Lataif Ma'arif
لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف
Investigador
ياسين محمد السواس
Editorial
دار ابن كثير
Número de edición
الخامسة
Año de publicación
1420 AH
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
Sufismo
الشمسَ، ولا القَمَرَ، ولا الرِّيحَ؛ فإنَّها رحمةٌ لِقومٍ، وعذابٌ لآخرين". ومثلُ اشتدادِ الرِّياح؛ فإن الرِّيح كما قال النبي ﷺ مِن رَوْحِ الله، تأتي بالرحمةِ، وتأتي بالعذابِ (^١).
وأَمَرَ إذا اشتدَّتِ الريحُ أن يُسألَ الله خيرَها وخيرَ ما أُرْسِلَتْ به، ويُستعَاذَ به من شَرِّها وشَرِّ ما أرسِلَتْ (^٢) به. وقد كان النبي ﷺ إذا رأى ريحًا أو غيمًا تغيَّر وجْهُهُ، وأقبَلَ وأدْبَرَ، فإذا مَطَرَتْ سُرِّيَ عنه، ويقول: قد عُذِّبَ قومٌ بالرِّيح. ورأى قومٌ السِّحابَ، فقالوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ (^٣).
وأسبابُ الرحمةِ يُرجّي بها عبادَهُ، مثلُ الغيمِ الرطب والريحِ الطيبةِ، ومثلُ المطرِ المعتادِ عند الحاجة إليه، ولهذا يقال عند نزوله: اللهم سُقْيا رحمةٍ ولا سُقْيا عذابٍ.
وأمَّا من اتَّقى أسبابَ الضَّرَرِ بعدَ انعقادِها بالأسباب المنهِيِّ عنها، فإنه لا ينفعُه ذلك غالبًا، كمن ردَّتْهُ الطيرَةُ عن حاجته خشيةَ أن يُصيبَهُ ما تطيَّرَ به، فإنَّه كثيرًا ما يُصاب بما خشي (^٤) منه، كما قاله ابنُ مسعودٍ، ودَل عليه حديثُ أنس المتقدِّم. وكمن اتَّقَى الطَّاعونَ الواقِعَ في بلدِهِ بالفِرارِ منه، فإنَّه قلَّ أن يُنجيَهُ ذلك. وقد فَرَّ كثيرٌ مِن المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ من الطاعون فأصابهم، ولم ينفعهُم الفِرارُ، وقد قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ
(^١) أخرج أبو داود في سننه رقم (٥٠٩٧) في الأدب، باب ما يقول إذا هاجت الريح، عن أبي هريرة ﵁، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "الرِّيح من رَوْح الله، ورَوْح الله تأتي بالرحمة وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبُّوها، وسلوا الله من خيرها، واستعيذوا بالله من شرها". ورواه بمعناه ابن ماجه رقم (٣٧٢٧) في الأدب، باب النهي عن سب الريح، وإسناده حسن.
(^٢) من حديث أخرجه البخاري ٦/ ٢١٦ في بدء الخلق، ومسلم رقم (٨٩٩) في الاستسقاء، باب التعوذ عند رؤية الريح والغيم، والترمذي رقم (٣٤٤٥) في الدعوات، باب ما يقول إذا هاجت الريح، عن عائشة ﵂: "أن رسول الله ﷺ كان إذا عصفت الرِّيح، قال: اللهم، إني أسألك خيرها وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرِّها وشرّ ما فيها، وشر ما أرسلت به".
(^٣) سورة الأحقاف، الآية ٢٤، وروى الحديث البخاري ٨/ ٥٧٨ في تفسير سورة الأحقاف، ومسلم رقم (٨٩٩) في الاستسقاء، وأبو داود رقم (٥٠٩٨) و(٥٠٩٩) في الأدب، والترمذي رقم (٣٢٥٤) في التفسير، بروايات متعددة أوردها ابن الأثير في "جامع الأصول" ٤/ ١٠ - ١٢.
(^٤) في آ، ش: "يخشى".
1 / 146