285

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

مِنَ الْعَبْدِ وَيَقْبُحُ، فَجَعَلُوا يُوجِبُونَ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ جِنْسِ مَا يُوجِبُونَ عَلَى الْعَبْدِ وَيُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ مَنْ جِنْسِ مَا يُحَرِّمُونَ عَلَى الْعَبْدِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ الْعَدْلَ، وَالْحِكْمَةَ، مَعَ قُصُورِ عَقْلِهِمْ عَنْ مَعْرِفَةِ حِكْمَتِهِ، فَلَا يُثْبِتُونَ لَهُ مَشِيئَةً عَامَّةً وَلَا قُدْرَةً تَامَّةً، فَلَا يَجْعَلُونَهُ " عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، وَلَا يَقُولُونَ: " مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ "، وَلَا يُقِرُّونَ بِأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَيُثْبِتُونَ لَهُ مِنَ الظُّلْمِ مَا نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا﴾ [طه: ١١٢] أَيْ لَا يَخَافُ أَنْ يُظْلَمَ، فَيُحْمَلَ عَلَيْهِ سَيِّئَاتُ غَيْرِهِ، وَلَا يُهْضَمَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [ق: ٢٩] وَفِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ " «لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ» ".
وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِعْلَ اللَّهِ - تَعَالَى وَتَقَدَّسَ - وَأَمْرَهُ لَا يَكُونُ لِعِلَّةٍ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّةُ، وَالْأَشْعَرِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُمَا لِعِلَّةٍ وَحِكْمَةٍ. اخْتَارَهُ الطُّوفِيُّ، وَهُوَ مُخْتَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ وَابْنِ الْقَيِّمِ وَابْنِ قَاضِي الْجَبَلِ، وَحَكَاهُ عَنْ إِجْمَاعِ السَّلَفِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشِّيعَةِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ، لَكِنَّ الْمُعْتَزِلَةَ تَقُولُ بِوُجُوبِ الصَّلَاحِ، وَلَهُمْ فِي الْأَصْلَحِ قَوْلَانِ كَمَا يَأْتِي فِي النَّظْمِ، وَالْمُخَالِفُونَ لَهُمْ يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ لَا عَلَى مَنْهَجِ الْمُعْتَزِلَةِ.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَعْلِيلِ أَفْعَالِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَأَحْكَامِهِ قَوْلَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَالْحِكْمَةِ، وَهَلْ هِيَ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الرَّبِّ لَا تَقُومُ بِهِ، أَوْ قَائِمَةٌ مَعَ ثُبُوتِ الْحُكْمِ الْمُنْفَصِلِ؟ لَهُمْ فِيهِ أَيْضًا قَوْلَانِ، وَهَلْ تَتَسَلْسَلُ الْحِكَمُ، أَوْ لَا تَتَسَلْسَلُ، أَوْ تَتَسَلْسَلُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ دُونَ الْمَاضِي؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، قَالَ: احْتَجَّ الْمُثْبِتُونَ لِلْحِكْمَةِ، وَالْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [المائدة: ٣٢] وَقَوْلِهِ: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً﴾ [الحشر: ٧] وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ [البقرة: ١٤٣] وَنَظَائِرِهَا ; وَلِأَنَّهُ تَعَالَى حَكِيمٌ شَرَعَ الْأَحْكَامَ لِحِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، وَالْإِجْمَاعُ وَاقِعٌ عَلَى اشْتِمَالِ الْأَفْعَالِ عَلَى الْحِكَمِ وَالْمَصَالِحِ جَوَازًا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَوُجُوبًا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ، فَيَفْعَلُ مَا يُرِيدُ بِحِكْمَتِهِ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّ النَّافِينَ لِلْحِكْمَةِ وَالْعِلَّةِ احْتَجُّوا مِمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ قِدَمِ الْعِلَّةِ قِدَمُ الْمَعْلُولِ وَهُوَ مُحَالٌ، وَمِنْ حُدُوثِهَا

1 / 285