واعلم يا بني أن يونس عليه السلام لما كانت ذخيرته خيرا نجا بها من الشدة، قال الله تعالى: {فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} [سورة الصافات/143 - 144].
وأن فرعون لما لم تكن له ذخيرة خير لم يجد في شدته مخلصا، فقيل له: {ءالآن وقد عصيت قبل} [سورة يونس/91].
فاجعل لك ذخائر خير من تقوى تجد تأثيرها.
وقد جاء في الحديث: " ما من شاب اتقى الله تعالى في شبابه إلا رفعه الله تعالى في كبره".
قال الله تعالى: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين} [سورة يوسف/22].
واعلم يا بني أن أوفى الذخائر غض الطرف عن محرم، وإمساك اللسان عن فضول كلمة، ومراعاة حد، وإيثار الله سبحانه وتعالى على هوى النفس، قد عرفت حديث الثلاثة الذين دخلوا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان وأولاد فكنت أقف بالحليب على أبوي فأسقيهما قبل أولادي، فإن كنت فعلت ذلك لأجلك فافرج عنا؛ فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني كنت استأجرت أجيرا فتسخط أجره، فاتجرت له به فجاء يوما فقال: ألا تخاف الله؟! فقلت: انطلق إلى تلك البقر ورعاتها فخذها، فإن كنت فعلت ذلك لأجلك فافرج عنا؛ فانفرج ثلث الصخرة، فقال الآخر: اللهم إني علقت ببنت عم لي، فلما دنوت منها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت عنها، فإن كنت فعلت لأجلك فافرج عنا؛ فرفعت الصخرة وخرجوا ".
ورؤي سفيان الثوري رحمه الله في المنام فقيل له: ما فعل الله تعالى بك؟ قال: ما كان إلا أن وضعت في اللحد فإذا أنا بين يدي رب العالمين، فأمر بي إلى الجنة، فدخلت فإذا أنا بقائل يقول: سفيان؟ قلت: سفيان، قال: تذكر يوم آثرت الله تعالى على هواك؟ قلت: نعم! فأخذتني صواني النثار من الجنة.
فصل في الجمع بين العلم والعمل
Página 10