Lawamic Anwar
لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية
Editorial
مؤسسة الخافقين ومكتبتها
Número de edición
الثانية
Año de publicación
1402 AH
Ubicación del editor
دمشق
Géneros
Doctrinas y sectas
لَمْ يُثْبِتُوا كَلَامًا لَهُ حَقِيقَةٌ غَيْرَ الْمَخْلُوقِ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ عَنِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ إِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ، وَالْخَبَرُ إِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كَانَ تَوْرَاةً، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَانَ إِنْجِيلًا.
وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ بَعْدَ التَّصَوُّرِ التَّامِّ، فَإِنَّا إِذَا عَرَّبْنَا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُمَا مَعْنَى الْقُرْآنِ بَلْ مَعَانِي هَذَا لَيْسَتْ مَعَانِيَ هَذَا، وَكَذَلِكَ " ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١] " لَيْسَ هُوَ مَعْنَى " ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ﴾ [المسد: ١] " وَلَا مَعْنَى آيَةِ الْكُرْسِيِّ آيَةُ الدَّيْنِ، وَقَالُوا: إِذَا جَوَّزْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْحَقَائِقُ الْمُتَنَوِّعَةُ شَيْئًا وَاحِدًا فَجَوِّزُوا أَنْ يَكُونَ الْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالْكَلَامُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ صِفَةً وَاحِدَةً، فَاعْتَرَفَ أَئِمَّةُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ هَذَا الْإِلْزَامَ لَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ عَقْلِيٌّ، ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: النَّاسُ فِي الصِّفَاتِ إِمَّا مُثْبِتٌ لَهَا، وَإِمَّا نَافٍ لَهَا، وَأَمَّا إِثْبَاتُهَا وَاتِّحَادُهَا فَخِلَافُ الْإِجْمَاعِ، وَمِمَّنِ اعْتَرَفَ بِأَنْ لَيْسَ لَهُ عَنْهُ جَوَابٌ أَبُو حَسَنٍ الْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ يُبَيِّنُ فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: ﴿نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ﴾ [النحل: ١٠٢] يَقْتَضِي نُزُولَ الْقُرْآنِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالْقُرْآنُ اسْمٌ لِهَذَا الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ لَفْظُهُ وَمَعْنَاهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ [النحل: ٩٨] فَإِنَّهُ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ لَا مَعَانِيَهُ الْمُجَرَّدَةَ.
وَأَيْضًا فَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِي قَوْلِهِ " نَزَّلَهُ " عَائِدٌ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ﴾ [النحل: ١٠١] فَالَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ، فَإِذَا كَانَ رُوحُ الْقُدُسِ نَزَلَ بِالْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ نَزَّلَهُ مِنَ اللَّهِ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ نَزَّلَهُ مِنْ عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ الْمَخْلُوقَةِ، وَلَا نَزَّلَهُ مِنْ نَفْسِهِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ تَعَالَى عَقِبَ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣] .
وَهَذَا ظَاهِرُ الدَّلَالَةِ عَلَى بُطْلَانِ زَعْمِهِمْ فَقَدِ اشْتُهِرَ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّ بَعْضَ الْكُفَّارِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ مِنْ شَخْصٍ كَانَ بِمَكَّةَ أَعْجَمِيٍّ، قِيلَ أَنَّهُ كَانَ مَوْلًى لِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَإِذَا كَانَ الْكُفَّارُ جَعَلُوا الَّذِي يُعَلِّمُهُ مَا نَزَلَ بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ بَشَرًا، وَاللَّهُ ﷿ أَبْطَلَ ذَلِكَ بِأَنَّ لِسَانَ ذَلِكَ أَعْجَمِيٌّ، وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ عَلِمَ أَنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَزَلَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ الْمُبِينِ وَأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يُؤَلِّفْ نَظْمَ الْقُرْآنِ بَلْ سَمِعَهُ مِنْ رُوحِ الْقُدُسِ
1 / 166