في 15 شباط 1823 كتب لامرتين إلى صديقه فيريو يقول: «لقد بعت ديواني الجديد بمبلغ أربعة عشر ألف فرنك يدفع نقدا في هذا الصيف.» ولما صدر هذا الديوان كتب ألفرد ده فينيي إلى فيكتور هيغو يقول: «إن مجموع قصائد هذا الديوان الجديد لا يوازي مجموع قصائد الديوان الأول، على أن هناك قصيدة «البريلود» وبعض فقرات من قصيدة «بونابرت» لا أظن أن لامرتين سبق له أن نظم مثلها. وعلى كل أرى في شعره قلبا وشعورا يعبد من أجلهما، فهو قد عرف أن يمتزج بجميع القلوب.»
موت سقراط
في السنة 1817 كان الكاتب الفرنسي فيكتور كوزان، الذي عزل من مركزه في جامعة السوربون، قد نقل إلى اللغة الفرنسية جميع مؤلفات أفلاطون مشروحة شرحا وافيا، وكأن تعشق لامرتين للفيلسوف اليوناني أيقظ في مخيلته طيف أستاذه العظيم سقراط؛ ففي 15 شباط 1823 كتب إلى صديقه فيريو يقول: «أشرع اليوم بعمل فكرت فيه منذ ست سنوات، وهو نشيد في موت صديقنا سقراط.» وبعد مرور شهر كتب إلى فيريو يبشره بإنجازه النشيد. أما النشيد هذا فكان يحتوي تسعماية بيت لم يسبق للامرتين أن نظم أروع منها؛ ولقد باع الشاعر قصيدته هذه بستة آلاف فرنك، على أن يعود إليه حق نشرها بعد مرور تسع سنوات.
قال لامرتين في المقدمة التي وضعها لهذا النشيد ما يلي: «لقد حارب سقراط طوال حياته سلطان الحس الذي هدمه المسيح؛ ففلسفته كانت فلسفة دينية وديعة، عذبة، خاضعة، لقد حزرت وحدة الله وخلود النفس.»
آخر أناشيد شيلد هارولد
بعد أن صدر ديوان «التأملات الجديدة» وقصيدة «موت سقراط» اللذان استقبلهما النقاد بفصول قاسية فيها كثير من التحامل، صحت عزيمة لامرتين على أن ينزوي في قصره ويعتزل العالم الأدبي، وأقسم على أن الأوساط الأدبية لن تسمع صوته قبل عشر سنوات أو اثنتي عشرة سنة. وفي شتاء 1823-1824 وجه فكره نحو الملحمة الكبرى التي حلم بها في العام 1821، وانصرف إلى نظم النشيدين اللذين استعرض فيهما أنبياء التوراة وفرسان القرون الوسطى. ولم يخرج من قصره إلا في مطلع الخريف؛ ليرشح نفسه لكرسي المجمع العلمي الذي فرغ بموت بيير لاكروتيل. على أن الشاعر لم ينجح هذه المرة، وإن يكن أتباع المذهب الرومانطيقي قد ناصروه، وناصره شاتوبريان، وفيللمان، وفيكتور هيغو - كان فيكتورهيغو وقتئذ في الثانية والعشرين من العمر - فقنط لامرتين وعاد إلى عزلته وانزوى في قصر سان بوان.
وكان أن الشاعر الإنكليزي بيرون توفي في ميسولونغي (اليونان) حيث كان قد تطوع للدفاع عن اليونان في وجه الترك، فتأثر لامرتين تأثرا شديدا لموت شقيقه في الروح، وصحت عزيمته على أن يحيي شعرا ذلك الشاعر البطل الذي أحبه وأعجب به في حياته وموته. وكانت العاطفة المسيحية قد خمدت في روح الشاعر وبدأت جذوة الشكوك تضطرم فيه، فكتب نشيده «شيلد هارولد» تحت هذا التأثير الفجائي، فكان نشيدا فلسفيا أكثر منه مسيحيا.
جاء في مذكرات والدته ما يلي: «يكتب ألفونس قصيدة عنوانها «شيلد هارولد» يحيي فيها موت اللورد بيرون في سبيل الاستقلال اليوناني. على أن القصيدة هذه تحتوي فقرات لا تروقني، وأخشى أن يكون قد تأثر بالأفكار الفلسفية الحديثة التي ترمي إلى هدم الدين والنظام الملكي.»
وفي اليوم الثاني والعشرين من شهر شباط 1825 أنجز لامرتين نشيده الكبير، وقد حيا فيه بطولة بيرون وعظمة اليونان الثائرين لأجل الحرية، وحاول أن يثبت أن الشعب اليوناني الحالي إنما هو وارث الشعب الإغريقي القديم، وختم نشيده بتحية هوميروس وأفلاطون والأرض اليونانية، أم جميع الحضارات.
ولم يكد الناشرون يعلمون بأن الشاعر أنجز قصيدته هذه حتى تهافتوا عليه يتبارون في التزامهم إياها، وما هي أن رست على الناشر دونداي دوبري بتسعة آلاف فرنك، وفي الرابع عشر من شهر 1825 صدرت القصيدة في أربع وعشرين صفحة، وبيع منها ستة آلاف نسخة بيومين.
Página desconocida