وكانت هذه الفلسفة الإلهية الجديدة قد تأثرت بالفكر اليوناني رغم أنها ظهرت ضد الفلسفة اليونانية، فكانت روح الكتاب والسنة تحتج دائما على هذا الموضوع ووجدت طبقة وجيهة للأمة الإسلامية معارضة لهذه التفاصيل الفلسفية والتآويل الكلامية، غير أن الحاجة إلى عالم كبير نافذ البصيرة، واسع العلم، قوي الإيمان كانت أكيدة لشرح الكتاب والسنة والتعبير القوي المؤثر عنهما، ذلك الذي يعتقد أجزم الاعتقاد أن في نصوص الكتاب والسنة حول ذات الله وصفاته وفي تعبيراتها عنها غنى وكفاية تامة، ذلك العالم الذي يتوصل بذكائه ودراسته إلى أعماق الفلسفة ويطلع على خباياها وكوامنها، ويتمكن من تناول أقوال فلاسفة اليونان ومذاهبهم الفكرية بالنقد العلمي، بما عنده من علم بموضع ضعفها الأساسية، ذلك الذي قد تعمق بتفكيره فوصل إلى أغوار علم الكلام واطلع على الخلافات الدقيقة بين الأديان والفرق الإسلامية ولا يخفى عليه شيء من تاريخ علم الكلام ونموه، ذلك الرجل الذي يكون على جانب عظيم من الثقة والاعتزاز بنصوص الكتاب والسنة ومذهب السلف بفضل دراسته وتجاربه، يفيض عزما وحماسا بنصرته وشرحه، ويعيش على حسك السعدان لكي يثبت رجحان مذهب السلف وفضله من الناحية العقلية على غيره من الفلسفات والنظم العقلية، كما يكون متمتعا بجميع تلك الوسائل والمؤهلات التي يتطلبها هذا العمل العظيم ومتميزا في ذكائه وقوة بيانه واستدلاله وسعة نظره وعمق دراسته عن غيره، يكون فوق مستوى عصره وكفوا للقيام بهذه الخدمة بمعنى الكلمة.
في مواجهة المسيحية، ونقدها العلمي:
Página 35