348

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

Géneros
Hanbali
Imperios
Otomanos
فِي كِتَابِهِ الْفُرْقَانِ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ: وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ ضَلَّتْ بِهِ طَائِفَتَانِ، طَائِفَةٌ كَذَّبَتْ بِهِ لَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ يَقْتَضِي رَفْعَ الذَّمِّ وَالْعِقَابِ عَمَّنْ عَصَى اللَّهَ ﷿ لِأَجْلِ الْقَدَرِ، وَطَائِفَةٌ شَرٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ جَعَلُوهُ حُجَّةً لِأَهْلِ الْحَقِيقَةِ الَّذِينَ شَهِدُوهُ أَوِ الَّذِينَ لَا يَرَوْنَ أَنَّ لَهُمْ فِعْلًا. وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الطَّوَائِفِ، ثُمَّ قَالَ: وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ، وَلَكِنْ وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ مُوسَى ﵇ لَمْ يَلُمْ أَبَاهُ إِلَّا لِأَجْلِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُ مِنْ أَجْلِ أَكْلِهِ مِنَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: لِمَاذَا أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ لَمْ يَلُمْهُ لِمُجَرَّدِ كَوْنِهِ أَذْنَبَ وَتَابَ مِنْهُ، فَإِنَّ مُوسَى ﵇ يَعْلَمُ أَنَّ التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ لَا يُلَامُ، وَلَوْ كَانَ آدَمُ ﵇ يَعْتَقِدُ رَفْعَ الْمَلَامِ عَنْهُ لِأَجْلِ الْقَدَرِ لَمْ يُقِلْ ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف: ٢٣]، وَالْمُسْلِمُ مَأْمُورٌ عِنْدَ الْمَصَائِبِ أَنْ يَصْبِرَ وَيُسَلِّمَ، وَعِنْدَ الذُّنُوبِ يَسْتَغْفِرَ وَيَتُوبَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِذَا عَلِمْتَ هَذَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ تَحْتَ قَوْلِهِ:
وَكُلُّ مَا يَفْعَلُهُ الْعِبَادُ
الْبَيْتَيْنِ، وَالتَّنْبِيهَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ؛ عَلِمْتَ أَنَّ الْقَدَرَ عِنْدَ السَّلَفِ مَا سَبَقَ بِهِ الْعِلْمُ وَجَرَى بِهِ الْقَلَمُ، مِمَّا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الْأَبَدِ، وَأَنَّهُ ﷿ قَدَّرَ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ وَمَا يَكُونُ مِنَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ فِي الْأَزَلِ، وَعَلِمَ ﷾ أَنَّهَا سَتَقَعُ فِي أَوْقَاتٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُ - تَعَالَى -، وَعَلَى صِفَاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَهِيَ تَقَعُ عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - أَغْدَقَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ عَلَى ضَرِيحِهِ -: وَإِنَّ عِلْمَ اللَّهِ السَّابِقَ مُحِيطٌ بِالْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، وَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا تَغْيِيرَ، وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نَقْصَ، فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَا يَكُونُ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ كَمَا تَقَدَّمَ، قَالَ: وَأَمَّا مَا جَرَى بِهِ الْقَلَمُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، فَهَلْ يَقَعُ فِيهِ مَحْوٌ وَإِثْبَاتٌ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ، قَالَ: وَأَمَّا الصُّحُفُ الَّتِي بِيَدِ الْمَلَائِكَةِ فَيَحْصُلُ فِيهَا الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ. إِذَا عَلِمْتَ هَذَا فَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَمُتْ بِقَتْلِهِ إِلَخْ، إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ، أَيِ الْوَقْتِ الْمُقَدَّرِ لِمَوْتِهِ، لَا كَمَا يَزْعُمُ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَدْ قَطَعَ عَلَيْهِ الْأَجَلَ، وَالْحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْمَقْتُولَ مَيِّتٌ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَهُ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ فِيهِ، لَا كَمَا زَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَنَّهُ قَدْ قَطَعَ عَلَيْهِ الْأَجَلَ، يَعْنِي لَمْ يُوَصِّلْهُ إِلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْتَلْ لَعَاشَ إِلَى أَمَدٍ هُوَ أَجَلُهُ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ - تَعَالَى - مَوْتَهُ فِيهِ لَوْلَا

1 / 348