Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Editorial
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edición
الثانية
Año de publicación
1402 AH
Ubicación del editor
دمشق
مِنْ ذَلِكَ خَلْقُ إِبْلِيسَ الَّذِي هُوَ مَادَّةٌ لِفَسَادِ الْأَدْيَانِ، وَالْأَعْمَالِ، وَالِاعْتِقَادَاتِ، وَالْإِرَادَاتِ، وَهُوَ سَبَبُ شَقَاءِ الْعَبِيدِ وَعَمَلِهِمْ بِمَا يُغْضِبُ الرَّبَّ الْمُرِيدَ، وَهُوَ السَّاعِي فِي وُقُوعِ مَسَاخِطِ اللَّهِ وَمَنَاهِيهِ بِكُلِّ طَرِيقَةٍ وَحِيلَةٍ، فَهُوَ مَسْخُوطٌ لِلْبَارِي مَبْغُوضٌ، قَدْ لَعَنَهُ وَأَبْعَدَهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَطَرَدَهُ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ وَسِيلَةٌ إِلَى مَحَابَّ كَثِيرَةٍ لِلْبَارِي - جَلَّ وَعَلَا - تَرَتَّبَ وُجُودُهَا عَلَى خَلْقِهِ وَإِيجَادِهِ، وَوُجُودُهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَدَمِهَا ; لِحِكْمَةٍ جَرَتْ مِنْهُ فِي عِبَادِهِ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِ. مِنْهَا إِظْهَارُ الْقُدْرَةِ عَلَى خَلْقِ الْمُتَضَادَّاتِ الْمُتَقَابِلَاتِ، كَخَلْقِ هَذِهِ الذَّاتِ الَّتِي هِيَ أَخْبَثُ الذَّوَاتِ وَشَرُّهَا، وَهِيَ سَبَبُ كُلِّ شَرٍّ فِي مُقَابَلَةِ ذَاتِ جِبْرِيلَ الَّتِي هِيَ مِنْ أَشْرَفِ الذَّوَاتِ وَأَطْهَرِهَا وَأَزْكَاهَا، وَهِيَ مَادَّةُ كُلِّ خَيْرٍ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ خَالِقُ الْأَضْدَادِ، وَكَمَا ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ التَّامَّةُ فِي خَلْقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالضِّيَاءِ وَالظَّلَامِ، وَالدَّاءِ وَالدَّوَاءِ، وَالْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، وَالْحَرِّ وَالْبَرْدِ، وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَالْمَاءِ وَالنَّارِ، وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَكُلُّ ذَلِكَ وَنَظَائِرُهُ مِنْ دَلَائِلِ كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعِزَّتِهِ، فَإِنَّهُ خَلَقَ هَذِهِ الْمُتَضَادَّاتِ وَقَابَلَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، وَسَلَّطَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ وَجَعَلَهَا مَحَالَّ تَصَرُّفِهِ وَتَدْبِيرِ مَمْلَكَتِهِ. وَمِنْهَا ظُهُورُ آثَارِ أَسْمَائِهِ الْقَهْرِيَّةِ كَالْقَهَّارِ، وَالْمُنْتَقِمِ، وَالْعَدْلِ، وَالضَّارِّ وَنَحْوِهَا، وَظُهُورُ آثَارِ أَسْمَائِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِحِلْمِهِ وَعَفْوِهِ وَمَغْفِرَتِهِ وَسَتْرِهِ، وَتَجَاوُزِهِ عَنْ حَقِّهِ وَعِتْقِهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِهِ، فَلَوْلَا خَلْقُ مَا يَكْرَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى ظُهُورِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ; لَتَعَطَّلَتْ هَذِهِ الْحِكَمُ وَالْفَوَائِدُ، وَفِي الْحَدِيثِ " «لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ، وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ» ".
وَمِنْهَا ظُهُورُ آثَارِ أَسْمَاءِ الْحِكْمَةِ وَالْخِبْرَةِ، فَإِنَّهُ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا، وَيُنْزِلُهَا مَنَازِلَهَا اللَّائِقَةَ بِهَا، فَلَا يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَا يُنْزِلُهُ غَيْرَ مَنْزِلَتِهِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا كَمَالُ عِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَخِبْرَتِهِ مِنَ الْمَنْعِ وَالْعَطَاءِ وَالثَّوَابِ، وَالْعِقَابِ، وَالْخَفْضِ وَالرَّفْعِ، وَالْعِزِّ وَالذُّلِّ، وَنَحْوِهَا.
وَمِنْهَا: حُصُولُ الْعُبُودِيَّةِ الْمُتَنَوِّعَةِ الَّتِي لَوْلَا خَلْقُ إِبْلِيسَ لَمَا حَصَلَتْ، وَلَكَانَ الْحَاصِلُ بَعْضُهَا لَا كُلُّهَا، فَعُبُودِيَّةُ الْجِهَادِ سَبَّبَهَا الْكُفْرُ، وَالْعِنَادُ النَّاشِئُ عَنْ تَلْبِيسِ إِبْلِيسَ، وَعُبُودِيَّةُ التَّوْبَةِ الْمَحْبُوبَةُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَعُبُودِيَّةُ مُخَالَفَةِ أَعْدَائِهِ وَمُرَاغَمَتِهِمْ،
1 / 340