Las Grandes Clases de al-Sha'rani
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Editorial
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Año de publicación
1315 هـ
العرب، ثم تزهد، وتعبد، وساح، ودخل مصر، والشام، والحجاز، والروم، وله في كل بلد دخلها مؤلفات، وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام شيخ الإسلام بمصر المحروسة يحط عليه كثيرا، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي رضي الله عنه، وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية، والعرفان، والقطبية، مات رضي الله عنه سنة ثمان وثلاثين، وستمائة، وقد سطرنا الكلام على علومه، وأحواله في كتابنا تنبيه الأغبياء على قطرة من بحر علوم الأولياء، فراجعه، والله تعالى أعلم،
ومنهم الشيخ داود الكبير بن ماخلا
رضي الله تعالى عنه
شيخ سيدي محمد، وفا الشاذلي رضي الله عنه، كان رضي الله عنه شرطيا في بيت الوالي بالإسكندرية، وكان يجلس تجاه الوالي، وبينهما إشارة يفهم منها وقوع المتهوم، أو براءته، فإن أشار إلي أنه بريء عمل بإشارته، أو أنه فعل ما اتهم به عمل بذلك، وكانت إشارته أنه إن قبض على لحيته، وجذبها إلى صدره علم أنه وقع، وإن جذبها إلى فوق علم أنه بريء، وله كلام عال في الطريق، وكان أميا لا يكتب، ولا يقرأ، ومن كلامه رضي الله عنه في كتابه المسمى بعيون الحقائق في قوله: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "، على قدر ارتقاء همتك في نيتك يكون ارتقاء درجتك عند عالم سريرتك، وكان رضي الله عنه يقول: إنما كانت العلل، والأسباب لوجود البعد، والحجاب، ومن استنار قلبه علم أن الخضوع لرب الأرباب حتم لازم للعبد من غير العلل.
وكان رضي الله عنه يقول: للولي نوران نور عطف، ورحمة يجذب به أهل العناية ونور فيض، وعزة، وقهر يدفع به أهل البعد والغواية لأنه يتصفح بين دائرتي فضل وعدل، فإذا أقيم بالفضل ظهر فجذب فنفع هو إذا أقيم بالعدل، والعز حجب، فخفي، ودفع، ولذلك أقبل بعض، وأدبر بعض، وكان رضي الله عنه يقول: كلما ازداد علم العبد زاد افتقاره، ومطلبه، وعلت همته لأنه في حال جهله يطلب العلم، وفي حال علمه يطلب جلاء العلوم، والمعلومات درجات لا غاية لمنتهاها، ولا حد لعلو مرماها، فواعجبا من لوعة كلما ارتوت زاد تأججها، وضرامها، وكان يقول: أسرار يتنزل العلم عليها، وأسرار تترقى هي إليه، وأعلاهما أولاهما لأن العلم إذا ورد عليها صارت هي عينا فيه فتخفي رسومها، وتتضح علومها، وتحق شواهدها، وأما إذا ترقت الأسرار إلى العلوم، فإن طعم كأسها يشوب طعمها، وتتنزل خلع مواهبها قريبا من جنس لباسها، فيحصل فيها ضرب من الإخفاء، والإشكال، وكان يقول: عالم الظاهر كلما اتسع علمه اتسع في الوجود، وفشا، وعالم الباطن كلما اتسع علمه، وعلا دق من الإدراك، ومال إلى الخفاء لأن العالم بالخفاء خفي عكس الظاهر، وأيضا، فإن عالم الظاهر ينقضي علمه بانقضاء هذه الدار لأنه منوط بالتكليف، وإنما يبقى له إذا صدق، وأخلص لله الجزاء، والثواب، وكان يقول: من أعظم المواهب بعد الإيمان بالله تعالى وملائكته، وكتبه، ورسله الإيمان بنور الولاية في خلقه سواء ظهرت في ذات العبد، أو في غيره من العباد، فإنه كما هو مطلوب أن يؤمن بها في غيره كذلك مطلوب أن يؤمن بها في نفسه.
وكان رضي الله عنه يقول: الناس صنفان صنف اشتغل بالدنيا وإقامة دولتها، وشعائر دينها فهو في كفالة علماء المسلمين، وصنف سمت هممهم بعد أن حصلوا ما حصل الأولون إلى فهم الأسرار، وطلبوا من يسير بها في منازل التحقيق فهم في كفالة العارفين، وكان رضي الله عنه يقول: لا يكن كبر همك من العبادة إلا القرب من المعبود دون الأجر، والثواب، فإنه إذا من عليك بالدخول إلى حضرته فهنالك الأجور، وأعلى منها ثم ينعم عليك حتى تكون أنت منعما على ذلك، وكان يقول: الجزء لا يطيق حمل الكل، وكان رضي الله عنه يقول: من صحت ولايته من رجل كبير أحاط نوره بسره سرا، وجهرا وكان لا يدخل حضرة من حضرات القرب إلا، وهو معه، وكان رضي الله عنه يقول: إذا نطق المحجوب بغرائب العلوم، وعجائب الفهوم، فلا تستغربن ذلك، فإن مداد قلم الغيوب فياض، وكان يقول: حاشى قلوب العارفين أن تخبر عن غير يقين، وكان يقول: لسان العارف قلم يكتب به في ألواح قلوب المريدين فربما كتب في لوح قلبك ما لم تعلم معناه، وبيانه عند ظهور آياته وكان رضي الله عنه يقول: القلب ظل نور الروح، والروح ظل نور السر، والسر مظهر تجلي أشعة الحقيقة الأولى، في أوائل عوالم التكوين، والنفس عبارة عن توجه القلب إلى سياسة العالم الشهادي والتفاته إلى تدبير عالم شهادته، وكان يقول: إقبال القلب مع لا إله إلا الله خير من ملء الأرض عملا مع الإعراض عن الله عز وجل، وكان يقول: العارف أثره في الآخذين عنه بإمداده وأنواره كثر
Página 160