Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Editorial
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Número de edición
الثانية
Año de publicación
1402 AH
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
Doctrinas y sectas
السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ - قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ٤٦ - ١٢٢] .
وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ لِغَيْرِ مُوسَى مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ﵈. وَلَمَّا كَانَ الزَّمَنُ الَّذِي بُعِثَ فِيهِ عِيسَى ﵇ قَدْ فَشَا الْأَطِبَّاءُ وَالْحُكَمَاءُ بَيْنَ الْأَنَامِ، وَكَانَ أَمْرُهُمْ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَالِاعْتِنَاءِ بِصِنَاعَتِهِمْ ظَاهِرًا مَشْهُورًا، جَاءَ سَيِّدُنَا الْمَسِيحُ بِإِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ مِنَ الدَّاءِ الْعُضَالِ الْقَبِيحِ، وَخَلَقَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِ اللَّهِ، فَطَاشَتْ قُلُوبُ الْحُكَمَاءِ، وَأَذْعَنُوا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَلَمَّا كَانَتِ الْعَرَبُ أَرْبَابَ الْبَلَاغَةِ، وَجَرَاثِيمَ الْفَصَاحَةِ، وَرَأْسَ الْبَيَانِ، وَأَرُومَةَ الْوَضَاحَةِ وَفُرْسَانَ الْكَلَامِ، وَأَرْبَابَ النِّظَامِ، قَدْ خُصُّوا مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْحِكَمِ مَا لَمْ يُخْتَصَّ بِهِ غَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، قَدْ أُوتُوا مِنْ ذَرَابَةِ اللِّسَانِ مَا لَمْ يُؤْتَ مِثْلَهُ إِنْسَانٌ.
وَمِنْ فَصْلِ الْخِطَابِ مَا قَدْ يُقَيِّدُ الْأَلْبَابَ، جَعَلَ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ ذَلِكَ طَبْعًا وَسَلِيقَةً وَفِيهِمْ غَرِيزَةً وَحَقِيقَةً، يَأْتُونَ مِنْهُ عَلَى الْبَدِيهَةِ بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ، وَيُدْلُونَ بِهِ إِلَى كُلِّ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَيَخْطُبُونَ بِهَدِيَّةٍ فِي الْمَقَامَاتِ الشَّدِيدَةِ الْخَطْبِ وَيَرْتَجِزُونَ بِهِ فِي قَسَاطِلِ الْحَرْبِ بَيْنَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، وَيَمْدَحُونَ وَيَقْدَحُونَ، وَيَتَوَسَّلُونَ وَيَتَوَصَّلُونَ، وَيَبْتَدُونَ وَيَتَنَصَّلُونَ، وَيَرْفَعُونَ وَيَضَعُونَ، فَيَأْتُونَ مِنْ ذَلِكَ بِالسِّحْرِ الْحَلَالِ، وَيُطَوِّقُونَ مِنْ أَوْصَافِهِمْ مَا هُوَ أَجْمَلُ مِنْ سِمْطِ اللَّآلِ، فَيَخْدَعُونَ الْأَلْبَابَ، وَيُذَلِّلُونَ الصِّعَابَ، وَيُذْهِبُونَ الْأِحَنَ، وَيُهَيِّجُونَ الدِّمْنَ، وَيُجَرِّئُونَ الْجِنَانَ، وَيَبْسُطُونَ مِنْ يَدِ الْجَعْدِ الْبَنَانَ، وَيُصَيِّرُونَ النَّاقِصَ كَامِلًا، وَيَتْرُكُونَ النَّبِيهَ خَامِلًا، مِنْهُمُ الْبَدَوِيُّ ذُو اللَّفْظِ الْجَزْلِ، وَالْقَوْلِ الْفَصْلِ، وَالْكَلَامِ الْفَخْمِ، وَالطَّبْعِ الْجَوْهَرِيِّ، وَالْمَنْزِعِ الْقَوِيِّ، وَمِنْهُمُ الْحَضَرِيُّ ذُو الْبَلَاغَةِ الْبَارِعَةِ، وَالْأَلْفَاظِ النَّاصِعَةِ، وَالْكَلِمَاتِ الْجَامِعَةِ، وَالطَّبْعِ السَّهْلِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْقَوْلِ، الْقَلِيلِ الْكُلْفَةِ الْجَامِعَةِ، وَالطَّبْعِ السَّهْلِ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْقَوْلِ، الْقَلِيلِ الْكُلْفَةِ الْكَثِيرِ الرَّوْنَقِ الرَّقِيقِ الْحَاشِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَهُمْ فِي الْبَلَاغَةِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَالْقُوَّةُ الدَّامِغَةُ، لَا يَشُكُّ أَنَّ الْكَلَامَ طَوْعُ مُرَادِهِمْ، وَالْبَلَاغَةُ مِلْكَ قِيَادِهِمْ، فَمَا رَاعَهُمْ إِلَّا وَالرَّسُولُ الْكَرِيمُ قَدْ أُتِيَ بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ، وَلَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، قَدْ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ، وَفُصِّلَتْ كَلِمَاتُهُ، وَبَهَرَتْ بَلَاغَتُهُ الْعُقُولَ، وَظَهَرَتْ فَصَاحَتُهُ، عَلَى كُلِّ مَقُولٍ، تَضَافَرَ إِيجَازُهُ وَإِعْجَازُهُ، وَتَظَاهَرَتْ
1 / 178