114

Lawamic Anwar

لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية

Editorial

مؤسسة الخافقين ومكتبتها

Número de edición

الثانية

Año de publicación

1402 AH

Ubicación del editor

دمشق

وَالتَّوْفِيقِ لِلسَّدَادِ، أَيِ الصَّوَابِ ; يَعْنِي بِالنَّظَرِ الصَّائِبِ فِي الْوُجُودِ وَالْمَوْجُودِ ; كَمَا مَرَّ آنِفًا، وَيَجِبُ النَّظَرُ قَبْلَهَا لِتَوَقُّفِهَا عَلَيْهِ، فَهُوَ أَوَّلُ وَاجِبٍ لِغَيْرِهِ، وَقَالَ الْقَاضِي: أَوَّلُ وَاجِبٍ وَطَاعَةٍ اكْتِسَابُ إِرَادَةِ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَعْرِفَةِ، فَمَنْ تَرَكَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَثِمَ، وَلَا إِثْمَ عَلَى النَّاظِرِ فِي مُدَّةِ نَظَرِهِ، وَالنَّظَرُ وَالْمَعْرِفَةُ اكْتِسَابٌ، وَقَدْ يُوهَبَانِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهُ هُدَاهُ، وَلَا يَقَعَانِ ضَرُورَةً، وَقِيلَ: بَلَى، وَحَمَلَ ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَلَى الْمَعْرِفَةِ النَّظَرِيَّةِ، كَمَعْرِفَةِ إِبْلِيسَ لَا الْمَعْرِفَةِ الْإِيمَانِيَّةِ، وَقَالَ: مُثْبِتُو النُّبُوَّاتِ تَحْصُلُ لَهُمُ الْمَعْرِفَةُ بِاللَّهِ بِثُبُوتِ النُّبُوَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا اسْتِدْلَالٍ فِي دَلَائِلِ الْعُقُولِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فِي (عُيُونِ الْمَسَائِلِ) وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِ، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ فِي (نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِينَ) أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ تَحْصُلُ بِاكْتِسَابِ مُوجِبٍ، أَيْ أَنَّ الْبِدَايَةَ سَبَقَتْ بِالتَّوْفِيقِ لِإِصَابَةِ الدَّلِيلِ الْمُوصِلِ إِلَى الْمَعْرِفَةِ، وَاخْتِصَاصُ الْمُرِيدِ بِمَعْرِفَتِهِ سَبَقَ بِفَضْلِهِ وَمُقَارَنَةِ عَوْنِهِ بِالْوُصُولِ إِلَى تَمَامِ أَدِلَّتِهِ، فَتَكُونُ الْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ مَعْرِفَةَ الدَّلِيلِ الْمُوصِلِ إِلَى حَقِيقَةِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ اكْتِسَابٌ مَوْهُوبٌ كَقِصَّةِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ ﵇ فِي النَّظَرِ، وَالْمَعْرِفَةُ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ كَالْإِيمَانِ. نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ﵁ فَمَعْرِفَةُ التَّفْصِيلِ أَزْيَدُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْجُمْلَةِ. وَأَوَّلُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى الدِّينِيَّةِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَأَعْظَمُهَا أَنْ أَقْدَرَهُ عَلَى إِرَادَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ لِمَعْرِفَتِهِ - تَعَالَى، وَقَالَ خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عُثْمَانُ النَّجْدِيُّ فِي تَعْلِيقَتِهِ فِي أُصُولِ الدِّينِ: أَوَّلُ نِعَمِ اللَّهِ الدِّينِيَّةِ عَلَى عَبْدِهِ أَنْ أَقْدَرَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَوَّلَ: وَقِيلَ أَنْ هَدَاهُ لِلْإِيمَانِ، وَأَوَّلُ نِعَمِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْحَيَاةُ الْعَرِيَّةُ عَنْ ضَرَرٍ، وَقَالَ الْقَاضِي: إِدْرَاكُ اللَّذَّاتِ وَنَيْلُ الْمُشْتَهَيَاتِ، الَّتِي لَا يَتَعَقَّبُهَا ضَرَرٌ لِأَجْلِهَا، وَهُوَ يَعُمُّ كُلَّ حَيَوَانٍ، وَلَكِنْ يُقَيَّدُ الْمُكَلَّفُ بِالشُّكْرِ، وَهُوَ اعْتِرَافُهُ بِنِعْمَةِ الْمُنْعِمِ عَلَى جِهَةِ الْخُضُوعِ وَالْإِذْعَانِ، وَصَرْفُ كُلِّ نِعْمَةٍ فِي طَاعَةٍ، فَشُكْرُ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ شَرْعًا، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمْ بِوُجُوبِ شُكْرِ الْمُنْعِمِ عَقْلًا، فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ

1 / 114