وردت بلا وعي قائلة: شجاعة؟!
فقال الطبيب: نعم، عهدي بك شجاعة.
وقلبت في رأسها الكلمة وتساءلت عن معنى الشجاعة.
ما هي الشجاعة؟ أن تعيش الحياة؟! أو تموت الموت؟!
كانت الشجاعة منذ لحظات هي أن تركب الأتوبيس قبل أن يقف، وتشتري كتابا بعشرة جنيهات ليس معها غيرها، أو تقول لزميلها: أنت منافق. أو تقول لرئيسها: أنت مخطئ. أو تقول لبائع الخضر: أنت لص. أو تقول لصديقها: أنا أحبك! ولكن الشجاعة الآن أصبحت شيئا آخر، أصبحت شيئا مستحيلا يطلب منها المستحيل.
كيف وهي حية تتحرك وتتنفس وتحس دقات قلبها ونبضات روحها أن تعتبر نفسها ميتة؟ كيف لها وهي تتحسس خلايا جسدها الدافئة الحية أن تسلم بأن خلايا الموت الباردة تزحف على جسدها؟
كيف لها أن تصدق أن جسدها يمكن أن يحمل الحياة والموت في وقت واحد؟ ولكن لماذا لا تصدق؟ ألم ينطق الطبيب بالحقيقة الرهيبة؟ هل تنقصها الشجاعة لتصدق الحقيقة؟ أم تنقصها الحقيقة لتمارس الشجاعة؟ أم ينقصها العقل؟ أم ينقصها الإيمان؟
أم أن الأمر كله لا يحتاج إلا إلى ذلك التسليم اللامنطقي بالقضاء المحتوم!
وارتفعت ذراعها الثقيلة تتحسس صدرها باحثة عن الورم الصغير ، واستطاعت أصابعها أن تعثر عليه وسط النسيج الطري؛ كرة صغيرة لها حجم الليمونة ولها جفاف الزيتونة وكثافتها، تجري هنا وهناك بثقة وحرية واستهتار؛ استهتار بذلك اللحم المستقر الآمن، واستهتار بذلك الجلد الذي يغلفها ويحددها، فشدته إليها في تعاريج دقيقة كثيرة كتعاريج الوجه الغاضب.
كرة صغيرة من اللحم، من الخلايا الغاضبة الفائرة راحت تنقسم على نفسها في جنون، وتلتوي على بعضها البعض في صلابة وشدة، وتفسح لنفسها مكانا مريحا، وتأكل الخلايا الوادعة الآمنة أكلا. ما الذي أغضبها هذه الخلايا؟ وما الذي أشعل بها نار الجنون؟ أهي سمة الكائنات الحية أن تأكل بعضها البعض؟! هي سمة الموت الذي يعيش على الحياة؟! لا أحد يعلم؛ لا الطبيب، ولا الساحر، ولا رجل الدين. لا أحد يعلم على الإطلاق.
Página desconocida