32

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Número de edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ اسْمَيْنِ، فَكَيْفَ أُعْرِبَا نَعْتًا لِلَّهِ - تَعَالَى، وَالْأَعْلَامُ لَا يُنْعَتُ بِهَا؟ قِيلَ: قَدْ قَالَ هَذَا قَوْمٌ، وَأَعْرَبُوهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا بَدَلٌ، وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ: الْبَدَلُ مُمْتَنِعٌ أَيْضًا كَعَطْفِ الْبَيَانِ ; لِأَنَّ الِاسْمَ الْأَوَّلَ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى تَبْيِينٍ ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ الْمَعَارِفِ كُلِّهَا وَأَبْيَنُهَا، وَلِهَذَا قَالُوا: وَمَا الرَّحْمَنُ؟ وَلَمْ يَقُولُوا: وَمَا اللَّهُ؟ قَالَ السُّهَيْلِيُّ: لَكِنَّهُ وَإِنْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْأَعْلَامِ، فَهُوَ وَصْفٌ يُرَادُ بِهِ الثَّنَاءُ، وَكَذَلِكَ الرَّحِيمُ، وَقَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي (بَدَائِعِ الْفَوَائِدِ): أَسْمَاءُ الرَّبِّ - تَعَالَى - أَسْمَاءٌ وَنُعُوتٌ، فَإِنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى صِفَاتِ كَمَالِهِ، فَلَا تَنَافِيَ فِيهَا بَيْنَ الْعَلَمِيَّةِ وَالْوَصْفِيَّةِ، فَالرَّحْمَنُ اسْمُهُ - تَعَالَى وَوَصْفُهُ، لَا يُنَافِي اسْمِيَّتُهُ وَصْفِيَّتَهُ، فَمِنْ حَيْثُ هُوَ صِفَةٌ جَرَى تَابِعًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ، وَمِنْ حَيْثُ هُوَ اسْمٌ، وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ غَيْرَ تَابِعٍ. يَعْنِي كَقَوْلِهِ - تَعَالَى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ﴾ [الرحمن: ١] ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: ٥] ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ﴾ [الملك: ٢٠]، وَهَذَا شَأْنُ الِاسْمِ الْعَلَمِ، وَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاسْمُ مُخْتَصًّا بِهِ - تَعَالَى - حَسُنَ مَجِيئُهُ مُفْرَدًا غَيْرَ تَابِعٍ، كَمَجِيءِ اسْمِهِ " اللَّهِ " كَذَلِكَ، وَهَذَا لَا يُنَافِي دَلَالَتَهُ عَلَى صِفَةِ الرَّحْمَةِ كَاسْمِهِ " اللَّهِ "، فَإِنَّهُ دَالٌّ عَلَى صِفَةِ الْأُلُوهِيَّةِ. وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ تَابِعًا لِغَيْرِهِ، بَلْ مَتْبُوعًا بِخِلَافِ الْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، وَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ، وَلِهَذَا لَا تَجِيءُ هَذِهِ وَنَحْوُهَا مُفْرَدَةً، بَلْ تَابِعَةً. قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ - رَوَّحَ اللَّهُ رُوحَهُ: وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَفِيهِ مَعْنًى بَدِيعٌ، وَهُوَ أَنَّ الرَّحْمَنَ دَالٌّ عَلَى الصِّفَةِ الْقَائِمَةِ بِهِ - سُبْحَانَهُ، وَالرَّحِيمَ دَالٌّ عَلَى تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْحُومِ، وَكَأَنَّ الْأَوَّلَ الْوَصْفُ وَالثَّانِيَ الْفِعْلُ، فَالْأَوَّلُ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَتُهُ، أَيْ صِفَةُ ذَاتٍ لَهُ - سُبْحَانَهُ، وَالثَّانِي دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ يَرْحَمُ خَلْقَهُ بِرَحْمَتِهِ، أَيْ صِفَةُ فِعْلٍ لَهُ - سُبْحَانَهُ، فَإِذَا أَرَدْتَ فَهْمَ هَذَا فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ - تَعَالَى: ﴿وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ [الأحزاب: ٤٣] ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١١٧]، وَلَمْ يَجِئْ قَطُّ رَحْمَنٌ بِهِمْ، فَعَلِمْتَ بِهَذَا أَنَّ رَحْمَنَ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِالرَّحْمَةِ، وَرَحِيمٌ هُوَ الرَّاحِمُ بِرَحْمَتِهِ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَهَذِهِ النُّكْتَةُ لَا تَكَادُ تَجِدُهَا فِي كِتَابٍ، وَإِنْ تَنَفَّسَتْ عِنْدَهَا مِرْآةُ قَلْبِكَ لَمْ تَتَجَلَّ لَكَ صُورَتُهَا. انْتَهَى. وَرَحْمَةُ اللَّهِ - جَلَّ شَأْنُهُ وَتَعَالَى سُلْطَانُهُ - صِفَةٌ قَدِيمَةٌ قَائِمَةٌ بِذَاتِهِ - تَعَالَى - تَقْتَضِي التَّفْضِيلَ وَالْإِنْعَامَ، وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا بِرِقَّةٍ فِي الْقَلْبِ تَقْتَضِي التَّفْضِيلَ، فَالتَّفْضِيلُ غَايَتُهَا، فَيُرَادُ مِنْهَا غَايَتُهَا

1 / 32