لاأتوفر على اسم الكتاب باللغة الإنجليزية
مهمات حول الجهاد
Géneros
[مقدمة]
مهمات حول الجهاد
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الحمد لله معز أوليائه المؤمنين وقامع أعدائه من الكافرين والمشركين والمنافقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المجاهدين الصابرين، وخليل رب العالمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حتى تركنا على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعده إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه ما تتابع الليل والنهار كفاء ما قدم وكفاء ما علم وبين. . أما بعد:
فإن الله جل وعلا فرض فرائض وبينها ورسم لنا طريقا في القيام بها لا نتعداه، وحد لنا حدودا لا نتجاوزها، وهذه الفرائض والحدود نزلت من حكيم حميد؛ حكيم في أمره ونهيه وعلى ذلك يحمد، وحكيم في قدره وقضاءه وعلى ذلك يحمد فليس لنا إلا الإذعان لشرعه والاعترف بحكمته والإقرار واللهج بحمده وثنائه.
فسبحانه وبحمده وتبارك اسمه وتعالى جده، ولا إله غيره.
وإن من الفرائض التي فرضها الله على عباده والواجبات التي كتبها عليهم: الجهاد في سبيله وبذل الجهد في نصرة دينه والدفاع عنه ورد كيد
1 / 7
أعدائه.
ولما فرض علينا هذه الفريضة بين لنا كيف نأتيها، ولم يتركنا وهذه الفريضة بلا كيف، بل أوضح لنا سبيلها في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ فبانت المحجة وأقيمت الحجة، وليس لنا إلا أن نسير على طريقه الذي رسمه في القيام بهذه الفريضة العظيمة.
ألا ترى أن الصلاة مع جلالة قدرها وعظيم منزلتها، بين لنا كيف نؤديها ولم يترك لعقولنا في تشريعها مجالا أو لأهوائنا في رسمها طريقا؟
قال جل وعلا: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [البقرة: ٤٣] (البقرة: ٤٣)، وقال سبحانه وبحمده: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء: ١٠٣] (النساء: ١٠٣)، وقال ﷺ: «بني الإسلام على خمس» وذكر منها الصلاة وقال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.»
ومع ذلك نهينا عن زيادة ركعة في الصلاة لم تأت بها الشريعة والسبب في هذا أن العباد يتعبدون للمعبود كما يريد وفق شريعته الحكيمة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تنزيل من حكيم حميد.
وهكذا الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام وركن من أركانه نؤديه كما شرعه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله ﷺ وقرره الصحب الكرام والأئمة الأعلام لا نخرج عن الطريق بأهوائنا ومراداتنا بل نتبع ونذعن ونسلم، لأننا نعبد الله كما يريد لا كما نريد ونجاهد في سبيله على سبيله
1 / 8
لا على سبل غيره.
أيها القارئ الكريم. . . هذه رسالة بين يديك جمعتها وأنا العبد لله الفقير إلى مولاه المتجرد من الحول والقوة إلا بالله.
كتبتها حول الجهاد إذ حصل في عدم فقه أصوله خلط ولبس وتلبيس، وقد قصرت الكلام على بعض ما يتعلق بالموضوع إذ هو كبير ويحتاج إلى بسط وطول.
فقصدت في البحث علاج بعض الشبه عند عموم الشباب وأدخلت أصول أهل السنة والجماعة لأن الحال يستدعي ذلك، وقد جاء البحث كالتالي:
أولا: أهمية الجهاد في الإسلام وفي ثناياه ربط الجهاد مع ولاة الأمر أبرارا كانوا أو فجارا، ومبحث في انعقاد الإمامة وبم تحصل؛ لأن الجهاد مرتبط بالإمام، ومسألة: صحة تعدد الأئمة عند الاضطرار وكل إمام منهم يأخذ حكم الإمام.
ثانيا: تعريف الجهاد ثالثا: شروط وجوب الجهاد على المسلم رابعا: أحكام الجهاد وفيه أن الجهاد يكون فرض عين ويكون فرض كفاية ويكون محرما،
1 / 9
وتنبيه حول من يدخل بلاد الكفر بتأشيرة وأن ذلك أمان منهم له وليس له ظلمهم أو خيانتهم.
خامسا: تنبيهات حول الجهاد اليوم ١ - الخوض في وجوبه وعدمه إنما يكون لخاصة الناس وهم العلماء الراسخون.
وفيه التحذير من أهل الجهل والأصاغر في العلم، وبيان صفات العلماء الراسخين، وتنبيه حول قضية فهم مقاصد الشريعة.
٢ - إياك واتهام أهل العلم وإن تكلموا بغير ما في نفسك.
٣ - أمر الجهاد من مهمات وصلاحيات الإمام.
وفيه تنبيه على أن للإمام أن يصالح ويعقد الهدنة مع من يراه لصالح المسلمين، وفائدة في مدخل للشيطان على كثير من المنتسبين للدعوة والعلم وهو إساءة الظن بولاة الأمر من الأمراء والعلماء.
سادسا: معالم لأهل السنة غائبة عن كثير من شباب الأمة - سيكون عليكم سلطان فأعزوه.
- قاعدة حفظ المصالح العامة واجب ولا ينضبط إلا بتوقير الأئمة فمتى أهينوا تعذرت المصلحة.
- عليكم بالتؤدة.
1 / 10
- مناصحة ولاة الأمر.
- الدين رأس والملك حارس وما لا رأس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع.
- خاتمة ونتيجة.
هذا وإني أشكر لمعالي الشيخ د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، عضو اللجنة الدائمة للإفتاء، تَكَرُّمَهُ بقراءة هذا البحث المتواضع وتفضله بالتقديم والتقريظ له.
ولولا أن الله جل وعلا من علي بعرض هذا البحث على مثل علم وحكمة معاليه - حفظه الله تعالى - لما تجرأت على إخراجه للناس، فالحمد لله أولا وآخر وظاهرا وباطنا، وله الحمد حتى يرضى وله الحمد بعد الرضى، وصلى الله وسلم على عبده المصطفى ورسوله المجتبى سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين.
وكتبه
عبد الله بن سعد بن محمد أبا حسين
الرياض ١٥ / ١ / ١٤٢٤ هـ
1 / 11
[أولا الجهاد أمره عظيم في الإسلام]
مهمات حول الجهاد أولا: الجهاد أمره عظيم في الإسلام: جاء الحث عليه في الكتاب والسنة وضبطه أهل السنة والجماعة بضوابط تميزوا بها عن غيرهم ممن خالفهم في ذلك.
ومما قرروه في ذلك ما قاله أبو جعفر الطحاوي ﵀ تعالى: "والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة " (١) ونقل شيخ الإسلام في "الواسطية" عقيدة أهل السنة والجماعة فكان مما قال "ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع مع الأمراء أبرارا كانوا أو فجارا " (٢) .
ونقل الإمام الحسن بن علي البربهاري عن الإمام أحمد رحمهما الله أنه قال "والحج والغزو مع الإمام ماض " (٣) .
قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن - رحمهما الله تعالى - "واستمر العمل على هذا بين علماء الأمة من سادات الأمة وأئمتها يأمرون بطاعة
_________
(١) ينظر شرح الطحاوية (٢ / ٥٥٥) .
(٢) مجموع الفتاوى (٣ / ١٥٨) .
(٣) شرح السنة ص ٢٩، ٢٨.
1 / 13
الله ورسوله والجهاد في سبيله مع كل إمام بر أو فاجر، كما هو معروف في كتب أصول الدين والعقائد " (١) .
ومن عقيدتهم أيضا ما نقله الإمام الحسن بن علي البربهاري عن الإمام أحمد - رحمهما الله تعالى - أن من ولي الخلافة بإجماع الناس عليه ورضاهم به فهو أمير المؤمنين لا يحل لأحد أن يبيت ليلة ولا يرى أن ليس عليه إمام برا كان أو فاجرا (٢) .
ويدل على ذلك ما روى الإمام مسلم (٣) أن عبد الله بن عمر ﵄ جاء إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة فقال: إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول الله ﷺ يقوله سمعت رسول الله ﷺ يقول: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.»
ولما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع عبد الله بن عمر بنيه وأهله ثم
_________
(١) الدرر السنية (٧ / ١٧٨، ١٧٧) .
(٢) شرح السنة للبربهاري ص ٢٨.
(٣) في صحيحه (١٢ / ٢٤٠) بشرح النووي.
1 / 14
تشهد ثم قال: أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني سمعت رسوله الله ﷺ يقول: " «ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة»، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله، وإني لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال، وإني لا أعلم أحدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه (١) .
وإذا تقرر سبيل أهل السنة والجماعة في الجهاد وأنه لا يجوز لمن حان تحت ولاية إمام أن يجاهد إلا بإذنه، فإن مما ينبغي بيانه هنا أقوالهم في انعقاد الإمامة، وبم تحصل.
وقد أجمعوا على أنها تنعقد بأمور منها:
١ - لو نص الرسول ﷺ على أن فلانا هو الإمام فإنها تنعقد له بذلك، وقال بعض أهل العلم: إن إمامة أبي بكر ﵁ من هذا القبيل؛ لأن تقديم النبي ﷺ له في إمامة الصلاة هي أهم شيء، وفيه الإشارة إلى التقديم للإمامة الكبرى وهو ظاهر (٢) .
_________
(١) صحيح البخاري كتاب الفتن باب: إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج فقال بخلافه (١٣ / ٧٤) من فتح الباري.
(٢) أضواء البيان (١ / ٥١) .
1 / 15
٢ - الاختيار من أهل الحل والعقد (١) .
٣ - الاستخلاف: قال أبو الحسن الماوردي: "وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما، أحدهما:
أن أبا بكر ﵁ عهد إلى عمر ﵁ فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
والثاني: أن عمر ﵁ عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر اعتقادا لصحة العهد بها، وخرج باقي الصحابة منها (٢) .
٤ - التغلب: قال الإمام أحمد ﵀ في العقيدة التي رواها عنه عبد الله بن مالك العطار "ومن غلب عليهم- يعني الولاة- بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماما برا كان أو فاجرا (٣) .
_________
(١) أضواء البيان (١ / ٥١) .
(٢) الأحكام السلطانية ص ٣٩.
(٣) الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ٢٣ ط الفقي، وطبقات الحنابلة لأبي يعلى (١ / ٢٤١، ٢٤٦) وينظر في اعتقاد أهل السنة- اللالكائي (١ / ١٦٠) .
1 / 16
وكان ابن عمر ﵁ في زمان الفتنة لا يأتي أمير إلا صلى خلفه وأدى إليه زكاة ماله (١) .
وروى البخاري عن عبد الله بن دينار قال: شهدت عبد الله بن عمر ﵄ حيث اجتمع الناس على عبد الملك قال: إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله عبد الملك أمير المؤمنين على سنة الله وسنة رسوله ما استطعت وإن بني قد أقروا بمثل ذلك (٢) .
قال ابن حجر: " قوله "حيث اجتمع الناس على عبد الملك " يريد ابن مروان بن الحكم، والمراد بالاجتماع: اجتماع الكلمة وكانت قبل ذلك مفرقة، وكان في الأرض قبل ذلك اثنان كل منهما يدعى له بالخلافة وهما: عبد الملك بن مروان، وعبد الله بن الزبير (٣) .
وقال: " وكان ابن عمر في تلك المدة امتنع أن يبايع لابن الزبير أو لعبد الملك فلما غلب عبد الملك واستقام له الأمر بايعه (٤) أ. هـ.
_________
(١) أخرجه ابن سعد في الطبقات (٤ / ١٩٣) دار بيروت.
(٢) صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب: كيف يبايع الإمام الناس.
(٣) فتح الباري (١٣/ ١٩٤) .
(٤) فتح الباري (١٣ / ١٩٥) .
1 / 17
وروى البيهقي في مناقب الشافعي عن حرملة قال: سمعت الشافعي يقول: "كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه فهو خليفة (١) .
قال ابن حجر: " وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه (٢) أ. هـ.
وذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن - رحمهما الله تعالى - حصول ولاية آل مروان بالتغلب ومع ذلك انقاد لهم سائر أهل القرى والأمصار، وكذلك مبدأ الدولة العباسية، ثم قال: "وأهل العلم مع هذه الحوادث متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف يرون نفوذ أحكامه وصحة إمامته لا يختلف في ذلك اثنان (٣) .
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب: "الأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ولولا هذا ما استقامت الدنيا لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام
_________
(١) مناقب الشافعي (١ / ٤٤٨) تحقيق أحمد صقر.
(٢) فتح الباري (١٣ / ٧) .
(٣) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (٣ / ١٦٧) .
1 / 18
أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ولا يعرفون أحدا من العلماء ذكر أن شيئا من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم (١) .
وقد قدمت كلام الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن على كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب لفائدة في كلام الأخير يحسن التنبيه عليها وهي:
صحة تعدد الأئمة عند الاضطرار وحل إمام منهم في قطره يأخذ حكم الإمام
ولذلك قال شيخ الإسلام: والسنة أن يكون للمسلمين إمام واحد والباقون نوابه، فإذا فرض أن الأئمة خرجت عن ذلك لمعصية من بعضها وعجز من الباقين أو غير ذلك فكان لها عدة أئمة لكان يجب على كل إمام أن يقيم الحدود ويستوفي الحقوق (٢) .
ولما تكلم ابن كثير عن هذه المسألة قال: "وهذا يشبه حال الخلفاء من بني أمية والعباس بالعراق، والفاطميين بمصر، والأمويين بالمغرب (٣) .
_________
(١) الدرر السنية (٩/ ٥) .
(٢) مجموع الفتاوى (٣٤ / ١٧٥، ١٧٦) .
(٣) تفسيره (١ / ٧٤) ط. مكتبة النهضة بمكة المكرمة.
1 / 19
وقال الشوكاني في شرح قول صاحب الأزهار: " ولا يصح إمامان " "وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه؛ فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام أو سلطان، وفي القطر الآخر كذلك، ولا ينعقد لبعضهم أمر ولا نهي في قطر الآخر وأقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته، وبايعه أهله؛ كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب.
ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته لتباعد الأقطار، فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات، فالتكليف بالطاعة والحال هذا تكليف بما لا يطاق.
وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد".
ثم قال في آخر كلامه: " فاعرف هذا فإن المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما تدل عليه الأدلة، ودع عنك ما يقال في مخالفته، فإن الفرق
1 / 20
بين ما كانت عليه الولاية الإسلامية في أول الإسلام وما هي عليه الآن أوضح من شمس النهار.
ومن أنكر هذا فهو مباهت لا يستحق أن يخاطب بالحجة لأنه لا يعقلها (١) ا. هـ
_________
(١) السيل الجرار (٤ / ٥١٢) .
1 / 21
[ثانيا تعريف الجهاد]
ثانيا: تعريف الجهاد: لغة: الجهاد مصدر جاهد جهادا ومجاهدة، وجاهد فاعل من جهد إذا بالغ في قتل عدوه وغيره، ويقال: جهده المرض، وأجهده إذا بلغ به المشقة، وجهدت الفرس، وأجهدته إذا استخرجت جهده، والجهد بالفتح المشقة، والضم الطاقة، وقيل: يقال بالضم وبالفتح في كل واحد منهما فمادة (ج هـ د) حيث وجدت ففيه معنى المبالغة (١) .
وشرعا: بذل الجهد في قتال الكفار خاصة بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق وغيرهم.
قال الحافظ: " الجهاد شرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق، فأما مجاهدة النفس فعلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب، وأما مجاهدة الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب (٢) .
وجنسه فرض عين كما قال ابن القيم وغيره إما بالقلب وإما باللسان وإما بالمال وإما باليد فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع (٣) .
_________
(١) المطلع على أبواب المقنع للبعلي ص ٢٠٩.
(٢) فتح الباري (٦ / ٣) .
(٣) زاد المعاد لابن القيم (٣ / ١ - ١٠) وانظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز (١٨ / ٤١٨) والشرح الممتع لابن عثيمين (٨ / ٧) .
1 / 22
[ثالثا شروط وجوب الجهاد على المسلم]
ثالثا: شروط وجوب الجهاد على المسلم: ذكر أهل العلم أنه يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط وهي:
الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والسلامة من الضرر - كالعرج والعمى والمرض- ووجود النفقة.
فأما الإسلام والبلوغ والعقل فهي شروط لوجوب سائر الفروع، ولأن الكافر غير مأمون في الجهاد، والمجنون لا يتأتى منه الجهاد، والصبي ضعيف البنية.
وقد روى ابن عمر قال: «عرضت على رسول الله ﷺ يوم "أحد" وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة» متفق عليه.
وأما الحرية فتشترط لما روي أن النبي ﷺ كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد، ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد، ولأن الجهاد عبادة تتعلق بقطع مسافة فلم تجب على العبد، كالحج.
وأما الذكورية فتشترط لما روت عائشة ﵂ قالت: «يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: "جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة» ولأنها ليست من أهل القتال لضعفها وخورها، ولذلك لا يسهم لها.
ولا يجب على خنثى مشكل لأنه لا يعلم كونه ذكرا فلا يجب مع الشك
1 / 23
في شرطه.
وأما السلامة من الضرر فمعناه السلامة من العمى والعرج والمرض، وهو شرط لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ [النور: ٦١] ولأن هذه الأعذار تمنعه من الجهاد، فأما العمى فمعروف، وأما العرج فالمانع منه هو الفاحش الذي يمنع المشي الجيد والركوب كالزمانة ونحوها، وأما اليسير الذي يتمكن معه من الركوب والمشي وإنما يتعذر عليه شدة العدو فلا يمنع وجوب الجهاد لأنه ممكن منه فشابه الأعور، وكذلك المرض المانع هو الشديد فأما اليسير منه الذي لا يمنع إمكان الجهاد كوجع الضرس والصداع الخفيف فلا يمنع الوجوب لأنه لا يتعذر معه الجهاد فهو كالعور.
وأما وجود النفقة فيشترط لقول الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٩١] ولأن الجهاد لا يمكن إلا بآلة فيعتبر القدرة عليها، فإن كان الجهاد على مسافة لا تقصر فيها الصلاة اشترط أن يكون واجدا للزاد ونفقة عائلته في مدة غيبته، وسلاح يقاتل به، ولا تعتبر الراحلة لأنه سفر قريب، وإن كانت المسافة تقصر فيها الصلاة اعتبر مع
1 / 24
ذلك الراحلة لقول الله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ [التوبة: ٩٢] (١) .
_________
(١) المغني لابن قدامة (١٣ / ٨ - ١٠) .
1 / 25
[رابعا أحكام الجهاد]
رابعا: أحكام الجهاد: الجهاد فرض كفاية، قال ابن عطية: "والذي استمر عليه الإجماع أن الجهاد على كل أمة محمد ﷺ فرض كفاية (١) .
وفي حاشية ابن عابدين: "الجهاد إذا جاء النفير إنما يصير فرض عين على من يقرب من العدو، فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم يسعهم تركه إذا لم يحتج إليهم (٢) .
قال ابن قدامة في المقنع: "وهو فرض كفاية (٣) وقال: " ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد أو حصر العدو بلده تعين عليه (٤) .
فهذا هو الأصل في حكم الجهاد، وقد يكون فرض عين، قال شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة في الشرح الكبير تحت عبارة المقنع المتقدمة:
"وجملة ذلك أن الجهاد يتعين في ثلاثة مواضع:
_________
(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٣ / ٣٨) .
(٢) حاشية ابن عابدين (٤ / ١٢٤) .
(٣) (١٠ / ٦) الشرح الكبير والإنصاف.
(٤) (١٠ / ١٤) .
1 / 26
أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان يحرم على من حضر الانصراف ويتعين عليه المقام.
الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم ودفعهم.
الثالث: إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه. . (١) .
وقال النووي " قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية (٢) .
يقول شيخ الإسلام: " إذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة (٣) .
وذكر الفقهاء أن الجهاد قد يحرم ففي الأم للشافعي: "لا يجوز له الجهاد وعليه دين إلا بإذن أهل الدين وسواء كان الدين لمسلم أو كافرا (٤) .
وجاء في المنهاج وشرحه مغني المحتاج: " ويحرم على رجل جهاد بسفر
_________
(١) الشرح الكبير (١٠ / ٩ -١١) .
(٢) شرحه على مسلم (٨ / ٦٣، ٣٤) المطبوع على هامش القسطلاني على البخاري.
(٣) مجموع الفتاوى (٤ / ٦٠٩) .
(٤) الأم للشافعي (٤ / ١٦٣) .
1 / 27