للأستاذ جاستون فييت مدير دار الآثار العربية
إنه لمما يشرفني عظيم الشرف أن يهدي المؤلف إلي هذا الكتاب، وإن هذه العاطفة النبيلة منه لتذكرني بتعاون متين منذ عشر سنين، بذلت فيها كل ما بوسعي في سبيل إرشاده، سواء في القاهرة أم في باريس، إرشاد الأكبر للأصغر سنا؛ وكنت كلما رأيت مثابرته، ويقظته العقلية المستطلعة، ونشاطه الذي لا يخمد، زدت له مساعدة وإرشادا.
وقد تعمق الدكتور زكي في التاريخ وسبر أغواره، وملك ناصية لغات أوروبية عديدة، وطاف بمعظم متاحف أوروبا دارسا ومنقبا؛ فهو إذن قد أعد إعدادا متينا ليكون مؤرخا ممتازا للفن الإسلامي، فضلا عن أنه في عنفوان الشباب ويبشر بمستقبل علمي عظيم سيؤتي أطيب الثمرات.
وكتابه هذا أبلغ دليل على ما أقول، فقد سلس للمؤلف قياد الموضوع، ولانت له قناته، مما يشهد بأنه أصبح مؤرخا فذا للفن، له طريقة علمية بلغت الغاية دقة، وله في النقد حاسة قوية نافذة.
ومعلوم أن تاريخ الفن مثله كمثل بقية العلوم من حيث جمع الحقائق وتمحيصها وشرحها وترتيبها، واستنتاج الأفكار العامة منها؛ غير أنه يختلف عنها من حيث إن مؤرخ الفن يجب أن يكون شغوفا بمادته، ولا شك في أن جوانح زكي حسن لتنطوي على هذا الشغف، الذي يسمو بصاحبه فوق الحقائق المادية وإن لم يغفلها، ويثير عنده شعور الإعجاب بتراث العصر الإسلامي الوسيط من تحف فنية يلتذ بها الحس وينعم بها العقل، ويولد في نفوس القراء حب هذه التحف التي تدل على مدنية عظيمة.
وقد أفصح موضوع الكتاب وأبان عن نفسه؛ غير أننا وإن لم ننكر ما للفن الإسلامي القديم من بساطة جذابة، وما لفن المماليك من هدوء وانسجام، لا بد لنا من الإعجاب بالتحف النفيسة التي أنتجها العصر الفاطمي، فدلت على ما كان لفن الفاطميين من قوة إبداع، وشخصية، وإحساس بالحياة شديد، وأثارت في نفوسنا روح الحمية والحماسة.
ولذا فإنك إذا قرأت هذا الكتاب أدركت تمام الإدراك أن المؤلف لم يكتبه إلا بدافع من الشغف عظيم، فبلغ به أقصى حدود الإتقان.
ألف إذن زكي حسن هذا الكتاب مدفوعا بعامل السرور وحده؛ أعني أنه بذل فيه جهده كله، وقد كنت أشاهده منذ شهور وهو يقوم بتأليفه، وكان يخيل إلي أن ما كان يعترضه من عقبات، ما كان إلا ليزكي نار الحماسة في قلبه.
بل إن العاطفة لتتجلى في اختياره موضوع الكتاب؛ فقد راعى الروح القومية، إذ يعد هذا الكتاب الخطوة الأولى في سبيل إحياء ذكرى مرور ألف عام على تأسيس القاهرة. ويحق لدار الآثار العربية أن تزهو، بل ومن واجبها أن تزهو بهذا السبق: أفليست تحوي كنوزا فاطمية عظيمة القيمة؟
قد يقال: إن دار الآثار العربية تسبق موعد هذه الذكرى؛ ولكننا نرى أننا بحاجة إلى بحوث متينة تذكرنا بما كان عليه الماضي العظيم من فخامة وروعة، فتمهد لأن يكون الاحتفال بهذا العيد احتفالا لائقا بذلك الماضي المجيد.
Página desconocida