216

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Número de edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

صِفَةً قَدِيمَةً فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ مَثَلًا قَدِيمًا فَيُسَمُّونَهُ مُمَثِّلًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ.
وَمُثْبِتُو الصِّفَاتِ لَا يُوَافِقُونَهُمْ عَلَى هَذَا بَلْ يَقُولُونَ أَخَصُّ وَصْفِهِ مَا لَا يَتَّصِفُ بِهِ غَيْرُهُ مِثْلُ كَوْنِهِ رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَأَنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالصِّفَةُ لَا تُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ مِنْ هَؤُلَاءِ الصِّفَاتِيَّةِ مَنْ لَا يَقُولُ فِي الصِّفَاتِ إِنَّهَا قَدِيمَةٌ بَلْ يَقُولُ الرَّبُّ بِصِفَاتِهِ قَدِيمٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ قَدِيمٌ، وَصِفَتُهُ قَدِيمَةٌ، وَلَا يَقُولُ هُوَ وَصِفَتُهُ قَدِيمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ هُوَ وَصِفَاتُهُ قَدِيمَانِ، وَلَكِنْ يَقُولُ: ذَلِكَ لَا يَقْتَضِي مُشَارَكَةَ الصِّفَةِ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ، فَإِنَّ الْقِدَمَ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِ الذَّاتِ الْمُجَرَّدَةِ، بَلْ هُوَ مِنْ خَصَائِصِ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِالصِّفَاتِ، وَإِلَّا فَالذَّاتُ الْمُجَرَّدَةُ لَا وُجُودَ لَهَا عِنْدَهُمْ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَخْتَصَّ بِالْقِدَمِ.
وَقَدْ يَقُولُونَ: الذَّاتُ مُتَّصِفَةٌ بِالْقِدَمِ، وَالصِّفَاتُ مُتَّصِفَةٌ بِالْقِدَمِ، وَلَيْسَتِ الصِّفَاتُ إِلَهًا وَلَا رَبًّا كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ مُحْدَثٌ وَصِفَاتُهُ مُحْدَثَةٌ، وَلَيْسَتِ الصِّفَاتُ نَبِيًّا، فَهَؤُلَاءِ الْمُعْتَزِلَةُ إِذَا أَطْلَقُوا عَلَى الصِّفَاتِيَّةِ اسْمَ التَّشْبِيهِ وَالتَّمْثِيلِ كَانَ هَذَا بِحَسَبِ اعْتِقَادِهِمُ الْفَاسِدِ الْبَاطِلِ.
وَهَبْ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى قَدْ يُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ تَشْبِيهًا، فَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يَنْفِهِ عَقْلٌ وَلَا سَمْعٌ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ نَفْيُ مَا نَفَتْهُ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْعَقْلِيَّةُ.
وَالْقُرْآنُ قَدْ نَفَى مُسَمَّى الْمِثْلِ وَالْكُفْءِ وَالنِّدِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالصِّفَةُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَيْسَتْ مِثْلَ الْمَوْصُوفِ وَلَا كُفْأَهُ وَلَا نِدَّهُ فَلَا تَدْخُلُ فِي النَّصِّ، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلَمْ يَنْفِ مُسَمَّى التَّشْبِيهِ فِي اصْطِلَاحِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَكَذَلِكَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الصِّفَاتَ لَا تَقُومُ إِلَّا بِجِسْمٍ فَلَوْ قَامَتْ بِهِ الصِّفَاتُ لَلَزِمَ أَنْ يَكُونَ مُمَاثِلًا لِسَائِرِ الْأَجْسَامِ، وَهَذَا هُوَ التَّشْبِيهُ، وَهَذَا بَاطِلٌ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا مِثْلَ لَهُ بَلْ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ هُوَ وَالْمَخْلُوقُ فِي قِيَاسِ تَمْثِيلٍ، وَلَا فِي قِيَاسِ شُمُولٍ تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ، وَلَكِنْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّهِ تَعَالَى الْمَثَلُ الْأَعْلَى هُوَ أَنَّ كُلَّ مَا اتَّصَفَ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ كَمَالٍ فَالْخَالِقُ بِهِ أَوْلَى، وَكُلُّ مَا يُنَزَّهُ عَنْهُ الْمَخْلُوقُ، فَالْخَالِقُ أَنْزَهُ عَنْهُ وَأَعْلَى، فَالَّذِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ نَفْيُ النَّقْصِ وَالْعَيْبِ مِمَّا هُوَ سُبْحَانَهُ مُقَدَّسٌ عَنْهُ فَهَذِهِ الطَّرِيقُ الصَّحِيحُ، وَالْمَحَجَّةُ الرَّجِيحَةُ، فَيُثْبِتُ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ، مَا يَلِيقُ بِعِزَّةِ ذِي الْجَلَالِ، وَيَنْفِي مُمَاثَلَةَ غَيْرِهِ لَهُ فِيهَا فَلَا يُشْرِكُهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِيمَا هُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَكُلُّ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ فَهُوَ

1 / 216