ولا يؤيسك من الخير ما مضى من التفريط، فإنه قد انتبه خلق كثير بعد الغفلة والرقاد الطويل، فقد حدثني الشيخ أبو حكيم عن قاضي القضاة أبي الحسن [علي بن محمد] الدامغاني رحمه الله، قال: كنت في صبوتي متشاغلا بالبطالة غير ملتفت إلى العلم ، فأحضرني أبو عبد الله [محمد بن علي الدامغاني] رحمه الله، وقال لي: يا بني إني لست أبقى لك أبدا، فخذ عشرين دينارا وافتح دكان خباز وتكسب! فقلت: ما هذا الكلام؟! قال: فافتح دكان بزاز! فقلت: تقول هذا وأنا ابن قاضي القضاة أبي عبد الله الدامغاني! قال: فما أراك تحب العلم! فقلت: اذكر لي الدرس الساعة، فذكر لي، فأقبلت على التشاغل بالعلم واجتهدت ففتح الله علي.
وحكى لي بعض أصحاب أبي محمد [عبد الرحمن بن محمد] الحلواني رحمه الله، قال: مات أبي وأنا ابن إحدى وعشرين سنة، وكنت موصوفا بالبطالة، فأتيت أتقاضى بعض سكان دار قد ورثتها، فسمعتهم يقولون: قد جاء المدبر؛ أي الربيط فقلت لنفسي: يقال عني هذا! فجئت إلى والدتي فقلت: إذا أردت طلبي فاطلبيني من مسجد الشيخ أبي الخطاب، ولازمته فما خرجت إلا إلى القضاء، فصرت قاضيا مدة.
قلت: ورأيته أنا وهو يفتي ويناظر.
فألزم نفسك يا بني الانتباه عند طلوع الفجر، ولا تتحدث بحديث الدنيا، فقد كان السلف الصالح رحمهم الله لا يتكلمون في ذلك الوقت بشيء من أمور الدنيا.
Página 7