Destellos de mi vida: autobiografía parcial
لمحات من حياتي: سيرة شبه ذاتية
Géneros
بقيت هذه الوزارة في الحكم قرابة شهر، وكانت الشرقية تقيم حفل تكريم لأبي بمناسبة توليه الوزارة، وكان اليوم المحدد لهذا التكريم هو اليوم الذي استقالت فيه الوزارة، وكان سبب الاستقالة أن سري باشا كان قد أزال الخلافات التي كانت بينه وبين الحزب السعدي، وتم الاتفاق بينهما على أن يشارك الحزب السعدي في الوزارة ويمثله فيها خمسة وزراء، فكان طبيعيا أن تستقيل الوزارة ويعاد تشكيلها وينقص عدد الوزراء من حزب الأحرار الدستوريين إلى خمسة وزراء بدلا من سبعة، وكان طبيعيا ألا أذهب أنا أيضا إلى الزقازيق لحضور الحفلة فقد كنت يومها لا أدري إن كان المكرم أبي سيظل في الوزارة أم سيخرج منها.
وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر اليوم دق جرس التليفون في منزلنا وكان أبي نائما في القيلولة، فما كان - رحمه الله - يعنيه أن يبقى في الوزارة أم لا يبقى، فقد كانت شخصيته أكبر من أي منصب، رفعت سماعة التليفون وجاء في الصوت على الطرف الآخر: منزل معالي الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة. - نعم. - معالي الوزير موجود؟ - من يريده؟ - مجلس الوزراء؟
فلم أشأ أن أخبره أن أبي نائما وإنما تجرأت وقلت للمتحدث: نعم موجود.
وتجرأت مرة أخرى وأدخلت التليفون إلى أبي في قيلولته، وكان المتحدث يستدعي أبي للذهاب إلى مجلس الوزراء في الساعة السادسة، ووعد أبي بالحضور، وطلب مني أن أتركه ليكمل قيلولته، وكأن شيئا لم يحدث، كم كان عظيما لا يهزه عاصف من فرح أو غيره.
وعاد أبي إلى الوزارة في وزارة الشئون الاجتماعية، وخرج اثنان من وزراء حزب الأحرار الدستوريين، من بينهما رشوان باشا محفوظ الذي عين قبل شهر من الوزارة الجديدة، وكانت هذه آخر مرة يشترك فيها في الوزارة.
وبقيت هذه الوزارة في الحكم حتى 4 فبراير سنة 1942م الشهيرة حين حاصر الإنجليز القصر الملكي، وطالبوا بتعيين النحاس باشا رئيسا للوزارة أو يعزلوا الملك فاروق، وكان ما كان من اجتماع زعماء الأحزاب ورؤساء الوزارات السابقين بقصر عابدين، وعرض المجتمعون على النحاس باشا أن يؤلف وزارته مؤتلفة من الأحزاب ليواجه الحالة الخطيرة التي تمر بها البلاد، فرفض هذا العرض بكل إصرار، وصاح أحمد ماهر باشا في وجه النحاس بكلمته الشهيرة: إنك تأتي إلى الحكم على أسنة الحراب الإنجليزية. فلم يأبه النحاس بهذا، وخضع الملك لتهديد الإنجليز وأصدر مرسومه بتأليف الوزارة.
الفصل الثالث
ولا أنسى في اليوم التالي كنت أركب السيارة الخاصة، لا سيارة الوزارة طبعا مع أبي، وقلت له: كيف سيواجه النحاس الجماهير بعد هذا؟ وفي ذكاء السياسي العملاق قال لي: سيقول: لقد أنقذت عرش مصر.
وما لبث النحاس أن قال هذه الأضحوكة وكأن أبي كان في عقله حين توقع أنه سيدعي هذا الادعاء، والغريب أن الجماهير الوفدية تجمعت حول مجلس الوزراء لتهنئ النحاس ووزارته القادمة بالحراب الإنجليزية، وفي أثناء تجمعها حضر إلى مجلس الوزراء السير مايلز لمبسون، وكان ضخم الجثة بصورة غير مألوفة، فقد كان طويل القامة إلى حد بعيد، كما كان بالغ السمن، والعجيبة أن الجماهير الوفدية حملته على أكتافها وهتفت باسمه ولم تشعر بالهوان وهي تحمل المندوب السامي البريطاني على أكتافها بعد أن زلزل عرش مصر، وكان الملك إلى ذلك الحين محبوبا من الشعب حبا لم يحظ به ملك، وقد استطاع بغبائه الشديد أن يبدد هذا الحب بطريقة العربيد الأبله، الذي اختاره لنفسه واعتقد اعتقادا يقترب من اليقين أن أمه الملكة نازلي لها أثر كبير في اضطراب عقله ومسلكه جميعا بأفعالها المخزية التي كانت ترتكبها، والتي انتهت بزواجها من أحمد حسنين باشا، مما كان له أسوأ الأثر في نفوس الناس ومن باب أدق في نفسية الملك، وما فعلته بعد ذلك أدهى وأمر.
أعلنت وزارة النحاس حل البرلمان وإجراء انتخابات، وطلب حزب الأحرار مقابلة النحاس باشا للاتفاق على الأسس التي سيدخلون عليها الانتخابات، وتحدد موعد اللقاء واختار الحزب أبي وأحمد باشا عبد الغفار ليمثلا الحزب في مفاوضاته مع النحاس باشا، وكان اللقاء طريفا، ولذلك فإنه لم يفر من ذهني.
Página desconocida