Las Grandes Clases de al-Sha'rani
الطبقات الكبرى المسماة بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار
Editorial
مكتبة محمد المليجي الكتبي وأخيه، مصر
Año de publicación
1315 هـ
إنه تستر بالفقه، واختفى مع علمه، وجلالته، وأخرجوا محمد بن الفضيل البلخي رضي الله عنه بسبب المذهب كما سيأتي في ترجمته، وذلك أن مذهبه كان مذهب أصحاب الحديث فقالوا له: لا يجوز لك أن تسكن في بلدنا فقال: لا أخرج حتى تجعلوا في عنقي حبلا، وتمروا بي على أسواق المدينة، وتقولا هذا مبتدع نريد أن نخرجه، ففعلوا به كذلك، وأخرجوه، فالتفت إليهم، وقال: نزع الله تعالى من قلوبكم معرفته، فلم يخرج بعد دعائه قط من بلخ صوفي مع كونها كانت أكثر بلاد الله تعالى صوفية، وعقدوا للشيخ عبد الله بن أبي حمزة رضي الله عنه، مجالسا في الرد عليه حين قال: أنا أجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم يقظة، فلزم بيته فلم يخرج إلا للجمعة حتى مات.
وأخرجوا الحكيم الترمذي رضي الله عنه إلى بلخ حين صنف كتاب علل الشريعة، وكتاب ختم الأولياء، وأنكروا عليه بسبب هذين الكتابين وقالوا: فضلت الأولياء على الأنبياء، وأغلظوا عليه، فجمع كتبه كلها، وألقاها في البحر، فابتلعتها سمكة سنين، ثم لفظتها، وانتفع الناس بها، وأنكر زهاد الراز وصوفيتها على يوسف بن الحسين، وتكلموا فيه، ورموه بالعظائم إلى أن مات، لكنه لم يبال بهم لتمكنه رضي الله عنه، وأخرجوا أبا الحسن البوشنجي، وأنكروا عليه، وطردوه إلى نيسابور، فلم يزل بها إلى أن مات، وأخرجوا أبا عثمان المغربي من مكة مع مجاهداته، وتمام علمه، وحاله وطاف به العلوية على جمل في أسواق مكة بعد ضربه على رأسه، ومنكبيه، فأقام ببغداد، ولم يزل بها إلى أن مات، وشهدوا على السبكي بالكفر مرارا مع تمام علمه، وكثرة مجاهداته، واتبعاه للسنة إلى حين وفاته، حتى إن من كان يحبه شهد عليه بالجنون طريقا لخلاصه، فأدخلوه البيمارستان، وقال فيه أبو الحسن الخوارزمي أحد مشايخ بغداد: إن لم يكن لله جهنم فإنه يخلق جهنما بسبب السبكي، أي يخلقها الله للذين آذوه، وأنكروا عليه، وكفروه بالباطل هذا معنى قول أبي الحسن بدليل قوله عقب ذلك وإن لم يدخل السبكي الجنة فمن يدخلها، وقال أهل المغرب على الإمام أبي بكر النابلسي مع فضله، وعلمه، وزهده، واستقامة طريقه، وتصدره للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فأخرجوه من المغرب مقيدا إلى مصر، وشهدوا عليه عند السلطان، ولم يرجع عن قوله، فأخذ وسلخ، وهو حي، وقيل إنه سلخ وهو منكوس، وهو يقرأ القرآن فكاد أن يفتتن به الناس، فرفع الأمر إلى السلطان، فقال اقتلوه، ثم اسلخوه، وأخرجوا الشيخ أبا مدين المغربي رضي الله عنه من بجاية، كما سيأتي في ترجمته، وأخرجوا أبا القاسم النصراباذي رضي الله عنه من البصرة، وأنكروا عليه كلامه، وأحواله، فلم يزل بالحرام إلى أن مات مع صلاحه، وزهده، وورعه، واتباعه للسنة.
وأخرجوا أبا عبد الله الشجري صاحب أبي حفص الحداد قام عليه أبو عثمان الجبري، وهجره، وأمر الناس بهجره حين رفع الناس قدره على أبي عثمان، وأقبلوا عليه، وشهدوا على أبي الحسن الحصري رضي الله عنه بالكفر، وحكوا عنه ألفاظا كتبت في درج، وحمل إلى أبي الحسن قاضي القضاة، فاستحضره القاضي وناظره في ذلك، ومنعه من القعود في الجامع حتى مات، وتكلموا في ابن سمنون، وغيره بالكلام الفاحش حتى مات، فلم يحضروا له جنازة مع علمه، وجلالته، وتكلموا في الإمام أبي القاسم بن جميل بالعظائم إلى أن مات، ولم يتزلزل عما هو عليه من الاشتغال بالعلم، والحديث، وصيام الدهر، وقيام الليل، وزهده في الدنيا حتى لبس الحصير رضي الله عنه.
وكان أبو بكر التلمساني يقول: كان أبو دانيال يحط على الجنيد، وعلى رويم، وسمنون، وابن عطاء، ومشايخ العراق، وكان إذا سمع أحدا يذكرهم بخير تغيظ وتغير، وأما الحلاج فإنه كان من القوم، وهو الصحيح فلا يخفي محنته، وإن كان من غير القوم فلا كلام لنا فيه، وقد اختلف الناس فيه اختلافا كثيرا قال ابن خلكان في تاريخه: وإنما سمي بالحلاج لأنه جلس على دكا حلاج، وبها مخزن قطن غير محلوج فذهب صاحب الدكان في حاجته، فرجع فوجد القطن كله محلوجا فسمي حلاجا، وكان رضي الله عنه يأتي بفاكهة الصيف في الشتاء، وعكسه، ويمد يده في يديه في الهواء فيردها مملوءة دراهم يسميها دراهم القدرة.
قال ابن خلكان: وأما سبب قتله فلم يكن عن أمر موجب للقتل، إنما عمل عليه الوزير حين أحضروه إلى مجلس الحكم مرات، ولم يظهر منه ما يخالف الشريعة، فقال لجماعة: هل له مصنفات؟ فقالوا: نعم، فذكروا أنهم وجدوا له كتابا فيه أن الإنسان إذا عجز عن الحج، فليعمد إلى غرفة من بيته، فيطهرها، ويطيبها،
Página 14