ضرورة الحديث عن العلوم الحياتية وإبراز مكانتها وأهميتها بالنسبة لعزة الأمة وقوتها
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد.
فأهلًا ومرحبًا بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وأسأل الله ﷿ أن يجعل هذا اللقاء في ميزان حسناتنا أجمعين.
اللهم اجعل هذه الدقائق شاهدة لنا لا علينا، اللهم اغفر لنا بها، اللهم ارحمنا رحمة تامة عامة واسعة، لا تغادر لنا ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا غفرته، ولا إثمًا صغيرًا ولا كبيرًا إلا محوته، اللهم اغفر لنا أجمعين، وتقبل منا أجمعين، وأعز الإسلام والمسلمين، وارفع رايات الموحدين، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آمين.
نستكمل ما كنا قد بدأناه حول قضية العلم، أمة الإسلام بين علوم الشرع وعلوم الحياة.
بداية نذكر بعض التعليقات وبعض الأسئلة على المحاضرتين السابقتين: محاضرة العلم وبناء الأمم، ومحاضرة قراءة في واقعنا العلمي.
أولًا: بعض الناس كانت تتمنى أن يكون الحديث في رمضان عن الرقائق والتوبة والعودة إلى الله ﷿ وفقه الصيام وأحكامه، وما إلى ذلك من أمور عظيمة هامة.
أنا أقول: الحمد لله الكثير من إخواننا الذين يتحدثون في الدعوة وفي الإسلام وفي الخطابة وفي غيرها يتحدثون في هذه الأمور، لكن لا يُقبل أبدًا أن تنعزل الأمة عن مشاكلها في رمضان، وأن تتخلى الأمة عن أزماتها في رمضان، ليس شهر رمضان شهر عبادة بالمفهوم القاصر فقط على الصلاة والصيام، إنما هو شهر عبادة، والسنة كلها عبادة، والعمر كله عبادة بالمفهوم الواسع للعبادة، وهي أن أنفذ كل ما أمرني به ربي ﷾: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
ويوم الفرقان كان في رمضان لم يؤخر إلى ما بعد رمضان، ولم يوظف رمضان في العام الثاني من الهجرة للصلاة والقيام والتراويح والقرآن والدعاء والذكر فقط، بل فُعلت فيه هذه الأمور وإلى جوارها الجهاد في سبيل الله يوم الفرقان.
وكذلك حفر الخندق كان في رمضان، وفتح مكة كان في رمضان، وكسر الأصنام في الجزيرة العربية كان في رمضان، والثأر من فارس بعد وقعة الجسر والانتصار على الفرس في موقعة البويب كان في رمضان، وفتح الأندلس كان في رمضان، وكسر شوكة التتار أعتى قوى الأرض وأكثر جبابرة الأرض طغيانًا كان في رمضان، ما تعطّل المسلمون أبدًا في رمضان، وما وقفت حركتهم ونصرتهم لدين الله ﷿ في رمضان.
بالحوار والحديث الذي تكلمنا به في المحاضرة السابقة ألا تشعرون أن الأمة في أزمة؟ هل على المسلمين أن يؤجلوا الحديث عن أزماتهم هذه وهي أزمات ماسة وخطيرة إلى ما بعد رمضان؟ ويأتي موسم الحج ونؤجل إلى ما بعد الحج؟ ويأتي موسم المذاكرة أو موسم الزواج أو موسم العمل المضغوط لسداد الديون أو موسم كذا وكذا؟ ومشاغل الحياة كثيرة جدًا فهل نؤجل مشاكل الأمة إلى أن ننتهي من مشاكلنا الخاصة وأحوالنا الخاصة؟ هذا لا يستقيم، المسلم الصادق يقدم هموم أمته على هموم نفسه، يعيش لأمته لا لنفسه، ويضحي بنفسه من أجل رفعة هذا الدين وسيادة هذه الأمة.
قد يكون الموضوع ليس بالإمتاع الذي فيه الحديث عن التاريخ أو القصص أو التفسير أو الإعجاز، أو ما إلى ذلك من أمور هي عظيمة جدًا، لكن ليس بالضرورة أن يكون حديثنا في كل مرة حديث المتعة أو اللذة، ولكن هو حديث الإفادة، حتى وإن كان حديثًا مؤلمًا فلا بد منه، فنحن نأخذ الدواء وهو مر، ونفعل الجراحة وهي مؤلمة؛ لأنها تحقق فائدة.
بعض الإخوة وللأسف الشديد -مع أني كررت أكثر من مرة أني لست متشائمًا ولا أدعو إلى التشاؤم، ولا نذكر هذه الأمور دعوة للإحباط، إلا أنهم أُحبطوا- أُحبطوا نتيجة ذكر الأرقام والإحصائيات المفجعة التي تحدثنا عنها في المحاضرة السابقة، وأنا أسأل إخواني الذين لم يسمعوا المحاضرة السابقة أن يعودوا إلى الأشرطة المسجلة عن هذه المحاضرة لأهميتها القصوى، وأنا أعتقد أن هذه من أهم المحاضرات التي يجب أن نتناولها في هذه الآونة، وفي هذه السنوات، وليس فقط في هذه الأيام، هذه الفجوة الهائلة بيننا وبين الغرب، وبيننا وبين أمريكا أو إنجلترا أو فرنسا أو إسرائيل أو الصين أو غيرها من دول العالم الآن، هذه الفجوة الهائلة أصابت بعض الإخوة كما ذكرت بالإحباط.
وأقول: لا يمكن أبدًا لمسلم فاهم وواع أن يُحبط، فالإحباط ليس من شيم المؤمنين أبدًا: ﴿إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ﴾ [يوسف:٨٧].
﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ﴾ [الحجر:٥٦] فالإحباط ليس من شيم المؤمنين، ونصر الله ﷿ قادم لا محالة، والذي يشك ف
3 / 2