وقد تحدث ناصر خسرو في وصف رحلته عن مدينة تنيس، وأعجب بما كان ينسج فيها من قصب
92
ملون، تصنع منه العمائم والطواقي وملابس النساء، ولا ينسج في أي مكان آخر قصب يوازيه في الجودة والجمال، وذكر أيضا أن القصب الأبيض كان يصنع في دمياط، وأن الذي كان ينسج في طراز الخاصة أي: في مصانع السلطان كان لا يباع ولا يستطيع أحد الوصول إليه؛ حتى إنه ليروى أن أمير إقليم فارس في بلاد العجم أرسل عشرين ألف دينار إلى تنيس؛ ليشتري له بها حلة كاملة من النسيج السلطاني؛ ولكن رسله ظلوا في المدينة بضع سنين دون أن يوفقوا في المهمة التي ندبوا لها.
93
وأعجب ناصر خسرو كل الإعجاب بمهارة النساجين الذين كانوا يشتغلون في المصانع السلطانية،
94
وذكر أن واحدا منهم نسج قطعة من الديباج لتصنع منها عمامة السلطان، فمنح خمسمائة دينار. وكتب كذلك أن تنيس كان ينسج فيها دون غيرها من بلاد العالم قماش البوقلمون الذي يتغير لونه باختلاف ساعات النهار، ويصدره المصريون إلى بلاد الشرق والغرب.
ونحن نعرف أن مدينة تنيس كانت تقع على جزيرة في بحيرة المنزلة، ويمكن الوقوف على أهميتها في تاريخ الصناعات الإسلامية في العصور الوسطى من الحكاية التي كان الشعب يرددها والتي نقلها ناصر خسرو، وفيها يزعم القوم أن ملك الروم طلب إلى الخليفة أن يمنحه مدينة تنيس، على أن يأخذ بدلها مائة مدينة رومية؛ ولكن المصريين - الذين عرفوا بأن سواد الشعب فيهم يعتقد بأن مصر جنة الله في أرضه - كانوا يصرون على القول بأن الخليفة أبى قبول هذا الطلب!
وقد ذكر ناصر خسرو أن الجزيرة التي كانت تنيس مبنية فوقها، كانت تحيط بها سفن كثيرة أغلبها من سفن الحكومة، كما كانت فيها حامية عسكرية دائمة على قدم الاستعداد لصد غارات الروم أو الفرنج، ويروون أن الضرائب التي كانت تدخل يوميا خزانة السلطان من مدينة تنيس ألف دينار ذهب يجمعها شخص واحد، ويوصلها إلى خزينة السلطان، دون أن يرفض أحد دفع ما عليه من الضرائب، أو يجبي من أحد أكثر مما يستحق أن يفرض عليه. وقد لاحظ ناصر خسرو أن العمال الذين كانوا ينسجون القصب والبوقلمون في المصانع الحكومية كانوا يتقاضون أجورا طيبة، ولم يكن ديوان الخليفة يظلمهم، كما كان الحال في الأقاليم الإسلامية الأخرى.
وكانت أكثر ما تقوم صناعة النسج في الجهات التي يكثر فيها الأقباط،
Página desconocida