثبت تنبت فما نبتت شجرة قط قطعت زمانها في التنقل من مغرس إلى مغرس فافهم ، وكان يقول : لولا تناهت صورة ما لا يتناهى في الإدراك ما أحاط بها الفهم فافهم ، وكان يقول : إن أردت التحقق بالأحد فتهيأ لفناء مراتبك الخارجية كلها ، وإن من دون ذلك أهوالا ' وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ' ' فصلت : 35 ' وكان يقول كن في مرتبة تحقيق ما في مرتبة تصديق واحذر ما دونهما خير من طريق فافهم ، وكان يقول : في حديث إن الله يقول : لقوم يوم قيامتهم أنا اليوم رسول نفسي إليكم فهو إلههم بالإلهية ، وهو رسولهم برسليته ومن كشف عن ساق إدراكه حجاب ، وهمه البشرى لم ير الأمر إلا كذلك في كل مقام بحسبه فافهم وكان يقول : الصلاة من أذانها إلى سلامها صورة حال المريد من دعائه عن حجبه إلى رجوعه بربه إلى حجبه فافهم ، التكبير صورة الإخلاص . وهو مفتاح حرم المناجي فافهم ' ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ' ' النمل : 40 ' ومن ثم افتتحت الصلاة بحمد الرب نفسه على لسان عبده فإذا أحبه فكان لسانه سقطت الوسائط فافهم ، ولما رجع حجاب المناجي رأى قيومية الرب بعبده فكبرها عن المماثلة بقيومية العبد ، فركع تعظيما فكان ركوعه مظهر عظمة القيوم ثم قام فجدد الفاتحة بالحمد وهو كليم وربه سميع فلم يلبث أن أدركته الغيرة فأفنت بقية حجابية قيامه فسجد مسبحا لأعلوية من تفرد بالقيومية حيث لا يشهد سواه فكان سجوده مظهرا علوية ربه في أقربيته ، وقام فتمكن متحققا بربه ، وأخذ يرجع به إلى حجبه فأثبت أنه مسلوب المغايرة في قيامه وسلامه فقال التحيات لله ، وهي التسليمات التي يبدأ بها الداخل في حضراته التي رجع إليها ثم دخل حضرته النفسانية الجامعة لكل الصور فقال السلام عليك ، ورحمة الله ، وبركاته السلام علينا ، وعلى عباد الله يعني لكل عبد صالح فمن هو إذن ، ومن النبي في شهوده فانظر ماذا ترى ، وكيف اختصر لك في الصلاة مشهد الإسراء فافهم فإن العارف عين معروفه ، والمحقق حقيقة ما حققه ' والله بكل شيء عليم ' وكان يقول ما حققت دائرة الخلق إلا لتعرف الحق بتفصيل أسمائه ، وصفاته في مظاهر آثاره ' كنت كنزا لا أعرفي فخلقت خلقا وتعرفت إليهم فبي عرفوني ' ومصداق ذلك ' وما خلقت الجن والآنس إلا ليعبدون ' أي ليعرفون فكل من كان أعرف بحال الآثار كان أعرف بمظاهر الأسماء ، والصفات ، وكل من كان أعرف بمظاهر المسمى الموصوف كان أعرف بحقائق تلك المظاهر على قدر معرفته بالحقائق الظاهرة وكان رضي الله عنه يقول : كل نفس كلمة بالنسبة إلى جسمها ، وكل عقل كلمة بالنسب إلى ذاته وكل معنى كلمة بالنسبة إلى عينه : ' وكلمة الله هي العليا ' فلكل مقام مقال ، ولكل مجال رجال فافهم وكان يقول : من قتل نفسه الردية بالتجرد عنها أبدل مكانها نفسا زكية فإن قتل نفسه الزكية بتجريدها عن الدعوى بل عن شهود التنويه في الأمر لها مع الله تعالى ، فإذا تجرد عن ذلك فقد تقرب العبد حينئذ إلى الله بنافلته ، فأحبه فكان له بروحه مكان آنيته التي تجرد عنها بشهود وحدة هويته ، وتلك الروح خير من تلك النفس الزكية زكاة ، وأقرب رحما فافهم وكان رضي الله عنه يقول : مهما تحققه المحقق عندك ، فاعلم أن ذلك تجل من تجلياته ، وأن الذي تعين به من ذلك في إدراكك تمثل من تمثلاته وذلك المحقق هو أجل أو من أجل حقائق وجودك الذي قام بها في شهودك فافهم فإن المريد عين من عيون أستاذه بالنسبة إلى أستاذه ، والأستاذ حقيقة وجود المريد بالنسبة إلى المريد والوجود في الكل واحد محيط ، ولذلك يتحقق المريد بأستاذه في معاني الكمال وجودا ، ويتحقق الأستاذ بمريده في مدارك المتعرفين شهودا . ومن ثم قال : السيد الكامل لمريده الكامل : أنت مني وأنا منك يا علي فافهم . وكان يقول : من كان لا يرى من أستاذه إلا وجه البشرية فلا يزيده ما كشف له من الحق المبين إلا إعراضا ، وتكذيبا ، ونفورا ، ومن ثم لا تجد محققا يظهر لقوم إلا من حيث يشهدونه ، وما دام في ظهور المماثلة لهم لا يكلمهم إلا بلسانهم ، ولا يزنهم إلا بكيلهم وميزانهم ومن ثم قال : النبي لعموم أصحابه : ' لا تفضلوني على موسى ' ثم بعد مفارقته لبشريته قال : لسان خواص أصحابه إنه أفضل من جميع المرسلين ، والملائكة المقربين فقبل ذلك منه ببشاشة ، وتصديق خالص من لو قال : له ذلك وهو في بشريته لارتاب ، وهكذا كل ولي في حال ظهوره بشرا لا يقبل منه أكثر كشفه الصادق ، ويقبل ذلك منه إذا تجرد عن بشريته ، وألقاه على لسان صديقه فيقبل من المحبين في محبوبهم ما لا يقبل من المحبوب عن نفسه عند أهل حجاب المماثلة فافهم ، وكان يقول : إن قال : لك قائل ما الذات فقل له : الذات ، والوجود بديهيان فلا يسئل عنهما بما ، ولا يطلبان بالتحديد فإن قال : أريد التنبيه فقل له : الذات ما به قيام كل حاكم ، وحكم ، ومحكوم فمهما أدركته من هذا فهو مما قام بالذات لا الذات فقد نبهتك على عجزك فإن قال : بين لي ما هو البديهي فقل له : الذات بما هو الذات كما قد سمعت معجوز عنه . وهو بديهي ، وليس ذلك إلا من جهة لا من جهات لأنه المقتضى لذاته أن يقضي ، وما ثم إلا هو فيقضي بنفسه لنفسه ، وعليها قضايا لا تتناهى لوجوب قضائه له بذلك وذلك على الطريقة التي يسميها علماء البيان تجريدا بيانيا فأنت إذا تجردت نفسك من نفسك طالبا ومطلوبا ، وطلبا وذاكرا لذلك لا يمكنك تشابه ، وناسيا له لا يتأتى منك ذكره ألست يقوم عندك بهذه الأحكام صور متقابلة لا يشغلك شيء منها عن شي فأنت حقيقتها جميعا ، وليست هي زائدة عليك بالحقيقة ، وهي أغيارك ، ومتغايرك هي في نفسها حكما ، ومعاملة فهكذا فافهم هذا فالذات من هذه الحقيقة القضائية تسمى الذات الوجود ، وتسمى القضايا موجودات ، ومراتب الوجود ثم الموجود جهات جهة ما هو الوجود مطلقا ، وعلمه اللفظي العربي من هذه الحيثية هو وجهه ، وما هو الوجود المجرد عن كل ما يحكم بزيادته عليه واسمه العلم هنا هو هو وجهه ما هو الوجود المحيط تعينا بكل موجود فهو ذات كل موجود ، وكل موجود صفته ، وتعينه ، واسمه العلم الجلالة الغير المشتقة من شيء أصلا ' الله ' وأطال في ذلك بما لا تسعه العقول السليمة فضلا عن غيرها ، والله أعلم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ' ' المائدة : 13 ' وإذا أحبهم فيكونهم في مدارك المدركين فإذا أحببته كنته وقس على هذا فافهم انظر كيف لا يعبدون قالا ، إلا من قام لهم بما يشتهون حالا فافهم ما منك إلا إليك ولا إليك إلا ، ومنك ' إن لكم لما تحكمون ' وكان يقول : الجود سعة العطاء ، والهبة إثبات العطية ، وإتمامها على من أعطيها ، والسماحة سهولة العطاء ، والسخاء إعطاء المحتاج لتفريج ما به من العطية فافهم ، وكان يقول : لما كان الوجود في دائرة الدلالة يظهر بموجوده سمى الموجود مظهرا ، والوجود ظاهرا به في كل مقام بحسبه من هذه الدائرة ، وكان يقول : لا يظهر لك الوجود حيث ظهر ، وكيف ظهر ، ومهما ظهر إلا من حيث هو وجود ، وأنت لا تدرك ذلك ، ولا شيئا منه إلا بأنه وجودك المدرك لذلك بإدراكه من حيث إنه وجودك المدرك ما ثم شيء خلاف هذا ' ألا إنه بكل شيء محيط ' فافهم ، وكان يقول : لما كان الحق تعالى لا يغفر أن يشرك به فكذلك مظاهره لا يغفرون أن يشرك بهم لأنه حقيقتهم الظاهرة المتمثلة بهم فهوهم ، وهو قواهم ، وأمورهم كلها أموره فإذا رأيت أحدا منهم يكره ممن يتعين عليه حبه وتعظيمه أن يحب سواه ، ويعظمه كحبه ، وتعظيمه فاعلم أن ذلك شأن الله الذي لا يغفر أن يشرك به ظهر به مظهره فافهم ، واعرف والزم وكان يقول : في قوله صلى الله عليه وسلم : ' من اعترف بذنبا ثم تاب تاب الله عليه ' أي لأن إنكار الذنب ، والاعتذار عنه بالكذب تزكية للنفس المذنبة وشهادة زور ، وتجهيل للمنكر منه المتعذر عنده ' وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ' ' فصلت : 23 ' انظر كيف كذبوا على أنفسهم . وهذا شيء نجده من نفوسنا أن المذنب إذا اعترف ، وخضع رقيت له ، وكرهت عقوبته ، وتوبيخه بعد ذلك ' قالوا تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين قال لا تثريب عليكم اليوم ' والعكس بالعكس فافهم ، وكان يقول : من ادعى له ملكا دون سيده في شيء من الأمور فقد خان وافترى ، وكان عليه فتنة ، ومن اعترف بأن ما في يده لسيده جعله عاملا فيه فلا يستكثر عليه ما يكثر إلا جاهل وإنما الإنكار موضع الفتنة ، والاستدراج على من زعم أن ما في يده له . وتأمل قوله : صلى الله عليه وسلم : ' أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ' فكان يعلم أن العبد كلما كثر ما في يده كثر فضله واتسع على غيره ، وكثر فضل الله عليه فافهم فإضافة الأموال إلى العبد كإضافة الإقليم إلى العامل عليه والله أعلم ، وقال في قوله تعالى : ' لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم ' أي لأنهم مع اعترافهم بأنه الله وصفوه بالنبوة لمريم ، ولأنهم وصفوه بالله في الزمن القديم الذي ليس هو موصوفهم فيه فإن موصوفه بوصف الحق المبين من حيث وجهه المحمدي ، ولا يسمى في كل زمن إلا موصوفه من الوجه الذي ظهر به منه سيما ، وهذا الوجه المحيط بجميع الوجوه العينية الإلهية الفرقانية عيسى ، وسواه ولأنهم وصفوه بالله ، ولم يقوموا بمقتضى الإيمان بقوله : ' ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ' ' الصف : 6 ' وقوله : ' اعبدوا الله ربي وربكم ' يعني الظاهر بوجه المحمدي فافهم ، وأطال في ذلك ، وكان يقول : لما كان الروح الخضري مشوبا رحمانيا رحيما من سريان سر الأحدية في دائرته ، ومقامه بحسب مرتبته قال : لذي النسبة الربانية الإلهية في زمنه ' إنك لن تستطيع معي صبرا ' الكهف : 67 ' كقوله : بلسان حقيقته ' لن تراني ' فإنه منه ، لقاليه مأثم إلا هذا فافهم كيف يستطيع الصبر ذو مقام معلوم لا يعرف ، ولا يألف سواه ، وما ناسبه مع من لا مقام له فهو كل آن في شأن ألا ترى أن الذي لا يعهد له في النفس روعة فإذا ألف ، واعتيد زالت فافهم ، وكان يقول : ما دامت الملوك مطيعة للأولياء الذين هم العلماء بالحق ، وأمرهم بينهم نافذ قائم فأمرهم فالح ونظامهم صالح ، ونورهم واضح ، ومتى انعكس الأمر انتكسوا لأن الأولياء هم ورثة الأنبياء على التحقيق ، وأما حملة العلم المولدون للمسائل على وفق الأغراض ، واتباع الأهواء فليسوا من هذا الأمر في شيء وإنما هم كما وصف الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها ، فالصواب الانتفاع بمحمولهم من غير تحكيم لهم ، ولا رجوع لرأيهم ، ولا تمكين لهم من تصرف إذ الحمار للحمل وللانتفاع لا لأن يحكم أو يسمع له ، أو يطاع فافهم . قلت : ولعل مراد الشيخ قوما ينتصرون لأهوائهم بالباطل كالواضعين للحديث ترويجا لبدعهم وليس المراد بهم هؤلاء العلماء الذين نصبهم الله تعالى لإقامة الشريعة والله أعلم ، وكان يقول : أئمة الهدى في الحقيقة أرواح مقدسون يتحولون في بشرياتهم فمن نظر إلى ظاهرهم تحير ، ومن نظر إلى نور بواطنهم تبصر ، والله أعلم . وكان يقول : ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في كل زمان هم أنوار أزمنتهم سراجيتهم المقتبسة بالتخصيص لهم من سراجية المشار إليه بقوله : ' وسراجا منيرا ' فما داموا ناطقين ظاهرين فالنور ظاهر شائع ، والأبصار مدركة ، والفرق واضح بين المفاسد ، والمصالح ، ومتى سكتوا عن بيان الحق تلفوا ، وتحيروا واختلفوا فلا تقابل سراج زمانك بالأهواء ، وارع له حقه تدم لك الأضواء فافهم ، وكان يقول : من شرط إمام الهدى أن يهاجر بهمته عما تشتهي الأنفس البشرية ألا ترى إلى آدم عليه السلام ما أعطى الخلافة إلا لما هاجر من الجنة ، وما فيها من شهوات النفوس إلى الأرض وهكذا كل من أريد لحق فإنه لا يقوم به حتى يخرج ، ويهاجر بهمته عما يشغل عنه ' فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله ' ' النساء : 89 ' فافهم وكان يقول : إذا قال الجمهور عن عارف لم لا يظهر معارفه العزيز الإلهية إلا في مقام خاص بين قوم خاصين ، ولم لا يظهرها للناس ، ويتكلم بها على الجمهور إن كانت حقا كما يزعم فقل لهم افهموا هذا المثال الدنيا غابة ، والنفوس المحجوبة عن حقائق الحق المبين فيها سباع ، ووحوش كواسر ، وصاحب القلب السليم أو السميع الشهيد بينهم كإنسان دخل ليلا في تلك الغابة ، وهو حسن الكلام ، والقراءة ، والصوت . فلما أحس بما فيها من السباع ، والوحوش آوى إلى شجرة يختفي فيها منهم ، ولم يجهر بالقرآن يتغنى به هناك حذرا منهم فهل يدل اختفاؤه عنهم على أنه حكيم أو على أنه غير إنسان لا والله لأنه لو تراءى لهم أو أسمعهم صوته ، وقراءته لم يهتدوا به ، ولم يفهموا عنه ، وسارعوا إلى تمزيقه ، وأكله وكان هو الملقى بيده إلى التهلكة فافهم هذا المثال ، وقل للمعترض المذكور قد قال الله تعالى ، لمحمد صلى الله عليه وسلم ' ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ' فأمره أن لا يجهر بالقرآن بحيث يسمعه الجهلة المنكرون فيسبون بجهلهم ، ولا يخفيه عمن يؤمن به فهل يدل إخفاء النبي صلى الله عليه وسلم قراءته عن الجاهلين المنكرين على بطلان قراءته أو يقدح في حقيقته ثم إذا تهيأ لهذا العارف أسباب إظهار أمره بما ينقهر له المنكرون ، ويقرون له طوعا أو كرها ، فحينئذ يظهر عرفانه في الملأ اتباعا ، واقتداء بإظهار القرآن عند تهيؤ أسباب إظهاره بكثرة أنصاره ، وتمكينه كما أن الإنسان لا ينبغي له مقابلة السباع ، والظهور لهم حتى يتهأ له أسباب القهر لهم من قوة مكة ، وأنصار فإن قال : المعترض فلم لا يترك هذا المعارف إظهار معارفه ، ويدخل فيما فيه الجمهور حتى يتمكن ، ويقوى فيكون أسلم له فقل له : إن ورثة النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالفون أمره لأن نوره إمام نفوسهم فحيث سلك سلكوا ، فكما أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما معه من الحق ، وكتمه عن الجهلة المنكرين حتى أتاه أمر الله تعالى بإظهار ما معه ، فكذلك ورثته ، وقل للمعترض أيضا أرأيت لو أنكر المجانين على رجل عاقل مخالفته لأمرهم أينبغي له أن يوافقهم على جنونهم فيتجنن مثلهم ، ويذهب نور عقله حتى يألفوه ، وهو يمكنه الفرار منهم بعقله ، وقل له : أيضا أرأيت الإنسان الكائن بين الكلاب الضواري إذا لم يرضوه بينهم حتى يمشي مثلهم مكبا على وجهه ويعوي كعيهم أينبغي له أن يفعل ذلك ليقيم بينهم ، ويألفوه ، وهو يمكنه الفرار عنهم ، والحذر منهم مع بقائه على طريقته الإنسانية لا ، والله لا ينبغي للقادر على الخير أن ينسلخ منه ليرضى أهل الشر ويقيم معهم ' والله ورسوكم أحق أن يرضوه ' ' التوبة : 62 ' إن كانوا مؤمنين إلى آخر النسق ، فنعوذ بالله أن نرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله ، فافهموا أيها المريدون ، ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون ، وإياكم أن يلبسوا عليكم دينكم بجدالهم في الحق بعد ما تبين ، ومن عرف الحق فيلزم ، والله أعلم ، وكان رضي الله عنه يقول : أقل حال المريد مع أستاذه في حياته أن يكون لأستاذه كالأم لواحدها يؤثره بالراحات ، ويحمل عنه المشقات ، ويحبه على جميع أحواله ، وهكذا يكون الأستاذ لمريده في معنوياته فافهم ، فإن إمام هدايتك يهتم بأمرك عند ربك أكثر من اهتمامه بنفسه فهل يرحمك هكذا أب أو مألوف سواه ، وتأمل في قول موسى عليه السلام عن عصاه ' وأهش بها على غنمي ' ' طه : 18 ' يقل أخبط بها حاجتي من الثمر ، وإنما فكر أمر رعيته ذكر شكر في حضرة النعم ، وما قال : ' أتوكأ عليها ' إلا إظهارا للضعف ، والعجز فافهم ' هدى ورحمة للمحسنين ' ' لقمان : 3 ' إنما أجمل ماله فيها من المآرب كي لا تحصرها مرتبة عددية فيكون إمدادها محصورا ، فهكذا إذا لم يعد ذلك أستاذك خدمك ، فاعلم أنه أراد أن يجبرك من كسر نقص الحصر إلى كمال الإطلاق ' إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ' ' الزمر : 10 ' فتأمل ذلك وكان يقول : الحق هو الوجود الثابت على مرتبته ، والحقائق لا تنقلب فكلها حق حتى الباطل في أنه باطل هو حق ' ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن ' ' لقمان : 30 ' الآية فافهم ، وكان يقول : المقصود الخلوص من حكم الحجاب لا من صورته ألا ترى الزجاجة ، وسائر الأجسام الشفافة كيف هي صورة حجاب يمنعها وصول الأجسام إلى ما في باطنها وليس لها حكم الحجاب بالنسبة إلى ظهور الضوء المختزن فيها ، ونفوذ البصر إلى ما في باطنها ، وانظر إلى قوله عليه السلام ' فرفع لي كل حجاب ' أي خلصت من منع كل مانع وصورته إلا حجاب العزة التي تلي الرحمن ، وهو مظهر حكم العبودية قال : في الحديث ' فخرج ملك من الحجاب فقال الله أكبر الله أكبر فقال من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر ' فانظر كيف حصل في صورة الحجاب ، ورفع عنه حكمه حتى عرف المتكلم من وراء الحجاب فبحق قال : ' وما صاحبكم بمجنون ' أي ما هو بمجنون والله أعلم . وكان يقول : في حديث خزائن الله في الكلام ليس في الكلام إلا المعاني التي يأخذ منها كل فهم بوسعه ، ويلهم الحق منها كل مدرك ما يناسب استعداده ، وانظر إلى صواحب زليخا كيف قالوا في يوسف ' ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم ' ، وأما الأغيار ، فلم يروه إلا فتى زليخا وأما زليخا ، فما ظهر لها عند مشاهدته إلا الحق فقالت ' العزيز الآن حصحص ' ' يوسف : 51 ' أي ظهر ، وتجلى لها عين معنى قول الملائكة لجده إبراهيم عن جده إسحاق ' بشرناك بالحق ' بعد ما سموه غلاما عليما ، والولد سر أبيه ، وهذا هو المراد بإتمام النعمة عليه ، وعلى آل يعقوب ثم إنه عرفه أن الربوبية له من دائرة العليم الحكيم فقال : ' إن ربك عليم حكيم ' فافهم ، وكان يقول : يوم من أيام الأستاذ عند ربه كألف سنة مما يعد المريدون عند ربهم ، وكان يقول : أنوار المريدين رقائق أنوار أستاذهم وأنوار الأستاذين حقائق أنوار مريديهم فكما أنه ليس في مرآة البحر إلا الشمس فيضيء الليل كله كذلك ليس في المريد الكامل إلا أستاذه ، فيفيده المدد القبولي كله فافهم واعرف والزم تغنم ، وكان يقول : أدنى التقوى الاحتجاب بالحسنات عن السيئات ، وأعلاها الاحتجاب بالحق تعالى عن الخلق ، وغايتها الوافية الاحتجاب بشهود الله الأحد عن رؤية سواه فافهم ، وكان يقول : في حديث ' إن الله خلق الأجسام في ظلمة ثم رش عليهم من نوره ' معنى كون الأجسام في ظلمة أنها مراتب إيهام ، وإبهام نشأ بها من حيث جرمها الوهم البهيم ، والنور المرشوش عليها هو الروح ، فمثال الأجسام على الأرواح المرشوشة فيها من نور الله كنقاب أسود مغبر على وجه مبهج أقمر فمن لم ير من ذلك الوجه إلا نقابه لم يبتهج ، ولم يجد سرورا ، وكذلك أولياء الله تعالى من رأى أجسامهم لم يبتهج بهم بل لم تزده تلك الرؤية إلا غفلة ، واستغراقا في سوء الظنون بهم ، وقلة الأدب معهم ، وما ذاك إلا أنه حجب برؤية الحجاب عن رؤية الأحباب ، وأطال في ذلك ، وكان يقول : إذا وجدت من كمالاتك في نظامه ووسائلها من حكمه ، وأحكامه ، فاعلم أنه مولاك ، ومريبك بوجوده ، وأستاذك ، وإمامك ، ووليك بموجوده فمن أي الجهتين شهدته فعامله على شاكلة شهودك ، ولكل مقام مقال ، وكان يقول ، إذا تجلى سر الوجود بمخصوص في زمان فقام به نادى منادي تخصيصه في ملأ الأرواح ، والمعاني : ' إن لله تعالى قد بني لكم بيتا فحجوه ' ، فتأتي وفود المعاني ، والأرواح إلى ذلك الناطق من كل فج قريب ، وعميق ليشهدوا منافع لهم بالتكميل بين يديه . ويذكروا اسم الله الذي يلقيه إليهم زيادة إلهية على ما رزقهم قبل ذلك وأطال في ذلك ، وكان يقول : جميع ما تراه من المحقق راجع إليك فمن رآه زنديقا فذلك الرائي هو الذي سبق له في الغيب الأزلي أنه زنديق لأن المحقق مرآة الوجود ، وإن رأى أنه صديقا فهو الذي سبق له أنه صديق ، وأما حقيقة ذلك المحقق فلا يراها إلا ، وهو في كماله أو من هو محيط به فافهم واعرف الحق لأهله ، واشهده في مظاهره ، والزم القيام بحقه على قدر طاقتك تسلم ، وتغنم والله تعالى أعلى ، وأعلم وكان رضي الله عنه يقول : في قوله تعالى : ' ما ودعك ربك وما قلى وللأخرة خير لك من الأولى ' ' الضحى : 3 و 4 ' القلي البغض والتوديع البعد أي عدم قلاه لك خير لك من عدم توديعه لك فما ودعك ربك هي الأولى من هاتين الكلمتين ، وما قلي هي الآخرى منهما . وإنما كان كذلك لأن البعد مع المحبة ، والرضا خير من القرب مع البغض ، والغضب فافهم فمن جعل آخر أمره في كل حال خيرا له من أوله فهو محمدي له نصيب من كنز ' وللآخرة خير لك من الأولى ' ' الضحى : 4 ' وأطال في ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : الذات شيء واحد لا كثرة فيه ، ولا تعدد بالحقيقة ، وإنما تعدد الذات باعتبار تعينها بالصفات تعددا اعتباريا فقط ، والتعدد الاعتباري لا يقدح في الوحدة الحقيقية كفروع الشجرة بالنظر لأصلها فافهم ، وكان يقول : في حديث ' من أغبرت قدماه في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين عاما ' يدخل فيه من مشى مع ولي لوجه الله تعالى ، وابتغاء مرضاته فإن الله تعالى يبعد وجهه عن النار حقا فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' منكم من يريد الدنيا ومنكم تن يريد الآخرة ' ' آل عمران : 152 ' أي ومنكم من يريدنا لا يريد سوانا . وفي الآية دليل على أن المؤمن قد يريد الدنيا ، ولا يقدح ذلك في أصل إيمانه قال : وكل من كان طلبه النعيم الجثماني بعد الموت ، فهو يريد الدنيا فأهل الله تعالى مجردون عن المقامين ، فلم يريدوا الدنيا ، ولا الآخرة لتعلق همتهم بلا أين ، وما لا يقبل الشركة ، والعين لا ينقسم إلى اثنين لأن الأحدية الفردية أمر ذاتي له لا قبله ، ولا بعده ، ولا معه عدد ، وأطال في ذلك وكان رضي الله عنه يقول : كما أن للعبد من مولاه وجودا فكذلك للمولى من عبده شهود ' أنت مني وأنا منك ' فافهم ، واعرف ، والزم والله أعلم ، وكان يقول : المراد من العبد ذله الذي يظهر به عن ربه ، ولذلك أمر بالتعبد ، فافهم فإذا فعلت ما يريده منك ربك فعل لك ربك ما تريده منه فاجعل مرادك منه هو ' واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ' ' الحجر : 99 ' فافهم ، وكان يقول : إذا بعت نفسك لمظهر من مظاهر الحق المبين الهادي ، فلا تخف عنه شيئا من عيوبك فإن البائع إذا بين ، وصدق بورك له في بيعه ، وإذا كذب ، وكتم محقت بركة بيعه ، والمشتري إذا اشترى بعد بيان العيب لم يبق له أن يرد السلعة ، وإذا اشترى من غير بيان كان له الرد ، ومن ثم جاء في الخبر الصحيح ' من اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ' فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : متى رأيت مظهرا من مظاهر الحق المبين في وصف من الأوصاف ، فتوجه إليه بقلبك بوجه صدق ، ومحبة ، واجعل نفسك له عبدا خالصا لله ، فإن لسان الحال منه ينادي على أسماء الأفهام في ذلك الوقت ' قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم ' ' المائدة : 119 ' وحسب الذي صار عبد الله أن العبد من مولاه ، وكفي من كان محبا لله أن المرء مع من أحب فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : في قوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه ' أنت مني وأنا منك ' أي أنت مني وجودا فإني أنا المتعين بك لنفسي ، وأنا منك شهودا لأنك الذي توجدني عرفانا للمؤمنين المتعرفين ، وبذلك حصلت بينهما الأخوة في إفادة كل منهما الآخر فقال له : ' أنت أخي في الدنيا والآخرة ' أي في زمن ختم النبوات ، وفي زمن ختم الولايات ، وكان يقول : عقل نفس المتعلم إنما هو تمثل عقل المعلم الفعال في تلك النفس عند ملاحظة مفيد ، ومستفيد ، وكان يقول : لسان حال كل أستاذ ناطق بالحق المبين يقول : لكل مريد صادق تقرب إلي حتى أحبك ، فإذا أحببتك رأيتك أهلالي فظهرت فيك بما أنت مستعد له فافهم ، وكان يقول : ما وجود المريد الصادق الذي هو به حق إلا عند أستاذه الناطق بالحق المبين ، فإن تحقق المريد بأستاذه كان حقا ، وإلا فلا يزال خلقا فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : وهو في عام أربع ، وثمانمائة لم أجد إلى الآن مريدا صادقا يتقرب إلى حقيقة حقه عندي بالنوافل حتى أحبه ، ولو وجدته لوافيته بحقه فأحببته فكنت هو فكيف بمريدي على المطابقة والتمام . وكان رضي الله عنه يقول : في حديث ' أبو بكر مني بمنزلة السمع وعمر بمنزلة البصر ' وبايع عن عثمان رضي الله عنه بيعة الرضوان بيده الكريمة ، وقال : اللهم هذه يد عثمان فعثمان منه بمنزلة اليد ، وقال : لا يبلغ عني إلا أنا أو علي فعلي لسانه ، واللسان أخص المراتب بالناطق فلذلك قال : علي رضي الله عنه أنا الصديق الأكبر يعني للحق المحمدي الصادق عليه لا يقولها بعدي إلا كاذب ، ولما كان اللسان باب مدينة روح الكشف . والبيان جاء في الخبر : ' أنا مدينة العلم وعلي بابها ' وهذا الخبر وإن كان في سنده مقال فإن شاهد الحال يشهد به ، وهو الثقة الأمين ، فافهم ، وقال : في قوله : ' ونحفظ أخانا ونزداد ' ' يوسف : 65 ' إذا وجدت أخا في الحق فاحفظه تزدد به ممن آخيته من أجله ، فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا جنت إلى أئمة الهدى ، فلا تأتهم إلا لتهدي بهم ، ولا يحصل ذلك إلا أن ترى نفسك على غواية ، وأنت مضطر إلى كشف غمتها بنور روح الهداية ' أمن يجيب المضطر إذا دعاه ' ' النمل : 62 ' . وكان يقول : من قام به روح العليم الحكيم تمام القيام ، فهو آدم عباد الله تعالى في زمانه فيجب عليه القيام بمصالحهم كما يجب للأولاد على أبيهم ، ومن ثم لم يسع الأقطاب ، وأئمة الهدى أن يعتزلوا الناس ، ويقطعوا عنهم مدد رحمتهم ورشد حكمتهم ، فحاشا مثلهم أن يضع من يقول : ' وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ' ' البقرة : 233 ' ولولا أوجبت لهم الرحمة ذلك ، وإلا فلم صبروا على ما كذبوا ، وأوذوا ولكن كتب ربكم على نفسه الرحمة فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : لو لم يصر صدر أبي بكر من رق ، وهمه عتيق لم يسع ما صبه الصدر المحمدي فيه من التحقيق ، وهذا أصل تسميته عتيق فافهم ، وكان يقول : من أراد أن يظهر في هذا الوجود دون سيده ، فجزاؤه الخفاء عكس ما قصدوا من طلب الخفاء ليظهر مجد سيده جوزي بالظهور وتفرد الكلمة فافهم ، وقال : في قوله تعالى : ' قل كل يعمل على شاكلته ' ' الإسراء : 84 ' هي مرتبته الوجودية فلا يمكن كائنا أن يخرج عن حكم مرتبته الوجودية ، وانظر كيف من شاكلته مرتبة جهل وحجاب كيف كلما توغل في الفنون العلمية ، وتبحر في الكشوفات النظرية لا يزيده ذلك إلا شكا في الحق ، وبعدا عن الصواب ، ومن شاكلته مرتبة علم ، وكشف كلما اعترضته الشكوك ، والأوهام انفتح له فيها أعين يبصر بها الحق ، ويرى بها الصواب إما بإلهام أو بفهم عن تعليم ، وانظر من شاكلته شاكلة صنعة كيف يتكبر فلا يزداد بتكبره في النفوس إلا ضعة ، وهو مذموم موزور ، وآخر مرتبة شاكلته عز فلا يزيده التواضع إلا عزا ، وهو ممدوح مأجور فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : وجه الحق في لسانهم هو الوجه الذي شهدته من أستاذك ، فهو الوجه الذي تعرف الحق به إليك فافهم وكان يقول : أول من وصف بالحسد بغيا ، والغرور حقدا وسوء الظن بربه ، والتحكم على أمر سيده ومعارضة علمه ، واختياره بهواه ، ووهمه هو إبليس ، فمهما وقع ممن بعده شيء من ذلك فهو قرين إبليس فإن لم يعمل بقول : ذلك القرين فهو محفوظ منه ، وإلا فهو مصروع معه ، وكلما قلت : قرناء السوء كثرت القرناء الكريمة ، فافهم ، وكان يقول : المعاني أرواح الأعيان ، فما أرواح الكلم إلا ما تبين فيها من الأحكام ، والحكم ، وعلى قدر علو هذه المعاني يكون حياة كمال هذه المعاني فمن منع العارفين بإنكاره العنيف أن يبينوا في الحديث الكلامي ما يأتون به من معنى لطيف ، أو روح شريف فإنه عدو ذلك الكلام يجهله يريد أن يذره ميتا دارسا . وهو يحسب أنه يحفظه من اللغو والتحريف ، فيا أيها العارف إذا رأيت من هذا شأنه ، فأنزله إلى اللفظ الذي ليس عنده من الحق سواه وائت أنت بمواجيدك ، وما أحوج العارفين إلى التعرض من إظهار معارفهم في مظاهر ظواهر النصوص التي ليس مبدأ المنكر من الحق سواها فإن نفوس غالب الناس كثيفة ، ومشاهد الحق شريفة ، ولا يؤذي الأستاذين بالإنكار إلا أصحاب النفوس الكثيفة ، فافهم ، وكان يقول : مدد أمر الأستاذ حبة وضعها في أرض قبول تلميذه وسقاها بتفهيمه ، وتأييده فمهما ظهر من التلميذ أو عنه من ذلك فهو من ثمرات تلك الحبة ، ونتائج الحبة ، وثمراتها ، وإن كثرت إنما هي ملك لغارس الحبة في أرض يستحقها ، فكل ما للتلميذ من أمر رشد فإنما هو في الحقيقة حق لأستاذه ، فلا يظن مريد أنه ظفر بشيء لم يظفر به أستاذه ، ومن ظن ذلك فهو جاهل ، وكان يقول : انظر إلى السحاب كيف يتفرق ، وينحط لجهة التراب ، فاجعل نفسك بالعبودية ترابا يخدمك من جعل نفسه بالرياسة سحابا فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : التراب محل الراحة ' ومن آياته أن خلقكم من تراب ' ' الروم : 20 ' وانظر إلى الإشارة في تكنية علي بأبي تراب تجد العلو في التنزل من لم يطرح نفسه في التراب لم يسترح فافهم . وكان يقول : في قوله : ' فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا ' ' الأعراف : 143 ' لولا وجد التجلي ما اندك فإذا وجدت من خشع للحق جهرا ، فاعلم أنه قد وجد الحق فلذلك خشع ، وإن لم يشعر هو ، واحفظ له حرمة ذلك الوجد تسلم ، وتغنم ، وكان يقول : من شهد أن الأمر كله لواحد ما ثم فعل غيره ، وإيجاده مطابق معلومه ، ومراده لم ير في العالم إلا صدقا مطابقا ، فليس عنده في العالم إلا الصدق لا ضده فافهم ، وكان يقول : من شهد أن الوجود لا يمكن أن يقوم به نقيضه ، ولا واسطة بينهما لم يشهد في الوجود إلا حقا ، وأن يظن شيئا بعد ظهوره لشيء أو ظهر له بعد بطونه عنه ومتى تم لهذا شهوده ، وكمل لم يشهد إلا واحدا ، وشاهده مشهوده فافهم ، وكان يقول : من حدد عدد ومن جرد وحد ، ومن تمكن من التصرف بالحكمة في أحكام الأمرين أطلق ، وقيد ، وذلك هو الحق المبين ، وكان يقول : صور الخيرات ملكية ، وصور الشر شيطانية ، فأيما صورة شر عرض لها ما به تكون حسنة فإنها شيطان أعان الحق عليه فأسلم ، فهو لا يأمر صاحبه إلا بخير مثال هذا صورة الكذب شيطانية فإذا كذب لإصلاح ذات البين أو لإقامة حق من حقوق الرب كحق دم أو نصرة مظلوم أو كف ظالم عن ظلمة ، وما أشبه هذا ، فتلك الصورة الشيطانية حينئذ مسلم لا يأمر إلا بخير ، وقس على هذا فافهم ، وكان يقول : إذا ظهر الوجود في موجود بوصف أحب أن يوافق ، ومتى خولف فارق ، فمن ثم لا تعيب على موجود أمره إلا كره منك ذلك ، ولا يقبل منك إلا أن تسلم له ' ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه ' فافهم ، وكان يقول : الجنان درجات أعلاها الفردوس التي سقفها عرش الرحمن الرب الأعلى الذي يطعم ، ولا يطعم ، ومنه يأتي لأهل كل جنة ما لا عين منهم ، ولا ممن دونهم رأت ، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من أولئك فالعرش عنده ما لا يعلمه إلا رحمانية الحق المجرد ، والفردوس عنده من الرحمن ما جاءه بواسطة العرش ، فلا يطلع عليه إلا العرش ، وأهله ، والجنة التي سقفها الفردوس عند أهلها من الرحمن بواسطة الفردوسيين ما لا علمه ، ولا أدركه إلا أهل العرش ، وأهل الفردوس ، وهكذا إلى آخر الزمان ، فأدناها أعناها عطاء ، وأعلاها أعلاها علاء ، وأهل كل جنة يرون سقفها عرش الرحمن لأنهم لا يرون ربهم الرحمن إلا في مظاهره وأطال في ذلك ، وكان يقول : في قول أبي يزيد رضي الله عنه حججت فرأيت البيت ، ولم أر رب البيت ثم حججت ثانية ، فرأيت البيت ، ورأيت رب البيت ثم حججت ثالثة فرأيت رب البيت ، ولم أر البيت انتهى لو أن أبا يزيد عرف الحقيقة حق معرفتها لأنزل كل شيء منزلته ، ولم يغب عنه أن الكل واحد إذا رأى العدد ، ولا غاب عنه العدد إذا رأى الواحد فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' ورب المشرق ' ' الصافات : 5 ' أي حله في كل دائرة مشرق لا يعرفه أهل تلك الدائرة إلا من ذلك المشرق ، ولا تسجد له إلا من تلك الجهة ، فالفقهاء مشارق الربوبية للجحميين ، والصوفية مشارق الربوبية للفقهاء ، وأهل الذوق الباطن مشارق الربوبية للصوفية ، وهكذا إلى أعلى المشارق ، وهم نواطق التحقيق ، فلا يحاول من عبد سجود الرب إلا إن أتاه من مشرق دائرته ، وهو الصورة التي إذا أتاه فيما فوقها قال : له أعوذ بالله منك ما أنت ربي ، فإذا تحول له فيها قال : أنت ربي ، وخر له ساجدا لأنه تحول له في الصورة التي يعرف بها ، وفيها فافهم . وكان يقول : قال : بعضهم في حديث ' ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وقد بينته لكم ' إلى آخره ، فعلى هذا كل شيء لا يوجد في الكتاب ، ولا في السنة ، فليس بخير ، ويؤيده ' كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد ' قلت : هذا صحيح لو قام دليل على أن كل ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودل عليه نقل عنه ، وبلغنا لكن الصحابة رضي الله عنهم قد اعترفوا بأنهم نسوا كثيرا وأخفوا كثيرا شيئا رأوا المصلحة في إخفائه ، مع هذا كيف يعرف أن مالا ، وجدنا له ذكرا فيما بلغنا من السنة ليس مما بينه ، ودل عليه الشرع ، ولم يبلغنا ، وإذا لم نعرف ذلك فكيف نحكم أنه ليس بخير لكن الحق أن ما وجدنا له أصلا ، ولو على بعد ، ولم نجد صريحا يبطله ، فهو خير ، وما لا نجد له أصلا ولا مبطلا فهو موقوف موكول أمره إلى الله تعالى ، وما وجدنا له مبطلا ، فالأصل بطلانه لذلك حتى يأتي ما يصححه ، ولعل من قال : بصحة العمل بالإلهام فيما يبطله بعض العمومات أو النصوص يخصص تلك المبطلات بقصة الخضر عليه السلام ، وأمثالها ، ولقد أنصف من قال : في أصحاب الأحوال إننا نسلم لهم أحوالهم ، ولا نقتدي بهم حيث لم نجد ما يبطلها ، ولا ما يصححها . وكان يقول : من توهم في نفسه الكبرياء ، والعظمة فلا فرق بينه ، وبين من قال ' إني إله من دونه ' وكفي بذلك افتراء ، وكان يقول : في حديث ' أعوذ بك أن أغتال من تحتي ' أي أعوذ بك أن يتغلب من مرتبته دون مرتبتي علي بتحكه حتى يخرجني من نفوذ حكمي بالدخول في قيود حدود مرتبته فهذا هو الاغتيال من تحتي ، وهذا هو حقيقة قوله تعالى : ' جعلنا عليها سافلها ' ' هود : 82 ' فافهم ، وكان يقول : المحقق المجرد المطلق يخاطب كل أهل مرتبة بلسانها وكل شيء عنده بمقدار ، فيخاطب أهل الخبر بخبرهم ، وأهل النظر بنظرهم ، وأهل الذوق بذوقهم ، وكان يقول : علامة الذكر بالحق أن يأتيك من الحق بما إذا بينته لك تجلى في قلبك ثابتا كأنه لم يزل متحققا عندك إلا أنك نسبته بعارض ثم لما بين لك بذلك البيان ذكرته ، فذكر إنما أنت مذكر فافهم ، وكان يقول : في قوله : ' فإن أتبعتني فلا تسألني عن شيء ' ' الكهف : 70 ' الآية أي لأن كمال التابع أن يتحقق بمتبوعه وطريق ذلك المحبة ، والتعظيم ، ومن توابعها مطابقة إرادة المحب لإرادة محبوبه ، فلا يسبقه بقول : ولا فعل ، وأيضا ، فإن التابع إذا سأل متبوعه عما لم يحدث له منه ذكرا ، فقد يقتضي حكمه المتبوع أن لا يجيب التابع عن ذلك ، فإن أجابه حصل الضرر بمخالفة الحكمة ، وإن لم يجبه ، فلا يؤمن من ثوران نفس التابع فيكدر عليه صفاء المودة ، ويقطع عليه طريق المطلوب من متبوعه فافهم ، وكان يقول : الذكر البيان : وهو إلهي ذكر من الله ، ورحماني ذكر من الرحمن ، ورباني ذكر من ربهم ، ورحمة ذر رحمة ربك ، ولم يوصف في لسان القرآن بالحدوث من هؤلاء إلا ما دون ذكر الله تعالى ، فأيما فيكر وصف بالحدوث فهو من إحدى تلك الدوائر فافهم ، وكان يقول : ليس لك من كلام العارف الحق إلا ما فهمت منه ، وليس لك منه إلا ما شهدته فيه ، فاعمل على أن تتحقق بأستاذك ، فتقوم حقا لا خلقا فافهم ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى ' ' البقرة : 260 ' الآية الكلام عليها من وجهين أحدهما ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، والثاني ما يقتضيه حقيقته ، فأما الأول ففيه أسئلة : الأول ما الحكمة في كون إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع فضله على الذي مر على القرية ، وهي خاوية سأل أن يريه ربه كيف يحيي الموتى وذلك أرى ذلك بلا واسطة سؤال ، فقيل له ابتداء ' وانظر إلى العظام ' ' البقرة : 259 ' الآية ، والجواب أن الذي مر على القرية حصل منه سؤال من غير تعيين مسئول منه فقال : ' أنى يحي هذه الله بعد موتها ' ' البقرة : 259 ' وذلك إما لغفلته أو لجهله إن لم يكن نبيا أو لشغله بالتعجب إن كان نبيا أو غير غافل ، ولا جاهل ، وأراه الله ما أراه بيانا كشفا من حيث يظهر أنه إجابة لسؤاله ، وأراه ذلك بعد أن أماته مائة عام ثم بعثه ، فلم ير ذلك إلا في حال بعث الموت . وأما إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فتوجه بسؤاله إلى الحق قصد الكمال حضوره وأعطى مسئوله إجابة لسؤاله على الفور كما دل عليه قوله ' فخذ ' فأتى بالفاء المقتضية للفور تنويها بالاعتناء بأمره ، وإظهارا لكرامته ، ورأى قبل الموت ، والبعث منه ما لا رآه ذلك إلا بعد البعث من الموت فظهر فضله بذلك على الذي مر على القرية . السؤال الثاني فيما وقع الاستدراك بقوله : ' ولكن ليطمئن قلبي ' ' البقرة : 260 ' وما المراد بالاطمئنان للقلب هنا . والجواب أن الاستدراك ، وقع من نفي كون السؤال لعدم الإيمان تقرير كونه لاطمئنان القلب فقط ، والمراد بالاطمئنان السكون من قلق التشوف لحصول هذا المسئول عنا والتشوف لقضاء الوطر منه لا السكون من قلق تردد وشك فيه السؤال الثالث ما وجه تقريم يوجبه مقابلة سؤاله هذا بأن يقال له ' أو لم تؤمن ' وقد سبق الإخبار عنه بأنه المصطفى في الدنيا ، وأنه في الآخرة لمن الصالحين ، والجواب أن أرني تستعمل تارة في طلب مشاهدة كيفية المعلوم المتحقق بالبرهان ليتحقق مع ذلك بالعيان ، ويستعمل أيضا هذا في الإفحام ، والتعجيز لعدم اعتقاد وجود صاحب ذلك الكيف أو إمكانه كما تقول : لضعيف ادعى حمل صخرة وحده كبيرة أرني كيف تحملها ، وأنت تعتقد أنه لا يستطيع حملها ، ولا يمكنه ، وإبراهيم عليه السلام لم يرد هذا الثاني ، ولا بطريق توهمه ، وإنما اقتضت حكمة الرب بعباد أنه قال لإبراهيم ' أولم تؤمن قال بلى ' ' البقرة : 260 ' فحفظ عباده المؤمنين بذلك عند سماع هذه الآية من أن يخالطهم الوهم بذلك الظن السوء في حبيب من أحباب الله فيهلكوا ولا يشعرون ، ويجوز أن يكون وقوع هذا السؤال قبل الإخبار بآية الاصطفاء والله أعلم . السؤال الرابع ما الحكمة في تعيين الأربعة دون غيرها من العدد وما الحكمة في تعيين جنس الطير دون غيره ، والجواب أن عدد الأربعة أجمع للأعداد لأنه مجموع من الفرد البسيط ، وهو الواحد ، والفرد المركب ، وهو الثلاثة ، والزوج البسيط ، وهو الاثنان ، والزوج المركب ، وهو الأربعة فكان فيه تذكير بقيام الخلق لربهم مثنى وفرادى . مثنى : اثنان بسيطان واثنان مركبان . وفرادى : فرد بسيط . وفرد مركب ، وفيه تذكير بأصناف المبعوثين أيضا فمنهم كافر ، ومنهم مؤمن ظالم لنفسه أو مقتصد مخلط أو سابق بالخيرات ، وإنما خص الطير لأن أشد الحيوانات نفورا ، وأقدرهم على الفرار ، والتباعد عما ينفرون منه ، فإذا دعا هذا الجنس ، وأجابه ، وأتاه يسعى كان ما دونه أولى ، وكان ذلك أعظم آية من غيره ، والطير أيضا أفل رطوبة من باقي الحيوانات ، وميتته أسرع جفافا فيتيقن معه عدم الحياة المجسمانية منه باطنا ، وظاهرا . السؤال الخامس : ما الحكمة بتخصيص الجبال بهذا الجعل في قوله : ' ثم اجعل على كل جبل ' ' البقرة : 260 ' هل الظاهر إرادة جميع الجبال أو أربعة أجبل فقط أو غير ذلك وما وجه كل واحد من هذه إن كان هو الظاهر ، والجواب المراد جبال بعدد الأجزاء التي يجزئها إليها إن كانت كثيرة فكثيرة أو قليلة فقليلة بدليل قوله : ' اجعل عل كل جبل منهن جزءا ' ' البقرة : 260 ' ولم يأمر بتبينهن ، فحمل الأمر على جميع الجبال متعذر عادة ، والظاهر أن المراد أن يجعل على كل جبل جزءا لا يعينه من كل واحد منهن لأن ذلك هو المناسب للقصة ، وما فيها من رؤية ذلك الأمر العجيب . السؤال السادس : ما الحكمة في الإتيان بثم في قوله ثم ادعهن ، وما الحكمة في تعليق إتيانهم إليه على دعائه إياهن ولم يحيين فيأتين من غير دعاء لهن منه وما الحكمة في إتيانهن ولم يكتف بطيرانهن حيث مشين أو إتيانهن غيره ، وما الحكمة في إتيانهن ساعيات لا طائرات ، ولا ماشيات على هون إن كان سعيا متعلقا بهن ، وإن كان متعلقا به هو فما الحكمة في حصول ذلك منهن ، وهو يسعى أو دعائه لهن ، وهو يسعى . والجواب أنه جيء بثم ليحصل بكونهن على الجبال مهلة ، فلا يبقى في عدم الحياة منهن لطول المكث في محل الجفاف ريب ما ، ولو لوحظ في جعلهن على الجبال التي لا حائل لها عن الشمس التي كانت النمروذية ينسبون الآثار إليها ، وتركها هناك برهة حتى يعلم أن الشمس لا تأثير لها حيث كن منها بمطلع ، ولم يجئن ، ولما دعاهن داعي الحق جئنه ، وأتينه سعيا لكان قولا حسنا ، وأما تعليق إتيانهن إليه على دعائه لهن ففيه إرشاد إلى أن إحياء الموتى يكون بدعائهم ' ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ' ' الروم : 25 ' لكن الدعاء من الله تعالى بالكلام النفساني اللائق به تعالى يقوم مقام الكلام اللساني في إيصال المراد إلى المدعو ، فجعل الكلام اللساني هنا من إبراهيم عليه السلام مظهرا للكلام النفساني من الحق تعالى في إحياء الموتى بالدعاء ليتمكن من رؤية الإحياء برؤية نفسه حين الكلام إذ كان مظهر اسمه المحيي ، فلولا دعا بالقول لم يكن عنده من مظاهر الإحياء ما يحس فيحس الإحياء بإحساسه لأن في مظهره هذا مع ما في إحيائها بدعائه من البرهان الساطع على بطلان مذهب خصومه في الدين ما لا يخفى ، ولو لم يكن ذلك مع قوله المسموع المتيقن بالحس لأمكنهم مكابرته في أن ذلك الإحياء في غير ما ينسبونه إليه ، وأما إتيانهن ، ففيه تذكير بما أخبر به محيي الموتى من قوله : ' يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده ' ' الإسراء : 52 ' أي تحشرون إليه ، وأما سعى الطائر في تحدره من الجبل فهو أبلغ في قوته ، وتمام حياته ، وصحته من غير ذلك . فكان سعيهن هذا دليلا على أنهن عدن إلى أتم ما كن عليه ، وفيه تذكير بكما بدأكم تعودون ، وبحشر المبعوثين من الأجداث سراعا ، وأطال في ذلك إلى خمسة وعشرين سؤالا ، وجوابا والله أعلم ، وكان رضي ، الله عنه يقول : منا سياسة الداعي إلى الله أن يؤلف الناس عليه أولا بالإحسان ، وطيب الكلام ، وتخفيف المأمورات ، فإذا رسخوا فله التحكم فيهم كيف شاء ، وعليه يحمل أمر بعض العارفين لمريده أن يعتزل زوجته ، وأولاده ، وعشيرته إذا خاف عليه الفتنة ، والشغل عن الله تعالى ، ولهذا وجبت الهجرة من أرض الفتنة ، وكان يقول : في قوله تعالى : ' لله الواحد القهار ' ' إبراهيم : 48 ' هذه الآية تدل على نفي الجهة عن الله تعالى وجه الدلالة أن قاعدة الترقي تقتضي أن يكون الإطلاع على ما في الأرض للأرض أقرب من الإطلاع على ما في السموات فلو كانت السماء جهة لله لم تؤخر في الآية إذ لا يحسن أن يقال لا يخفى على الملك شيء في البلاد القاصية ولا في بيته أو بلده ، وإنما يحسن أن يقال لا يخفى عليه شيء في بلده ، ولا في البلاد عن بلده فلو كانت للحق جهة لاقتضت هذه الآية جهته لكن نحن متوافقون على أن الحق تعالى منزه عن جهة الأرض ، والآية تدل على أنه تعالى منزه عن جهة السماء ، فما فوقها أولا جهة غيرها فلا جهة للحق أصلا فافهم ، وكان يقول : من نسب إلى نفسه الإمكانية فقد نسبه إلى محل الزوال والفناء فهو عرضة الزوال ، والمحو ، ومن نسب الأمر إلى مولاه الحق الواجب ، فقد نسبه إلى حضرة البقاء والدوام فهو في مراتب البقاء باقيا دائما . فانسب لنفسك أيها العبد ما تحبه أن يزول ، ويفنى وانسب لربك الحق ما تحب أن يدوم ، ويبقى ، وكان يقول : من شغله الحق به لم يشغله عنه بشيء أقامه فيه من الخلق لأنه في ذلك بظاهره ، وأما باطنه فعند ربه يقول : الله عز وجل في العبد إذا نام في سجوده ' انظروا إلى عبدي جسمه بين يدي وروحه بين يدي فيباهي به ملائكته حيث لم يشتغل بسجوده عن معبوده ' فافهم وكان يقول : إذا دعوت ربك ، ولم تجب فذلك لعدم صدق اضطرارك عند الدعاء كما وجب ، وكان يقول : يجب على أئمة الهدى أن لا يقطعوا مددهم ، وغذاء حكمتهم عن العباد ، فإنهم عياله ، والكريم لا يضيع عياله ، وكان يقول : السر في المتكلم لا في كلامه فمتى انبسط المتكلم إلى السامع انشرح له كلامه ، وإن قل ومتى انقبض المتكلم لم تنبسط للسامع معاني كلامه ، وإن كثر ، والكلام صفة المتكلم فمن وجد الموصوف وجد صفته ، وإلا فلا إذ الصفة متى انفصلت عن موصوفها زالت مرتبتها ، وغاب عنها فافهم ، وكان يقول : قوة الإعتقاد موجبة لقبول النصح ، وعدم الإعتقاد أو ضعفه موجب للرد ، وكان رضي الله عنه يقول : لا بد لكل إمام حق أن يقابله إمام باطل ، فآدم عليه السلام قابله إبليس ، ونوح عليه السلام قابله يام وغيره ، وإبراهيم قابله نمروذ ، وموسى عليه السلام قابله فرعون ، وداود عليه السلام قابله جالوت ، وأضرا به وسليمان عليه السلام قابله صخر ، وعيسى عليه السلام قابله في حياته الأولى بختنصر ، وفي الثانية الدجال ، وأما محمد صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن له مقابل حقيقة لإتيانه صلى الله عليه وسلم بالإحاطة الخفية كما قال ' وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس - هو الأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ' فهو حق قذف به على الباطل ، فإذا هو زاهق حتى قال : أبو جهل والله إني لأعلم أن محمدا صادق ، فلم يعدوه مقابلا فافهم ، وفي هذا القدر كفاية من كلامه رضي الله تعالى عنه . ومنهم سيدي يوسف العجمي الكوراني رضي الله تعالى عنه وهو أول من أحيا طريقة الشيخ الجنيد رضي الله عنه بمصر بعد اندراسها ، وكان ذا طريقة عجيبة في الانقطاع ، والتسليك ، وله التلامذة الكثيرة ، وعدة زوايا . توفي في زاويته بالقراف الصغرى في يوم الأحد نصف جمادى الأولى سنة ثمان ، وستين ، وسبعمائة وصلى عليه خلق لا يحصون ، وأخذ العهد ، ولبس الخرقة عن الشيخ نجم الدين محمود الأصفهاني ، وعن الشيخ بحر الدين حسن الشمشيري ، وتلقن الذكر ، وهو لا إله إلا الله عليهما رضي الله تعالى عنهما ، وهي سلسلة الشيخ الجنيد رضي الله عنه ، ولما ورد عليه ، وارد الحق بالسفر من أرض العجم إلى مصر ، فلم يلتفت إليه فورد ثانيا فلم يلتفت إليه فورد ثالثا ، فقال : اللهم إن كان هذا وارد صدق فاقلب لي عين هذا النهر لبنا حتى أشرب منه بقصعتي هذه ، فانقلب النهر لبنا وشرب منه ثم ذهب إلى مصر . وكان سيدي حسن التستري رضي الله عنه أقدم منه هجرة عند الشيخ ، وكان يقاربه في الرتبة ، وقيل إنه كان أرقي منه درجة فلحقه بأرض مصر فقال له سيدي يوسف يا أخي الطريق لا تكون إلا لواحد ، فإما أن تبرز أنت للخلق ، وأكون أنا خادمك ، وإما أن أبرز أنا وتكون أنت خادمي قياما لناموس الطريق ، فقال له سيدي حسن رضي الله عنه : بل أبرز أنت وأكون أنا خادمك فبرز سيدي يوسف رضي الله عنه ، وأبرز بمصر الكرامات ، والخوارق ، وكانت طريقته التجريد ، وأن يخرج كل يوم فقيرا من الزاوية يسأل الناس إلى آخر النهار ، فمهما أتى به هو يكون قوت الفقراء ذلك النهار كائنا ما كان ، وكان يوم الفقراء يأتي أحدهم بالحمار محملا خبزا ، وبصلا وخيارا ، وفجلا ، ولحما ويوم سيدي يوسف يأتي ببعض كسيرات يابسة يأكلها فقيرا واحدا فسألوه عن ذلك فقال أنتم بشريتكم باقية ، وبينكم ، وبين الناس ارتباط ، فيعطونكم ، وأنا بشريتي فنيت حتى لا تكاد ترى فليس بيني ، وبين التجار والسوقة ، وأبناء الدنيا كبير مجانسة ، وكان صورة سؤاله أن يقف على الحانوت أو الباب ، ويقول الله ، ويمدها حتى يغيب ، ويكاد يسقط إلى الأرض ، فيقول من لا يعرفه هذا الأعجمي راح في الزقزية ، وكان رضي الله عنه يغلق باب الزاوية طول النهار لا يفتح لأحد إلا للصلاة ، وكان إذا دق داق الباب يقول : للنقيب اذهب فانظر من شقوق الباب ، فإن كان معه شيء من الفتوح للفقراء ، فافتح له ، وإلا فهي زيارات ، فشارات ، فقال له : إنسان في ذلك فقال : أعز ما عند الفقير وقته ، وأعز ما عند أبناء الدنيا ما لهم ، فإن بذلوا لنا ما لهم بذلنا لهم وقتنا . وكان رضي الله عنه إذا خرج من الخلوة يخرج وعيناه كأنهما قطعة جمر تتوقد فكل من وقع نظره عليه انقلبت عينه ذهبا خالصا ، ولقد وقع بصره يوما على كلب فانقادت إليه جميع الكلاب إن وقف وقفوا ، وإن مشى مشوا ، فأعلموا الشيخ بذلك ، فأرسل خلف الكلب ، وقال : أخسأ فرجعت عليه الكلاب تعضه حتى هرب منها ، ووقع له مرة أخرى أنه خرج من خلوة الأربعين ، فوقع بصره على كلب ، فانقادت إليه جميع الكلاب ، وصار الناس يهرعون إليه في قضاء حوائجهم فلما مرض ذلك الكلب اجتمع حوله الكلاب يبكون ، ويظهرون الحزن عليه ، فلما مات أظهروا البكاء ، والعويل ، وألهم الله تعالى بعض الناس ، فدفنوه فكانت الكلاب تزور قبره حتى ماتوا فهذه نظرة إلى كلب فعلت ما فعلت فكيف لو وقعت على إنسان ، وهرب بعض مماليك السلطان عنده خوفا من السلطان ، فأرسل يقول : للسلطان اصفح عن هؤلاء ، فقال : إن كنت فقيرا فلا تدخل في أمر السلطنة ، فطلب السلطان منه مماليكه ليردهم ، فلم يفعل ، فقال : أنت تتلف مماليك السلطان فقال : إنما أنا أصلحهم ، فنزل إليه السلطان ، فأخرج إليه الشيخ مملوكا منهم ، وقال له : قل : لهذه الأسطوانة كوني ذهبا ، فقال : لها ذلك ، فصارت ذهبا يراه السلطان بعينه ، فاستغفر ، وقبل رجل الشيخ ، وقال له : الشيخ هذا صلاح أو فساد فعرض على الشيخ أرزاقا يوقفها على الفقراء ، فأبي ، وقال : لا أعود أصحابي على معلوم ، وأنشد فيه الشيخ يحيى الصنافيري حين وقع بينه ، وبينه ما وقع في معارضة الشيخ يوسف في دخول مصر : ألم تعلم بأني صيرفي . . . أحك الأولياء على محكى فمنهم بهرج لا خير فيه . . . ومنهم من أجوزه بسبكي وأنت الخالص الذهب المصفى . . . بتزكيتي ومثلي من يزكي ومنهم الشيخ حسن التستري رضي الله تعالى عنه تلميذ الشيخ يوسف العجمي وأخوه في الطريق جلس للمشيخه بعده في مصر ، وقراها ، وقصدته الناس من سائر الأقطار ، وكان ذا سمت بهى ، وكمال في العلم ، والعمل ، وانتهت إليه الرياسة في الطريق ، وكان السلطان ينزل إلى زيارته فلم يزل الحاسدون من أرباب الدولة ، وغيرهم بالسلطان حتى غيروا اعتقاده فيه ، وهم بحبسه أو نفيه فأرسل الوزير إلى زاويته ليسد بابها ، وكان الشيخ خارج مصر ، في المطرية هو والفقراء فرجعوا فوجدوا الباب مسدوا فقال : الشيخ من سد هذا الباب ، فقالوا : سده الوزير فلان بأمر السلطان فقال : ونحن نسد أبواب بدنه ، وطيقانه فعمى الوزير ، وطرش ، وخرس ، وانسد أنفه عن خروج النفس ، وقبله ودبره عن البول والغائط ، فمات الوزير في الحال فبلغ ذلك السلطان ، فنزل إليه ، وصالحه ، وفتح له الباب وكان عسكر السلطان كله قد انقاد لسيدي حسن رضي الله عنه حتى خرجوا عن طاعة السلطان إلى طاعته رضي الله عنه ؛ وجاءه مرة نصراني صائغ ، فقال : إن السلطان أرسل لي فصا من المعادن الغالية أصنعه له في خاتم خاتون ، فطرقته فانكسر نصفين ، وأنا خائف من القتل ، وطاب خاطري بوزن ثمنه ، ولو كان بعشرة آلاف دينار ، وما أعرف يا سيدي رد السلطان عني إلا منك ، فدخل الشيخ رضي الله عنه الخلوة فحول باطن السلطان إلى أن صار هو يطلب قسم الفص نصفين ، وذلك أن سريته المحظية طلبت هذا الفص ، فبذل لها جملة فصوص ، فلم ترض فسألت أن يكون الفص بينهما نصفين فأرسل السلطان قاصده إلى الصائغ بذلك ، فأخبره الجيران بما وقع للصائغ ، وقالوا إنه عند الشيخ فذهب القاصد إلى الشيخ ، فأخبر بذلك الصائغ ، فأسلم ، ودفن في زاوية الشيخ ولما أراد ابن أبي الفرج تربيع جنينته حكم التربيع على جعل زاوية الشيخ فيها فقال : للخادم انقل الشيخ إلى موضع آخر وأنا أبنيه لك فعزم الخادم على ذلك ، فجاء إليه في المنام ، وقال له : قل : لابن أبي الفرج لا تنقلنا ننقلك فأخبره الخادم بذلك ، فقال : هذه أضغاث أحلام فشرع في نقله فلحقه شيء في جنبه فطلعت روحه في الحال . توفي رضي الله عنه سنة سبع وتسعين ، وسبعمائة ، ودفن في زاويته في قنطرة الموسكى على الخليج الحاكمي بمصر المحروسة رضي الله تعالى عنه . ومنهم سيدي الشيخ محمد أبو المواهب الشاذلي رضي الله تعالى عنه كان من الظرفاء الأجلاء الأخيار ، والعلماء الراسخين ، والأبرار أعطى رضي الله عنه ناطقة سيدي على أبي الوفاء ، وعمل الموشحات الربانية ، وألف الكتب الفائقة اللدنية ، وكان مقيما بالقرب من الجامع الأزهر ، وكان له خلوة فوق سطحه موضع المنارة التي عملها السلطان الغوري ، وكان يغلب عليه سكر الحال ، فينزل يتمشى ويتمايل في الجامع الأزهر ، فيتكلم الناس فيه بحسب ما في أوعيتهم حسنا ، وقبحا ، وله كتاب القانون في علوم الطائفة ، وهو كتاب بديع لم يؤلف مثله يشهد لصاحبه بالذوق الكامل في الطريق ، وكان أولاد أبي الوفاء لا يقيمون له وزنا لأنه حاكى دواوينهم ، وصار كلامه ينشد في الموالد ، والاجتماعات والمساجد على رؤوس العلماء والصالحين ، فيتمايلون طربا من حلاوته ، وما خلا جسد من حسد ، وكان هو معهم في غاية الأدب ، والرقة ، والخدمة ، وأمسكوه مرة ، وهو داخل يزور السادات فضربوه حتى أدموا رأسه ، وهو يتبسم ، ويقول : أنتم أسيادي ، وأنا عبدكم ، ومن كلامه رضي الله عنه إذا أردت أن تهجر إخوان السوء ، فاهجر قبل أن تهجرهم أخلاقك السوء فإن نفسك أقرب إليك ، والأقربون أولى بالمعروف ، وكان يقول : كل أبناء الدنيا يقبلون عليها ، وهم راحلون عنها في كل نفس لأنهم عمي عن شهود ما إليه يصيرون ، وكان رضي الله عنه يقول : تفاخر الغنى ، والفقر ، فقال : الغنى أنا وصف الرب الكريم فمن أنت يا غير فقال له : الفقر لولا وصفي ما تميز وصفك ، ولولا تواضحي ما رفع قدرك ، وأنا وصفي وسم بذل العبودية ، وأنت وصفك نازع الربوبية ، وكان يقول : الفقيه منا ترتضع بلبن حي الصدور دون قديد ميت السطور وكان يقول : من علامة المرائي إجابته عن نفسه إذا أضيف إليه نقص ، وتنقيص الصالحين من أهل زمانه إذا ذكروا ، وكان يقول : الفقراء يراءون بالأحوال والفقهاء يراءون بالأقوال وكان يقول من طلب الشهرة بين الناس فمن لازمه أر يرضيهم بما يسخط الله تعالى ، وأن يصحبهم لهواه لا لله ، وكان يقول : العارف ينمو حال حال حياته ، ولا يشتهر إلا بعد مماته ، وكان يقول : العارف كلما علا به المقام صغر في أعين العوام كالنجم يرى صغيرا ، وإنما العيب من العيون ، وكان يقول : لو أن الحلاج رضي الله عنه كمل حقيقة الفناء لتخلص مما وقع فيه من الغلط بقوله : أنا هو ، ومن قوله أدنيتني منك حتى ظننت أنك أنا ، وكان يقول : ثم من يدخل في مقام البقاء قبل الفناء بحكم الإرث للأنبياء ولكنه قليل وقوعه في القوم ، ولذلك أنكروه ، وكان يقول : إذا أردت أن تفتح كنزا ، فإياك أن تلهو عن صرف العوائق أو تغفل عن العزيمة قبل حضور صاحب الكنز فإذا فتحت الكنز فإياك أن تشتغل بشيء من الأمتعة عن الملك بل اجعل قصدك الملك لا غير حتى يهبك الخاتم خادم الاستخدام إن شاء ، فإن لم يعطك الملك سر الخاتم ، فإنما ذلك لكونه يريد اتخاذك جليسا له ، وذلك أعظم من سر الخاتم فإن جليس الملك لا يحتاج قط إلى استخدام ، ولا تعب ، وقال : في معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لعطل نور الشريعة المراد به الفناء ، وإعطاء سر التكوين ، وأن العبد يفعل ما يشاء يعني لو أعطى العبد ذلك لتعطلت أفعال الشريعة كلها ، وبطل القول بالكسب ، واختل النظام ، وقال رضي الله عنه في معنى قول بعضهم يصل الولي إلى حد يسقط عنه التكليف المراد به سقوط كلفة الأعمال ومشقتها من باب ' أرحنا بها يا بلال ' وقال : في معنى قول سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه : وكل بلا أيوب بعض بليتي أي لأن بلاء أيوب عليه السلام في الجسد دون الروح ، وبلاء العارف فيهما معا ، وقال في معنى قول بعضهم : مقام النبوة في برزخ . . . فويق الرسول ، ودون الولي يعني أن مقام النبوة يعطي للأخذ عن الله بواسطة ، وحي الله ، ومقام الرسالة يعطي تبليغ ما أمره الله به للعباد ، ومقام الولاية الخاصة يعطي الأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص . قال : وهذه الحقائق الثلاثة كلها موجودة فيمن كان رسولا فافهم ، ولا تظن أن أحدا من أهل الله تعالى يعتقد تفضيل الولاية على النبوة والرسالة ، وقال في معنى قول : الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله تعالى : توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر . . . وإلا تيمم بالصعيد ، وبالصخر وقدم إماما كنت أنت إمامه . . . وصل صلاة الفجر في أول العصر فهذى صلاة العارفين بربهم . . . فإن كنت منه فانضح البر بالبحر المراد بالوضوء طهارة أعضاء الصفات القلبية من النجاسات المعنوية ، وماء الغيب هو خلوص التوحيد فإن لم يخلص لك بالعيان فتطهر بصعيد البرهان ، وقدم إماما كان إمامك في يوم الخطاب ثم صرت أنت إمامه بعد سدل الحجاب وصل صلاة الفجر التي هي صلاة نهار كشف الشهود بعد حجاب ظلمة الوجود في أول العصر الذي هو أول زمان انفجار ، فجرك ، ولا تتأخر لآخر دورك لأن الحكم للوقت ، والتأخير له مقت فهذه صلاة العارفين بربهم ، وهم الذين لم يخرجوا عن متابعة الأحكام الشرعية في جميع مشاهدة الربوبية ، فإن كنت منهم ، فانضح يعني اغسل بماء بحر الحقيقة ما تدنس من بر الشريعة . وقال : في قولهم النبي مشرع للعموم ، والولي مشرع للخصوص أي النبي مبين للعوام برسالته ومبين للخواص بولايته لا أن الولي يشرع الأحكام الشرعية ، فإنه ليس له ذلك ، وإنما له تبيين الحقائق الكشفية بطريق الولاء ، والوراثة للأنبياء عليهم الصلاة والسلام . كما أن الأولياء رضي الله عنهم تبين ما أجمل في السنة ، والنبي يبين ما أجلم في القرآن ، وقال : في إنكار بعض المنكرين على قول : بعض العارفين إن الخضر مقام لا إنسان لا إنكار لأن الولي المحبوب يعطي من الكرامات كما كان للخضر من المعجزات وذلك عند الوراثة ، والوراثة الخضرية قبل الوراثة الموسوية ، والوراثة بلا شك مقام فافهم يا غلام . وقال : في إنكار بعضهم على من قال : حدثني قلبي عن ربي لا إنكار لأن المراد أخبرني قلبي عن ربي من طريق الإلهام الذي هو وحي الأولياء ، وهو دون وحي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولا إنكار على من قال : كلمني الله تعالى كما كلم موسى ، ففرق بين أخبر ، وكلم يا من أنكر ، وتوهم ، وكان يقول : إثبات المسألة بدليلها تحقيق ، وإثباتها بدليل آخر تدقيق ، والتعبير عنها بفائق العبارة ترقيق ، ومراعاة علم المعاني والبيان في تركيبها تنميق ، والسلامة من اعتراض الشرع فيها توفيق ، وكان يقول : أقسم الحي القدوس ألا يدخل حضرته أحد من أصحاب النفوس ، وكان يقول : احذر أن تخرق سور الشرع يا من لم يخرج عن عادة الطبع ، واحذر أن تقول : أنا مطلق من الحدود لأنني دخلت حضرة الشهود فإن الذي دعاك هو الذي نهاك . وكان يقول : أهل الخصوصية مزهود فيهم أيام حياتهم متأسف عليهم بعد مماتهم ، وهناك يعرف الناس قدرهم حين لم يجدوا عند غيرهم ما كانوا يجدونه عندهم ، وكان يقول : لأصحابه عليكم بالتسليم للفقراء فيما ادعوه من المقامات ، والأحوال ، وكان يقول : من تحقق بمعارف الحضرة الإلهية ، وانمحق وصفه بوصفها خرج من الاعتماد على عمله ، وعلمه ، وعن كل شيء من بقايا كونه ، وكينونته التي كان بها مع معية وجوده تدقيقا ، وتحقيقا لا بباطل ، وهمه في إثبات ، وجوده فافهم وكان يقول : الاعتماد على العمل أول عائق يقع لأصحاب السلوك في بدايتهم ، وذلك من غلبة الوهم على وجوههم ، وتراكم الخيال على مزايا عقولهم ، فلا يخرجون عن ذلك إلا بنور الكشف بأنه تعالى خالق لأعمالهم ، وكان رضي الله عنه يقول : قد ادعى أقوام محو آثار البشرية ، فأخطئوا الطريق فإن الأكابر من الصحابة ، والتابعين وصلوا إلى محو الصفات البشرية ، وما تركوا قط شيئا من الواجبات الدينية علما منهم أنها اختيار الرب لهم ، ودعوته لهم حين أذن بها أن يأتوه بها ، ومن كان بأمر سيده كان بغير أمر نفسه فافهم معنى الفناء يا من وقع في العناء ' وما يعقلها إلا العالمون ' ' العنكبوت : 43 ' وكان يقول : علامة الخروج عن الشيء تعسره ، وعلامة الدخول في الشيء تيسره فمن صدق في خروجه عن الدنيا تعسرت أسبابها عليه فلا يتيسر له إلا ما كان على اسم غيره ، وكان يقول : لا تطلب الأكوان ، فإنها ما خلقت بالأصالة إلا لك ، وأنت خلقت لربك ، فإن طلبت ما خلق لك ، وتركت ما أنت مطلوب له انعكس بك السير ، وإن أقبلت على ربك طلبتك الأكوان بنفسها ، وخدمك كل شيء ، فافهم وقد قال : الحق لسيدي أحمد بن الرفاعي رضي الله تعالى عنه في منامه ما تريد يا أحمد فقال : أريد ما تريده قال : تعالى لك المراد ولك مني كل يوم مائة حاجة مقضية . وكان يقول : إذا فتح على السالك فتح التعرف لا يبالي قل : العمل أو كثر ، وكان يقول : لما علم أهل الله تعالى أن كل نبات لا ينبت ، ويثمر إلا بجعله تحت الأرض تعلوا الأرجل جعلوا نفوسهم للكل أرضا ليعطيهم ما أعطى أصفياءه ، وأولياءه . وكان رضي الله تعالى عنه يقول : وقوع بعضهم في بعض المحرمات ليتستر بها عن أهل الزمان يقاس على من لم يجد ما يسبغ به اللقمة إلا الخمر قاله الغزالي قال : وإذا ساغ ذلك لأجل حياة دنيوية ، فأولى ما يفوت به حياة أخروية لا يقال ارتكابهم فيه ما يوقع الناس في سوء الظنون بهم ، وهو حرام لأنا نقول إن من أخلاقهم العفو والصفح ، وعدم المؤاخذة بل هم رحمة بين أظهر العباد . قلت : ولو سامح العبد فحق الله باق من حيث أنه تعدى حدود الله تعالى ، فالإشكال باق والله أعلم ، وكان يقول : قال : علماؤنا لا تصلح العزلة إلا لمن تفقه في دينه ، وقد كان السلف يشتغلون أولا بالعلم إلى سن الأربعين ثم يعتزلون للاستعانة بالعزلة على العمل بما علموا فافهم ، وكان رضي الله تعالى عنه يقول : دليلنا في القول بالخلوة ما صح أنه صلى الله عليه وسلم يختلي في غار حراء حتى ، فجأة الوحي فدل على أن الخلوة حكم مرتب عليه الوحي وذريعة لمجيء الحق ، وظهور نور الله تعالى ، وكان يقول : من شرط الخلوة الطي ، وله تأثير كبير ، واختار القوم الأربعين لأن الأربعين فيها يكون نتاج النطفة علقة ثم مضغة ثم صورة ، وهي مدة الدر في صدفه وعدد أيام توبة داود عليه الصلاة والسلام ، وكان يقول : الفرق بين الكشف الحسي ، والخيالي أنك إذا رأيت صورة شخص أو فعلا من أفعال الخلق فغمض عينيك فإن بقي لك الكشف فهو خيالي وإن غاب عنك فهو حسي ، فإن الإدراك تعلق به في الموضع الذي رأيته . وكان رضي الله عنه يقول : إذا ورد وارد الوقت فاقبله ، ولا تتعشقه فإن تعشقته حجبت به عن الترقي ، وكان يقول : إذا ورد عليك ، وارد فاحفظه فإنك تحتاج إليه إذا ربيت ، فإن أكثر الشيوخ إنما أتى عليهم في التربية لتفريطهم في حفظ ما ذكرناه وزهدهم فيه ، وكان يقول : من المحال أن ينفتح باب الملكوت ، والمعارف ، وفي القلب شهوة كما أن من المحال أن ينفتح باب العلم بالله من حيث المشاهدة ، وفي القلب لمحة للعالم بأسره الملكي ، والملكوتي ، وكان يقول : إذا ورد الوارد بخفة ، ولطافة ، وأعقب علما فهو من الملك ، وإن ورد بثقل ، وتعب في الأعضاء ، فهو من الشيطان ، فاعلم ذلك تفرق بينهما ، وكان يقول : لما خلت المرآة المحسوسة من جميع الألوان انطبعت فيها صورة الأكوان ، وكذلك القلب إذا تفرغ من انطباع الطباع ، والأوهام أشرق فيه نور الشعاع فأحرق هشيم الشهوات ، وتراءت لهم المغيبات ، وأبصر ما مضى ، وما هو آت ، وكان يقول : ما يبدو لك من الإشراق إنما هو نور ذكرك يشرق في مرآة قلبك ثم ينشد : مثل لنفسك بيتا أنت ساكنه . . . من المرائي ، وأثبت قطب مركزكا وقل له : يا أنا هل كنت قط أنا . . . فلا يجيبك إلا أنت عنك بكا وكان يقول : التطهر من الجنابة المعنوية مقدم على الحسية فإن الجنابة الحسية ربما رخص لصاحبها في بعض الأوقات ، والمعنوية لا رخصة فيها البتة ، ولهذا ترى كثيرا من الموسوسين ليس عنده نشقة من نسيم الحضرة القدسية لعمى بصيرة قلبه ، فافهم ، وكان رضي الله عنه يقول : أهل الطبيعة هم الدهرية القائلون بأن لا صانع للعالم إلا وجود الطبيعة ، وأهل العلة هم الفلاسفة القائلون بقدم العالم ، وكلهم في ظلمات بعضها فوق بعض وكان يقول : كل ما دلك على الله فهو نور ، وكل ما لم يدلك عليه فهو ظلمة فتأمل ، وكان يقول : في معنى قول : بعضهم في كل شيء اسم من أسمائه تعالى أي أن وجود الأشياء كلها مضافة إلى أسمائه تعالى متعلقة بها غير خارجة عنها من خير ، وشر ، ونفع ، وضر ، وإعطاء ، ومنع ، وغير ذلك . وكان يقول : يصل العارف إلى مقام ، ويكون خطابه لغيره من باب خطاب الصفة لموصوفها ، فافهم ما تحته ، وكان يقول : ليس في الوجود إلا ما سبق به العلم ، وأوجدته القدرة ، وخصصته الإرادة ، ورتبته الحكمة ، فذرات الوجود ما خرجت عن حكم هذا الشهود فكيف يكون الغير حجابا على الحمقى ، والغير منفى بهذا الاعتبار ، الله أكبر قد طلع النهار ، وأضاءت الأنوار على رغم أنف الكفار : إذا ما تجلى الحق من غيب ذاته . . . تلاشى وجود الغير حقا بلا شك وطاح حجاب الكون في كل مشهد . . . فنزه وجود الحق منك عن الشرك وكان يقول : لما طلب موسى عليه السلام من الحق الرؤية زيادة على ما آتاه من الكلام لم يجبه ، وقال : ' فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين ' ' الأعراف : 144 ' فدلت الآية على أنه لا ينبغي للعبد أن يطلب الزيادة على ما أعطاه الله تعالى إلا مع التفويض ، وكان يقول : الفتح على المريد بالأمور قد يكون امتحانا ، وقد يكون تأنيسا ، وقد يكون تثبتا ، وكان يقول ؛ ينبغي للمريد أن يجتهد أن لا يخرج له نفس إلا بمحمود ، ولا يدخل عليه نفس إلا بمحمود فإن تم له ذلك فهو المريد . قلت : هذا شيء لا يجيء بالتفعل إنما هي خلعة يخلعها الله تعالى على من يشاء والله أعلم ، وكان يقول : إنما كان الأين في حقه تعالى محالا لأن الأين محتاج إلى أين فيتسلسل ، وما يتسلسل ، فلا يتحصل ، ولا يلزم من إطلاق مجاز اللفظ أن يكون له حقيقة فافهم وإذا فهمت المعاني فلا مشاحة في الألفاظ ، وقد قال : الإمام مالك رضي الله تعالى عنه : بالمعاني تعبدنا لا بالألفاظ ، وكان يقول : كل ما سوى الله تعالى لهو ولعب ، ولو أعطاك من الشهود ما أعطاك فلكل مقام مقال ، ولما سمعت رابعة العدوية رضي الله تعالى عنها شخصا يتلو قوله تعالى : ' وفاكهة مما يتخيرون ' ' ولحم طير مما يشتهون ' ' الواقعة : 20 و 21 ' قالت نحن إذن صغار حتى نفرح بالفاكهة والطير ، فانظر رحمك الله تعالى كيف لم تفرح بغير الله تعالى وعلمت أن ما سواه من الموهبة ، والعطاء كالخشخاشة التي يسكت بها الصغير وكان يقول : نظر الحق تعالى بالبصر جائز وقوعه في الدنيا عقلا لمن شاء الله تعالى صرح بذلك أبو الحسن الأشعري رضي الله تعالى عنه ، ولا يلزم على ذلك محال فإياك يا أخي أن تقع في ورطة الإنكار فإنه يستحيل على السيد موسى عليه الصلاة والسلام أن يسأل ما كان مستحيلا أو أن يعطل صفة من صفات ربه أو أن يجهلها ، وكان يقول : إنما حجب الخفاش عن الأبصار لضوء النهار ما غلب عليه من تراكم الأنوار فافهم ، وكان يقول : في معنى قول موسى عليه السلام ' رب أرني أنظر إليك ' ' الأعراف : 143 ' بلسان الإشارة أرني أي بالغيبة عني أنظر قدس ذاتك بتنزيه صفاتك إذ لا يراك سواك وامح عني الظلام ولا تحجبني بوهم الخيال ، وكان قول : شهود حضرة الحق بحسب الحاضر لا بحسب الحضرة لأن الحقائق الربانية لا تدركها الإنسانية من جميع وجوهها ، فافهم تعلم أن تلون حقائق التجريد في مقامات التوحيد بحسب الرائي لا بحسب المرئي في جميع أطوار التجليات مما يقال ، ومما لا يقال ، وكان يقول : احذروا زخارف أهل الرضا عن النفس خصوصا الذين اتخذوا العلم حرفة ، وشبكة لصيد حرام الدنيا مع تكبرهم على الناس فإنهم قد حرموا خيري الدنيا والآخرة ولهم نعوت مصوتة ، وأحوال مزريه لم تبق لهم بين الناس حرمة ، ولا قبول شفاعة . اتخذوا حسن الزي شعارا ، وتكبروا بذلك استكبارا ، وقد قال : الشيخ تاج الدين رحمه الله تعالى في الحكم لأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه فافهم ، ومما جربناه فصح أنه من أراد قضاء حوائجه ، ودفع مصائبه ، فليرفع الأمر إلى الله تعالى قبل أن يعلم بها الناس هكذا عادة الله تعالى مع من يتعلق به أول مرة ، فاعمل على ذلك فإنه الكبريت الأحمر ، والفرج القريب ، والمعين على ذلك الصبر . وكان يقول : بلغنا أن يونس عليه السلام اجتمعت روحه بروح قارون لما التقمه الحوت فرأى قارون نازلا ، فقال : ليونس عليه السلام تعلق بربك يا يونس في أول أمرك ينجيك ، فقال : له يونس ، وأنت قال تعلقت بابن الخالة موسى ، فوكلني إليه ولهذا كما قيل عاتب الله موسى عليه السلام ، وقال ، وعزتي ، وجلالي لو استغاث بي لأغثته ، وكان يقول : أحسن الظن بربك من حيث محبة جماله ، وجلاله ، فإن ذلك . وصف له لا يتحول ، ولا تحسن الظن بربك لأجل إحسانه إليك فربما قطع ذلك عنك فتسيء الظن به ، فليحذر السالك من علة هذا المقام وكان يقول غاية رحلة السائرين بالأشباح السير إلى الله وبداية رحلة السائرين بالأرواح في الله أي في التنزه في عجائب قدرته فافهم ، فالأولون ينتهي سيرهم ، والآخرون لا ينتهي لهم سير ، وقد قيل مرة للشيخ أبي الفتح الواسطي رضي الله عنه ما تقول : في جماعة من أئمة الزهاد ، ومن صدور هذه الأمة فلان ، وفلان وفلان ، فقال أولئك قوم خرجوا عن شهواتهم الدنيوية لأجل شهواتهم الأخروية ، فأين الفناء في الله والبقاء به . ولما سمع الشبلي رضي الله عنه قوله : ' منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ' صاح صيحة عظيمة ، وقال فأين الذين يريدون الله تعالى . وكان يقول : في قوله تعالى : ' كلوا واشربوا ' ' البقرة : 60 ' وإن كان ظاهره إنعاما فباطنه انتقام ، وابتلاء ، واختبار لينظر تعالى من هو معه ، ومن هو مع حظ نفسه فافهم دقائق أحكام الباطن ، ولا تغتر برخص الظاهر تكن من أهل الفهم عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا لم تجد أيها المريد صاحب الحال فعليك بصاحب القال : ' فإن لم يصبها وابل فطل ' ' البقرة : 265 ' وإياك ، وصحبة من لا قال له ولا حال ، وكان يقول : يجب على الفقير إذا آخى في الله تعالى أن يشاطر أخاه في ماله كما فعلت الأنصار مع المهاجرين حين قدموا عليهم المدينة ، وهم فقراء فكل من ادعى الأخوة في الله فامتحنه بهذه الميزان ، وكان يقول : أخوك حقيقة من وافقك في الذوق ، ومدد الإفهام لا من شاركك في معنى صورة النطفة في الأرحام ، وكان يقول : ما رقي أحد إلى مركز عال إلا قلت أشكاله المعنوية ، وجلت نفائس دقائقه على غالب الإفهام ، وهذا موجب قلة الأتباع ، والأصحاب لكمل العارفين ، وكان يقول : الأدب أن يقول : العبد فلان من أصحابي إلا إن كان دونه بدرجات ، فإن كان مساويه أو فوقه فليقل أنا خادمه أو مريده هكذا درج السلف ، وكان يقول : ينبغي لمن خدم كبيرا كاملا ثم فقده أن لا يخدم من دونه إلا إذا كان أكمل منه ، وإلا جعل صحبته مع الله تعالى ، وكان يقول : ما ثقل على الأشياخ خدمة أحد من الفقراء لهم إلا لعلة في قلب الخادم كتمها عنهم ، وهذه علة لا يسلم منها إلا من أتى الله بقلب سليم ، ولو أن الخادم كان أظهر لهم تلك العلة لربما وصفوا له دواءها أو شفعوا له فمحاها الله تعالى عنه من اللوح أو سألوا النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة فيه فيشفع إلا إذا كان قضاء مبرما لا مرد له ، وقد رأى السيد عبد القادر الجيلي لمريده أنه لا بد له أن يزني بامرأة سبعين مرة ، فقال : يا رب اجعلها في النوم ، فكان كذلك . وكان رضي الله عنه يقول : مما اخترته من أدب المصاحبة ، والمجالسة أنك إذا جالست أهل الدنيا ، فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تعظيم الآخرة ، وإذا جالست أهل الآخرة ، فحاضرهم بوعظ الكتاب ، وآداب السنة ، وتعظيم دار البقاء ، وإذا جالست الملوك ، فحاضرهم بسيرة أهل العدل ، وسياسة العقلاء مع حفظ الأدب معهم ، والعفاف عما بأيديهم ، وإذا جالست العلماء ، فحاضرهم بالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة في المذاهب المعلومة بالحق دون الهوى مع الإنصاف لهم ، في القول : والفهم المبتكر إذا وافق الصواب مع عدم الجدال ، والمراء المظهر لحب العلوم عليهم ، وإذا جالست الصوفية لحاضرهم بما يشهد لأحوالهم الحقانية ، ويقيم لهم الحجة على المنكر عليهم مع آداب الباطن قبل الظاهر وإذا جالست العارفين فحاضرهم بما شئت ، فإن لكل شيء عندهم وجها من وجوه المعرفة لكن بشرطين الكلام ، وحفظ الحرمة ، والأدب فإن حضرتهم صياغة ، فالمعنى الذي تدخل عليهم به يخرج منهم يكسوك مشهدك فيهم ، ويلبسك ما توجهت به إليهم إن خيرا ، فخير ، وإن شرا فشر ، وكان يقول : عليك بتكثير سواد القوم فإن من كثر سواد قوم فهو منهم . وكان يقول : سمعت شيخنا أبا عثمان المغربي رضي الله عنه يقول إذا زار إنسان قبر الولي فإن ذلك الولي يعرفه وإذا سلم عليه رد عليه السلام وإذا ذكر الله على قبره ذكر معه لا سيما إن ذكر لا إله إلا الله ، فإنه يقوم ، ويجلس متربعا ، ويذكر معه ثم قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه ، وحاشا قلوب العارفين أن تخبر بغير فهم ، ومعلوم أن الأولياء إنما ينقلون من دار إلى دار ، فحرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء ، والأدب معهم بعد موتهم كالأدب معهم حال حياتهم فلا يعرض عنه بقدميه ، ولا يمشي على قبره برجليه ، ولا تعاشر الأولياء إلا بالأدب في حال الحياة ، وفي حال الموت قال : وإذا مات الولي صلى عليه جميع أرواح الأنبياء ، والأولياء ثم قال : وعلى هذا الذي ذكره شيخنا قول صاحب الحقائق ، والدقائق حاشا الصوفي أن يموت ، وكان يقول : من الأولياء من ينفع مريده الصادق بعد موته أكثر ما ينفعه حال حياته ، ومن العباد من تولى الله تربيته بنفسه بغير واسطة ، ومنهم من تولاه بواسطة بعض أوليائه ولو ميتا في قبره ، فيربي مريده وهو في قبره ، ويسمع مريده صوته من القبر ولله عباد يتولى تربيتهم النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه من غير واسطة بكثرة صلاتهم عليه صلى الله عليه وسلم . وكان رضي الله عنه يقول : سمعت شيخنا أبا عثمان رضي الله عنه يقول : بالدرس على رءوس الأشهاد لعن الله من أنكر علي هذا الطريق ، ومن كان يؤمن بالله ، واليوم الآخر فليقل لعنة الله عليه ، وكان يقول : من اعترض على هذا الطريق لا يفلح أبدا ، وسمعت شيخنا أبا عثمان يقول : إنما جاءت ' ألم نشرح ' ' الانشراح : 1 ' عقب ' وأما بنعمة ربك فحدث ' ' الضحى : 11 ' إشارة إلى أن من حدث بالنعمة ، فقد شرح الله تعالى صدره كأنه تعالى يقول : إذا حدثت بنعمتي ، ونشرتها ، فقد شرحت صدرك ثم قال رضي الله عنه اعقلوا على هذا الكلام ، فإنه لا يسمع إلا من الربانيين ، وكان رضي الله عنه كثير الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : قلت : لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن الناس يكذبونني في صحة رؤيتي لك ، فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعزة الله ، وعظمته من لم يؤمن بها أو كذبك فيها لا يموت إلا يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا هذا منقول من خط الشيخ أبي المواهب رضي الله تعالى عنه ، وكان رضي الله تعالى عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على سطح الجامع الأزهر عام خمسة وعشرين وثمانمائة فوضع يده على قلبي ، وقال : يا ولدي الغيبة حرام ألم تسمع قول الله تعالى : ' ولا يغتب بعضكم بعضا ' ' الحجرات : 12 ' وكان قد جلس عندي جماعة فاغتابوا بعض الناس ثم قال صلى الله عليه وسلم ، فإن كان ، ولا بد من سماعك غيبة الناس ، فاقرأ سورة الإخلاص ، والمعوذتين ، وأهد ثوابها للمغتاب ، فإن الغيبة والثواب يتوارثان ، ويتوافقان إن شاء الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لي هات يدك أبايعك ، فقلت : يا رسول الله لا قدرة لي أخاف أن يقع مني معصية بعد المبايعة ، فقال : هات يدك فبايعني ، ولا تضرك الفلتة ، والزلة إن وقعت ، وتبت منها وكأنه يشير صلى الله عليه وسلم إلى أن العبد قد يصلح الله تعالى حاله ليسد عنه بها ثلمة تقع في دينه يعجب أو كبر ، ونحوهما هذا منقول من خطه رضي الله تعالى عنه ، وكان رضي الله تعالى عنه يقول : جاءني جماعة يأخذون عني الطريق فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : الجماعة غير مؤمنين بك إلا واحدا بعض الإيمان ، فهو يراك بالعين العوراء ، وسيختم الله له بخاتمة الخير ، والموت على الإسلام . وكان رضي الله عنه يقول : ألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة التصوف ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، فقال لي : قل : عند النوم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم خمسا بسم الله الرحمن الرحيم خمسا ثم قل : اللهم بحق محمد أرني وجه محمد حالا ، ومآلا فإذا قلتها عند النوم ، فإني آتي إليك ، ولا أتخلف عنك أصلا ثم قال : وما أحسنها من رقية ، ومن معنى لمن آمن به هذا منقول من لفظه رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله لا تدعني ، فقال : لا ندعك حتى ترد علي الكوثر ، وتشرب منه لأنك تقرأ سورة الكوثر ، وتصلي علي أما ثواب الصلاة ، فقد وهبته لك ، وأما ثواب الكوثر فأبقه لك ثم قال : ولا تدع أن تقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ، وأتوب إليه ، وأسأله التوبة ، والمغفرة إنه هو التواب الرحيم مهما رأيت عملك ، أو وقع خلل في كلامك هذا منقول من لفظه رضي الله عنه . وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال لي : أنت تشفع لمائة ألف قلت : له بم استوجبت ذلك يا رسول الله قال : بإعطائك لي ثواب الصلاة علي ، وكان رضي الله عنه يقول : استعجلت مرة في صلاتي عليه صلى الله عليه وسلم ، وسلم لأكمل وردي ، وكان ألفا ، فقال لي : صلى الله عليه وسلم أما علمت أن العجلة من الشيطان ثم قال : قل : اللهم صل على سيدنا محمد ، وعلى آل سيدنا محمد بتمهل وترتيل إلا إذا ضاق الوقت ، فما عليك إذا عجلت ثم قال : وهذا الذي ذكرته لك على جهة الأفضل وإلا فكيفما صليت ، فهي صلاة ، والأحسن أن تبتدئ بالصلاة التامة أول صلاتك ، ولو مرة واحدة وكذلك في آخرها تختم بها قال لي : صلى الله عليه وسلم ، والصلاة التامة هي اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم ، وعلى آل سيدنا إبراهيم ، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم ، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، وبركاته هذا منقول من لفظه رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : إن شيخك أبا سعيد الصفوري يصلي علي الصلاة التامة ، ويكثر منها ، وقل له إذا ختم الصلاة أن يحمد الله عز وجل ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : إذا كان لك حاجة ، وأردت قضاءها ، فانذر لنفيسة الطاهرة ، ولو فلسا فإن حاجتك تقضي ، وكان رضي الله عنه يقول : خذوا من مال السلطان دون حواشيه ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أمرني أن أطلع إلى السلطان جقمق ، وأسأله من الدنيا شيئا ، فطلعت له فأعطاني مائة دينار ، واعتذر إلي بأن ما عنده غيرها ، وكان رضي الله عنه كثير البكاء ، والحزن قريب الخشية قل من سمعه يبكي إلا ، ويبكي معه ، وكان يقول : رأيت امرأة بمصر تدور على الأبواب ، وهي تغني في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال : هي ولية كبيرة ، ولكنها تتستر بذكر محبوبها ألا تراها لا تذكر في كلامها إلا جدا ، وكان يقول : وقع بيني ، وبين شخص من الجامع الأزهر مجادلة في قول : صاحب البردة رحمه الله تعالى : فمبلغ العلم فيه أنه بشر . . . وأنه خير خلق الله كلهم وقال لي ليس له دليل على ذلك فقلت له : قد انعقد الإجماع على ذلك فلم يرجع ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر ، وعمر جالسا عند منبر الجامع الأزهر ، وقال لي : مرحبا بحبيبنا ثم قال : لأصحابه أتدرون ما حدث اليوم ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، فقال : إن فلانا التعيس يعتقد أن الملائكة أفضل مني ، فقالوا بأجمعهم لا يا رسول الله ما على وجه الأرض أفضل منك ، فقال لهم : فما بال فلان التعيس الذي لا يعيش ، وإن عاش عاش ذليلا خمولا مضيقا عليه خامل الذكر في الدنيا ، والآخرة يعتقد أن الإجماع لم يقع على تفضيلي ، أما علم أن مخالفة المعتزلة لأهل السنة لا تقدح في الإجماع . قال رضي الله عنه ورأيته صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقلت : يا رسول الله قول الأبوصيري فمبلغ العلم فيه أنه بشر معناه منتهى العلم فيك عند من لا علم عنده بحقيقتك أنك بشر ، وإلا فأنت وراء ذلك كله بالروح القدسي والقالب النبوي قال صلى الله عليه وسلم : لا صدقت ، وفهمت مرادك ' . وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : ما أحسن مجلسك قد غفر الله لكل من حضره بذكركم لله تعالى عقب فراغ القارئ ، وكان يقول : رأيت مرة كأن حنشا دخل بين ثيابي ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك ، فقال : الحنش هو صاحبك فلان قد بدا له فيك ورجع يؤذيك ولولا خوفه منك لعمل جهده في إيذائك ، فكان الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم ، كان رضي الله عنه يقول : كناني سيدي يحيى بن أبي الوفاء بأبي عابد ، فرأيت سيدي عليا رضي الله عنه ، وقال لي : هذه الكنية لا تصلح لك إنما تصلح لأرباب الأثقال ، وإنما كنيتك أبو حامد قال : ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : كنيتك عندنا أبو حامد ، وكذلك في السماء ، وقد دخلت ، في دائرة بني الوفاء ومقامك كبير ، وأنت ولي ، وكان رضي الله عنه يقول : كنت أطلب من شيخي أبي سعيد الصفروي رضي الله عنه أن أقبل قدميه ، فكان يوعدني بذلك ، ويقول لي : حتى يجيء الوقت ، فلما مات سنة إحدى وخمسين ، وثمانمائة رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : اطلب من شيخك وعدته ، فأخذت قدميه رضي الله عنه بعد وفاته ، وقبلتهما ، وقلت له : يا سيدي هذا إنجاز وعدك ، وحرمتك ميتا كحرمتك حيا ، وكان يقول : قلت : لسيدي ، وشيخي أبي سعيد الصفروي رضي الله عنه هل أترك أصحابي وأعتزل عنهم خصوصا الذين يؤذونني ، فقال : لا تتركهم ، وخالطهم بحسن الظاهر ، وجاملهم وابق على ما أنت عليه ثم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن قول شيخي ، فقال : هو صحيح ، وامش على طريق شيخك ، وكان رضي الله عنه يقول : انقطعت عن رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة ، فحصل لي غم بذلك ، فتوجهت بقلبي إلى شيخي يشفع في عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحضر عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ها أنا فنظرت فلم أره ففلت ما رأيته ، فقال : عليه الصلاة والسلام سبحان الله غلبت عليه الظلمة ، وكنت قد اشتغلت بقراءة جماعة في الفقه ، ووقع بيني وبينهم جدال في إدحاض حجج بعض العلماء ، فتركت الاشتغال بالفقه ، فرأيته فقلت : يا رسول الله الفقه من شريعتك ضال : بلى ولكن يحتاج إلى أدب بين الأئمة ، وكان رضي الله عنه يقول : تفل رسول الله صلى الله عليه وسلم في فمي فقلت : يا رسول الله ما فائدة هذا التفل فقال : لا تتفل بعدها على مريض إلا ويبرأ ، وكان رضي الله عنه يقول : امتنعت عني الرؤيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رأيته ، فقلت : يا رسول الله ما ذنبي ، فقال : إنك لست بأهل لرؤيتنا لأنك تطلع الناس على أسرارنا ، وقد كنت قد أخبرت شخصا من إخواني بشيء من الرؤيا فتبت إلى الله تعالى فرأيته بعد ذلك ، وكان رضي الله عنه يقول : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا لا أجتمع بمن يجلس مجالس الغيبة مع الناس ، ولا يقوم منها . وكان يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : يا محمد ما هذه الغفلة ، وما هذه الرقدة ، وما هذا الإعراض مالك تركت تلاوة القرآن ، وما هذه الوريدات في جانب تلاوة القرآن لا تفعل ذلك أصلا بل اتل كل يوم ، ولو حزبين لا أقل من ذلك كل يوم قال : بعض أصحاب الشيخ ، فما ترك الشيخ تلاوة القرآن من ذلك اليوم وكان يردد بعض الآيات مرارا كثيرة يبكي ، وتنحدر دموعه على خديه ، ولحيته ، ويتأوه حتى لا يقدر أحد أن يتكلم بحضرته لما يرى من وجده ، وكثرة بكائه ، وكان رضي الله عنه كثيرا ما يسجد بعد السلام من النافلة سجود الشكر بعد ما يدعو ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله قد وهبت لك ثواب صلاتي عليك ، وثواب كذا ، وكذا من أعمالي إن كان ذلك ما أردته بقولك للسائل الذي قال لك : ' أفأجعل لك ثواب صلاتي كلها فقلت له إذا تكفي همك ويغفر لك ذنبك ' . فقال لي : رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم ذلك أردت ، ولكن أبق لنفسك ثواب الكذا والكذا ، فإني غني عنه . وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقبل فمي ، وقال : أقبل هذا الفم الذي يصلي على ألفا بالنهار ، وألفا بالليل ثم قال لي ، وما أحسن ' إنا أعطيناك الكوثر ' ' الكوثر : ا ' لو كانت وردك بالليل ثم قال لي : ويكون دعاؤك اللهم فرج كرباتنا اللهم أقل عثراتنا اللهم اغفر زلاتنا ، وتصلي علي وتقول ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ، وكان يقول : لا يأتي النصر قط إلا بعد حصول الذل قال تعالى : ' ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة ' وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله صلاة الله تعالى عشرا على من صلى عليك مرة واحدة هل ذلك لمن كان حاضر القلب ؟ قال لا بل هو لكل مصل علي غافلا ، ويعطيه الله تعالى أمثال الجبال من الملائكة تدعو له ، وتستغفر له ، وأما إذا كان حاضر القلب فيها ، فلا يعلم ذلك إلا الله ، وكان رضي الله عنه يقول : قلت : مرة في مجلس محمد بشر لا كالبشر بل هو ياقوت بين الحجر فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : قد غفر الله لك ، ولكل من قالها معك ، وكان رضي الله عنه لم يزل يقولها في كل مجلس إلى أن مات ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال لي : كن أصحابك فلانا كذا ، وفلانا كذا وكن فلانا أبا الظهور لأنه يتبع ظهور النساء ببصره ، ولا عليك منه ، كان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت له : يا رسول الله إني متطفل في علم التصوت ، فقال : صلى الله عليه وسلم اقرأ كلام القوم ، فإن المتطفل على هذا العلم هو الولي ، وأما العالم به فهو النجم الذي لا يدرك هذا منقول من لفظه رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : عن نفسه لست بميت ، وإنما موتي عبارة عن تستري عمن لا يفقه عن الله ، وأما من يفقه عن الله فها أنا أراه ، ويراني ، وكان رضي الله عنه : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألته عن الحديث المشهور ' اذكروا الله حتى يقولوا مجنون ' وفي صحيح ابن حبان ' أكثروا من ذكر الله حتى يقولوا مجنون ' فقال : صلى الله عليه وسلم صدق ابن حبان في روايته ، وصدق راوي اذكروا الله ، فإني قلتهما معا مرة ، قلت : هذا ومرة قلت هذا ، وكان رضي الله عنه يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لي : لا تخف من الحساد ، فإنهم إن كادوك ، فإن الله عز وجل يكيديهم ألم تسمع قول الله عز وجل ' إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فهل الكافرين أمهلهم رويدا ' ' الطارق : 15 و 16 و 17 ' ورأى بعض العارفين رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في مكان ، فدخل عليه الشيخ أبو المواهب . فقام له صلى الله عليه وسلم فقص ذلك على سيدي أبي المواهب ، فقال له : يا فلان اكتم ما معك فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو روح الوجود ، وما قام لأحد إلا قام له الوجود ، وكان رضي الله عنه يقول : من أراد أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم ، فليكثر من ذكره ليلا ، ونهارا مع محبته في الساعة الأولياء وإلا فباب الرؤيا عنه مسدود لأنهم سادات الناس ، وربنا يغضب لغضبهم ، وكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يقول : إن أولياء الله يطلعون على أمور لم يطلع عليها العلماء ، فلا يسع الخائف على دينه إلا الأدب والتسليم ، وكان رضي الله عنه يقول : عليك بصحبة الفقراء لو لم يكن إلا أخذهم بيدك يوم القيامة مع ما يحملونه عن أصحابهم في دار الدنيا من المصائب ، والهموم ، والأحزان ، وما يتلقون به القادم عليهم في البرزخ من الفرح والأكوان ، وكان يقول : ينبغي للفقير أن يتعاهد مع أخيه أن كل من سبق لحضرة الله تعالى منهما يكون وسيلة له عند ربه ، وكان رضي الله عنه يقول : انظر إلى المؤمن لما صحب الحق تعالى من حيث تخلقه باسمه المؤمن كيف لا تقدر عليه النار ، وتقول له : جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي ، وكان يقول : بلغنا أنه يؤتى بمن اسمه محمد يوم القيامة ، فيقول : الله له أما استحيت إذ عصيتني ، وأنت سمي حبيبي لكن أنا أستحي أن أعذبك ، وأنت سمي حبيبي اذهب ، فادخل الجنة . وكان يقول : صحبة المبتدي للمنتهي الذي لم يقف على مراسم الرسوم مضرة غير نافعة لا سيما إن كان المنتهي خضري المقام المباين لحكم عالم الملك والشهادة فهذا ليس به انتفاع لأصحاب البداية البتة قال : المحقق أبو عبد الله النفري أوقفني الحق تعالى في التيه ثم قال لي : من جملة كلامه أصحب المحجوب ، وفارق الموصول ، وذلك لأن صحبة المحجوب أنفع للمحجوب من صحبة المكاشف بالغيوب لأنه يفعل على شاكلة ما شهد في الملكوت ، وربما يكون ذلك غير مطابق له في الملك لأن حكم الغيب غير حكم الشهادة واعتبر أيها المنكر بقصة موسى عليه السلام مع الخضر عليه السلام ، ففي ذلك مقنع للعاقل فافهم . وكان رضي الله عنه يقول : التسليم للقوم أسلم لكن الإعتقاد فيهم أغنم فكم استغنى بصحبتهم فقير وجبر كسير وارتفع وضيع ، وستر شنيع ، ومات غوي ، وهلك ظالم ورفعت مظالم . وفيهم ورد الحديث ' بهم ترزقون وتمطرون وترحمون ' وكان رضي الله عنه يقول : قد غلط أكثر الناس في وصف أهل الصلاح بالتحول والتقشف فقط وليس الأمر كما ظنوا ير فيهم السمين ، والهزيل ، والمترفه ، والمتقشف ، ودليل السمين قوله تعالى : ' وزاده بسطة في العلم والجسم ' ' البقرة : 247 ' وكان صلى الله عليه وسلم له عكن من السمن ، وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه بدينا عظيم البطن ، وكذا ذكر شيخنا الحافظ ابن حجر في صفة الأستاذ الكبير سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه أنه كان غليظ الساقين عظيم البطن ، وأما دليل المترفه ، والمتقشف ، فكثير في السنة المحمدية ، وكان رضي الله عنه يقول : احذر بعد صحبة القوم أن تفشي أسرارهم لغيرهم ، ومن ليس له مشربهم ، ولا فوقهم ، فإن الله تعالى ربما مقتك ، فخسرت الدنيا ، والآخرة ، فلا يخفى أن إظهار السر كإظهار العورة ، وقد حرم كشفها ، والنظر إليها والتحدث بها وورد ' من ستر عورة أخيه ستر الله عورته ' ، ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه ' وهذا الأمر يقع فيه كثير ممن يدخل في صحبة الفقراء من غير صدق ، ويفارقهم بغير جميل وأنشد : تغير إخوان هذا الزمان . . . فكل خليل عراه الخلل وكانوا قديما على صحة . . . فقد داخلتهم حروف العلل قضيت التعجب من أمرهم . . . فصرت أطالع باب البدل وكان رضي الله عنه يقول : إذا نقل إليك أحد كلاما عن صاحب لك فق له : يا هذا أنا من صحبة أخي ووده على يقين ، ومن كلامك على ظن ، ولا يترك يقين لظن ، وكان ينشد كثيرا : شاور أخاك إذا نابتك نائبة . . . يوما ، وإن كنت من أهل المشورات فالعين تلقى كفاحا ما نأى ودنا . . . ولا نرى نفسها إلا بمرآة وكان رضي الله عنه يقول إياك ، وعثرات اللسان عن بعض الأصدقاء فقد أصيب من هذا الباب خلق كثير لثقتهم بأصدقائهم ، وما علموا أنهم جعلوا ذلك سلاحا لوقت العداوة فإياك ثم إياك ، وكان يقول من صحب ظالما فهو ظالم لأن مشاهدة الظالم تورث الغفلة عن الله تعالى ، والرضا عن النفس وتعقبه مجالسة الشيطان ، وكان يقول إياكم ، وصحبة الأحداث ، والنساء ، والأمراء ، والسلطان ، وأرباب الدنيا الذين لا خير فيهم ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا كثرت النيات كثر معنى العمل ، وإن كان منفرد الصورة ، وذلك كمن صلى صلاة واحدة ناويا بها أداء الفرض ، وإحياء سنة الجماعة ، والاقتداء به في ذلك وإظهار بهجة الإسلام ، وتكثير سواد المصلين مع زيادة الزهد في الثناء عليه بذلك ، وعدم الالتفات إليه ، ونحو ذلك فهذه حسنات كثيرة حفت عملا واحدا ، وكان رضي الله عنه يقول العبادة مع محبة الدنيا شغل قلب ، وتعب جوارح فهي ، وإن كثرت فهي قليلة ، وإنما هي كثيرة في وهم صاحبها وهي صور بلا أرواح إنما هي أشباح خالية غير حالية ، ولهذا ترى كثيرا من أرباب الدنيا يصومون كثيرا ، ويصلون كثيرا ، ويحجون كثيرا ، وليس لهم نور الزهاد ، ولا حلاوة العباد ، وكان يقول إنما ضرب الله مثل الحياة الدنيا بالماء لأن الماء إذا أمسكته تغير ونتن ، وصار بلية فكذلك الدنيا تصير بلية ، وكان يقول أعلى الزهد زهد الرجل في المقامات العلية ، والأحوال السنية . وكان يقول إنما كان ذكر الله أكبر من الصلاة لأن الصلاة ، وإن كانت أشرف العبادات فقد لا تجوز في بعض الأوقات بخلاف الذكر فإنه مستدام في عموم الحالات ، وكان يقول لا يجد أنس الذكر إلا من ذاق وحشة الغفلة ، وكان يقول اختلفوا أيما أفضل الذكر سرا أو جهرا . والذي أقول أنا به أن الذكر جهرا أفضل لمن غلبت عليه القسوة من أهل البداية ، والذكر سرا أنفع لمن غلبت عليه الجمعية ، وكان يقول إنما اختار أهل التعريف ذكر الله الله الله فقط دون لا إله إلا الله لوحشتهم من توهم ثبوت الإلهية حتى ينفونها ، والذي أقول به أن من غلب عليه الأهواء فذكر لا إله إلا الله أنفع له ، ومن خلص من الأهواء فذكر الجلالة فقط أنفع له ، وكان رضي الله عنه يقول : كل عمل اتصل به شهوده فهو غير متقبل لأنه تعالى يقول ، والعمل الصالح يرفعه فمن شهد له عملا ، ودام ذلك فعمله عند نفسه لا عند ربه فافهم وكان يقول الطامع كلب المطموع فيه فإن لم يكن عنده طمع سلم من ذلك الكلاب . وكان يقول الله أكبر ما أخفى لطائف التعريف يشرد عبده عن حضرته فيرده إليها بالتعنيف مع أنه في ذلك رب لطيف ، وكان يقول سألت ربي ليلة أن يلهمني حمدا أحمده به فأملى على لساني الوارد في الحال الحمد لله ولله الحمد بكل المحامد على كل المحامد بجميع المدائح المحمودة في جميع الحمد ، والمدح بما يجب للحمد لك حمدا أزليا لا أول لبداية حمده غير حمده بحمد لحمده في جميع المحامد الأزلية ، والأبدية بلسان جمع الحمد ، وفرقه في جمع المحمود بذاته لذاته ، وبصفاته لصفاته ، وبفعله على فعله ، وأطال في ذلك في شرح قوله في الحكم : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها فراجعه إن شئت ، وكان يقول : احذر أن يكون شكرك لأجلك بل اجعل شكرك امتثالا لأمر ربك لك بالشكر ، ولهذا قال تعالى : ' أن اشكر لي ' ، ' لقمان : 14 ' فافهم تعلم ، وإن لم تعلم ، واعرف قدر فوق أهل المعرفة ، وكان رضي الله عنه يقول مقام الفقر من كل شيء لله أتم من طلب المزيد ، وكان يقول ذكر أهل الحضرة الحمد لله وأستغفر الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله وزدت أنا عليهم آية من كتاب الله تعالى لتكون حرزا عليهم لأن كل أحد يحب دوام النعمة عليه ، وهي قوله تعالى : ' ما شاء الله لا قوة إلا بالله ' وهي كانت هجير الإمام مالك رضي الله عنه فكان لا يقوم ، ولا يقعد إلا قالها حتى إنه كتبها على باب داره ، وقال جنة الرجل داره ، والله تعالى يقول : ' ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله ' أي لو قالها الرجل لسلمت جنته من الآفات ، وكان رضي الله عنه يقول في قوله تعالى : ' سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ' أي بحقيقة الاستدراج ، وذلك أن يغطي عليهم حقائق الحق ، ويلقى في أوهامهم أنهم على صواب ، وحق وأنهم غير مؤاخذين على أفعالهم نسأل الله اللطف ، فمن أراد الوقاية من الاستدراج فليخف عند ورود النعم عليه أن يستعملها في غير ما وضعت له ، وكان رضي الله عنه يقول ربما منع المريد من أجل قوله لشيخه لم فإنه ذنب عند أهل الطريق لا يشعر به كل أحد . وكان يقول الطريق كلها أدب ، وتأديب فهم يناقشون من جهة الحق مناقشة الجليس جليسه ، والصاحب صاحبه لأنهم جلساء الحق ، وصاحب الأدب لم يزل مستور العورة في الدنيا ، والآخرة ، والعكس بالعكس ، وكان يقول : لا تجالسوا العارفين إلا بالأدب فربما مقت من أساء أدبه معهم ، ومحي من ديوان القرب وكان يقول من لم تؤدبه الصوفية فليس بأديب ، وكان يقول الواردات مختلفة من حيث المورودة عليه لا من حيث نفسها فإنها واحد فهي كالمطر على أرض فيها أنواع من البذر فالمطر واحد ، والنبات مختلف ' يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل ' ' الرعد : 4 ' . فافهم وكان يقول التعبد هو مفتاح باب الخير فمن فاتته الأوراد في بدايته فقد حرم الواردات في نهايته فللأعمال أنوار كما أن للمعارف أسرارا فعليك أيها السالك بالدوام على الأوراد ، ولو بلغت المراد وكان يقول في معنى قول القوم فلان عنده استعداد أي صقل مرآة قلبه بأنواع المجاهدات التي سببها يكون الجلاء الموجب لتجلي صور الحقائق في القلب الصافي كما هو معلوم حسا هذا في المحبين ، وأما في المحبوبين فقلوبهم منورة مصقولة اختصاصا إلهيا ، وكان يقول ما ورد عليك هو ما ظهر منك لك ، وما جلى عليك هو منك إليك مثال ذلك النواة إذا زرعت فكل شيء ورد عليها من ورقها وثمرها كان فيها مودعا بالقوة كذلك أنت أيها الإنسان لا يرد عليك قط خارج منك من غيرك بل الوارد عليك فيك غيبا ثم ظهر لك شهادة لتعرف مقدار ما أنعم الله عليك ووراء ما أشرت إليه رموز ، ولغوز ضمنها كنوز سعد من لها يحوز ، وبحرها يجوز . وكان رضي الله عنه يقول : ثم من العلوم اللدنية ما لا يمكن الجواب عنها حقيقة ، ولا شريعة مع أن التعبير عن كل ما يشهده الإنسان غير ممكن ، وذلك أن من المشهود ما هو أو سمع أن يدخل في ضيق العبارة ، وألطف من أن تكشفه الإشارة ، وذكر كل معلوم يدل على قلة علم صاحبه لأن من العلوم ما لا يدخل تحت دائرة الحصر كالعلوم الملكوتية المفاضة من عوالم الغيوب مما لا يفهمه العقل ، ولا يدركه الوهم ، ولا يسعه الحفظ وهو في قلوب العارفين به يكون أولا مجملا ثم يفصل لهم بحسب الوقائع ، والحاجة إليه ثم منه ما لا يكون إلا غيبا في غيب ومنه ما يكون غيبا في شهادة ومنه ما لا يؤذن في إفشائه لأحد البتة ، ومنه ما يؤذن في إفشائه لقوم دون آخرين ، وإذا كان ذلك كذلك فالجواب عن كل سؤال قال بعض من لاح له ما أشرنا إليه أكون حالة الأخذ عن البشرية في حضرة أشاهد فيها ملائكة يتكلمون بعلوم لدنية أفهمها هناك بفهم يناسب تلك الحالة الملكية فإذا عدت إلى بشريتي نسيت ما علمت ، ولم أذكر شيئا مما سمعت ، وذلك لأن خرجت من وصف إلى وصف ، ومن عالم إلى عالم ، وكل علم له عالم بوصف ذلك العلم يدرك حقائقه العالم ، ولهذا كانت العلوم الكشفية غير العلوم العقلية ، والعقلية غير النقلية ، وعلم العبارة غير علم الإشارة فمن أراد أن يأخذ علم الإشارة من العبارة فقد طلب المحال ، وأنكر على الرجال ، وحرم تمام الكمال ، وكان يقول : الدرجات في الدنيا دليل على الدرجات في الآخرة ، والكرامات هنا دليل على الكرامات في الآخرة كما أن البعد هنا دليل على الطرد في الآخرة قال تعالى : ' ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى ' ' الإسراء : 72 ' والمراد بهذا العمى هو عمى البصيرة بالضلال عن الرشد وطريق الحق نسأل الله العافية ، وكان رضي الله عنه يقول : من كان عمله متعلقا بالظواهر فله في الجنة منزلة تناسب الظواهر ، ومن كان عمله متعلقا بالبواطن فله منزلة تناسب البواطن ، ومن كان علمه بدنيا فله منزلة في الآخرة تناسب أعماله العلمية ، وكذلك القول فيمن كان علمه قلبيا أو روحيا أو سريا فلكل حال مقام عند الله تعالى ، وعلى قدر سلوك الطريق يكون التحقيق ، وكان يقول احذروا من قولكم . ذهب الأكابر ، والصادقون من الفقراء فإنهم ما ذهبوا حقيقة ، وإنما هم ككنز صاحب الجدار ، وقد يعطي الله تعالى من جاء في آخر الزمان ما حجبه عن أهل العصر الأول فإن الله تعالى قد أعطى سيدنا ، وحبيبنا محمدا صلى الله عليه وسلم ما لم يعط الأنبياء قبله ثم قدمه صلى الله عليه وسلم في المدح عليهم ، ويا لله العجب من كثير من المتفقهة ينكرون ما أجمع عليه الأولياء ويصدقون بما وصل إليهم على لسان فقيه واحد . وربما يكون استناده في ذلك القول إلى دليل قياسي ضعيف أو إلى شذوذ من القول ما ذاك والله إلا لغلبة الحرمان ثم مع إنكاره إذا أصابه هم أو مصيبة يأتي إلى قبورهم فيحملهم الحملة دون الفقيه الذي صدق قوله ، وقدمه عليهم ، وكان الأمر بالعكس فإياك يا أخي أن تحرم احترام أصحاب الوقت فتستوجب الطرد ، والمقت فإن من أنكر على أهل زمانه حرم بركة أو أنه وكان يقول : من وقف مع عاداته ، وعلومه ، ولم يظن أن فوق علمه علوما فهو محروم من جميع المواهب حتى من أهل مذهبه ، ويسمى هذا بالجاهل المركب فإياك ، والبحث مع مثل هذا أو الجدال ليرجع فإنه لا يرجع ، ويتسع المجال بينكما ، وربما صار يستفتي عليك ، وينسبك إلى أمور أنت منها بريء حتى يتعب سرك فكف عنه ما دام يرى نفسه عليك فإن الجاهل لا ينصف المحق أبدا لعدم ذوقه لحاله إلا أن يداركه الله تعالى بالتسليم فيؤمن أن فوق كل في علم عليم ، وكان يقول لا ينبغي للفقير أن يستكثر شيئا من الدنيا في مقابلة عمل قليل أخروي يبقى ، وقد أعطى الشيخ ابن أبي زيد القيرواني مؤدب ولده مائة دينار حين أقرأه حزبين من القرآن فقال المؤدب هذا كثير فأخرج ولده من عنده ، وقال هذا يعظم الدنيا ، وكان يقول : إذا رأيت نفسك محرضة عن مودة أهل الله تعالى فاعلم أنك مطرود عن باب الله ، وكان يقول : إذا رأيت من رزق العلوم ، وفتح له خزائن الفهوم فلا تحاججه بنقل الطروس ولا تجادله بعزة النفوس ، وتقول هذا لم نجده في الأسفار عن أحد من الأخيار فإن المواهب تفوق المكاسب ، وكان يقول من أنكر ما لم يجد حرم بركة ما وجد ، ومن كان كثير الكير فهو فاقد التنوير وكان يقول تولوا الجميل للرجل الجليل . ل للرجل الجليل . وكان يقول من علامة من أذن له في الكلام قبول الناس له وان يقول : من ادعى أنه بر فلا يؤذي الذر ، وكان يقول : في قول بعضهم ما فعلت كذا إلا بإذن من الله تعالى مراده بالإذن نور يقع في القلب ينشرح له الصدر وليس ذلك بحجة لفقد العصمة لا سيما إن كان على غير قانون الشرع فما كل واقع للفقير حق ، وكان يقول هذا الكون كبيت يعمه الصدى ما قلته فيه رده عليك ، ومرآة يتجلى فيها ما بدا منك إليك ، وكان يقول العابد في وهم ، وتقييد ، والمقرب في فرح ، وتأييد ، وكان يقول : تنزهت أبناء الأزل عن الوقوف مع العمل بالعلل وكان يقول لا تكن ممن يعبد ليعد ، ولا ممن يسود الجاه للجاه بل اعبد ربك لا لغرض ، ولا لعرض ، وكان يقول : علم اليقين يحصل عن قاطع البرهان ، وعين اليقين يحصل بشهود العيان ، وحق اليقين تحقيق صورة العيان مثال ذلك ما استفيد بالعلم المتواتر علم يقين ، وفوقه عين يقين ، والحلول به حق يقين ، وكان يقول الوارد مثل العطاس لا يرد إذا ورد ، ولا يستجلب بحيلة ، ولو دفع كان عناء ، وتعبا وعللا ، وكل وارد لا يوافق الشرع فهو الظلمة وكان يقول : أحسن بذر الفلاح ما بذره الفلاح ثم ستره بعد بذره حتى ينبت في بطن الأرض ، وأقبحه ما نبت فوقها لأنه لا ثبات له ، وكان يقول اتباع شهوات النفوس هي التي تنكس الرءوس ، ومن أطلعه الله تعالى على دسائس نفسه أمن من عكسه ، ونكسه ، وكان يقول علامة قبح القلوب أن لا يدخل فيه خلل ، وعلامة قبح النفوس السامة منه ، والملل ، وكان رضي الله عنه يقول حقيقة الكشف أن تنظر الظلمة عين النور ، وتشهد رفع الغطاء في الستور ، وأعلى مراتب الكشف أن يطلعه الله على المقر المستودع ، ودونه من أطلعه الله على البداية دون الغاية ، وكان رضي الله عنه يقول من شهد بواطن الأواني . نال أسرار المعاني ، وكان يقول : ظهور الأخيار من غير اختبار . وكان يقول من علامة المعتني به في الأزل أن لا يسلب ما فتح ، ولا يخلع ، ومن رام مزاحمة أهل العناية ، وقع في شرك العناء ، والتعب ولا يقضي أرب ، وكان يقول إن أردت الوصول بلا تعب فاستمسك بأهل الحسب ، وكان يقول من كان له بالتعظيم بين العوام صورة لم يكن له بالتخصيص عند أهل التحقيق سورة ، وذلك لأن محب الله مشهور ، ومحبوب الله مستور ، وكان يقول إساءة الأدب على أهل الرتب توجب العطب ، وكان يقول الإسرار بالذكر من شأن الخواص لا المريدين لأن المريد يذكر ليستنير قلبه ، والمراد من وجد النور قبل الذكر ، ومن العجب ذكر الحاضر القريب فما بقي للذكر سلطان إلا على سبيل التعظيم أو حال غيبة الذاكر عن المذكور ، وكان يقول في قولهم قيل لي ليلة البارحة كذا مثلا مرادهم إما هاتف الحقيقة أو أنه سمع الملك من غير رؤية لشخصه أو رؤيته على غير صورته الأصلية أو مرادهم ما يسمعونه من قلوبهم ألم ما يفهم من حال الشيء بحسب مراتبهم في ذلك الوقت ، والأخير خاص بالمريدين ، وكان يقول من كان للخلق أرضا فهو لربه أرضي ، ومن على الخلق يتعالى لا يقال له تعال ، وكان يقول إذا رأيت في منامك شيئا من البشرى فلا ترض عن نفسك حتى تعلم رضا الله عنها ، وكان يقول رب امريء مزار حمله الزائر الأوزار فتفقدوا نفوسكم عند قدوم الزائر . وكان يقول من حمل الفقراء ما يرد عليه من النكد فكأنه لجال عيهم إذ ورد ، وكان يقول كان الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المراكز العلية ليشهد الملائكة الملكوتية ما ليس فيهم ، ولا في الملكوت من عزيز الخصائص وكمال النعوت فأراد الحق بالإسراء أن يرى محمدا صلى الله عليه وسلم قدر ما أنعم به عليه فكان ظاهره اجتباء وباطنه ابتلاء لعدم قيام العبد بشكر جميع النعم الربانية فافهم ، وكان يقول لا تستقل بالعالم الفقير ، ولا تنظر إليه بالتحقير فربما تقدم على أهل الزمان إذا جاء وقت الامتحان لهم وكان رضي الله عنه يقول شيخ الأمير طبل كبير ، وشيخ السلطان أخو الشيطان ، وكان يقول الأستاذ هو من كمل الدوائر ، وانطوى فيه علم الأوائل ، والأواخر ويسمى بالعالم المطلق فكل أستاذ شيخ ، ولا عكس ، وكان يقول : من شرط المريد أن لا يخرج عن التحديد ، وكان كثيرا ما يتمثل بقول الشيخ محيي الدين رضي الله عنه حين يستغرب أحد قولا : تركنا البحار الزاخرات وراءنا . . . فمن أين يدري الناس أين توجهنا وكان رضي الله عنه يقول : كان سجود الملائكة عليهم السلام لآدم عليه السلام إشارة لتواضع الصغير للكبير ، وإظهارا للكرامة بظهور صورته بسمة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أن رأس آدم عليه السلام ميم ، ويديه حاء وسرته ميم ، ورجليه دال ، وكذا كان يكتب في الخط القديم وإنما لم تظهر اليد الأخرى حتى يكون يمينا ، وشمالا هكذا . لأن الأول أعظم في المدح ، لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر من خلفه كما ينظر من أمامه فيصير يسار الخلق يمينا لذلك الوجه المختص به صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا قال بعض العارفين لا يقال ليد النبي صلى الله عليه وسلم يسار ، وإنما يقال اليمين الأول اليمين الثاني أو يمين وجهه ، ويمين خلفه . وهنا دقيقة وهي خروج عدد المرسلين الثلاثمائة عشر من اسمه محمد فالميم الأول منه إذا نطقت بها كانت ثلاثة أحرف ، والحاء حرفان حاء ، وألف ، والهمز ساقط ، والميم المضعف كذلك بستة أحرف ، والدال كذلك دال ألف لام فإن عددت حروف اسمه كلها ظاهرها ، وباطنها حصل لك من العدد ثلاثمائة وثلاثة عشر على عدد الرسل المتفرعين منه صلى الله عليه وسلم الجامعين للنبوة ، ويبقى واحد من العدد هو لمقام الولاية المفرق على جميع الأولياء التابعين للأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وله صلى الله عليه وسلم فافهم ، وقد التقطت جميع ما نقلته عنه من شرحه للحكم ، ومن كتاب القانون له رضي الله عنه والله أعلم . ومنهم الشيخ حسين الآدمي رضي الله تعالى عنه أحد مشايخ سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه ، وكان مقيما بالحسينية بمصر قال سيدي أحمد الزاهد : وكان أصله من مراكش بأرض المغرب ، وكان له هناك أرض يزرعها ، ويرعى فيها غنمه فلما جاء إلى مصر كان كل يوم يرسل غنيماته مع النقيب يرعاها بمراكش ، ويبيتها بمصر ، قال سيدي أحمد رضي الله عنه ، وكنت جالسا عنده يوما فجاء يهودي ، وقدم رجله وهي في النعل ، وقال يا مسلم اقطع لي هذه الجلدة التي تؤذيني فقال بسم الله وأخذ الشفرة ، وقال الله أكبر فصاح اليهودي أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وقال يا أحمد إن عشت أفعل كذا رضي الله عنه . ومنهم الشيخ أحمد بن سليمان الزاهد رضي الله تعالى عنه هو الشيخ الإمام العالم العامل الربائي شيخ الطريق ، وفقيه أهلها . ربي الرجال ، وأحيا طريق القوم بعد اندراسها ، وكان يقال هو جنيد القوم . وكان يتستر بالفقه لا تكاد تسمع منه كلمة واحدة من دقائق القوم ، وصنف عدة رسائل في أمور الدين ، وكان يعظ النساء في المساجد ، ويخصهن دون الرجال ، ويعلمهن أحكام دينهن ، وما عليهن من حقوق الزوجية ، والجيران ، وعندي بخطه نحو ستين كراسا في المواعظ التي كان يعظها لهن ، وكان رضي الله عنه يقول هؤلاء النساء لا يحضرن عروس العلماء ، ولا أحد من أزواجهن يعلمهن ، وكان يقول يينما أنا ذاهب إلى المكتب ، وأنا صبي عارضني شخص من أولياء الله أشعث أغبر فطلب مني غدائي فأعطيته له ، وعزمت على الجوع فأخذه مني وقال لي يا أحمد تبني لك جامعا في خط المقسم ، وتلقب بالزاهد ، ويعارضك في عمارته جماعة ، ويخذلهم الله عز وجل ، وتصبر المشار إليه في مصر ويتربى على يديك رجال فكان الأمر كما قال ، ولم أجتمع بذلك الرجل بعد ذلك اليوم . قلت : وقد عارضه من العلماء جماعة منهم شيخ الإسلام ابن حجر ، وجمال الدين صاحب الجمالية التي بالقرب من خانقاه سعيد السعداء حتى أرسل إلى التراب ، ومنعه أن ينقل تراب عمارة جامع الشيخ فقال الشيخ كل فقير لا يظهر له برهان لا يحترم له جناب ثم وضع رأسه في طوقه ، وتوجه في تغيير خاطر السلطان على جمال الدين فأرسل ذلك الوقت وراءه وحبسه ولم يذكر له ذنبا ، ولم يزل جمال الدين محبوسا حتى فرغ الشيخ من تعمير الجامع ، وقال للتراب انقل ، وقلبك قوي طيب لا نطلقه من الحبس حتى تفرغ ، وأنكر عليه أيضا قبل ذلك الشيخ سراج الدين البلقيني ، وبالغ في إنكاره عليه فبلغ ذلك سيدي أحمد فقال ماذا ينكر علينا ؟ فقال يقول إنك تأخذ طوب المساجد الخراب تبنى بها جامعك فقال كلها بيوت الله ثم إن الشيخ دخل الجامع الأزهر بقصد البلقيني ، ونصب كرسيا في صحن الجامع وهو في حال حتى صارت عيناه كالجمر الأحمر ثم جلس على الكرسي وقال من يسألني عن كل علم نزل من السماء أجيبه عنه فبهت الناس كلهم ، ولم يسأله أحد فلما سرى عنه قال من جاء بي إلى هنا فقالوا له وقع منك كذا ، وكذا وقلت كذا وكذا فقال لهم هل سأل أحد فقالوا لا فقال الحمد لله لو خرج إلينا أحد لافترسناه ثم خرج من الجامع . وكان رضي الله عنه إذا دعي إلى شفاعة عند من لا يعرفه يقول لصاحب الحاجة اذهب فخذ لك أحدا من وجوه الياس ، واسبقني إلى بيت الرجل فإذا جئت فقوموا ، وتقوني وعظموني حتى تمهدوا لي مكانا للشفاعة فإني رجل مجهول الحال بين هؤلاء ، وكان يقول ما دخل أحد إلى مسجدي هذا ثم صلى ركعتين إلا أخذت بيده في عرصات القيامة فإن الله شفعني في جميع أهل عصري ، وكان يستر نفسه ، ولا يذكر قط شيئا من الكشف إلا على لسان بعضهم ، وأخلى مرة مريدا فكشف للمريد أن الشيخ من أهل النار فتوجه إلى الله أن يمحو اسم شقاوته فدق الشيخ على المريد ، وقال يا ولدي أنا لي منذ ثلاثين سنة أرى ذلك ، ولا اعترضت ، ولا سألت التغيير فأنت في ساعة واحدة تقلقات ثم توجه الفقير فوحد الشيخ قد حول اسمه في السعداء وكان رضي الله عنه يمتحن المريد قبل أن يأخذ عليه العهد سنة ، وأكثر . ولما جاء سيدي محمد الغمري ليأخذ عنه الطريق وافق الدخول بعد العشاء ، وقد أغلق باب الجامع فقال افتحوا لنا فقال الشيخ نحن لا نفتح الجامع بعد العشاء فقال إن المساجد لله فقال الشيخ نفس فقيه يا فلان افتح له ففتحوا له فدخل فقال أين الشيخ فقال له الشيخ ما تفعل به فقال أطلب الطريق إلى الله فقال ما أنت من أهلها فقال ببركة الشيخ أكون إن شاء الله أهلا لها فتعرف له الشيخ فعرفه ، ولقنه الذكر ، وجعله خادما في الميضأة ثم نقله إلى البوابة ثم نقله إلى الوقادة فمكث عشر سنين فقام عن الوقود في الفجر فخرج الشيخ فقال يا محمد فقال نعم فقال أوقد الجامع فجال بيده ، وحلق على الجامع فأوقدت مصابيحه كلها فقال له الشيخ اذهب إلى بلبيس أنفع الناس ما بقي لك إقامة هنا فذهب إلى بلبيس فلم يصح له فيها قدم فانتقل إلى محلة أبي الهيثم فلم يصح له فيها قدم فذهب إلى المحلة الكبرى فكان من أمره ما كان كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى . وكان سيدي أحمد رضي الله عنه لا يدخل إلى بيته من الجامع إلا بعد صلاة الجمعة فكان يصلي ويدخل فيمكث إلى العصر فدخل يوما فرآهم يضحكون ، وهم مبسوطون فقال مالكم . فقالوا شخص يسمى عبد الرحمن بن بكتمر أرسل إلينا لحما وملوخية ، وعسلا ، وقال اطبخوا ، وكلوا فقال الشيخ وجب حقه علينا فأرسل وراءه ، وأخذ عليه العهد وكانت مجاهدته فوق الحد ، وقد رأيت له حبلا مربوطا في السقف في خلوته فوق ميضأة جامع سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه فكان لا يضع جنبه الأرض سنين حتى وقع له الفتح ، وكان من أمره ما كان . وأما سيدي مدين فجاء إلى سيدي أحمد بعد أن كان اشتغل بالعلم زمانا فأخذ عليه العهد وأخلاه ففتح عليه ثالث يوم فكان سيدي أحمد رضي الله عنه يقول كل الناس جاءونا ، وسراجهم مطفأ إلا مدين فإنه جاء ، وسراجه موقد فقويناه له وسافر سيدي محمد الغمري إلى ناحية دمياط فاشترى لبيت الشيخ علبة حلاوة فتحرك الريح فجاء حبل الراجع فرماها في البحر فلما وصل سيدي محمد إلى القاهرة ، ودخل وسلم على الشيخ قال له يا محمد أين هديتك قال يا سيدي رماها الراجع في البحر فقال للخادم : أدخل هذه الخلوة ، وأعرض عليه الخبر فدخل فوجد العلبة على الرف وهي تقطر ماء فقال يا محمد وصلت هديتك ، ولما حضرته الوفاة تطاول بعض الفقراء للإذن له بالجلوس في الجامع بعد الشيخ فجمعهم الشيخ ، وقال أنا أقسم بينكم الميراث في حياتي لئلا تتنازعوا بعد فقال لسيدي محمد الغمري يا محمد إن خيرك في الطريق لذريتك ما لأصحابك منه شيء سوى الرشاش ، وقال لسيدي مدين رضي الله عنه يا مدين أنت خيرك لأصحابك ما لذريتك منه شيء وقال لسيدي عبد الرحمن بن بكتمر يا عبد الرحمن أنت خيرك لنفسك ما لذريتك ، ولا لأصحابك منه شيء ، وكان يفوق الطريق بالمواهب ، ولو كانت بالاختيار كان ولدي أحق بها ، وكان يقول يا من يربي لنا ولدنا ونربي له ولده ، وكان يخرج في السحر على باب الجامع يتبرك بمن دخل مصر من المسفرين ، ويقول إنهم مر عليهم نسيم الأسحار ، وكان إذا جاءه إنسان بولده الصغير ليدعو له يقول : اللهم لا تجعل لهذا الولد كلمة ، ولا حرمة في هذه الدار ، وكان يهجر الفقراء كثيرا وربما يأمر الفقير بالإقامة في الميضأة سنة كاملة فيفعل ، وكان إذا جاءه شخص يريد المجاورة للاشتغال بالعلم يقول يا ولدي ما نحن معدين لذلك اذهب إلى الجامع الأزهر ، وما كان يأذن للفقراء القاطنين عنده إلا في تعليم فرائض الشرع وواجباته المتعلقة بالعبادات ، وكان يمنعهم من تعلم الأمور المتعلقة بفصل الأحكام في البيوع ، والرهون والشركات ، ونحو ذلك ، ويقول ابدءوا بالأهم ، ولا أهم من معرفة الله في هذه الدار ، والفقهاء قد قاموا عنكم بفروع الشريعة فإن قتلوا ، والعياذ بالله ، وتعطلت الأحكام وجب عليكم تعلم هذه الفروع لئلا تندرس الشريعة رضي الله عنه قلت : وقد سألت سيدي الشيخ محمد الحريفش الدنوشري وكان قد رأى سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه عن سبب تسميته الزاهد ، وإن كان كل ولي لا بد له من الزهد ، ومع ذلك فلم يشتهر به في مصر إلا هو فقط فقال صنع مرة الكيمياء نحو خمسة قناطير ذهبا ثم نظر إليه ، وقال أف للدنيا ثم أمر بطرحها في سرداب جامعه فأشهره الله تعالى من ذلك اليوم بالزاهد . مات رضي الله عنه سنة نيف وعشرين وثمانمائة ، ودفن بجامعه ، وقبره ظاهر يزار ، ويتبرك الناس به رضي الله عنه . ومنهم سيدي عمر الكردي رضي الله عنه كان رضي الله عنه مقيما ببركة ميدان خارج القاهرة وكان يغتسل لكل فريضة صيفا كان أو شتاء ، وكان الأمراء ، والخوندات ، والأكابر يأتون له بالأطعمة الفاخرة والحلاوات فيطعمها للحشاشين الذين يتفرجون ، ويقول لهم يا إخواني ما لي أرى أعينكم حمرا لا يزيدهم على ذلك ، وكان النقباء يلومونه على عدم إطعامهم من ذلك الطعام فقال يوما للنقيب ، املأ لك صحنا من هذه الحلاوة ، وغطه ، وقم بنا نأكله في تلك الجزيرة التي في وسط البركة فمضى هو والنقيب ، وقال اكشف ، وكل فوجده النقيب كله خنفسا فقال كل فقال لهذا خنفس فقال أتلومني على عدم إطعامكم الخنفس كل يوم . قال الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري رضي الله عنه ولما دفناه في تربة خشقدم كان من جملة الحاضرين سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه فقال : وعزة ربي ما رأيت أصبر منه نازلا في قطعة من جهنم ، وما فيه من شعرة تتغير رضي الله تعالى عنه . ومنهم سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تعالى عنه كان من أصحاب الدوائر الكبرى في الولاية ، ولم يكن له شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يبيع الحمص المسلوق بالقرب من جامع الأمير شرف الدين بالحسينية من القاهرة المحروسة ، وكان يرى النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا في المنام فيخبر بذلك أمه فتقول : يا ولدي إنما الرجل من يجتمع به في اليقظة فلما صار يجتمع به في اليقظة ، ويشاوره على أموره قالت له الآن قد شرعت في مقام الرجولية ، وكان مما شاوره عليه عمارة الزاوية التي ببركة الحاج فقال يا إبراهيم عمر ها هنا ، وإن شاء الله تعالى تكون مأوى للمنقطعين من الحاج ، وغيرهم ، وهي دافعة البلاء الآتي من الشرق عن مصر فما دامت عامرة فمصر عامرة ، ولما شرع في غرس النخل بالقرب من البركة لم يصح له بئر فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال : غدا إن شاء الله تعالى أرسل لك علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلم لك على بئر نبي الله شعيب التي كان يسقي منه غنمه فأصبح فوجد العلامة مخطوطة فحفر فوجدها ، وهي البئر العظيمة بغيطه إلى الآن . وأخبرني الشيخ جمال الدين يوسف الكردي رضي الله عنه أن الغلاء وقع أيام السلطان قايتباي حتى اجتمع عند الشيخ في الزاوية نحو من خمسمائة نفس فكان كل يوم يعجن لهم ثلاثة أرادب ، ويطعمها لهم من غير إدام فطلب الناس منه أدما فقال للخادم اذهب إلى الخص الذي في النخل فارفع الحصير الخوص ، وخذ حاجتك فذهب ورفع الحصير فوجد قناة تجري ذهبا ، وفضة من علو نازلة في السفل فأخذ منها قبضة فاشترى بها ذلك اليوم أدما فقال : النقيب يا سيدي إذا كان الأمر كذا دستورك نوسع على الناس فقال ما ثم إذن فذهب الخادم من وراء الشيخ فلم يجد القناة فحفر فلم يجد شيئا ، ولما سافر إلى القدس زار السيدة مريم عليها السلام بنت عمران فقرأ عندها ختما تلك الليلة فرأى بعض القراء سيدنا عيسى عليه السلام ، وهو يقول : سلم لنا على إبراهيم . وقل له جزاك الله عنه وعن والدته خيرا ، وأخبرني الشيخ جمال الدين يوسف أيضا قال اشتقت إلى أهلي بحصن كيفا من بلاد الأكراد فشاورت الشيخ ، وإن ذلك بعد العصر فقال إن شاء الله يكون فدخلت الخلوة أقرأ ورد العصر فرأيت نفسي داخل بلدي ، والناس تسلم علي ، وشالوا الأعلام قدامي فدخلت دارنا فسلمت على أمي وأبي ، ومكثت عندهم أخطب في الجامع ، وأقرئ أطفالا مدة تسعة شهور فقوي اشتياقي إلى الشيخ فشاورت ، والدي ، ووالدتي فأذنا لي فخرجت إلى موضع خارج البلد فأذنا لي في خلوتي ببركة الحاج فخرجت لأسلم على إخواني فلم يسلموا علي فأخبرتهم بسفري فقالوا : يوسف حصل له جنون فعلم الشيخ بذلك فقال : اكتم يا ولدي ما معك ثم بعد ثلاث سنين جاءت والدته بصحبة والده وقالا يا سيدي لولا خاطرك ما خلينا يوسف يجيء إلى سنة . قلت ، وهذه القصة من مسائل ذي النون المصري ، وهي تشبه مسألة الجوهري الذي غطس في البحر فرأى نفسه ببغداد فتزوج ، وجاء بالأولاد ثم رفع رأسه فإذا هو عند ثيابه بساحل الذيل بمصر فخرج في الحس ما كان في عالم الخيال ، وكان هدا الشيخ يوسف من عباد الله الصالحين ، وكان يذكر أنه يجتمع بالخضر عليه السلام كثيرا فكانت لوائح الصدق ظاهرة على وجهه ، وكان يقرأ القرآن بالسبع ، وحدثني بهذه القصة في كماله ، وعقله رضي الله عنه ، ولما اجتمع عنده بنو حرام في زاويته خوفا من بني وائل أرسل الشيخ لبني وائل قاصدا يأمرهم بالصلح فقالوا : أيش للمتبولي في هذا يروح يقعد هو وصغاره في الجبل والله لا نرجع حتى نسقي خيلنا من حيضان المدينة فقال : الشيخ ، وعزة ربي ما عادت تقوم لبني وائل رأس إلى يوم القيامة فهم إلى وقتنا هذا تحت حكم بني حرام . وكان سيدي إبراهيم رضي الله عنه مبتلي بالإنكار عليه من كونه لم يتزوج ، وكان رضي الله عنه يقول : ما في ظهري أولاد حتى أتزوج بقصدهم ومكث نحو الثمانين سنة حتى مات لم يغتسل قط من جنابة لأنه لم يحتلم قط ، وكان إذا جاءه الشاب ، وشهوته ثائرة عليه يقول : له تطلب لك مدة ، إلا دائما فإن قال أريد مدة حتى أقدر على مؤنة التزويج يقول له خذ هذا الخيط فشد به وسطك فما دام معك لا يتحرك لك شهوة ، وإن قال أريد عدم تحرك الشهوة طول عمري يمسح على ظهره فلا تتحرك له شهوة ، ولا ينتشر إلى أن يموت ، وكان يقول : لمن يبلغه عنه إنكار يا أولادي أنا سم ساعة فما للناس ولي ، وكان يسأل الفقراء القاطنين عن أحوالهم ويباسطهم فرأى يوما شخصا منهم كثير العبادة ، والأعمال الصالحة ، والناس منكبون على اعتقاده فقال يا ولدي مالي أراك كثير العبادة ناقص الدرجة لعل والدك غير راض عنك فقال نعم فقال تعرف قبره فقال نعم فقال اذهب بنا إلى قبره لعله يرضى قال الشيخ يوسف الكردي فوالله لقد رأيت والده خرج من القبر ينفض التراب عن رأسه حين ناداه الشيخ فلما استوى قائما قال الشيخ : الفقراء جاءوا ، شافعين تطيب خاطرك على ولدك هذا فقال : أشهدكم أني قد رضيت عنه فقال ارجع مكانك فرجع ، وقبره بالقرب من جامع شرف الدين برأس الحسينية قال : فلما رجعنا إلى البركة إذا امرأة تقول يا سيدي قف فوقف بالحمارة فقال ما حاجتك فقالت ابني أخذه الإفرنج ، وأريد منك أن تدعو الله تعالى يرجع فقال : بسم الله فدعا ثم قال : ها هو ولدك فوقع بصرها عليه فلما اجتمعت بولدها ذهبنا فقال : اشهدوا بأن الله رجالا في هذا العصر يجيب سؤالهم في الحال . وكان يقبض على لحيته ، ويقول يا ما تقاسي مصر بعد هذه اللحية أنا أمان لها ، وكان رضي الله عنه يقول وعزة ربي لتتوزع أحوالي بعدي على سبعين رجلا ، ولا يحملون ، وكان إذا ذهب إلى أحد من الأكابر لا يأخذ معه أحدا من الفقراء ، ويقول ارجعوا فإني عازم على أكل السم ، ولم تطيقوه ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا كان طعام الأمراء سما فكيف بطعام الملوك وظلم ابن البقري رجلا وأخذ بقرته التي يشرب هو وأولاده لبنها فجاء إلى سيدي إبراهيم رضي الله عنه فركب حمارته ، وتوجه إلى ابن البقري فوجد عنده شيخه ابن الرفاعي فتكلم سيدي إبراهيم رضي الله عنه كلاما بعزة بحضرة شيخه فقال له شيخك هذا كان أبوه قرادا في بلاده فما قال الشيخ رضي الله عنه ذلك الكلام إلا والقرد ، والدب ، والحمار والكلب في وسط داره حتى شهدهم الحاضرون تصديقا لكلام الشيخ ثم غابوا فاستغفر ابن البقري ، وقضى الحاجة ، ونام عنده جماعة من فقهاء الأزهر في بركة الحاج فوجدوا عند الشيخ مملوكين أمردين من أولاد الأمراء ينامان معه في الخلوة فأنكروا عليه ثم رفعوا أمره إلى الشرع بالصالحية فأرسل القاضي وراءه فحضر فدخل الصالحية فقال مالكم فقال القاضي هؤلاء يدعون عليك أنك تختلي بالشباب ، وهذا حرام في الشرع فقال ما هو إلا هكذا وقبض على لحيته بأسنانه ، وصاح فيهم فخرجوا صائحين فلم يعرف لهم خبر بعد ذلك الوقت ثم جاء الخبر أنهم أسروا ، وتنصروا في بلاد الإفرنج فشفعوا فيهم عند الشيخ فلم يقبل شفاعة أحد ثم انقطع خبرهم . ورماه أهل بيت من متبول باللواط مع ولدهم فقال هتك الله ذراريهم فمن ذلك اليوم صار أولادهم مخانيث ، وبناتهم زناة إلى يومنا هذا . ورماه واحد أيضا بفاحشة فقال له سود الله نصف وجهك فصار له خد أسود ، وكذلك ذريته إلى وقتنا هذا . وكان يقول : وعزة ربي ما رأيت في الأولياء أكبر فتوة من سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ، ولذلك وأخي بيني ، وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان هناك من هو أكبر فتوة منه لآخى بيني وبينه ، ودخل عليه مرة رجل ، ومعه ولد صغير فقال للولد هز هذه البقة فهزها فوقع منها اثنتان وسبعون حبة فقال للولد كلها كلها فإنك تأخذ بعددها نساء فتزوج ذلك الولد اثنتين وسبعين زوجة ، وكان رضي الله عنه يقول لا تكبروا خبزي على خبز أخي أحمد البدوي ، وكان سما نافعا على الولاة فإذا تشوش من أمير أو وزير مات لوقته أو في ليلة وتعرض جماعة من الظلمة إلى جماعة غيطه ، وأراد الوزير ، وكان يسمى قاتم التاجر أن يحدث عليهم مظلمة وقال إن كان المتبولي شيخا ينفخني فقال يا ولدي ما أنا أنفخ وإنما أفوق سهمي فلا يرد فدخل الوزير بيت الخلاء فانتظروه ليخرج فلم يخرج فدخلوا عليه فوجدوا لحيته ، ووجهه في حلق الخلاء ، وهو ملطخ بالعذرة ، وهو ميت فرجع غالب الولاة عن معارضته في أمر من الأمور ، وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه ، إذا غير أحدكم منكرا فليتوجه بقلبه إلى الله تعالى في إزالته ، ويقلب أصحاب المنكر فيزيلوا ذلك المنكر قال الشيخ يوسف رحمه الله تعالى ، ولقد كنا يوما في حصن مسلة فرعون بالمطرية فجاء جماعة من الجند بجرار خمر فجلسوا يشربون فقال سيدي إبراهيم رضي الله عنه من يزيل هذا المنكر فقال فقير أنا فوضع رأسه في طوقه فما كان بأسرع من أن وقع الجند في بعضهم بعضا بالدبابيس ، والنعال ، وكسروا الجرار ثم جاءوا ، واستغفروا ، وتابوا على يد الشيخ ، وقالوا كلهم يقول أستغفر الله قال الشيخ محمد النامولي رحمه الله : وكنا إذا سافرنا معه إلى ناحية طندتا يقول لنا البيات عند الشيخ علي بن الصعيدي يعني جدي أنا لأجل حل طعامه . وقد كان جدي رحمه الله قد دقق في الورع كما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى ، وسمعت سيدي الشيخ عبد القادر الدشطوطي رحمه الله يقول ليس أحد من الأولياء له سماط يمد كل سنة فوق سد الإسكندر ذي القرنين غير سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه ولا يتخلف أحد من الأنبياء والأولياء عن حضوره فيجلس النبي صلى الله عليه وسلم صدر السماط ، والأنبياء يمينا ، وشمالا على تفاوت درجاتهم ، وكذلك الأولياء ، ونقباء ذلك السماط المقداد بن الأسود رضي الله عنه وأبو هريرة رضي الله عنه ، وجماعة هكذا سمعته من سيدي عبد القادر قال ، وقد حضرته سنين . وكان جماعة من رعيان الغنم يرعون برسيمه في ناحية المطرية فأغلظ عليهم جماعة الشيخ فبينما الشيخ رضي الله عنه يوما راكب ، وهو راجع من مصر إلى البركة ، ومعه جماعة من الفقراء إذ أرسلوا إليه عشرة كلاب شؤام بأطواق الحديد يعقرون الشيخ وجماعته فلما وصلوا إلى الشيخ بصبصوا بأذنابهم ، ولاذوا بالشيخ تبركا فجاء أصحابهم إليهم فرجعوا عليهم فعقروهم ، ومضوا مع الشيخ رضي الله عنه في خدمته ، وكان إذا حصل بين المجاورين نكد ، وتشويش يدخل إلى المطبخ ، ويضرب الدست بعصاه ، ويقول أنت الذي جمعت عندي هؤلاء المخاميل فما يطلع النهار حتى يشتوا عن المكان بأنفسهم من غير أن يخرجهم أحد ، وكان رضي الله تعالى عنه لا يراه أحد يصلي الظهر في مصر أبدا ، وكان بعض الفقهاء ينكر عليه فسافر الشام فوجد سيدي إبراهيم في الجامع الأبيض برملة لد يصلي فسلم عليه . وسأل قيم الجامع عنه فقال سيدي إبراهيم دائما يصلي الظهر عندكم فقال نعم فرجع عن إنكاره ، وكان رضي الله عنه يقول لا تكبر تعظم ، وكان يقول طهر قلبك من محبة الدنيا يجر ماء الإيمان في قلبك جداول ، ومن لم ينظف قلبه من ذلك لا يجري في قلبه ماء الإيمان ، وكان رضي الله عنه يقول : لا أحب الفقير إلا إن كان له حرفة تكفه عن سؤال الناس ، ولما وقع من البقاعي ، وغيره الكلام في شأن سيدي عمر بن الفارض جاؤوا إليه ، وقالوا : له مثل سلطان العشاق يتكلم فيه فقال لهم من سلطان العشاق . فقالوا سيدي عمر بن الفارض فقال سيدي إبراهيم هذا وأمثاله ممن ملأ الأرض عياطا من أعطى أحدهم من سر الله عز وجل ما يغطي شارب ناموسة ، وإن يحط على من يسلك برياضات البوني وغيره ، ويقول : وعزة ربي إن عباد الأصنام أحسن من هؤلاء فإن لله عز وجل أخبر عنهم أنهم كانوا يقولون : ' ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ' ' الزمر : 3 ' هؤلاء اتخذوا أسماء الله المشرفة المعظمة لحصول أغراض خسيسة من مناصب الدنيا لو عرضت على عاقل بلا سؤال كان من الأدب ردها فكيف بمن يطلبها بمعصار التوجه ، والجوع ليلا ، ونهارا حتى يخف دماغه ، وبعضهم يحصل له الماليخوليا ، والجنون ، وكان رضي الله عنه يلبسن الصوف ، ويتعمم به وكان له طليحية حمراء ، ويقول أنا أحمدي ، وكان رضي الله عنه يعمل في الغيط ويدير الماء ، وينظف القناة من الحشيش ، وكان إذا رأى إنسانا يعلم ما في نفسه ، وما هو مرتكبه من الفواحش ، وجاءته امرأة بولدها ليقرأ عنده في بركة الحاج فقال أنا ما أجمع عندي أحدا من الحرامية المقطوعين اليد فقالت أمه : بسم الله حوالي ولدي فخرجت به إلى الخانكاه فسرق فقطعت يده ، وصدق الشيخ ، وكان الشيخ إذا جاءه جبة أو جوخة مثمنة يتحزم عليها بحبل ، ويعزق الغيط ، وهو لابسها ، ويقول : ليس لملابس الدنيا عندنا قيمة ، وكان إذا فارقه إنسان من مريديه إلى أصحاب الخلوات ، والرياضات يهجره ، ويقول له : يا ولدي أنا أريد أن أجعلك رجلا ، وأنت تريد أن تصير كالبومة العمياء لا تنفع أحدا ، وأخباره مع الولاة وغيرهم مشهورة . وكان رضي الله عنه يقول كل فقير لا يقتل بعدد شعر رأسه من الظلمة فليس بفقير وكان يعارض السلطان قايبتاي في الأمور حتى قال له : يوما السلطان إما أنا في مصر أو أنت فخرج سيدي إبراهيم رضي الله عنه متوجها نحو القدس ، فقالوا له : إلى أين فقال إلى موضع تقف فيه حمارتي فوقفت بأسدود تجاه قبر سيدي سليمان رضي الله عنه ، فمات هناك سنة نيف وثمانين ، وثمانمائة ، وخلع عليه سيدي سليمان رضي الله عنه الشهرة فانطفأ اسمه من ذلك اليوم ، وصار الاسم لسيدي إبراهيم : ، المشهور بين الناس أنه خرج في غيظ من قايتباي ، وذلك لا يليق بمقام الشيخ لأن الكمل لا يغضبون لأنفسهم ، وإنما ينقلون من مكان إلى مكان لترابهم ، أو بنية صالحة أو غير ذلك ، والله أعلم . وعشق رجل أمرد فهرب الأمرد منه إلى سيدي إبراهيم ، فوضعه في خلوته فبلغ ذلك الرجل فغير هيئته في صفة فقير ، وجاء إلى سيدي إبراهيم يطلب الطريق ، فأدخله مع ذلك الأمرد ، فأنكر بعض الناس على سيدي إبراهيم فلما كان الغد خرج الفقير ، وقال : يا سيدي أنا تائب إلى الله تعالى فقال لماذا ، فقال : يا سيدي وضعت يدي على الشاب ، فأخذتني الحمى حتى لم أستطع أن أجلس إلى الصباح ، وقد تبت إلى الله تعالى قال له : الشيخ حتى تأخذ حدها منك ، فمكث بها نحو ستة شهور تخضه حتى خرجت شهواته من الدنيا وما فيها رضي الله تعالى عنه ، والله أعلم . ومنهم الشيخ حسين أبو علي رضي الله عنه ورحمه كان هذا الشيخ رضي الله عنه من كمل العارفين ، وأصحاب الدوائر الكبرى ، وكان كثير التطورات تدخل عليه بعد الأوقات تجده جنديا ثم تدخل فتجده سبعا ثم تدخل فتجده فيلا ثم تدخل فتجده صبيا ، وهكذا ومكث نحو أربعين سنة في خلوة مسدود بابها ليس لها غير طاقة يدخل منها الهواء ، وكان يقبض من الأرض ، ويناول الناس الذهب والفضة ، وكان من لا يعرف أحوال الفقراء يقول : هذا كيماوي سيماوي ، ولما شرع الخواجا ابن القنيش البرلسي في بناء زاويته قال : أعداؤه إن هذا المصروف العظيم إنما هو من كيمياء الشيخ حسين فبرطلوا عليه بعض العياق أن يقتلوه ، فدخلوا على الشيخ فقطعوه بالسيوف ، وأخذوه في تليس ، ورموه على الكوم وأخذوا عل قتله ألف دينار ثم أصبحوا ، فوجدوا الشيخ حسينا رضي الله عنه جالسا ، فقال : لهم غركم القمر ، وكانت النموس تتبعه حيثما مشى في شوارع ، وغيرها فسموا أصحابه بالنموسية ، وكان رضي الله عنه بريئا من جميع ما فعله أصحابه من الشطح الذي ضربت به رقابهم في الشريعة ، وكان الشيخ عبيد أحد أصحابه الذي هو مدفون عنده الآن مثقوب اللسان لكثرة ما كان ينطق به من الكلمات التي لا تأويل لها ، وأخبرني بعض الثقات أنه كان مع الشيخ عبيد في مركب ، فوحلت فلم يستطع أحد أن يزحزحها فقال : الشيخ عبيد اربطوها في بيضي بحبل ، وأنا أنزل أسحبها ففعلوا فسحبها ببيضه حتى تخلصت من الوحل إلى البحر . مات رضي الله عنه في سن نيف ، وتسعين وثمانمائة ، ودفن بزاويته بساحل الذيل بمصر المحروسة ببولاق رضي الله عنه . ومنهم سيدي الشيخ محمد الغمري رضي الله عنه أحد أعيان أصحاب سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه ، كان من العلماء العاملين ، والفقراء الزاهدين المحققين ، سار في الطريق سيرة صالحة وكانت جماعته في المحلة الكبرى ، وغيرها يضرب بهم المثل في الأدب ، والاجتهاد ، ولما أذن له سيدي أحمد الزاهد أن يذهب إلى المحلة ، وقال له : إن مقامك بها عارضه الشيخ أبو بكر الطريني ، فرده إلى محلة أبي الهيثم مدة ثم رجع إلى مصر فقال : سيدي أحمد لسيدي مدين اذهب ، وطن أخاك في المحلة فسافر معه سيدي مدين ، ولم يجيء إلى أن طاب الوقت بينه ، وبين الطرينية ، وعملوا له مولدا ، وصرفوا عليه من مالهم ، وكان رضي الله عنه يقول : خدمت عند سيدي أحمد رضي الله عنه مدة في البوابة ومدة في الوقادة ، ومدة في النقابة ، وكان قد قسم الفقراء إلى ثلاثة أقسام كهول ، وشباب ، وأطفال ، وجعل لكل قسم مكانا يخصه ، ولا يختلط بالآخر ، وكانوا لا يجتمعون إلا يوما واحدا في الجمعة فيتناقشون فيما وقع بينهم في بقية الجمعة لأنه كان أخذ عليهم العهد أن لا أحد يجيب عن نفسه قط بل يعفو عن الظالم أو يشكوه للشيخ يفعل فيه ما شاء من حيث أنهم كانوا يرون نفوسهم ملكا للشيخ يفعل فيهم ما شاء ، وهم أوصياء على أجسامهم فينتصرون لها من حيث إنها مضافة إلى الحق ، وما كان أحد منهم يتكدر قط مما يفعله الشيخ معه من هجر أو إخراج أو ضرب أو جوع أو نحو ذلك بل كانوا يرون الفضل للشيخ ، ولمن غمز عليهم في ذلك لمكان صدقهم في طلب الأدب ، وكان رضي الله عنه يقول : كان سيدي أحمد رضي الله عنه لا يأذن قط لفقير أن يجلس على سجادة إلا إن ظهرت له كرامة ، وكانت كرامتي أنني نمت عن الوقود ، فأشرت إلى القناديل فاتقدت كلها ، وأخبرني الأخ الصالح الشيخ شمس الدين الطنيخي أن الفقراء أرسلوه يوما إلى البستان فأتى بشيء من الرطب للفقراء ، فغلبته النفس فأكل ثلاث رطبات ، فأول ما رآه النقيب قال : هذا أكل من الرطب من وراء الفقراء ، فأخبرتهم أني أكلت ثلاث رطبات ، فأمر الشيخ بهجري عن كل رطبة يوما ، وأخبرني رحمه الله أن الفقير كان يأتيه أبوه أو أخوه من البلاد ، فيقع بصره عليه فلا يقدر يسلم عليه حتى يشاور النقيب ، ودخل عليه سيدي محمد بن شعيب الخيسي يوما الخلوة ، فرآه جالسا في الهواء وله سبع عيون ، فقال له : الكامل من الرجال يسمى أبا العيون ، ووقع الغلاء في سنة ، فأخرج الشيخ جميع ما في المخزن من القمح فباعه للناس ، وصار يشتري مثل الناس ، وقال : إن الله يكره الرجل المتميز عن أخيه . ولما أراد عمارة جامعه بمصر بسويقة أمير الجيوش أرسل يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في عمارته على يد شخص يرعى المعزى في مصر كان مشهورا بالولاية بباب النصر ، فقال له : أرد لك الجواب غدا ، فلما كان الغد قال له : عمر أذن لك النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان رضي الله عنه يحب المشي إلى الشفاعات مع قدرته على قضاء الحاجة بقلبه ، ويقول : إن الحديث ورد فيمن مشى في قضاء الحاجة لا فيمن يقضيها بقلبه ، ولما أرسل السلطان جقمق تجريدة خلف بن عمر أمير الصعيد جاءوا به في الحديد فعثر حمار بياع ، فجل من فقراء سيدي محمد في الصعيد ، فقال : يا سيدي محمد يا غمري فسمعه ابن عمر فقال من هذا فقال : شيخي فقال ، وأنا الآخر أقول : سيدي محمد يا غمري لاحظني فسمعه سيدي محمد ، وهو في المحلة قال : الحاكي لي الشيخ شهاب الدين بن النخال فطلب رضي الله عنه ثلاث حمير وقال : اركبوا فركبنا مع الشيخ ، وسافرنا إلى القاهرة ، فجلس الشيخ تحت قبة السلطان حسن لحظة وإذا بابن عمر طالعون به الحديد إلى القلعة فقال لابن النخال اطلع خلف هذا الرجل فإذا رأيت السلطان أغلظ عليه ، وأمر بإتلافه فضع إصبعك السبابة على الإبهام ، وتحامل عليه فإن كل من في الموكب تضيق نفسه ، ويخنق حتى السلطان فلما طلع ورآه أغلظ عليه السلطان فصنع ما أمره الشيخ فصاح السلطان أطلقوه واخلعوا عليه فتلطخ جماعة بالزعفران فنزل ابن النخال فأخبر الشيخ فقال اركبوا قضيت الحاجة ، ولم يكن أحد يعلم ابن عمر بالواقعة ، ولا بمجيء الشيخ ورجع إلى المحلة ، وقال : المعاملة مع الله تعالى ، وما مع أحد منكم دستور يتكلم بذلك حتى أموت قال لي : ابن النخال فما أخبرت بها أحدا قبلك . مات رضي الله عنه سنة نيف وخمس وثمانمائة ، ودفن بجامع المحلة رضي الله عنه . ومنهم سيدنا ، ومولانا شمس الدين الحنفي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان رضي الله عنه من أجلاء مشايخ مصر ، وسادات العارفين صاحب الكرامات الظاهرة ، والأفعال الفاخرة ، والأحوال الخارقة ، والمقامات السنية ، والهمم العلية صاحت الفتح المؤنق ، والكشف المخرق ، والتصدر في مواطن القدس ، والرقي في معارج المعارف ، والتعالي في مراقي الحقائق ، كان له الباع الطويل في التصريف النافذ واليد البيضاء في أحكام الولاية ، والقدم الراسخ في درجات النهاية ، والطود السامي في الثبات ، والتمكين وهو أحد من ملك أسراره ، وقهر أحواله ، وغلب على أمره ، وهو أحد أركان هذه الطريق ، وصدور أوتادها ، وأكابر أئمتها ، وأعيان علمائها علما ، وعملا ، وحالا ، وقالا : وزهدا وتحقيقا ، ومهابة ، وهو أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود وصرفه في الكون ، ومكنه في الأحوال ، وأنطقه بالمغيبات ، وخرق له العوائد وقلب له الأعيان ، وأظهر على يديه العجائب ، وأجرى على لسانه الفوائد ، ونصبه قدوة للطالبين حتى تلمذ له جماعة من أهل الطريق ، وانتمى إليه خلق من الصلحاء والأولياء ، واعترفوا بفضله ، وأقروا بمكانته وقصد بالزيارات من سائر الأقطار ، وحل مشكلات أحوال القوم ، وكان رضي الله عنه ظريفا جميلا في بدنه ، وثيابه ، وكان الغالب عليه شهود الجمال رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه . توفي رضي الله عنه سنة سبع وأربعين ، وثمانمائة رضي الله عنه ، وقد أفرد الناس ترجمته بالتأليف منهم الشيخ نور الدين علي بن عمر البتنوني رضي الله عنه ، وهو مجلدان ، والحق أنه لم يحط علما بمقام الشيخ رضي الله عنه حتى يتكلم عليه إنما ذكر بعض أمور على طريقة أرباب التواريخ وأهل الطبقات بل لو رام الولي نفسه أن يتكلم على مقام نفسه لا يقدر كما هو مقرر في كلام أصحاب الدوائر الكبرى ، والله أعلم ، ولكن نذكر لك طرفا صالحا مما ذكره الإمام البتنوني لتحيط به علما فنقول : وبالله التوفيق : اعلم أنه رضي الله عنه ربي يتيما من أمه وأبيه فربته خالته فكان زوجها يريد أن يعلمه الصنعة فمضى به إلى الغرابلي فهرب إلى الكتاب ثم مضى به إلى المناخلي ، فهرب إلى الكتاب فكف عنه ، فحفظ القرآن ، وكان ابن حجر رفيقه في الكتاب قال : الشيخ أبو العباس السرسي ، ولما خرج الشيخ محمد الحنفي من الكتاب جلس يبيع الكتب في سوقها ، فمر عليه بعض الرجال ، فقال : يا محمد ما للدنيا خلقت ، فنزل من الدكان ، وترك جميع ما فيه من الغلة والكتب ، ولم يسأل عن ذلك بعد ثم حبب إليه الخلوة ثم اختلى سبع سنين لم يخرج في خلوة تحت الأرض ودخلها ، وهو ابن أربع عشرة سنة وكان رضي الله عنه ، يقول : إياكم ، وكرامات الأولياء أن تنكروها ، فإنها ثابتة بالكتاب ، والسنة ، ونقض العادة على سبيل الكرامة لأهل الولاية جائز عند أهل السنة ، والجماعة ، وقد دعا الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يوما فنزلت عليه مائدة من السماء من حيث لا يعلم ، قال : الشيخ أبو العباس ، وكنت إذا جئته وهو في الخلوة أقف على بابها فإن قال لي : ادخل دخلت ، وإن سكت رجعت فدخلت عليه يوما بلا استئذان فوقع بصري على أسد عظيم ، فغشي علي فلما أفقت خرجت ، واستغفرت الله تعالى من الدخول عيه بلا إذن قال : الشيخ أبو العباس رضي الله عنه ، ولم يخرج الشيخ رضي الله عنه من تلك الخلوة حتى سمع هاتفا يقول : يا محمد أخرج أنفع الناس ثلاث مرات ، وقال له : في الثالثة إن لم تخرج ، وإلا هيه ، فقال : الشيخ فما بعد هيه إلا القطيعة قال : الشيخ فقمت ، وخرجت إلى الزاوية فرأيت على الفسقية جماعة يتوضئون فمنهم من على رأسه عمامة صفراء ومنهم زرقاء ، ومنهم من وجهه وجه قرد ومنهم من وجهه وجه خنزير ، ومنهم من وجهه كالقمر فعلمت أن الله أطلعني على عواقب أمور هؤلاء الناس ، فرجعت إلى خلفي ، وتوجهت إلى الله تعالى فستر عني ما كشف لي من أحوال الناس ، وصرت كآحاد الناس ، وكان في خلوة الشيخ توتة مزروعة قال : الشيخ رضي الله عنه فخطر لي أن أباسطها فقلت : يا توتة حدثيني حدوثة فقالت بصوت جهوري نعم إنهم لما زرعوني سقوني فلما سقوني أسست فرعت فلما فرعت أورقت ، فلما أورقت أثمرت فلما أثمرت أطعمت قال : الشيخ رضي الله عنه فكان كلامها سلوكا لي ، وقد حصل لي بحمد الله ما قالت : التوتة وكان رضي الله عنه يجلس يعظ الناس على غير موعد فيجيء الناس حتى يملئوا زاويته بقدرة الله عز وجل ، وكان الشيخ حسن الخباز المدفون بتربة الشاذلية بالقرافة رضي الله عنه إذا رأى سيدي محمدا وهو صغير يقول : سيكون لهذا الولد شأن عظيم في مصر ثم يقول ، وأخبرني بذلك أيضا ابن اللبان عن ابن عطاء الله عن ياقوت العرشي عن أبي العباس المرسي عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول : سيظهر بمصر رجل يعرف بمحمد الحنفي يكون فاتحا لهذا البيت ، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن عظيم ، وفي رواية أخرى عن الشاذلي رضي الله عنه يظهر بمصر شاب يعرف بالشاب التائب حنفي المذهب اسمه محمد بن حسن ، وعلى خده الأيمن خال ، وهو أبيض اللون مشرب بحمرة وفي عينيه حور ويربي يتيما فقيرا ، أخذ رضي الله عنه الطريق بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق عن جده الشيخ شهاب الدين بن الميلق عن الشيخ ياقوت العرشي عن المرسي عن الشاذلي ، فلذلك كان سيدي أبو الحسن يقول : الحنفي خامس خليفة من بعدي قال : أبو العباس رضي الله عنه ، وكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من يراه من أصحابه عنده شهامة نفس بالشحاتة من الأسواق وغيرها حتى تنكسر النفس ، ويقول : رحم الله من ساعد شيخه على نفسه ، وكان رضي الله عنه يقول : ظفرت في زماني كله بصاحبين ، ونصف صاحب ، فأما الصاحبان فهما أبو العباس السرسي ، والشيخ شمس الدين ابن كتيلة المحلى ، أما الأول فإنه أنفق على جميع ماله ، وأما الثاني فإنه تمسك بطريقتي ، واتبع سنتي ، وأما نصف الصاحب فهو صهري سيدي عمر قال : أبو العباس رضي الله عنه قال لي : سيدي محمد يوما أما ترضى أن تكون بدايتي نهايتك فقلت : نعم . ذلية بالقرافة رضي الله عنه إذا رأى سيدي محمدا وهو صغير يقول : سيكون لهذا الولد شأن عظيم في مصر ثم يقول ، وأخبرني بذلك أيضا ابن اللبان عن ابن عطاء الله عن ياقوت العرشي عن أبي العباس المرسي عن أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أنه كان يقول : سيظهر بمصر رجل يعرف بمحمد الحنفي يكون فاتحا لهذا البيت ، ويشتهر في زمانه ويكون له شأن عظيم ، وفي رواية أخرى عن الشاذلي رضي الله عنه يظهر بمصر شاب يعرف بالشاب التائب حنفي المذهب اسمه محمد بن حسن ، وعلى خده الأيمن خال ، وهو أبيض اللون مشرب بحمرة وفي عينيه حور ويربي يتيما فقيرا ، أخذ رضي الله عنه الطريق بعد أن خرج من الخلوة عن الشيخ ناصر الدين بن الميلق عن جده الشيخ شهاب الدين بن الميلق عن الشيخ ياقوت العرشي عن المرسي عن الشاذلي ، فلذلك كان سيدي أبو الحسن يقول : الحنفي خامس خليفة من بعدي قال : أبو العباس رضي الله عنه ، وكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من يراه من أصحابه عنده شهامة نفس بالشحاتة من الأسواق وغيرها حتى تنكسر النفس ، ويقول : رحم الله من ساعد شيخه على نفسه ، وكان رضي الله عنه يقول : ظفرت في زماني كله بصاحبين ، ونصف صاحب ، فأما الصاحبان فهما أبو العباس السرسي ، والشيخ شمس الدين ابن كتيلة المحلى ، أما الأول فإنه أنفق على جميع ماله ، وأما الثاني فإنه تمسك بطريقتي ، واتبع سنتي ، وأما نصف الصاحب فهو صهري سيدي عمر قال : أبو العباس رضي الله عنه قال لي : سيدي محمد يوما أما ترضى أن تكون بدايتي نهايتك فقلت : نعم . وكان سيدي علي بن وفا رضي الله عنه يوما في وليمة فقال الناس ما تتم الوليمة إلا بحضور سيدي محمد الحنفي ، فجاء إليه صاحب الوليمة فدعاه فأتى فقال : من هنا من المشايخ . فقال سيدي علي بن وفا ، وجماعته ، فقال : ادخل ، واستأذنه لي فإن من أدب الفقراء إذا كان هناك رجل كبير لا يدخل عليه حتى يستأذن له فإن أذن ، وإلا رجعنا خوف السلب ، فدخل صاحب الوليمة فاستأذن له فأذن له سيدي علي ، وقام له ، وأجلسه إلى جانبه فدار الكلام بينما ، فقال : سيدي على ما تقول : في رجل رحى الوجود بيده يدورها كيف شاء فقال له : سيدي محمد رضي الله عنه فما تقول : فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور فقال له : سيدي علي والله كنا نتركها لك ونذهب عنها ، فقال : سيدي محمد رضي الله عنه لجماعة سيدي علي ، ودعوا صاحبكم فإنه ينتقل قريبا إلى الله تعالى فكان الأمر كما قال ، وسمع سيدي محمد رضي الله عنه هاتفا يقول : بالليل يا محمد ، وليناك ما كان بيد علي بن وفا زيادة على ما بيدك فعلمت أن ذلك لا يكون إلا بعد موته ، فأرسلت شخصا من الفقراء يسأل عن بيت سيدي علي بحارة عبد الباسط فوجد الصائح أنه قد مات ، ودخل فقير إلى القاهرة فأشكل حاله على الناس ، وكان يمد يده في الهواء فيقبض من الدنانير ، والمراهم فبلغ سيدي محمدا فأحضره بين يديه ، وقال : أكرمنا بما فتح الله به عليك فقبض قبضة من الهواء وأعطاها لسيدي محمد رضي الله عنه فوجدوها ثمانين دينارا . فطلب منه كذلك ثانيا ، وثالثا ، وهو يعطيه لكن دون الأول فقال : زدني فقبض فلم يقع شيء بيده فقال : الشيخ إن خزائن الله لا تنفد ثم ضرب وأخرج وسلب حاله من ذلك اليوم ، وكان الشريف النعماني رضي الله عنه أحد أصحاب سيدي محمد رضي الله عنه يقول : رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في خيمة عظيمة ، والأولياء يجيئون فيسلمون عليه واحدا بعد واحد ، وقائل يقول : هذا فلان هذا فلان ، فيجلسون إلى جانبه صلى الله عليه وسلم حتى جاءت كبكبة عظيمة ، وخلق كثير وقائل يقول هذا محمد الحنفي فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أجلسه بجانبه ثم التفت صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر وعمر ، وقال لهما : إني أحب هذا الرجل إلا عمامته الصماء أو قال الزعراء ، وأشار إلى سيدي محمد ، فقال له : أبو بكر رضي الله عنه أتأذن لي يا رسول الله أن أعممه فقال : نعم فأخذ أبو بكر رضي الله عنه عمامة نفسه ، وجعلها على رأس سيدي محمد ، وأرخى لعمامة سيدي محمد عذبة عن يساره وألبسها لسيدي محمد انتهى فلما قصها على سيدي محمد رضي الله عنه بكى ، وبكى الناس ، وقال : للشريف محمد إذا رأيت جدك صلى الله عليه وسلم فاسأله لي في أمارة يعلمها من أعمالي ، فرآه صلى الله عليه وسلم بعد أيام ، وسأله الأمارة فقال له : بأمارة الصلاة التي يصليها علي في الخلوة قبل غروب الشمس كل يوم وهي : اللهم صل على محمد النبي الأمي ، وعلى آله ، وصحبه وسلم عدد ما علمت وزنة ما علمت ، وملء ما علمت فقال : سيدي محمد رضي الله عنه صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ عمامته ، وأرخى لها عذبة ونزع كل من في المجلس عمامته ، وأرخى لها عذبة ، وصار سيدي محمد رضي الله عنه إذا ركب يرخي العذبة ، وترك الطيلسان الذي كان يركب به إلى أن مات رضي الله عنه ثم إن الشريف رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك أيضا ، وقال له : إني أرسلت إلى محمد الحنفي أمارة مع رجل من رجال الصعيد ، وأن يعمل لعمامته عذبة فوصل الرجل الصعيدي بعد مدة ، وأخبر سيدي محمدا بالرؤيا رضي الله عنه ، قال : الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي عنه ، وأول شهرة اشتهر بها الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه أن السلطان ، فرج بن برقوق كان يرمي الرمايا على الناس ، وكان الشيخ يعارضه فأرسل وراء الشيخ وأغلظ عليه القول ، وقال : المملكة لي أو لك فقال له : الشيخ رضي الله عنه لا لي ، ولا لك المملكة لله الواحد القهار ثم قام الشيخ متغير الخاطر ، فحصل للسلطان عقب ذلك ، ورم في محاشمه كاد يهلك منه ، فأرسل خلف الأطباء ، فعجزوا فقال له بعض خواصه العقلاء هذا من تغير خاطر الشيخ محمد الحنفي ، فقال : أرسلوا خلفه لأطيب خاطره ، فنزل الأمراء إليه ، فوجدوه خارج مصر نواحي المطرية فأخبروه بطلب السلطان له فلم يجب إلى الاجتماع به فلم يزالوا يترددون بينه ، وبين السلطان حتى رق له وأرسل له رغيفا مبسوسا بزيت طيب . وقال لهم : قولوا له : كل هذا تبرأ ، ولا تعد إلى قلة الأدب نملخ آذانك فمن ذلك اليوم اشتهر أمر الشيخ رضي الله عنه للناس ، وصار الناس إذا لام بعضهم بعضا على أمر لم يفعله يقول له : يعني ينغاظ الحنفي ، وشاعت هذه الكلمة بين الناس إلى الآن ، وكان الاستادار لما جاء إلى الشيخ يدعوه للسلطان أغلظ على الشيخ القول فدعا عليه الشيخ ، فأعلموا السلطان بذلك فسجنه ثم ضرب عنقه ، وأرسل رأسه للشيخ في طبق فولى بوجهه عنه ، وقال : ارفعوها ، وادفنوها مع جثته ، وكان سيدي الشيخ إسماعيل نجل سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه يقول : إن الشيخ رضي الله عنه أقام في درجة القطبانية ستة وأربعين سنة ، وثلاثة أشهر ، وأياما ، وهو القطب الغوث الفرد الجامع هذه المدة ، وكان رضي الله عنه يقول : من الفقراء من يسلك على يد رجل ، وينفطم على يد غيره لموت الشيخ الأول أو غير ذلك ، وكان شيخ شيخه الشيخ شهاب الدين بن الميلق رحمه الله تعالى يكتب بكل مدة قلم كراسا كاملا ، فسمع بذلك الناس ، فتعجبوا من ذلك ، واستبعدوا ، وقوعه فأمر الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه بعض مريديه أن يكتب بكل مدة كراسين فكتب ، والناس ينظرون ، وكان رضي الله عنه يقول : كان الشيخ ياقوت رضي الله عنه يقول : يا دهشتي يا حيرتي يا حرف لا يقرأ ، وكان يقول وجدت مقام سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أعلى من مقام سيدي عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه ثم قال : وسبب ذلك أن سيدي عبد القادر سئل يوما عن شيخه ، فقال : أما فيما مضى فكان شيخي حمادا الدباس . وأما الآن ، فإني أسقي من بين بحرين بحر النبوة ، وبحر الفتوة يعني ببحر الفتوة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وأما سيدي أبو الحسن رضي الله عنه فقيل له من شيخك ؟ فقال أما فيما مضى فكان شيخي سيدي عبد السلام بن مشيش ، وأما الآن فإني أسقي من عشرة أبحر خمس سماوية ، وخمسة أرضية كما تقدم في ترجمته ، وكان رضي الله عنه إذا وعظ الناس في ترك الزنا يقول : إن الذي يشبك الكلب مع الكلبة قادر أن يشبك الزاني مع الزانية في حال زناه ثم يقول : هاه هاه فيصرخ الناس ، ويكثر ضجيجهم ، وكان رضي الله عنه يتكلم على خواطر القوم ، ويخاطب كل واحد من الناس بشرح حاله ، وقال له : رجل بلغنا عن الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه أنه عمل يوما ميعادا سكوتيا لأصحابه ، ومرادنا أن تعملوا لنا ذلك ، فقال : نفعل ذلك غدا إن شاء الله تعالى فجلس على الكرسي ، وتكلم بغير صوت ، ولا حرف سرا فأخذ كل من الحاضرين مشروبة وصار كل واحد يقول ألقي إلي في قلبي كذا ، وكذا فيقول له : الشيخ صدقت ، فحصل الاتعاظ لكل واحد ، وكان ذلك من الكرامات ، وكان إذ حضر أحد من المنكرين ميعاده يصير المنكر يضطرب ، وينتفض ، ويتقلب في الأرض ، ويقول : والله ما هذا سدى ثم يصحبه ، وجاءه شخص فقال : يا سيدي ادع الله أن يرزقني شيئا من محبته فقال : رضي الله عنه لا أقول لك مثل ما قال : بعض العارفين رضي الله عنه لما سأله ذلك عني كتفك ، ولكن أقول لك احضر الميعاد ، فحضر يوما فألقي الشيخ عليه بعض مسائل من دلائل محبة الله تعالى فغشي على الرجل ، وحمل مغشيا عليه فمكث ثمانية أيام لا يعي شيئا ثم مات فصلى عليه الشيخ رضي الله عنه ، وقال : صلوا على شهيد المحبة ، ودفنه في القرافة ، وكان رضي الله عنه يلبس الملابس المثمنة الفاخرة فأنكر عليه بعض من لا معرفة عنده بأحوال الأولياء ، وقال : بعيد أن يكون الأولياء يلبسون هذه الملابس التي لا تليق إلا بالملوك ثم قال : إن كان الشيخ ، وليا يعطيني هذا السلاوي أبيعه وأنفقه على عيالي فلما فرغ الشيخ رضي الله عنه من الميعاد نزعه ثم قال : أعطوه لفلان يبيعه ، وينفق ثمنه على عياله فأخذه الرجل ، وصار يقول : شيء لله المدد ثم جاء الميعاد الثاني فوجده على الشيخ اشتراه بعض المحبين ، وقال : هذا لا يصلح إلا للشيخ محمد الحنفي فأهداه له ، وكان رضي الله عنه لا ترد له شفاعة وكان يشفع عند من يعرفه ، وعند من لا يعرف ، وقد ذكر شيخ الإسلام العيني في تاريخه الكبير والله ما سمعنا ، ولا رأينا فيما حويناه من كتبنا ، وكتب غيرنا ، ولا فيما اطلعنا عليه من أخبار الشيوخ ، والعباد والأستاذين بعد الصحابة إلى يومنا هذا أن أحدا أعطى من العز والرفعة ، والكلمة النافذة ، والشفاعة المقبولة عند الملوك ، والأمراء ، وأرباب الدول ، والوزراء عند من يعرفه ، وعند من لا يعرفه مثل ما أعطى الشيخ سيدي شمس الدين الحنفي ثم قال : وأبلغ من ذلك أنه لو طلب السلطان أن ينزل إليه خاضعا حتى يجلس بين يديه ويقبل يديه لكان ذلك اليوم أحب الأيام إليه ، وفي مناقب الشيخ عبد القادر الجيلي رضي الله عنه أن الخليفة قصد يوما زيارته فلما قرب من زاويته قام سيدي عبد القادر من مجلسه ودخل خلوته ، ووقف خلف الباب ، فلما دخل الخليفة خرج إليه فسلم عليه ، وجلس ، وكان ذلك من سيدي عبد القادر رضي الله عنه تعظيما للخرقة والطريق حتى أنه لا يقوم للخليفة ، وكان سيدي الشيخ شمس الدين الحنفي لم يقم قط لأحد من الملوك ، ولا من الأمراء ، ولا من القضاة الأربع ، ولا غيرهم ، ولم يغير قط قعدته لدخول أحد منهم ، وكان هؤلاء إذا دخل أحد منهم لا يستطيع أن يجلس إلى جانبه ، ولا يتربع بين يديه بل يجلس جاثيا على ركبتيه متأدبا خاضعا ، ولا يلتفت يمينا ، ولا شمالا وكان الملك الظاهر جقمق سيء الإعتقاد في طائفة الفقراء ، وكان يكره سيدي محمدا ، ومع ذلك كان يرسل له في الشفاعات فيقضيها ، ويقول : لمن حوله كلما أقول : إني لا أقبل لهذا الرجل شفاعة لا أستطيع بل أقبل شفاعته ، وأتعجب في نفسي من ذلك ، ونزل إليه الملك المؤيد ، فجاء إلى الزاوية فوجد الشيخ فوق سطح البيت ، فطلع إليه سيدي أبو العباس ، وأخبره فقال : قل له : قال : إنه ما يجتمع بأحد في هذا الوقت فوضع السلطان يده على رأسه ، ورجع إلى القلعة ، ولم يتغير من الشيخ إجلالا له رضي الله عنه . وأرسل إليه الأمير بيسق بشكارة فضة فوجده على الكرسي فصار يقبض منها ، ويرمي للناس حتى أفناها كلها بحضرة القاصد كأنه يريه أن الفقراء في غنية عن ذلك ، وأنهم لو أحبوا الدنيا ما كان لهم هذا المقام بين الناس ثم إن الأمير بلغه ما وقع فجاء إلى الشيخ ، فقبل يديه فقال له : الشيخ قم إلى هذا البئر فاملأ منه هذه الفسقية للوضوء فيصير ثواب ذلك في صحيفتك إلى يوم القيامة ، فخلع الأمير ثيابه وملأ دلوا فوجده ثقيلا فعالجه حتى طلع به فوجده ذهبا ، فقال : ذلك للشيخ فقال : صبه في البئر واملأ فملأه كذلك ثانيا وثالثا فقال قل للبئر مالنا حاجة إلا بالماء ، فاستحقر الأمير ما كان أرسله للشيخ ، وطلب الفقراء بالوعة للميضأة فغرز الشيخ عكازه ، وقال : هذه بالوعة فهي إلى الآن ينزل فيها ماء الوضوء : ولا يعرفون إلى أين يذهب ، وكان أمير كبير يسمى بططر عند الملك المؤيد كلما يجيء يزور الشيخ يقوم يخلع ثيابه ، ويملأ الفسقية للناس بنفسه ، ويعود ، ويلبس ثيابه ، وتخفيفته ، ولما تسلطن بعد الملك أحمد بن المؤيد كان ينزل إلى زيارة الشيخ كل يوم أو ثلاثة لا يستطيع أن يتخلف عنه فيقول له : الشيخ إنك صرت سلطانا ، فالزم القلعة ، فيقول : لا أستطيع ، وكان يقول : للشيخ لا تقطع شفاعتك عنا ، ولو كان كل يوم ألف شفاعة قبلناها ، ولما عزل شيخ الإسلام ابن حجر أرسل الشيخ جاريته بركة إلى السلطان ططر ، وقال لها : قولي له : رد الشيخ شهاب الدين إلى ولايته فطلعت إليه بركة ، وقالت له : ذلك فكتب لها في الحال مرسوما بولاية شيخ الإسلام ابن حجر ، وأرسل له خلعة فكان ابن حجر رحمه الله لا ينسى ذلك للشيخ ، وطلع الشيخ رضي الله عنه مرة للسلطان ططر يعوده من مرض ، فتسامع الناس أن الشيخ رضي الله عنه طلع للسلطان ، فترادف عليه أصحاب الحوائج فأمر السلطان أن لا يرد ذلك اليوم قضية ، وسأل الشيخ أن يعلم الناس على قضاياهم ، فعلم على خمسة وثلاثين قضية فلما أراد الشيخ النزول أخرج السلطان له فرسا بسرج مغرق ، وكنبوشا ، وأمر بالقبة والطير أن يكونوا على رأس الشيخ ، وأمر الأمراء أن يركبوا معه إلى الزاوية ، ففعلوا ذلك ، وكانت القبة والطير مع أمير كبير يقال له : برسباي الدقماقي ثم تولى بعد ذلك المملكة فكان هو الملك الأشرف برسباي ، وكان يراعي خاطر الشيخ ، ويخاف منه مدة مملكته إلى أن توفي رحمه الله تعالى ، وجاء مرة قاض من المالكية يريد امتحان الشيخ . سي فصار يقبض منها ، ويرمي للناس حتى أفناها كلها بحضرة القاصد كأنه يريه أن الفقراء في غنية عن ذلك ، وأنهم لو أحبوا الدنيا ما كان لهم هذا المقام بين الناس ثم إن الأمير بلغه ما وقع فجاء إلى الشيخ ، فقبل يديه فقال له : الشيخ قم إلى هذا البئر فاملأ منه هذه الفسقية للوضوء فيصير ثواب ذلك في صحيفتك إلى يوم القيامة ، فخلع الأمير ثيابه وملأ دلوا فوجده ثقيلا فعالجه حتى طلع به فوجده ذهبا ، فقال : ذلك للشيخ فقال : صبه في البئر واملأ فملأه كذلك ثانيا وثالثا فقال قل للبئر مالنا حاجة إلا بالماء ، فاستحقر الأمير ما كان أرسله للشيخ ، وطلب الفقراء بالوعة للميضأة فغرز الشيخ عكازه ، وقال : هذه بالوعة فهي إلى الآن ينزل فيها ماء الوضوء : ولا يعرفون إلى أين يذهب ، وكان أمير كبير يسمى بططر عند الملك المؤيد كلما يجيء يزور الشيخ يقوم يخلع ثيابه ، ويملأ الفسقية للناس بنفسه ، ويعود ، ويلبس ثيابه ، وتخفيفته ، ولما تسلطن بعد الملك أحمد بن المؤيد كان ينزل إلى زيارة الشيخ كل يوم أو ثلاثة لا يستطيع أن يتخلف عنه فيقول له : الشيخ إنك صرت سلطانا ، فالزم القلعة ، فيقول : لا أستطيع ، وكان يقول : للشيخ لا تقطع شفاعتك عنا ، ولو كان كل يوم ألف شفاعة قبلناها ، ولما عزل شيخ الإسلام ابن حجر أرسل الشيخ جاريته بركة إلى السلطان ططر ، وقال لها : قولي له : رد الشيخ شهاب الدين إلى ولايته فطلعت إليه بركة ، وقالت له : ذلك فكتب لها في الحال مرسوما بولاية شيخ الإسلام ابن حجر ، وأرسل له خلعة فكان ابن حجر رحمه الله لا ينسى ذلك للشيخ ، وطلع الشيخ رضي الله عنه مرة للسلطان ططر يعوده من مرض ، فتسامع الناس أن الشيخ رضي الله عنه طلع للسلطان ، فترادف عليه أصحاب الحوائج فأمر السلطان أن لا يرد ذلك اليوم قضية ، وسأل الشيخ أن يعلم الناس على قضاياهم ، فعلم على خمسة وثلاثين قضية فلما أراد الشيخ النزول أخرج السلطان له فرسا بسرج مغرق ، وكنبوشا ، وأمر بالقبة والطير أن يكونوا على رأس الشيخ ، وأمر الأمراء أن يركبوا معه إلى الزاوية ، ففعلوا ذلك ، وكانت القبة والطير مع أمير كبير يقال له : برسباي الدقماقي ثم تولى بعد ذلك المملكة فكان هو الملك الأشرف برسباي ، وكان يراعي خاطر الشيخ ، ويخاف منه مدة مملكته إلى أن توفي رحمه الله تعالى ، وجاء مرة قاض من المالكية يريد امتحان الشيخ . فأعلموا الشيخ أنه جاء ممتحنا ، فقال : الشيخ رضي الله عنه إن استطاع يسألني ما عدت أقعد على سجادة الفقراء فلما جاء القاضي يسأل قال : ما تقول : في وتوقف فقال له : الشيخ رضي الله عنه نعم فقال : ما تقول : في ، وتوقف فقال له الشيخ رضي الله عنه نعم فقال ما تقول في وتوقف فقا لله الشيخ نعم حتى قال ذلك مرارا عديدة فلم يفتح عليه بشيء فقال القاضي كنت أريد أن أسأل عن سؤال وقد نسيته ثم كشف رأسه واستغفر وأخذ عليه العهد بعدم الإنكار على الفقراء والاعتراض عليهم وتكلم على الكرسي في جامع الطريني بالمحلة الكبرى يوما في معنى قولهم يا فقيه فق فاقه يا صريم الناقة قلت له : قم صل قام جرى في الطاقة حتى أبكى الناس ، وزعق بعضهم ، وتخبط عقل بعضهم ، وكان من جملة ما قال : معنى فق أي على أبناء جنسك فاقة أي ولو مرة ، وقولهم يا صريم الناقة أي يا زمام الناقة التي هي مطية المؤمن التي بها يبلغ الخير وينجو من الشر ، وقولهم قم صل قام جرى في الطاقة فمعناه أنه أمر بالصلاة فقط فزاد على ذلك طاقته من الأذكار ، والصيام ، والقيام وجد في الاجتهاد ، والطاعات ، ومعنى جرى في الطاقة أي أسرع وبادر ، وفعل ما أمر به وزاد في الطاعة جهد الاستطاعة التي هي الطاقة ، وليس المراد بها الكوة المثقوبة في الحائط ، وكان سيدي أبو بكر الطريني رحمه الله أول ما يدخل القاهرة يبدأ بزيارة سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه لا يقدم عليه أحدا ، وقدم سيدي أبو بكر طعاما خبيزة للشيخ حين قدم المحلة فقال له : الشيخ يا أبا بكر هل أذن لك أصحاب الغيط أن تأخذ من خبيزتهم قال : لا فلم يأكلها الشيخ ، وكذلك أبو بكر إلى أن مات ، وكان رضي الله عنه إذا نادى مريدا له في أقصى بلاد الريف من القاهرة يجيبه فإن قال : مسرعا تعال سافر إليه أو افعل كذا فعله ، ونادى يوما أبا طاقية من بلد قطور بالغربية فسمع نداء الشيخ ، فجاء إلى القاهرة وكان هذا الشيخ من أرباب الإشارات فسمع بياع الحمص الأخضر يقول : يا ملانة بفليس يا ملانة بفليس فمضى خلفه ، وصار يقول : في نفسه ملانة ، وهي بفليس ثم صار يقول : للبياع يا ملانة بقلبين يا ملانة بقلبين ، فقال : ما صيرها رخيصة إلا كونها بقلبين ثم رجع ، وكان سبب تسميته أبا طاقية أن سيدي محمدا رضي الله عنه قال له : اخلع عمامتك ، وخمر هذا الطين ففعل فقيل له لما فرغ لم لا تلبس عمامتك ، فقال : لم يقل لي الشيخ فإذا فرغت فالبسها فلا ألبسها إلا إن قال لي : فلم يقل له : الشيخ فأقام بقية عمره بطاقية حتى مات . وركب مرة إلى الروضة على حمار مكار فأعطاه إنسان عشرين دينارا فقال أعطها للمكاري ، فأعطاها له ، وكان إذا دخل الحمام ، وحلق رأسه تقاتل الناس على شعره يتبركون به ، ويجعلونه ذخيرة عندهم . وكان رضي الله عنه يجمع الفقراء ويدخل بهم الحمام جبرا لخاطرهم ، وإشارة لتنظيفهم الباطن ، وكان للشيخ بلان فسافر إلى بلاد المغرب فعرف أنه كان بلانا لسيدي محمد الحنفي ، فصار الناس يأخذون يده يقبلونها ، ويقولون : هذه يد مست جسد الشيخ فبلغ ذلك مولاي أبا فارس سلطان تونس ، فأرسل وراءه وقبل يده ، ووضعها على مواضع من جسده يتبرك بها ثم أرسل ، وكيله إلى مصر ليأخذ له العهد بطريق الوكالة ، فأخذ عليه العهد وأمره أن يأخذ العهد على السلطان إذا رجع ، وكان أهل المغرب يرسلون يأخذون من تراب زاويته ويجعلونه في ورق المصاحف ، وكان أهل الروم يكتبون اسمه على أبواب دورهم يتبركون به ، وكانت رجال الطيران في الهواء تأتي إليه فيعلمهم الأدب ثم يطيرون في الهواء والناس ينظرون إليهم حتى يغيبوا ، وكان رضي الله عنه يزور سكان البحر . فكان يدخل البحر بثيابه فيمكث ساعة طويلة ثم يخرج ولم تبتل ثيابه ، ووقع لإمام زاويته أنه خرج للصلاة فرأى في طريقه امرأة جميلة ، فنطر إليها فلما دخل الزاوية أمر الشيخ غيره أن يصلي ، فلما جاء الوقت الثاني فعل كذلك إلى خمسة أوقات فلما وقع في قلبه أن الشيخ أطلعه الله على تلك النظرة استغفر ، وتاب فقال : الشيخ ما كل مرة تسلم الجرة ، ودخل مصر رجل من أولياء الله تعالى من غير استئذان سيدي محمد فسلب حاله ، فاستغفر الله ثم جاء إلى الشيخ فرد عليه حاله ، وذلك أنه كان معه قفة يضع يده فيها ، فيخرج كل ما احتاج إليه فصار يضع يده فلا يجد شيئا . وكان رضي الله عنه يقول : والله لقد مرت بنا القطبية ، ونحن شباب فلم نلتفت إليها دون الله عز وجل وكان يقول : إن القطب إذا تقطب يحمل هموم أهل الدنيا كلها كالسلطان الأعظم بل أعظم ، وكان يتطور في بعض الأوقات حتى يملأ الخلوة بجميع أركانها ثم يصغر قليلا قليلا حتى يعود إلى حالته المعهودة ، ولما علم الناس بذلك سد الطاق التي كانت تشرف على الخلوة رضي الله عنه ، وكان إذا تغيظ من شخص يتمزق كل ممزق ، ولو كان مستندا لأكبر الأولياء لا يقدر يدفع عنه شيئا من البلاء النازل به كما وقع لابن التمار ، وغيره فإنه أغلظ على الشيخ في شفاعة وكان مستند الشيخ اسمه البسطامي من أكابر الأولياء ، فقال سيدي محمد مزقنا ابن التمار كل ممزق ، ولو كان معه ألف بسطامي ثم أرسل السلطان فهدم دار ابن التمار وهي خراب إلى الآن ، وعزم بعض الأمراء على سيدي محمد ، ووضع له طعاما في إناء مسموم وقدمه للشيخ ، وكان لا يتجرأ أحد يأكل معه في إناء فأكل منه الشيخ شيئا ثم شعر بأنه مسموم فقام وركب إلى زاويته ، فاختلطت الأواني ، فجاء ولد الأمير الاثنان فلعقا من إناء الشيخ ، فماتا ، ولم يضر الشيخ شيء من السم ، وكان يتوضأ يوما فورد عليه وارد فأخذ فردة قبقابه فرمى بها ، وهو داخل الخلوة فذهبت في الهواء ، وليس في الخلوة طاق تخرج منها ، وقال : لخادمه خذ هذه الفردة عندك حتى تأتيها أختها فبعد زمان جاء بها رجل من الشام مع جملة هدية ، وقال : جزاك الله عني خيرا عني إن اللص لما جلس على صدري ليذبحني قلت : في نفسي يا سيدي محمد يا حنفي فجاءته في صدره ، فانقلب مغمى عليه ونجاني الله عز وجل ببركتك ، وشفع رضي الله عنه عند أمير يسمى المناطح كان كل من نطحه كسر رأسه ، وكان ينطح المماليك بين يدي السلطان الملك الأشرف برسباي ، فقال : للقاصد قل : لشيخك اقعد في زاويتك ، وإلا جاء لك ينطحك ، ويكسر رأسك فذكر القاصد ذلك للشيخ ، فلم يرد عليه جوابا فلما دخل الليل كشف ذلك الأمير رأسه ، وصار ينطح الحيطان إلى أن مات فبلغ الخبر السلطان ، فقال : قتله الحنفي رضي الله عنه . وكان له جارية مباركة اسمها بركة أعتقها ، وكتب لها ، وقال : لها لا تخبري بذلك أحدا فلما أخبرت أهل البيت بذلك قال لها : روحي اقعدي في المكان الفلاني ، ولم تعلم ما أراد الشيخ فجلست فيه ثم أرادت أن تقوم فما استطاعت ، فسألت الشيخ أن يأذن لها في القيام فقامت لكن لم تستطع المشي ، فقالت استأذنوا سيدي في المشي فقال : إنها لم تسأل إلا القيام ، والسهم إذا خرج من القوس لا يرد فلم تزل مقعدة إلى أن ماتت ، وكان رضي الله تعالى عنه يقرئ الجان على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه فاشتغل عنهم يوما بأمر فأرسل صهره سيدي عمر ، فأقرأهم في بيت الشيخ ذلك اليوم ، وكان سيدي عمر هذا يقول طلبت مني جنية أن أتزوجها ، فشاورت سيدي محمدا رضي الله عنه فقال هذا لا يجوز في مذهبنا فعرضت ذلك على ملكهم حين نزلت معها تحت الأرض فقال : الملك لا أعترض على سيدي محمد فيما قال : ثم قال : الملك للوزير صافح صهر الشيخ باليد التي صافحت بها النبي صلى الله عليه وسلم ليصافح بها سيدي محمدا رضي الله عنه فيكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في المصافحة رجلان فصافحني ، وأخبرني أن بينه ، وبين وقت مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم ثمانمائة سنة ثم قال : للجنية رديه إلى الموضع الذي جئت به منه ورآه كاتب السر ابن البارزي يوما ، وهو راكب ومعه جماعة من الأمراء فأنكر عليه ، وقال : ما هذه طريقة الأولياء ، فقال له : ناظر الخاص لا تعترض فإن للأولياء أحوالا فقال : لا بد أن أرسل أقول له : ذلك فلما دخل القاصد ، وأخبر سيدي محمدا قال له قل لأستاذك أنت معزول عزلا مؤبدا ، فأرسل له السلطان المؤيد ، وقال له : الزم بيتك فما زال معزولا حتى قتله الملك المؤيد نعوذ بالله من النكران . وكانت أم سيدي محمود زوجة الشيخ رضي الله عنه تقول أهدت لنا امرأة أترجة صفراء ، فوضعناها عندنا في طبق فانقطع الجان الذين كانوا يقرؤون على الشيخ فلما أكلناها جاءوا ، فقال لهم : سيدي ما قطعكم عن المجيء إلينا ، فقالوا : لا نقدر على رائحة الأترج ولا نقدر ندخل بيتا هو فيه فكان سيدي محمد رضي الله عنه يأمر من نزل عنده الجان أن يضع في بيته الأترج ، ويعمل من حبه سبحا ، ويحفظها عنده لمن عرض له عارض في غير أوان الأترج . ودخلت على الشيخ يوما امرأة أمير ، فوجدت حوله نساء الخاص تكبسه ، فأنكرت بقلبها عليه فلحظها الشيخ بعينه ، وقال لها : انظري فنظرت فوجدت ، وجوههن عظاما تلوح ، والصديد خارج من أفواههن ومناخرهن كأنهن خرجن من القبور فقال لها : والله ما أنظر دائما إلى الأجانب إلا على هذه الحالة ثم قال للمنكرة إن فيك ثلاث علامات علامة تحت إبطك ، وعلامة في فخذك ، وعلامة في صدرك فقالت : صدقت والله إن زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن ، واستغفرت ، وتابت . يوما امرأة أمير ، فوجدت حوله نساء الخاص تكبسه ، فأنكرت بقلبها عليه فلحظها الشيخ بعينه ، وقال لها : انظري فنظرت فوجدت ، وجوههن عظاما تلوح ، والصديد خارج من أفواههن ومناخرهن كأنهن خرجن من القبور فقال لها : والله ما أنظر دائما إلى الأجانب إلا على هذه الحالة ثم قال للمنكرة إن فيك ثلاث علامات علامة تحت إبطك ، وعلامة في فخذك ، وعلامة في صدرك فقالت : صدقت والله إن زوجي لم يعرف هذه العلامات إلى الآن ، واستغفرت ، وتابت . وأرسل ابن كتيلة مرة يشفع عند إنسان من كبراء المحلة فقال : إن كان ابن كتيلة فقيرا لا يعارض الولاة ، وإن لم يسكت ابن كتيلة قطعت مصارينه في بطنه فتكدر ابن كتيلة من ذلك ، وأرسل أعلم سيدي الشيخ محمدا الحنفي فقال : هو الذي تتقطع مصارينه في بطنه فأرسل له سيدي محمد جماعة من الفقراء ، وأمرهم إذا طلعوا المحلة أن يمروا على بيت ذلك الظالم ، ويرفعوا أصواتهم بالذكر ففعلوا فصار يتقايأ ، ومصارينه تطلع قطعا قطعا إلى أن مات ، وكان رضي الله عنه يأخذ القطعة من البطيخة ، ويشق منها حتى يملأ كذا كذا طبقا كل طبق له لب خلاف الآخر حتى إنه يشق من البطيخ الأخضر بطيخا أصفر حتى يبهر عقول الحاضرين رضي الله عنه ، وسرقت له نعجة من الحوش فمكثت ستة أشهر غائبة فقال : الشيخ رضي الله عنه يوما لغلامه اذهب إلى الروضة فدق الباب الفلاني فإذا خرج لك صاحب الدار قل له هات النعجة التي لها عندك ستة أشهر فأخرجها له ، فقال : الشيخ رضي الله عنه هذه بضاعتنا ردت إلينا . وجاءه مرة قاض فقال : يا سيدي أهل بلدي رفعوا في قضية إلى أستاذهم بأنني فلاح فقال قضيت حاجتك فركب الأمير ذلك اليوم فرسا حرنا فجرى به في خوخة ضيقة ، فانكسر ظهر الأمير ، ووقع على ظهر الأرض ميتا ، وتولى ذلك الإقطاع رجل من أصحاب سيدي محمد فجاء إلى الشيخ يزوره ثاني يوم فكلمه على ذلك القاضي فكتب له عتاقة هو وذريته . وكان الشيخ إذا لم يجد شيئا ينفقه يقترض من أصحابه ثم يوفيهم إذا فتح الله تعالى عليه بشيء ، فاجتمع عليه ستون ألفا فشق ذلك على الشيخ ، فدخل رجل بكيس عظيم ، وقال : من له على الشيخ دين فليحضر ، فأوفي عن الشيخ رضي الله عنه جميع ما كان عليه ولم يعرف ذلك الرجل أحد من الحاضرين ، فقالوا : للشيخ عنه فقال : هذا صيرفي القدرة أرسله الله تعالى يوفي عنا ديننا ، وأنشدوا بين يديه شيئا من كلام ابن الفارض رضي الله عنه فتمايل الشيخ العارف بالله تعالى سيدي الشيخ شمس الدين بن كتيلة المحلى فلحظه الشيخ فغاب عن إحساسه فرأى في منامه سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه واقفا على باب الزاوية ، وفي فمه قصبة غاب كأنه يشرب بها ماء من تحت عتبة باب الزاوية ثم أفاق ، فقال له : الشيخ الذي رأيته صحيح رأيت بعينك يا شمس الدين ، وكان يقول : كثيرا لو كان عمر بن الفارض في زماننا ما وسعه إلا الوقوف ببابنا . ومرضت زوجته فأشرفت على الموت ، فكانت تقول : يا سيدي أحمد يا بدوي خاطرك معي فرأت سيدي أحمد رضي الله عنه في المنام ، وهو ضارب لثامين ، وعليه جبة واسعة الأكمام عريض الصدر أحمر الوجه ، والعينين وقال لها كم تناديني ، وتستغيثي ، وأنت لا تعلمي أنك في حماية رجل من الكبار المتمكنين ، ونحن لا نجيب من دعانا ، وهو في موضع أحد من الرجال قولي يا سيدي محمد يا حنفي يعافيك الله تعالى فقالت ذلك فأصبحت كأن لم يكن بها مرض ، وكان الشيخ طلحة رضي الله عنه المدفون بالمنشية الكبرى يقول قال لي : سيدي محمد الحنفي يا طلحة خرج من زاويتي هذه أربعمائة ولي ، وفي رواية ثلاثمائة وستون على قدمي كلهم داعون إلى الله تعالى ، وأصحابنا بالمغرب كثير ، وبالروم ، والشام أكثر ، وأكثر أصحابنا باليمن ، وسكان البراري ، والكهوف ، والمغارات قال : الشيخ طلحة رضي الله عنه وكان ذلك آخر اجتماعي بالشيخ رحمه الله تعالى . وقال : سيدي محمد رضي الله عنه في مرض موته من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ، ويطلب حاجته أقضها له فإن ما بيني ، وبينكم غير ذراع من تراب ، وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب ، فليس برجل ، وكان رضي الله عنه يلقن الخائف من ظالم ، ويقول : إذا دخلت عليه فقل بسم الله الخالق الأكبر حرز لكل خائف لا طاقة لمخلوق مع الله عز وجل فيرجع إليه المظلوم وعليه الخلعة ، والوصول بالتعليق ، وأنكرت عليه امرأة ما يقدمه للفقراء من الطعام القليل في الصحون الرملي فقالت : قلة هذا الطعام ، ولا هو ثم ذهبت وعملت طعاما بكثرة فيه فراخ وأوز ، وحملته إلى الزاوية ، فقال : سيدي محمد رضي الله عنه لسيدي يوسف القطوري رحمه الله كل طعامها كله وحدك فكل طعامها كله وحده ، وشكا من الجوع ، فأخذته إلى بيتها ، وقدموا له نحو ذلك الطعام ، وكثر ، وهو يشكو الجوع لها فقال : الشيخ البركة في طعام الفقراء لا في أوانيهم فاستغفرت ، وتابت ، وكان إذا تذكر أحدا من أصحابه الغائبين عن السماط يأكل الشيخ عنه لقمة أو لقمتين فتنزل في بطونهم في أي مكان كانوا ثم يجيئون ، ويعترفون بذلك وكان إذا سأله أحد من المبكرين عن مسألة أجابه ، فإن سأله عن أخرى أجابه حتى يكون المنكر هو التارك للسؤال فيقول : الشيخ رضي الله عنه لذلك الشخص أما تسأل ، فلو سألتني شيئا لم يكن عندي أجبتك من اللوح المحفوظ وحضره الشيخ جلال الدين البلقيني رضي الله عنه يوما في الميعاد ، فسمع تفسير الشيخ رضي الله عنه للقرآن ، فقال : والله لقد طالعت أربعين تفسيرا للقرآن ما رأيت فيها شيئا من هذه الفوائد التي ذكرها سيدي الشيخ محمد ، وكذلك كان يحضره شيخ الإسلام البلقيني ، وشيخ الإسلام العيني الحنفي ، وشيخ الإسلام البساطي المالكي ، وغيرهم وقبله الشيخ سراج الدين البلقيني رحمه الله بين عينيه ، وقال له : أنت تعيش زمانا طويلا لأن الله تعالى يقول : ' وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ' ' الرعد : 17 ' وكان إذا استغرق في الكلام ، وخرج عن أفهام الناس يقول : وهاهنا كلام لو أبديناه لكم لخرجتم مجانين لكن نطويه عمن ليس من أهله ، وكان له صاحب في مكة المشرفة فلما بلغه ، وفاة الشيخ رضي الله عنه سافر إلى مصر لزيارة قبر الشيخ ، ولم يكن له في مصر حاجة غير ذلك ، وجاءه رجل ، فقال : يا سيدي أنا ذو عيال فقير الحال فعلمني الكيمياء ، فقال : الشيخ رضي الله عنه أقم عندنا سنة كاملة بشرط أنك كلما أحدثت توضأت وصليت ركعتين فأقام على ذلك فلما بقي من المدة يوم جاء إلى الشيخ فقال له غدا تقضي حاجتك فلما جاءه قال له : قم فاملأ من البئر ماء للوضوء فملأ دلوا من البئر فإذا هو مملوء ذهبا ، فقال : يا سيدي ما بقي في الآن شعرة واحدة تشتهيه ، فقال له : الشيخ صبه مكانه ، واذهب إلى بلدك فإنك قد صرت كلك كيمياء . فرجع إلى بلاده ودعا الناس إلى الله تعالى ، وحصل به نفع كبير قال : الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي الله عنه ، وكان سيدي محمد رضي الله عنه إذا صلى يصلي عن يمينه دائما أربعة روحانية ، وأربعة جسمانية لا يراهم إلا سيدي محمد أو خواص أصحابه ، ووقعت له ابنة صغيرة من موضع عال فظهر شخص ، وتلقاها عن الأرض فقلنا له من تكون ؟ فقال من الجن من أصحاب الشيخ ، وقد أخذ علينا العهد أفلا نضر أحدا من أولاده إلى سابع بطن فنحن لا نخالف عهده ، وكان سكان بحر النيل يطلعون إلى زيارته ، وهو في داره بالروضة ، والحاضرون ينظرون ، قالت : ابنته أم المحاسن رضي الله عنها ، وزاروه مرة ، وعليهم الطيالسة ، والثياب النظيفة ، وصلوا معه صلاة المغرب ثم نزلوا في البحر بثيابهم ، فقلت : يا سيدي أما تبتل ثيابهم من الماء فتبسم رضي الله عنه ، وقال : هؤلاء مسكنهم في البحر ، وجاءه مرة رجل في جوف الليل فوقف على دور القاعة فقال له : الشيخ من فقال : حرامي فقال له : الشيخ ما تسرق ، وتعمل شغلك فقال : يا سيدي تبت إلى الله ، فإني سمرت فقال له الشيخ إنزل ما عليك بأس فتاب ، وحسنت توبته ، واستمر في زاوية الشيخ إلى أن توفي إلى رحمة الله تعالى ، وأمر شخصا من أصحابه يوما ينادي في شوارع القاهرة ، وأسواقها بأعلى صوته يا معشر المسلمين يقول لكم سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه حافظوا على الصلوات الخمس ، والصلوات الوسطى حتى شاع ذلك في جميع البلاد أن الشيخ أمر بذلك ، فاعترض بعض الشهود على منادي الشيخ ، وقال : هذا ما هو للحنفي هذا لله عز وجل فرجع الفقير ، وأخبر الشيخ رضي الله عنه بما وقع فسكت ، فخرج يوم الثالث ينادي فمر على دكان الشهود فقال له : شاهد منهم شيء لله يا سيدي محمد يا حنفي مات البارحة الرجل الذي قال : لك ما قال : فرجع إلى الشيخ رضي الله عنه فأخبره فقال : لا تعد تقول : لأحد ما قلت لك ، وكان رضي الله عنه يقول : كنا نقرأ حزب سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه فكان بعض الناس يستطيله فألفت الحزب الذي بين أصحابي الآن ، وأخفيته ، ولم أظهره حتى جاء الإذن من سيدي أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه أدبا معه ، ولعن شخص إبليس في حضرته ، فقال له : لا تعود لسانك إلا خيرا ، ولو كان ذلك جائزا ، ولما تزوج الشيخ شمس الدين بن كتيلة رضي الله عنه بنت سيدي محمد رضي الله عنه جلسا يأكلان ، فجاءت هرة فخطفت قطعة لحم فقال : الشيخ رضي الله عنه لعنك الله فقالت بنت الشيخ رحمه الله تذكر اللعنة على لسانك ، وأنت رجل يقتدي بك ، وتفتي المسلمين فقال : الشيخ رضي الله عنه لا أعود لمثلها ، وتاب من كل لفظ قبيح ، وظهر شخص بشعره ، وفي وسطه مئزر يذكر الله في زاوية في حارة قناطر السباع فهرع الناس إليه من الأمراء ، والتجار ، وغيرهم فأرسل الشيخ رضي الله عنه وراءه ، فحضر فاصفر لونه ، وتغير ، وقال : للقاصد خذ هذه الفضة ، وأعتقني من مقابلته فقال له : القاصد لا بد فلم يزل به حتى جاء به إلى الشيخ فلما نظر إليه الشيخ قال له : يا ولدي قلة الأدب ما يثبت معها شيء ، ونهره وقال : اخرج فخرج لا يدري أين يذهب ، وانطفأ اسمه من ذلك اليوم فقال : الشيخ رضي الله عنه ما هي مائدة يقعد عليها طفيلي . وكان رضي الله عنه يقول : أول ما تنزل لرحمة على حلق الذكر ثم تنشر على الجماعة فكان الفقراء يمدون أيديهم في الحلقة لعل أن يصيبهم شيء من الرحمة ، وسمع رضي الله عنه يوما امرأة تقول : ما أحسن السجود في السماء بين الملائكة فقال لها محبة الله خير من ذلك ، وكان رضي الله عنه يأمر أصحابه برف الصوت بالذكر في الأسواق والشوارع ، والمواضع الخربة المهجورة ، ويقول : اذكروا الله تعالى في هذه الأماكن حتى تصير تشهد لكم يوم القيامة ، ويحرقوا ناموس طبع النفس فإنكم في حجاب ما لم تحرقوه ، وكان أصحابه إذا سألوه أن يمضي بهم إلى موضع التنزهات في حين يقول : حتى تحضر لنا نية صالحة ، ودعاه ابن البارزي كاتب السر على أيام الملك المؤيد إلى وليمة ، وقال إن الأئمة الأربعة قد طلبوكم فلان ، وفلان فقال : الشيخ رضي الله عنه للقاصد قل له : حرر النية في حضور الفقراء ، وهم يحضرون ، ولا تطلب حضورهم لأجل أن تقول : حضر عندنا في الوليمة فلان ، وفلان ، وتجعلوا الفقراء حكاية ثم قال : رضي الله عنه ما وطئ حافر فرسي باب أحد على هذا الوجه إلا وخربت دياره فرجع القاصد ، وأخبر بذلك ، فسكت ، ولم يزل ممقوتا عند المؤيد حتى قتله كما تقدم ، وسأله شخص يوما عن الحلاج ، فقال الحلاج تكلم في حال غلبة هذا فولى أنا لكن ثم من يقول : فيه خلاف قولنا كسراج الدين البلقيني ، وغيره ، وكان رضي الله عنه إذا عطش ، وطلب كوز الماء للشرب يقوم كل من في المجلس من كبير أو أمير أو قاض فلم يزالوا واقفين حتى يفرغ فيستأذنوه في الجلوس فيأذن لهم ، وكانت ملوك أقاليم الأرض ترسل له الهدايا فيقبلها فأرسل إليه ملك الروم دابة تمشي على ثلاث قوائم مؤخرها على رجلين ، وصدرها على واحدة وكانت قدر الجدي الصغير فأقامت عنده ستة أشهر ، وماتت ، وأهدى له سلطان تونس الخضراء مشطا لتسريح اللحية فإذا فردوه صار كرسيا لمصحف فأهداه الشيخ رضي الله عنه إلى الملك الأشرف برسباي ففرح به وأعجبه ، وأهدى له ملك الهند ثوبا بعلبكيا في قصبة وشاشا في جوزة هند . ودخل عليه مرة فقير فرأى عليه ثيابا لا تليق إلا بالملوك ، فقال : سيدي طريقتكم هذه أخذتموها عمن فإن من شأن الأولياء التقشف ، ولبس الخشن فقال ما مقصودك ؟ قال : تنزع يا سيدي هذه الثياب التي عليك وتلبس هذه الجبة ، ونذهب ماشيين إلى القرافة فأجابه الشيخ رضي الله عنه ، وخرجا ماشيين فرأى بعض الأمراء الشيخ رضي الله عنه فعرفه ، فنزل من على فرسه ، وخلع على الشيخ السلار الذي كان عليه ، وأقسم عليه بالله تعالى أن يقبله ، ورجع هو ومماليكه مع الشيخ رضي الله عنه حتى شيعوه للزاوية فقال : الشيخ لذلك الفقير رأيت يا ولدي أيش كنا نحن والله لولا أنت من أولاد الفقراء ما حصل لك خير فتاب ذلك الفقير واستغفر ، وكشف رأسه ، ولم يزل يخدم الشيخ إلى أن مات رحمه الله تعالى ، وكان رضي الله عنه لا يشتري قط ملبوسا إنما هو هدايا المحبين ، وكان رضي الله عنه إذا ركب يذكر الله تعالى بين يديه جماعة كطريقة مشايخ العجم ، ويقول هو شعارنا في الدنيا ، ويوم القيامة ، وكان يجعل من خلفه جماعة كذلك يذكرون الله تعالى بالتوبة فكان الناس إذا سمعوا حسهم من المساجد أو الدور يخرجون ينظرون إليه فيدعو ، لهم ، وكان إذا كتم أحد شيئا عنه من ماله يذهب ذلك المال الذي كتمه كله ، ولا يبقى معه إلا المال الذي يعترف به . ودخل الحمام يوما مع الفقراء أخذ ماء من الحوض ورشه على أصحابه ، وقال : النار التي يعذب الله بها العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مثل هذا الماء في سخونته ففرح الفقراء بذلك ، وكان رضي الله تعالى عنه إذا زار القرافة سلم على أصحاب القبور ، فيردون السلام عليه بصوت يسمعه من معه ، ولما طلع فقراء الصعيد ، ومعهم الفرغل بن أحمد رضي الله عنه في شفاعة ابن عمر أمير الصعيد قال : سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه لا تقضي لهؤلاء حاجة لأنهم جاءوا بغير أدب ، ولم يستأذنوا صاحب هذا البلد فكان الأمر كما قال : ولما دخلوا بالفرغل على السلطان أحمد جقمق قال له : أنت مشد هذا البلد فلم يجبه السلطان لكونه مجذوبا ، وسمع رضي الله عنه بعض الفقراء في الزاوية يقول : لبعض قم يا فلان اكنس الزاوية قال له : قم أنت فما زالا يقولان ذلك ساعة فخرج الشيخ رضي الله عنه ، وهو يقول : أنت وأنت اخرجا ، واجلسا على باب الزاوية وامنعا الناس من الدخول ، وأنا أكنسها ففعلا فخلع الشيخ ثيابه ، وشد وسطه وطوى الحصر ، ونفضها ، وكنسها وافتتح القرآن يتلوه من الفاتحة إلى آخر سورة الأنعام حتى فرغ من الكنس رضي الله عنه . وكان أميرا كبيرا ، والمقدمون الألوف هم الذين يمدون سماطه في المولد الكبير ، ودخل يوما فرأى الأمراء يبنون في الكوانين فقال : لا إله إلا الله لو أمرنا الملوك أن يبنوا الكوانين لفعلوا ، وكان شخص من التجار شديد الإنكار على سيدي محمد رضي الله عنه حتى كان يجيء إلى باب الزاوية أحيانا ، ويرفع صوته بالألفاظ القبيحة في حق الشيخ فدار عليه الزمان ، وانكسر ، وركبته الديون ، فجاء إلى الشيخ رضي الله عنه فتلقاه بالترحيب ، وجمع له من أصحابه مالا جزيلا ، ولم يزل يعتقد الشيخ إلى أن مات ، ولم يعاتبه رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يتنزه عن سماع المعازف ، وجميع آلات اللهو ، فدخل يوما يزور سيدي عمر بن الفارض رضي الله عنه فرأى المازروني عمالا ، والآلات تضرب فأمره بالسكوت حتى يزور فزار الشيخ رضي الله عنه ، وعمل مجلس الذكر . فلما خرج عاد المازررني إلى حاله ، ولم يتعرض الشيخ لكسر آلاته ، وسمع مرة مدرسا من الحنفية يقول : في درسه الحكم كذا خلافا للشافعي رضي الله عنه فزجره ، وقال : تقول خلافا للشافعي بقلة أدب لم لا تقول : رضي الله عنه ، وإلا رحمه الله فقال : المدرس تبت إلى الله تعالى يا سيدي ، وكان إذا رأى رضي الله عنه في جبهة فقير أثر سجود يقول : يا ولدي أخاف عليك أن يكون هذا من الرياء ، وذكروا يوما عنده سيدي عبد القادر الجبلي رضي الله عنه فقال : لو حضر عندنا عبد القادر هنا لكان تأدب معنا ، وكان رضي الله عنه يقول : نحن أسرار الوجود ، وكان إذا وضع يده على الفرس الحرون لم يعد إلى حرونته ، وكان رضي الله عنه يكره مشايخ القرى ، والمدركين للبلاد ، ويقول : أبا لا أقول بإسلامهم ، وكان يقول : من اعتقد شيخا ، ولم يره كسيدي أحمد البدوي ، وغيره لا يصير بذلك مريدا له إننا هو محب له فإن شيخ الإنسان هو الذي يأخذ عنه ، ويقتدي به ، وكان يكره للفقير لبس الطليحية ، ويقول : الفقر في الباطن لا في الظاهر وكان رضي الله عنه إذا رأى من الفقراء ، والمجاورين عورة سترها عليهم ، ويصير يسارقهم بحيث لا يشعرون ، ويرغبهم في ذلك الأمر الذي فيه صلاحهم ، وكان رضي الله عنه يكره للفقير أن يكون عند شيخه ، ولا يشاوره في أموره كلها ، ويقول : والله ما عرف الكيلاني ، وابن الرفاعي ، وغيرهما الطريق إلى الله تعالى إلا على يد شيخ ، وكم لعب الشيطان بعابد ، وقطعه عن الله عز رجل ، وكان إذا تشوش من فقير ظهر عليه المقت ، وكان يقول : الفقراء ما عندهم عصا يضربون بها من أساء الأدب في حقهم ، وما عندهم إلا تغير خواطرهم ، وسألوه مرة ما تقول : الساقية في غنائها ؟ قال : تقول لا يرى ملان إلا طالعا ولا فارغ إلا نازلا . ورأى مرة شابين أمردين ينامان في خلوة فلم يفش عليهما أمرا ، وصار يحكي الحكايات المناسبة للتنفير عن مثل ذلك حتى قال : بلغنا عن الشبلي رحمه الله تعالى أنه دخل يوما خربة يقضي فيها حاجته فوجد فيها حمارة فراوده الشيطان عليها فلما أحس الشبلي رضي الله عنه بذلك رفع صوته ، وصاح يا مسلمون يا مسلمون الحقوني ، وأخرجوا عني هذه الحمارة فإني أعرف ضعف نفسي عن سلوك طريق الصيانة ثم قال : سيدي محمد رضي الله عنه فإذا كان هذا حال مثل الشبلي رضي الله عنه في حمارة ، فكيف بالصور الجميلة ففطن لذلك الشابان فتفرقا عن الاجتماع حتى كأنهما لم يكونا عرفا بعضهما ، وكانت الفضة لا تنقطع من جيبه لأجل الفقراء فكان لا يقدم عليه فقير إلا وضع يده في جيبه ، وأعطاء من غير عدد ، وكان الذي يلاحظه يقول : والله عطايا الشيخ أكثر من عطايا السلطان كل يوم ، وكان رضي الله تعالى عنه إذا ركب في شوارع مصر لا يلقاه أمير أو كاتب سر أو ناظر خاص إلا ورجع معه إلى أي مكان أراد وتلقاه رجل أعجمي فأنشده : نهاري نسيم كله إن تبسمت . . . أوائله منها برد تحيتي فقال : الشيخ رضي الله عنه هذا الرجل كلما صلى الصبح وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم سمع رد السلام من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيستنير النور ، ويقوى حتى يصير كأصيل النهار فكأنه يقول : حصيل لي اليوم الفتح ، وكان الخضر عليه السلام يحضر مجلسه مرارا فيجلس على يمينه فإن قام الشيخ قام معه ، وإن دخل الخلوة شيعه إلى باب الخلوة ، وسئل يوما عن الصالح فقال هو من صلح لحضرة الله عز وجل ، ولا يصلح لحضرة الله عز وجل إلا من تخلى عن الكونين ، وسئل عن الولي فقال هو من قال لا إله إلا الله ، وقام بشروطها ، وشروطها أن يوالي الله ، ورسوله بمعنى أنه يواد الله بشهادته له بالوحدانية ، ولمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة ، وكان رضي الله عنه يقول : إذا مات الولي انقطع تصرفه في الكون من الإمداد ، وإن حصل مدد للزائر بعد الموت أو قضاء حاجة فهو من الله تعالى على يد القطب صاحب الوقت يعطي الزائر من المحد على قدر مقام المزور قال : بعضهم المزور في الحقيقة هو الصفات لا الذوات فإنها تبلى ، وتفنى ، والصفات باقية ، وكان الشيخ رضي الله عنه يخرج إلى قبر رجل كان أبارا فقيل له : في ذلك فقال : إنه كان يخبر عن رأس ماله في كل إبرة يبيعها ، وكان يقول : قوموا لأهل العلوم الربانية فإن قيامكم في الحقيقة إنما هو لصفة الله تعالى التي أنار بها قلوب أوليائه ، وكان بالشيخ رضي الله عنه عدة أمراض كل مرض منها يهذ الجبال منها البلغم الحار ، والبلغم البارد فاجتمع عنده الأطباء ، وقالوا إن النصف الأعلى قد تحكم منه البلغم الحار ، والنصف الأسفل قد تحكم منه البلغم البارد فإن داوينا الأعلى غلب عليه الأسفل ، وإن داوينا الأسفل غلب عليه الأعلى فقال : لهم خلوا بيني وبين الله تعالى يفعل بي ما يريد ، وأقام رضي الله عنه بذلك المرض سبع سنين ملاما فرشه ما سمعه أحد يقول : آه إلى أن توفي رحمه الله تعالى سنة سبع وأربعين وثمانمائة ، وكان مع وجود هذا البلاء العظيم يتوضأ للصلاة قبل دخول الوقت بخمس درج ، والأذكار ، والأحزاب تتلى حوله في كل صلاة ، ولا يصلي إلا مع جماعة ، ولما دنت وفاته بأيام كان لا يغفل عن البكاء ليلا ، ولا نهارا ، وغلب عليه الذلة ، والمسكنة ، والخضوع حتى سأل الله تعالى قبل موته أن يبتليه بالقمل ، والنوم مع الكلاب ، والموت على قارعة الطريق ، وحصل له ذلك قبل موته فتزايد عليه القمل حتى صار يمشي على فراشه ، ودخل له كلب فنام معه على الفراش ليلتين وشيئا ، ومات على طرف حوشه ، والناس يمرون عليه في الشوارع ، وإنما تمنى ذلك ليكون له أسوة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام الذين ماتوا بالجوع ، والقمل ، وكان السيد عيسى عليه الصلاة والسلام يقول والله إن النوم مع الكلاب لكثير على من يموت ، ولما دنت وفاته قال لزوجته : لا تتزوجي بعدي فمن تزوج بك خربت دياره ، وأنا لا أحب أن تكوني سببا لخراب دار أحد رضي الله عنه . ومنهم الشيخ مدين بن أحمد الأشموني رضي الله تعالى عنه أحد أصحاب سيدي الشيخ أحمد الزاهد رضي الله عنه ، كان من أكابر العارفين ، وانتهت إليه تربية المريدين في مصر وقراها وتفرعت عنه السلسلة المتعلقة بطريقة أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه ، قالوا ، وكان رضاعه على يد سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه ، وفطامه على يد سيدي الشيخ محمد الحنفي رضي الله عنه السابق ذكره ، فإنه لما توفي سيدي أحمد الزاهد رضي الله عنه جاء إلى سيدي محمد رضي الله عنه ، وصحبه وأقام عنده مدة في زاويته مختليا في خلوة ثم إنه طلب من سيدي محمد إذنا بالسفر إلى زيارة الصالحين بالشام ، وغيره فأعطاه الشيخ إذنا فقام مدة طويلة سائحا في الأرض لزيارة الصالحين ثم رجع إلى مصر فأقام بها واشتهر ، وشاع أمره ، وانتشر ، وقصده الناس ، واعتقدوه ، وأخذوا عليه العهود ، وكثرت أصحابه في إقليم مصر ، وغيرها ، ولما بلغ أمره سيدي الشيخ أبا العباس السرسي خليفة سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه قال : لا إله إلا الله ظهر مدين بعد هذه المدة الطويلة ، والله لقد أقام عندي سيدي في هذه الزاوية نحو الأربعين يوما حتى كمل . قلت : هكذا رأيته في آخر مناقب سيدي محمد الحنفي عند ذكر أصحابه الذين أخذوا عنه ، والمشهور بين جماعة سيدي مدين ، والغمري ، وغيرهم أن فطام سيدي مدين رضي الله عنه كان على يد سيدي أحمد الزاهد فالله أعلم بما كان ، وهو من ذرية سيدي أبي مدين المغربي الثلمساني رضي الله عنه ، وجده الأدنى على المدفون بطبلية بالمنوفية ووالده مدفون في أشمون جريسان ، وكلهم أولياء صالحون ، وأول من جاء من بلاد المغرب جده الذي في طبلية فدخلها ، وهو مغربي فقير لا يملك شيئا ، فجاع جوعا شديدا فمر به إنسان يقود بقرة حلابة فقال له : احلب لي شيئا من اللبن أشربه ، فقال له : ثور فصارت في الحال ثورا ، ولم تزل ثورا إلى أن ماتت ، ووقع له كرامات كثيرة فلم يمكنوه أن يخرج من بلدهم طبلية حتى مات ، وأما والد سيدي مدين رحمه الله تعالى ، فانتقل إلى أشمون فولد له سيدي مدين فاشتغل بالعلم حتى صار يفتي الناس ، واستسلم من أشمون عدة بيوت من النصارى منهم أولاد إسحاق ، ومنهم الصديرية ، والمقامعة ، والمساعنة ، وهم مشهورون في بلد أشمون ثم تحرك في خاطره طلب الطريق إلى الله تعالى ، واقتفاء آثار القوم ، فقالوا له : لا بد لك من شيخ فخرج إلى مصر فوافق سيدي محمد الغمري حين جاء إلى القاهرة يطلب الآخر ما يطلب سيدي مدين فسألوا عن أحد يأخذون عنه من مشايخ مصر فدلهما على سيدي محمد الحنفي رضي الله عنه فهما بين القصرين ، وإذا بشخص من أرباب الأحوال قال لهما : ارجعا ليس لكما نصيب الآن عند الأبواب الكبار ارجعا إلى الزاهد ، فرجعا إليه فلما دخلا تنكر عليهما زمانا ثم لقنهما ، وأخلاهما ففتح على سيدي مدين رضي الله عنه في ثلاثة أيام ، وأما سيدي محمد الغمري رضي الله عنه فأبطأ فتحه نحو خمس عشرة سنة ، ومن كرامات سيدي مدين رضي الله عنه أن منارة زاويته الموجودة الآن لما فرغ منها البناء مالت إليه ، وخاف أهل الحارة منها فأجمع المهندسون على هدمها ، فخرج إليهم الشيخ على قبقابه فأسند ظهره إليها ، وهزها والناس ينظرون فجلست على الاستقامة إلى وقتنا هذا ، ومن كراماته المشهورة أن يوسف ناظر الخاص بمصر ظلم شخصا من تجار الحجاز ، وكان مستند الشيخ عبد الكريم الحضرمي رضي الله عنه فسأل الشيخ في التوجه إلى الله تعالى فيه فتوجه فيه تلك الليلة ، فرأى يوسف في مقصورة من حديد مكتوب عليها من خارج مدين مدين فأصبح فأخبر التاجر ، وقال من هو مدين هذا فقال شيخ في مصر يعتقده يوسف فقال ارجع إلى مكان شيخه لا طاقة لي به ، وشاوره بعض الفقراء في السفر إلى بلاده ليقطع علائقه ، ويجيء إلى الشيخ بالكلية ، فأذن له فباع ذلك الفقير بقرته ، وبعض أمتعته ، وجعل ثمنها في صرة ، ووضعها ، في رأسه فلما جاء في المركب نفض الراجع عمامته فوقعت بالصرة في بحر النيل أيام زيادته فلما دخل الشيخ حكى له ما وقع فرفع سيدي مدين رضي الله عنه طرف السجادة وأخرج تلك الصرة تقطر ماء ، وكان إذا رأى فقيرا لا يحضر مجلس الذكر يخرجه ، ولا يدعه يقيم عنده فقال : لفقير يوما ما منعك يا ولدي عن الحضور فقال : الحضور إنما هو مطلوب لمن عنده كسل ليتقوى لغيره ، وأنا بحمد الله ليس عندي كسل فأخرجه الشيخ ، وقال : مثل هذا يتلف الجماعة ، ويصير كل واحد يدعي بدعواه فيختل نظام الزاوية ، وشعارها ، وخرج فقير يوما من الزاوية فرأى جرة خمر مع إنسان فكسرها فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية ، وقال : ما أخرجته لأجل إزالة المنكر وإنما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر لأن الفقير لا يجاوز بصره موضع قدميه ، ووقع أن ثور الساقية انطلق يوما فأكل من طحين الفقراء فذبحه الشيخ ، وقال : قد صار الماء الذي يملؤه لوضوء الناس فيه شبهة رضي الله عنه ، وجاءته رضي الله عنه امرأة فقالت : هذه ثلاثون دينارا ، وتضمن لي على الله الجنة فقال لها : الشيخ رضي الله عنه مباسطا لها ما يكفي ، فقالت : لا أملك غيرها فضمن لها على الله دخول الجنة فماتت فبلغ ورثتها ذلك فجاءوا يطلبون الثلاثين دينارا من الشيخ ، وقالوا : هذا الضمان لا يصح فجاءتهم في المنام ، وقالت لهم : اشكروا لي فضل الشيخ فإني دخلت الجنة ، فرجعوا عن الشيخ وحكى أن الشيخ رضي الله عنه كان يوما يتوضأ في البالوعة التي في رباط الزاوية فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق ثم جاء رجل من تلك البلاد بعد سنة ، وفردة القبقاب معه ، وأخبر أن شخصا من العياق عبث بابنته في البرية فقالت : يا شيخ أبي لاحظني لأنها لم تعرف أن اسمه مدين ذلك الوقت ، وهي إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه . وشعارها ، وخرج فقير يوما من الزاوية فرأى جرة خمر مع إنسان فكسرها فبلغ الشيخ رضي الله عنه ذلك فأخرجه من الزاوية ، وقال : ما أخرجته لأجل إزالة المنكر وإنما هو لإطلاق بصره حتى رأى المنكر لأن الفقير لا يجاوز بصره موضع قدميه ، ووقع أن ثور الساقية انطلق يوما فأكل من طحين الفقراء فذبحه الشيخ ، وقال : قد صار الماء الذي يملؤه لوضوء الناس فيه شبهة رضي الله عنه ، وجاءته رضي الله عنه امرأة فقالت : هذه ثلاثون دينارا ، وتضمن لي على الله الجنة فقال لها : الشيخ رضي الله عنه مباسطا لها ما يكفي ، فقالت : لا أملك غيرها فضمن لها على الله دخول الجنة فماتت فبلغ ورثتها ذلك فجاءوا يطلبون الثلاثين دينارا من الشيخ ، وقالوا : هذا الضمان لا يصح فجاءتهم في المنام ، وقالت لهم : اشكروا لي فضل الشيخ فإني دخلت الجنة ، فرجعوا عن الشيخ وحكى أن الشيخ رضي الله عنه كان يوما يتوضأ في البالوعة التي في رباط الزاوية فأخذ فردة القبقاب فضرب بها نحو بلاد المشرق ثم جاء رجل من تلك البلاد بعد سنة ، وفردة القبقاب معه ، وأخبر أن شخصا من العياق عبث بابنته في البرية فقالت : يا شيخ أبي لاحظني لأنها لم تعرف أن اسمه مدين ذلك الوقت ، وهي إلى الآن عند ذريته رضي الله عنه . وكان الشيخ عبادة أحد أعيان السادة المالكية ينكر على سيدي مدين رضي الله عنه ، ويقول : أيش هذه الطريق التي يزعم هؤلاء نحن لا نعرف إلا الشرع فلما انقلب بعض أصحاب الشيخ عبادة إلى سيدي مدين رضي الله عنه صحبوه ، وتركوا حضور درسه ازداد إنكارا ، فأرسل سيدي مدين ، وراءه يدعوه إلى حضور مولده الكبير الذي يعمل له في كل سنة فحضر فقال : الشيخ رضي الله عنه لا أحد يتحرك له ، ولا يقوم ، ولا يفسح له فوقف الشيخ عبادة في صحن الزاوية حتى كاد يتمزق من الغيظ ساعة طويلة ثم رفع سيدي مدين رضي الله عنه رأسه ، وقال : افسحوا للشيخ عبادة ، فأجلسه بجانبه ثم قال له : سؤال حضر فقال : الشيخ عبادة رحمه الله تعالى سل فقال : هل يجوز عندكم القيام للمشركين مع عدم الخوف من شرهم فقال : لا فقال : سيدي مدين رضي الله عنه بالله عليك ما تكدرت حين لم يقم لك أحد فقال : نعم فقال : لو قال لك : إنسان لا أرضي عليك إلا إن كنت تعظمني كما تعظم ربك ماذا تقول : له قال : أقول له كفرت فدارت فيه الكلمة فانتصب قائما على رءوس الأشهاد ، وقال : ألا اشهدوا أنني قد أسلمت على يد سيدي مدين رضي الله عنه ، وهذا أول دخولي في دين الإسلام ، ولم يزل في خدمة سيدي مدين رضي الله عنه إلى أن مات رحمه الله تعالى ، ودفن في تربة الفقراء ، وحكى له الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد الحريفيش الدنوشري أحد أصحاب سيدي محمد الغمري رضي الله عنه قال : لما مات شيخنا رضي الله عنه لم يعجبنا أحد بعده نجتمع عليه فسألت بعض الفقراء فقال : عليك بسيدي مدين فسافرت إليه فقالوا لي : الشيخ يتوضأ في الرباط فدخلت عليه ، فوجدته رجلا بعمامة كبيرة وجبة عظيمة ، وإبريق وطشت وعبد حبشي واقف بالمنشفة ، فقلت : لشخص أين سيدي مدين فأشار إلي أنه هذا فقلت : في نفسي لاذا بذاك ، ولا عتب على الزمن بتحريك التاء المثناة من فوق لأن عهدي بسيدي محمد رضي الله عنه أن يلبس الجبة ، والعمامة الغليظة ، والتقشف الزائد ، وليس لي علم بأحوال الرجال فقال لي : أصلح البيت قل لاذا بذاك ، ولا عتب على الزمن بسكون الفوقية فقلت : الله أكبر فقال : على نفسك الخبيثة تسافر من البلاد إلى هنا تزن الفقراء بميزان نفسك التي لم تسلم إلى الآن فقلت تبت إلى الله تعالى ، وأخذ العهد علي ، وأنا في بركة سيدي مدين رضي الله عنه إلى الآن ، وكنت أسمع هذه الحكاية من سيدي علي المرصفي يرويها عن شيخه سيدي محمد بن أخت سيدي مدين عن سيدي محمد الحريفيش هذا فلما اجتمعت بسيدي محمد الحريفيش سنة خمس عشرة ، وتسعمائة بدنوشر حكاها لي على جهة المباسطة فلما رجعت إلى القاهرة أخبرت بها سيدي عليا رضي الله عنه ، وأنا فرحان بذلك ، فقال لي : على وجه المباسطة كنت بلا سند فصرت بسند ، وضاقت النفقة على السلطان جقمق فأرسل يأخذ خاطر سيدي مدين رضي الله عنه بالمساعدة على نفقة العسكر ، فأرسل للسلطان قاعدة عمود حجر فحملها العتالون إلى القلعة ، فوجدها السلطان معدنا فباعها ، وجعلها في بيت المال ، واتسع الحال على السلطان ، فقال : السلطان هؤلاء هم السلاطين . وجاءه شخص قد طعن في السن ، وقال : يا سيدي مقصودي أحفظ القرآن في مدة يسيرة فقال : ادخل هذه الخلوة فأصبح يحفظ القرآن كله ، وكان الشيخ رضي الله عنه إذا سأله أحد عن مسألة في الفقه لا يجيبه ، ويقول : اذهب إلى عيسى الضرير يجيبك عنها وكان عيسى هذا أميا مقيما عنده في الزاوية فجاءه جماعة متعنتون على وجه الامتحان ، فقال : اذهبوا إلى عيسى الضرير يجيب عنها فقالوا : لا نطلب الجواب إلا منك فقال : الجواب في الكتاب الفلاني الذي عندكم على الرف في سابع سطر من عاشر ورقة ، فوجدوا الأمر كما قال : فاستغفروا ، وتابوا ، ووقائع سيدي مدين رضي الله عنه كثيرة مشهورة بين مريديه ، وغيرهم . ومن أصحابه سيدي محمد الشويمي المدفون قبالة قبره رضي الله عنه وسيدي أحمد الحلفاوي رضي الله عنه المدفون في صحن الزاوية . فأما الشويمي رضي الله عنه ، فكان من أرباب الأحوال العظيمة ، وكان يعمل هلالات الموادن ، والضيب ، وكان يجلس بعيدا عن سيدي مدين رضي الله عنه فكل من مر على خاطره شيء قبيح يسحب العصا ، وينزل عليه غنيا أو فقيرا كبيرا أو صغيرا أو أميرا لا يراعي في ذلك أحدا فكان من يعرف بحاله لا يتجرأ يجلس بين يدي سيدي مدين رضي الله عنه أبدا ومرض سيدي مدين رضي الله عنه مرة أشرف فيها على الموت فوهبه من عمره عشر سنين ثم مات في غيبة الشويمي رضي الله عنه فجاء ، وهو على المغتسل فقال كيف مت ، وعزة ربي لو كنت حاضرك ما خليتك تموت ثم شرب ماء غسله كله ، وكان رضي الله عنه يقول : لأصحابه عليكم بذكر الله تعالى تقضي لكم جميع حوائجكم . وجاءه مرة شخص يحمل حملة امرأة يحبها ، ويريد أن يتزوجها ، وهي تأبى فقال له : ادخل هذه الخلوة ، واشتغل باسمها فدخل ، واشتغل باسمها ليلا ، ونهارا . فجاءته المرأة برجليها إلى الخلوة ، وقالت له : افتح لي أنا فلانة فزهد فيها ، وقال : إن كان الأمر كذلك فاشتغالي بالله أولى فاشتغل باسم الله تعالى ففتح عليه في خامس يوم رضي الله عنه . وكان الشويمي رضي الله عنه يدخل بيت الشيخ يحسس بيده على النساء فكن يشكون لسيدي مدين رضي الله عنه فيقول : حصل لكم الخير فلا تشوشوا . واحتاج المطبخ يوما ، وهم في أشمون قلقاسا ، فأعطوه خرجا ، وحمار ، وقالوا : له اشترا لنا قلقاسا من الغيط فخرج إلى ناحية التربة فملخ لهم من الحلفاء قلقاسا حتى ملأ الخرج ، ورجع بالفلوس فاعتقده النساء من ذلك اليوم ، ولما مات سيدي مدين رضي الله عنه ، وطلب ابن أخته سيدي محمد رضي الله عنه الشياخة في الزاوية بعد الشيخ خرج له بالعصا ، وقال : إن لم ترجع يا محمد ، وإلا استلفتك من ربك ثم دخل ، فأخرج سيدي أبا السعود ابن سيدي مدين ، وهو ابن خمس سنين فأجلسه على السجادة ، وقال : اذكر بالجماعة ، فرجع ابن أخت سيدي مدين ، ولم يتجرأ أن يطلع الزاوية حتى مات الشويمي رضي الله عنه ، وكان ، وهو جمال في أشمون يحمل القمح أيام الحصاد ، وكان لا يحمل الجمل إلا قنة واحدة فذكروا ذلك لشيخ العرب ، فقال : دقوا قتتي ، وحمل غيري فوجدوا قتته خمسة أرادب فقال الجمل يحمل أكثر من خمسة أرادب ، وهو الذي زرع الخروبة التي هي قريب من التيه في طريق الحجاز حين توضأ سيدي مدين رضي الله عنه لما سافر إلى الحج ، ووقائه كثيرة مشهورة عند جماعة سيدي مدين رضي الله عنه . وأما الحلفاوي رضي الله تعالى عنه فكان رجلا صالحا سليم الباطن ، وكان يمشي بحلفايته بحضرة الشيخ في الزاوية ، وكان الشويمي رضي الله عنه يتأثر من ذلك ، ويقول له : أنت قليل الأدب فغضب يوما منه فهجره فلما كان الغروب آخر اليوم الثالث جاء له الشويمي ، وصالحه وقال رأيت الحق يغضب لغضبك يا أخي ، ولم يفتح علي بشيء من مواهب الحق منذ هجرتك فبلغ ذلك سيدي مدين رضي الله عنه فقال : أنا رأيته يمشي بحلفايته هذه في الجنة رضي الله عنه توفي سيدي مدين رضي الله عنه سنة نيف ، وخمسين ، وثمانمائة رضي الله تعالى عنه . ومنهم سيدي الشيخ محمد بن أحمد الفرغلي رضي الله تعالى عنه المدفون في أبي تبج بالصعيد كان رضي الله عنه من الرجال المتمكنين أصحاب التصريف ، ومن كراماته رضي الله عنه أن امرأة اشتهت الجوز الهندي فلم يجدوه في مصر فقال : للنقيب مخيمر يا مخيمر ادخل هذه الخلوة واقطع لها خمس جوزات من الشجرة التي تجدها في داخل الخلوة ، فدخل فوجد شجرة جوز فقطع لها منها خمس جوزات ثم دخل بعد ذلك فلم يجد شجرة ، ومر عليه شيخ الإسلام ابن حجر رضي الله عنه بمصر يوما حين جاء في شفاعة الأولاد عمر ، فقال : في سره ما اتخذ الله من ولي جاهل ولو اتخذه لعلمه على وجه الإنكار عليه فقال له : قف يا قاضي فوقف فمسكه ، وصار يضربه ، ويصفعه على وجهه ، ويقول : بل اتخذني ، وعلمني ، ودخل عليه بعض الرهبان فاشتهى عليه بطيخا أصفر في غير أوانه فأتاه به ، وقال ، وعزة ربي لم أجده إلا خلف جبل قاف ، وخطف التمساح بنت مخيمر النقيب فجاء وهو يبكي إلى الشيخ فقال له : اذهب إلى الموضع الذي خطفها منه ، وناد بأعلى صوتك يا تمساح تعال كلم الفرغل فخرج التمساح من البحر ، وطلع كالمركب ، وهو ماش ، والخلق بين يديه جارية يمينا وشمالا إلى أن وقف على باب الدار فأمر الشيخ رضي الله عنه الحداد بقلع جميع أسنانه ، وأمره بلفظها من بطنه فلفظ البنت حية مدهوشة ، وأخذ على التمساح العهد أن لا يعود يخطف أحدا من بلده ما دام يعيش ، ورجع التمساح ودموعه تسيل حتى نزل البحر ، وكان رضي الله عنه يقول : كثيرا كنت أمشي بين يدي الله تعالى تحت العرش . وقال لي : كذا وقلت له : كذا فكذبه شخص من القضاة فدعا عليه بالخرس فخرس حتى مات ، وكان آخر عمره مقعدا ، ويتكلم على أخبار سائر الأقاليم من أطراف الأرض ، ويبدلون له كل يوم ، والثاني زربونا جديدا ، وسمعت سيدي محمد بن عنان رضي الله عنه يقول : زرت الفرغل بن أحمد رضي الله عنه ، وأنا شاب فأخبر جماعته بخروجي من بلاد الشرقية ، وقال : ها هو محمد بن حسن الأعرج خرج بقصد زيارتنا ، وكانت له نصرانية تعتقده في بلاد الإفرنج فنذرت إن عافي الله تعالى ولدها أن تصنع للفرغل بساطا فكان يقول : ها هم غزلوا صوف البساط ها هم دوروا الغزل على المواسير ها هم شرعوا في نسجه ها هم أرسلوه ها هم نزلوه المركب ها هم وصلوا إلى المحل الفلاني ثم الفلاني فقال : يوما واحد يخرج يأخذ البساط ، فإنه قد وصل على الباب فخرجوا فوجدوا البساط على الباب كما قال الشيخ رحمه الله ، وأرسل مع القاصد الذي جاء بالبساط بعضا من الهدية وقال له : غمض عينك فغمض عينه فوجد نفسه في بلده طينات وسطى ، وجعلوه حارس الجرن ، وهو صغير في بني صميت فأخذ فريكا أخضر ، وطلع فوق جرن يحرقه فتسامع الناس إن هذا المجنون أحرق الجرن فطلعوا له ، وضربوه فقال : أنا قلت : للنار لا تحرقي إلا فريكي بس ، وانظروا أنتم فوجدوها لم تحرق إلا الفريك . وقال : لرجل زوجني ابنتك فقال : مهرها غال عليك فقال : كم تريد فقال : أربعمائة دينار فقال اذهب إلى الساقية ، وقل لها قال : لك الفرغل املأ قادوس ذهب ، وقادوس فضة فملأت له قادوسين فلم يزل هو وذريته مستورين ببركة الشيخ حتى ماتوا ، وجاءه ابن الزرازيري فقبل رجله فقال له : وليتك من الخلصة للملصة فولاه السلطان كشف أربع أقاليم الصعيد ، وأرسل قاصده إلى أمير في مصر يشفع عنده في فلاح فقال : قل لشيخك أنت دوكاري فرجع القاصد إلى الشيخ فأخبره فنقر بإصبعه في الأرض كهيئة الذي يحفر ، فجاء الخبر أن السلطان غضب على ذلك الأمير ، وأمر بهدم داره فهي خراب إلى الآن ناحية جامع طولون ثم ضرب عنقه بعد ذلك فقالوا له : ما سببه ؟ قال لا أعرف له سببا إلا أن الله تعالى حركني لذلك ، وجلس عنده فقيه يقرأ القرآن فنط الفقيه فقال له : نطيت فقال له : من أعلمك يا سيدي ، وأنت لا تحفظ القرآن ؟ فقال : كنت أرى نورا متصلا صاعدا إلى السماء فانقطع النور ، ولم يتصل بما بعده فعلمت أنك نطيت ، وكان رضي الله عنه يقول : أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلى قبالة وجهي ، ويذكرها لي أقضيها له ، ووقائعه رضي الله عنه لا تحصيها الدفاتر . توفي سنة نيف وخمسين وثمانمائة رضي الله تعالى عنه آمين . ومنهم سيدي الشيخ أبو بكر الدقدوسي رضي الله تعالى عنه شيخ سيدي عثمان الخطاب رضي الله عنهما ، كان رضي الله عنه من أصحاب التصريف النافذ ، وكانت الأعيان تقلب له . حكى لي شيخ الإسلام الشيخ نور الدين الطرابلسي الحنفي رحمه الله تعالى قال : أخبرني سيدي عثمان الخطاب رحمه الله تعالى أنه حج مع سيدي أبي بكر رضي الله عنه سنة من السنين فكان الشيخ يقترض طول الطريق الألف دينار فما دونها على يدي فإذا طالبني الناس أجيء إليه فأخبره بذلك فيقول له : عد لك من هذا الحصا بقدر الدين فكنت أعد الألف حصاة ، والخمسمائة ، والمائة والأربعين والثلاثين ، وأذهب بها إلى الرجل فيجدها دنانير قال : فلما دخلنا مكة كان الشيخ رضي الله عنه يضع كل يوم سماطا صباحا ، ومساء في ساحة لا يمنع أحدا يدخل ، ويأكل مدة مجاورته بمكة قال : وهذا أمر ما بلغنا فعله لأحد قبل سيدي أبي بكر . وكان له صاحب يصنع الحشيش بباب اللوق فكان الشيخ رضي الله عنه يرسل إليه أصحاب الحوائج فيقضيها لهم قال : سيدي عثمان رضي الله عنه فسألته يوما عن ذلك ، وقلت المعصية تخالف طريق الولاية فقال : يا ولدي ليس هذا من أهل المعاصي إنما هو جالس يتوب الناس في صورة بيع الحشيش فكل من اشترى منه لا يعود يبلعها أبدا هكذا أخبرني سيدي نور الدين الطرابلسي عن سيدي عثمان رحمه الله تعالى . ومنهم سيدي عثمان الخطاب رضي الله تعالى عنه أجل من أخذ عن سيدي أبي بكر الدوقدسي رضي الله عنه من الزهاد المتقشفين ، كان له فروة يبسها شتاء وصيفا ، وهو محزم بمنقطة من جلد ، وكان شجاعا يلعب اللبخة فيخرج له عشرة من الشطار ، ويهجمون عليه بالضرب فيمسك عصاه من وسطها ، ويرد ضرب الجميع فلا يصيبه واحدة هكذا أخبر عن نفسه في صباه ، وكان رضي الله عنه رحيما بالأولاد الأيتام ، ويقول : أنا قاسيت مرارة اليتم لموت أبي ، وأنا صغير ، وكان مطرقا على الدوام لا يرفع قط رأسه إلى السماء إلا لحاجة أو مخاطبة أحد ، وكان لم يزل في عمل مصالح فقراء الزاوية ، وغيرهم إما في غربلة القمح ، وإما في تنقيته ، وإما في طحنه ، وإما في جميع آلات الطعام وإما في خياطة ثياب الفقراء ، وإما في تفليتها ، وإما في الوقود تحت الدست ، وإما في جميع الحطب من البساتين ، وبلغ الفقراء ، والأرامل عنده أكثر من مائة نفس ، وليس له رزقة ، ولا وقف إلا على ما يفتح الله به كل يوم ، وكان كل من بار عنده شيء من الخضر يقول : خلوه للشيخ عثمان ، وكان إذا ضاق عليه الحال يطلع للسلطان قايتباي يطلب منه فيرسم له بالقمح ، والعدس ، والفول ، والأرز ، ونحو ذلك فقال : له السلطان يوما يا شيخ عثمان أيش بلاك بهذه الناس كلهم أطلقهم لحال سبيلهم ، وأرح نفسك فقال : له ، وأنت الآخر أطلق هذه المماليك ، والعسكر واقعد ، وحدك فقال هؤلاء عسكر الإسلام فقال ، وهؤلاء عسكر القرآن فتبسم السلطان ، ولما شرع في بناء الإيوان الكبير عارضه هناك ربع فيه بنات الخطأ فطلع للسلطان فقال يا مولانا هذا الربع كان مسجدا ، وهدموه ، وجعلوه ربعا فصدق قول الشيخ ورسم بهدم الربع ، وتمكين الشيخ من جعله الزاوية ، فأرشوا بعض القضاة فطلع إلى السلطان ، وقال : يا مولانا يبقى عليكم اللوم من الناس ترسمون بهدم ربع بقول فقير مجذوب ، فقال : السلطان ثبت عندي قول الشيخ فهدمه فظهر المحراب ، والعمودان فأرسل الشيخ رضي الله عنه وراء السلطان فنزل فرآه بعينه ، وطلب أن يصرف على العمارة . فأبى الشيخ ، فقال : أساعدك في كب التراب فقال : لا نحن نمهده فيها مهدا فهذا كان سبب علوه إلى الآن ، وبقية الزاوية كانت زاوية شيخه الشيخ أبي بكر الدقدوسي رضي الله عنه ، وأخبرني شيخ الإسلام الشيخ نور الدين الطرابلسي الحنفي ، والسيد الشريف الخطابي المالكي النحوي رحمهما الله تعالى قالا سمعنا سيدي عثمان رضي الله عنه يقول : لما حججت مع سيدي أبي بكر سألته أن يجمعني على القطب ، فقال : اجلس هاهنا ، ومضى فغاب عني ساعة ثم حصل عندي ثقل في رأسي فلم أتمالك أحملها حتى لصقت لحيتي بعانتي فجلسا يتحدثان عندي بين زمزم ، والمقام ساعة وكان من جملة ما سمعت من القطب يقول : آنستنا يا عثمان حلت علينا البركة ثم قال : لشيخي توص به فإنه يجيء منه ثم قرأ سورة الفاتحة ، وسورة قريش ودعوا ، وانصرفا ثم رجع سيدي أبو بكر رضي الله عنه فقال ارفع رأسك قلت لا أستطيع فصار يمرجني ، ورقبتي تلين شيئا فشيئا حتى رجعت لما كانت عليه فقال يا عثمان هذا حالك ، وأنت ما رأيته فكيف لو رأيته فمن ثم كان سيدي عثمان رضي الله عنه لا يريد الانصراف عن جليسه حتى يقرأ سورة الفاتحة ، ولإيلاف قريش لا بد له من ذلك قال : الشيخ شمس الدين الطنبخي رحمه الله تعالى ، وما رأيت سيدي أبا العباس الغمري رضي الله عنه يقوم لأحد من فقراء مصر غير الشيخ عثمان الخطاب كان يتلقاه من باب الجامع رضي الله عنهما ، وكذلك كان سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يحبه ، ويعظمه ، وكان كل واحد منهما يجيء لزيارة الآخر ، وكان إذا قال له : شخص يا سيدي عثمان المدد يقول : عثمان حطبة من حطب جهنم فماذا ينفعكم خاطره رضي الله عنه . وأخبرني سيدي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله عنه أنه جاور عنده مدة فخرج يتوضأ ليلا فوجد رجلا ملفوفا في نخ في طريق الميضأة فقال له : قم ما هو محل نوم فكشف عن وجهه ، وقال : يا أخي أنا عثمان أخرجتني أم الأولاد ، وحلفت أنها ما تخليني أنام في البيت هذه الليلة ، وكانت مسلطة عليه ، وكذلك كانت امرأة صاحبه الشيخ عثمان الديمي ، وكان عيال كل منهما تخرج على الآخر ، وكان كل منهما ينادي الآخر بيا عثمان فقط من غير لفظ لقب ، ولا كنية رضي الله عنهما . خرج رضي الله تعالى عنه زائرا للقدس فتوفي هناك سنة نيف وثمانمائة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ محمد الحضري رضي الله تعالى عنه المدفون بناحية نهيا بالغربية ، وضريحه يلوح من البعد من كذا ، وكذا بلدا ، كان من أصحاب جدي رضي الله عنهما ، وكان يتكلم بالغرائب والعجائب من دقائق العلوم ، والمعارف ما دام صاحيا ، فإذ قوي عليه الحال تكلم بألفاظ لا يطيق أحد سماعها في حق الأنبياء ، وغيرهم ، وكان يرى في كذا كذا بلدا في وقت واحد ، وأخبرني الشيخ أبو الفضل السرسي أنه جاءهم يوم الجمعة فسألوه الخطبة ، فقال : بسم الله فطلع المنبر فحمد الله وأثنى عليه ومجده ثم قال : وأشهد أن لا إله لكم إلا إبليس عليه الصلاة والسلام فقال : الناس كفر فسل السيف ونزل فهرب الناس كلهم من الجامع . فجلس عند المنبر إلى أذان العصر ، وما تجرأ أحد أن يدخل الجامع ثم جاء بعض أهل البلاد المجاورة فأخبر أهل كل بلد أنه خطب عندهم وصلى بهم قال : فعددنا له ذلك اليوم ثلاثين خطبة هذا ، ونحن نراه جالسا عندنا في بلدنا ، وأخبرني الشيخ أحمد القلعي أن السلطان قايتباي كان إذا رآه قاصدا له تحول ، ودخل البيت خوفا أن يبطش به بحضرة الناس ، كان إذا أمسك أحدا يمسكه من لحيته ، ويصير يبصق على وجهه ، ويصفعه حتى يبدو له إطلاقه ، وكان لا يستطيع أكبر الناس ، يذهب حتى يفرغ من ضربه ، وكان يقول : لا يكمل الرجل حتى يكون مقامه تحت العرش على الدوام ، وكان يقول : الأرض بين يدي كالإناء الذي آكل منه ، وأجساد الخلائق كالفوارير أرى ما في بواطنهم . توفي رضي الله عنه سنة سبع وتسعين ، وثمانمائة رضي الله عنه . ومنهم سيدي عيسى بن نجم خفير البرلس رضي الله تعالى عنهكان من العلماء العاملين وله المجهدات العالية في الطريق ، وسمعت سيدي عليا المرصفي رضي الله عنه يقول : مكث سيدي عيسى بن نجم رضي الله عنه بوضوء واحد سبع عشر سنة فقلت : يا سيدي كيف ذلك . فقال : توضأ يوما قبل أذان العصر ، واضطجع على سريره ، وقال : للنقيب لا تمكن أحدا يوقظني حتى أستيقظ بنفسي فما تجرأ أحد يوقظه فانتظروه هذه المدة كلها فاستيقظ ، وعيناه كالدم الأحمر فصلى بذلك الوضوء الذي كان قبل اضطجاعه ، ولم يجدد وضوءا وكان في وسطه منطقة فلما قام ، وحلها تناثر من وسطه الدود رضي الله عنه . قلت : وهذه الحالة من أحوال الشهود فيمضي على صاحبها عمره كله كأنه لمحة بارق كما يعرفه من سلك أحوال القوم ، وأخبرني الشيخ محمد البرلسي أن شخصا نذر إن ولدت فرسي هذه حصانا فهو لسيدي عيسى بن نجم فولدت له حصانا . فلما كبر أراد أن يبيعه ، وقال أيش يعمل سيدي عيسى فبينما هو مار به ذات يوم ، وقد صار تجاه سيدي عيسى رمح من صاحبه حتى دخل الزاوية فرمح صاحبه وراءه فدخل الحصان قبر الشيخ فلم يخرج رضي الله عنه . ومنهم الشيخ شهاب الدين المرحومي رضي الله تعالى عنه أحد أصحاب العارف بالله تعالى سيدي مدين رضي الله عنه ، كان طريقه المجاهدة ، والتقشف وكان يلبس الفروة صيفا ، وشتاء يلبسها على الوجهين ، وكان لم يزل مطرقا إلى الأرض ، وكان يقرئ الأطفال بمصر العتيق بالقرب من سيدي محمد ساعي البحر ، ومكث عند شيخه سيدي مدين رضي الله عنه إلى أن توفي لم يذق له طعاما . فقيل له في ذلك فقال : أنا لم آكل لشيخي طعاما خوفا أن أشرك في طلبي للشيخ شيئا آخر رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه يقول : ذهبت الطريق ، وذهب عشاقها ، وصار الكلام فيها معدودا عند الناس من البدعة فلا حول ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وكان الغالب عليه رضي الله عنه الخشوع ، والبكاء لا تكاد تجده إلا باكيا قال : سيدي ، وشيخي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله عنه زرته مرة ، وقلت : له يا سيدي مقصودي الطريق إلى الله عز وجل فقال : يا أخي والله ما ما أعد نفسي سلمت من النفاق طرفة عين ، ولم تأخذ علي عهدا قال : فلما أردت الانصراف قلت : يا سيدي ادع لي فخر باكيا بوجهه إلى الأرض ، وصار يفحص كالطير المذبوح ، وقال : لنفسه عشتي يا شقية إلى زمان صار يطلب من مثلك الدعاء ، ويوبخ نفسه رضي الله عنه ، ومن أجل أصحابه سيدي الشيخ أبو السعود الجارحي ، وسيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي سليمان الخضيري رحمهما الله تعالى ، ورضي عنهما ، وكان سيدي محمد بن عنان رضي الله عنه يقول : الشيخ سليمان الخضيري عندي أكمل من الشيخ أبي السعود رضي الله عنه . ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد ابن أخت سيدي مدين رحمه الله أعاد الله تعالى علينا ، وعلى المسلمين من بركاته ، واشتهر بابن عبد الدائم المديني ، كانت مجاهداته فوق الحد فظهر صدقه في تلامذته فخرج من تحت تربيته سيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد أبو الحمائل السروري ، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي نور الدين الحسني بن عين الغزال ، وسيدي الشيخ العارف بالله تعالى سيدي نور الدين علي المرصفي ، وخلائق كثيرة من العجم ، والمغاربة ، ومدار طريق القوم اليوم في مصر على تلامذته رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه ذا سمت بهى ، ونظافة ، وترافة أقبلت عليه الخلائق فطردهم بالقلب فلم يصر حوله فقير ، وصار يخرج إلى السوق فيشتري حاجته بنفسه ، ويحمل الخبز إلى الفرن بنفسه إلى أن مات ، ودفن على باب تربة سيدي مدين رضي الله عنهما ، وكان رضي الله عنه يقول : شبعنا كلاما ، وقال : وقيل : في هذه الدار ، وما بقي إلا القدوم على الواحد الأحد وله رسالة عظيمة في علم السلوك يتداولها أهل طريقته في مصر ، وغيرها . قلت : وسبب دفنه على باب التربة دون أن يدخلوه فيها مع جماعة سيدي مدين كما أخبرني به شيخنا الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري بمصر رضي الله عنه أن سيدي أبا السعود ابن سيدي مدين ، وجماعته لم يمكنوه من الدخول للوقعة التي كانت بينهم وبينه حين جلس للمشيخة بعد سيدي مدين رضي الله عنه دون ولده ، وأبي السعود وقالوا له : الطريق جاءتك من أين ؟ الولد أحق ، وهذا الداء لم يزل بين أولاد الأشياخ ، وبين جماعة والدهم إلى عصرنا هذا إلا من حماه الله عز وجل من حمية الجاهلية ، ولما منعوه من زاوية سيدي مدين انتقل إلى مدرسة أم خوند بخط بين السورين ، فانقلب الفقراء معه فركب جماعة من زاوية سيدي مدين ، ومضوا إلى أم خوند صاحبة المدرسة ، وكانت ساذجة فقالوا : لها أنت عمرت المدرسة يحصل لك الأجر ، وإلا التعب من غير أجر فقالت الأجر فقالوا : إن هذا الذي يسمي نفسه المديني أخذ الأجر كله له ، والدعاء وما بقي يحصل لك شيء فركبت بنفسها ، وجاءت فأخرجته منها فانتقل إلى مدرسة ابن البقري بباب النصر وبها توفي رضي الله عنه ، وأخبرني الشيخ شمس الدين الصعيدي المؤذن بمدرسة أم خوند قال : جاء مغربي إلى سيدي الشيخ محمد ابن أخت سيدي مدين ، فقال : يا سيدي أنت رجل ذو عيال ، وفقراء كثيرة ، وليس لك رزقة ، ولا معلوم ، ومقصودي أعلمك صنعة الكيمياء تنفق منها على الفقراء ، فقال له : جزاك الله عنا خيرا فقال يا سيدي فلوس آخذ بها الحوائج ، فأعطاه فجاء بالحوائج فقال الشيخ كمل جميلك ، وادخل هذه الخلوة ، واعملها ثم أعرضها علينا فجاء بعدته ، ودخل الخلوة ، فقال : الشيخ رضي الله عنه للفقراء ، وهذا الرجل ما يعرف من أحوال الفقراء شيئا إنما كيمياء الفقراء أن يعطيهم الله تعالى قلب الأعيان بلفظ كن ثم قال لهم : هذا الوقت يخرج محروق الوجه ، واللحية فبعد لحظة دق الباب ، وقال افتحوا لي احترقت ففتحوا له فوجدوه محترق الوجه واللحية ، وقال : انطلق في الكبريت فقال : الشيخ رضي الله عنه لا حاجة لنا بكيمياء فيها حرق الوجوه ، واللحى اذهب لحال سبيلك قال : الشيخ شمس الدين الصعيدي رحمه الله تعالى ، وإنما لم يرده الشيخ أولا من غير تجربة صيانة للخرقة ليعلمه أن الفقر في غنية عن ذلك وأن كنزهم القناعة في هذه الدار لا غير . والله أعلم . ومنهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي علي المحلي رضي الله تعالى عنه ورحمه كان من رجال الله المعدودة ، وكان رضي الله عنه يبيع السمك القديد مع البطيخ مع التمر حنا ، والمرسين والياسمين ، والورد وكان إذا أتاه فقير يستعين به في شيء من الدنيا يقول : له هات لي ما تقدر عليه من الرصاص فإذا جاء به يقول له : ذوبه بالنار فإذا أذابه يأخذ الشيخ بإصبعه شيئا يسيرا من الترب ثم يقول : عليه باسم الله ، ويحركه فإذا هو ذهب لوقته ، وأنكر عليه مرة قاض في دمياط ، وقال له : ما مذهبك فقال : حنشي ثم نفخ على القاضي فإذا هو ميت ، وكان رضي الله عنه يمشي في البلد ، ويقول : يا علماء البلد ما يصلح الملح إذا الملح فسد ، وكراماته رضي الله عنه كثيرة ، وأرسل مرة سيدي حسين أبو علي رضي الله عنه السلام له . فقال : سيدي على المحلي رضي الله عنه نعطيك هدية في نظير السلام ثم غرف له من البحر ملء القفة جواهر فقال : الفقير ليس لي ، ولا لشيخي حاجة بالجواهر فردها في البحر . مات سنة نيف ، وتسعمائة رضي الله عنه . ومنهم الشيخ الإمام العارف بالله تعالى سيدي علي بن شهاب جدي الأدنى رضي الله عنه كان رضي الله عنه من المدققين في الورع ، ويقول : الأصل في الطريق إلى الله تعالى طيب المطعم ، وكان إذا طحن في طاحون يقلب الحجر ، ويخرج ما تحته من دقيق الناس يعجنه للكلاب ثم يطحن ، ويخلى للناس بعده الدقيق من قمحه ، ولم يأكل فراخ الحمام الذي في أبراج الريف إلى أن مات ، وكان والدي رحمه الله تعالى يأتيه بفتاوى العلماء بحله فيقول : يا ولدي كل من الخلق يفتي بقدر ما علمه الله عز وجل ثم يقول : يا ولدي إنها تأكل الحب أيام البذار ، ويطيرونها بالمقلاع ، ولذلك يعملون لها أشياء تجفلها في الجرون ، ولو كان الفلاحون يسمحون بما يأكله الحمام ما فعلوا شيئا مما ذكرناه ثم بالغ فتورع عن أكل العسل النحل ، وقال : إني رأيت أهل الفواكه ببلادنا يطيرون النحل عن زهر الخوخ ، والمشمش وغيرهم ، ولا يسمحون بأكل أزهارهم ، فقال له : والدي رحمه الله تعال أما قال : الله تعالى المالك الحقيقي ' كلي من كل الثمرات ' فقال : الثمرات المملوكة أم المباحة ؟ فسكت والدي ثم قال له : والدي إن كل تفيد العموم فنحن على العموم فقال : الخاص مقدم على العام ، وقد حرم الله عليك أن ترعى بقرتك في زرع الناس بغير رضاهم ثم تشرب لبنها فكشف والدي رحمه الله رأسه ، واستغفر ، وقال : مثلي لا يكون معلما لك يا سيدي ، وكان يقرئ الأطفال ، ولا يدخل جوفه قط شيئا من ناحيتهم ، ولا من ناحية آبائهم حتى في أيام الغلاء كان يجوع ، ويطعم ذلك لأرامل البلد ، وأيتامها ، وكان عنده موهبة معلقة في سقف الزاوية كل صغير فضل من خبزه شيء يضعه فيها قال : عمى الشيخ عبد الرحمن فكانت تملأ كل يوم ، وكان الأطفال نحو مائة نفس ، فيرسل العرفاء بقفف صغار بعد العشاء تفرقه على مساكين البلد ، وأوقات هو بنفسه ، وإذا كان الزمان زمان رخاء يترصد المراكب التي ترسي من قلة الريح بساحل بلده فيرسله لهم مع الجبن ، والفول الحار ، ومعهما مهما وجد ، وكان لا يأكل قط من طعام فلاح ، ولا شيخ بلد ، ولا مباشر ، ولا أحد من أعوان الظلمة من منذ وعى على نفسه ، وقدم إليه مرة رجل قباني في بولاق طعاما فلم يأكله فقال : يا سيدي هذا حلال هذا من عرقي فقال : لا آكل من طعام من يمسك الميزان لعدم تحريرها في الغالب على وجه الخلاص . وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رضي الله عنه يقول : كان جدك من إخواني في الجامع الأزهر ، وكان يضرب بي وبه المثل في شدة الاجتهاد ، وصيام النهار ، وقيام الليل بنصف القرآن كل ليلة ، وكان يفوقني في الورع فإنه لم يأكل من طعام مصر قط ، ويقول : سمعت أخي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : طعام مصر سم في الأبدان وكذلك كان لا يشرب من ماء محمول على يد غيره من البحر أبدا بل كان يأخذ له جرة ، ويذهب إلى بحر النيل فيملؤها ، ويشرب منها حتى تفرغ ، وكنا نتعامل عليه ، ونحن شباب فنشربها جميعا في الليل ونقول : حتى ننظر أيش يعمل إذا عطش ، فيجس الجرة بيده فيجد فارغة فيتبسم ، ويضحك ، ويسكت وكان كتابه المنهاج ، والقاطبية ، والمنحة ، وحل الثلاث كتب ، وصار يقرأ بالسبع ، وغيره ، وعمره نحو العشرين سنة وكنت لا أفارقه ، ولا يفارقني فجاءته والدته بالكعيكات التي كان يتقوت منها على عادته فأخذت قميصه تغسله فوجدت فيه أثر احتلام ، فقالت إني أخاف عليك من أهل هذا البلد فإن كنت في طاعة فسافر معي أزوجك في بلدي ، وتقعد عندي فشاورني ، فقلت استخر ربك فقال : لا أستخير في طاعة والدتي ، وكان رحمه الله تعالى بارا بوالدته ، وكانت امرأة لها قوة تحمل الأردب وحدها وتضعه على ظهر الحمارة قال : وكان جدك رضي الله عنه يقول : علمتني أمي ، وأنا صغير انتهى ما سمعته من شيخي شيخ الإسلام رضي الله عنه ، وكان رضي الله عنه إذ غرقت مركب فيها شيء يؤكل كالرمان ، والقلقاس والقصب لا يمكن أحدا من أهل بلده أن يمسك من ذلك شيئا يقول : تشغلوا ذمتكم بشيء أنتم في غنية عنه ، وغرق على رغم أنف صاحبه ، ودعا الله أن لا يصح في دور ذريته برج حمام فبنوه مرارا وكتبوا له الجلب ، ولم يفرخ شيئا مع أن جيرانهم عندهم الأبراج ، وهو فيها بكثرة ، وكان رضي الله عنه يقول : مات أبي ، وأنا صغير فما رباني إلا أمي فكنت أرعى للناس بهائمهم بالكرا ، وأتقوت . . وحفظت القرآن ، وأنا أرعى البهائم فكنت أكتب لوحي ، وآخذه أحفظه في الغيط فمر علي بعض الفقراء السائحين فقال : يا ولدي اسمع مني ، وشاور والدتك ، وسافر إلى مصر تعلم بها العلم ، فشاورت أمي فسمحت لي بذلك وزودتني زوادة آكلها في نحو أربعة شهور ثم صارت تتفقدني إلى أن رجعت إليها ، وأخبرني جماعة ممن قرؤوا عليه أنهم لم يضبطوا عليه غيبة واحدة في أحد إلى أن مات ، وكذلك لم يضبطوا عليه قط مدة صحبتهم ساعة فراغ فكان إن لم يكن في عمل أخروي كان في عمل ينفع الناس قالوا ، وكانت طريقته أنه يقوم رحمه الله بعد رقدة من الليل فيتوضأ ، ويصلي ما شاء الله أن يصلي ثم يثني ذيله في وسطه ، ويتحزم عليه ، وفي وسطه سراويل ثم يأخذ جرارا كبارا ويبتدئ بالقراءة فلا يزال يملأ إلى قريب الفجر ، وربما قرأ نصف القرآن إلى الفراغ ، فكان يملأ سبيل زاويته التي أنشأها بحري بلده . ثم يملأ سبيل الجامع ثم يملأ سبيلا على طريق منف خارج جرن البلد ، ولما زوي أولاده الثلاثة والدي ، ومحمد ، وعبد الرحمن أعمامي كان يملأ لهم سقايتهم حتى مسقاة الكلاب ولا يمكن أحدا منهم يملأ ، ولا أحدا من عيالهم ثم يرجع إلى ميضأة زاور فيملؤها ، ويملأ حيضان أخليتها ، وينظفها ثم يصعد إلى سطح الزاوية ، فيسبح الله وينزهه ثم يؤذن فينزل فيصلي الفجر ، ويقرأ السبع هو ، وعرفاء الأطفال ثم يصلي بالناس الصبح ثم يجلس يتلو القرآن إلى طلوع الشمس ، فتجتمع الأولاد في المكتب فلا يزال يعلم هذا الخط وهذا رسم الخط ، وهذا الإدغام وهذا الإقلاب ، وهكذا ، ويؤدب هذا ، ويرشد هذا ، ويسمع لهذا إلى أذان العصر فيملأ الميضأة أو يكملها ثم يفتح دكانه على باب زاويته فيها الزيت الطيب ، والزيت الحار والعسل ، والرب والأرز ، والفلفل والمصطكي ، وغير ذلك فلا يزال يبيع للناس إلى أن يقضي حوائجهم للطعام ، والأكل قبل المغرب فيؤذن ، ويصلي بالناس ويجلس للسبع إلى صلاة العشاء . فإذا صلى العشاء بالناس لا يفرغ من وتره حتى لا يبقى أحد يمشي في الأزقة ، ونيام الناس فيغفو لحظة ثم يقوم يتوضأ ، ويصلي ، ويأخذ الجرار ، ويملأ الأسبلة كما تقدم هذا كان عمله على الدوام شتاء ، وصيفا ، وكانت زوجته رحمها الله تعالى تقول له : يا سيدي أما تستريح لك ليلة واحدة فيقول ما دخلنا هذه الدار لذلك ، وكان رضي الله عنه إذا قويت الشبهة في ثمن شيء يبيعه لا يأخذ من ذلك المشتري ثمنا بل يعطيه حاجته ، ويقول سامحناك فكان يظن أن ذلك لمحبته له ، وإنما ذلك لقوة الشبهة في ماله على حسب مقام الجد رضي الله عنه . قلت : وقد تحدثت بذلك للشيخ محمد النامولي أجد أصحاب سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله تعالى عنه فقال : صحيح كان هذا دأبه مدة صحبتنا له ثم قال لي سمعت سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه يقول : ما في أصحابنا قط أكثر نفعا من الشيخ علي الشعراوي ثم قال لي : الشيخ محمد رضي الله عنه ، فإن شككت في قول : سيدي إبراهيم رضي الله عنه فأعرض هذه الأحوال المتقدمة على مشايخ مصر الآن لا نجد أحدا منهم يستطيع المداومة على هذه الأعمال جمعة واحدة ثم نظر إلي وحولي الفقراء ، والمعتقدون ، وقال : إن كنت تعمل فقيرا فاتبع جدك ، وإلا فأنت سكة ، وصورة ، وشيء ما في المقصورة فقلت : أستغفر الله العظيم ، وأخبرني أنه كان إذا نزل سيدي إبراهيم المتبولي رضي الله عنه من البركة للريف يقول : للفقراء الميعاد عند الشيخ علي الشعراوي هذه الليلة فتكون ليلة عظيمة قال : الشيخ محمد رحمه الله ، فنزلنا أيام التين فاعترضنا أهل الصالحية وأهل برشوم ، وقالوا : يا سيدي انزل هنا نطعم الفقراء التين فقال : لا نأكل التين إلا عند الشيخ علي الشعراوي في ذلك البر فقال : الفقراء تترك بلد التين ، ونطلب التين في غير بلده قال : فأول ما خرج جدك وسلم على الشيخ ، والفقراء أخرج لهم قفة كبيرة من أطيب التين فقال : الفقراء لسيدي إبراهيم رضي الله عنه استغفر الله لنا ، وتابوا من اعتراضهم الباطل ، وأخبرني عمي الشيخ عبد الرحمن رحمه الله تعالى أن سبب عمارة والدي بيوت الخلاء في زاويته مع كونها كانت خارجة عن البلد والفلاحون في الغالب لا يعتنون بدخول الأخلية أنه ورد عليه الشيخ سراج الدين التلواني ، فخرج فرأى الأولاد يقولون تعالوا بنا نتفرج على هذا القاضي الذي يخرى ، فحصل عند والدي خجل عظيم لأجل ضيفه ، فطلب البناء ، وبنى بيوت الأخلية ذلك اليوم ، وكان رضي الله عنه إذا زرع مارسا من القمح يجعل بينه وبين الناس خطا من الفول ، وإذا زرع مع الناس الفول جعل بينه ، وبينهم خطا من القمح ، وهكذا في سائر الحبوب ، فإذ حصد ترك للناس خط الفول أو أخذه إذا شاء ، فإنه فوله ، وكان إذا سرح للحصاد يأخذ الإبريق معه للوضوء ، فإذا جاء وقت الصبح ترك الحصاد ، وصلى فكان شريكه يتكدر لأجل ذلك فيقول : كل طعام اكتسب بطريق حرام فهو حرام رضي الله عنه يقول : بلغني أن الأرض لا تأكل قط جسما نبت من حلال ، فكان بعض فقهاء بلاده ينكر ذلك عليه ، ويقول : هذا خاص بالأنبياء عليهم الصلاة ، والسلام ، والشهداء فلما مات والدي أدخلوه عليه ، فوجدوه طريا كما وضعوه ، وبين دفن والدي ودفنه إحدى وعشرون سنة ، فأرسل الملحد للجد وراء الفقهاء الذين كانوا ينكرون على جدي ذلك ، وقال : انظروا فاستغفروا الله ، وتابوا . وكان رضي الله عنه يكره من يقول له : يا نور الدين ويقول : نادوني باسمي علي كما سماني بذلك والدي ، وبات سيدي الشيخ علي العياشي أحد أصحاب سيدي أبي العباس الغمري رضي الله عنه ، وهو من أرباب القلوب ليلة في زاوية جدي فسمع جدي يقرأ القرآن في قبره ، فابتدأ من سورة مريم إلى سورة الرحمن فطلع الفجر فسكت الصوت فأخبر أهل البلد بذلك ، فقالوا هذا الشيخ علي رحمه الله تعالى ، وكان رضي الله عنه يقول : لا تجعل على قبري شاهدا ، وادفنوني خلف جدار هذه القبة التي في الزاوية ، ففعلوا فليس لقبره علامة إلى وقتنا هذا ، وأخبرني عمي الشيخ عبد الرحمن رضي الله عنه قال : لما حضرت والدي الوفاة دعا بكتاب سيدي عبد العزيز الدريني رضي الله عنه المسمى بطهارة القلوب فقال لوالدك اقرأ لي في أحوال القوم عند خروج أرواحهم فقرأ له فتنهد ، وقال : سبقونا على خيول دهم ، ونحن في أثرهم على حمير دبرة ، وطلع النفاطات في لسانه حتى تزلع لسانه فكانت جدتي رحمها الله تعالى تقول : والله ما يستأهل هذا اللسان يا طول ما ختم القرآن في الليل ، فيقول سكتوها عني لو علمت ما أعلم من مناقشة الحساب ما قالت ذلك ، وأخبرني والدي في التربية سيدي خضر رحمه الله قال : إن جدك كان لا يجيء إلى القاهرة إلا ويأتي معه بالجراب الخبز ، وإبريق يملؤه من النيل فيشرب ، ويأكل من ذلك إلى أن يرجع ولم يذق لي طعاما قط ، وقال لي : تعرف سبب معرفتي بجدك قلت لا قال : نزلنا سنة من السنين مع سيدي محمد بن عبد الرحمن نائب جده ، وبعض بني الجيعان نتفرج في بلدكم أيام الربيع فأقمنا مدة فطاب لسيدي محمد الوقت فشرع في زراعات ، وبني حواصل ، وصرف مصروفا واسعا فطلب شخصا أمينا يكون وكيلا عنه في ذلك فقال : جميع الفلاحين ليس عندنا أحد أكثر أمانة من الشيخ علي رضي الله عنه فأرسلوا ، وراءه فحضر ، فقال : إني لا أصلح لذلك فقالوا : لا بد فأخذ مفاتيح الحواصل فلما طلع البطيخ خزنه ، وصار كل بطيخة حصل فيها تلف ينادي عليها إلى أن تنتهي الرغبات فيها ثم يكتب ثمنها عليه ويعطيها لمساكين البلد وصار يكتب تفاوت علف البهائم في اليوم الفلاني ، والثور الفلاني مرض الليلة الفلانية ، فلم يأكل عشاه تلك الليلة ، ونقص من غذائه في الوقت الفلاني ، وهكذا فلما حضر ابن عبد الرحمن ثاني مرة إلى البلد أرسل خلف جدك يطلب منه قائمة المصروف ، فنظر فيها ثم خرج من الخيمة مكشوف الرأس خارا على أقدام جدك يقبلها ، ويبكي ، ويقول : يا شيخ علي اجعلني في حل فإني والله ما علمت بمقامك ثم صار يقول : مثل هذا الرجل يكون وكيلا عني ، وأخبرني عمي الشيخ عبد الرحمن رحمه الله قال : أهدي لنا سيدي محمد عبد الرحمن ثلاثة أطباق على رءوس ثلاثة من العبيد في واحد أثواب صوف ، وشاشان وثياب بعلبكية ، وفي الآخر حلاوة ، ومكبرات ، وفي الآخر أنواع من الطيب فرد القماش وقبل الحلاوة ، والطيب . وفرق الطيب على صبايا البلد ، والحلاوة على أيتام البلد ، ولم يذق هو ولا أهل بيته شيئا من ذلك ، وأراد عمي عبد الرحمن أن يأخذ له إصبعا من الحلاوة فمنعه وقال يا ولدي هذا سم في الجسد فإنه كان جده يقبض العشور انتهى قال : سيدي خضر ، وقد عاشرت جدك ، وأنا مباشر البلد إلى أن مات فما رأيته وضع يده في طعام الفلاحين ، ولا أخذ على شهادته لهم في الخراج ، والإجارات ، وعقود الأنكحة ، ولا خطابته لهم ، ولا إمامته بهم درهما واحدا قال : وكان يفضل للفلاح على أستاذه الدرهم الواحد فيكتبه للفلاح لثاني سنة ، ويقول لو أمكنني تخليصه لك هذه السنة لخلصته لك من أستاذك ، . وكان إذا ضاق به الحال من حيث الكسب بالبيع يكتب المصاحف ويصنع الطواقي المضربة دالة في قلب دالة ، وكل واحده يعطونه فيها الدينار الذهب . ويقولون إن كل طعنة فيها مرقية بكلمة من القرآن لأنه كان إذا خاط يقرأ مع ذلك القرآن فكان يحسب رأس ماله فيها وأجرة مؤنته وخياطته ، ويتصدق ببقية الدينار على الأرامل ، والمساكين ، وبلغني عنه أنه كان يقرأ القرآن ، وهو ينسخ كتب العلم لا يشغله أحدهما عن الآخر ، وتخرج كتابته سالمة من الغلط مع ذلك ، وأخبرني جماعة ممن كانوا يقرءون عليه أنه كان يأكل اللبن ، والطعام المائع مع المجذومين ويقول : إن هؤلاء خاطرهم مكسور ، وكان الذين يقرءون عليه يقولون : ما رأيناه قط نائما في النهار في أيام الصيف ، ولا غيره . وكان رضي الله عنه يقول : إن النهار لم يجعل للنوم ، ولما حج وتلقاه الناس وافق طلوعه للبلد أذان العصر فصعد سطح الزاوية ، وأذن ، ونزل وصلى بالناس ثم نزل فنظف بيوت الخلاء ، وملأ الميضأة قبل دخول الدار ثم شرع من تلك الليلة في ملء الأسبلة المتقدم ذكرها على يديه على عاداته ، ولم يسترح كما يقع للحجاج ، وكان يقول : الوقت سيف ، ولما جاء من الحج كثر بكاؤه ، وحزنه زيادة على ما كان عليه قبل الحج ، ولم ير ضاحكا قط حتى مات ، وكان إذا لبس القميص أو العمامة لا ينزعها للغسل قط إلا إن نزعوها ، وكانوا ينسونه بعض الأوقات فتصير كالوحل ، ومع ذلك على ثيابه الفخر ، والنور يخفق منها من نور الأعمال ، وكانت عمامته من الصوف الأبيض ، وكان أشبه الناس بجدي الشيخ نور الدين الشوني رضي الله عنه شيخ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجامع الأزهر ، وغيره في وجهه ، ولحيته وهمته ، وجسمه حتى إن الجماعة الذين قرءوا على جدي كلهم مطبقون على ذلك ، وكانوا يذهبون إلى الجامع الأزهر لرؤية الشيخ نور الدين لشبهه بجدي لا غير ، ولما دفن سيلي نور الدين الشوني رضي الله عنه رأيته ثاني يوم فقال : لي جاءني جدك إلى هنا هذه الليلة ، وقال : آنست مكانك ، لماذا كان لك حاجة فنادني أحضر إليك في الحال ورأيت بينهما اتحادا عظيما ، ولذلك جعلنا اسميهما مسبوكين معا في الدعاء لهما في قراءة الأسباع والكرسي ، وغيرهما في الزاوية التي دفن فيها الشيخ نور الدين الشوني رحمه الله تعالى واحد يدعى له بقرينة تخصه فإن كلا منهما والدي رضي الله عنهما ، وكان رضي الله عنه يقول : لا يعجبني كثرة العبادات من العبد . وإنما يعجبني كثرة خوفه من الله عز وبئ ، ومناقشته لنفسه ، ورافقه مرة في سفره من القاهرة إلى بلده رجل عليه آثار الفقراء ، فقال له : جدي ما حرفتك قال له : مؤذن في جزيرة الفيل فقال له : هل أقمت مقامك نائبا فقال الأمر سهل ، فقال : هذا فراق بيني ، وبينك ، وساق وتركه ، وكان رضي الله عنه لا يمكن أحدا من الفقراء البرهامية يفعل شيئا في بلده مما يفعلونه في غيرها من أكل النار ، ودخولها ، وجر السيف غلى اللسان ، وعلى الكف ، ويقول : إن كنتم برهامية فأتوا لنا بالبرهان على ذلك من الكتاب ، والسنة أو من فعل سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه فانتصر جماعة من البلد للفقراء على جدي . وقالوا لا بد أن يفعلوا هذه الليلة ذلك حتى تنفرج عليهم فأتاهم تلك الليلة سيدي إبراهيم الدسوقي رضي الله عنه ، وقال لهم : أطيعوا الشيخ عليا رضي الله عنه ، وأنا بريء من كل عمل يخالف هدى الخلفاء الراشدين ، والأئمة المجتدين ، فأصبحوا ، واستغفروا ، وتابوا ورجعوا عن ذلك الفعل ، فقال لهم : أنا رجل برهامي ، ولو كنت أعلم رضا سيدي إبراهيم بذلك لكنت أول فاعل له لأنه قدوتي وشيحي ، وكذلك وقع له مع فقراء الأحمدية ، وكان شيخهم الشيخ الصالح سيدي عبده الرحمن ابن الشيخ ، وهيب السطوحي الأحمدي تلك الليلة فقال له : يا شيخ عبد الرحمن إن كنت تطلع بلدنا فاطلعها على الكتاب ، والسنة ، وإلا فأنت مهجور فدارت فيه الكلمه ، ونالى بأعلى صوته يا فقراء تفرقوا عني ، فإني رجعت إلى الله تعالى عن هذه الطريقة ثم عقد التوبة على يد جدي من تلك الليلة . ثم جعل له خصا في الجزيرة التي هي الآن متعلقة بالفقراء تجاه فم بحر الفيض وصار يتعبد فيها ، والبحر محيط به يزوره الناس في المراكب إلى أن مات ، وكان يقول : كل هذا ببركة الشيخ علي بن شهاب فانه أنقذني من الضلالة ، وظهرت الشيخ بعدالرحمن رضي الله عنه كرامات عظيمة : منها أنهم قطعوا مرة حطبا بغير إذنه من جزيرته ، وسافروا به فانقلبت المركب بالقرب من بولاق وغرق من فيها ، ولم تزل منحدرة إلى أن أرست على جزيرته ، فقال : هذه بضاعتنا ردت إلينا فقال صاحب المركب يا سيدي الشيخ تغرق المركب كلها في حزمتين حطب ، فقال : هذا من سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه ما هو مني ، وكان جدي رضي الله عنه إفا خرج من بيته للصلاة لا يستطيع تارك الصلاة يفارقه حتى يصلي هيبة منه رضي الله عنه ، وكان إذا رأى جماعة الفلاحين في مجلس لغوهم يقول : يا أولادي اللعمر يضيق عن مثل ذلك عن قريب تندمون ، وكان رضي الله عنه ينتهي نسبه إلى سلطان تلمسان أبي عبد الله في الجد الرابع ، وبعده إلى السيد محمد بن الحنفية رضي الله عنه ، وكان لا يظهر ذلك ، ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن التفاخر بالنسب ولا يقدس الإنسان حقيقة إلا عمله ، ولو كان من أولاد أكابر الصحابة ، وكان يقول : انظروا إلى الموالي الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم كسلمان ، وبلال كيف صار شأنهم بطاعة الله ورسوله ، وأخبرني سيدي كمال الدين زوفا من أولاد عمنا بنواحي البهنسا أن جدنا الخامس سيدي موسى المكنى بأبي عمران رضي الله عنه قال له : سيدي أبو مدين رضي الله عنه لمن تنتسب قال : لي مولاي أبي عبد الله سلطان تلمسان قال له : فقر وشرف لا يجتمعان ، فقال : يا سيدي تركت الشرف ، فقال : الآن نربيك . قلت : وتبعه على ذلك أعمامي ووالدي فلما خفت موت نسبتنا بالكلية ذكرتها في مؤلفاتي ، وأخبرني الشيخ كمال الدين المتقدم أن نسبتنا القديمة ، وجدوا عليها خطوط أولياء المغرب ، وعلمائها ، وقضاتها فوقع بين أولاد عمنا ، وبين الخليفة سيدي يعقوب العباسي ، فأرشى عليها من أخذها ، وغيبها ، وقال : ليس لنا أولاد عم أبدا خوف انقراض بيتهم أو ضعفه فيعطي أولاد عمنا الخلافة ، ولعمري الشرفاء أحق بذلك ، وهم كثير في أرض مصر فالله يكثر منهم ، ويعرفنا بمقدارهم ، والقيام بخدمتهم آمين . مات جدي رضي الله عنه سنة إحدى وتسعين وثمانمائة ، وله من العمر سبع وخمسون سنة رضي الله عنه ، وليكن ذلك آخر من ذكرناه من أهل القرن التاسع وتركنا جماعات كثيرة من أهل القرافتين ، وغيرهما استغناء بكتب الزوار الموضوعة لذلك ، فإن كتابنا هذا إنما وضعناه بالأصالة لبيان أهل الطريق ، وأحوالهم ، وأنهم كانوا على الكتاب والسنة فربما تكثر البدع من فقراء أهل هذا العصر زيادة على ما هي عليه الآن ، فيعتقد العامة أن السلف الذين يزعم هؤلاء أنهم على قدمهم كانوا على هذه البدع ، فلذلك لم نذكر في الغالب في هذا الكتاب من المشايخ إلا من له كلام في الطريق أو أفعال تنشط المريدين ، هذه طريق التأسي بالأشياخ ، وأما الكرامات ونتائج الأعمال ، فليست هذه الدار محلا لها إنما محلها الدار الآخرة ، فلذلك لم نذكر منها إلا بقدر تسكين القلب لذلك الولي ليؤخذ كلامه بالقبول ، والاعتقاد ، والله حسبي ونعم الوكيل . ولنشرع في ذكر الخاتمة الموعود بذكرها في الخطبة ، فنقول ، وبالله التوفيق :
Página 440