342

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

Géneros
Hanbali
Imperios
Otomanos
الْخَيْرُ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ، بَلْ كُلُّ مَا إِلَيْهِ فَخَيْرٌ، وَالشَّرُّ إِنَّمَا حَصَلَ لِعَدَمِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ وَالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، لَوْ كَانَ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ شَرًّا، فَتَأَمَّلْهُ. فَانْقِطَاعُ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ هُوَ الَّذِي صَيَّرَهُ شَرًّا.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ تَنْقَطِعُ نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ خَلْقًا وَمَشِيئَةً؟ قُلْتُ: هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَيْسَ بِشَرٍّ، وَالشَّرُّ الَّذِي فِيهِ مِنْ عَدَمِ إِمْدَادِهِ بِالْخَيْرِ وَأَسْبَابِهِ، وَالْعَدَمُ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُنْسَبَ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، فَإِنْ أَرَدْتَ مَزِيدًا مِنْ إِيضَاحِ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ أَسْبَابَ الْخَيْرِ ثَلَاثَةٌ: الْإِيجَادُ، وَالْإِعْدَادُ، وَالْإِمْدَادُ، فَهَذِهِ هِيَ الْخَيْرَاتُ وَأَسْبَابُهَا، فَإِيجَادُ هَذَا السَّبَبِ خَيْرٌ، وَهُوَ إِلَى اللَّهِ، وَإِعْدَادُهُ خَيْرٌ، وَهُوَ إِلَيْهِ أَيْضًا، وَإِمْدَادُهُ خَيْرٌ، وَهُوَ إِلَيْهِ أَيْضًا، فَإِذَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ إِعْدَادًا وَلَا إِمْدَادًا؛ حَصَلَ فِيهِ الشَّرُّ بِسَبَبِ هَذَا الْعَدَمِ الَّذِي لَيْسَ إِلَى الْفَاعِلِ، وَإِنَّمَا إِلَيْهِ ضِدُّهُ، فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا أَمَدَّهُ إِذَا أَوْجَدَهُ؟ قُلْتُ: مَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَادَهُ وَإِمْدَادَهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُوجِدُهُ وَيَمُدُّهُ، وَمَا اقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَادَهُ وَتَرْكَ إِمْدَادِهِ؛ أَوْجَدَهُ بِحِكْمَتِهِ وَلَمْ يَمُدَّهُ بِحِكْمَتِهِ، فَإِيجَادُهُ خَيْرٌ، وَالشَّرُّ وَقَعَ مِنْ عَدَمِ إِمْدَادِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: فَهَلَّا أَمَدَّ الْمَوْجُودَاتِ كُلَّهَا؟ فَالْجَوَابُ: هَذَا سُؤَالٌ فَاسِدٌ، يَظُنُّ مُورِدُهُ أَنَّ الْمَوْجُودَاتِ أَبْلَغُ فِي الْحِكْمَةِ، وَهَذَا عَيْنُ الْجَهْلِ، بَلِ الْحِكْمَةُ كُلُّ الْحِكْمَةِ فِي هَذَا التَّفَاوُتِ الْعَظِيمِ الْوَاقِعِ بَيْنَهَا، وَلَيْسَ فِي خَلْقِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا تَفَاوُتٌ، فَكُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا لَيْسَ فِي خَلْقِهِ مِنْ تَفَاوُتٍ، وَالتَّفَاوُتُ إِنَّمَا وَقَعَ بِأُمُورٍ عَدَمِيَّةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا الْخَلْقُ، وَإِلَّا فَلَيْسَ فِي الْخَلْقِ مِنْ تَفَاوُتٍ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنِ اعْتَاصَ ذَلِكَ عَلَيْكَ وَلَمْ تَفْهَمْهُ حَقَّ الْفَهْمِ، فَرَاجِعْ قَوْلَ الْقَائِلِ: إِذَا لَمْ تَسْتَطِعْ شَيْئًا فَدَعْهُ وَجَاوِزْهُ إِلَى مَا تَسْتَطِيعُ
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الرِّضَا بِاللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ وَأَحْكَامِهِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ الرِّضَا بِمَفْعُولَاتِهِ كُلِّهَا، بَلْ حَقِيقَةُ الْعُبُودِيَّةِ أَنْ يُوَافِقَهُ عَبْدُهُ فِي رِضَاهُ وَسُخْطِهِ، فَيَرْضَى مِنْهَا بِمَا رَضِيَ وَيَسْخَطُ مِنْهَا مَا سَخِطَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: هُوَ سُبْحَانَهُ يَرْضَى عُقُوبَةَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ الْعَبْدَ أَنْ يَرْضَى بِعُقُوبَتِهِ لَهُ، فَالْجَوَابُ لَوْ وَافَقَهُ فِي رِضَاهُ بِعُقُوبَتِهِ لَانْقَلَبَتْ لَذَّةً وَسُرُورًا، وَلَكِنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فِي مَحَبَّةِ طَاعَتِهِ الَّتِي هِيَ سُرُورُ النَّفْسِ وَقُرَّةُ الْعَيْنِ وَحَيَاةُ الْقَلْبِ، فَكَيْفَ يُوَافِقُهُ فِي مَحَبَّةِ الْعُقُوبَةِ الَّتِي هِيَ أَكْرَهُ شَيْءٍ

1 / 342