311

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

Géneros
Hanbali
Imperios
Otomanos
الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ الَّتِي نُؤْمِنُ بِهَا، وَلَا نَحْتَجُّ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي، وَفِيهِمْ مَنْ يَقُولُ أَنَّ الْعَارِفَ إِذَا فَنِيَ فِي شُهُودِ تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ لَمْ يَسْتَحْسِنْ حَسَنَةً وَلَمْ يَسْتَقْبِحْ سَيِّئَةً. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: مَنْ شَهِدَ الْإِرَادَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ، وَالنَّهْيُ. وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْخَضِرَ ﵇ إِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ ; لِأَنَّهُ شَهِدَ الْإِرَادَةَ - إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ أَشْنَعِ الْمَقَالَاتِ وَأَفْظَعِ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ، وَالْمُحْتَجُّ بِقَدَرِ اللَّهِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ - تَعَالَى - زِنْدِيقٌ، وَخَارِجٌ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَعَادِمٌ التَّحْقِيقَ، وَمَارِقٌ مِنَ الدِّينِ، وَمُبَايِنٌ التَّوْفِيقَ، وَالْبَارِي جَلَّ شَأْنُهُ قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ قَاطِبَةً بِتَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَتَكْمِيلِهَا وَتَعْطِيلِ الْمَفَاسِدِ وَتَقْلِيلِهَا، وَفِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمَعَاصِي بِالْقَدَرِ انْعِكَاسُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ مِنْ تَعْظِيمِ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْمُتَوَسِّطُونَ فَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ، فَلَمْ يُفَرِّطُوا تَفْرِيطَ الْقَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ، وَلَمْ يُفْرِطُوا إِفْرَاطَ الْجَبْرِيَّةِ الْمُحْتَجِّينَ بِالْقَدَرِ عَلَى مَعَاصِي اللَّهِ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى مَذْهَبَيْنِ: مَذْهَبِ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْخَلَفِ، وَمَذْهَبِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّةِ السُّنَّةِ، فَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ كَافَّةً أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ، وَالْمَعَاصِي، وَالْكُفْرَ وَالْفَسَادَ - وَاقِعَةٌ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ لَا خَالِقَ سِوَاهُ، فَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - خَيْرُهَا وَشَرُّهَا حَسَنُهَا وَقَبِيحُهَا، وَالْعَبْدُ غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى أَفْعَالِهِ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا، هَذَا الْقَدَرُ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ السُّنَّةِ، ثُمَّ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْهُمْ أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ كَسْبًا، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قُدْرَتُهُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ كَمَا مَرَّ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: هَذَا قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْمُثْبِتَةِ لِلْقَدَرِ مِنَ الْفُقَهَاءِ، وَطَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، حَيْثُ لَا يُثْبِتُونَ فِي الْمَخْلُوقَاتِ قُوًى وَلَا طَبَائِعَ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - فَعَلَ عِنْدَهَا لَا بِهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ قُدْرَةَ الْعَبْدِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الْفِعْلِ، وَيَقُولُ الْأَشْعَرِيُّ: إِنَّ اللَّهَ فَاعِلٌ فِعْلَ الْعَبْدِ، وَإِنَّ عَمَلَ الْعَبْدِ لَيْسَ فِعْلًا لِلْعَبْدِ بَلْ كَسْبًا لَهُ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُ الْأَسْبَابَ وَالْقُوَى الَّتِي فِي الْأَجْسَامِ، وَيُنْكِرُ تَأْثِيرَ الْقُدْرَةِ الَّتِي لِلْعَبْدِ الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْفِعْلُ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ لَا أَثَرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ أَصْلًا فِي فِعْلِهِ لَكِنَّ الْأَشْعَرِيَّ يُثْبِتُ

1 / 311