Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Editorial
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Edición
الثانية
Año de publicación
1402 AH
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
Doctrinas y sectas
، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ مُجْتَهِدًا، فَأَقَلُّ عُقُوبَتِهِ أَنْ يُهْجَرَ، فَلَا يَكُونَ لَهُ مَرْتَبَةٌ فِي الدِّينِ، فَلَا يُؤْخَذَ عَنْهُ الْعِلْمُ وَلَا يُسْتَقْضَى، وَلَا تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ ; وَلِهَذَا لَمْ يُخَرِّجْ أَصْحَابُ الصَّحِيحِ لِمَنْ كَانَ دَاعِيَةً، وَلَكِنْ رَوَوْا هُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّنْ كَانَ يَرَى فِي الْبَاطِنِ رَأْيَ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: لَوْ تَرَكْنَا الرِّوَايَةَ عَنِ الْقَدَرِيَّةِ لَتَرَكْنَا أَكْثَرَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ. قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - بَرَّدَ اللَّهُ مَضْجَعَهُ -: هَذَا لِأَنَّ مَسْأَلَةَ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ ; وَلِهَذَا الْقَدَرِيَّةُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَخْطَئُوا فِيهَا، وَقَدْ أَخْطَأَ أَيْضًا كَثِيرٌ مِمَّنْ رَدَّ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّهُمْ سَلَكُوا فِي رَدِّهِمْ عَلَيْهِمْ مَسْلَكَ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعِهِ، فَنَفَوْا حِكْمَةَ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، وَنَفَوْا رَحْمَتَهُ بِعِبَادِهِ، وَنَفَوْا مَا جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ خَلْقًا وَأَمْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَهَؤُلَاءِ الْقَدَرِيَّةُ فَرَّطُوا غَايَةَ التَّفْرِيطِ، بِحَيْثُ إِنَّهُمْ نَفَوْا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقًا لِأَفْعَالِ عِبَادِهِ، فَأَثْبَتُوا خَالِقًا غَيْرَهُ مُسْتَقِلًّا بِالْخَلْقِ، وَالْأَمْرِ دُونَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
[التنبيه الثالث بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ]
الثَّالِثُ: فِي بَعْضِ مَا وَرَدَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ مِنَ الْآثَارِ، وَالْأَخْبَارِ، وَمَا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَخْيَارِ، وَالْأَئِمَّةِ الْأَبْرَارِ. رَوَى مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ، أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ، فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوَفَّقَ لَنَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵄ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي، أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قَبْلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَفَقَّدُونَ الْعِلْمَ - وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ - وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، فَقَالَ: إِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فَأَنْفَقَهُ، مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدْرِ - ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ جِبْرِيلَ ﵇ وَفِيهِ " وَتُؤْمِنَ بِالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ - زَادَ فِي رِوَايَةٍ - وَحُلْوِهِ
1 / 302